فصل: فصل بَيَانِ أَدَاء صلاة التراويح إذَا فَاتَتْ عن وَقْتِهَا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***


فصل بَيَانِ ما يُفْسد صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَبَيَانُ حُكْمِهَا

وَأَمَّا بَيَانُ ما يُفْسِدُهَا وَبَيَانُ حُكْمِهَا إذَا فَسَدَتْ أو فَاتَتْ عن وَقْتِهَا فَكُلُّ ما يُفْسِدُ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ وما يُفْسِدُ الْجُمُعَةَ يُفْسِدُ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ من خُرُوجِ الْوَقْتِ في خِلَالِ الصَّلَاةِ أو بعد ما قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَفَوْتِ الْجَمَاعَةِ على التَّفْصِيلِ وَالِاخْتِلَافِ الذي ذَكَرْنَا في الْجُمُعَةِ غير إنها إنْ فَسَدَتْ بِمَا يَفْسُدُ بِهِ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ من الْحَدَثِ الْعَمْدِ وَغَيْرِ ذلك يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ على شَرَائِطِهَا وَإِنْ فَسَدَتْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ أو فَاتَتْ عن وَقْتِهَا مع الْإِمَامِ سَقَطَتْ وَلَا يَقْضِيهَا عِنْدَنَا‏.‏

وقال الشَّافِعِيُّ يُصَلِّيهَا وَحْدَهُ كما يُصَلِّي الْإِمَامُ يُكَبِّرُ فيها تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ما عُرِفَتْ قُرْبَةً إلَّا بِفِعْلِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَالْجُمُعَةِ وَرَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ما فَعَلَهَا إلَّا بِالْجَمَاعَةِ كَالْجُمُعَةِ فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا إلَّا بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَلِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِشَرَائِطَ يَتَعَذَّرُ تَحْصِيلُهَا في الْقَضَاءِ فَلَا تُقْضَى كَالْجُمُعَةِ وَلَكِنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا مِثْلَ صَلَاةِ الضُّحَى إنْ شَاءَ لِأَنَّهَا إذَا فَاتَتْ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا بِالْقَضَاءِ لِفَقْدِ الشَّرَائِطِ فَلَوْ صلى مِثْلَ صَلَاةِ الضُّحَى لِيَنَالَ الثَّوَابَ كان حَسَنًا لَكِنْ لَا يَجِبُ لفقد ‏[‏لعدم‏]‏ دَلِيلِ الْوُجُوبِ وقد رُوِيَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قال من فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ صلى أَرْبَعًا‏.‏

فصل بَيَانِ ما يُسْتَحَبُّ في يَوْمِ الْعِيدِ

وَأَمَّا بَيَانُ ما يُسْتَحَبُّ في يَوْمِ الْعِيدِ فَيُسْتَحَبُّ فيه أَشْيَاءُ منها ما قال أبو يُوسُفَ أنه يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ وَيَغْتَسِلَ وَيَطْعَمَ شيئا وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيَمَسَّ طِيبًا وَيُخْرِجَ فِطْرَتَهُ قبل أَنْ يَخْرُجَ أَمَّا الِاغْتِسَالُ وَالِاسْتِيَاكُ وَمَسُّ الطِّيبِ وَلُبْسُ أَحْسَنِ الثِّيَابِ جَدِيدًا كان أو غَسِيلًا فَلِمَا ذَكَرْنَا في الْجُمُعَةِ وَأَمَّا إخْرَاجُهُ الْفِطْرَةَ قبل الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى في عِيدِ الْفِطْرِ فَلِمَا روى أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يُخْرِجُ قبل أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمُصَلَّى وَلِأَنَّهُ مُسَارَعَةٌ إلَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ فَكَانَ مَنْدُوبًا إلَيْهِ وَأَمَّا الذَّوْقُ فيه فَلِكَوْنِ الْيَوْمِ يوم فِطْرٍ وَأَمَّا في عِيدِ الْأَضْحَى فَإِنْ شَاءَ ذَاقَ وَإِنْ شَاءَ لم يَذُقْ وَالْأَدَبُ أَنَّهُ لَا يَذُوقُ شيئا إلَى وَقْتِ الْفَرَاغِ من الصَّلَاةِ حتى يَكُونَ تَنَاوُلُهُ من الْقَرَابِينَ وَمِنْهَا أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْمُصَلَّى جَاهِرًا بِالتَّكْبِيرِ في عِيدِ الْأَضْحَى فإذا انْتَهَى إلَى الْمُصَلَّى تَرَكَ لِمَا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كان يُكَبِّرُ في الطَّرِيقِ وَأَمَّا في عِيدِ الْفِطْرِ فَلَا يُجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ في قول أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُجْهَرُ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُجْهَرُ في الْعِيدَيْنِ جميعا و ‏[‏واحتجوا‏]‏ ‏(‏احتجا‏)‏ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ على ما هَدَاكُمْ‏}‏ وَلَيْسَ بَعْدَ إكْمَالِ الْعِدَّةِ إلَّا ذا التَّكْبِيرُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ما رُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَمَلَهُ قَائِدُهُ يوم الْفِطْرِ فَسَمِعَ الناس يُكَبِّرُونَ فقال لِقَائِدِهِ أَكَبَّرَ الْإِمَامُ قال لَا قال أَفَجُنَّ الناس وَلَوْ كان الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ سُنَّةً لم يَكُنْ لِهَذَا الْإِنْكَارِ مَعْنًى وَلِأَنَّ الْأَصْلَ في الْأَذْكَارِ هو الْإِخْفَاءُ إلَّا فِيمَا وَرَدَ التَّخْصِيصُ فيه وقد وَرَدَ في عِيدِ الْأَضْحَى فَبَقِيَ الْأَمْرُ في عِيدِ الْفِطْرِ على الْأَصْلِ وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ منه صَلَاةُ الْعِيدِ على أَنَّ الْآيَةَ تَتَعَرَّضُ لِأَصْلِ التَّكْبِيرِ وَكَلَامُنَا في وَصْفِ التَّكْبِيرِ من الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ وَالْآيَةُ سَاكِتَةٌ عن ذلك وَمِنْهَا أَنْ يَتَطَوَّعَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ أَيْ بَعْدَ الْفَرَاغِ من الْخُطْبَةِ لِمَا رُوِيَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال من صلى بَعْدَ الْعِيدِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَتَبَ اللَّهُ له بِكُلِّ نَبْتٍ نَبَتَ وَبِكُلِّ وَرَقَةٍ حَسَنَةً وَأَمَّا قبل صَلَاةِ الْعِيدِ فَلَا يَتَطَوَّعُ في الْمُصَلَّى وَلَا في بَيْتِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا لِمَا نَذْكُرُ في بَيَانِ الْأَوْقَاتِ التي يُكْرَهُ فيها التَّطَوُّعُ إن شاء الله تعالى‏.‏

وَمِنْهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا خَرَجَ إلَى الْجَبَّانَةِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ أَنْ يَخْلُفَ رَجُلًا يُصَلِّي بِأَصْحَابِ الْعِلَلِ في الْمِصْرِ صَلَاةَ الْعِيدِ لِمَا روى عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الْكُوفَةَ اسْتَخْلَفَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ لِيُصَلِّيَ بِالضَّعَفَةِ صَلَاةَ الْعِيدِ في الْمَسْجِدِ وَخَرَجَ إلَى الْجَبَّانَةِ مع خَمْسِينَ شَيْخًا يَمْشِي وَيَمْشُونَ وَلِأَنَّ في هذا إعَانَةً لِلضَّعَفَةِ على إحْرَازِ الثَّوَابِ فَكَانَ حَسَنًا وَإِنْ لم يَفْعَلْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لم يُنْقَلْ ذلك عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا عن الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ سِوَى عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَلِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ على الضَّعَفَةِ وَلَكِنْ لو خَلَّفَ كان أَفْضَلَ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا يُخْرَجُ الْمِنْبَرُ في الْعِيدَيْنِ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يَفْعَلْ ذلك وقد صَحَّ أَنَّهُ كان يَخْطُبُ في الْعِيدَيْنِ على نَاقَتِهِ وَبِهِ جَرَى التَّوَارُثُ من لَدُنْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى يَوْمِنَا هذا وَلِهَذَا اتَّخَذُوا في الْمُصَلَّى مِنْبَرًا على حِدَةٍ من اللَّبِنِ وَالطِّينِ وَاتِّبَاعُ ما اُشْتُهِرَ الْعَمَلُ بِهِ في الناس وَاجِبٌ‏.‏

فصل صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ

وَأَمَّا صَلَاةُ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ أَمَّا صَلَاةُ الْكُسُوفِ فَالْكَلَامُ في صَلَاةِ الْكُسُوفِ في مَوَاضِعَ في بَيَانِ أنها وَاجِبَةٌ أَمْ سُنَّةٌ وفي بَيَانِ قَدْرِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا وفي بَيَانِ مَوْضِعِهَا وفي بَيَانِ وَقْتِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الْأَصْلِ ما يَدُلُّ على عَدَمِ الْوُجُوبِ فإنه قال وَلَا تُصَلَّى نَافِلَةٌ في جَمَاعَةٍ إلَّا قِيَامَ رَمَضَانَ وَصَلَاةَ الْكُسُوفِ فَاسْتَثْنَى صَلَاةَ الْكُسُوفِ من الصَّلَوَاتِ النَّافِلَةِ وَالْمُسْتَثْنَى من جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى منه فَيَدُلُّ على كَوْنِهَا نَافِلَةً وَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ بن زِيَادٍ ما يَدُلُّ عليه فإنه رَوَى عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قال في كُسُوفِ الشَّمْسِ إنْ شاؤوا صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شاؤوا صَلَّوْا أَرْبَعًا وَإِنْ شاؤوا أَكْثَرَ من ذلك وَالتَّخْيِيرُ يَكُونُ في النَّوَافِلِ لَا في الْوَاجِبَاتِ وقال بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّهَا وَاجِبَةٌ لِمَا روى عن ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قال كَسَفَتْ الشَّمْسُ على عَهْدِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم مَاتَ ابْنُهُ إبْرَاهِيمُ فقال الناس إنَّمَا انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ فَسَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال أَلَا إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ من آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فإذا رَأَيْتُمْ من هذا شيئا فَاحْمَدُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوهُ وَسَبِّحُوهُ وَصَلُّوا حتى تَنْجَلِيَ وفي رواية‏:‏ أبي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ فإذا رَأَيْتُمُوهَا فَقُومُوا وَصَلُّوا وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَعَنْ أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قال انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ في زَمَنِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ فَزِعًا فَخَشِيَ أَنْ تَكُونَ السَّاعَةَ حتى أتى الْمَسْجِدَ فَقَامَ فصلى فَأَطَالَ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وقال إنَّ هذه الْآيَاتِ تُرْسَلُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرْسِلُهَا لِيُخَوِّفَ بها عِبَادَهُ‏.‏

