فصل: تفسير الآيات (37- 38):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (37- 38):

{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)}
{وإذ تقول للذي أنعم الله عليه} بالإسلام، يعني: زيداً {وأنعمت عليه} بالإِعتاق: {أمسك عليك زوجك واتق الله} فيها، وكان صلى الله عليه وسلم يحبُّ أن يتزوَّج بها، إلا أنَّه آثر ما يجب من الأمر بالمعروف، وقوله: {وتخفي في نفسك ما الله مبديه} أن لو فارقَها تزوَّجتها، وذلك أنَّ الله تعالى كان قد قضى ذلك، وأعلمه أنَّها ستكون من أزواجه، وإأنَّ زيداً يُطلِّقها {وتخشى الناس} تكره قالة النَّاس لو قلت: طَلِّقْها، فيقال أمر رجلاً بطلاق امرأته، ثمَّ تزوَّجها {والله أحقُّ أن تخشاه} في كلِّ الأحوال، ليس أنَّه لم يَخْشَ الله في شيءٍ من هذه القضيَّة، ولكن ذكر الكلام ها هنا على الجملة. وقيل والله أحقُّ أن تستحيي منه، فلا تأمر زيداً بإمساك زوجته بعد إعلام الله سبحانه إياك أنها ستكون زوجتك، وأنت تستحيي من النَّاس وتقول: أمسك عليك زوجك. {فلما قضى زيد منها وطراً} حاجته من نكاحها {زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج...} الآية. لكيلا يظنَّ ظانٌّ أنَّ امرأة المتبنَّى لا تحلُّ للمتبنِّي، وكانت العرب تظنُّ ذلك، وقوله: {وكان أمر الله مفعولاً} كائناً لا محالة، وكان قد قضى في زينب أن يتزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له} فيما أحلَّ له من النِّساء {سنة الله في الذين خلوا من قبل} يقول: هذه السُّنَّة قد مضت أيضاً لغيرك. يعني: كثرة أزواج داود وسليمان عليهما السَّلام، والمعنى: سنَّ الله له سنَّةٌ واسعةً لا حرج عليه فيها {وكان أمر الله قدراً مقدوراً} قضاءً مقضياً.

.تفسير الآيات (39- 46):

{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)}
{الذين يبلغون رسالات الله} {الذين} نعت قوله: {في الذين خلوا من قبل}. {ويخشونه ولا يخشون أحداً إلاَّ الله} لا يخشون قالة النَّاس ولائمتهم فيما أحلَّ الله لهم {وكفى بالله حسيباً} حافظاً لأعمال خلقه.
{ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} فتقولوا: إنَّه تزوجَّ امرأة ابنه، يعني: زيداً ليس له بابنٍ وإن كان قد تبنَّاه {ولكن} كان {رسول الله وخاتم النبيين} لا نبيَّ بعده.
{يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً} وهو أن لا يُنسى على حالٍ.
{وسبحوه} صلُّوا له {بكرة} صلاة الفجر {وأصيلاً} صلاة العصر والعشاءين.
{هو الي يصلي عليكم} يغفر لكم ويرحمكم {وملائكته} يستغفرون لكم {ليخرجكم من الظلمات إلى النور} من ظلمات الجهل والكفر إلى نور اليقين والإسلام.
{تحيتهم} تحيَّةُ الله للمؤمنين {يوم يلقونه} يرونه {سلام} يسلِّم عليهم {وأعدَّ لهم أجراً كريماً} وهو الجنَّة.
{يا أيها النبيُّ إنا أرسلناك شاهداً} على أُمَّتك بإبلاغ الرِّسالة.
{وداعياً إلى الله} إلى ما يُقرب منه من الطَّاعة والتَّوحيد {بإذنه} بأمره، أَيْ: إنَّه أمرك بهذا لا أنَّك تفعله من قبلك {وسراجاً منيراً} يُستضاء به من ظلمات الكفر.

.تفسير الآيات (48- 51):

