فصل: تفسير الآيات (36- 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (36- 40):

{وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36) خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40)}
{وإذا رآك الذين كفروا} يعني: المستهزئين {إن يتخذونك} ما يتَّخذونك {إلاَّ هزواً} مهزوءاً به، قالوا: {أهذا الذي يذكر آلهتكم} يعيب أصنامكم {وهم بذكر الرحمن هم كافرون} جاحدون إلهيَّته، يريد أنَّهم يعيبون مَنْ جحد إلهيَّة أصنامهم وهم جاحدون إلهية الرَّحمن، وهذا غاية الجهل.
{خلق الإنسانُ من عجل} يريد: إنَّ خلقته على العجلة، وعليها طُبع {سَأُرِيكم آياتي} يعني: ما توعدون به من العذاب {فلا تستعجلون}.
{ويقولون متى هذا الوعد} وعد القيامة.
{لو يعلم الذين كفروا...} الآية. وجواب {لو} محذوف، على تقدير: لآمنوا ولما أقاموا على الكفر.
{بل تأتيهم} القيامة {بغتة} فجأةً {فتبهتهم} تُحيِّرهم.

.تفسير الآيات (42- 43):

{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آَلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)}
{قل مَنْ يَكْلَؤُكُمْ} يحفظكم {بالليل والنهار من الرحمن} إن أنزل بكم عذابه {بل هم عن ذكر ربهم} كتاب ربِّهم {معرضون}.
{أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطعيون نصر أنفسهم} فيكف تنصرتهم وتمنعهم؟! {ولا هم منا يصحبون} لا يُجارون من عذابنا.

.تفسير الآيات (44- 50):

{بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)}
{بل متَّعنا هؤلاء} الكفَّار {وآباءهم حتى طال عليهم العمر} أَيْ: متَّعناهم بما أعطيناهم من الدُّنيا زماناً طويلاً، فقست قلوبهم {أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرفاها} بالفتح على محمد صلى الله عليه وسلم {أفهم الغالبون} أم النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟.
{قل إنما أنذركم} أُخوِّفكم {بالوحي} بالقرآن الذي أوحي إليَّ، وأُمرت فيه بإنذاركم {ولا يسمع الصم الدُّعاء إذا ما ينذرون} كذلك أنتم يا معشر المشركين. {ولئن مستهم} أصابتهم {نفحة من عذاب ربك} قليلٌ وأدنى شيءٍ لأقرّوا على أنفسهم بسوء صنيعهم، وهو قوله: {ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين}.
{ونضع الموازين القسط} ذوات القسط، أي: العدل {فلا تظلم نفسٌ شيئاً} لا يزاد على سيئاته ولا ينقص من ثواب حسناته {وإن كان} ذلك الشَّيء {مثقال حبة} وزن حبَّةٍ {من خردل أتينا بها} جئنا بها {وكفر بنا حاسبين} مُجازين، وفي هذا تهديد.
{ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} البرهان الذي فرَّق به بين حقّه وباطل فرعون. {وضياء} يعني: التَّوراة الذي كان ضياءً، يُضيء هدى ونوراً {وذكراً} وعِظَةً {للمتقين} من قومه.
{الذين يخشون ربهم بالغيب} يخافونه ولم يروه.
{وهذا ذكر مبارك} يعني: القرآن {أفأنتم له منكرون} جاحدون.

.تفسير الآيات (51- 53):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53)}
{ولقد آتينا إبراهيم رشده} هُداه وتوفيقه {من قبل} من قبل موسى وهارون {وكنا به عالمين} أنَّه أهلٌ لما آتيناه.
{إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل} الأصنام {التي أنتم لها عاكفون} على عبادتها مقيمون!.
{قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين} فاقتدينا بهم.

.تفسير الآيات (55- 60):

{قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)}
{قالوا أجئتنا بالحق} يعنون: أَجادٌّ أنت فيما تقول أم لاعبٌ؟
{قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهنَّ وأنا على ذلكم من الشاهدين} أي: أشهد على أنَّه خالقها.
{وتالله لأكيدنَّ أصنامكم} لأمكرنَّ بها {بعد أن تولوا مدبرين} قال ذلك في يوم عيدٍ لهم، وهم يذهبون إلى الموضع الذي يجتمعون فيه.
{فجعلهم جذاذاً} حطاماً ودقاقاً {إلاَّ كبيراً لهم} عظيم الآلهة فإنَّه لم يكسره {لعلهم إليه} إلى إبراهيم ودينه {يرجعون} إذا قامت الحُجَّة عليهم، فلمَّا انصرفوا
{قالوا من فعل هذا بآلهتنا...} الآية. قال الذين سمعوا قوله: {لأكيدن أصنامكم}: {سمعنا فتى يذكرهم} يعيبهم {يقال له إبراهيم}.