فإذا رَأَيْتُمْ منها شيئا فَارْغَبُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وفي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَافْزَعُوا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ وَتَسْمِيَةُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إيَّاهَا نَافِلَةً لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ لِأَنَّ النَّافِلَةَ عِبَارَةٌ عن الزِّيَادَةِ وَكُلُّ وَاجِبٍ زِيَادَةٌ على الْفَرَائِضِ الْمُوَظَّفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قرنها ‏[‏قربها‏]‏ بِقِيَامِ رَمَضَانَ وهو التَّرَاوِيحُ وإنها سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهِيَ في مَعْنَى الْوَاجِبِ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ لَا تَنْفِي الْوُجُوبَ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ قد يَجْرِي بين الْوَاجِبَاتِ كما في قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ من أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أو كِسْوَتُهُمْ أو تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ‏}‏‏.‏

فصل الْكَلَامِ في قَدْرِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا

وَأَمَّا الْكَلَامُ في قَدْرِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كُلُّ رَكْعَةٍ بِرُكُوعٍ وَسَجْدَتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَهَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَكْعَتَانِ كُلُّ رَكْعَةٍ بِرُكُوعَيْنِ وَقَوْمَتَيْنِ وَسَجْدَتَيْنِ يَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَقْرَأُ ثُمَّ يَرْكَعُ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُمَا قَالَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ على عَهْدِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا من سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وهو دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وهو دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَهَذَا نَصٌّ في الْباب وَلَنَا ما رَوَى مُحَمَّدٌ بِإِسْنَادِهِ عن أبي بَكْرَةَ أَنَّهُ قال كَسَفَتْ الشَّمْسُ على عَهْدِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجُرُّ ثَوْبَهُ حتى دخل الْمَسْجِدَ فصلى رَكْعَتَيْنِ فَأَطَالَهُمَا حتى تَجَلَّتْ الشَّمْسُ وَذَلِكَ حين مَاتَ وَلَدُهُ إبْرَاهِيمُ ثُمَّ قال إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ من آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فإذا رَأَيْتُمْ من هذه الْأَفْزَاعِ شيئا فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ لِيَنْكَشِفَ ما بِكُمْ وَمُطْلَقُ اسْمِ الصَّلَاةِ يَنْصَرِفُ إلَى الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ وفي رواية‏:‏ عن أبي بَكْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلى رَكْعَتَيْنِ نحو صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَرَوَى الْجَصَّاصُ عن عَلِيٍّ وَالنُّعْمَانِ بن بَشِيرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ وَسَمُرَةَ بن جُنْدُبٍ وَالْمُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الْكُسُوفِ رَكْعَتَيْنِ كَهَيْئَةِ صَلَاتِنَا وَالْجَوَابُ عن تَعَلُّقِهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّ رِوَايَتَهُمَا قد تَعَارَضَتْ روى كما قُلْتُمْ‏.‏

وَرُوِيَ أَنَّهُ صلى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ في أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَالْمُتَعَارَضُ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا أو نَقُولُ تَعَاضَدَ ما رَوَيْنَا بِالِاعْتِبَارِ بِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى أو نَحْمِلُ ما رَوَيْتُمْ على أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ كَثِيرًا زِيَادَةً على قَدْرِ رُكُوعِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِمَا روى أَنَّهُ عُرِضَ عليه الْجَنَّةُ وَالنَّارُ في تِلْكَ الصَّلَاةِ فَرَفَعَ أَهْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ رؤوسهم ظَنًّا منهم أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَفَعَ رَأْسَهُ من الرُّكُوعِ فَرَفَعَ من خَلْفَهُمْ فلما رَأَى أَهْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ رَسُولَ صلى اللَّهُ عليه وسلم رَاكِعًا رَكَعُوا وَرَكَعَ من خَلْفَهُمْ فلما رَفَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ من الرُّكُوعِ رَفَعَ الْقَوْمُ رؤوسهم فَمَنْ كان خَلْفَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ ظَنُّوا أَنَّهُ رَكَعَ رُكُوعَيْنِ فَرَوَوْا على حَسَبِ ما وَقَعَ عِنْدَهُمْ وَعَلِمَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فَنَقَلُوا على حَسَبِ ما عَلِمُوهُ وَمِثْلُ هذا الِاشْتِبَاهِ قد يَقَعُ لِمَنْ كان في آخِرِ الصُّفُوفِ وَعَائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها كانت وَاقِفَةً في خَيْرِ صُفُوفِ النِّسَاءِ وابن عَبَّاسٍ في صَفِّ الصِّبْيَانِ في ذلك الْوَقْتِ فَنَقَلَا كما وَقَعَ عِنْدَهُمَا فَيُحْمَلُ على هذا تَوْفِيقًا بين الرِّوَايَتَيْنِ كَذَا وَفَّقَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ في صَلَاةِ الْأَثَرِ‏.‏

وَذَكَرَ الشَّيْخُ أبو مَنْصُورٍ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّنَاسُخِ لَا مَخْرَجَ التَّخْيِيرِ لِاخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ في ذلك وَلَوْ كان على التَّخْيِيرِ لَمَا اخْتَلَفُوا ثَمَّ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ قد ظَهَرَ انْتِسَاخُ زِيَادَاتٍ كانت في الِابْتِدَاءِ في الصَّلَوَاتِ وَاسْتَقَرَّتْ الصَّلَاةُ على الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ الْيَوْمَ عِنْدَنَا فَكَانَ صَرْفُ النَّسْخِ إلَى ما ظَهَرَ انْتِسَاخُهُ أَوْلَى من صَرْفِهِ إلَى ما لم يَظْهَرْ أَنَّهُ نَسَخَهُ غَيْرُهُ‏.‏

وَرَوَى الشَّيْخُ أبو مَنْصُورٍ عن أبي عبد اللَّهِ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ قال إنَّ الزِّيَادَةَ ثَبَتَتْ في صَلَاةِ الْكُسُوفِ لَا لِلْكُسُوفِ بَلْ لِأَحْوَالٍ اعْتَرَضَتْ حتى رُوِيَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم تَقَدَّمَ في الرُّكُوعِ حتى كان كَمَنْ يَأْخُذُ شيئا ثُمَّ تَأَخَّرَ كَمَنْ يَنْفِرُ عن شَيْءٍ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ منه بِاعْتِرَاضِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ فَمَنْ لَا يَعْرِفُهَا لَا يَسَعُهُ التَّكَلُّمُ فيها‏.‏

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذلك لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فلما أَشْكَلَ الْأَمْرُ لم يَعْدِلْ عن الْمُعْتَمَدِ عليه إلَّا بِيَقِينٍ والله أعلم‏.‏ثم هذه الصَّلَاةُ تُقَامُ بِالْجَمَاعَةِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقَامَهَا بِالْجَمَاعَةِ وَلَا يُقِيمُهَا إلَّا الْإِمَامُ الذي يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ فَأَمَّا أَنْ يُقِيمَهَا كُلُّ قَوْمٍ في مَسْجِدِهِمْ فَلَا وروى عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قال إنْ كان لِكُلِّ مَسْجِدٍ إمَامٌ يُصَلِّي بِجَمَاعَةٍ لِأَنَّ هذه الصَّلَاةَ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْمِصْرِ فَلَا تَكُونُ مُتَعَلِّقَةً بِالسُّلْطَانِ كَغَيْرِهَا من الصَّلَوَاتِ‏.‏

وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ أَدَاءَ هذه الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ عُرِفَ بِإِقَامَةِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا يُقِيمُهَا إلَّا من هو قَائِمٌ مَقَامَهُ وَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ تَعَلُّقِهَا بِالْمِصْرِ لِأَنَّ مَشَايِخَنَا قالوا أنها مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمِصْرِ فَكَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالسُّلْطَانِ فَإِنْ لم يُقِمْهَا الْإِمَامُ حِينَئِذٍ صلى الناس فُرَادَى إنْ شاؤوا رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شاؤا أَرْبَعًا وَالْأَرْبَعُ أَفْضَلُ ثُمَّ إنْ شاؤا طَوَّلُوا الْقِرَاءَةَ وَإِنْ شاؤا قَصَرُوا واشتغلو ‏[‏واشتغلوا‏]‏ بِالدُّعَاءِ حتى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ لِأَنَّ عليهم الِاشْتِغَالَ بِالتَّضَرُّعِ إلَى أَنْ تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ وَذَلِكَ بِالدُّعَاءِ تَارَةً وَبِالْقِرَاءَةِ أُخْرَى وقد صَحَّ في الحديث أَنَّ قِيَامَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الرَّكْعَةِ الْأُولَى كان بِقَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وفي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِقَدْرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فَالْأَفْضَلُ تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ فيها وَلَا يُجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ في صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ في كُسُوفِ الشَّمْسِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ يُجْهَرُ بها وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ ذَكَرَ في عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ قَوْلَهُ مع قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَجْهُ قَوْلِ من خَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ ما رُوِيَ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلى صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَجَهَرَ فيها بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ فَيُجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فيها كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى حَدِيثُ سَمُرَةَ بن جُنْدُبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قام قِيَامًا طَوِيلًا لم يُسْمَعْ له صَوْتٌ وَرَوَى عِكْرِمَةُ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما قال صَلَّيْتُ مع رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَكُنْتُ إلَى جَنْبِهِ فلم أَسْمَعْ منه حَرْفًا وقال صلى اللَّهُ عليه وسلم‏:‏ «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» أَيْ ليس فيها قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ وَلِأَنَّ الْقَوْمَ لَا يَقْدِرُونَ على التَّأَمُّلِ في الْقِرَاءَةِ لِتَصِيرَ ثَمَرَةُ الْقِرَاءَةِ مُشْتَرَكَةً لِاشْتِغَالِ قُلُوبِهِمْ بهذا الْفَزَعِ كما لَا يَقْدِرُونَ على التَّأَمُّلِ في سَائِرِ الْأَيَّامِ في صَلَوَاتِ النَّهَارِ لِاشْتِغَالِ قُلُوبِهِمْ بِالْمَكَاسِبِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ تَعَارَضَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَبَقِيَ لنا الِاعْتِبَارُ الذي ذَكَرْنَا مع ظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ وَنَحْمِلُ ذلك على أَنَّهُ جَهَرَ بِبَعْضِهَا اتِّفَاقًا كما رُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسْمِعُ الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ في صَلَاةِ الظُّهْرِ أَحْيَانًا وَالله أعلم‏.‏

