فصل: تفسير الآية رقم (69):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (69):

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)}
{والذين جاهدوا فينا} أعداء الدِّين والكفَّار {لنهدينَّهم سبلنا} سبل الشًّهادة والمغفرة. وقيل: من اجتهد في عملٍ لله زاده الله تعالى هدىً على هدايته {وإنَّ الله لمع المحسنين} بنصره إيَّاهم.

.سورة الروم:

.تفسير الآيات (1- 3):

{الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)}
{الم}.
{غلبت الروم} غلبتها فارس {في أدنى الأرض} أدنى أرض الشَّام من أرض العرب وفارس، وهي أذرعات وعسكر. {وهم} والرُّوم {من بعد غلبهم} غلبة فارس إيَّاهم {سيغلبون} فارس.
{في بضع سنين} البضع: ما بين الثّلاث إلى التِّسع. {لله الأمر من قبل} من قبل أن تغلب الرُّوم {ومن بعد} ما غلبت. {ويومئذٍ يفرح المؤمنون} يوم تغلب الرُّومُ فارسَ يفرح المؤمنون {بنصر اللَّهِ} الرُّوم؛ لأنَّهم أهل كتاب، فهم أقرب إلى المؤمنين، وفارس مجوس فكانوا أقرب إلى المشركين، فالمؤمنون يفرحون بنصر الله الرُّوم على فارس، والمشركون يحزنون لذلك.

.تفسير الآيات (6- 10):

{وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10)}
{وعد الله} وعد ذلك وعداً {ولكنَّ أكثر الناس} يعني: مشركي مكَّة {لا يعلمون} ذلك، ثمَّ بيَّن مقدار ما يعلمون فقال: {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا} يعني: أمر معاشهم، وذلك أنَّهم كانوا أهل تجارة تكسُّب بها.
{أو لم يتفكروا في أنفسهم} فيعلموا {ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلاَّ بالحق} أَيْ: للحقِّ، وهو الدّلالة على توحيده وقدرته {وأجل مسمى} ووقتٍ معلومٍ تفنى عنده. يعني: يوم القيامة. وقوله: {وأثاروا الأرض} أَيْ: قلبوها للزِّراعة {وعمروها أكثر مما عمروها} يعني: إنَّ الذين أُهلكوا من الأمم الخالية كانوا أكثر حرثاَ وعمارةً من أهل مكَّة.
{ثم كان عاقبة الذين أساؤوا} أشركوا {السوأى} النَّار {أن كذَّبوا} بأن كذَّبوا.

.تفسير الآيات (12- 15):

{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)}
{يبلس المجرمون} أَيْ: يسكتون لانقطاع حجَّتهم، وليأسهم من الرَّحمة.
{ولم يكن لهم من شركائهم} أوثانهم التي عبدوها رجاء الشَّفاعة {شفعاء وكانوا بعبادتهم كافرين} قالوا: ما عبدتمونا، وقوله: {يؤمئذ يتفرَّقون} يعني: المؤمنين والكافرين، ثمَّ بيَّن كيف ذلك التَّفرُّق فقال: {فأمَّا قال آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون} أَي: يسمعون في الجنَّة.

.تفسير الآيات (17- 18):

{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)}
{فسبحان الله} فصلُّوا لله سبحانه {حين تمسون} يعني: صلاة المغرب والعشاء الآخرة {وحين تصبحون} صلاة الفجر {وعشياً} يعني: صلاة العصر {وحين تظهرون} يعني: صلاة الظُّهر.

.تفسير الآيات (20- 22):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)}
{ومن آياته أن خلقكم من تراب} يعني: أباكم آدم {ثم إذا أنتم بشر تنتشرون} يعني: ذريته.
{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم}: من جنسكم {أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} يعني: الأُلفة بين الزَّوجين.
{ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم} وأنتم بنو رجلٍ واحدٍ، وامرأةٍ واحدةٍ.

