فصل: تفسير الآية رقم (50):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (50):

{أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)}
{أفي قلوبهم مرض} فجاء بلفظ التَّوبيخ ليكون أبلغ في ذمِّهم {أم ارتابوا} شكُّوا {أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله} أي: يظلم {بل أولئك هم الظالمون} لأنفسهم بكفرهم ونفاقهم.

.تفسير الآيات (53- 55):

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)}
{وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجنَّ} وذلك أنَّ المنافقين حلفوا أنَّهم يخرجون إلى حيث يأمرهم الرَّسول صلى الله عليه وسلم للغزو والجهاد، فقال الله تعالى: {قل لا تقسموا طاعة معروفة} خيرٌ وأمثلُ من يمينٍ تحنثون فيها.
{قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمَّل} من تبليغ الرِّسالة {وعليكم ما حملتم} من طاعته. الآية.
{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنَّهم في الأرض} ليورثنَّهم أرض الكفَّار من العرب والعجم {كما استخلف الذين من قبلهم} يعني: بني إسرائيل {وليمكنَّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم} حتى يتمكَّنوا منه من غير خوفٍ {وليبدلنَّهم من بعد خوفهم} من العدوِّ {أمناً} لا يخافون معه العدوَّ {ومن كفر} بهذه النِّعمة فعصى الله ورسوله، وسفك الدِّماء {فأولئك هم الفاسقون} فكان أوَّل مَنْ كفر بهذه النِّعمة بعد ما أنجز الله وعده الذين قتلوا عثمان بن عفان رضي الله عنه، فعادوا في الخوف، وظهر الشَّرُّ والخلاف.

.تفسير الآية رقم (58):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)}
{يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} من العبيد والإماء {والذين لم يبلغوا الحلم منكم} من الأحرار {ثلاث مرَّات} ثمَّ بيَّنهنَّ فقال: {من قبل صلاة الفجر} وهو حين يخرج الإنسان من ثياب النَّوم {وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة} للقائلة {ومن بعد صلاة العشاء} الآخرة {ثلاث عورات لكم} يعني: هذه الأوقات؛ لأنَّها أوقات التَّجرُّد وظهور العورة، {ليس علكم ولا عليهم جناح} ألا يستأذنوا بعد هذه الأوقات {طوافون} أَيْ: هم طوَّافون {عليكم} يريد أنَّهم خدمكم، فلا بأس عليهم أن يدخلوا في غير هذه الأوقات الثَّلاثة بغير إذنٍ، وهذه الآية منسوخةٌ عند قومٍ، وعند قومٍ لم تُنسخ، ويجب العمل بها.

.تفسير الآيات (59- 61):

{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)}
{وإذا بلغ الأطفال منكم} من أحراركم {الحلم فليستأذنوا} في كلِّ وقتٍ {كما استأذن الذين من قبلهم} يعني: الكبار من الأحرار.
{والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً} يعني: العجائز اللاتي أيسن من البعولة {فليس عليهم جناح أن يضعن ثيابهن} جلابيبهنَّ {غير متبرجات بزينة} غير مُظهراتٍ زينتهنَّ، وهو أن لا تريد بوضع الجلباب أن تُري زينتها {وأن يستعففن} فلا يضعن الجلباب {خيرٌ لهن}.
{ليس على الأعمى حرج...} الآية. كان المسلمون يخرجون للغزو، ويدفعون مفاتيح بيوتهنَّ إلى الزَّمنى الذين لا يخرجون، ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوا ممَّا فيها، فكانوا يتوقَّون ذلك حتى نزلت هذه الآية. وقوله: {ولا على أنفسكم} أراد: ولا عليكم أنفسكم {أن تأكلوا من بيوتكم} أَيْ: بيوت أولادكم، فجعل بيوت أولادهم بيوتهم؛ لأنَّ ولد الرَّجل من كسبه، ومالَه كمالِه، وقوله: {أو ما ملكتم مفاتحه} يريد: الزَّمنى الذين كانوا يخزنون للغزاة {ليس عليكم جناح أن تأكلوا} من منازل هؤلاءٍ إذا دخلتموها وإن لم يحضروا ولم يعلموا من غير أن يحملوا، وهذه رخصةٌ من الله تعالى لطفاً بعباده، ورغبة بهم عن دناءة الأخلاق وضيق النَّظر، وقوله: {أو صديقكم} يجوز للرَّجل أن يدخل بيت صديقه فيتحرَّم بطعامه من غير استئذانٍ بهذه الآية، وقوله: {أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً} يقول: لا جناح عليكم إن اجتمعتم في الأكل، أو أكلتم فرادى، وإن اختلفتم فكان فيكم الزَّهيد والرغيب، والعليل والصَّحيح، وذلك أنَّ المسلمين تركوا مؤاكلة المرضى والزَّمنى بعد نزول قوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} فقالوا: إنَّهم لا يستوفون من الأكل، فلا تحلُّ لنا مؤاكلتهم، فنزلت الرُّخصة في هذه الآية. {فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم} فليسلِّم بعضكم على بعض. وقيل: إذا دخلتم بيوتاً خالية فليقل الدَّاخل: السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين.