وَلَيْسَ في هذه الصَّلَاةِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ لِأَنَّهُمَا من خَوَاصِّ الْمَكْتُوبَاتِ وَلَا خُطْبَةَ فيها عِنْدَنَا وقال الشَّافِعِيُّ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلى في كُسُوفِ الشَّمْسِ ثُمَّ خَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ عز وجل وَأَثْنَى عليه وَلَنَا أَنَّ الْخُطْبَةَ لم تُنْقَلْ على عَهْدِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعْنَى قَوْلِهَا خَطَبَ أَيْ دَعَا أو لِأَنَّهُ احْتَاجَ إلَى الْخُطْبَةِ رَدًّا لِقَوْلِ الناس إنَّمَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ لَا لِلصَّلَاةِ وَالله أعلم‏.‏

وَأَمَّا خُسُوفُ الْقَمَرِ فَالصَّلَاةُ فيها حَسَنَةٌ لِمَا رَوَيْنَا عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال إذَا رَأَيْتُمْ من هذه الْأَفْزَاعِ شيئا فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ وَهِيَ لَا تصلي بِجَمَاعَةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تصلي بِجَمَاعَةٍ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ صلى بِالنَّاسِ في خُسُوفِ الْقَمَرِ وقال صَلَّيْتُ كما رأيت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَنَا أَنَّ الصَّلَاةَ بِجَمَاعَةٍ في خُسُوفِ الْقَمَرِ لم تُنْقَلْ عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أَنَّ خُسُوفَهُ كان أَكْثَرَ من كُسُوفِ الشَّمْسِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ غير الْمَكْتُوبَةِ لَا تُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ قال النبي صلى الله عليه وسلم صَلَاةُ الرَّجُلِ في بَيْتِهِ أَفْضَلُ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ إلَّا إذَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ كما في الْعِيدَيْنِ وَقِيَامِ رَمَضَانَ وَكُسُوفِ الشَّمْسِ وَلِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ بِاللَّيْلِ متعذرا ‏[‏متعذر‏]‏ وسبب الْوُقُوعِ في الْفِتْنَةِ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ لِكَوْنِهِ خَبَرَ آحَادٍ في مَحَلِّ الشُّهْرَةِ وَكَذَا تُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ في كل فَزَعٍ كَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالزَّلْزَلَةِ وَالظُّلْمَةِ وَالْمَطَرِ الدَّائِمِ لِكَوْنِهَا من الْأَفْزَاعِ وَالْأَهْوَالِ وقد رُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ صلى للزلزلة ‏[‏لزلزلة‏]‏ بِالْبَصْرَةِ وَأَمَّا مَوْضِعُ الصَّلَاةِ أَمَّا في خُسُوفِ الْقَمَرِ فَيُصَلُّونَ في مَنَازِلِهِمْ لِأَنَّ السُّنَّةَ فيها أَنْ يُصَلُّوا وُحْدَانًا على ما بَيَّنَّا وَأَمَّا في كُسُوفِ الشَّمْسِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يصلي في الْمَوْضِعِ الذي يُصَلَّى فيه الْعِيدُ أو الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ وَلِأَنَّهَا من شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَتُؤَدَّى في الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِإِظْهَارِ الشَّعَائِرِ وَلَوْ اجْتَمَعُوا في مَوْضِعٍ آخَرَ وَصَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ أَجْزَأَهُمْ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِمَا مَرَّ وَأَمَّا وَقْتُهَا فَهُوَ الْوَقْتُ الذي يُسْتَحَبُّ فيه أَدَاءُ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ دُونَ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَلِأَنَّ هذه الصَّلَاةَ إنْ كانت نَافِلَةً فَالنَّوَافِلُ في هذه الْأَوْقَاتِ مَكْرُوهَةٌ وَإِنْ كانت لها أَسْباب عِنْدَنَا كَرَكْعَتَيْ التَّحِيَّةِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ لِمَا نَذْكُرُ في مَوْضِعِهِ وَإِنْ كانت وَاجِبَةً فَأَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ في هذه الْأَوْقَاتِ مَكْرُوهَةٌ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَغَيْرِهَا

وَالله الموفق‏.‏

فصل صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

وَأَمَّا صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قال لَا صَلَاةَ في الِاسْتِسْقَاءِ وَإِنَّمَا فيه الدُّعَاءُ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا صَلَاةَ في الِاسْتِسْقَاءِ الصَّلَاةَ بِجَمَاعَةٍ أَيْ لَا صَلَاةَ فيه بِجَمَاعَةٍ بِدَلِيلِ ما روى عن أبي يُوسُفَ أَنَّهُ قال سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عن الِاسْتِسْقَاءِ هل فيه صَلَاةٌ أو دُعَاءٌ مُوَقَّتٌ أو خُطْبَةٌ فقال أَمَّا صلاة بِجَمَاعَةٍ فَلَا وَلَكِنْ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَإِنْ صَلَّوْا وُحْدَانًا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ أبي حَنِيفَةَ وقال مُحَمَّدٌ يُصَلِّي الْإِمَامُ أو نَائِبُهُ في الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ بِجَمَاعَةٍ كما في الْجُمُعَةِ ولم يذكر في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْلَ أبي يُوسُفَ وَذَكَرَ في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ قَوْلَهُ مع قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُ مع قَوْلِ مُحَمَّدٍ وهو الْأَصَحُّ وَاحْتَجَّا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى بِجَمَاعَةٍ في الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَالْمَرْوِيُّ في حديث عبد اللَّهِ بن عَامِرِ بن رَبِيعَةَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فقلت اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كان غَفَّارًا‏}‏ وَالْمُرَادُ منه الِاسْتِغْفَارُ في الاستسقاء بِدَلِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا‏}‏ أَمْرٌ بِالِاسْتِغْفَارِ في الِاسْتِسْقَاءِ فَمَنْ زَادَ عليه الصَّلَاةَ‏.‏

فَلَا بُدَّ له من دَلِيلٍ وَكَذَا لم يُنْقَلْ عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ صلى في الِاسْتِسْقَاءِ فإنه رُوِيَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى الْجُمُعَةَ فَقَامَ رَجُلٌ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْدَبَتْ الْأَرْضُ وَهَلَكَتْ الْمَوَاشِي فَاسْقِ لنا الْغَيْثَ فَرَفَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ وَدَعَا فما ضَمَّ يَدَيْهِ حتى مَطَرَتْ السَّمَاءُ فقال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لِلَّهِ دَرُّ أبي طَالِبٍ لو كان في الْأَحْيَاءِ لَقَرَّتْ عَيْنَاهُ» فقال عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه تَعْنِي يا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ فقال صلى اللَّهُ عليه وسلم‏:‏ «أَجَلْ» وفي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ قام ذلك الْأَعْرَابِيُّ وَأَنْشَدَ فقال‏:‏

أَتَيْنَاك وَالْعَذْرَاءُ يَدْمَى لَبَانُهَا *** وقد شُغِلَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ عن الطِّفْلِ

وقال في آخِرِهِ‏:‏

وَلَيْسَ لنا إلَّا إلَيْك فِرَارُنَا *** وَلَيْسَ فِرَارُ الناس إلَّا إلَى الرُّسُلِ

فَبَكَى النبي صلى الله عليه وسلم حتى اخضلت لِحْيَتُهُ الشَّرِيفَةُ ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهُ وَأَثْنَى عليه وَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ وقال‏:‏ «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا عَذْبًا طَيِّبًا نَافِعًا غير ضَارٍّ عَاجِلًا غير آجِلٍ» فما رَدَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ إلَى صَدْرِهِ حتى مَطَرَتْ السَّمَاءُ جاء ‏[‏وجاء‏]‏ وأهل ‏[‏أهل‏]‏ الْبَلَدِ يَصِيحُونَ الْغَرَقَ الْغَرَقَ يا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فقال‏:‏ «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا فَانْجَابَتْ السَّحَابَةُ حتى أَحْدَقَتْ بِالْمَدِينَةِ كَالْإِكْلِيلِ» فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لِلَّهِ دَرُّ أبي طَالِبٍ لو كان حَيًّا لَقَرَّتْ عَيْنَاهُ» من يُنْشِدُنَا قَوْلَهُ فَقَامَ عَلِيٌّ رضي اللَّهُ عنه وَأَنْشَدَ الْبَيْتَ الْمُتَقَدِّمَ أَوَّلًا‏.‏

وما رُوِيَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى وَعَنْ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ خَرَجَ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ ولم يُصَلِّ بِجَمَاعَةٍ بَلْ صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وما زَادَ عليه فَقَالُوا ما اسْتَسْقَيْتَ يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فقال لقد اسْتَسْقَيْتُ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ التي بها يُسْتَنْزَلُ الْغَيْثُ وَتَلَا قول الله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كان غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا‏}‏ وَرُوِيَ أَنَّهُ‏:‏ «خَرَجَ بِالْعَبَّاسِ فَأَجْلَسَهُ على الْمِنْبَرِ وَوَقَفَ بِجَنْبِهِ يَدْعُو وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِعَمِّ نَبِيُّكَ صلى الله عليه وسلم وَدَعَا بِدُعَاءٍ طَوِيلٍ فما نَزَلَ عن الْمِنْبَرِ حتى سُقُوا» وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ اسْتَسْقَى ولم يُصَلِّ وما رُوِيَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم صلى بِجَمَاعَةٍ حَدِيثٌ شَاذٌّ وَرَدَ في مَحِلِّ الشُّهْرَةِ لِأَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ يَكُونُ بِمَلَأٍ من الناس وَمِثْلُ هذا الحديث يُرَجَّحُ كَذِبُهُ على صِدْقِهِ أو وَهْمُهُ على ضَبْطِهِ فَلَا يَكُونُ مَقْبُولًا مع أَنَّ هذا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى في دِيَارِهِمْ وما تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَحْتَاجُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ إلَى مَعْرِفَتِهِ لَا يُقْبَلُ فيه الشَّاذُّ وَالله أعلم‏.‏

