فصل: تفسير الآيات (64- 70):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (64- 70):

{فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)}
{فأجمعوا كيدكم} أي: اعزموا على الكيد من غير اختلافٍ بينكم فيه {ثم ائتوا صفاً} مُجتمعين مصطفِّين؛ ليكون أشدَّ لهيبتكم {وقد أفلح اليوم من استعلى} أَيْ: قد سعد اليوم مَنْ غلب.
{قالوا يا موسى إمَّا أن تلقي} عصاك من يدك إلى الأرض {وإمَّا أن نكون أوَّل من ألقى}.
{قال بل ألقوا} أنتم، فألقوا {فإذا حبالهم وعصيهم} جمع العصا {يخيل إليه} يُشبَّه لموسى {أنها تسعى} وذلك أنَّها تحرَّكت بنوع حيلةٍ وتمويهٍ، وظن موسى أنَّها تسعى نحوه.
{فأوجس} فأضمر {في نفسه خيفة} خوفاً، خاف أن لا يفوز ولا يغلب فلا يُصدَّق، حتى قال الله تعالى له: {لا تخف إنك أنت الأعلى} الغالب.
{وألق ما في يمينك تلقف} تبتلع {ما صنعوا إنّ ما صنعوا} أي: الذي صنعوه {كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى} ولا يسعد السَّاحر حيث ما كان. فألقى موسى عصاه فتلقَّفت كلَّ الذي صنعوه، وعند ذلك أُلقي.
{السحرة سجداً} خرُّوا ساجدين لله تعالى {قالوا آمنا برب هارون وموسى}

.تفسير الآيات (71- 76):

{قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)}
{قال آمنتم له} صدّقتموه {قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم} معلّمكم {الذي علمكم السحر فلأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف} اليد اليمنى والرِّجل اليسرى {ولأصلبنكم في جذوع النخل} على رؤوس النَّخل {ولتعلمن أينا أشد عذاباً} أنا أو ربُّ موسى {وأبقى} وأدوم.
{قالوا لن نؤثرك} لن نختار دينك {على ما جاءنا من البينات} اليقين والهدى {والذي فطرنا} ولا نختارك على الذي خلقنا {فاقض ما أنت قاض} فاصنع ما أنت صانعٌ من القطع والصَّلب {إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} إنَّما سلطانك وملكك في هذه الحياة الدُّنيا.
{إنَّا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا} الشِّرك الذين كنَّا فيه {وما أكرهتنا عليه من السحر} وإكراهك إيانا على تعلُّم السِّحر {والله خير} لنا منك {وأبقى} لأنَّك فانٍ هالكٌ.
{إنَّه مَنْ يأت ربَّه مجرماً} مات على الشِّرك {فإنَّ له جهنم لا يموت فيها} فيستريح بالموت {ولا يحيا} حياةً تنفعه.
{ومَنْ يأته مؤمناً} مات على الإيمان {قد عمل الصالحات} قد أدَّى الفرائض {فأولئك لهم الدرجات العلى} في الجنَّة. وقوله: {جزاء من تزكى} تطهَّر من الشِّرك بقول: لا إله إلاَّ الله.

.تفسير الآيات (77- 82):

{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)}
{ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي} سِرْ بهم ليلاً من أرض مصر {فاضرب لهم} بعصاك {طريقاً في البحر يبساً} يابساً {لا تخاف دركاً} من فرعون خلفك {ولا تخشى} غرقاً في البحر.
{فأتبعهم} فلحقهم {فرعون بجنوده فغشيهم من اليم} فعلاهم من البحر {ما غشيهم} ما غرَّقَهم.
{وأضل فرعون قومه وما هدى} ردَّ عليه حيث قال: {وما أهديكم إلاَّ سبيل الرشاد} ثمَّ ذكر مِننه على بني إسرائيل فقال: {قد أنجيناكم من عدوكم} فرعون {وواعدناكم} لإِيتاء الكتاب {جانب الطور الأيمن} وذلك أنَّ الله سبحانه وعد موسى أن يأتي هذا المكان، فيؤتيه كتاباً فيه الحلال والحرام والأحكام، ووعدهم موسى أن يأتي هذا المكان عند ذهابه عنهم {ونزلنا عليكم المنَّ والسلوى} يعني: في التِّيه.
{كلوا} أيْ: وقلنا لهم: كلوا {من طيبات} حلالات {ما رزقناكم ولا تطغوا} ولا تكفروا النِّعمة {فيه فيحلَّ} فيجب {عليكم غضبي ومن يحلل} يجب {عليه غضبي فقد هوى} هلك وصار إلى الهاوية.
{وإني لغفار لمن تاب} من الشِّرك {وآمن} وصدَّق بالله {وعمل صالحاً} بطاعة الله {ثمَّ اهتدى} أقام على ذلك حتى مات عليه.

