فصل: سورة سبأ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.سورة سبأ:

.تفسير الآيات (1- 8):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8)}
{الحمد لله} على جهة التَّعظيم {الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة} لأنَّ أهل الجنَّة يحمدونه.
{يعلم ما يلج في الأرض} يدخل فيها من الماء والأموات {وما يخرج منها} من النَّبات {وما ينزل من السماء} من الأمطار {وما يعرج} يصعد {فيها} من الملائكة.
{وقال الذين كفروا} يعني: منكري البعث: {لا تأتينا الساعة} أَيْ: لا نبعث {قل} لهم يا محمَّدُ: {بلى وربي لتأتبينَّكم عالمِ الغيب} بالخفض من نعت قوله: {وربي} وبالرَّفع على معنى: هو عالم الغيب، وقوله: {لا يعزب} مفسَّرٌ في سورة يونس، وقوله: {ليجزي} يعود إلى قوله: {لتأتينكم} معناه: لتأتينَّكم السَّاعة {ليجزي الذين آمنوا...} الآية.
{والذين سعوا في آياتنا} مفسَّر في سورة الحج.
{ويرى الذين أوتوا العلم} يعني: مؤمني أهل الكتاب {الذي أنزل إليك من ربك} وهو القرآن {هو الحقَّ ويهدي إلى صراط العزيز} القرآن.
{وقال الذين كفروا} إنكاراً للبعث وتعجُّباً منه: {هل ندلكم على رجل} وهو محمَّد صلى الله عليه وسلم {ينبئكم إذا مزقتم كلَّ ممزق} أَيْ: فُرِّقتم وصرتم رُفاتاً {إنكم لفي خلق جديد} أَيْ: تُبعثون.
{أفترى على الله كذباً} فيما يُخبر به من البعث {أم به جنة} حالةُ جنونٍ. قال الله تعالى: {بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد}.

.تفسير الآيات (9- 13):

{أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)}
{أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض} يقول: أما يعلمون أنَّهم حيث ما كانوا فهم يرون ما بين أيديهم من الأرض والسَّماء مثل الذي خلفهم، وأنَّهم لا يخرجون منها، فكيف يأمنون؟! {إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء} عذاباً {إنَّ في ذلك لآية لكلِّ عبدٍ منيب} لعلامةً تدلُّ على قدرة الله سبحانه على إحياء الموتى لكلِّ مَنْ أناب إلى الله تعالى، وتأمَّل ما خلق الله سبحانه.
{ولقد آتينا داود منَّا فضلاً} ثمَّ بيَّن ذلك فقال: {يا جبال} أَيْ: قلنا يا جبال {أوّبي معه} سبِّحي معه {والطير} كان إذا سبَّح جاوبته الجبال بالتَّسبيح، وعكفت عليه الطَّير من فوقه تسعده على ذلك {وألنا له الحديد} جعلناه ليِّناً في يده، كالطِّين المبلول والعجين، وقلنا له: {أن اعمل سابغات} دروعاً كوامل {وقدِّر في السرد} لا تجعل مسمار الدِّرع دقيقاً فيفلق، ولا غليظاً فيفصم الحلق. اجعله على قدر الحاجة، والسَّرْد: نسج الدُّروع {واعملوا} يعني: داود وآله {صالحاً} عملاً صالحاً من طاعة الله تعالى.
{ولسليمان الرِّيح} وسخَّرنا له الرِّيح {غدوها شهر} مسيرها إلى انتصاف النَّهار مسيرة شهر، ومن انتصاف النَّهار إلى اللَّيل مسيرة شهر، وهو قوله: {ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر} أذبنا له عين النُّحاس، فسالت له كما يسيل الماء {ومن الجنِّ} أَيْ: سخَّرنا له من الجنِّ {مَنْ يعمل بين يديه بإذن ربه} بأمر ربه {ومَنْ يزغ} يمل ويعدل {منهم عن أمرنا} الذي أمرناه به من طاعة سليمان {نذقه من عذاب السعير} وذلك أنَّ الله تعالى وكَّل بهم ملكاً بيده سوطٌ من نار، فمن زاغ عن أمر سليمان ضربه ضربةً أحرقته.
{يعملون له ما يشاء من محاريب} مجالس ومساكن ومساجد {وتماثيل} صور الأنيباء؛ إذ كانت تصوَّر في المساجد ليراها النَّاس، ويزدادوا عبادة {وجفانٍ} قصاعٍ كبارٍ {كالجوابِ} كالحياض التي تجمع الماء {وقدور راسيات} ثوابت لا تحرَّكن عن مكانها لعظمه، وقلنا: {اعملوا} بطاعة الله يا {آل داود شكراً} له على نعمه.

