فصل: فصل في التكْفِينِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***


فصل شَرَائِطِ وُجُوبِ الْغُسْل

وَأَمَّا شَرَائِطُ وُجُوبِهِ فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا مَاتَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ حتى لو وُلِدَ مَيِّتًا لم يُغَسَّلْ كَذَا رُوِيَ عن أبي حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى أَنَّهُ قال إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ سُمِّيَ وَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عليه وَوَرِثَ وَوُرِثَ عنه وإذا لم يَسْتَهِلَّ لم يُسَمَّ ولم يُغَسَّلْ ولم يَرِثْ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُسَمَّى وَلَا يُصَلَّى عليه وَهَكَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَرُوِيَ عن أبي يُوسُفَ رحمه الله تعالى أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُسَمَّى وَلَا يُصَلَّى عليه وهكذا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ وقال مُحَمَّدٌ في السِّقْطِ الذي اسْتَبَانَ خَلْقُهُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُحَنَّطُ وَلَا يُصَلَّى عليه فَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ على أَنَّهُ لَا يُصَلَّى على من وُلِدَ مَيِّتًا وَالْخِلَافُ في الْغُسْلِ وَجْهُ ما اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْمَوْلُودَ مَيِّتًا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ فَيُغَسَّلُ وَإِنْ كان لَا يُصَلَّى عليه كَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَجْهُ ما ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ ما رُوِيَ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال إذَا اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عليه وَوَرِثَ وَإِنْ لم يَسْتَهِلَّ لم يُغَسَّلْ ولم يُصَلَّ عليه ولم يَرِثْ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِالشَّرْعِ وَأَنَّهُ وَرَدَ بِاسْمِ الْمَيِّتِ وَمُطْلَقُ اسْمِ الْمَيِّتِ في الْعُرْفِ لَا يَقَعُ على من وُلِدَ مَيِّتًا وَلِهَذَا لَا يُصَلَّى عليه‏.‏

وقال الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى إنْ أُسْقِطَ قبل أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عليه قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كان لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ من وَقْتِ الْعُلُوقِ وقد اسْتَبَانَ خَلْقُهُ فَلَهُ فيه قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا إذَا لم يَسْتَهِلَّ فَأَمَّا إذَا اسْتَهَلَّ بِأَنْ حَصَلَ منه ما يَدُلُّ على حَيَاتِهِ من بُكَاءٍ أو تَحْرِيكِ عُضْوٍ أو طَرَفٍ أو غَيْرِ ذلك فإنه يُغَسَّلُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ دَلَالَةُ الْحَيَاةِ فَكَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ ولاته ‏[‏ولادته‏]‏ حَيًّا فَيُغَسَّلُ وَلَوْ شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ أو الْأُمُّ على الِاسْتِهْلَالِ تُقْبَلُ في حَقِّ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ عليه لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ في باب الدِّيَانَاتِ مَقْبُولٌ إذَا كان عَدْلًا وَأَمَّا في حَقِّ الْمِيرَاثِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأُمِّ بِالْإِجْمَاعِ لِكَوْنِهَا مُتَّهَمَةً لِجَرِّهَا الْمَغْنَمِ إلَى نَفْسِهَا وَكَذَا شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى‏.‏

وَقَالَا تُقْبَلُ إذَا كانت عَدْلَةٌ على ما يُعْرَفُ في مَوْضِعِهِ وَعَلَى هذا يُخَرَّجُ ما إذَا وُجِدَ طَرَفٌ من أَطْرَافِ الْإِنْسَانِ كَيَدٍ أو رِجْلٍ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتُ اسْمٌ لِكُلِّهِ وَلَوْ وُجِدَ الْأَكْثَرُ منه غُسِّلَ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَإِنْ وُجِدَ الْأَقَلُّ منه أو النِّصْفُ لم يُغَسَّلْ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّ هذا الْقَدْرَ ليس بِمَيِّتٍ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلِأَنَّ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ وما لم يَزِدْ على النِّصْفِ لَا يُصَلَّى عليه فَلَا يُغَسَّلُ أَيْضًا وَذَكَرَ الْقَاضِي في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ يُغَسَّلُ وَإِنْ لم يَكُنْ معه الرَّأْسُ لَا يُغْسَلُ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ مع الرَّأْسِ في حُكْمِ الْأَكْثَرِ لِكَوْنِهِ مُعْظَمَ الْبَدَنِ وَلَوْ وُجِدَ نِصْفُهُ مَشْقُوقًا لَا يُغْسَلُ لِمَا قُلْنَا وَلِأَنَّهُ لو غُسِّلَ الْأَقَلُّ أو النِّصْفُ يُصَلَّى عليه لِأَنَّ الْغُسْلَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ وَلَوْ صلى عليه لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُوجَدَ الْبَاقِي فيصلي عليه فَيُؤَدِّي إلَى تَكْرَارِ الصَّلَاةِ على مَيِّتٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا أو يَكُونُ صَاحِبُ الطَّرَفِ حَيًّا فيصلي على بَعْضِهِ وهو حَيٌّ وَذَلِكَ فَاسِدٌ وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُنَا وقال الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى إنْ وُجِدَ عُضْوٌ يُغَسَّلُ ويصلي عليه وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ طَائِرًا أَلْقَى يَدًا بِمَكَّةَ زَمَنَ وَقْعَةِ الْجَمَلِ فَغَسَّلَهَا أَهْلُ مَكَّةَ وَصَلَّوْا عليها وَقِيلَ أنها يَدُ طَلْحَةَ أو يَدُ عبد الرحمن بن عَتَّابِ بن أُسَيْدٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَرُوِيَ عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ صلى على عِظَامٍ بِالشَّامِ وَعَنْ أبي عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ صلى على رؤوس وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ شُرِعَتْ لِحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ وَكَذَا الْغُسْلُ وَكُلُّ جُزْءٍ منه مُحْتَرَمٌ وَلَنَا ما رُوِيَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُمَا قَالَا لَا يُصَلَّى على عُضْوٍ وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ لِأَنَّ الْغُسْلَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ وَلِمَا ذَكَرْنَا من الْمَعَانِي أَيْضًا‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ أَهْلِ مَكَّةَ فَلَا حُجَّةَ فيه لِأَنَّ الرَّاوِيَ لم يَرْوِ أَنَّ الذي صلى عليه من هو حتى نَنْظُرَ أَهُوَ حُجَّةٌ أَمْ لَا أو نَحْمِلُ الصَّلَاةَ على الدُّعَاءِ وَكَذَا حَدِيثُ عُمَرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ رضي اللَّهُ عنهما أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِظَامَ لَا يُصَلَّى عليها بِالْإِجْمَاعِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا حتى لَا يَجِبَ غُسْلُ الْكَافِرِ لِأَنَّ الْغُسْلَ وَجَبَ كَرَامَةً وَتَعْظِيمًا لِلْمَيِّتِ وَالْكَافِرُ ليس من أَهْلِ اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ وَالتَّعْظِيمِ لَكِنْ إذَا كان ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ من الْمُسْلِمِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُغَسِّلَهُ وَيُكَفِّنَهُ وَيَتْبَعُ جِنَازَتَهُ وَيَدْفِنَهُ لِأَنَّ الِابْنَ ما نُهِيَ عن الْبِرِّ بِمَكَانِ أبيه الْكَافِرِ بَلْ أُمِرَ بِمُصَاحَبَتِهِمَا بِالْمَعْرُوفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَصَاحِبْهُمَا في الدُّنْيَا مَعْرُوفًا‏}‏ وَمِنْ الْبِرِّ الْقِيَامُ بِغُسْلِهِ وَدَفْنِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالْأَصْلُ فيه ما رُوِيَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه لَمَّا مَاتَ أَبُوهُ أبو طَالِبٍ جاء إلَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال يا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ عَمَّكَ الضَّالَّ قد تُوُفِّيَ فقال اذْهَبْ وَغَسِّلْهُ وَكَفِّنْهُ وَوَارِهِ وَلَا تُحْدِثَنَّ حَدَثًا حتى تَلْقَانِي قال فَفَعَلْت ذلك وَأَتَيْته فَأَخْبَرْته فَدَعَا لي بِدَعَوَاتٍ ما أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لي بها حُمْرُ النَّعَمِ وقال سَعِيدُ بن جُبَيْرٍ سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ فقال إنَّ امْرَأَتِي مَاتَتْ نَصْرَانِيَّةً فقال اغسلها وَكَفِّنْهَا وَادْفِنْهَا وَعَنْ الْحَارِثِ بن أبي رَبِيعَةَ إن أُمَّهُ مَاتَتْ نَصْرَانِيَّةً فَتَبِعَ جِنَازَتَهَا في نَفَرٍ من الصَّحَابَةِ ثُمَّ إنَّمَا يَقُومُ ذُو الرَّحِمِ بِذَلِكَ إذَا لم يَكُنْ هُنَاكَ من يَقُومُ بِهِ من المشركين ‏[‏أهل‏]‏ فَإِنْ كان خلي الْمُسْلِمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ لِيَصْنَعُوا بِهِ ما يَصْنَعُونَ بِمَوْتَاهُمْ وَإِنْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَلَهُ أَبٌ كَافِرٌ هل يُمَكَّنُ من الْقِيَامِ بِتَغْسِيلِهِ وَتَجْهِيزِهِ‏.‏

لم يُذْكَرْ في الْكتاب وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ من ذلك بَلْ يُغَسِّلُهُ الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ لَمَّا آمَنَ بِرَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مَوْتِهِ ما قام رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتى مَاتَ فقال صلى اللَّهُ عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ‏:‏ «تَوَلَّوْا أَخَاكُمْ» ولم يُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالِدِهِ الْيَهُودِيِّ وَلِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ شُرِعَ كَرَامَةً له وَلَيْسَ من الْكَرَامَةِ أَنْ يَتَوَلَّى الْكَافِرُ غُسْلَهُ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ عَادِلًا حتى لَا يُغَسَّلَ الْبَاغِي إذَا قُتِلَ وَلَا يُصَلَّى عليه وكذا رَوَى الْمُعَلَّى عن أبي يُوسُفَ عن أبي حَنِيفَةَ وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رحمهما الله تعالى وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عليه وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أبو الْحَسَنِ الرُّسْتُغْفَنِيُّ صَاحِبُ الشَّيْخِ أبي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عليه وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْغُسْلَ حَقُّهُ وَالصَّلَاةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فما كان من حَقِّهِ يُؤْتَى بِهِ وما كان من حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُؤْتَى بِهِ إهَانَةً له وَلِهَذَا يُغَسَّلُ الْكَافِرُ وَلَا يُصَلَّى عليه وَلَوْ اجْتَمَعَ الْمَوْتَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ يُنْظَرُ إنْ كان بِالْمُسْلِمِينَ عَلَامَةٌ يُمْكِنُ الْفصل بها يُفصل وَعَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ الْخِتَانُ وَالْخِضَابُ وَلُبْسُ السَّوَادِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَإِنْ لم يَكُنْ بِهِمْ عَلَامَةٌ يُنْظَرُ إنْ كان الْمُسْلِمُونَ أَكْثَرَ غُسِّلُوا وَكُفِّنُوا وَدُفِنُوا في مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَصُلِّيَ عليهم وينوى بِالدُّعَاءِ المسلمون ‏[‏المسلمين‏]‏ وَإِنْ كان الْكُفَّارُ أَكْثَرَ يُغَسَّلُوا وَلَا يُصَلَّى عليهم كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ وَذَكَرَ الْقَاضِي في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إنْ كانت الْغَلَبَةُ لِمَوْتَى الْكُفَّارِ لَا يُصَلَّى عليهم لَكِنْ يُغَسَّلُونَ وَيُكَفَّنُونَ وَيُدْفَنُونَ في مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ وَوَجْهُهُ أَنَّ غُسْلَ الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ وَغُسْلَ الْكَافِرِ جَائِزٌ في الْجُمْلَةِ فَيُؤْتَى بِالْجَائِزِ في الْجُمْلَةِ لِتَحْصِيلِ الْوَاجِبِ‏.‏