{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50) تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)}
{ودع أذاهم} لا تُجازهم عليه إلى أن تُؤمر فيهم بأمرنا.
{يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات} تزوجتموهنَّ {ثمَّ طلقتموهنَّ من قبل أن تمسوهنَّ} تجامعوهنَّ {فمالكم عليهن من عدَّة تعتدونها} تحصونها عليهنَّ بالأقراء والأشهر؛ لأنَّ المُطلَّقة قبل الجماع لا عدَّة عليها {فمتعوهنَّ} أعطوهنَّ ما يستمتعن به، وهذا أمر ندب؛ لأنَّ الواجب لها نصف الصَّداق {وسرحوهن سَراحاً جميلاً} بالمعروف كما أمر الله تعالى، ثمَّ ذكر ما يحلُّ من النِّساء للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} مهورهنَّ {وما ملكت يمينك} من الإِماء {ممَّا أفاء الله عليك} جعلهنَّ غنيمة تُسبى وتُسترقُّ بحكم الشَّرع {وبنات عمك وبنات عماتك} أن يتزوجهنَّ، يعني: نساء بني عبد المطلب {وبنات خالك وبنات خالاتك} يعني: نساء بني زُهرة {اللاتي هاجرن معك} فمن لم يهاجر منهنَّ لم يحلَّ له نكاحها {وامرأة} وأحللنا لك امرأةً {مؤمنة إن وهبت نفسها للنبيِّ إن أراد النبيُّ أن يستنكحها} فله ذلك {خالصة لك من دون المؤمنين} فليس لغير النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يستبيح وطء امرأةٍ بلفظ الهبة من غير وليٍّ، ولامهرٍ، ولا شاهدٍ، {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} وهو أن لا نكاح إلاَّ بوليٍّ وشاهدين {وما ملكت أيمانهم} يريد أنَّه لا يحلُّ لغير النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلاَّ أربع بوليٍّ وشاهدين، وإلا ملك اليمين، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يحلُّ له ما ذكر في هذه الآية {لكيلا يكون عليك حرج} في النِّكاح.
{ترجي من تشاء منهن} تُؤخِّر {وتؤوي} وتضمُّ {إليك مَنْ تشاء} أباح الله سبحانه له أن يترك القسمة والتَّسوية بين أزواجه، حتى إنَّه ليؤخِّر مَنْ شاء منهنَّ عن وقت نوبتها، ويطأ مَنْ يشاء من غير نوبتها، ويكون الاختيار في ذلك إليه يفعل فيه ما يشاء، وهذا من خصائصه {ومن ابتغيت} طلبتَ وأردتَ إصابتها {ممن عزلت} هجرتَ وأخَّرت نوبتها {فلا جناح عليك} في ذلك كلِّه {ذلك أدنى أن تقرَّ أعينهنَّ....} الآية. إذا كانت هذه الرُّخصة مُنزَّلة من الله سبحانه عليك كان أقرب إلى أن {يرضين بما آتيتهن كلهنَّ والله يعلم ما في قلوبكم} من أمر النِّساء والميل إلى بعضهنَّ، ولمَّا خيَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم نساءه فاخترنه ورضين به، قصره الله سبحانه عليهنَّ، وحرَّم عليه طلاقهنَّ والتَّزوُّج بسواهنَّ، وجعلهنَّ أُمَّهات المؤمنين.

.تفسير الآيات (52- 55):

{لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)}
{ولا يحلُّ لك النساء من بعد} أَيْ: من بعد هؤلاء التِّسع {ولا أن تبدَّل بهنَّ من أزواجٍ ولو أعجبك حسنهنَّ} ليس لك أن تطلِّق واحدةً من هؤلاء، ولا تتزوَّج بدلها أخرى أعجبتك بجمالها {إلاَّ ما ملكت يمينك} من الإِماء فإنهنَّ حلالٌ لك.
{يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي...} الآية. نزلت في ناسٍ من المؤمنين كانوا يتحيَّنون طعام النبي صلى الله عليه وسلم، فيدخلون عليه قبل الطَّعام إلى أن يدرك، ثمَّ يأكلون ولا يخرجون، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأذَّى بهم، وهو قوله: {غير ناظرين إناه} أيْ: منتظرين إدراكه {ولا مُسْتأنِسِين لحديث} طالبين الأنس {والله لا يستحيِ من الحق} لا يترك تأديبكم وحملكم على الحقِّ {وإذا سألتموهنَّ متاعاً فاسألوهنَّ من وراء حجاب} إذا أردتم أن تخاطبوا أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أمرٍ فخاطبوهنَّ من وراء حجابٍ، وكانت النِّساء قبل نزول هذه الآية يبرزن للرِّجال، فلمَّا نزلت هذه الآية ضرب عليهنَّ الحجاب، فكانت هذه آية الحجاب بينهنَّ وبين الرِّجال {ذلكم} أَيْ: الحجاب {أطهر لقلوبكم وقلوبهن} فإنَّ كلَّ واحدٍ من الرَّجل والمرأة إذا لم ير الآخر لم يقع في قلبه {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} أَيْ: ما كان لكم أذاه في شيءٍ من الأشياء {ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً} وذلك أنَّ رجلاً من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: لئن قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنكحنَّ عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، فأعلم الله سبحانه أنَّ ذلك محرَّمٌ بقوله: {إن ذلك كان عند الله عظيماً} أَيْ: ذنباً عظيماً.
{إن تبدوا شيئاً أو تخفوه...} الآية. نزلت في هذا الرَّجل الذي قال: لأنكحنَّ عائشة، أخبر الله أنَّه عالمٌ بما يُظهر ويُكتم، فلمَّا نزلت آية الحجاب قالت الآباء والأبناء لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحن أيضاً نُكلِّمهنَّ من وراء الحجاب؟ فأنزل الله سبحانه: {لا جناح عليهن في آبائهنَّ ولا أبنائهنَّ ولا إخوانهنّ ولا أبناءِ إخوانهنّ ولا أبناءِ أخواتهنّ ولانسائهنّ ولا ما ملكت أيمانهن} أَيْ: في ترك الاحتجاب من هؤلاء.