.تفسير الآيات (83- 87):

{وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)}
{وما أعجلك عن قومك} يعني: السَّبعين الذين اختارهم، وذلك أنَّه سبقهم شوقاً إلى ميعاد الله، وأمرهم أن يتَّبعوه، فذلك قوله: {قال هم أولاء على أثري} يجيئون بعدي {وعجلت إليك} بسبقي إيَّاهم {لترضى} لتزداد عني رضىً.
{قال فإنا فد فتنا قومك} أَيْ: ألقيناهم في الفتنة واختبرناهم {من بعدك} من بعد خروجك من بينهم {وأضلهم السامريُّ} بدعائهم إلى عبادة العجل.
{فرجع موسى إلى قومه غضان أسفاً} شديد الحزن. {قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً} أنَّه يعطيكم التَّوراة صدقاً لذلك الموعد. {أفطال عليكم العهد} مدَّة مفارقتي إيَّاكم {أم أردتم أن يحل} أن يجب {عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي} باتِّخاذ العجل ولم تنظروا رجوعي إليكم.
{قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا} باختيارنا ونحن نملك من أمرنا شيئاً، ولكنَّ السَّامريَّ استغوانا وهو معنى قوله: {ولكنا حملنا أوزاراً} أثقالاَ {من زينة القوم} من حُلي آل فرعون {فقذفناها} ألقيناها في النَّار بأمر السَّامِرِيَّ، وذلك أنَّه قال: اجمعوها وألقوها في النَّار ليرجع موسى، فيرى فيها رأيه {فكذلك ألقى السامري} ما معه من الحُلِّي في النَّار، وهو قوله: {فكذلك ألقى السامري} ثمَّ صاغ لهم عجلاً.

.تفسير الآيات (88- 94):

{فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)}
{فأخرج لهم عجلاً جسداً} لحماً ودماً {له خوار} صوت، فسجدوا له، وافتتنوا به، وقالوا: {هذا إلهكم وإله موسى فنسي} فتركه ها هنا وخرج يطلبه. قال الله تعالى احتجاجاً عليهم: {أفلا يرون ألا يرجع} أنَّه لا يرجع {إليهم قولاً} لا يُكلِّمهم العجل ولا يجيبهم {ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً}.
{ولقد قال لهم هارون من قبل} من قبل رجوع موسى: {يا قوم إنما فتنتم به} ابتليتم بالعجل {وإنَّ ربكم الرحمن} لا العجل {فاتبعوني} على ديني {وأطيعوا أمري}.
{قالوا لن نبرح عليه عاكفين} على عبادته مقيمين {حتى يرجع إلينا موسى} فلمَّا رجع موسى.
{قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا} أخطأوا الطَّريق بعبادة العجل {أن لا تتبعني} أن تتبعني وتلحق بي وتخبرني؟ {أفعصيت أمري} حيث أقمتَ فيما بينهم وهم يعبدون غير الله!؟ ثمَّ أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله غضباً وإنكاراً عليه، فقال: {يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرَّقت بين بني إسرائيل} خشيت إن فارقتهم واتَّبعتك أن يصيروا حزبين يقتل بعضهم بعضاً، فتقول: أوقعتَ الفرقة فيما بينهم {ولم ترقب قولي} لم تحفظ وصيتي في حسن الخلافة عليهم.