وَأَمَّا إذَا كَانُوا على السَّوَاءِ فَلَا يُشْكِلُ أَنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ فيه تَحْصِيلَ الْوَاجِبِ مع الْإِتْيَانِ بِالْجَائِزِ في الْجُمْلَةِ وَهَذَا أَوْلَى من تَرْكِ الْوَاجِبِ رَأْسًا وَهَلْ يصلي عليهم، قال بَعْضُهُمْ لَا يصلي عليهم لِأَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ على الْمُسْلِمِ أَوْلَى من الصَّلَاةِ على الْكَافِرِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ على الْكَافِرِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ أَصْلًا قال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُصَلِّ على أَحَدٍ منهم مَاتَ أَبَدًا‏}‏ وَتَرْكُ الصَّلَاةِ على الْمُسْلِمِ مَشْرُوعَةٌ في الْجُمْلَةِ كَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فَكَانَ التَّرْكُ أَهْوَنَ وقال بَعْضُهُمْ يصلي عليهم وينوى بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ إنْ عَجَزُوا عن تَعْيِينِ الْعَمَلِ لِلْمُسْلِمِينَ لم يَعْجَزُوا عن تَمْيِيزِ الْقَصْدِ في الدُّعَاءِ لهم وَأَمَّا الدَّفْنُ فَلَا رِوَايَةَ فيه في الْمَبْسُوطِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ في مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ في مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فيه قال بَعْضُهُمْ يُدْفَنُونَ في مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

وقال بَعْضُهُمْ في مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ وقال بَعْضُهُمْ تُتَّخَذُ لهم مَقْبَرَةٌ على حِدَةٍ وَتُسَوَّى قُبُورُهُمْ وَلَا تُسَنَّمُ وهو قَوْلُ الْفَقِيهِ أبي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ وهو أَحْوَطُ وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ في كتابيَّةٍ تَحْتَ مُسْلِمٍ حَبِلَتْ ثُمَّ مَاتَتْ وفي بَطْنِهَا وَلَدٌ مُسْلِمٌ لَا يُصَلَّى عليها بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ على الْكَافِرَةِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ وما في بَطْنِهَا لَا يَسْتَحِقُّ الصَّلَاةَ عليه وَلَكِنَّهَا تُغَسَّلُ وَتُكَفَّنُ وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ في الدَّفْنِ قال بَعْضُهُمْ تُدْفَنُ في مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْوَلَدِ وقال بَعْضُهُمْ في مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ الْوَلَدَ في حُكْمِ جُزْءٍ منها ما دَامَ في الْبَطْنِ وقال وَاثِلَةُ بن الْأَسْقَعِ يُتَّخَذُ لها مَقْبَرَةٌ على حِدَةٍ وَهَذَا أَحْوَطُ وَلَوْ وُجِدَ مَيِّتٌ أو قَتِيلٌ في دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كان عليه سِيمَا الْمُسْلِمِينَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عليه وَيُدْفَنُ في مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ لم يَكُنْ معه سِيمَا الْمُسْلِمِينَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عليه وَيُدْفَنُ في مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ لِحُصُولِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِكَوْنِهِ مُسْلِمًا بِدَلَالَةِ الْمَكَانِ وَهِيَ دَارُ الْإِسْلَامِ وَلَوْ وُجِدَ في دَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ كان معه سِيمَا الْمُسْلِمِينَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عليه وَيُدْفَنُ في مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لم يَكُنْ معه سِيمَا الْمُسْلِمِينَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عليه وَلَا يُدْفَنُ في مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْجَمْعُ بين السِّيمَا وَدَلِيلِ الْمَكَانِ بَلْ يُعْمَلُ بِالسِّيمَا وَحْدَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَهَلْ يُعْمَلُ بِدَلِيلِ الْمَكَانِ وَحْدَهُ فيه رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ لِحُصُولِ غَلَبَةِ الظَّنِّ عِنْدَهُ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ سَاعِيًا في الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَلَا يُغَسَّلُ الْبُغَاةُ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَالْمُكَاثِرُونَ وَالْخَنَّاقُونَ إذَا قُتِلُوا لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُغَسَّلُ كَرَامَةً له وَهَؤُلَاءِ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْكَرَامَةَ بَلْ الْإِهَانَةَ وَعَنْ الْفَقِيهِ أبي الْحَسَنِ الرُّسْتُغْفَنِيِّ صَاحِبِ أبي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ أَنَّ الْبَاغِيَ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عليه لِأَنَّ الْغُسْلَ حَقُّهُ فَيُؤْتَى بِهِ وَالصَّلَاةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُصَلَّى عليه إهَانَةً له كَالْكَافِرِ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عليه كَذَا ذَكَرَهُ في الْعُيُونِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ من قُتِلَ مَظْلُومًا لَا يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عليه وَمَنْ قُتِلَ ظَالِمًا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عليه وَالْبَاغِي قُتِلَ ظَالِمًا فَيُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عليه وَمِنْهَا وُجُودُ الْمَاءِ لِأَنَّ وُجُودَ الْفِعْلِ مُقَيَّدٌ بِالْوُسْعِ وَلَا وُسْعَ مع عَدَمِ الْمَاءِ فَسَقَطَ الْغُسْلُ وَلَكِنْ يُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ صَلُحَ بَدَلًا عن الْغُسْلِ في حَالِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ غير أَنَّ الْجِنْسَ يمم ‏[‏ييمم‏]‏ الْجِنْسَ بيده لِأَنَّهُ يُبَاحُ له مَسُّ مَوَاضِعِ التَّيَمُّمِ منه من غَيْرِ شَهْوَةٍ كما في حَالَةِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَمَّا غَيْرُ الْجِنْسِ فَإِنْ كَانَا ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَكَذَلِكَ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ فَإِنْ لم يَكُونَا زَوْجَيْنِ يُيَمِّمُهُ بِخِرْقَةٍ تَسْتُرُ يَدَهُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَسِّ بَيْنَهُمَا ثَابِتَةٌ كما في حَالَةِ الْحَيَاةِ إلَّا إذَا كان أَحَدُهُمَا مِمَّا لَا يُشْتَهَى كَالصَّغِيرِ أو الصَّغِيرَةِ فَيُيَمِّمُهُ من غَيْرِ خِرْقَة وَإِنْ كَانَا زَوْجَيْنِ فَالْمَرْأَةُ تُيَمِّمُ زَوْجَهَا بِلَا خِرْقَةٍ لِأَنَّهَا تُغَسِّلُهُ بِلَا خِرْقَةٍ فَالتَّيَمُّمُ أَوْلَى إذَا لم تَبِنْ منه في حَالِ حَيَاتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا حَدَثَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ما يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ عِنْدَ أصحابنا ‏[‏علمائنا‏]‏ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ على ما نَذْكُرُ لِأَنَّهَا تُغَسِّلُهُ بِلَا خِرْقَةٍ فَالتَّيَمُّمُ أَوْلَى وَأَمَّا الزَّوْجُ فَلَا يُيَمِّمُ زَوْجَتَهُ بِلَا خِرْقَةٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله على ما نَذْكُرُ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَيِّتُ شَهِيدًا لِأَنَّ الْغُسْلَ سَاقِطٌ عن الشَّهِيدِ بِالنَّصِّ على ما نَذْكُرُ في فصلهِ إن شاء الله تعالى‏.‏

فصل بَيَانِ الْكَلَامِ فِيمَنْ يُغَسِّلُ

وَأَمَّا بَيَانُ الْكَلَامِ فِيمَنْ يُغَسِّلُ فَنَقُولُ الْجِنْسُ يُغَسِّلُ الْجِنْسَ فَيُغَسِّلُ الذَّكَرُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى الْأُنْثَى لِأَنَّ حِلَّ الْمَسِّ من غَيْرِ شَهْوَةٍ ثَابِتٌ لِلْجِنْسِ حَالَةَ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَسَوَاءٌ كان الْغَاسِلُ جُنُبًا أو حَائِضًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وهو التَّطْهِيرُ حَاصِلٌ فَيَجُوزُ وَرُوِيَ عن أبي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَ لِلْحَائِضِ الْغُسْلَ لِأَنَّهَا لو اغْتَسَلَتْ بِنَفْسِهَا لم تَعْتَدَّ بِهِ فَكَذَا إذَا غَسَّلَتْ وَلَا يُغَسِّلُ الْجِنْسَ خِلَافُ الْجِنْسِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَسِّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ ثَابِتَةٌ حَالَةَ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَجْبُوبُ وَالْخَصِيُّ في ذلك مِثْلُ الْفَحْلِ كما في حَالَةِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ كُلَّ ذلك مَنْهِيٌّ إلَّا الْمَرْأَةَ لِزَوْجِهَا إذَا لم تَثْبُتْ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا في حَالَةِ حَيَاتِهِ وَلَا حَدَثَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ما يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ أو الصَّغِيرَ وَالصَّغِيرَةَ فَبَيَانُ ذلك في الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَمَّا الرَّجُلُ فَنَقُولُ إذَا مَاتَ رَجُلٌ في سَفَرٍ فَإِنْ كان معه رِجَالٌ يُغَسِّلُهُ الرَّجُلُ وَإِنْ كان معه نِسَاءٌ لَا رَجُلَ فِيهِنَّ فَإِنْ كان فِيهِنَّ امْرَأَتُهُ غَسَّلَتْهُ وَكَفَّنَتْهُ وَصَلَّيْنَ عليه وَتَدْفِنُهُ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتُغَسِّلُ زَوْجَهَا لِمَا رُوِيَ عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أنها قالت لو اسْتَقْبَلْنَا من الْأَمْرِ ما اسْتَدْبَرْنَا لَمَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا نِسَاؤُهُ وَمَعْنَى ذلك أنها لم تَكُنْ عَالِمَةً وَقْتَ وَفَاةِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم باباحَةِ غُسْلِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا ثُمَّ عَلِمَتْ بَعْدَ ذلك‏.‏

وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي اللَّهُ عنه أَوْصَى إلَى امْرَأَتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنْ تُغَسِّلَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَهَكَذَا فَعَلَ أبو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَلِأَنَّ إبَاحَةَ الْغُسْلِ مُسْتَفَادَةٌ بِالنِّكَاحِ فَتَبْقَى ما بَقِيَ النِّكَاحُ وَالنِّكَاحُ بَعْدَ الْمَوْتِ بَاقٍ إلَى وَقْتِ انْقِطَاعِ الْعِدَّةِ بِخِلَافِ ما إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ حَيْثُ لَا يُغَسِّلُهَا الزَّوْجُ لِأَنَّ هُنَاكَ انْتَهَى مِلْكُ النِّكَاحِ لِانْعِدَامِ الْمَحِلِّ فَصَارَ الزَّوْجُ أَجْنَبِيًّا فَلَا يَحِلُّ له غُسْلُهَا وَاعْتُبِرَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَيْثُ لَا يَنْتَفِي عن الْمَحَلِّ بِمَوْتِ الْمَالِكِ وَيَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَحَلِّ فَكَذَا هذا وَهَذَا إذَا لم تَثْبُتْ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُمَا في حَالِ حَيَاةِ الزَّوْجِ فَأَمَّا إذَا ثَبَتَتْ بِأَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أو بَائِنًا وَهِيَ في الْعِدَّةِ لَا يُبَاحُ لها غُسْلُهُ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ارْتَفَعَ بِالْإِبَانَةِ وَكَذَا إذَا قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ في الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَبَتَتْ بِالتَّقْبِيلِ على سَبِيلِ التَّأْبِيدِ فيبطل ‏[‏فبطل‏]‏ مِلْكُ النِّكَاحِ ضَرُورَةً وَكَذَا لو ارْتَدَّتْ عن الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِ النِّكَاحِ وَلَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ في الْعِدَّةِ لها أَنْ تُغَسِّلَهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ مِلْكَ النِّكَاحِ‏.‏

وَأَمَّا إذَا حَدَثَ بَعْدَ وَفَاةِ الزَّوْجِ ما يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ لَا يُبَاحُ لها أَنْ تُغَسِّلَهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ رحمه الله تعالى يُبَاحُ بِأَنْ ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الرِّدَّةَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا تَرْفَعُ النِّكَاحَ لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ بِالْمَوْتِ فَبَقِيَ حِلُّ الْغُسْلِ كما كان بِخِلَافِ الرِّدَّةِ في حَالَةِ الْحَيَاةِ وَلَنَا أَنَّ زَوَالَ النِّكَاحِ مَوْقُوفٌ على انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَكَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا فَيَرْتَفِعُ بِالرِّدَّةِ وَإِنْ لم يَبْقَ مُطْلَقًا فَقَدْ بَقِيَ في حَقِّ حِلِّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ وَكَمَا تَرْفَعُ الرِّدَّةُ مُطْلَقَ الْحِلِّ تَرْفَعُ ما بَقِيَ منه وهو حِلُّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ وَعَلَى هذا الْخِلَافِ إذَا طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا أو قَبَّلَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أو وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَوَجَبَ عليها الْعِدَّةُ ليس لها أَنْ تُغَسِّلَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ رحمه الله تعالى وَلَوْ مَاتَ للزوج ‏[‏الزوج‏]‏ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ من وَطْءِ شُبْهَةٍ ليس لها أَنْ تُغَسِّلَهُ وَكَذَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا من ذلك الْغَيْرِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لم يَثْبُتْ لها حِلُّ الْغُسْلِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ إذَا دخل الزَّوْجُ بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ بِشُبْهَةٍ وَوَجَبَتْ عليها الْعِدَّةُ ثُمَّ مَاتَ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ على هذا الْخِلَافِ وَكَذَلِكَ الْمَجُوسِيُّ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ الْمَجُوسِيَّةُ لم تُغَسِّلْهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله تعالى كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزاهد السَّرَخْسِيُّ رحمه الله تعالى الْخِلَافَ في هذه الْمَسَائِلِ الثَّلَاث وَذَكَرَ الْقَاضِي في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَسِّلَهُ في هذه الْمَوَاضِعِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ رحمه الله تعالى ليس لها أَنْ تُغَسِّلَهُ والله أعلم‏.‏وَلَوْ لم يَكُنْ فِيهِنَّ امْرَأَتُهُ وَلَكِنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ كَافِرٌ علمته ‏[‏علمنه‏]‏ غُسْلَ الْمَيِّتِ وَيُخَلِّينَ بَيْنَهُمَا حتى يُغَسِّلَهُ وَيُكَفِّنَهُ ثُمَّ يُصَلِّينَ عليه وَيَدْفِنَّهُ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ وَإِنْ لم يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ في الدِّينِ فَإِنْ لم يَكُنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ لَا مُسْلِمٌ وَلَا كَافِرٌ فَإِنْ كان مَعَهُنَّ صَبِيَّةٌ صَغِيرَةٌ لم تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَأَطَاقَتْ الْغُسْلَ عَلَّمْنَهَا الْغُسْلَ وَيُخَلِّينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حتى تُغَسِّلَهُ وَتُكَفِّنَهُ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَوْرَةِ غَيْرُ ثَابِتٍ في حَقِّهَا وَإِنْ لم يَكُنْ مَعَهُنَّ ذلك فَإِنَّهُنَّ لَا يُغَسِّلْنَهُ سَوَاءٌ كُنَّ ذَوَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ منه أو لَا لِأَنَّ الْمَحْرَمَ في حُكْمِ النَّظَرِ إلَى الْعَوْرَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةَ سَوَاءٌ فَكَمَا لَا تُغَسِّلُهُ الْأَجْنَبِيَّةُ فَكَذَا ذَوَاتُ مَحَارِمِهِ وَلَكِنْ يُيَمِّمْنَهُ غير أَنَّ الْمُيَمِّمَةَ إذَا كانت ذَاتَ رَحِمِ مَحْرَمٍ منه تُيَمِّمُهُ بِغَيْرِ خِرْقَةٍ وَإِنْ لم تَكُنْ ذَاتَ رَحِمِ مَحْرَمٍ منه تُيَمِّمُهُ بِخِرْقَةٍ تَلُفُّهَا على كَفِّهَا لِأَنَّهُ لم يَكُنْ لها أَنْ تَمَسَّهُ في حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ وَكَذَا لو كان فِيهِنَّ أُمُّ وَلَدِهِ لم تُغَسِّلْهُ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ الْآخَرِ وفي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وهو قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رحمهما الله تعالى لها أَنْ تُغَسِّلَهُ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ فَأَشْبَهَتْ الْمَنْكُوحَةَ‏.‏

وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَبْقَى فيها بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فيها كان مِلْكَ يَمِينٍ وهو يَعْتِقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَالْحُرِّيَّةُ تُنَافِي مِلْكَ الْيَمِينِ فَلَا يَبْقَى بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ فإن حُرِّيَّتَهَا لَا تُنَافِي مِلْكَ النِّكَاحِ كما في حَالِ حَيَاةِ الزَّوْجِ وَكَذَا لو كان فِيهِنَّ أَمَتُهُ أو مُدَبَّرَتُهُ أَمَّا الْأَمَةُ فَلِأَنَّهَا زَالَتْ عن مِلْكِهِ بِالْمَوْتِ إلَى الْوَرَثَةِ وَلَا يُبَاحُ لِأَمَةِ الْغَيْرِ عَوْرَتُهُ غير أنها لو يَمَّمَتْهُ تُيَمِّمُهُ بِغَيْرِ خِرْقَةٍ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لِلْجَارِيَةِ مَسُّ مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ وَتَلْتَحِقُ بِسَائِرِ الْحَرَائِرِ الْأَجْنَبِيَّاتِ وَأَمَّا الْمُدَبَّرَةُ فَلِأَنَّهَا تَعْتِقُ وَلَا يَجِبُ عليها الْعِدَّةُ ثُمَّ أُمُّ الْوَلَدِ لَا تُغَسِّلُهُ فَلَأَنْ لَا تُغَسِّلَهُ هذه أَوْلَى وقال الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى الْأَمَةُ تُغَسِّلُ مَوْلَاهَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى من يُغَسِّلُهُ فَبَقِيَ الْمِلْكُ له فيها حُكْمًا وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ حَاجَتَهُ تَنْدَفِعُ بِالْجِنْسِ أو بِالتَّيَمُّمِ والله أعلم‏.‏

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَنَقُولُ إذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ في سَفَرٍ فَإِنْ كان مَعَهَا نِسَاءٌ غَسَّلْنَهَا وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا أَنْ يُغَسِّلَهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله تعالى وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دخل عليها وَهِيَ تَقُولُ وَارَأْسَاهْ فقال وأنا وَارَأْسَاهْ لَا عَلَيْكِ أَنَّكِ إذَا مِتِّ غَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ وما جَازَ لِرَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجُوزُ لِأُمَّتِهِ هو الْأَصْلُ إلَّا ما قام عليه الدَّلِيلُ وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَ فَاطِمَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا لأن النِّكَاحَ جُعِلَ قَائِمًا حُكْمًا لِحَاجَةِ الْمَيِّتِ إلَى الْغُسْلِ كما إذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَلَنَا ما رُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن امْرَأَةٍ تَمُوتُ بين رِجَالٍ فقال تُيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ ولم يَفصل بين أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ زَوْجُهَا أو لَا يَكُونُ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ ارْتَفَعَ بِمَوْتِهَا فَلَا يَبْقَى حِلُّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ كما لو طَلَّقَهَا قبل الدُّخُولِ وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ أنها صَارَتْ مُحَرَّمَةً على التَّأْبِيدِ وَالْحُرْمَةُ على التَّأْبِيدِ تُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً وَلِهَذَا جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وإذا زَالَ النِّكَاحُ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً فَبَطَلَ حِلُّ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ بِخِلَافِ ما إذَا مَاتَ الزَّوْجُ لِأَنَّ هُنَاكَ مِلْكَ النِّكَاحِ قَائِمٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَالِكٌ وَالْمَرْأَةُ مَمْلُوكَةٌ وَالْمِلْكُ لَا يَزُولُ عن الْمَحَلِّ بِمَوْتِ الْمَالِكِ وَيَزُولُ بِمَوْتِ الْمَحَلِّ كما في مِلْكِ الْيَمِينِ فَهُوَ الْفَرْقُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَحْمُولٌ على الْغُسْلِ تَسَبُّبًا فَمَعْنَى قَوْلِهِ غَسَّلْتُكِ قُمْتُ بِأَسْباب غُسْلِك كما يُقَالُ بَنَى الْأَمِيرُ دَارًا حَمَلْنَاهُ على هذا صِيَانَةً لِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ عَمَّا يُورِثُ شُبْهَةَ نَفْرَةِ الطِّبَاعِ عنه وَتَوْفِيقًا بين الدَّلَائِلِ على أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كان مَخْصُوصًا بِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ نِكَاحُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِقَوْلِهِ كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ إلَّا سَبَبِي وَنَسَبِي وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ رضي اللَّهُ عنها غَسَّلَتْهَا أُمُّ أَيْمَنَ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَهَا فَقَدْ أَنْكَرَ عليه ابن مَسْعُودٍ حتى قال عَلِيٌّ أَمَا عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال إنَّ فَاطِمَةَ زَوْجَتُكَ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَدَعْوَاهُ الْخُصُوصِيَّةَ دَلِيلٌ على أَنَّهُ كان مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُغَسِّلُ زَوْجَتَهُ وَإِنْ لم يَكُنْ هُنَاكَ نِسَاءٌ مُسْلِمَاتٌ وَمَعَهُمْ امْرَأَةٌ كَافِرَةٌ عَلَّمُوهَا الْغُسْلَ وَيُخَلُّونَ بَيْنَهُمَا حتى تُغَسِّلَهَا وَتُكَفِّنَهَا ثُمَّ يُصَلِّي عليها الرِّجَالُ ويدفنونها ‏[‏ويدفنوها‏]‏ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ لم يَكُنْ مَعَهُمْ نِسَاءٌ لَا مُسْلِمَةٌ وَلَا كَافِرَةٌ فَإِنْ كان مَعَهُمْ صَبِيٌّ لم يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَأَطَاقَ الْغُسْلَ عَلَّمُوهُ الْغُسْلَ فَيُغَسِّلُهَا وَيُكَفِّنُهَا لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ لم يَكُنْ مَعَهُمْ ذلك فَإِنَّهَا لَا تُغَسَّلُ وَلَكِنَّهَا تُيَمَّمُ لِمَا ذَكَرْنَا غير أَنَّ الْمُيَمِّمَ لها إنْ كان مَحْرَمًا لها يُيَمِّمُهَا بِغَيْرِ خِرْقَةٍ وَإِنْ لم يَكُنْ مَحْرَمًا لها فَمَعَ الْخِرْقَةِ يَلُفُّهَا على كَفِّهِ لِمَا مَرَّ وَيُعْرِضُ بِوَجْهِهِ عن ذِرَاعَيْهَا لِأَنَّ في حَالَةِ الْحَيَاةِ ما كان لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ذِرَاعَيْهَا فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِهَا كما في حَالَةِ الْحَيَاةِ وَلَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ الذي لَا يُشْتَهَى لَا بَأْسَ أَنْ تُغَسِّلَهُ النِّسَاءُ وَكَذَلِكَ الصَّبِيَّةُ التي لَا تُشْتَهَى إذَا مَاتَتْ لَا بَأْسَ أَنْ يُغَسِّلَهَا الرِّجَالُ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَوْرَةِ غَيْرُ ثَابِتٍ في حَقِّ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ ثُمَّ إذَا غُسِّلَ الْمَيِّتُ يُكَفَّنُ‏.‏

