فصل: تفسير الآيات (46- 56):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (46- 56):

{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)}
{ادخلوها بسلامٍ} بسلامةٍ {آمنين} من سخط الله سبحانه وعذابه.
{ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ} ذكرناه في سورة الأعراف {إخواناً} متآخين {على سرر} جمع سرير {متقابلين} لا يرى بعضهم قفا بعض.
{لا يمسهم} لا يصيبهم {فيها نصب} إعياءٌ.
{نبئ عبادي} أخبر أوليائي {أني أنا الغفور} لأوليائي {الرحيم} بهم.
{وأنَّ عذابي هو العذاب الأليم} لأعدائي.
{ونبئهم عن ضيف إبراهيم} يعني: الملائكة الذين أتوه في صورة الأضياف.
{إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً} سلَّموا سلاماً ف {قال} إبراهيم: {إنَّا منكم وجلون} فَزِعُون.
{قالوا لا توجل}: لا تفزع. وقوله: {على أن مسَّني الكبر} أَيْ: على حالة الكبر {فبم تبشرون} استفهامُ تعجُّبٍ كأنَّه عجب من الولد على كبره.
{قالوا بشرناك بالحق} بما قضاه الله أن يكون {فلا تكن من القانطين} الآيسين.
{قال ومَنْ يقنط} ييئس {من رحمة ربِّه إلاَّ الضالون} المكذِّبون.

.تفسير الآيات (57- 60):

{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)}
{قال فما خطبكم} ما شأنكم وما الذي جئتم له؟
{قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين} يعني: قوم لوط.
{إلاَّ آل لوط} أتباعه الذين كانوا على دينه. وقوله: {قدَّرنا} قضينا ودبَّرنا أنَّها تتخلَّف وتبقى مع مَنْ بقي حتى تهلك.

.تفسير الآيات (62- 73):

{قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73)}
{منكرون} أَيْ: غير معروفين.
{قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون} بالعذاب الذي كانوا يشكُّون في نزوله.
{وأتيناك بالحق} بالأمر الثَّابت الذي لا شكَّ فيه من عذاب قومك.
{فأسر بأهلك} مُفسَّرٌ في سورة هود. {واتبع أدبارهم} امش على آثارهم ببناتك وأهلك لئلا يتخلَّف منهم أحدٌ {ولا يلتفت منكم أحد} لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم من العذاب {وامضوا حيث تؤمرون} حيث يقول لكم جبريل عليه السَّلام.
{وقضينا إليه} أوحينا إليه وأخبرناه {ذلك الأمر} الذي أخبرته الملائكة إبراهيم من عذاب قومه وهو {أنَّ دابر هؤلاء} أَيْ: أواخر مَنْ تبقَّى منهم {مقطوع} مُهلَكٌ {مصبحين} داخلين في وقت الصُّبح. يريد: إنَّهم مهلكون هلاك الاستئصال في ذلك الوقت.
{وجاء أهل المدينة} مدينة قوم لوط، وهي سذوم {يستبشرون} يفرحون طمعاً منهم في ركوب المعاصي والفاحشة حيث أُخبروا أنَّ في بيت لوطٍ مُرداً حساناً، فقال لهم لوط: {إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون} عندهم بقصدكم إيَّاهم، فيعلموا أنَّه ليس لي عندكم قدرٌ.
{واتقوا الله ولا تخزون} مذكورٌ في سورة هود.
{قالوا أَوَلَمْ ننهك عن العالمين} عن ضيافتهم؛ لأنَّا نريد منهم الفاحشة، وكانوا يقصدون بفعلهم الغرباء.
{قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين} هذا الشَّأن. يعني: اللَّذة وقضاء الوطر. يقول: عليكم بتزوجهنَّ، أراد أن يقي أضيافه ببناته.
{لعمرك} بحياتك يا محمد {إنهم} إنَّ قومك {لفي سكرتهم يعمهون} في ضلالتهم يتمادون. وقيل: يعني: قوم لوط.
{فأخذتهم الصيحة} صاح بهم جبريل عليه السَّلام صيحةً أهلكتهم {مشرقين} داخلين في وقت شروق الشَّمس، وذلك أنَّ تمام الهلاك كان مع الإِشراق.

