فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (18):

{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)}
{وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} مرَّ تفسيره {إنَّ الله لغفور} لتقصيركم في شكر نعمه {رحيم} بكم حيث لم يقطعها عنكم بتقصيركم.

.تفسير الآيات (21- 24):

{أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)}
{أموات} أَيْ: هي أمواتٌ لا روح فيها. يعني: الأصنام {غير أحياء} تأكيد {وما يشعرون أيان يبعثون} وذلك أنَّ الله سبحانه يبعث الأصنام لها أرواحٌ، فيتبرَّؤون من عابديهم، وهي في الدُّنيا جماد لا تعلم متى تُبعث، وقوله: {إلهكم} ذكر الله سبحانه دلائل وحدانيته، ثمَّ أخبر أنَّه واحد، ثمَّ أتبع هذا إنكار الكفَّار وحدانيَّته بقوله: {فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة} جاحدةٌ غير عارفة {وهم مستكبرون} ممتنعون عن قبول الحقِّ.
{لا جرم} حقاً {أنَّ الله يعلم ما يسرون وما يعلنون...} الآية. أَيْ: يُجازيهم بذلك {إنه لا يحب المستكبرين} لا يمدحهم ولا يُثيبهم.
{وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} الآية نزلت في النَّضر بن الحارث، وذكرنا قصَّته.

.تفسير الآيات (25- 28):

{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)}
{ليحملوا أوزارهم} هذه لام العاقبة؛ لأنَّ قولهم للقرآن: أساطير الأولين، أدَّاهم إلى أن حملوا أوزارهم كاملة لم يُكفَّر منها شيء بنكبةٍ أصابتهم في الدُّنيا لكفرهم. {ومن أوزار الذين يضلونهم} لأنَّهم كانوا دعاةَ الضَّلالة، فعليهم مثل أوزار من اتَّبعهم، وقوله: {بغير علم} أَيْ: يضلُّونهم جهلاً منهم بما كانوا يكسبون من الإِثم، ثمَّ ذمَّ صنيعهم فقال: {ألا ساء ما يزرون} أَيْ: يحملون.
{قد مكر الذين من قبلهم} وهو نمروذ بنى صرحاً طويلاً، ليصعد منه إلى السَّماء فيقاتل أهلها {فأتى الله} فأتى أمر الله، وهو الرِّيح وخَلْقُ الزَّلزلة {بنيانهم} بناءهم {من القواعد} من أساطين البناء التي يعمده، وذلك أنَّ الزَّلزلة خُلقت فيها حتى تحرَّكت بالبناء فهدمته، وهو قوله: {فخرَّ عليهم السقف من فوقهم} يعني: وهم تحته {وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} من حيث ظنُّوا أنَّهم في أمانٍ منه.
{ثم يوم القيامة يخزيهم} يُذلُّهم {ويقول أين شركائي} أَي: الذين في دعواكم أنَّهم شركائي، أين هم ليدفعوا العذاب عنكم {الذين كنتم تشاقون} تخالفون المؤمنين {فيهم قال الذين أوتوا العلم} وهم المؤمنون يقولون حين يرون خزي الكفَّار في القيامة: {إنَّ الخزي اليوم والسوء} عليهم لا علينا.
{الذين تتوفاهم الملائكة} مرَّ تفسيره في سورة النِّساء. وقوله: {فألقوا السلم} أَي: انقادوا واستسلموا عند الموت، وقالوا: {ما كنا نعمل من سوء} شرك، فقالت الملائكة: {بلى إنَّ الله عليمٌ بما كنتم تعملون} من الشِّرك والتَّكذيب.

.تفسير الآيات (29- 30):

{فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)}
{فادخلوا أبواب جهنم...} الآية. وقوله: {فلبئس مثوى} مقام {المتكبرين} عن التَّوحيد وعبادة الله سبحانه.
{وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم} هذا كان في أيَّام الموسم، يأتي الرَّجل مكَّة فيسأل المشركين عمَّا أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: أساطير الأولين، ويسأل المؤمنين عن ذلك فيقولون: {خيراً} أَيْ: ثواباً لمَنْ آمن بالله، ثمَّ فسَّر ذلك الخير فقال: {للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة} قالوا: لا إله إلاَّ الله ثوابٌ مضاعف {ولدار الآخرة} وهي الجنَّة {خير} من الدُّنيا وما فيها.