.تفسير الآيات (61- 69):

{قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)}
{قالوا فأتوا به على أعين الناس} على رؤوس النَّاس بمرأىً منهم {لعلَّهم يشهدون} عليه أنَّه الذي فعل ذلك، وكرهوا أن يأخذوه بغير بيِّنةٍ، فلمَّا أتوا به، {قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم}؟
{قال بل فعله كبيرهم هذا} غضب من أن يعبدوا معه الصِّغار، وأراد إقامه الحجَّة عليهم {فاسألوهم} مَنْ فعل بهم هذا {إن كانوا ينطقون} إن قدروا على النُّطق.
{فرجعوا إلى أنفسهم} تفكَّروا ورجعوا إلى عقولهم {فقالوا إنكم أنتم الظالمون} هذا الرجل بسؤالكم إيَّاه، وهذه آلهتكم حاضرةٌ فاسألوها.
{ثم نكسوا على رؤوسهم} أطرقوا لما لحقهم من الخجل، وأقرُّوا بالحجَّة عليهم فقالوا: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} فلمَّا اتَّجهت الحجَّة عليهم قال إبراهيم: {أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم}.
{أفٍ لكم} أَيْ: نتناً لكم، فلمَّا عجزوا عن الجواب.
{قالوا حرّقوه} بالنَّار {وانصروا آلهتكم} بإهلاك مَنْ يعيبها {إن كنتم فاعلين} أمراً في أهلاكه، فلمَّا ألقوه في النَّار.
{قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم} ذات بردٍ وسلامةٍ، لا يكون فيها بردٌ مضرٌّ، ولا حرٌّ مُؤذٍ.

.تفسير الآيات (70- 74):

{وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74)}
{وأرادوا به} بإبراهيم {كيداً} مكراً في إهلاكه {فجعلناهم الأخسرين} حين لم يرتفع مرادهم في الدُّنيا، ووقعوا في العذاب في الآخرة.
{ونجيناه} من نمروذ وقومِه {ولوطاً} ابن أخيه {إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} وهي الشَّام، وذلك أنَّه خرج مهاجراً من أرض العراق إلى الشَّام.
{ووهبنا له إسحاقَ} ولداً لصلبه {ويعقوب نافلة} ولد الولد {وكلاً جعلنا صالحين} يعني: هؤلاء الثَّلاثة.
{وجعلناهم أئمة} يُقتدى بهم في الخير {يهدون} يدعون النَّاس إلى ديننا {بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات} أن يفعلوا الطَّاعات، ويقيموا الصَّلاة، ويؤتوا الزَّكاة.
{ولوطاً آتيناه حكماً} فصلاً بين الخصوم بالحقِّ {ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث} يعني: أهلها، كانوا يأتون الذُّكران في أدبارهم.

.تفسير الآيات (76- 77):

{وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)}
{ونوحاً إذ نادى من قبل} من قبل إبراهيم {فنجيناه وأهله من الكرب العظيم} الغمِّ الذي كان فيه من أذى قومه.
{ونصرناه} منعناه من أن يصلوا إليه بسوءٍ.

.تفسير الآيات (78- 82):

