فصل: تفسير الآيات (87- 93):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (87- 93):

{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)}
{إلاَّ مَنْ شاء الله} يعني: الشّهداء {وكلٌّ أتوه} يأتون الله سبحانه {داخرين} صاغرين.
{وترى الجبال تحسبها جامدة} واقفةً مُستقرَّةً {وهي تمرُّ مرَّ السحاب} وذلك أنَّ كلَّ شيءٍ عظيمٌ، وكلَّ جمع كثيرٌ يقصر عنه الطَّرف لكثرته فهو في حسبان النَّاظر واقفٌ وهو يسير {صنع الله} أَيْ: صنع الله ذلك صنعه {الذي أتقن} أحكم {كلَّ شيء}.
{من جاء بالحسنة} وهي كلمة لا إله إلاَّ الله {فله خيرٌ منها} فمنها يصل إليه الخير {ومَنْ جاء بالسيئة} الشِّرك {فَكُبَّت} أُلقيت وطُرحت {وجوههم في النار} وقيل لهم: {هل تجزون إلاَّ ما كنتم} بما كنتم {تعملون}.
قل يا محمَّد: {إنما أمرت أن أعبد ربَّ هذه البلدة} يعني: مكَّة {الذي حرَّمها} جعلها حرماً آمناً {وله كلُّ شيء} مِلكاً وخلقاً. وقوله: {ومن ضلَّ فقل إنما أنا من المنذرين} أَيْ: ليس عليَّ إلاَّ البلاغ.
{وقل الحمد لله سيريكم آياته} أيُّها المشركون. يعني: يوم بدر {فتعرفونها وما ربك بغافل بما تعملون}.

.سورة القصص:

.تفسير الآيات (1- 10):

{طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)}
{طسم}.
{تلك آيات الكتاب المبين} يعني: القرآن، وهو مبينٌ للأحكام.
{تتلو} نقصُّ {عليك من نبأ موسى} خبر موسى {وفرعون بالحق} بالصِّدق الذي لا شكَّ فيه {لقوم يؤمنون} يُصدِّقون أنَّ ما يأتيهم به صدقٌ.
{إنَّ فرعون علا} استكبر وتعظَّم {في الأرض} أرض مصر {وجعل أهلها شيعاً} فرقاً تتبع بعض تلك الفرق بعضاً في خدمته {يستضعف طائفة منهم} وهم بنو إسرائيل.
{ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض} ننعم على بني إسرائيل {ونجعلهم أئمّة} قادةً في الخير {ونجعلهم الوارثين} يرثون ملك فرعون وقومه. وقوله: {ونمكن لهم في الأرض} أرض مصر والشَّام حتى يغلبوا عليها من غير مُنازعٍ {ونُرِيَ فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} وذلك أنَّهم كانوا قد أُخبروا أنَّ هلاكهم على يدي رجل من بني إسرائيل، فكانوا على وجلٍ منهم.
{وأوحينا إلى أم موسى} قيل: إنَّه وحي إلهام. وقيل: وحي إعلام.
{فالتقطه} أخذه {آل فرعون} عن الماء {ليكون لهم عدواً وحزناً} أَيْ: ليصير الأمر إلى ذلك {إنَّ فروعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين} أَيْ: عاصين آثمين.
{وقالت امرأة فرعون قرة عين} أَيْ: هو قرَّة عين لي {ولك لا تقتلوه} فإنَّه أتانا به الماء من أرضٍ أخرى، وليس هو من بني إسرائيل {وهم لا يشعرون} بما هو كائنٌ من أمرهم وأمره.
{وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً} خالياً عن كلِّ شيء إلاَّ عن ذكر موسى وهمِّه {إن كادت لتبدي به} بأنَّه ابنها {لولا أن ربطنا على قلبها} قوَّينا قلبها وألهمناها الصَّبر {لتكون من المؤمنين} المُصدِّقين بوعد الله سبحانه.