.تفسير الآيات (23- 31):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)}
{ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله} أَي: اللَّيل لتناموا فيه، والنَّهار لتبتغوا فيه من فضله.
{ومن آياته يريكم البرق خوفاً} للمسافر {وطعماً} للحاضر. وقوله: {ثمَّ إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون} ثم إذا دعاكم دعوة، إذا أنتم تخرجون من الأرض، هكذا تقدير الآية على التَّقديم والتأخير. وقوله: {كلٌّ له قانتون} أَيْ: مُطيعون، لا طاعة العبادة ولكن طاعة الإرادة، خلقهم على ما أراد فكانوا على ما أراد، لا يقدر أحدٌ أن يتغيَّر عمَّا خُلق عليه. وقوله: {وهو أهون عليه} أَيْ: هيِّنٌ عليه. وقيل: هو أهون عليه عندكم وفيما بينكم؛ لأَنَّ الإِعادة عندنا أيسر من الابتداء {وله المثل الأعلى} الصِّفة العليا، وهو أنَّه لا إله إلاَّ هو ولا ربَّ غيره.
{ضرب لكم مثلاً} بيَّن لكم شبهاً في اتِّخاذكم الأصنام شركاء مع الله سبحانه {من أنفسكم} ثمَّ بيَّن ذلك فقال: {هل لكم ممَّا ملكت أيمانكم} من العبيد والإِماء {من شركاء فيما رزقناكم} من المال والولد، أّيْ: هل يشاركونكم فيما أعطاكم الله سبحانه حتى تكونوا أنتم وهم {فيه سواء تخافونهم} أن يرثوكم، كما يخاف بعضكم بعضاً أن يرثه ماله، والمعنى: كما لا يكون هذا فكيف يكون ما هو مخلوقٌ لله تعالى مثلَه حتى يُعبد كعبادته؟ فلمَّا لزمتهم الحجَّة بهذا ذكر أنَّهم يعبدونها باتَّباع الهوى فقال: {بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم} في عبادة الأصنام.
{فأقم وجهك للدين حنيفاً} أَيْ: أقبل عليه ولا تُعرض عنه. {فطرة الله} أي: اتَّبع فطرة الله، أَيْ: خِلقة الله التي خلق النَّاس عليها، وذلك أنَّ كلَّ مولودٍ يُولد على ما فطره الله عليه من أنَّه لا ربَّ له غيره، كما أقرَّ له لمَّا أُخرج من ظهر آدم عليه السَّلام {لا تبديل لخلق الله} لم يبدَّلِ الله سبحانه دينه، فدينُه أنَّه لا ربَّ غيره. {ذلك الدين القيم} المستقيم.
{منيبين إليه} راجعين إلى ما أمر به، وهو حالٌ من قوله: {فأقم وجهك}، والمعنى: فأقيموا وجوهكم؛ لأنَّ أمره أمرٌ لأمته.

.تفسير الآيات (32- 36):

{مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36)}
{من الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعاً} مفسَّرٌ في سورة الأنعام {كلُّ حزب} كلُّ جماعةٍ من الذين فارقوا دينهم {بما لديهم فرحون} أَيْ: يظنون أنَّهم على الهدى، ثمَّ ذكر أنَّهم مع شركهم لا يلتجئون في الشَّدائد إلى الأصنام، فقال: {وإذا مسَّ الناس ضرٌّ دعوا ربهم منيبين إليه...} الآية. وقوله: {وليكفروا بما آتيناهم} مفسَّرٌ في سورة العنكبوت إلى قوله: {أم أنزلنا} أَيْ: أَأنزلنا {عليهم سلطاناً} كتاباً {فهو يتكلَّم بما كانوا به يشركون} ينطق بعذرهم في الإِشراك.
{وإذا أذقْنا الناس رحمة فرحوا بها...} الآية. هذا من صفة الكافر يبطر عند النِّعمة، ويقنط عند الشِّدَّة، لا يشكر في الأُولى، ولا يحتسب في الثَّانية.

.تفسير الآية رقم (39):

{وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)}
{وما آتيتم من رباَ ليربوَ في أموال الناس} يعني: ما يعطونه من الهدية ليأخذوا أكثر منها، وهو من الرِّبا الحلال {فلا يربو عند الله} لأنَّكم لم تريدوا بذلك وجه الله، وقوله: {فأولئك هم المضعفون} أصحاب الإِضعاف، يُضَاعِفُ لهم بالواحدة عشراً.