ثُمَّ عِنْدَهُمَا يَقْرَأُ في الصَّلَاةِ ما شَاءَ جَهْرًا كما في صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ بـ‏:‏ ‏{‏سبح اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى‏}‏ و‏:‏ ‏{‏هل أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ‏}‏ لِأَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأهما ‏[‏يقرؤهما‏]‏ في صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا يُكَبِّرُ فيها في الْمَشْهُورِ من الرِّوَايَةِ عنهما وَرُوِيَ عن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَلَيْسَ في الِاسْتِسْقَاءِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ أَمَّا عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ فَلَا يُشْكِلُ لِأَنَّهُ ليس فيه صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ شَاءُوا صَلَّوْا فُرَادَى وَذَلِكَ في مَعْنَى الدُّعَاءِ وَعِنْدَهُمَا إنْ كان فيه صَلَاةٌ بِالْجَمَاعَةِ وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَكْتُوبَةٍ وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ من خَوَاصِّ الْمَكْتُوبَاتِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ من الصَّلَاةِ يَخْطُبُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ لَا يَخْطُبُ وَلَكِنْ لو صَلَّوْا وُحْدَانًا يَشْتَغِلُونَ بِالدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ من تَوَابِعِ الصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ وَالْجَمَاعَةُ غَيْرُ مَسْنُونَةٍ في هذه الصَّلَاةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا سُنَّةٌ فَكَذَا الْخُطْبَةُ ثُمَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَفصل بَيْنَهُمَا بِالْجِلْسَةِ كما في صَلَاةِ الْعِيدِ وَعَنْ أبي يُوسُفَ أَنَّهُ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ منها الدُّعَاءُ فَلَا يَقْطَعُهَا بِالْجِلْسَةِ وَلَا يُخْرِجُ الْمِنْبَرَ في الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا يَصْعَدُهُ لو كان في مَوْضِعِ الدُّعَاءِ مِنْبَرٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ وقد عَابَ الناس على مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ عِنْدَ إخْرَاجِهِ الْمِنْبَرَ في الْعِيدَيْنِ وَنَسَبُوهُ إلَى خِلَافِ السُّنَّةِ على ما بَيَّنَّا وَلَكِنْ يَخْطُبُ على الْأَرْضِ مُعْتَمِدًا على قَوْسٍ أو سَيْفٍ ولو تَوَكَّأَ على عَصًا فَحَسَنٌ لِأَنَّ خُطْبَتَهُ تَطُولُ فَيَسْتَعِينُ بِالِاعْتِمَادِ على عَصًا وَيَخْطُبُ مُقْبِلًا بِوَجْهِهِ إلَى الناس وَهُمْ مُقْبِلُونَ عليه لِأَنَّ الْإِسْمَاعَ وَالِاسْتِمَاعَ إنَّمَا يَتِمُّ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ وَيَسْتَمِعُونَ الْخُطْبَةَ وَيُنْصِتُونَ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَعِظُهُمْ فيها فَلَا بُدَّ من الْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ‏.‏

وإذا فَرَغَ من الْخُطْبَةِ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى الناس وَوَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَشْتَغِلُ بِدُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ وَالنَّاسُ قُعُودٌ مُسْتَقْبِلُونَ بِوُجُوهِهِمْ إلَى الْقِبْلَةِ في الْخُطْبَةِ وَالدُّعَاءِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ فَيَدْعُو اللَّهَ وَيَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُجَدِّدُونَ التَّوْبَةَ وَيَسْتَسْقُونَ‏.‏

وَهَلْ يَقْلِبُ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ لَا يَقْلِبُ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقْلِبُ إذَا مَضَى صَدْرٌ من خُطْبَتِهِ فَاحْتَجَّا بِمَا رُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَلَبَ رِدَاءَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ما رُوِيَ أَنَّهُ عليه السَّلَامُ اسْتَسْقَى يوم الْجُمُعَةِ ولم يَقْلِبْ الرِّدَاءَ وَلِأَنَّ هذا دُعَاءٌ فَلَا مَعْنَى لِتَغْيِيرِ الثَّوْبِ فيه كما في سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ وما رُوِيَ أَنَّهُ قَلَبَ الرِّدَاءَ مُحْتَمَلٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَغَيَّرَ عليه فَأَصْلَحَهُ فَظَنَّ الرَّاوِي إنه قَلَبَ أو يُحْتَمَلُ إنه عَرَفَ من طَرِيقِ الْوَحْيِ أَنَّ الْحَالَ يَنْقَلِبُ من الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ مَتَى قَلَبَ الرِّدَاءَ بِطَرِيقِ التَّفَاؤُلِ فَفَعَلَ وَهَذَا لَا يُوجَدُ في حَقِّ غَيْرِهِ وَكَيْفِيَّةُ تَقْلِيبِ الرِّدَاءِ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ كان مُرَبَّعًا جَعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَأَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ وَإِنْ كان مُدَوَّرًا جَعَلَ الْجَانِبَ الْأَيْمَنَ على الْأَيْسَرِ وَالْأَيْسَرَ على الْأَيْمَنِ وَأَمَّا الْقَوْمُ فَلَا يَقْلِبُونَ أَرْدِيَتَهُمْ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَقْلِبُونَ أَيْضًا وَاحْتَجَّ بِمَا روى عن عبد اللَّهِ بن زيد ‏[‏يزيد‏]‏ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَحَوَّلَ الناس أَرْدِيَتَهُمْ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ تَحْوِيلَ الرِّدَاءِ في حَقِّ الْإِمَامِ أَمْرٌ ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ على ما ذَكَرْنَا فَنَقْتَصِرُ على مَوْرِدِ النَّصِّ وما رُوِيَ من الحديث شَاذٌّ على أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَرَفَ ذلك فلم يُنْكِرْ عليهم فَيَكُونُ تَقْرِيرًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لم يَعْرِفْ لِأَنَّهُ كان مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ مُسْتَدْبِرًا القوم ‏[‏لهم‏]‏ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مع الِاحْتِمَالِ ثُمَّ إنْ شَاءَ رَفَعَ يَدَيْهِ نحو السَّمَاءِ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَإِنْ شَاءَ أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ كَذَا رُوِيَ عن أبي يُوسُفَ لِأَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ سُنَّةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يَدْعُو بِعَرَفَاتٍ بَاسِطًا يَدَيْهِ كَالْمُسْتَطْعِمِ الْمِسْكِينِ ثم الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ من الدُّعَاءِ الْإِجَابَةُ وَالثَّلَاثَةُ مُدَّةٌ وصنعت ‏[‏ضربت‏]‏ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ وَإِنْ أَمَرَ الإمام الناس بِالْخُرُوجِ ولم يَخْرُجْ بِنَفْسِهِ خَرَجُوا لِمَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا شَكَوْا إلَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقَحْطَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْثُوا على الرُّكَبِ ولم يَخْرُجْ بِنَفْسِهِ وإذا خَرَجُوا اشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ ولم يُصَلُّوا بِجَمَاعَةٍ إلَّا إذَا أَمَرَ الْإِمَامُ إنْسَانًا أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ جَمَاعَةً لِأَنَّ هذا دُعَاءٌ فَلَا يُشْتَرَطُ له حُضُورُ الْإِمَامِ وَإِنْ خَرَجُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ جَازَ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَلَا يُشْتَرَطُ له إذْنُ الْإِمَامِ وَلَا يُمَكَّنُ أَهْلُ الذِّمَّةِ من الْخُرُوجِ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وقال مَالِكٌ إنْ خَرَجُوا لم يُمْنَعُوا وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ بِخُرُوجِهِمْ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ ينتظرون ‏[‏ينظرون‏]‏ نُزُولَ الرَّحْمَةِ عليهم وَالْكُفَّارُ مَنَازِلُ اللَّعْنَةِ وَالسَّخْطَةِ فَلَا يُمَكَّنُونَ من الْخُرُوجِ وَالله أعلم‏.‏

فصل الصَّلَاةِ الْمَسْنُونَةِ

وَأَمَّا الصَّلَاةُ الْمَسْنُونَةُ فَهِيَ السُّنَنُ الْمَعْهُودَةُ لِلصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ وَالْكَلَامُ فيها يَقَعُ في مَوَاضِعَ في بَيَانِ مَوَاقِيتِ هذه السُّنَنِ وَمَقَادِيرِهَا جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا وفي بَيَانِ صِفَةِ الْقِرَاءَةِ فيها وفي بَيَانِ ما يُكْرَهُ فيها وفي بَيَانِ أنها إذَا فَاتَتْ عن وَقْتِهَا هل تُقْضَى أَمْ لَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَقْتُ جُمْلَتِهَا وَقْتُ الْمَكْتُوبَاتِ لِأَنَّهَا تَوَابِعُ لِلْمَكْتُوبَاتِ فَكَانَتْ تَابِعَةً لها في الْوَقْتِ وَمِقْدَارُ جُمْلَتِهَا اثنا ‏[‏اثنتا‏]‏ عشر رَكْعَةً رَكْعَتَانِ وَأَرْبَعٌ وَرَكْعَتَانِ وَرَكْعَتَانِ وَرَكْعَتَانِ في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَمَّا مِقْدَارُ كل وَاحِدَةٍ منها وَوَقْتُهَا على التَّفْصِيلِ فَرَكْعَتَانِ قبل الْفَجْرِ وَأَرْبَعٌ قبل الظُّهْرِ لَا يُسَلِّمُ إلَّا في آخِرِهِنَّ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهُ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ في الْأَصْلِ وَذَكَرَ في الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ إنْ تَطَوَّعَ بِأَرْبَعٍ قَبْلَهُ فَحَسَنٌ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ هَكَذَا إلَّا أَنَّهُ قال في الْعَصْرِ وَأَرْبَعٌ قبل الْعَصْرِ وفي الْعِشَاءِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَوَى الْحَسَنُ عن أبي حَنِيفَةَ وَرَكْعَتَانِ قبل الْعَصْرِ‏.‏

وَالْعَمَلُ فِيمَا رَوَيْنَا على الْمَذْكُورِ في الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ في السُّنَنِ ما رُوِيَ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال من ثَابَرَ على اثني ‏[‏اثنتي‏]‏ عَشْرَةَ رَكْعَةً في الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بَنَى اللَّهُ له بَيْتًا في الْجَنَّةِ رَكْعَتَيْنِ قبل الْفَجْرِ وَأَرْبَعٌ قبل الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وركعتين بعد المغرب وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وقد وَاظَبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عليها ولم يَتْرُكْ شيئا منها إلَّا مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ لِعُذْرٍ وَهَذَا تَفْسِيرُ السُّنَّةِ وَأَقْوَى السُّنَنِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِالتَّرْغِيبِ فِيهِمَا ما لم يَرِدْ في غَيْرِهِمَا فإنه روى عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ من الدُّنْيَا وما فيها وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما في تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِدْبَارَ النُّجُومِ‏}‏ أَنَّهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَرُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال صَلُّوهُمَا فإن فِيهِمَا لَرَغَائِبَ وَرُوِيَ عنه أَنَّهُ قال صَلُّوهُمَا وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ وروي جَمَاعَةٌ من الصَّحَابَةِ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كان يُصَلِّي بَعْدَ الزَّوَالِ في كل يَوْمٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ منهم أبو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ رضي اللَّهُ عنه وروي عنه أَيْضًا قَوْلًا على ما نَذْكُرُ‏.‏

وَعَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ أَنَّهُ قال ما اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على شَيْءٍ َاجْتِمَاعِهِمْ على مُحَافَظَةِ الْأَرْبَعِ قبل الظُّهْرِ وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأُخْتِ في عِدَّةِ الْأُخْتِ ثُمَّ هذه الْأَرْبَعِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ ذَكَرَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً كما ذَكَرَتْ عَائِشَةُ إلَّا أَنَّهُ زَادَ وَأَرْبَعًا قبل الظُّهْرِ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَلَنَا حَدِيثُ أبي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بَعْدَ الزَّوَالِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقُلْت ما هذه الصَّلَاةُ التي تُدَاوِمُ عليها يا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال هذه سَاعَةٌ تُفْتَحُ فيها أَبْوَابُ السَّمَاءِ فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لي فيها عَمَلٌ صَالِحٌ فقلت أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ قال نعم فقلت بِتَسْلِيمَةٍ أَمْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ فقال بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا نَصٌّ في الْباب وَالتَّسْلِيمُ في حديث ابْنِ عُمَرَ عِبَارَةٌ عن التَّشَهُّدِ لِمَا فيه من السَّلَامِ كما فيه من الشَّهَادَةِ على ما مَرَّ وَإِنَّمَا ذَكَرَ في الْأَصْلِ أن التَّطَوُّعَ بِالْأَرْبَعِ قبل الْعَصْرِ حَسَنٌ لِأَنَّ كَوْنَ الْأَرْبَعِ من السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ غير ثَابِتٍ لِأَنَّهَا لم تُذْكَرْ في حديث عَائِشَةَ ولم يُرْوَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يُوَاظِبُ على ذلك وكذا ‏[‏ولذا‏]‏ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ في فصلهِ إيَّاهَا روى ‏[‏وروي‏]‏ في بَعْضِهَا أَنَّهُ صلى أَرْبَعًا وفي بَعْضِهَا رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ صلى أَرْبَعًا كان حَسَنًا لِحَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي اللَّهُ عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال من صلى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قبل الْعَصْرِ كانت له جُنَّةً من النَّارِ وَذَكَرَ في الْأَصْلِ وَإِنْ تَطَوَّعَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِسِتِّ ركعات ‏(‏فهو أفضل لما روي عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من صلى بعد المغرب ست رَكَعَاتٍ كُتِبَ من الْأَوَّابِينَ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فإنه ‏[‏إنه‏]‏ كان لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا‏}‏ وَإِنَّمَا قال في الْأَصْلِ إنَّ التَّطَوُّعَ بِالْأَرْبَعِ قبل الْعِشَاءِ حَسَنٌ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ بها لم يَثْبُتْ أَنَّهُ من السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَلَوْ فَعَلَ ذلك فَحَسَنٌ لِأَنَّ الْعِشَاءَ نَظِيرُ الظُّهْرِ في أَنَّهُ يَجُوزُ التَّطَوُّعُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا‏.‏

وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ في الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْعِشَاءِ ما رُوِيَ عن ابْنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه مَوْقُوفًا عليه وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال من صلى بَعْدَ الْعِشَاءِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كُنَّ له كَمِثْلِهِنَّ من لَيْلَةِ الْقَدْرِ وروى عن عَائِشَةَ أنها سُئِلَتْ عن قِيَامِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في لَيَالِي رَمَضَانَ فقالت كان قِيَامُهُ في رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ سَوَاءً كان يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا لَا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ أَرْبَعًا لَا تَسْأَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ كان يُوتِرُ بِثَلَاثٍ وَأَمَّا السُّنَّةُ قبل الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا فَقَدْ ذُكِرَ في الْأَصْلِ وَأَرْبَعٌ قبل الْجُمُعَةِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا وَكَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عن أبي يُوسُفَ أَنَّهُ قال يُصَلِّي بَعْدَهَا سِتًّا وَقِيلَ هو مَذْهَبُ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وما ذَكَرْنَا أَنَّهُ كان يُصَلِّي أَرْبَعًا مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ في كتاب الصَّوْمِ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَمْكُثُ في الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ مِقْدَارَ ما يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أو سِتَّ رَكَعَاتٍ أَمَّا الْأَرْبَعُ قبل الْجُمُعَةِ فَلِمَا رُوِيَ عن ابْنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يَتَطَوَّعُ قبل الْجُمُعَةِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ نَظِيرُ الظُّهْرِ ثُمَّ التَّطَوُّعُ قبل الظُّهْرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ كَذَا قَبْلَهَا وَأَمَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَوَجْهُ قَوْلِ أبي يُوسُفَ أن فِيمَا قُلْنَا جَمْعًا بين قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ فِعْلِهِ فإنه رُوِيَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَرْبَعِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَرُوِيَ أَنَّهُ صلى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَجَمَعْنَا بين قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ قال أبو يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ كَذَا رُوِيَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه كيلا يَصِيرَ مُتَطَوِّعًا بَعْدَ صَلَاةِ الْفَرْضِ بِمِثْلِهَا وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ما رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال من كان مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا وما رُوِيَ من فِعْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَلَيْسَ فيه ما يَدُلُّ على الْمُوَاظَبَةِ وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ من يُصَلِّي بَعْدَهَا كَمْ شَاءَ غير أَنَّا نَقُولُ السُّنَّةُ بَعْدَهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ لَا غَيْرُ لِمَا رَوَيْنَا‏.‏

فصل صِفَةِ الْقِرَاءَةِ

وَأَمَّا صِفَةُ الْقِرَاءَةِ فيها فَالْقِرَاءَةُ في السُّنَنِ في الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا فَرْضٌ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَطَوُّعٌ وَكُلُّ شَفْعٍ من التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ على حِدَةٍ لِمَا نَذْكُرُ في صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فَكَانَ كُلُّ شَفْعٍ منها بِمَنْزِلَةِ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ من الْفَرَائِضِ وقد رَوَيْنَا في حديث أبي أَيُّوبَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الْأَرْبَعِ قبل الظُّهْرِ أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ قال نعم وَالله أعلم‏.‏

فصل بَيَانِ ما يُكْرَهُ منها

وَأَمَّا بَيَانُ ما يُكْرَهُ منها فَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ شيئا من السُّنَنِ في الْمَكَانِ الذي صلى فيه الْمَكْتُوبَةَ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وقد رَوَيْنَا عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال أَيَعْجِزُ أحدكم إذَا صلى أَنْ يَتَقَدَّمَ أو يَتَأَخَّرَ وَلَا يُكْرَهُ ذلك لِلْمَأْمُومِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ في حَقِّ الْإِمَامِ لِلِاشْتِبَاهِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ في حَقِّ الْمَأْمُومِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ له أَنْ يَتَنَحَّى أَيْضًا حتى تَنْكَسِرَ الصُّفُوفُ وَيَزُولَ الِاشْتِبَاهُ على الدَّاخِلِ من كل وَجْهٍ على ما مَرَّ وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّي شيئا منها وَالنَّاسُ في الصَّلَاةِ أو أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ في الْإِقَامَةِ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فإنه يُصَلِّيهِمَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ من الْفَجْرِ فَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الْفَجْرُ تَرَكَهُمَا وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فيه أَنَّ الدَّاخِلَ إذَا دخل الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ لَا يَخْلُو إمَّا إن كان يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ وَإِمَّا إن كان لم يُصَلِّ وَإِمَّا إن كان لم يُصَلِّهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا إن دخل الْمَسْجِدَ وقد أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ في الْإِقَامَةِ أو دخل الْمَسْجِدَ وَشَرَعَ في الصَّلَاةِ ثُمَّ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ في الْإِقَامَةِ فَإِنْ دخل وقد كان الْمُؤَذِّنُ أَخَذَ في الْإِقَامَةِ يُكْرَهُ له التَّطَوُّعُ في الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ كان رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أو غَيْرِهِمَا من التَّطَوُّعَاتِ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِأَنَّهُ لَا يَرَى صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقِفَنَّ مَوَاقِفَ التُّهَمِ وَأَمَّا خَارِجُ الْمَسْجِدِ فَكَذَلِكَ في سَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ وَأَمَّا في رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَالْأَمْرُ فيه على التَّفْصِيلِ الذي ذَكَرْنَا لِأَنَّ إدْرَاكَ فَضِيلَةِ الِافْتِتَاحِ أَوْلَى من الِاشْتِغَالِ بِالنَّفْلِ قال النبي صلى الله عليه وسلم تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ خَيْرٌ من الدُّنْيَا وما فيها وَلَيْسَتْ هذه الْمَرْتَبَةُ لِسَائِرِ النَّوَافِلِ وفي الِاشْتِغَالِ بِاسْتِدْرَاكِهَا فَوَاتُ النَّوَافِلِ وفي الِاشْتِغَالِ بِاسْتِدْرَاكِ النَّوَافِلِ فَوْتُهَا وَهِيَ أَعْظَمُ ثَوَابًا فَكَانَ إحْرَازُ فَضِيلَتِهَا أَوْلَى بِخِلَافِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فإن التَّرْغِيبَ فِيهِمَا قد وُجِدَ حَسْبَمَا وُجِدَ في تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ قال صلى اللَّهُ عليه وسلم‏:‏ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ من الدُّنْيَا وما فيها» فَقَدْ اسْتَوَيَا في الدَّرَجَةِ وَاخْتَلَفَ تَخْرِيجُ مَشَايِخِنَا في ذلك منهم من قال مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ وقد سَبَقَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَشَرَعَ في قِرَاءَةِ السُّورَةِ فَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِيَنَالَ هذه الْفَضِيلَةَ عِنْدَ فَوْتِ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ لِأَنَّ إدْرَاكَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ غَيْرُ مَوْهُومٍ فإذا عَجَزَ عن إحْرَازِ ‏(‏إحْدَى‏)‏ الْفَضِيلَتَيْنِ يُحْرِزُ الْأُخْرَى فإذا كان الْإِمَامُ لم يَأْتِ بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ بَعْدُ يَشْتَغِلُ بِإِحْرَازِهَا لِأَنَّهَا عِنْدَ التَّعَارُضِ تَأَيَّدَتْ بِالِانْضِمَامِ إلَى فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فَكَانَ إحْرَازُهَا أَوْلَى غير أَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ على خِلَافِ هذا فإن مُحَمَّدًا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ في الْإِقَامَةِ وَمَعَ ذلك قال أنه يَشْتَغِلُ بِالتَّطَوُّعِ إذَا كان يَرْجُو إدْرَاكَ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ اسْتَوَيَا في الدَّرَجَةِ على ما مَرَّ وَالْوَجْهُ فيه أَنَّهُ لو اشْتَغَلَ بِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ لَفَاتَتْهُ فَضِيلَةُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَصْلًا وَلَوْ اشْتَغَلَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمَا فَاتَتْهُ فَضِيلَةُ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ من جَمِيعِ الْوُجُوهِ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ من كل وَجْهٍ ما دَامَتْ الصَّلَاةُ بَاقِيَةً لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ هِيَ التَّحْرِيمَةُ وَهِيَ تَبْقَى ما دَامَتْ الْأَرْكَانُ بَاقِيَةً فَكَانَتْ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ بَاقِيَةً بِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ من وَجْهٍ فَصَارَ مُدْرِكًا من وَجْهٍ وَصَارَ مُدْرِكًا أَيْضًا فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ‏.‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم من أَدْرَكَ رَكْعَةً من الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا وَلِأَنَّهُ أَدْرَكَ أَكْثَرَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْفَائِتَ رَكْعَةٌ لَا غَيْرُ وَالْمُسْتَدْرَكُ رَكْعَةٌ وَقَعْدَةٌ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْلَى بِخِلَافِ ما إذَا كان يَخَافُ فَوْتَ الرَّكْعَتَيْنِ جميعا لِأَنَّهُمَا إذَا فَاتَتَا لم يَبْقَ شَيْءٌ من الْأَرْكَانِ الْأَصْلِيَّةِ وَلَوْ بَقِيَ شَيْءٌ قَلِيلٌ لَا عِبْرَةَ له بِمُقَابَلَةِ ما فَاتَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ وَالْفَائِتُ أَكْثَرُ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَعَجَزَ عن إحْرَازِهِمَا فَيَخْتَارُ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ لِمَا انْضَمَّ إلَى إحْرَازِهَا فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ في الْفَرْضِ وَالنبي صلى الله عليه وسلم يقول تَفْضُلُ الصَّلَاةُ بِجَمَاعَةٍ على صَلَاةِ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وفي رواية‏:‏ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً فَكَانَ هذا أَوْلَى وَالله أعلم‏.‏