.تفسير الآيات (32- 37):

{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)}
{الذين تتوفاهم الملائكة طيبين} طاهرين من الشِّرك.
{هل ينظرون إلاَّ أن تأتيهم الملائكة} لقبض أرواحهم {أو يأتي أمر ربك} بالقتل، والمعنى: هل يكون مدَّة إقامتهم على الكفر إلاَّ مقدار حياتهم إلى أن يموتوا أو يُقتلوا {كذلك فعل الذين من قبلهم} وهو التَّكذيب، يعني: كفَّار الأمم الخالية {وما ظلمهم الله} بتعذيبهم {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} بإقامتهم على الشِّرك.
{فأصابهم} هذا مؤخَّر في اللَّفظ، ومعناه التَّقديم، لأنَّ التَّقدير: كذلك فعل الذين من قبلهم فأصابهم، الآية، ثمَّ يقول: {وما ظلمهم الله...} الآية. ومعنى: أصابهم {سيئات ما عملوا} أَيْ: جزاؤها {وحاق} أحاط {بهم ما كانوا به يَسْتهزئون} من العذاب.
{وقال الذين أشركوا} يعني: أهل مكَّة: {لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء} أَيْ: ما أشركنا، ولكنَّه شاءه لنا {ولا حرَّمنا من دونه من شيء} أَيْ: من السَّائبة والبحيرة، وإنَّما قالوا هذا استهزاءً. قال الله تعالى: {كذلك فعل الذين من قبلهم} أَيْ: من تكذيب الرُّسل، وتحريم ما أحلَّ الله {فهل على الرسل إلاَّ البلاغ المبين} أَيْ: ليس عليهم إلاَّ التَّبليغ، وقد بلَّغتَ يا محمَّدُ، وبلَّغوا، فأمَّا الهداية فهي إلى الله سبحانه وتعالى، وقد حقَّق هذا فيما بعد، وهو قوله: {ولقد بعثنا في كلِّ أمة رسولاً} كما بعثناك في هؤلاء {أن اعبدوا الله} بأن اعبدوا الله {واجتنبوا الطاغوت} الشيطان وكلَّ من يدعو إلى الضلاَّلة {فمنهم مَنْ هدى الله} أرشده {ومنهم مَنْ حقَّت} وجبت {عليه الضلالة} الكفر بالقضاء السابق {فسيروا في الأرض} معتبرين بآثار الأمم المكذِّبة، ثمَّ أكَّد أنَّ مَنْ حقَّت عليه الضَّلالة لا يهتدي، وهو قوله: {إن تحرص على هداهم} أَيْ: تطلبها بجهدك {فإنَّ الله لا يهدي مَنْ يضل} كقوله: {من يُضللِ اللَّهُ فلا هادي له.}

.تفسير الآيات (38- 43):

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)}
{وأقسموا بالله جهد أيمانهم} أغلظوا في الأيمان تكذيباً منهم بقدرة الله على البعث، فقال الله تعالى: {بلى} ليبعثنَّهم {وعداً عليه حقاً}.
{ليبيِّن لهم} بالبعث ما اختلفوا فيه من أمره، وهو أنَّهم ذهبوا إلى خلاف ما ذهب إليه المؤمنون {وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين} ثمَّ أعلمهم سهولة خلق الأشياء عليه بقوله: {إنما قولنا لشيء...} الآية.
{والذين هاجروا} نزلت في قومٍ عذَّبهم المشركون بمكَّة إلى أن هاجروا، وقوله: {في الله} أَيْ: في رضا الله {لنبوئنهم في الدنيا حسنة} داراً وبلدةً حسنةً، وهي المدينة {ولأجر الآخرة} يعني: الجنَّة.
{الذين صبروا} على أذى المشركين وهم في ذلك واثقون بالله تعالى مُتوكِّلون عليه.
{وما أرسلنا من قبلك} ذكرنا تفسيره في آخر سورة يوسف. وقوله: {فاسألوا أهل الذكر} يعني: أهل التَّوراة فيخبرونكم أنَّ الأنبياء كلَّهم كانوا بشراً.

.تفسير الآيات (44- 48):