.تفسير الآيات (75- 83):

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77) وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآَتَيْنَاهُمْ آَيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83)}
{للمتوسمين} أَي: المُتفرِّسين المُتثبِّتين في النَّظر حتى يعرفوا حقيقة سمة الشَّيء.
{وإنها} يعني: مدينة قوم لوط {لبسبيل مقيم} على طريق قومك إلى الشَّام، وهو طريقٌ لا يندرس ولا يخفى.
{إنَّ في ذلك لآية للمؤمنين} لعبرةً للمصدِّقين. يعني: إنَّ المؤمنين اعتبروا بها.
{وإن كان أصحاب الأيكة} قوم شعيب، وكانوا أصحاب غياضٍ وأشجار.
{فانتقمنا منهم} بالعذاب. أخذهم الحرُّ أيَّاماً، ثمَّ اضطرم عليهم المكان ناراً فهلكوا. {وإنَّهما} يعني: الأيكة ومدينة قوم لوطٍ {لبإمامٍ مبين} لبطريقٍ واضحٍ.
{ولقد كذَّب أصحاب الحجر} يعني: قوم ثمود، والحِجر اسم واديهم {المرسلين} يعين: صالحاً، وذلك أنَّ مَنْ كذَّب نبيَّاً فقد كذَّب جميع الرُّسل.
{وآتيناهم آياتنا} يعني: ما أظهر لهم من الآيات في النَّاقة.
{وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً} لطول عمرهم كان لا يبقى معهم السُّقوف، فاتَّخذوا كهوفاً من الجبال بيوتاً {آمنين} من أن يقع عليهم.
{فأخذتهم الصيحة} صحية العذاب {مصبحين} حين دخلوا في وقت الصُّبح.

.تفسير الآيات (84- 88):

{فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86) وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ (87) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)}
{فما أغنى عنهم} ما دفع العذاب {ما كانوا يكسبون} من الأموال والأنعام.
{وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلاَّ بالحق} أي: للثَّواب والعقاب. أُثيب مَنْ آمن بي وصدَّق رسلي، وأعاقب مَنْ كفر بي، والموعد لذلك السَّاعة، وهو قوله تعالى: {وإنَّ الساعة لآتية} أَيْ: إنَّ القيامة تأتي، فيجازى المشركون بقبيح أعمالهم {فاصفح} عنهم {الصفح الجميل} أَيْ: أعرض إعراضاً بغير فحشٍ ولا جزعٍ.
{إن ربك هو الخلاق العليم} بما خلق.
{ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} يعني: الفاتحة، وهي سبع آيات، وتثنى في كلِّ صلاةٍ. امتنَّ الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بهذه السُّورة، كما امتنَّ عليه بجميع القرآن حين قال: {والقرآن العظيم} أي: العظيم القدر.
{لا تمدنَّ عينيك إلى ما متعنا به} نُهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرَّغبة في الدُّنيا، فحظر عليه أن يمدَّ عينيه إليها رغبةً فيها. وقوله: {أزواجاً منهم} أَيْ: أصنافاً من الكفَّار، كالمشركين، واليهود، وغيرهم. يقول: لا تنظر إلى ما متَّعناهم به في الدُّنيا {ولا تحزن عليهم} إن لم يؤمنوا {واخفض جَناحَكَ للمؤمنين} ليِّن جانبك وارفق بهم.

.تفسير الآيات (89- 95):

{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآَنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)}
{وقل إني أنا النذير المبين} أنذركم عذاب الله سبحانه، وأُبيِّن لكم ما يقرِّبكم إليه.
{كما أنزلنا} أَيْ: عذابنا {على المقتسمين} وهم الذين اقتسموا طرق مكة يصدُّون الناس عن الإِيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى بهم خزياً، فماتوا شرَّ ميتةٍ.
{الذين جعلوا القرآن عضين} جزَّؤوه أجزاءً، فقالوا: سحرٌ، وقالوا: أساطير الأولين، وقالوا: مفترى.
{فوربك لنسألنهم أجمعين}.
{عما كانوا يعملون} أَيْ: يفترون من القول في القرآن. يريد: لنسألنَّهم سؤال توبيخٍ وتقريعٍ.
{فاصدع بما تؤمر} يقول: أَظهرْ ما تؤمر، واجهر بأمرك، {وأعرض عن المشركين} لا تُبالِ بهم، ولم يزل النبيُّ صلى الله عليه وسلم مستخفياً حتى نزلت هذه الآية.
{إنا كفيناك المستهزئين} وكانوا خمسة نفرٍ: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وعدي بن قيس، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث، سلَّط الله سبحانه عليهم جبريل عليه السَّلام حتى قتل كلَّ واحدٍ منهم بآفةٍ، وكفى نبيه عليه السَّلام شرَّهم.

.تفسير الآيات (98- 99):

{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)}
{فسبح بحمد ربك} قل: سبحان الله وبحمده {وكن من الساجدين} المصلِّين.
{واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} أَي: الموت.