أَمَّا إذَا دخل الْمَسْجِدَ وَشَرَعَ في الصَّلَاةِ ثُمَّ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ في الْإِقَامَةِ فَهَذَا أَيْضًا على وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ شَرَعَ في التَّطَوُّعِ وَإِمَّا إنْ شَرَعَ في الْفَرْضِ فَإِنْ شَرَعَ في التَّطَوُّعِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَتَمَّ الشَّفْعَ الذي هو فيه وَلَا يَزِيدُ عليه أَمَّا إتْمَامُ الشَّفْعِ فَلِأَنَّ صَوْنَهُ عن الْبُطْلَانِ وَاجِبٌ وقد أَمْكَنَهُ ذلك وَلَا يَزِيدُ عليه لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ في التَّطَوُّعِ زِيَادَةٌ على الشَّفْعِ فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ عليه كَابْتِدَاءِ تَطَوُّعٍ آخَرَ وقد ذَكَرْنَا أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّطَوُّعِ في الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ مَكْرُوهٌ وَأَمَّا إذَا شَرَعَ في الْفَرْضِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَإِنْ كان في صَلَاةِ الْفَجْرِ يَقْطَعُهَا ما لم يُقَيِّدْ الثَّانِيَةَ بِالسَّجْدَةِ لِأَنَّ الْقَطْعَ وَإِنْ كان نَقْصًا صُورَةً فَلَيْسَ بِنَقْصٍ مَعْنًى لِأَنَّهُ لِلْأَدَاءِ على وَجْهِ الْأَكْمَلِ وَالْهَدْمُ ليبنى أَكْمَلُ يُعَدُّ إصْلَاحًا لَا هَدْمًا أَلَا تَرَى أَنَّ من هَدَمَ مَسْجِدًا لِيَبْنِيَ أَحْسَنَ من الْأَوَّلِ لَا يَأْثَمُ وإذا قَيَّدَ الثَّانِيَةَ بِالسَّجْدَةِ لم يَقْطَعْ لِأَنَّهُ أتى بِالْأَكْثَرِ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ وَالْفَرْضُ بَعْدَ إتْمَامِهِ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ وَلَا يَدْخُلُ في صَلَاةِ الْإِمَامِ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مَكْرُوهٌ وَإِنْ كان في صَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنْ كان صلى رَكْعَةً ضَمَّ إلَيْهَا أُخْرَى لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ صَوْنُ الْمُؤَدَّى وَاسْتِدْرَاكُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ صَلَاةُ الرَّجُلِ بِالْجَمَاعَةِ تَزِيدُ على صَلَاةِ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً على لِسَانِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ صلى رَكْعَتَيْنِ تَشَهَّدَ وسلم لِمَا قُلْنَا‏.‏

وَكَذَا إذَا قام إلَى الثَّالِثَةِ قبل أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالسَّجْدَةِ يَعُودُ إلَى التَّشَهُّدِ وَيُسَلِّمُ وَلَا يُسَلِّمُ على حَالِهِ قَائِمًا لِأَنَّ ما أتى بِهِ من الْقَعْدَةِ كانت سُنَّةً وَقَعْدَةُ الفرض ‏[‏الختم‏]‏ ختم ‏[‏فرض‏]‏ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقَعْدَةِ ثُمَّ يُسَلِّمُ لِيَكُونَ مُتَنَفِّلًا بِرَكْعَتَيْنِ فَإِنْ كان قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِالسَّجْدَةِ أَتَمَّهَا لِأَنَّهُ أَدَّى الْأَكْثَرَ فَلَا يُمْكِنُهُ الْقَطْعُ وَيَدْخُلُ مع الْإِمَامِ فَيَجْعَلُهَا تَطَوُّعًا لِمَا روى عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ صلى في مَسْجِدِ الْخَيْفِ فَرَأَى رَجُلَيْنِ خَلْفَ الصَّفِّ فقال عَلَيَّ بِهِمَا فَجِيءَ بِهِمَا تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهُمَا فقال ما لَكُمَا لم تُصَلِّيَا مَعَنَا فَقَالَا كنا صَلَّيْنَا في رِحَالِنَا فقال صلى اللَّهُ عليه وسلم‏:‏ «إذَا صَلَّيْتُمَا في رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا إمَامَ قَوْمٍ فصليَا معه وَاجْعَلَا ذلك سُبْحَةً» أَيْ نَافِلَةً وكان ذلك في الظُّهْرِ كَذَا روى عن أبي يُوسُفَ في الْإِمْلَاءِ وَلَوْ كان في الرَّكْعَةِ الْأُولَى ولم يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ لم يُذْكَرْ في الْكتاب وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقْطَعُهَا لِيَدْخُلَ مع الْإِمَامِ فَيُحْرِزَ ثَوَابَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ لِأَنَّ ما دُونَ الرَّكْعَةِ ليس له حُكْمُ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَعُودُ من الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ ما لم يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ وَكَذَا الْجَوَابُ في الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ في الْعَصْرِ مع الْإِمَامِ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَهُ مَكْرُوهٌ وَيَخْرُجُ من الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ في الْخُرُوجِ أَقَلُّ منها في الْمُكْثِ وَأَمَّا في الْمَغْرِبِ فَإِنْ صلى رَكْعَةً قَطَعَهَا لِأَنَّهُ لو ضَمَّ إلَيْهَا أُخْرَى لَأَدَّى الْأَكْثَرَ فَلَا يُمْكِنُهُ الْقَطْعُ وَلَوْ قَطَعَ كان بِهِ مُتَنَفِّلًا بِرَكْعَتَيْنِ قبل الْمَغْرِبِ وهو مَنْهِيٌّ عنه وَإِنْ قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِالسَّجْدَةِ مَضَى فيها ما قُلْنَا وَلَا يَدْخُلُ مع الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ على الثَّلَاثِ كما يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ وَالتَّنَفُّلُ بِالثَّلَاثِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَإِمَّا أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا فَيَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ‏.‏

وَعَنْ أبي يُوسُفَ رحمه الله تعالى أَنَّهُ يَدْخُلُ مع الْإِمَامِ فإذا فَرَغَ الْإِمَامُ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى لِتَصِيرَ شَفْعًا له وقال بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ يُسَلِّمُ مع الْإِمَامِ لِأَنَّ هذا التغير ‏[‏التغيير‏]‏ بِحُكْمِ الِاقْتِدَاءِ وَذَلِكَ جَائِزٌ كَالْمَسْبُوقِ يُدْرِكُ الْإِمَامَ في الْقَعْدَةِ أَنَّهُ يَقْعُدُ معه وَابْتِدَاءُ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ بِالْقَعْدَةِ ثُمَّ جَازَ هذا التغير ‏[‏التغيير‏]‏ بِحُكْمِ الِاقْتِدَاءِ كَذَا هذا فَإِنْ دخل مع الْإِمَامِ صلى أَرْبَعًا كما قال أبو يُوسُفَ لِأَنَّ بِالْقِيَامِ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ صَارَ مُلْتَزِمًا لِلرَّكْعَتَيْنِ لِخُرُوجِ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ عن جَوَازِ التَّنَفُّلِ بها قال ابن مَسْعُودٍ وَاَللَّهِ ما أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ فَلِذَلِكَ يُتِمُّ أَرْبَعًا لو دخل مع الْإِمَامِ هذا إذَا كان لم يُصَلِّ الْمَكْتُوبَةَ فَإِنْ كان قد صَلَّاهَا ثُمَّ دخل الْمَسْجِدَ فَإِنْ كان صَلَاةً لَا يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَعْدَهَا شَرَعَ في صَلَاةِ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