.تفسير الآيات (62- 64):

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)}
{وإذا كانوا معه على أمر جامع} يجمعهم في حربٍ حضرت، أو صلاةٍ في جمعةٍ، أو تشاورٍ في أمرٍ {لم يذهبوا} لم يتفرقوا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم {حتى يستأذنوه} نزلت في حفر الخندق، كان المنافقون ينصرفون بغير امر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: {لا تجعلوا دعاءَ الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} أَيْ: لا تقولوا إذا دعوتموه: يا محمد، كما يقول أحدكم لصاحبه، ولكن قولوا: يا رسول الله، يا نبيَّ الله {قد يعلم الله الذين يتسللون} يخرجون في خُفيةٍ من بين النَّاس {لواذاً} يستتر بغيره فيخرج مُختفياً {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} أَيْ: يخالفون أمر الرَّسول صلى الله عليه وسلم، وينصرفون بغير إذنه {أن تصيبهم فتنة} بليَّةٌ تُظهر نفاقهم {أو يصيبهم عذاب أليم} عاجلٌ في الدُّنيا.
{ألا إنَّ لله ما في السموات والأرض} عبيداً وملكاً وخلقاً.

.سورة الفرقان:

.تفسير الآيات (1- 10):

{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10)}
{تبارك} ثبت ودام {الذي نزل الفرقان} القرآن الذي فرق بين الحقِّ والباطل {على عبده} محمَّد صلى الله عليه وسلم {ليكون للعالمين} الجنِّ والإِنس {نذيراً} مخوِّفاً من العذاب.
{وخلق كلَّ شيء} ممَّا يُطلق في صفة المخلوق {فقدَّره تقديراً} جعله على مقدارٍ. وقوله: {نشوراً} أَيْ: حياةً بعد الموت.
{وقال الذين كفروا إن هذا} ما هذا القرآن {إلاَّ إفك} كذبٌ {افتراه} اختلقه {وأعانه عليه قوم آخرون} يعنون: اليهود {فقد جاؤوا} بهذا القول {ظلماً وزوراً} كذباً.
{وقالوا أساطير الأولين} أَيْ: هو ما سطره الأوَّلون {اكتتبها} كتبها {فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً} يعنون أنَّه يختلف إلى مَنْ يعلَّمه بالغداة والعشيِّ.
{قل} يا محمد لهم: {أنزله} أنزل القرآن {الذي يعلم السر في السموات والأرض} يعلم بواطن الأمور، فقد أنزله على ما يقتضيه علمه.
{وقالوا ما لهذا الرسول} يعنون محمداً عليه السَّلام {يأكل الطعام} أنكروا أن يكون الرَّسول بصفة البشر {ويمشي في الأسواق} طلباً للمعاش، يعنون أنَّه ليس بمَلِكٍ ولا مَلَكٍ {لولا} هلاَّ {أنزل إليه ملك} يُصدِّقه {فيكون معه نذيراً} داعياً إلى الله يشاركه في النُّبوَّة.
{أو يلقى إليه كنز} يستغني به عن طلب المعاش {وقال الظالمون} المشركون: {إن تتبعون} ما تتبعون {إلاَّ رجلاً مسحوراً} مخدوعاً.
{انظر} يا محمَّد {كيف ضربوا لك الأمثال} إذ مثَّلوك بالمسحور والفقير الذي لا يصلح أن يكون رسولاً، والناقص عن القيام بالأمور إذ طلبوا أن يكون معك مَلَك {فضلوا} بهذا القول عن الدَّين والإِيمان {فلا يستطيعون سبيلاً} إلى الهدى ومخرجاً من ضلالتهم.
{تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك} الذي قالوه من إلقاء الكنز، وجعل الجنَّة، ثمَّ بيَّن ذلك فقال: {جنات تجري من تحتها الأنهار} يعني: في الدُّنيا؛ لأنَّه قد شاء أن يعطيه ذلك في الآخرة.