.تفسير الآيات (14- 15):

{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)}
{فلما قضينا عليه الموت ما دلَّهم...} الآية. كان سليمان عليه السَّلام يقول: اللَّهم عمِّ على الجنِّ موتي؛ ليعلم الإِنس أنَّ الجنَّ لا يعلمون الغيب، فمات سليمان عليه السَّلام مُتوكِّئاً على عصاه سنةً، ولم تعلم الجنُّ ذلك حتى أكلت الأرضةُ عصاه، فسقط ميِّتاً، وهو قوله: {ما دلَّهم على موته إلاَّ دابَّةُ الأرض تأكل منسأته} عصاه {فلما خرَّ} سقط {تبينت الجن} علمت {أنْ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا} بعد موت سليمان {في العذاب المهين} فيما سخَّرهم فيه سليمان عليه السَّلام واستعملهم.
{لقد كان لسبأ} وهو اسم قبيلةٍ {في مساكنهم} باليمن {آية} دلالةٌ على قدرتنا {جنتان} أَيْ: هي جنَّتان {عن يمين وشمال} بستانٌ يمنةً، وبستانٌ يسرةً، وقيل لهم: {كلوا من رزق ربكم واشكروا له} على ما أنعم عليكم {بلدة طيبة} أَيْ: بلدتكم بلدةٌ طيِّبةٌ ليست بسبخةٍ {و} الله {ربٌّ غفور} والمعنى: تمتَّعوا ببلدتكم الطَّيِّبة واعبدوا ربَّاً يغفر ذنوبكم.

.تفسير الآيات (16- 19):

{فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)}
{فأعرضوا} عن أمر الله تعالى بتكذيب الرُّسل {فأرسلنا عليهم سيل العرم} وهو السِّكْر الذي يحبس الماء، وكان لهم سِكْرٌ يحبس الماء عن جنَّتيهم، فأرسل الله تعالى فيه جرذاناً ثقبته، فانبثق الماء عليهم، فغرق جنَّاتهم {وبدلناهم بجنَّتيهم جنتين ذواتي أكل خمط} أَيْ: ثمرٍ مُرٍّ {وأثل} وهو الطَّرفاء {وشيء من سدر قليل} وذلك أنَّ الله تعالى أهلك أشجارهم المثمرة، وأنبت بدلها الأراك والطَّرفاء والسِّدر.
{وذلك جزيناهم بما كفروا} أَيْ: جزيناهم ذلك الجزاء بكفرهم {وهل نجازي إلاَّ الكفور} بسوء عمله، وذلك أنَّ المؤمن تُكفَّر عنه سيئاته، والكافر يُجازى بكلِّ سوءٍ يعمله.
{وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها} يعني: قرى الشَّام، {قرى ظاهرة} متواصلةً، يُرى من هذه القرية القرية الأخرى، فكانوا يخرجون من سبأ إلى الشَّام، فيمرُّون على القرى العامرة {وقدرنا فيها السير} جعلنا سيرَهم بمقدارٍ، إذا غدا أحدهم من قريةٍ قال في أخرى، وإذا راح من قريةٍ أوى إلى أخرى، وقلنا لهم: {سيروا فيها} في تلك القرى {ليالي وأياماً} أَيَّ وقت شئتم من ليلٍ أو نهارٍ {آمنين} لا تخافون عدوَّاً ولا جوعاً ولا عطشاً.
{فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا} وذلك أنَّهم سئموا الرَّاحة، وبطروا النِّعمة فتمنَّوا أن تتباعد قراهم ليبعد سفرهم بينها {وظلموا أنفسهم} بالكفر والبطر {فجعلناهم أحاديث} لمَنْ بعدهم يتحدَّثون بقصَّتهم {ومزَّقناهم كلَّ ممزق} وفرَّقناهم في البلاد، فصاروا يُتمثَّل بهم في الفُرقة، وذلك أنَّهم ارتحلوا عن أماكنهم وتفرَّقوا في البلاد {إنَّ في ذلك} الذي فعلنا {لآيات لكلّ صبار شكور} أَيْ: لكلِّ مؤمنٍ؛ لأنَّ المؤمن هو الذي إذا ابتُليَ صبر، وإذا أُعطيَ شكر.