فصل بَيَانِ السُّنَّةِ إذَا فَاتَتْ عن وَقْتِهَا

وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ السُّنَّةَ إذَا فَاتَتْ عن وَقْتِهَا هل تُقْضَى أَمْ لَا فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ لَا خِلَافَ بين أَصْحَابِنَا في سَائِرِ السُّنَنِ سِوَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أنها إذَا فَاتَتْ عن وَقْتِهَا لَا تُقْضَى سَوَاءٌ فَاتَتْ وَحْدَهَا أو مع الْفَرِيضَةِ وقال الشَّافِعِيُّ في قَوْلٍ تُقْضَى قِيَاسًا على الْوِتْرِ وَلَنَا ما رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل حُجْرَتِي بَعْدَ الْعَصْرِ فصلى رَكْعَتَيْنِ فقلت يا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ما هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ لم تَكُنْ تُصَلِّيهِمَا من قَبْلُ فقال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «رَكْعَتَانِ كنت أُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ» وفي رواية‏:‏ «رَكْعَتَا الظُّهْرِ شَغَلَنِي عنهما الْوَفْدُ فَكَرِهْتُ أَنْ أُصَلِّيَهُمَا بِحَضْرَةِ الناس فَيَرَوْنِي» فقلت أَفَأَقْضِيهِمَا إذَا فَاتَتَا فقال لَا وَهَذَا نَصٌّ على أَنَّ الْقَضَاءَ غَيْرُ وَاجِبٍ على الْأُمَّةِ وَإِنَّمَا هو شَيْءٌ اُخْتُصَّ بِهِ النبي صلى الله عليه وسلم وَلَا شَرِكَةَ لنا في خَصَائِصِهِ وَقِيَاسُ هذا الحديث أَنْ لَا يَجِبَ قَضَاءُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَصْلًا إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا الْقَضَاءَ إذَا فَاتَتَا مع الْفَرْضِ لِحَدِيثِ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ وَلِأَنَّ سُنَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِبَارَةٌ عن طَرِيقَتِهِ وَذَلِكَ بِالْفِعْلِ في وَقْتٍ خَاصٍّ على هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ على ما فَعَلَهُ النبي صلى الله عليه وسلم فَالْفِعْلُ في وَقْتٍ آخَرَ لَا يَكُونُ سُلُوكَ طَرِيقَتِهِ فَلَا يَكُونُ سُنَّةً بَلْ يَكُونُ تَطَوُّعًا مُطْلَقًا وَأَمَّا رَكْعَتَا الْفَجْرِ إذَا فَاتَتَا مع الْفَرْضِ فَقَدْ فَعَلَهُمَا النبي صلى الله عليه وسلم مع الْفَرْضِ لَيْلَةَ التَّعْرِيسِ فَنَحْنُ نَفْعَلُ ذلك لِنَكُونَ على طَرِيقَتِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوِتْرِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ على ما ذَكَرْنَا وَالْوَاجِبُ مُلْحَقٌ بِالْفَرْضِ في حَقِّ الْعَمَلِ وَعِنْدَهُمَا وَإِنْ كان سُنَّةً مُؤَكَّدَةً لَكِنَّهُمَا عَرَفَا وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِالنَّصِّ الذي رَوَيْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وأما سُنَّةُ الْفَجْرِ فَإِنْ فَاتَتْ مع الْفَرْضِ تُقْضَى مع الْفَرْضِ اسْتِحْسَانًا لِحَدِيثِ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَامَ في ذلك الْوَادِي ثُمَّ اسْتَيْقَظَ بِحَرِّ الشَّمْسِ فَارْتَحَلَ منه ثُمَّ نَزَلَ وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ فصلى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فصلى صَلَاةَ الْفَجْرِ وَأَمَّا إذَا فَاتَتْ وَحْدَهَا لَا تُقْضَى عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وقال مُحَمَّدٌ تُقْضَى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ قبل الزَّوَالِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَضَاهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قبل الزَّوَالِ فَصَارَ ذاك ‏[‏ذلك‏]‏ وَقْتَ قَضَائِهِمَا وَلَهُمَا أَنَّ السُّنَنَ شُرِعَتْ تَوَابِعَ لِلْفَرَائِضِ فَلَوْ قُضِيَتْ في وَقْتٍ لَا أَدَاءَ فيه لِلْفَرَائِضِ لَصَارَتْ السُّنَنُ أَصْلًا وَبَطَلَتْ التَّبَعِيَّةُ فلم تَبْقَ سنة ‏[‏سنن‏]‏ مُؤَكَّدَةٌ لِأَنَّهَا كانت سُنَّةً بِوَصْفِ التَّبَعِيَّةِ وَلَيْلَةُ التَّعْرِيسِ فَاتَتَا مع الْفَرْضِ فَقُضِيَتَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ وَلَا كَلَامَ فيه إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا فَاتَتَا وَحْدَهُمَا وَلَا وَجْهَ إلَى قَضَائِهِمَا وَحْدَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا وَلِهَذَا لَا يُقْضَى غَيْرُهُمَا من السُّنَنِ وَلَا هُمَا يُقْضَيَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ والله أعلم‏.‏

وَأَمَّا الذي هو سُنَنُ الصَّحَابَةِ فصلاةُ التَّرَاوِيحِ في لَيَالِي رَمَضَانَ وَالْكَلَامُ في صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ في مَوَاضِعَ في بَيَانِ وَقْتِهَا وفي بَيَانِ صِفَتِهَا وفي بَيَانِ قَدْرِهَا وفي سُنَنِهَا وفي بَيَانِ أنها إذَا فَاتَتْ عن وَقْتِهَا هل تُقْضَى أَمْ لَا أَمَّا صِفَتُهَا فَهِيَ سُنَّةٌ كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قال الْقِيَامُ في شَهْرِ رَمَضَانَ سُنَّةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا وَكَذَا رُوِيَ عن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قال التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ إلَّا أنها لَيْسَتْ بِسُنَّةِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ سُنَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ما وَاظَبَ عليه ولم يَتْرُكْهُ إلَّا مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ لِمَعْنًى من الْمَعَانِي وَرَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ما وَاظَبَ عليها بَلْ أَقَامَهَا في بَعْضِ اللَّيَالِي روى أَنَّهُ صَلَّاهَا لِلَيْلَتَيْنِ بِجَمَاعَةٍ ثُمَّ تَرَكَ وقال أَخْشَى أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ لَكِنْ الصَّحَابَةُ وَاظَبُوا عليها فَكَانَتْ سُنَّةَ الصَّحَابَةِ‏.‏

فصل قَدْرِ صلاة التراويح

وَأَمَّا قَدْرُهَا فَعِشْرُونَ رَكْعَةً في عَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ في خَمْسِ تَرْوِيحَاتٍ كُلُّ تَسْلِيمَتَيْنِ تَرْوِيحَةٌ وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وقال مَالِكٌ في قَوْلٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رَكْعَةً وفي قَوْلٍ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ رَكْعَةً وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه جَمَعَ أَصْحَابَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في شَهْرِ رَمَضَانَ على أُبَيِّ بن كَعْبٍ فصلى بِهِمْ في كل لَيْلَةٍ عِشْرِينَ رَكْعَةً ولم يُنْكِرْ عليه أحد فَيَكُونُ إجْمَاعًا منهم على ذلك وَأَمَّا وَقْتُهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فيه قال بَعْضُهُمْ وَقْتُهَا ما بين الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ فَلَا تَجُوزُ قبل الْعِشَاءِ وَلَا بَعْدَ الْوِتْرِ وقال عَامَّتُهُمْ وَقْتُهَا ما بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا تَجُوزُ قبل الْعِشَاءِ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ فَلَا تَجُوزُ قَبْلَهَا كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ في إمَامٍ صلى بِقَوْمٍ صَلَاةَ الْعِشَاءِ على غَيْرِ وُضُوءٍ نَاسِيًا ثُمَّ صلى بِهِمْ إمَامٌ آخَرُ التَّرَاوِيحَ مُتَوَضِّئًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْأَوَّلَ كان على غَيْرِ وُضُوءٍ أَنَّ عليهم أَنْ يُعِيدُوا الْعِشَاءَ وَالتَّرَاوِيحَ جميعا أَمَّا الْعِشَاءُ فَلَا شَكَّ فيها وَأَمَّا التَّرَاوِيحُ فَلِأَنَّهَا تُصَلَّى إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّ ذلك وَقْتُهَا وَهَلْ يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ قال بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ فَكَذَا تَأْخِيرُهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا قِيَامُ اللَّيْلِ وَقِيَامُ اللَّيْلِ في آخِرِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ‏.‏

فصل سُنَنِ صلاة التراويح

وَأَمَّا سُنَنُهَا فَمِنْهَا الْجَمَاعَةُ وَالْمَسْجِدُ لِأَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَدْرَ ما صلى من التَّرَاوِيحِ صلى بِجَمَاعَةٍ في الْمَسْجِدِ فَكَذَا الصَّحَابَةُ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ صَلَّوْهَا بِجَمَاعَةٍ في الْمَسْجِدِ فَكَانَ أَدَاؤُهَا بِالْجَمَاعَةِ في الْمَسْجِدِ سُنَّةً ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ في كَيْفِيَّةِ سُنَّةِ الْجَمَاعَةِ وَالْمَسْجِدِ أنها سُنَّةُ عَيْنٍ أَمْ سُنَّةُ كِفَايَةٍ قال بَعْضُهُمْ أنها سُنَّةٌ على سَبِيلِ الْكِفَايَةِ إذَا قام بها بَعْضُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ في الْمَسْجِدِ بِجَمَاعَةٍ سَقَطَ عن الْبَاقِينَ وَلَوْ تَرَكَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ كلهم إقَامَتَهَا في الْمَسْجِدِ بِجَمَاعَةٍ فَقَدْ أساؤا ‏[‏أساءوا‏]‏ وَأَثِمُوا وَمَنْ صَلَّاهَا في بَيْتِهِ وَحْدَهُ أو بِجَمَاعَةٍ لَا يَكُونُ له ثَوَابُ سُنَّةِ التَّرَاوِيحِ لِتَرْكِهِ ثَوَابَ سُنَّةِ الْجَمَاعَةِ وَالْمَسْجِدِ وَمِنْهَا نِيَّةُ التَّرَاوِيحِ أو نِيَّةُ قِيَامِ رَمَضَانَ أو نِيَّةُ سُنَّةِ الْوَقْتِ وَلَوْ نَوَى الصَّلَاةَ مُطْلَقًا أو نَوَى التَّطَوُّعَ قال بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ وَالسُّنَّةُ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ أو نِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى الْحَسَنُ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِنِيَّةِ السُّنَّةِ وقال عَامَّةُ مَشَايِخِنَا إنَّ التَّرَاوِيحَ وَسَائِرَ السُّنَنِ تَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ لأنها ‏[‏ولأنها‏]‏ وَإِنْ كانت سُنَّةً لَا تَخْرُجُ عن كَوْنِهَا نَافِلَةً وَالنَّوَافِلُ تَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ إلَّا أَنَّ الِاحْتِيَاطَ أَنْ يَنْوِيَ التَّرَاوِيحَ أو سُنَّةَ الْوَقْتِ أو قِيَامَ رَمَضَانَ احْتِرَازًا عن مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَلَوْ اقْتَدَى من يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ بِمَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أو النَّافِلَةَ قِيلَ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا للتراويح ‏[‏التراويح‏]‏‏.‏