{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)}
{بالبينات} أَيْ: أرسلناهم بالبيِّنات بالحجج الواضحة {والزبر} الكتب {وأنزلنا إليك الذكر} القرآن {لتبين للناس ما نزل إليهم} في هذا الكتاب من الحلال والحرام، والوعد والوعيد {ولعلهم يتفكرون} في ذلك فيعتبرون.
{أفأمن الذين مكروا السيئات} عملوا بالفساد، يعني: عبادة الأوثان، وهم مشركو مكَّة {أن يخسف الله بهم الأرض} كما خسف بقارون {أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون} أَيْ: من حيث يأمنون، فكان كذلك؛ لأنَّهم أُهلكوا يوم بدر، وما كانوا يُقدِّرون في ذلك.
{أو يأخذهم في تقلبهم} للسَّفر والتِّجارة {فما هم بمعجزين} بممتنعين على الله.
{أو يأخذهم على تخوّف} على تنقُّص، وهو أن يأخذ الأوَّل حتى يأتي الأخذ على الجميع {فإنَّ ربكم لرؤوف رحيم} إذ لم يعجل عليهم بالعقوبة.
{أَوَلَمْ يروا إلى ما خلق الله من شيء} له ظلٌّ من جبلٍ وشجرٍ وبناءٍ {يتفيَّأ} يتميَّل {ظلاله عن اليمين والشمائل} في أوَّل النَّهار عن اليمين، وفي آخره عن الشِّمال إذا كنت مُتوجِّهاً إلى القبلة {سجداً لله} قال المُفسِّرون: ميلانها سجودها، وهذا كقوله: {وظلالهم بالغدو والآصال} وقد مرَّ {وهم داخرون} صاغرون يفعلون ما يُراد منهم: يعني: هذه الأشياء التي ذكرها أنَّها تسجد لله.

.تفسير الآيات (49- 50):

{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)}
{ولله يسجد} أَيْ: يخضع وينقاد بالتَّسخير {ما في السموات وما في الأرض من دابة} يريد: كلَّ ما دبَّ على الأرض {والملائكة} خصَّهم بالذِّكر تفضيلاً {وهم لا يستكبرون} عن عبادة الله تعالى. يعني: الملائكة.
{يخافون ربهم من فوقهم} يعني: الملائكة، هم فوق ما في الأرض من دابَّة، ومع ذلك يخافون الله، فلأَنْ يخافَ مَنْ دونهم أولى {ويفعلون ما يؤمرون} يعني: الملائكة.

.تفسير الآيات (52- 55):

{وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)}
{وله الدين واصباً} دائماً، أَيْ: طاعته واجبةٌ أبداً. {أفغير الله} الذي خلق كلَّ شيء، وأمر أن لا تتَّخذوا معه إلهاً {تتقون}.
{وما بكم من نعمة} من صحَّة جسمٍ، أو سعةِ رزقٍ، أو إمتاعٍ بمالٍ وولدٍ، فكلُّ ذلك من الله، {ثمَّ إذا مسكم الضرُّ} الأسقام والحاجة {فإليه تجأرون} ترفعون أصواتكم بالاستغاثة.
{ثمَّ إذا كشف الضر عنكم} يعني: مَنْ كفر بالله، وأشرك بعد كشف الضُّرَّ عنه.
{ليكفروا بما آتيناهم} ليجحدوا نعمة الله فيما فعل بهم {فتمتعوا} أمر تهديد {فسوف تعلمون} عاقبة أمركم.

.تفسير الآيات (56- 61):

{وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)}
{ويجعلون} يعني: المشركين {لما لا يعلمون} أَي: الأوثان التي لا علم لها {نصيباً مما رزقناهم} يعني: ما ذُكر في قوله: {وهذا لشركائنا} {تالله لتسألنَّ} سؤال توبيخٍ {عمَّا كنتم تفترون} على الله من أنَّه أمركم بذلك.
{ويجعلون لله البنات} يعني: خزاعة وكنانة، زعموا أنَّ الملائكة بنات الله، ثمَّ نزَّه نفسه فقال تعالى: {سبحانه} تنزيهاً له عمَّا زعموا {ولهم ما يشتهون} يعني: البنين، وهذا كقولهم: {أم له البنات...} الآية.
{وإذا بشر أحدهم بالأنثى} أُخبر بولادة ابنةٍ {ظلَّ} صار {وجهه مسودّاً} متغيِّراً تغيُّرَ مغتمٍّ {وهو كظيم} ممتلئ غمّاً.
{يتوارى} يختفي ويتغيب مقدّراً مع نفسه {أيمسكه على هون} أيستحييها على هوانٍ منه لها {أم يدسُّه} يخفيه {في التراب} فعل الجاهليَّة من الوأد {ألا ساء} بئس {ما يحكمون} أَيْ: يجعلون لمن يعترفون بأنَّه خالقهم البناتِ اللاتي محلهنَّ منهم هذا المحل: ونسبوه إلى اتِّخاذ الأولاد، وجعلوا لأنفسهم البنين.
{للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء} العذاب والنَّار {ولله المثل الأعلى} الإِخلاص والتَّوحيد، وهو شهادة أن لا إله إلاَّ الله.
{ولو يؤاخذ الله الناس} المشركين {بظلمهم} بافترائهم على الله تعالى {ما ترك عليها من دابة} يعني: أحداً من المشركين {ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى} وهو انقضاء عمرهم.