.سورة النحل:

.تفسير الآيات (1- 4):

{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)}
{أتى أمر الله} أَيْ: عذابه لمَنْ أقام على الشِّرك، أَيْ: قد قَرُبَ ذلك {فلا تستعجلوه} فإنَّه نازلٌ بكم لا محالة {سبحانه} براءةٌ له من السُّوء {وتعالى} ارتفع بصفاته {عما يشركون} عن إشراكهم.
{ينزل الملائكة} يعني: جبريل عليه السَّلام وحده {بالروح} بالوحي {من أمره} والوَحْيُ من أمر الله سبحانه {على مَنْ يشاء من عباده} يريد: النَّبيِّين الذين يختصُّهم بالرِّسالة {أن أنذروا} بدلٌ من الرُّوح، أَيْ: أعلموا أهل الكفر {أنه لا إله إلاَّ أنا} مع تخويفهم إنْ لم يقرُّوا {فاتقون} بالتَّوحيد والطَّاعة، ثمَّ ذكر ما يدلُّ على توحيده، فقال: {خلق السموات...} الآية.
{خلق الإِنسان من نطفة} يعني: أُبيَّ بن خلف {فإذا هو خصيم} مخاصمٌ {مبين} ظاهرُ الخصومة، وذلك أنَّه خاصم النبيَّ صلى الله عليه وسلم في إنكاره البعث.

.تفسير الآيات (5- 10):

{وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10)}
{لكم فيها دفء} يعني: ما تستدفئون به من الأكسية والأبنية من أشعارها وأصوافها وأوبارها {ومنافع} من النَّسل والدَّرِّ والرُّكوب.
{ولكم فيها جمال} زينةٌ {حين تريحون} تردُّونها إلى مَراحها بالعشايا {وحين تسرحون} تخرجونها إلى المرعى بالغداة.
{وتحمل أثقالكم} أمتعتكم {إلى بلد} لو تكلَّفتم بلوغه على غير الإِبل لشقَّ عليكم، والشِّقِّ: المشقَّة {إنَّ ربكم لرؤوف رحيم} حيث منَّ عليكم بهذه المرافق. وقوله: {ويخلق ما لا تعلمون} لم يُسمِّه، فالله أعلم به.
{وعلى الله قصد السبيل} أَي: الإِسلام والطَّريق المستقيم يُؤدِّي إلى رضا الله تعالى، كقوله: {هذا صراط عليَّ مستقيم} {ومنها} ومن السَّبيل {جائر} عادلٌ مائل كاليهوديَّة والنَّصرانية {ولو شاء لهداكم} أرشدكم {أجمعين} حتى لا تختلفوا في الدِّين، وقوله: {ومنه شجر} يعني: ما ينبت بالمطر، وكلُّ ما ينبت على الأرض فهو شجر {فيه تسيمون} ترعون مواشيكم.

.تفسير الآيات (13- 17):

{وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17)}
{وما ذرأ لكم} أَيْ: وسخَّر لكم ما خلق في الأرض {مختلفاً ألوانه} أَيْ: هيئته ومناظره، يعني: الدَّوابَّ والأشجار وغيرهما.
{وهو الذي سخر البحر} ذلَّله للرُّكوب والغوص {لتأكلوا منه لحماً طرياً} السَّمك والحيتان {وتستخرجوا منه حلية تلبسونها} الدُّرَّ والجواهرَ {وترى الفلك} السُّفن {مواخر فيه} شواقّ للماء تدفعه بِجُؤْجُئِها بصدرها {ولتبتغوا من فضله} لتركبوه للتِّجارة، فتطلبوا الرِّبح من فضل الله.
{وألقى في الأرض رواسي} جبالاً ثابتةً {أن تميد} لئلا تميد، أَيْ: لا تتحرَّك {بكم وأنهاراً} وجعل فيها أنهاراً كالنِّيل والفرات ودجلة {وسبلاً} وطرقاً إلى كلِّ بلدةٍ {لعلكم تهتدون} إلى مقاصدكم من البلاد. فلا تضلُّوا.
{وعلامات} يعني الجبال، وهي علاماتُ الطُّرق بالنَّهار {وبالنجم} يعني: جميع النُّجوم {هم يهتدون} إلى الطُّرق والقِبلة في البرِّ والبحر.
{أفمن يخلق} يعني: ما ذُكر في هذه السُّورة، وهو الله تعالى {كمَنْ لا يخلق} يعني: الأوثان. يقول: أَهما سواءٌ حتى يسوَّى بينهما في العبادة؟ {أفلا تذكرون} أفلا تتَّعظون كما اتَّعظ المؤمنون.