فصل في التكْفِينِ

وَالْكَلَامُ في تَكْفِينِهِ في مَوَاضِعَ في بَيَانِ وُجُوبِ التَّكْفِينِ وفي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ وُجُوبِهِ وفي بَيَانِ كَمِّيَّةِ الْكَفَنِ وفي بَيَانِ صِفَتِهِ وفي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ التَّكْفِينِ وفي بَيَانِ من يَجِبُ عليه الْكَفَنُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالدَّلِيلُ على وَجْهِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ أَمَّا النَّصُّ فما رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال الْبَسُوا هذه الثِّيَابَ الْبِيضَ فَإِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فيها مَوْتَاكُمْ وَظَاهِرُ الْأَمْرِ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ وَرُوِيَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا غَسَّلَتْ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عليه كَفَّنُوهُ وَدَفَنُوهُ ثُمَّ قالت لِوَلَدِهِ هذه سُنَّةُ مَوْتَاكُمْ وَالسُّنَّةُ الْمُطْلَقَةُ في مَعْنَى الْوَاجِبِ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ على وُجُوبِهِ وَلِهَذَا تَوَارَثَهُ الناس من لَدُنْ وَفَاةِ آدَمَ ‏(‏صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عليه‏)‏ إلَى يَوْمِنَا هذا وَذَا دَلِيلُ الْوُجُوبِ وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ إنَّمَا وَجَبَ كَرَامَةً له وَتَعْظِيمًا وَمَعْنَى التَّعْظِيمِ والكرامة إنَّمَا يَتِمُّ بِالتَّكْفِينِ فَكَانَ وَاجِبًا‏.‏

فصل كَيْفِيَّةِ وُجُوبِ التكفين

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ وُجُوبِهِ فَوُجُوبُهُ على سَبِيلِ الْكِفَايَةِ قَضَاءً لِحَقِّ الْمَيِّتِ حتى إذَا قام بِهِ الْبَعْضُ يَسْقُطُ عن الْبَاقِينَ لِأَنَّ حَقَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا كما في الْغُسْلِ وَأَمَّا الْكَلَامُ في كَمِّيَّةِ الْكَفَنِ فَنَقُولُ أَكْثَرُ ما يُكَفَّنُ فيه الرَّجُلُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ إزَارٌ وَرِدَاءٌ وَقَمِيصٌ وَهَذَا عِنْدَنَا وقال الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى لَا يُسَنُّ الْقَمِيصُ في الْكَفَنِ وَإِنَّمَا الْكَفَنُ ثَلَاثُ لَفَائِفَ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ في ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ ليس فيها قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ وَلَنَا ما رُوِيَ عن عبد اللَّهِ بن مُغَفَّلٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال كَفِّنُونِي في قَمِيصِي فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ في قَمِيصِهِ الذي تُوُفِّيَ فيه وَهَكَذَا رُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنها أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ في ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ أَحَدُهَا الْقَمِيصُ الذي تُوُفِّيَ فيه وَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْلَى من الْأَخْذِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَضَرَ تَكْفِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَفْنَهُ وَعَائِشَةُ ما حَضَرَتْ ذلك على أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا ليس فيها ‏[‏فيه‏]‏ قَمِيصٌ أَيْ لم يَتَّخِذْ قَمِيصًا جَدِيدًا وَرُوِيَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال كَفَنُ الْمَرْأَةِ خَمْسَةُ أَثْوَابٍ وَكَفَنُ الرَّجُلِ ثَلَاثَةٌ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلِأَنَّ حَالَ ما بَعْدَ الْمَوْتِ يُعْتَبَرُ بِحَالِ حَيَاتِهِ وَالرَّجُلُ في حَالِ حَيَاتِهِ يَخْرُجُ في ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ عَادَةً قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَعِمَامَةٌ فَالْإِزَارُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَائِمٌ مَقَامَ السَّرَاوِيلِ في حَالِ الْحَيَاةِ لِأَنَّهُ في حَالِ حَيَاتِهِ إنَّمَا كان يَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ لِئَلَّا تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهُ عِنْدَ الْمَشْيِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَأُقِيمَ الْإِزَارُ مَقَامَهُ وكذا ‏[‏ولذا‏]‏ لم يذكر الْعِمَامَةَ في الْكَفَنِ وقد كَرِهَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لِأَنَّهُ لو فَعَلَ ذلك لَصَارَ الْكَفَنُ شَفْعًا وَالسُّنَّةُ فيه أَنْ يَكُونَ وِتْرًا وَاسْتَحْسَنَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كان يُعَمِّمُ الْمَيِّتَ وَيَجْعَلُ ذَنَبَ الْعِمَامَةِ على وَجْهِهِ‏.‏

بِخِلَافِ حَالِ الْحَيَاةِ فإنه يُرْسِلُ ذَنَبَ الْعِمَامَةِ من قِبَلِ الْقَفَا لِأَنَّ ذلك لِمَعْنَى الزِّينَةِ وقد انْقَطَعَ ذلك بِالْمَوْتِ وَالدَّلِيلُ على أَنَّ السُّنَّةَ في حَقِّ الرَّجُلِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ ما رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كُفِّنَ في بُرْدٍ وَحُلَّةٍ وَالْحُلَّةُ اسْمٌ لِلزَّوْجِ من الثِّيَابِ وَالْبُرْدُ اسْمٌ لِلْفَرْدِ منها وَأَدْنَى ما يُكَفَّنُ فيه في حَالَةِ الِاخْتِيَارِ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه كَفِّنُونِي في ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ وَلِأَنَّ أَدْنَى ما يَلْبَسُهُ الرَّجُلُ في حَالِ حَيَاتِهِ ثَوْبَانِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ له أَنْ يَخْرُجَ فِيهِمَا وَيُصَلِّيَ فِيهِمَا من غَيْرِ كَرَاهَةٍ فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يُكَفَّنَ فِيهِمَا أَيْضًا وَيُكْرَهُ أَنْ يُكَفَّنَ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ في حَالَةِ الْحَيَاة تَجُوزُ صَلَاتُهُ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ مع الْكَرَاهَةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ يُكْرَهُ أَنْ يُكَفَّنَ فيه إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِأَنْ كان لَا يُوجَدُ غَيْرُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ مُصْعَبَ بن عُمَيْرٍ لَمَّا اُسْتُشْهِدَ كُفِّنَ في نَمِرَةٍ فَكَانَ إذَا غُطِّيَ بها رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وإذا غُطِّيَ بها رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ فَأَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ يُغَطَّى بها رَأْسُهُ وَيُجْعَلَ على رِجْلَيْهِ شَيْءٌ من الْإِذْخِرِ‏.‏

وَكَذَا رُوِيَ أَنَّ حَمْزَةَ رضي اللَّهُ عنه لَمَّا اُسْتُشْهِدَ كُفِّنَ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ لم يُوجَدْ له غَيْرُهُ فَدَلَّ على الْجَوَازِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْغُلَامُ الْمُرَاهِقُ كَالرَّجُلِ يُكَفَّنُ فِيمَا يُكَفَّنُ فيه الرَّجُلُ لِأَنَّ الْمُرَاهِقَ في حَالِ حَيَاتِهِ يَخْرُجُ فِيمَا يَخْرُجُ فيه الْبَالِغُ عَادَةً فَكَذَا يُكَفَّنُ فِيمَا يُكَفَّنُ فيه وَإِنْ كان صَبِيًّا لم يُرَاهِقْ فَإِنْ كُفِّنَ في خِرْقَتَيْنِ إزَارٍ وَرِدَاءٍ فَحَسَنٌ وَإِنْ كُفِّنَ في إزَارٍ وَاحِدٍ جَازَ لِأَنَّ في حَالِ حَيَاتِهِ كان يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ على ثَوْبٍ وَاحِدٍ في حَقِّهِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ‏.‏