وَقِيلَ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ هو الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِعَمَلِ السَّلَفِ وَلَوْ اقْتَدَى من يُصَلِّي التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى بِمَنْ يُصَلِّي التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ قِيلَ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ وهو الصَّحِيحُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَّحِدَةٌ فَكَانَ نِيَّةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لَغْوًا وَلِهَذَا صَحَّ اقْتِدَاءُ مُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بِمُصَلِّي الْأَرْبَعِ قَبْلَهُ فَكَذَا هذا وَمِنْهَا أَنَّ الْإِمَامَ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ في الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالْمُقْتَدِي أَيْضًا يَأْتِي بِالثَّنَاءِ وفي التَّعَوُّذِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ بِنَاءً على أَنَّ التَّعَوُّذَ تَبَعُ الثَّنَاءِ أو تَبَعُ الْقِرَاءَةِ على ما ذَكَرْنَا في مَوْضِعِهِ وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ على قَدْرِ التَّشَهُّدِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَثْقُلُ على الْقَوْمِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَثْقُلُ على الْقَوْمِ يَزِيدُ عليه وَيَأْتِي بِالدَّعَوَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَمِنْهَا أَنْ يَقْرَأَ في كل رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عن أبي حَنِيفَةَ وَقِيلَ يَقْرَأُ فيها كما يَقْرَأُ في أَخَفِّ الْمَكْتُوبَاتِ وَهِيَ الْمَغْرِبُ وَقِيلَ يَقْرَأُ كما يَقْرَأُ في الْعِشَاءِ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ وَقِيلَ يَقْرَأُ في كل رَكْعَةٍ من عِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه دَعَا بِثَلَاثَةٍ من الْأَئِمَّةِ فَاسْتَقْرَأَهُمْ وَأَمَرَ أَوَّلَهُمْ أَنْ يَقْرَأَ في كل رَكْعَةٍ بِثَلَاثِينَ آيَةً وَأَمَرَ الثَّانِيَ أَنْ يَقْرَأَ في كل رَكْعَةٍ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ آيَةً وَأَمَرَ الثَّالِثَ أَنْ يَقْرَأَ في كل رَكْعَةٍ عِشْرِينَ آيَةً وما قَالَهُ أبو حَنِيفَةَ سُنَّةٌ إذْ السُّنَّةُ أَنْ يُخْتَمَ الْقُرْآنُ مَرَّةً في التَّرَاوِيحِ وَذَلِكَ فِيمَا قَالَهُ أبو حَنِيفَةَ وما أَمَرَ بِهِ عُمَرُ فَهُوَ من باب الْفَضِيلَةِ وهو أَنْ يُخْتَمَ الْقُرْآنُ مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا وَهَذَا في زَمَانِهِمْ وَأَمَّا في زَمَانِنَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ الْإِمَامُ على حَسَبِ حَالِ الْقَوْمِ من الرَّغْبَةِ وَالْكَسَلِ فَيَقْرَأُ قَدْرَ ما لَا يُوجِبُ تَنْفِيرَ الْقَوْمِ عن الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ من تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالْأَفْضَلُ تَعْدِيلُ الْقِرَاءَةِ في التَّرْوِيحَاتِ كُلِّهَا وَإِنْ لم يُعَدِّلْ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا الْأَفْضَلُ تَعْدِيلُ الْقِرَاءَةِ في الرَّكْعَتَيْنِ في التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُطَوِّلُ الْأُولَى على الثَّانِيَةِ كما في الْفَرَائِضِ وَمِنْهَا أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ على حِدَةٍ وَلَوْ صلى تَرْوِيحَةً بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَدَ في الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ على أَصْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً تَتَأَدَّى بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بِنَاءً على أَنَّ التَّحْرِيمَةَ شَرْطٌ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ أَنَّهُ هل يَجُوزُ عن تَسْلِيمَتَيْنِ أو لَا يَجُوزُ إلَّا عن تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ قال بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ إلَّا عن تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ بِتَرْكِ التَّسْلِيمَةِ وَالتَّحْرِيمَةِ وَالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عن تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وقال عَامَّتُهُمْ أنه يَجُوزُ عن تَسْلِيمَتَيْنِ وهو الصَّحِيحُ وَعَلَى هذا لو صلى التَّرَاوِيحَ كُلَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَدَ في كل رَكْعَتَيْنِ إن الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَجُوزُ عن الْكُلِّ لِأَنَّهُ قد أتى بِجَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشَرَائِطِهَا لِأَنَّ تَجْدِيدَ التَّحْرِيمَةِ لِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ ليس بِشَرْطٍ عِنْدَنَا هذا إقعد على رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَأَمَّا إذَا لم يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ يصلى التَّطَوُّعَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إذَا لم يَقْعُدْ في الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَقَامَ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا عِنْدَهُمَا وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ قِيَاسًا ثُمَّ إذَا جَازَ عِنْدَهُمَا فَهَلْ يَجُوزُ عن تَسْلِيمَتَيْنِ أو لَا يَجُوزُ إلَّا عن تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا عن تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَكُونَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ كَامِلًا وَكَمَالُهُ بِالْقَعْدَةِ ولم تُوجَدْ وَالْكَامِلُ لَا يَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ وَلَوْ صلى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ ولم يَقْعُدْ في الثَّانِيَةِ قال بَعْضُهُمْ لَا يُجْزِئُهُ أَصْلًا بِنَاءً على أَنَّ من تَنَفَّلَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ولم يَقْعُدْ إلَّا في آخِرِهَا جَازَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِأَنَّهُ لو كان فَرْضًا وهو الْمَغْرِبُ جَازَ فَكَذَا النَّفَلُ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ على رَأْسِ الثَّالِثَةِ في النَّوَافِلِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ بِخِلَافِ الْمَغْرِبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لم يَقْعُدْ فيها وَلَوْ لم يَقْعُدْ فيها لم تَجُزْ النَّافِلَةُ فَكَذَا في التَّرَاوِيحِ ثُمَّ إنْ كان سَاهِيًا في الثَّالِثَةِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ شَيْءٍ لِأَنَّهُ شَرَعَ في صَلَاةٍ مَظْنُونَةٍ وَلِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَإِنْ كان عَمْدًا فَعَلَى قَوْلِ من قال بِالْجَوَازِ يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ قد صَحَّتْ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ وَإِنْ لم يُكْمِلْهَا بضم ‏[‏يضم‏]‏ رَكْعَةً أُخْرَى إلَيْهَا فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَعَلَى قَوْلِ من قال بِعَدَمِ الْجَوَازِ يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ عِنْدَ أبي يُوسُفَ وَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ قد فَسَدَتْ بِتَرْكِ الْقَعْدَةِ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَشَرَعَ في الثَّالِثَةِ بِلَا تَحْرِيمَةٍ وَأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَعَلَى هذا لو صلى عَشْرَ تَسْلِيمَاتٍ كُلُّ تَسْلِيمَةٍ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ صلى التَّرَاوِيحَ كُلَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ ولم يَقْعُدْ إلَّا في آخِرِهَا قال بَعْضُهُمْ يُجْزِئُهُ عن التَّرَاوِيحِ كُلِّهَا‏.‏

وقال بَعْضُهُمْ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عن تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وهو الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِكُلِّ شَفْعٍ بِتَرْكِ الْقَعْدَةِ وَمِنْهَا أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ تَرْوِيحَةٍ إمَامٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَعَمَلُ السَّلَفِ وَلَا يُصَلِّي التَّرْوِيحَةَ الْوَاحِدَةَ إمَامَانِ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ السَّلَفِ وَيَكُونُ تَبْدِيلُ الْإِمَامِ بِمَنْزِلَةِ الِانْتِظَارِ بين التَّرْوِيحَتَيْنِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ وَلَا يُصَلِّي إمَامٌ وَاحِدٌ التَّرَاوِيحَ في مَسْجِدَيْنِ في كل مَسْجِدٍ على الْكَمَالِ وَلَا له فِعْلٌ وَلَا يُحْتَسَبُ التَّالِي من التَّرَاوِيحِ وَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يُعِيدُوا لِأَنَّ صَلَاةَ إمَامِهِمْ نَافِلَةٌ وَصَلَاتُهُمْ سُنَّةٌ وَالسُّنَّةُ أَقْوَى فلم يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَكَرَّرُ في وَقْتٍ وَاحِدٍ وما صلى في الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ مَحْسُوبٌ وَلَيْسَ على الْقَوْمِ أَنْ يُعِيدُوا وَلَا بَأْسَ لِغَيْرِ الْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ التَّرَاوِيحَ في مَسْجِدَيْنِ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُتَطَوِّعِ بِمَنْ يُصَلِّي السُّنَّةَ وَأَنَّهُ جَائِزٌ كما لو صلى الْمَكْتُوبَةَ ثُمَّ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ وَدَخَلَ فيها وَالله أعلم‏.‏إذَا صَلَّوْا التَّرَاوِيحَ ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوهَا ثَانِيًا يُصَلُّونَ فُرَادَى لَا بِجَمَاعَةٍ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَطَوُّعٌ مُطْلَقٌ وَالتَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ بِجَمَاعَةٍ مَكْرُوهٌ وَيَجُوزُ التَّرَاوِيحُ قَاعِدًا من غَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ‏.‏

وَرَوَى الْحَسَنُ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّ من صلى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَاعِدًا من غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ وَكَذَا لو صَلَّاهَا على الدَّابَّةِ من غَيْرِ عُذْرٍ وهو يَقْدِرُ على النُّزُولِ لِاخْتِصَاصِ هذه السُّنَّةِ بِزِيَادَةِ تَوْكِيدٍ وَتَرْغِيبٍ بِتَحْصِيلِهَا وَتَرْهِيبٍ وَتَحْذِيرٍ على تَرْكِهَا فَالْتَحَقَتْ بِالْوَاجِبَاتِ كَالْوِتْرِ وَمِنْهَا أَنَّ الْإِمَامَ كُلَّمَا صلى تَرْوِيحَةً قَعَدَ بين التَّرْوِيحَتَيْنِ قَدْرَ تَرْوِيحَةٍ يُسَبِّحُ وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ وَيُصَلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم وَيَدْعُو وَيَنْتَظِرُ أَيْضًا بَعْدَ الْخَامِسَةِ قَدْرَ تَرْوِيحَةٍ لِأَنَّهُ مُتَوَارَثٌ من السَّلَفِ وَأَمَّا الِاسْتِرَاحَةُ بَعْدَ خَمْسِ تَسْلِيمَاتٍ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ قال بَعْضُهُمْ نعم وقال بَعْضُهُمْ لَا يُسْتَحَبُّ وهو الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ السَّلَفِ وَالله الموفق‏.‏

فصل بَيَانِ أَدَاء صلاة التراويح إذَا فَاتَتْ عن وَقْتِهَا

وَأَمَّا بَيَانُ أَدَائِهَا إذَا فَاتَتْ عن وَقْتِهَا هل تُقْضَى أَمْ لَا فَقَدْ قِيلَ أنها تُقْضَى وَالصَّحِيحُ أنها لَا تُقْضَى لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِآكَدَ من سُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَتِلْكَ لَا تُقْضَى فَكَذَلِكَ هذه‏.‏