.تفسير الآيات (20- 23):

{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)}
{ولقد صدَّق عليهم إبليس ظنَّه} الذي ظنَّ بهم من إغوائهم {فاتبعوه إلاَّ فريقاً من المؤمنين} أَيْ: وجدهم كما ظنَّ بهم إلاَّ المؤمنين.
{وما كان لهم عليهم من سلطان} من حجَّةٍ يستتبعهم بها {إلاَّ لنعلم} المعنى: لكن امتحانهم بإبليس لنعلم {مَنْ يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك} عُلِمَ وقوعه منه.
{قل} يا محمد لمشركي قومك: {ادعوا الذين زعمتهم} أنَّهم آلهةٌ {من دون الله} وهذا أمرُ تهديدٍ، ثمَّ وصفهم فقال: {لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما} في السَّموات ولا في الأرض {من شرك} شركةٍ {وما له} لله {منهم من ظهير} عونٍ. يريد: لم يُعنِ اللَّهَ على خلق السَّموات والأرض آلهتُهم، فكيف يكونون شركاء له؟ ثمَّ أبطل قولهم أنَّهم شفعاؤنا عند الله فقال: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلاَّ لمن أذن له} أَيْ: أذن الله له أن يشفع {حتى إذا فزّع} أذهب الفزع {عن قلوبهم} يعني: كشف الفزع عن قلوب المشركين بعد الموت إقامةً للحجَّة عليهم وتقول لهم الملائكة: {ماذا قال ربكم}؟ فيما أوحى إلى أنبيائه {قالوا الحق} فأقرُّوا حين لا ينفعهم الإِقرار.

.تفسير الآيات (24- 28):

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)}
{قل من يرزقكم من السموات} المطر {و} من {الأرض} النَّبات، ثمَّ أمره أن يخبرهم فقال: {قل الله} أَيْ: الذي يفعل ذلك الله، وهذا احتجاجٌ عليهم، ثمَّ أمره بعد إقامة الحجَّة عليهم أن يُعرَّض بكونهم على الضَّلال فقال: {وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين} أَيْ: نحن أو أنتم إمَّا على هدىً أو ضلالٍ، والمعنى: أنتم الضَّالون حيث أشركتم بالذي يرزقكم من السَّماء والأرض، وهذا كما تقول لصاحبك إذا كذب: أحدنا كاذبٌ، وتعنيه، ثمَّ بيَّن براءته منهم ومن أعمالهم فقال: {قل لا تسألون عما أجرمنا...} الآية. وهذا كقوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين} ثمَّ أخبر أنَّه يجمعهم في القيامة، ثمَّ يحكم بينهم، وهو قوله تعالى: {قل يجمع بيننا ربنا ثمَّ يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم}.
{قل أروني الذين ألحقتم به شركاء} ألحقتموهم بالله تعالى في العبادة، يعني: الأصنام، أَيْ: أرونيهم هل خلقوا شيئاً، وهذه الآية مختصرةٌ، تفسيرها قوله تعالى: {قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دُونِ اللَّهِ أروني ماذا خلقوا من الأرضِ أَمْ لهم شِركٌ في السَّموات} ثمَّ قال: {كلا} أيْ: ليس الأمر على ما يزعمون {بل هو الله العزيز الحكيم}.
{وما أرسلناك إلاَّ كافَّة للناس} جامعاً لهم كلَّهم بالإِنذار والتَّبشير {ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون} ذلك.

.تفسير الآيات (31- 37):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33) وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ (37)}
{ولا بالذي بين يديه} أَيْ: من الكتب المُتقدِّمة، وقوله: {يرجع بعضهم إلى بعض القول} أَيْ: في التَّلاوم، ثمَّ ذكر إيش يرجعون فقال: {يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين}.
{قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين}.
{وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار} أَيْ: مكركم بنا فيهما {إذ تأمروننا أن نكفر بالله} {وأسروا}: وأظهروا.
{وما أرسلنا من قرية من نذير} نبيٍّ يُنذرهم {إلاَّ قال مترفوها} رؤساؤها وأغنياؤها {إنَّا بما أُرسلتم به كافرون}.
{وقالوا} للرُّسل: {نحن أكثر أموالاً وأولاداً} منكم. يعنون أنَّ الله سبحانه رضي منَّا حيث أعطانا المال {وما نحن بمعذبين} كما تقولون.
{قل إنَّ ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} وليس ذلك ممَّا يدلُّ على العواقب {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} ذلك.
{وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى} أَيْ: قُربى. يعني: تقريباً {إلاَّ من آمن} لكنْ مَنْ آمن {وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف} من الثَّواب بالواحد عشرة {وهم في الغرفات آمنون} قصور الجنَّة.