.تفسير الآية رقم (41):

{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)}
{ظهر الفساد} القحط وذهاب البركة {في البر} القفاز {والبحر} القرى والرِّيف {بما كسبت أيدي الناس} بشؤم ذنوبهم {ليذيقهم بعض الذي عملوا} كان ذلك لِيُذَاقوا الشِّدَّة بذنوبهم في العاجل.

.تفسير الآيات (43- 44):

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44)}
{فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يومٌ} القيامةُ، فلا ينفع نفساً إيمانها {يومئذٍ يصدَّعون} يتفرَّقون؛ فريقٌ في الجنَّة، وفريقٌ في السَّعير.
{مَنْ كفر فعليه كفره} أي: وبال كفره وعذابه {ومَنْ عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون} يفرشون ويُسَوُّون المضاجع، والمعنى: لأنفسهم يبغون الخير.

.تفسير الآيات (46- 52):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52)}
{ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات} بالمطر {وليذيقكم من رحمته} نعمته بالمطر يُرسلها {ولتجري الفلك بأمره} وذلك أنَّها تجري بالرِّياح {ولتبتغوا من فضله} بالتِّجارة في البحر، وقوله: {فانتقمنا من الذين أجرموا} أَيْ: عاقبنا الذين اشركوا {وكان حقاً عليناً نصر المؤمنين} في العاقبة، وكذلك ننصرك في العاقبة على مَنْ عاداك.
{الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً} تُزعجها وتُخرجها من أماكنها {فيبسطه} الله {في السماء كيف يشاء ويجعله كسفاً} قطعاً. يريد أنَّه مرَّةً يبسطه، ومرَّةً يقطعه {فترى الودق} المطر {يخرج من خلاله} وسطه وشقوقه {فإذا أصاب به} بالودق {من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون} يفرحون.
{وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم} المطر {من قبله} كرَّر {من قبل} للتَّأكيد {لمبلسين} آيسين.
{فانظر إلى آثار رحمة الله} يعني: آثار المطر الذي هو رحمة الله تعالى {كيف يحيي الأرض} جعلها تنبت {بعد موتها} يُبسها {إنَّ ذلك} الذي فعل ذلك، وهو الله عزَّ وجلَّ {لمحيي الموتى}.
{ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً} رأوا النَّبت قد اصفرَّ وجفَّ {لظلُّوا من بعده يكفرون} يريد: إنَّ الكفَّار يستبشرون بالغيث، فإذا جفَّ النَّبت ولم يحتاجوا إلى الغيث ظلُّوا يكفرون بنعمة الله عزَّ وجلَّ فلم يؤمنوا، ولم يشكروا إنعامه بالمطر.
{فإنك لا تسمع الموتى} مضت الاية في سورة الأنبياء، والتي بعدها في سورة النمل.

.تفسير الآيات (54- 60):

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)}
{الله الذي خلقكم من ضعف} من نطفةٍ. الآية.
{ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون} يحلف الكافرون {ما لبثوا} في قبورهم {غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون} أَيْ: كذَّبوا في هذا الوقت كما كانوا يُكذِّبون في الدُّنيا.
{وقال الذين أوتوا العلم والإِيمان لقد لبثتم في كتاب الله} أَيْ: فيما بيَّن في كتابه، وهو اللَّوح المحفوظ {إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون} أنَّه يكون. وقوله: {ولا هم يستعتبون} أَيْ: لا يُطلب منهم أن يرجعوا إلى ما يُرضي الله سبحانه.
{ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كلِّ مثل} بيَّنا لهم الأمثال للاعتبار {ولئن جئتهم بآية} لهم فيها بيانٌ واعتبارٌ {ليقولنَّ الذين كفروا إن أنتم إلاَّ مبطلون} ما أنتم إلاَّ أصحاب الأباطيل.
{كذلك} كما طبع الله على قلوبهم حتى لم يفهموا {يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون} أدلَّة التَّوحيد.
{فاصبر إنَّ وعد الله} في نصرك وتمكينك {حق ولا يستخفنَّك} لا يستفزنَّك عن دينك {الذين لا يوقنون} أي: الضُّلال الشَّاكُّون.