.تفسير الآيات (11- 16):

{وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)}
{وقالت لأخته} لأخت موسى {قصته} اتَّبعي أثره، فاتَّبعته {فبصرت به عن جنب} أبصرته من بعيدٍ {وهم لا يشعرون} أنَّها أخته.
{وحرَّمنا عليه المراضع} منعنا موسى أن يقبل ثدي مرضعةٍ {من قبل} أن نردَّه على أُمَّه {فقالت} أخته حين تعذَّر عليهم رضاعة: {هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم} يضمُّونه إليهم {وهم له ناصحون} مخلصون شفقته.
{فرددناه إلى أمه} وذلك أنَّها دلَّتهم على أمِّ موسى، فَدُفِعَ إليها تُربِّيه لهم. وقوله: {ولكن أكثرهم لا يعلمون} آل فرعون كانوا لا يعلمون أنَّ الله وعدها ردَّه عليها.
{ولما بلغ أشدَّه} منتهى قوَّته، وهو ما فوق الثَّلاثين {واستوى} وبلغ أربعين سنةً {آتيناه حكماً} عقلاً وفهماً {وعلماً} قبل النُّبوَّة.
{ودخل المدينة} يعني: مدينةً بأرض مصر {على حين غفلة من أهلها} فيما بين المغرب والعشاء {فوجد فيها رجلين يقتتلان} أحدهما إسرائيليٌّ، وهو الذي من شيعته، والآخر قبطيٌّ، وهو الذي من عدوه {فاستغاثه} الإِسرائيلي على الفرعونيِّ {فوكزه موسى} ضربه بجميع كفِّه {فقضى عليه} فقتله ولم يتعمَّد قتله، فندم على ذلك لأنَّه لم يُؤمر بقتله ف {قال هذا من عمل الشيطان إنَّه عدوٌّ مضلٌّ مبين} ثمَّ استغفر فقال: {ربِّ إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم}.

.تفسير الآيات (17- 21):

{قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)}
{قال رب بما أنعمت عليَّ} بالمغفرة {فلن أكون ظهيراً للمجرمين} لن أُعين بعدها على خطيئة.
{فأصبح في} تلك {المدينة خائفاً} من قتله القبطيَّ {يترقب} ينتظر الأخبار {فإذا} الإسرائيليُّ {الذي استنصره بالأمس يستصرخه} يستغيثه. {قال له موسى إنك لغويٌّ مبين} ظاهر الغواية، قد قتلتُ بك بالأمس رجلاً، وتدعوني إلى آخر، وأقبل إليهما، {فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدوٌّ لهما} أَيْ: بالقبطِيِّ، فظنَّ الذي من شيعته أنَّه يريده، فقال: {أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن تريدإلا أن تكون جباراً في الأرض} تقتل ظلماً، فلمَّا قال الإِسرائيلي هذا علم القبطيُّ أنَّه قاتل القبطيِّ بالأمس، فأتى فرعون فأخبره بذلك، فأمر فرعون بقتل موسى، فأتاه رجلٌ فأخبره بذلك، وهو قوله: {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} وهو مؤمن آل فرعون {قال يا موسى إنَّ الملأ يأتمرون بك} يأمر بعضهم بعضاً يتشاورون {ليقتلوك فاخرج} من هذه المدينة {إني لك من الناصحين}.
{فخرج منها خائفاً يترقب} ينتظر الطَّلب {قال ربّ نجني من القوم الظالمين} قوم فرعون.

.تفسير الآيات (22- 25):

{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)}
{ولما توجَّه} قصد بوجهه {تلقاء مدين} نحوها {قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} قصد الطَّريق، وذلك أنَّه لم يكن يعرف الطَّريق.
{ولما ورد ماء مدين} وهو بئرٌ لهم {وجد عليه أمة} جماعةً {من الناس يسقون} مواشيهم {ووجد من دُونِهمُ امرأتين تذودان} تحسبان غنمهما عن الماء حتى يصدر مواشي النَّاس {قال} موسى لهما: {ما خطبكما}؟ ما شأنكما لا تسقيان مع النَّاس؟ {قالتا لا نسقي} مواشينا {حتى يصدر الرعاء} عن الماء، لأنا لا نطيق أن نستقي وأن نُزاحم الرِّجال، فإذا صدروا سقينا من فضل مواشيهم {وأبونا شيخ كبير} لا يمكنه أن يرد وأن يستقي.
{فسقى لهما} أغنامهما من بئرٍ أخرى رفع عنها حجراً كان لا يرفعه إلاَّ عشرة أنفس {ثمَّ تولى إلى الظلّ} أَيْ: إلى ظلِّ شجرةٍ {فقال ربِّ إني لما أنزلت إليَّ من خير} طعامٍ {فقير} محتاجٌ، وكان قد جاع فسأل الله تعالى ما يأكل، فلما رجعتا إلى أبيهما أخبرتاه بما فعل موسى، فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه، فذلك قوله: {فجاءته إحداهما} أخذت {تمشي على استحياء} مُستترةً بكُمِّ درعها {قالت إنَّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقصَّ عليه القصص} أخبره بأمره والسَّبب الذي أخرجه من أرضه {قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين} يعني: من فرعون وقومه؛ فإنَّه لا سلطان له بأرضنا.