.تفسير الآيات (56- 62):

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)}
{إنَّ الله وملائكته يصلُّون على النبيِّ} الله تعالى يثني على النبيِّ ويرحمه، والملائكة يدعون له {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً} قولوا: اللهم صلِّ على محمدٍ وسلِّمْ.
{إن الذين يؤذون الله ورسوله} يعني: اليهود والنَّصارى والمشركين في قولهم: {يد الله مغلولةٌ} و{إنَّ الله فقيرٌ} و{المسيحُ ابنُ الله} والملائكة بنات الله، وشجُّوا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له: ساحرٌ وشاعرٌ.
{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا} يرمونهم بغير ما عملوا.
{يا أيها النبي قل لأزواجك...} الآية. كان قومٌ من الزُّناة يتَّبعون النِّساء إذا خرجن ليلاً، ولم يكونوا يطلبون إلاَّ الإِماء، ولم يكن يؤمئذٍ تُعرفْ الحرَّة من الأمة؛ لأنَّ زِيَّهُنَّ كان واحداً، إنَّما يخرجن في درعٍ وخمارٍ، فنهى الله سبحانه الحرائر أن يتشبَّهنَّ بالإماء، وأنزل قوله تعالى: {يدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ} أَيْ: يرخين أرديتهنَّ وملاحفهنَّ؛ ليعلم أنهنَّ حرائر فلا يتعرض لهنَّ، وهو قوله: {ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً} لما سلف من ترك السِّتر {رحيماً} بهنَّ إذ يسترهنَّ.
{لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض} يعني: الزُّناة {والمرجفون في المدينة} الذين يوقعون أخبار السَّرايا بأنهم هُزموا بالكذب والباطل {لنغرينَّك بهم} لنسلطنَّك عليهم {ثم لا يجاورونك فيها} لا يساكنونك في المدينة {إلاَّ قليلاً} حتى يخرجوا منها.
{ملعونين} مطرودين {أينما ثقفوا} وُجدوا {أخذوا وقتلوا تقتيلاً}.
{سنة الله في الذين خلوا من قبل} سنَّ الله في الذين ينافقون الأنبياء ويرجفون بهم أن يُقتلوا حيث ما ثقفوا.

.تفسير الآيات (67- 70):

{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)}
{إنا أطعنا سادتنا} أَيْ: قادتنا ورؤساءنا في الشِّرك والضَّلالة.
{ربنا آتهم ضعفين من العذاب} مثلي عذابنا.
{يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى} لا تؤذوا نبيَّكم كما آذَوا هم موسى عليه السَّلام، وذلك أنَّهم رموه بالبرص والأدرة حتى برَّأه الله مما رموه به بآيةٍ معجزةٍ {وكان عند الله وجيهاً} ذا جاهٍ ومنزلةٍ. وقوله: {وقولوا قولاً سديداً} أَيْ: حقَّاً وصواباً. قيل: هو لا إله إلاَّ الله.

.تفسير الآيات (72- 73):

{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)}
{إنا عرضنا الأمانة} الفرائض التي افترض الله سبحانه علىالعباد، وشرط عليهم أنَّ مَنْ أدَّاها جُوزي بالإِحسان، ومَنْ خان فيها عوقب. {على السموات والأرض والجبال} أفهمهنَّ الله سبحانه خطابه وأنطقهنَّ {فأبين أن يحملْنَها} مخافةً وخشيةً لا معصيةً ومخالفةً، وهو قوله: {وأشفقن منها} أَيْ: خشين منها {وحملها الإِنسان} آدم عليه السَّلام {إنَّه كان ظلوماً} لنفسه {جهولاً} غِرَّاً بأمر الله سبحانه وما احتمل من الأمانة، ثمَّ بيَّن أنَّ حمل آدم عليه السَّلام هذه الأمانة كان سبباً لتعذيب المنافقين والمشركين في قوله: {ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات} يعني: إذا خانوا في الأمانة بمعصية أمر الله سبحانه تاب عليهم بفضله {وكان الله غفوراً رحيماً}.