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَأَكْثَرُ ما تُكَفَّنُ فيه خَمْسَةُ أَثْوَابٍ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَإِزَارٌ وَلِفَافَةٌ وَخِرْقَةٌ هو السُّنَّةُ في كَفَنِ الْمَرْأَةِ لِمَا رُوِيَ عن أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نَاوَلَ اللَّوَاتِي غَسَّلْنَ ابْنَتَهُ في كَفَنِهَا ثَوْبًا ثَوْبًا حتى نَاوَلَهُنَّ خَمْسَةَ أَثْوَابٍ آخِرُهُنَّ خِرْقَةٌ تَرْبِطُ بها ثَدْيَيْهَا وَلِمَا رَوَيْنَا عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ في حَالِ حَيَاتِهَا تَخْرُجُ في خَمْسَةِ أَثْوَابٍ عَادَةً دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَإِزَارٌ وَمُلَاءَةٌ وَنِقَابٌ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ تُكَفَّنُ في خَمْسَةِ أَثْوَابٍ ثُمَّ الْخِرْقَةُ تُرْبَطُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ عِنْدَ الصَّدْرِ فَوْقَ الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ كيلا يَنْتَشِرَ عليها الْكَفَنُ إذَا حُمِلَتْ على السَّرِيرِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا رَوَيْنَا في حديث أُمِّ عَطِيَّةَ أنها قالت آخِرُهُنَّ خِرْقَةٌ تَرْبِطُ بها ثَدْيَيْهَا وَأَدْنَى ما تُكَفَّنُ فيه الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ إزَارٌ وَرِدَاءٌ وَخِمَارٌ لِأَنَّ مَعْنَى السَّتْرِ في حَالَةِ الْحَيَاةِ يَحْصُلُ بِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ حتى يَجُوزَ لها أَنْ تُصَلِّيَ فيها وَتَخْرُجَ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيُكْرَهُ أَنْ تُكَفَّنَ الْمَرْأَةُ في ثَوْبَيْنِ وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تُكَفَّنَ في ثَوْبَيْنِ وَالْجَارِيَةُ الْمُرَاهِقَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغَةِ في الْكَفَنِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالسِّقْطُ يُلَفُّ في خِرْقَةٍ لِأَنَّهُ ليس له حُرْمَةٌ كَامِلَةٌ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا وَرَدَ بِتَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَاسْمُ الْمَيِّتِ لَا يَنْطَلِقُ عليه كما لَا يَنْطَلِقُ على بَعْضِ الْمَيِّتِ وَكَذَا من وُلِدَ مَيِّتًا أو وُجِدَ طَرَفٌ من أَطْرَافِ الْإِنْسَانِ أو نِصْفُهُ مَشْقُوقًا طُولًا أو نِصْفُهُ مَقْطُوعًا عَرْضًا لَكِنْ ليس معه الرَّأْسُ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ كان معه الرَّأْسُ ذَكَرَ الْقَاضِي في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُكَفَّنُ وَعَلَى قِيَاسِ ما ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ في الْغُسْلِ يُلَفُّ في خِرْقَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا في فصل الْغُسْلِ وَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُهُ يُكَفَّنُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَكَذَا الْكَافِرُ إذَا مَاتَ وَلَهُ ذُو رَحِمِ مَحْرَمٍ مُسْلِمٌ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ لَكِنْ في خِرْقَةٍ لِأَنَّ التَّكْفِينَ على وَجْهِ السُّنَّةِ من باب الْكَرَامَةِ لِلْمَيِّتِ وَلَا يُكَفَّنُ الشَّهِيدُ كَفَنًا جَدِيدًا غير ثِيَابِهِ لِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «زَمِّلُوهُمْ بِثِيَابِهِمْ وَكُلُومِهِمْ»‏.‏

فصل صِفَةِ الْكَفَنِ

وَأَمَّا صِفَةُ الْكَفَنِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ التَّكْفِينُ بِالثِّيَابِ الْبِيضِ لِمَا رُوِيَ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال أَحَبُّ الثِّيَابِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْبِيضُ فَلْيَلْبَسْهَا أَحْيَاؤُكُمْ وَكَفِّنُوا فيها مَوْتَاكُمْ وقال النبي صلى الله عليه وسلم حَسِّنُوا أَكْفَانَ الْمَوْتَى فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَتَفَاخَرُونَ بِحُسْنِ أَكْفَانِهِمْ وقال صلى اللَّهُ عليه وسلم‏:‏ «إذَا وَلِيَ أحدكم أَخَاهُ مَيِّتًا فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» وَالْبُرُودُ وَالْكَتَّانُ وَالْقَصَبُ كُلُّ ذلك حَسَنٌ وَالْخَلَقُ إذَا غُسِلَ وَالْجَدِيدُ سَوَاءٌ لِمَا رُوِيَ عن أبي بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال اغْسِلُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا فَإِنَّهُمَا لِلْمُهْلِ وَالصَّدِيدِ وَإِنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ من الْمَيِّتِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ ما يَجُوزُ لِكُلِّ جِنْسٍ أَنْ يَلْبَسَهُ في حَيَاتِهِ يَجُوزُ أَنْ يُكَفَّنَ فيه بَعْدَ مَوْتِهِ حتى يُكْرَهَ أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ في الْحَرِيرِ وَالْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ وَلَا يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ ذلك اعْتِبَارًا بِاللِّبَاسِ في حَالِ الْحَيَاةِ‏.‏

فصل كَيْفِيَّةِ التَّكْفِينِ

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّكْفِينِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُجَمَّرَ الْأَكْفَانُ أَوَّلًا وِتْرًا أَيْ مَرَّةً أو ثَلَاثًا أو خَمْسًا وَلَا يَزِيدُ عليه لِمَا رُوِيَ عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال إذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ فَأَجْمِرُوهُ وِتْرًا وَلِأَنَّ الثَّوْبَ الْجَدِيدَ أو الْغَسِيلَ مِمَّا يُطَيَّبُ وَيُجَمَّرُ في حَالَةِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ وَالْوِتْرُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ في ذلك لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم‏:‏ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» ثُمَّ تُبْسَطُ اللِّفَافَةُ وَهِيَ الرِّدَاءُ طُولًا ثُمَّ يُبْسَطُ الْإِزَارُ عليها طُولًا ثُمَّ يُلْبِسُهُ الْقَمِيصَ إنْ كان له قَمِيصٌ وَإِنْ لم يَكُنْ له ‏[‏سرواله‏]‏ السراويل لِأَنَّ اللُّبْسَ بَعْدَ الْوَفَاةِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْحَيَاةِ إلَّا أَنَّ في حَيَاتِهِ كان يَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ حتى لَا تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهُ عِنْدَ الْمَشْيِ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذلك بَعْدَ مَوْتِهِ فَأُقِيمَ الْإِزَارُ مَقَامَ السَّرَاوِيلِ إلَّا أَنَّ الْإِزَارَ في حَالِ حَيَاتِهِ تَحْتَ الْقَمِيصِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ فَوْقَ الْقَمِيصِ من الْمَنْكِبِ إلَى الْقَدَمِ لِأَنَّ الْإِزَارَ تَحْتَ الْقَمِيصِ حَالَةَ الْحَيَاةِ لِيَتَيَسَّرَ عليه الْمَشْيُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْمَشْيِ ثُمَّ يُوضَعُ الْحَنُوطُ في رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ آدَمَ صلى ‏[‏صلوات‏]‏ اللَّهِ عليه ‏[‏وسلامه‏]‏ وسلم عليه لَمَّا تُوُفِّيَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَحَنَّطُوهُ وَيُوضَعُ الْكَافُورُ على مَسَاجِدِهِ يَعْنِي جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ وَيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ لِمَا رُوِيَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قال وَتُتْبَعُ مَسَاجِدُهُ بِالطِّيبِ يَعْنِي بِالْكَافُورِ وَلِأَنَّ تَعْظِيمَ الْمَيِّتِ وَاجِبٌ وَمِنْ تَعْظِيمِهِ أَنْ يُطَيَّبَ لِئَلَّا تَجِيءَ منه رَائِحَةٌ مُنْتِنَةٌ وَلِيُصَانَ عن سُرْعَةِ الْفَسَادِ وَأَوْلَى الْمَوَاضِعِ بِالتَّعْظِيمِ مَوَاضِعُ السُّجُودِ وَكَذَا الرَّأْسُ وَاللِّحْيَةُ هُمَا من أَشْرَفِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ الرَّأْسَ مَوْضِعُ الدِّمَاغِ وَمَجْمَعُ الْحَوَاسِّ وَاللِّحْيَةُ من الْوَجْهِ وَالْوَجْهُ من أَشْرَفِ الْأَعْضَاءِ وَعَنْ زُفَرَ رحمه الله تعالى أَنَّهُ قال يُذَرُّ الْكَافُورُ على عَيْنَيْهِ وَأَنْفِهِ وَفَمِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَتَبَاعَدَ الدُّودُ من الْمَوْضِعِ الذي يُذَرُّ عليه الْكَافُورُ فَخَصَّ هذه الْمَحَالَّ من بَدَنِهِ لِهَذَا وَإِنْ لم يَجِدْ ذلك لم يَضُرَّهُ وَلَا بَأْسَ بِسَائِرِ الطِّيبِ غَيْرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ في حَقِّ الرَّجُلِ لِمَا رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نهى الرِّجَالَ عن الْمُزَعْفَرِ ولم يذكر في الْأَصْلِ أَنَّهُ هل تحتشي ‏[‏تحشى‏]‏ مَحَارِقُهُ وَقَالُوا إنْ خُشِيَ خُرُوجَ شَيْءٍ يُلَوِّثُ الْأَكْفَانَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ في أَنْفِهِ وَفَمِهِ وقد جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى في دُبُرِهِ أَيْضًا وَاسْتَقْبَحَ ذلك مَشَايِخُنَا وَإِنْ لم يُخْشَ جَازَ التَّرْكُ لِانْعِدَامِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ثُمَّ يُعْطَفُ الْإِزَارُ عليه من قِبَلِ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَإِنْ كان الْإِزَارُ طَوِيلًا حتى يُعْطَفَ على رَأْسِهِ وَسَائِرِ جَسَدِهِ فَهُوَ أَوْلَى ثُمَّ يُعْطَفُ من قِبَلِ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْأَيْمَنُ فَوْقَ الْأَيْسَرِ ثُمَّ تُعْطَفُ اللِّفَافَةُ وَهِيَ الرِّدَاءُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُنْتَقِبَ في حَالَةِ الْحَيَاةِ هَكَذَا يَفْعَلُ إذَا تَحَزَّمَ بَدَأَ بِعَطْفِ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ على الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَعْطِفُ الْأَيْمَنَ على الْأَيْسَرِ فَكَذَا يُفْعَلُ بِهِ بَعْدَ الْمَمَاتِ فَإِنْ خِيفَ أَنْ تَنْتَشِرَ أَكْفَانُهُ تُعْقَدُ وَلَكِنْ إذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ تُحَلُّ الْعُقَدُ لِزَوَالِ ما لِأَجْلِهِ عُقِدَ وَالله أعلم‏.‏

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُبْسَطُ لها اللِّفَافَةُ وَالْإِزَارُ وَاللِّفَافَةُ فَوْقَ الْخِمَارِ وَالْخِرْقَةُ يربط ‏[‏تربط‏]‏ فَوْقَ الْأَكْفَانِ عِنْدَ الصَّدْرِ فَوْقَ الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ كَيْ لَا يَنْتَشِرَ الْكَفَنُ بِاضْطِرَابِ ثَدْيَيْهَا عِنْدَ الْحَمْلِ على السَّرِيرِ وَعَرْضُ الْخِرْقَةِ ما بين الثَّدْيِ وَالسُّرَّةِ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رحمه الله تعالى في غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ وَيُسْدَلُ شَعْرُهَا ما بين ثَدْيَيْهَا من الْجَانِبَيْنِ جميعا تَحْتَ الْخِمَارِ وَلَا يُسْدَلُ شَعْرُهَا خَلْفَ ظَهْرِهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله تعالى يُسْدَلُ خَلْفَ ظَهْرِهَا وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ أنها قالت لَمَّا تُوُفِّيَتْ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَفَّرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ فُرُوقٍ في نَاصِيَتِهَا وَقَرْنَيْهَا وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا فَدَلَّ أَنَّ السُّنَّةَ هَكَذَا وَلَنَا أَنَّ إلْقَاءَهَا إلَى ظَهْرِهَا من باب الزِّينَةِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِحَالِ زِينَةٍ وَلَا حُجَّةَ في حديث أُمِّ عَطِيَّةَ لِأَنَّ ذلك كان فِعْلَ أُمِّ عَطِيَّةَ وَلَيْسَ في الحديث أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عَلِمَ ذلك ثُمَّ الْمُحْرِمُ يُكَفَّنُ كما يُكَفَّنُ الْحَلَالُ عِنْدَنَا أَيْ تغطى ‏[‏يغطى‏]‏ رَأْسُهُ وَوَجْهُهُ وَيُطَيَّبُ وقال الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى لَا يُخَمَّرُ رَأْسُهُ وَلَا يُقَرَّبُ منه طِيبٌ وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَى ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن مُحْرِمٍ وَقَصَتْ بِهِ نَاقَتُهُ وَانْدَقَّ عُنُقُهُ فقال اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ في ثَوْبِهِ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فإنه يُبْعَثُ يوم الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا وفي رواية‏:‏ قال وَلَا تَقْرَبُوا منه طِيبًا