{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)}
{إذ يحكمان في الحرث} قيل: كان ذلك زرعاً. وقيل: كان كرماً {إذ نفشت} رعت ليلاً {فيه غنم القوم} بلا راعٍ {وكنا لحكمهم شاهدين} لم يغبْ عن علمنا.
{ففهمناها سليمان} ففهمنا القضيَّة سليمان دون داود عليهما السَّلام، وذلك أنَّ داود حكم لأهل الحرث برقاب الغنم، وحكم سليمان بمنافعها إلى أن يعود الحرث كما كان. {وسخرنا مع داود الجبال يسبحن} يجاوبنه بالتَّسبيح {و} كذلك {الطير وكنا فاعلين} ذلك.
{وعلمناه صنعة لبوس لكم} عمل ما يلبسونه من الدُّروع {لتحصنكم} لتحرزكم {من بأسكم} من حربكم {فهل أنتم شاكرون} نعمتنا عليكم؟.
{ولسليمان الريح} وسخَّرنا له الرِّيح {عاصفة} شديدة الهبوب {تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها} يعني: الشَّام، وكان منزل سليمان عليه السَّلام بها.
{ومن الشياطين} وسخَّرنا له من الشَّياطين {من يغوصون له} يدخلون تحت الماء لاستخراج جواهر البحر {ويعملون عملاً دون ذلك} سوى الغوص {وكنا لهم حافظين} من أن يُفسدوا ما عملوا، وليصيروا تحت أمره.

.تفسير الآيات (83- 85):

{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85)}
{وأيوب إذ نادى ربه} دعا ربَّه {أني مسني الضرُّ} أصابني الجهد. وقوله: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم} وهو أنَّ الله تعالى أحيا مَنْ أمات من بنيه وبناته، ورزقه مثلهم من الولد {رحمة} نعمةً {من عندنا وذكرى للعابدين} عظةً لهم ليعلموا بذلك كمال قدرتنا. وقوله: {وذا الكفل} هو رجلٌ من بني إسرائيل تكفَّل بخلافه نبيٍّ في أُمَّته، فقام بذلك.

.تفسير الآيات (87- 89):

{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)}
{وذا النون} واذكر صاحب الحوت، وهو يونس عليه السَّلام {إذ ذهب} من بين قومه {مغاضباً} لهم قبل أمرنا له بذلك {فظن أن لن نقدر عليه} أن لن نقضي عليه ما قضينا من حبسه في بطن الحوت {فنادى في الظلمات} ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة اللَّيل {أن لا إله إلاَّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} حيث غاضبت قومي وخرجت من بينهم قبل الإذن.
{وكذلك} وكما نجيناه {ننجي المؤمنين} من كربهم إذا استغاثوا بنا ودعونا. وقوله: {لا تذرني فرداً} أَيْ: وحيداً لا ولد لي ولا عقب، {وأنت خير الوارثين} خير من يبقى بعد مَنْ يموت.

.تفسير الآيات (90- 96):

{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)}
{وأصلحنا له زوجه} بأن جعلناها ولوداً بعد أن صارت عقيماً {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات} يُبادرون في عمل الطَّاعات {ويدعوننا رغباً} في رحمتنا {ورهباً} من عذابنا {وكانوا لنا خاشعين} عابدين في تواضع.
{والتي أحصنت} واذكر التي منعت {فرجها} من الحرام {فنفخنا فيها من روحنا} أمرنا جبريل عليه السَّلام حتى نفخ في جيب درعها، والمعنى: أجرينا فيها روح المسيح المخلوقة لنا {وجعلناها وابنها آية للعالمين} دلالةً لهم على كمال قدرتنا، وكانت الآيةُ فيهما جميعاً واحدةً، لذلك وُحِّدت.
{إنَّ هذه أمتكم} دينكم وملَّتكم {أمة واحدة} ملَّة واحدة وهي الإِسلام.
{وتقطعوا أمرهم بينهم} اختلفوا في الدّين فصاروا فرقاً {كلٌّ إلينا راجعون} فنجزيهم بأعمالهم.
{فمن يعمل من الصالحات} الطَّاعات {وهو مؤمنٌ} مصدِّق بمحمَّدٍ عليه السَّلام {فلا كفران لسعيه} لا نُبطل عمله بل نُثيبه {وإنا له كاتبون} ما عمل حتى نجازيه.
{وحرام على قرية} يعني: قريةً كافرةً {أهلكناها} أهلكناها بعذاب الاستئصال أن يرجعوا إلى الدُّنيا، ولا زائدةٌ في الآية، ومعنى {حرامٌ} عليهم أنَّهم ممنوعون من ذلك؛ لأنَّ الله تعالى قضى على مَنْ أُهلك أن يبقى في البرزخ إلى يوم القيامة.
{حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج} من سدِّها {وهم من كلِّ حدب} نَشَز وتلٍّ {ينسلون} ينزلون مسرعين.