.تفسير الآيات (26- 28):

{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)}
{قالت إحداهما يا أبت استأجره} ليرعى أغنامنا {إنَّ خير من استأجرت القويُّ الأمين} وإنَّما قالت ذلك لأنَّها عرفت قوَّته برفع الحجر من رأس البئر، وأمانته بأنَّ موسى قال لها لمَّا دعته إلى أبيها: امشي خلفي، فإنَّا بني يعقوب لا ننظر إلى أعجاز النِّساء.
{قال} عند ذلك الشِّيخ لموسى: {إني أريد أن أنكحك} أزوِّجك {إحدى ابنتيَّ هاتين على أن تأجرني} تكون أجيراً لي {ثماني حجج} سنين {فإن أتممت عشراً فمن عندك} وليس بواجبٍ عليك {وما أريد أن أشقَّ عليك} بأن اشترط العشر {ستجدني إن شاء الله من الصالحين} الوافين بالعهد.
{قال} موسى: {ذلك} الذي وصفت {بيني وبينك} أَيْ: لك ما شرطتَ عليَّ ولي ما شرطتُ من تزويج إحداهما. {أيما الأجلين قضيت فلا عدوان عليَّ} لا ظلم عليَّ بأن أُطالب بأكثر منه {والله على ما نقول وكيل} والله شاهدنا على ما عقدنا.

.تفسير الآيات (29- 30):

{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)}
{فلما قضى موسى الأجل} مفسَّر فيما مضى إلى قوله: {أو جذوة من النار} قطعةٍ وشعلةٍ من النَّار.
{فلما أتاها نودي من شاطئ} جانب {الوادي الأيمن} من يمين موسى {في البقعة} في القطعة من الأرض {المباركة} بتكليم الله سبحانه فيها موسى عليه السَّلام، وإتيانه النُّبوَّة {من الشجرة} من جانب الشَّجرة {أن يا موسى إني أنا الله ربُّ العالمين} والباقي مفسَّرٌ فيما سبق.

.تفسير الآية رقم (32):

{اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)}
{واضمم إليك جناحك} أَيْ: يدك {من الرهب} من الخوف، والمعنى: سكِّن روعك واخفض عليك جنبيك، وذلك أنه كان يرتعد خوفاً {فذانك} اليد والعصا {برهانان من ربك...} الآية.

.تفسير الآيات (34- 35):

{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)}
{ردءاً} أَيْ: مُعيناً.
{قال سنشدُّ عضدك} أَيْ: نُقوِّيك {بأخيك ونجعل لكما سلطاناً} حُجَّةً بيِّنة {فلا يصلون إليكما} بسوءٍ، {بآياتنا} العصا واليد، وسائر ما أُعطيا.

.تفسير الآيات (37- 38):

{وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)}
{وقال موسى} لمَّا كُذِّب ونُسب إلى السِّحر: {ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده} يعني: نفسه، أَيْ: ربِّي أعلم بي أنَّ الذي جئتُ به من عنده {ومن تكون له عاقبة الدار} أَيْ: العقبى المحمودة في الدَّار الآخرة، وقوله: {فأوقد لي يا هامان على الطين} أَيْ: اطبخ لي الآجر {فاجعل لي صرحاً} بناء طويلاً مشرفاً {لعلي أطلع إلى إله موسى} أنظر إليه وأقف عليه.