وَلَنَا ما رُوِيَ عن عَطَاءٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال في الْمُحْرِمِ يَمُوتُ خَمِّرُوهُمْ وَلَا تُشَبِّهُوهُمْ بِالْيَهُودِ وَرُوِيَ عن عَلِيٍّ أَنَّهُ قال في الْمُحْرِمِ إذَا مَاتَ انْقَطَعَ إحْرَامُهُ وَلِأَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال إذَا مَاتَ ابن آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا من ثَلَاثَةٍ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو له وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ الناس يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَالْإِحْرَامُ ليس من هذه الثَّلَاثَةِ وما رُوِيَ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَيْنَا في الْمُحْرِمِ فَبَقِيَ لنا الْحَدِيثُ الْمُطْلَقُ الذي رَوَيْنَا أَنَّ هذا الْعَمَلَ مُنْقَطِعٌ على أَنَّ ذلك الحديث مَحْمُولٌ على مُحْرِمٍ خَاصٍّ جَعَلَهُ النبي صلى الله عليه وسلم مَخْصُوصًا بِهِ بِدَلِيلِ ما رَوَيْنَا والله أعلم‏.‏

فصل بَيَانِ من يَجِبُ عليه الْكَفَنُ

وَأَمَّا بَيَانُ من يَجِبُ عليه الْكَفَنُ فَنَقُولُ كَفَنُ الْمَيِّتِ في مَالِهِ إنْ كان له مَالٌ وَيُكَفَّنُ من جَمِيعِ مَالِهِ قبل الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ لِأَنَّ هذا من أُصُولِ حَوَائِجِ الْمَيِّتِ فَصَارَ كَنَفَقَتِهِ في حَالِ حَيَاتِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ فَكَفَنُهُ على من تَجِبُ عليه نَفَقَتُهُ كما تَلْزَمُهُ كِسْوَتُهُ في حَالِ حَيَاتِهِ إلَّا الْمَرْأَةَ فإنه لَا يَجِبُ كَفَنُهَا على زَوْجِهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ وعند ‏[‏وعن‏]‏ أبي يُوسُفَ يَجِبُ عليه كَفَنُهَا كما تَجِبُ عليه كِسْوَتُهَا في حَالِ حَيَاتِهَا وَلَا يَجِبُ على الْمَرْأَةِ كَفَنُ زَوْجِهَا بِالْإِجْمَاعِ كما لَا يَجِبُ عليها كِسْوَتُهُ في حَالِ الْحَيَاةِ وَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ وَلَا من يُنْفِقُ عليه فَكَفَنُهُ في بَيْتِ الْمَالِ كَنَفَقَتِهِ في حَالِ حَيَاتِهِ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِحَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى هذا إذَا نُبِشَ الْمَيِّتُ وهو طَرِيٌّ لم يَتَفَسَّخْ بَعْدُ كُفِّنَ ثَانِيًا من جَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى الْكَفَنِ في الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ كَحَاجَتِهِ إلَيْهِ في الْمَرَّةِ الْأُولَى فَإِنْ قُسِمَ الْمَالُ فَهُوَ على الْوَارِثِ دُونَ الْغُرَمَاءِ وَأَصْحَابِ الْوَصَايَا لِأَنَّ بِالْقَسْمِ انْقَطَعَ حَقُّ الْمَيِّتِ عنه فَصَارَ كَأَنَّهُ مَاتَ وَلَا مَالَ له فَيُكَفِّنُهُ وَارِثُهُ إنْ كان له مَالٌ وَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ وَلَا من تُفْتَرَضُ عليه نَفَقَتُهُ فَكَفَنُهُ في بَيْتِ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ نَفَقَتِهِ في حَالِ حَيَاتِهِ وَإِنْ نُبِشَ بَعْدَمَا تَفَسَّخَ وَأُخِذَ كَفَنُهُ كُفِّنَ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ إذَا تَفَسَّخَ خَرَجَ عن حُكْمِ الْآدَمِيِّينَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عليه فَصَارَ كَالسَّقْطِ وَالله أعلم‏.‏ثُمَّ إذَا كُفِّنَ الْمَيِّتُ يُحْمَلُ على الْجِنَازَةِ‏.‏

فصل َالْكَلَامِ في حمل الْجِنَازَةِ

وَالْكَلَامُ في حَمْلِهِ على الْجِنَازَةِ في مَوَاضِعَ في بَيَانِ كَمِّيَّةِ من يَحْمِلُ الْجِنَازَةِ وَكَيْفِيَّةِ حَمْلِهَا وَتَشْيِيعِهَا وَوَضْعِهَا وما يَتَّصِلُ بِذَلِكَ مِمَّا يُسَنُّ وما يُكْرَهُ أَمَّا بَيَانُ كَمِّيَّةِ من يَحْمِلُ الْجِنَازَةِ وَكَيْفِيَّةِ حَمْلِهَا فَالسُّنَّةُ في حَمْلِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَحْمِلَهَا أَرْبَعَةُ نَفَرٍ من جَوَانِبِهَا الْأَرْبَعِ عِنْدَنَا وقال الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى السُّنَّةُ حَمْلُهَا بين الْعَمُودَيْنِ وهو أَنْ يَحْمِلَهَا رَجُلَانِ يَتَقَدَّمُ أَحَدُهُمَا فَيَضَعُ جَانِبَيْ الْجِنَازَةِ على كَتِفَيْهِ وَيَتَأَخَّرُ الْآخَرُ فَيَفْعَلُ مِثْلَ ذلك وَهَذَا النَّوْعُ من الْحَمْلِ مَكْرُوهٌ كذا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ بن زِيَادٍ في الْمُجَرَّدِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى بِمَا رُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدِ بن مُعَاذٍ بين الْعَمُودَيْنِ وَلَنَا ما رُوِيَ عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قال السُّنَّةُ أَنْ تُحْمَلَ الْجِنَازَةُ من جَوَانِبِهَا الْأَرْبَعِ وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما كان يَدُورُ على الْجِنَازَةِ من جَوَانِبِهَا الْأَرْبَعِ وَلِأَنَّ عَمَلَ الناس اشْتَهَرَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وهو آمَنُ من سُقُوطِ الْجِنَازَةِ وَأَيْسَرُ على الْحَامِلِينَ الْمُتَدَاوِلِينَ بَيْنَهُمْ وَأَبْعَدُ من تَشْبِيهِ حَمْلِ الْجِنَازَةِ بِحَمْلِ الْأَثْقَالِ وقد أُمِرْنَا بِذَلِكَ وَلِهَذَا يُكْرَهُ حَمْلُهَا على الظَّهْرِ أو على الدَّابَّةِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كان لِضِيقِ الْمَكَانِ أو لِعَوَزِ الْحَامِلِينَ وَمَنْ أَرَادَ إكْمَالَ السُّنَّةِ في حَمْلِ الْجِنَازَةِ يَنْبَغِي له أَنْ يَحْمِلَهَا من الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعِ لِمَا رَوَيْنَا عن ابْنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ كان يَدُورُ على الْجِنَازَةِ على جَوَانِبِهَا الْأَرْبَعِ فَيَضَعُ مُقَدَّمَ الْجِنَازَةِ على يَمِينِهِ ثُمَّ مُؤَخَّرَهَا على يَمِينِهِ ثُمَّ مُقَدَّمَهَا على يَسَارِهِ ثُمَّ مُؤَخَّرَهَا على يَسَارِهِ كما بَيَّنَ في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا لِأَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يُحِبُّ التَّيَامُنَ في كل شَيْءٍ وإذا حَمَلَ هَكَذَا حَصَلَتْ الْبِدَايَةُ بِيَمِينِ الْحَامِلِ وَيَمِينِ الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا بَدَأْنَا بِالْأَيْمَنِ الْمُقَدَّمِ دُونَ الْمُؤَخَّرِ لِأَنَّ الْمُقَدَّمَ أَوَّلُ الْجِنَازَةِ وَالْبِدَايَةُ بِالشَّيْءِ إنَّمَا تَكُونُ من أَوَّلِهِ ثُمَّ يَضَعُ مُؤَخَّرَهَا الْأَيْمَنَ على يَمِينِهِ لِأَنَّهُ لو وَضَعَ مُقَدَّمَهَا الْأَيْسَرَ على يَسَارِهِ لَاحْتَاجَ إلَى الْمَشْيِ أَمَامَهَا وَالْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ وَلِأَنَّهُ لو فَعَلَ ذلك أو وَضَعَ مُؤَخَّرَهَا الْأَيْسَرَ على يَسَارِهِ لَقَدَّمَ الْأَيْسَرَ على الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَضَعُ مُقَدَّمَهَا الْأَيْسَرَ على يَسَارِهِ لِأَنَّهُ لو فَعَلَ كَذَلِكَ يَقَعُ الْفَرَاغُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ فَيَمْشِي خَلْفَهَا وهو أَفْضَلُ كَذَلِكَ كان الْحَمْلُ وَلِكَمَالِ السُّنَّةِ كما وَصَفْنَا من التَّرْتِيبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْمِلَ من كل جَانِبٍ عَشْرَ خُطُوَاتٍ لِمَا رُوِيَ في الحديث من حَمَلَ جِنَازَةً أَرْبَعِينَ خُطْوَةً كَفَّرَتْ أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً وَأَمَّا جِنَازَةُ الصَّبِيِّ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحْمِلَهَا الرِّجَالُ وَيُكْرَهُ أَنْ تُوضَعَ جِنَازَتُهُ على دَابَّةٍ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مُكَرَّمٌ مُحْتَرَمٌ كَالْبَالِغِ وَلِهَذَا يُصَلَّى عليه كما يُصَلَّى على الْبَالِغِ وَمَعْنَى الْكَرَامَةِ وَالِاحْتِرَامِ في الْحَمْلِ على الْأَيْدِي فَأَمَّا الْحَمْلُ على الدَّابَّةِ فَإِهَانَةٌ له لِأَنَّهُ يُشْبِهُ حَمْلَ الْأَمْتِعَةِ وَإِهَانَةُ الْمُحْتَرَمِ مَكْرُوهٌ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَهُ رَاكِبٌ على دَابَّتِهِ وهو أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ له رَاكِبًا لِأَنَّ مَعْنَى الْكَرَامَةِ حَاصِلٌ وَعَنْ أبي حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى في الرَّضِيعِ وَالْفَطِيمِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يحمل ‏[‏يحمله‏]‏ في طَبَقٍ يَتَدَاوَلُونَهُ وَالله أعلم‏.‏