.تفسير الآيات (95- 98):

{قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)}
ثمَّ أقبل موسى على السَّامري فقال: {فما خطبك} فما قصَّتك وما الذي تخاطب به فيما صنعت؟
{وقال بصرت بما لم يبصروا به} علمت ما لم يعلمه بنو إسرائيل. قال موسى: وما ذلك؟ قال: رأيت جبريل عليه السَّلام على فرس الحياة، فأُلقي في نفسي أن أقبض من أثرها، فما ألقيته على شيءٍ إلاَّ صار له روحٌ ولحمٌ ودمٌ، فحين رأيتُ قومك سألوك أن تجعل لهم إلهاً زيَّنت لي نفسي ذلك، فذلك قوله: {فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها} طرحتها في العجل {وكذلك سوَّلت لي نفسي} حدَّثتني نفسي.
{قال} له موسى صلوات الله عليه: {فاذهب فإنَّ لك في الحياة} يعني: ما دمت حيَّاً {أن تقول لا مساس} لا تخالط أحداً ولا يخالطك، وأمر موسى بني إسرائيل ألا يخالطوه، وصار السَّامريُّ بحيث لو مسَّه أحدٌ أو مسَّ هو أحداً حُمَّ كلاهما {وإن لك موعداً} لعذابك {لن تخلفه} لن يُخلفكه الله {وانظر إلى إلهك} معبودك {الذي ظلت عليه عاكفاً} دمتَ عليه مقيماً تعبده {لنحرقنَّه} بالنَّار {ثمَّ لننسفنَّه} لنذرينَّه في البحر.
{إنما إلهكم الله الذي لا إله إلاَّ هو} لا العجل {وسع كلَّ شيء علماً} علم كلَّ شيء علماً.

.تفسير الآيات (99- 107):

{كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)}
{كذلك} كما قصصنا عليك هذه القصَّة {نقص عليك من أنباءِ ما قد سبق} من الأمور {وقد آتيناك من لدنا ذكراً} يعني: القرآن.
{من أعرض عنه} فلم يؤمن به {فإنه يحمل يوم القيامة وزراً} حملاً ثقيلاً من الكفر.
{خالدين فيه} لا يغفر ربك لهم ذلك، ولا يكفِّر عنهم شيء {وساء لهم يوم القيامة حملاً} بئس ما حملوا على أنفسهم من المآثم كفراً بالقرآن.
{يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين} الذين اتَّخذوا مع الله إلهاً آخر {يؤمئذ زرقاً} زرق العيون سود الوجوه.
{يتخافتون} يتساررون {بينهم إن لبثهم} ما لبثتم في قبوركم إلاَّ عشر ليالٍ يريدون: ما بين النَّفختين، وهو أربعون سنة يُرفع العذاب في تلك المدَّة عن الكفَّار، فيستقصرون تلك المدَّة إذا عاينوا هول القيامة، قال الله تعالى: {نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة} أعدلهم قولاً {إن لبثتم إلاَّ يوماً}.
{ويسألونك عن الجبال} سألوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم كيف تكون الجبال يوم القيامة؟ {فقل ينسفها ربي نسفاً} يصيِّرها كالهباء المنثور حتى تستوي مع الأرض، وهو قوله: {فيذرها قاعاً صفصفاً} مكاناً مستوياً.
{لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً} انخفاضاً وراتفاعاً.

.تفسير الآيات (108- 113):

{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)}
{يومئذ يتبعون الداعي} الذي يدعوهم إلى موقف القيامة، ولا يقدرون ألا يتَّبعوا {وخشعت} سكنت {الأصوات للرحمن فلا تسمع إلاَّ همساً} وَطْءَ الأقدام في نقلها إلى المحشر.
{يومئذ} يوم القيامة {لا تنفع الشفاعة} أحداً {إلاَّ مَنْ أذن له الرحمن} في أن يُشفَع له، وهم المسلمون الذين رضي الله قولهم؛ لأنَّهم قالوا: لا إله إلاَّ الله، وهذا معنى قوله: {ورضي له قولاً}.
{يعلم ما بين أيديهم} من أمر الآخرة {وما خلفهم} في أمر الدُّنيا. وقيل: ما قدَّموا وما خلَّفوا من خيرٍ وشرٍّ {ولا يحيطون به علماً} وهم لا يعلمون ذلك.
{وعنت الوجوه} خضعت وذلَّت {للحيّ القيوم وقد خاب مَنْ حمل ظلماً} خسر مَنْ أشرك بالله.
{ومَنْ يعمل من الصالحات} الطَّاعات لله {وهو مؤمن} مصدِّق بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم {فلا يخاف ظلماً ولا هضماً} لا يخاف أن يزاد في سيئاته، ولا ينقص من حسناته.
{وكذلك} وهكذا {أنزلناه قرآناً عربياً وصرَّفنا} بيَّنا {فيه من الوعيد لعلَّهم يتقون أو يحدث لهم} القرآن {ذكراً} وموعظة.