.تفسير الآيات (12- 20):

{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)}
{سمعوا لها تغيظاً} أَيْ: صوتاً بغيظٍ، وهو التَّغضُّب {وزفيراً} صوتاً شديداً.
{وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً} وذلك أنَّهم يُدفعون في النَّار كما يُدفع الوتد في الحائط {مقرَّنين} مقرونين مع الشَّياطين {دعوا هنالك ثبوراً} ويلاً وهلاكاً، فيقال لهم: {لا تدعوا اليوم ثُبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً}.
{قل أذلك} الذي ذكرتُ من موضع أهل النَّار ومصيرهم {خيرٌ أم جنة الخلد...} الآية. وقوله: {وعداً مسؤولاً} لأنَّ الملائكة سألت ذلك لهم في قوله تعالى: {ربَّنا وأَدْخِلْهم جنَّاتِ عدنٍ التي وَعَدْتَهُم ومَنْ صلَحَ من آبائِهم وأزوَاجِهم وذُرِّيَّاتهم} {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله} الأصنام، والملائكة، والمسيح، وعزيراً {فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء} هذا توبيخ للكفَّار، كقوله لعيسى عليه السَّلام: {أَأنتَ قُلْتَ للنَّاس اتَّخذوني وأُمِّي إلهين من دُونِ الله} {قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتَّخذ من دونك أولياء} أن نوالي أعداءك، وفي هذا براءةُ معبوديهم منهم {ولكن متعتهم وآباءهم} في الدُّنيا بالصَّحة والنِّعمة {حتى نسوا الذكر} تركوا ما وُعظوا به {وكانوا قوماً بوراً} هلكى بكفرهم.
{فقد كذبوكم بما تقولون} بقولكم: إنَّهم كانوا آلهة {فما تستطيعون} يعني: الآلهة {صرفاً} للعذاب عنكم {ولا نصراً} لكم {ومن يظلم} أَيْ: يشرك {منكم نذقه عذاباً كبيراً}.
{وما أرسلنا قبلك...} الآية. هذا جوابٌ لقولهم: {ما لهذا الرسول...} الآية. أخبر الله سبحانه أنَّ كلَّ مَنْ خلا من الرُّسل كان بهذه الصِّفة {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة} الصَّحيح للمريض، والغنيّ للفقير فيقول الفقير: لو شاء الله لأغناني كما أغنى فلاناً، ويقول المريض: لو شاء الله لعافاني كما عافى فلاناً، وكذلك كلُّ النَّاس مبتلى بعضهم ببعض، فقال الله تعالى: {أتصبرون} على البلاء؟ فقد عرفتم ما وُعد الصَّابرون {وكان ربك بصيراً} بمَنْ يصبر، وبمَنْ يجزع.

.تفسير الآيات (21- 26):

{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26)}
{وقال الذين لا يرجون لقاءنا} لا يخافون البعث: {لولا} هلاَّ {أنزل علينا الملائكة} فتخبرنا أنَّ محمداً صادقٌ {أو نرى ربنا} فيخبرنا بذلك {لقد استكبروا في أنفسهم} حين طلبوا من الآيات ما لم يطلبه أُمَّة {وعتوا عتوّاً كبيراً} وغلوا في كفرهم أشدَّ الغلوِّ.
{يوم يرون الملائكة} يعني: إنَّ ذلك اليوم الذي يرون فيه الملائكة هو يوم القيامة، وإنَّ الله سبحانه حرمهم البشرى في ذلك اليوم، وتقول لهم الملائكة: {حجراً محجوراً} أَيْ: حراماً محرَّماً عليهم البشرى.
{وقدمنا} وقصدنا {إلى ما عملوا من عمل} ممَّا كانوا يقصدون به التقرُّب إلى الله سبحانه {فجعلناه هباءً منثوراً} باطلاً لا ثواب له؛ لأنَّهم عملوه للشَّيطان، والهباء: دقاق التُّراب، والمنثور: المتفرِّق.
{أصحاب الجنة يومئذ خيرٌ مستقراً} موضع قرار {وأحسن مقيلاً} موضع قيلولة.
{ويوم تشقق السماء بالغمام} عن الغمام، وهو السَّحاب الأبيض الرَّقيق {ونزل الملائكة تنزيلاً} لإكرام المؤمنين.
{الملك يومئذ الحق} أَيْ: الملك الذي هو الملك حقَّاً ملك الرَّحمن يومئذ.