وَالْإِسْرَاعُ بِالْجِنَازَةِ أَفْضَلُ من الْإِبْطَاءِ لِمَا رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال عَجِّلُوا بِمَوْتَاكُمْ فَإِنْ يَكُ خَيْرًا قَدَّمْتُمُوهُ إلَيْهِ وَإِنْ يَكُ شَرًّا أَلْقَيْتُمُوهُ عن رِقَابِكُمْ وفي رواية‏:‏ فَبُعْدًا لِأَهْلِ النَّارِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِسْرَاعُ دُونَ الْخَبَبِ لِمَا رُوِيَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ فقال ما دُونَ الْخَبَبِ وَلِأَنَّ الْخَبَبَ يُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ بِمُشَيِّعِي الْجِنَازَةِ وَيُقَدَّمُ الرَّأْسُ في حَالِ حَمْلِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهُ من أَشْرَفِ الْأَعْضَاءِ فَكَانَ تَقْدِيمُهُ أَوْلَى وَلِأَنَّ مَعْنَى الْكَرَامَةِ في التَّقْدِيمِ وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّشْيِيعِ فَالْمَشْيُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ عِنْدَنَا وقال الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى الْمَشْيُ أَمَامَهَا أَفْضَلُ وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عن سَالِمٍ عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَهَذَا حِكَايَةُ عَادَةٍ وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ اخْتِيَارَ الْأَفْضَلِ وَلِأَنَّهُمْ شُفَعَاءُ الْمَيِّتِ وَالشَّفِيعُ أَبَدًا يَتَقَدَّمُ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ لِمَا فيه من التَّحَرُّزِ عن احْتِمَالِ الْفَوْتِ وَلَنَا ما رُوِيَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا عليه وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال الْجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ وَلَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ ليس مَعَهَا من تَقَدَّمَهَا وَرُوِيَ عنه أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ‏[‏السلام‏]‏ كان يَمْشِي خَلْفَ جِنَازَةِ سَعْدِ بن مُعَاذٍ وَرَوَى مَعْمَرُ عن طَاوُسٍ عن أبيه قال ما مَشَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتى مَاتَ إلَّا خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَضْلُ الْمَشْيِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ على الْمَشْيِ أَمَامَهَا كَفَضْلِ الْمَكْتُوبَةِ على النَّافِلَةِ وَلِأَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَقْرَبُ إلَى الِاتِّعَاظِ لِأَنَّهُ يُعَايِنُ الْجِنَازَةَ فَيَتَّعِظُ فَكَانَ أَفْضَلَ وَالْمَرْوِيُّ عن النبي صلى الله عليه وسلم لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَتَسْهِيلِ الْأَمْرِ على الناس عِنْدَ الِازْدِحَامِ وهو تَأْوِيلُ فِعْلِ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما وَالدَّلِيلُ عليه ما رُوِيَ عن عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى أَنَّهُ قال بَيْنَا أنا أَمْشِي مع عَلِيٍّ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وأبو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَمْشِيَانِ أَمَامَهَا فقلت لِعَلِيٍّ ما بَالُ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشِيَانِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ فقال إنَّهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ من الْمَشْيِ أَمَامَهَا إلَّا أَنَّهُمَا يسهلان على الناس وَمَعْنَاهُ أَنَّ الناس يَتَحَرَّزُونَ عن الْمَشْيِ أَمَامَهَا تَعْظِيمًا لها فَلَوْ اخْتَارَ الْمَشْيَ خَلْفَ الْجِنَازَةِ لَضَاقَ الطَّرِيقُ على مُشَيِّعِيهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الناس شُفَعَاءُ الْمَيِّتِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَقَدَّمُوا فَيُشْكِلُ هذا بِحَالَةِ الصَّلَاةِ فإن حَالَةَ الصَّلَاةِ حَالَةُ الشَّفَاعَةِ وَمَعَ ذلك لَا يَتَقَدَّمُونَ الْمَيِّتَ بَلْ الْمَيِّتُ قُدَّامُهُمْ وَقَوْلُهُ هذا أَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ قُلْنَا عِنْدَنَا إنَّمَا يَكُونُ الْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ إذَا كان بِقُرْبٍ منها بِحَيْثُ يُشَاهِدُهَا وفي مِثْلِ هذا لَا تَفُوتُ الصَّلَاةُ وَلَوْ مَشَى قُدَّامَهَا كان وَاسِعًا لِأَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما فَعَلُوا ذلك في الْجُمْلَةِ على ما ذَكَرْنَا غير أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْكُلُّ عليها لِأَنَّ فيه إبْطَالُ مَتْبُوعِيَّةِ الْجِنَازَةِ من كل وَجْهٍ وَلَا بَأْسَ بِالرُّكُوبِ إلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ وَأَلْيَقُ بِالشَّفَاعَةِ وَيُكْرَهُ لِلرَّاكِبِ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْجِنَازَةَ لِأَنَّ ذلك لَا يَخْلُو عن الضَّرَرِ بِالنَّاسِ وَلَا تُتْبَعُ الْجِنَازَةُ بِنَارٍ إلَى قَبْرِهِ يَعْنِي الْإِجْمَارَ في قَبْرِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خَرَجَ في جِنَازَةٍ فَرَأَى امْرَأَةً في يَدِهَا مِجْمَرٌ فَصَاحَ عليها وَطَرَدَهَا حتى توارت ‏[‏توارث‏]‏ بالآكام وَرُوِيَ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال لَا تَحْمِلُوا مَعِي مِجْمَرًا وَلِأَنَّهَا آلَةُ الْعَذَابِ فَلَا تُتْبَعُ معه تَفَاؤُلًا قال إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ زَادِهِ من الدُّنْيَا نَارًا وَلِأَنَّ هذا فِعْلُ أَهْلِ الْكتاب فَيُكْرَهُ التَّشَبُّهُ بِهِمْ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ من يَتْبَعُ الْجِنَازَةَ حتى يُصَلِّيَ لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ كان لِلصَّلَاةِ عليها فَلَا يَرْجِعُ قبل حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَا يَنْبَغِي لِلنِّسَاءِ أَنْ يَخْرُجْنَ في الْجِنَازَةِ لِأَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نَهَاهُنَّ عن ذلك وقال انْصَرِفْنَ مَأْزُورَاتٍ غير مَأْجُورَاتٍ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُومَ لِلْجِنَازَةِ إذَا أتى بها بين يَدَيْهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ اتِّبَاعَهَا وَيُكْرَهُ النَّوْحُ وَالصِّيَاحُ في الْجِنَازَةِ وَمَنْزِلِ الْمَيِّتِ لِمَا رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نهى عن الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ صَوْتِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ فَأَمَّا الْبُكَاءُ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم بَكَى على ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ وقال الْعَيْنُ تَدْمَعُ وَالْقَلْبُ يَخْشَعُ وَلَا نَقُولُ ما يُسْخِطُ الرَّبَّ وَإِنَّا عَلَيْكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ وإذا كان مع الْجِنَازَةِ نَائِحَةٌ أو صَائِحَةٌ زُجِرَتْ فَإِنْ لم تَنْزَجِرْ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتْبَعَ الْجِنَازَةَ مَعَهَا ولا ‏[‏ويمتنع‏]‏ يمتنع لِأَجْلِهَا لِأَنَّ اتِّبَاعَ الْجِنَازَةِ سُنَّةٌ فَلَا يُتْرَكُ بِبِدْعَةٍ من غَيْرِهِ وَيُطِيلُ الصَّمْتَ إذَا أتبع الْجِنَازَةَ‏.‏

وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ لِمَا رُوِيَ عن قَيْسِ بن عُبَادَةَ أَنَّهُ قال كان أَصْحَابُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُونَ الصَّوْتِ عِنْدَ ثَلَاثَةٍ عِنْدَ الْقِتَالِ وَعِنْدَ الْجِنَازَةِ وَالذِّكْرِ وَلِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكتاب فَكَانَ مَكْرُوهًا وَيُكْرَهُ لِمُتَّبِعِي الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْعُدُوا قبل وَضْعِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعُ الْجِنَازَةِ وَالتَّبَعُ لَا يَقْعُدُ قبل قُعُودِ الْأَصْلِ وَلَأَنَّهُمْ إنَّمَا حَضَرُوا تَعْظِيمًا لِلْمَيِّتِ وَلَيْسَ من التَّعْظِيمِ الْجُلُوسُ قبل الْوَضْعِ فَأَمَّا بَعْدَ الْوَضْعِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ أن ‏[‏رضي‏]‏ النبي صلى الله عليه وسلم كان لَا يَجْلِسُ حتى يُوضَعَ الْمَيِّتُ في اللَّحْدِ وكان قَائِمًا مع أَصْحَابِهِ على رَأْسِ قَبْرٍ فقال يَهُودِيٌّ هَكَذَا نَفْعَلُ بِمَوْتَانَا فَجَلَسَ صلى اللَّهُ عليه وسلم وقال لِأَصْحَابِهِ خَالِفُوهُمْ وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْوَضْعِ فَنَقُولُ إنَّهَا تُوضَعُ عَرْضًا لِلْقِبْلَةِ هَكَذَا تَوَارَثَهُ الناس وَالله أعلم‏.‏ثُمَّ إذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ يُصَلَّى عليها‏.‏

فصل َالْكَلَامِ في صَلَاةِ الْجِنَازَةِ

وَالْكَلَامُ في صَلَاةِ الْجِنَازَةِ في مَوَاضِعَ في بَيَانِ أنها فَرِيضَةٌ وفي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ فَرْضِيَّتِهَا وفي بَيَانِ من يصلي عليه وفي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ وفي بَيَانِ ما تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ وما يُفْسِدُهَا وما يُكْرَهُ وفي بَيَانِ من له وِلَايَةُ الصَّلَاةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالدَّلِيلُ على فَرْضِيَّتِهَا ما رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال صَلُّوا على كل بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَرُوِيَ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لِلْمُسْلِمِ على الْمُسْلِمِ سِتُّ حُقُوقٍ وَذَكَرَ من جُمْلَتِهَا أَنَّهُ يصلي على جِنَازَتِهِ وَكَلِمَةُ على لِلْإِيجَابِ وَكَذَا مُوَاظَبَةُ النبي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْأُمَّةِ من لَدُنْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى يَوْمِنَا هذا عليها دَلِيلُ الْفَرْضِيَّةِ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ على فَرْضِيَّتِهَا أَيْضًا إلَّا أنها فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا قام بِهِ الْبَعْضُ يَسْقُطُ عن الْبَاقِينَ لِأَنَّ ما هو الْفَرْضُ وهو قَضَاءُ حَقِّ الْمَيِّتِ يَحْصُلُ بِالْبَعْضِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا على كل وَاحِدٍ من آحَادِ الناس فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْجِهَادِ لَكِنْ لَا يَسَعُ الِاجْتِمَاعُ على تَرْكِهَا كَالْجِهَادِ وَأَمَّا بَيَانُ من يُصَلَّى عليه فَكُلُّ مُسْلِمٍ مَاتَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ يُصَلَّى عليه صَغِيرًا كان أو كَبِيرًا ذَكَرًا كان أو أُنْثَى حُرًّا كان أو عَبْدًا إلَّا الْبُغَاةَ وَقُطَّاعَ الطَّرِيقِ وَمَنْ بِمِثْلِ حَالِهِمْ لِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صَلُّوا على كل بَرٍّ وَفَاجِرٍ» وَقَوْلُهُ‏:‏ «لِلْمُسْلِمِ سِتُّ حُقُوقٍ» وَذَكَرَ من جُمْلَتِهَا أَنْ يُصَلَّى على جِنَازَتِهِ من غَيْرِ فصل إلَّا ما خُصَّ بِدَلِيلٍ وَالْبُغَاةُ وَمَنْ بِمِثْلِ حَالِهِمْ مَخْصُوصُونَ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا يُصَلَّى على من ولد مَيِّتًا وقد ذَكَرْنَاهُ في باب الْغُسْلِ وَإِنْ مَاتَ في حَالِ وِلَادَتِهِ فَإِنْ كان خَرَجَ أَكْثَرُهُ صلى عليه وَإِنْ كان أَقَلَّهُ لم يُصَلَّ عليه اعْتِبَارًا لِلْأَغْلَبِ وَإِنْ كان خَرَجَ نِصْفُهُ لم يذكر في الْكتاب وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هذا على قِيَاسِ ما ذَكَرْنَا من الصَّلَاةِ على نِصْفِ الْمَيِّتِ وَلَا يُصَلَّى على بَعْضِ الْإِنْسَانِ حتى يُوجَدَ الْأَكْثَرُ منه عِنْدَنَا لِأَنَّا لو صَلَّيْنَا على هذا الْبَعْضِ يَلْزَمُنَا الصَّلَاةُ على الْبَاقِي إذَا وَجَدْنَاهُ فَيُؤَدِّي إلَى التَّكْرَارِ وَأَنَّهُ ليس بِمَشْرُوعٍ عِنْدَنَا بِخِلَافِ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ إذَا صلى عليه لم يُصَلَّ على الْبَاقِي إذَا وُجِدَ وقد ذَكَرْنَاهُ في باب الْغُسْلِ وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ في النِّصْفِ الْمَقْطُوعِ‏.‏

وَلَا يُصَلَّى على مَيِّتٍ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لَا جَمَاعَةً وَلَا وُحْدَانًا عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ صَلَّوْا عليها أَجَانِبَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْأَوْلِيَاءِ ثُمَّ حَضَرَ الْوَلِيُّ فَحِينَئِذٍ له أَنْ يُعِيدَهَا وقال الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى يَجُوزُ لِمَنْ لم يُصَلِّ أَنْ يُصَلِّيَ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلي على النَّجَاشِيِّ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كان صلى عليه وَرُوِيَ أَنَّهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم مَرَّ بِقَبْرٍ جَدِيدٍ فَسَأَلَ عنه فَقِيلَ قَبْرُ فُلَانَةَ فقال هَلَّا آذَنْتُمُونِي بِالصَّلَاةِ عليها فَقِيلَ إنَّهَا دُفِنَتْ لَيْلًا فَخَشِينَا عَلَيْكَ هَوَامَّ الْأَرْضِ فقال صلى اللَّهُ عليه وسلم‏:‏ «إذَا مَاتَ إنْسَانٌ فَآذِنُونِي فإن صَلَاتِي عليه رَحْمَةٌ» وَقَامَ وَجَعَلَ الْقَبْرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَصَلَّى عليه وَكَذَا الصَّحَابَةُ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ صَلَّوْا على النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة ‏[‏جماعة‏]‏ بَعْدَ جَمَاعَةٍ وَلِأَنَّهَا دُعَاءٌ وَلَا بَأْسَ بِتَكْرَارِ الدُّعَاءِ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَيِّتِ وَإِنْ قضى فَلِكُلِّ مُسْلِمٍ في الصَّلَاةِ حَقٌّ وَلِأَنَّهُ يُثَابُ بِذَلِكَ وَعَسَى أَنْ يُغْفَرَ له بِبَرَكَةِ هذا الْمَيِّتِ كَرَامَةً له ولم يَقْضِ هذا الْحَقَّ في حَقِّ كل شَخْصٍ فَكَانَ له أَنْ يَقْضِيَ حَقَّهُ وَلَنَا ما رُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جِنَازَةٍ فلما فَرَغَ جاء عُمَرُ وَمَعَهُ قَوْمٌ فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ ثَانِيًا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةُ على الْجِنَازَةِ لَا تُعَادُ وَلَكِنْ اُدْعُ لِلْمَيِّتِ وَاسْتَغْفِرْ له وَهَذَا نَصٌّ في الْباب وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ رضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَاتَتْهُمَا صَلَاةٌ على جِنَازَةٍ فلما حَضَرَا ما زَادَا على الِاسْتِغْفَارِ له وَرُوِيَ عن عبد اللَّهِ بن سَلَامٍ أَنَّهُ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ على جِنَازَةِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه فلما حَضَرَ قال إنْ سَبَقْتُمُونِي بِالصَّلَاةِ عليه فَلَا تَسْبِقُونِي بِالدُّعَاءِ له وَالدَّلِيلُ عليه أَنَّ الْأُمَّةَ تَوَارَثَتْ تَرْكَ الصَّلَاةِ على رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالصَّحَابَةِ رضوان ‏[‏رضي‏]‏ اللَّهُ عليهم ‏[‏عنهم‏]‏ أجمعين وَلَوْ جَازَ لَمَا تَرَكَ مُسْلِمٌ الصَّلَاةَ عليهم خُصُوصًا على رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ في قَبْرِهِ كما وُضِعَ فإن لُحُومَ الْأَنْبِيَاءِ حَرَامٌ على الْأَرْضِ بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ وَتَرْكُهُمْ ذلك إجْمَاعًا منهم دَلِيلٌ على عَدَمِ جَوَازِ التَّكْرَارِ وَلِأَنَّ الْفَرْضَ قد سَقَطَ بِالْفِعْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً لِكَوْنِهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ وَلِهَذَا إنَّ من لم يُصَلِّ لو تَرَكَ الصَّلَاةَ ثَانِيًا لَا يَأْثَمُ وَإِذًا سَقَطَ الْفَرْضُ فَلَوْ صلى ثَانِيًا كان نَفْلًا وَالتَّنَفُّلُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِدَلِيلِ أَنَّ من صلى مَرَّةً لَا يُصَلِّي ثَانِيًا وَهَذَا بِخِلَافِ ما إذَا تَقَدَّمَ غَيْرُ الْوَلِيِّ فصلى لأن لِلْوَلِيِّ أَنْ يُصَلِّيَ عليه لِأَنَّهُ إذَا لم يَجُزْ الْأَوَّلُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَوَّلَ لم يَقَعْ فَرْضًا لِأَنَّ حَقَّ التَّقَدُّمِ كان له فإذا تَقَدَّمَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كان له أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ في التَّقَدُّمِ فَيَقَعُ الْأَوَّلُ فَرْضًا فَهُوَ الْفَرْقُ وَالنبي صلى الله عليه وسلم إنَّمَا أَعَادَ لِأَنَّ وِلَايَةَ الصَّلَاةِ كانت له فإنه كان أَوْلَى الْأَوْلِيَاءِ قال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏النبي صلى الله عليه وسلم أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ من أَنْفُسِهِمْ‏}‏ وَرُوِيَ عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا يُصَلِّي على مَوْتَاكُمْ غَيْرِي ما دُمْتُ بين أَظْهُرِكُمْ فلم يَسْقُطْ الفرض بِأَدَاءِ غَيْرِهِ وَهَذَا هو تَأْوِيلُ فِعْلِ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ فإن الْوَلَايَةَ كانت لِأَبِي بَكْرٍ لِأَنَّهُ هو الْخَلِيفَةُ إلَّا أَنَّهُ كان مَشْغُولًا بِتَسْوِيَةِ الْأُمُورِ وَتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ فَكَانُوا يُصَلُّونَ عليه قبل حُضُورِهِ فلما فَرَغَ صلى عليه ثُمَّ لم يُصَلَّ بَعْدَهُ عليه وَالله أعلم‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ النَّجَاشِيِّ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ دُعَاءٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تُذْكَرُ وَيُرَادُ بها الدُّعَاءُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَصَّهُ بِذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ أن لِكُلِّ وَاحِدٍ من الناس حَقًّا في الصَّلَاةِ عليه قُلْنَا نعم لَكِنْ لَا وَجْهَ لِاسْتِدْرَاكِ ذلك لِسُقُوطِ الْفَرْضِ وَعَدَمِ جَوَازِ التَّنَفُّلِ بها وهو الْجَوَابُ عن قَوْلِهِ أنها دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ مَشْرُوعٌ وَبِالصَّلَاةِ على الْجِنَازَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَعَلَى هذا قال أَصْحَابُنَا لَا يُصَلَّى على مَيِّتٍ غَائِبٍ وقال الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى يُصَلَّى عليه اسْتِدْلَالًا بِصَلَاةِ النبي صلى الله عليه وسلم على النَّجَاشِيِّ وهو غَائِبٌ وَلَا حُجَّةَ له فيه لِمَا بَيَّنَّا على أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الْأَرْضَ طُوِيَتْ له وَلَا يُوجَدُ مِثْلُ ذلك في حَقِّ غَيْرِهِ ثُمَّ ما ذَكَرَهُ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إنْ كان في جَانِبِ الْمَشْرِقِ فَإِنْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ في الصَّلَاةِ عليه كان الْمَيِّتُ خَلْفَهُ وَإِنْ اسْتَقْبَلَ الْمَيِّتَ كان مُصَلِّيًا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ وَكُلُّ ذلك لَا يَجُوزُ وَلَا يُصَلَّى على صَبِيٍّ وهو على الدَّابَّةِ وَعَلَى أَيْدِي الرِّجَالِ حتى يُوضَعَ لِأَنَّ الْمَيِّتَ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ لهم فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا وَهُمْ على الْأَرْضِ وَلَا يُصَلَّى على الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ عِنْدَنَا وقال الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى يُصَلَّى عليهم لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ قال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَائِفَتَانِ من الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا‏}‏ الْآيَةَ فَدَخَلُوا تَحْتَ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم صَلُّوا على كل بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَلَنَا ما رُوِيَ عن عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ لم يُغَسِّلْ أَهْلَ نَهْرَوَانَ ولم يُصَلِّ عليهم فَقِيلَ له أَكُفَّارٌ هُمْ فقال لَا وَلَكِنْ هُمْ إخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا أَشَارَ إلَى تَرْكِ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ عليهم إهَانَةً لهم لِيَكُونَ زَجْرًا لِغَيْرِهِمْ وكان ذلك بِمَحْضَرٍ من الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عنه ‏[‏عنهم‏]‏ ولم يُنْكِرْ عليه أَحَدٌ فَيَكُونُ إجْمَاعًا وهو نَظِيرُ الْمَصْلُوبِ يترك ‏[‏ترك‏]‏ على خَشَبَتِهِ إهَانَةً له وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ كَذَا هذا وإذا ثَبَتَ الْحُكْمُ في الْبُغَاةِ ثَبَتَ في قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُمْ في مَعْنَاهُمْ إذْ هُمْ يَسْعَوْنَ في الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ كَالْبُغَاةِ فَكَانُوا في اسْتِحْقَاقِ الْإِهَانَةِ مِثْلَهُمْ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْبُغَاةَ وَمَنْ بِمِثْلِهِمْ مَخْصُوصُونَ عن الحديث بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَكَذَلِكَ الذي يُقْتَلُ بِالْخَنْقِ كَذَا رُوِيَ عن أبي حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى وقال أبو يُوسُفَ رحمه الله تعالى يصلى عليه وَكَذَلِكَ من يُقْتَلُ على مَتَاعٍ يَأْخُذُهُ والمكابرون ‏[‏والمكاثرون‏]‏ في الْمِصْرِ بِالسِّلَاحِ لِأَنَّهُمْ يَسْعَوْنَ في الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُلْحَقُونَ بِالْبُغَاةِ وَالله أعلم‏.‏