فصل: فصل نِصَابِ الْغَنَمِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***


فصل نِصَابِ الْغَنَمِ

وَأَمَّا نِصَابُ الْغَنَمِ فَلَيْسَ في أَقَلَّ من أَرْبَعِينَ من الْغَنَمِ زَكَاةٌ فإذا كانت أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فإذا كانت مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَفِيهَا شَاتَانِ إلَى مِائَتَيْنِ فإذا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ فإذا كانت أَرْبَعُمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ في كل مِائَةٍ شَاةٌ وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وقال الْحَسَنُ بن حَيٍّ إذَا زَادَتْ على ثَلَاثِمِائَةٍ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ وفي أَرْبَعِمِائَةٍ خَمْسُ شِيَاهٍ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِمَا رُوِيَ في حديث أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي اللَّهُ عنه كَتَبَ له كتاب الصَّدَقَاتِ الذي كَتَبَهُ له رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم‏:‏ «وَفِيهِ وفي أَرْبَعِينَ من الْغَنَمِ شَاةٌ وفي مِائَةٍ وَوَاحِدَةٍ وَعِشْرِينَ شَاتَانِ وفي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ» وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ النُّصُبِ التَّوْقِيفُ دُونَ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ وَالله أعلم‏.‏

هذا الذي ذَكَرْنَا إذَا كانت السَّوَائِمُ لِوَاحِدٍ فَأَمَّا إذَا كانت مُشْتَرَكَةً بين اثْنَيْنِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فيه قال أَصْحَابُنَا أنه يُعْتَبَرُ في حَالِ الشَّرِكَةِ ما يُعْتَبَرُ في حَالِ الإنفراد وهو كَمَالُ النِّصَابِ في حَقِّ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ كان نَصِيبُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَبْلُغُ نِصَابًا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا وقال الشَّافِعِيُّ إذَا كانت أَسْباب الْإِسَامَةِ مُتَّحِدَةً وهو أَنْ يَكُونَ الرَّاعِي وَالْمَرْعَى وَالْمَاءُ وَالْمُرَاحُ وَالْكَلْبُ وَاحِدًا وَالشَّرِيكَانِ من أَهْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمَا يُجْعَلُ مَالُهُمَا كَمَالٍ وَاحِدٍ وَتَجِبُ عَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ وَإِنْ كان كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لو انْفَرَدَ لَا تَجِبُ عليه وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا يُجْمَعُ بين مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بين مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وما كان بين خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ فَقَدْ اعْتَبَرَ النبي صلى الله عليه وسلم الْجَمْعَ وَالتَّفْرِيقَ حَيْثُ نهى عن جَمْعِ الْمُتَفَرِّقِ وَتَفْرِيقِ الْمُجْتَمِعِ وفي اعْتِبَارِ حَالِ الْجَمْعِ بِحَالِ الإنفراد في اشْتِرَاطِ النِّصَابِ في حَقِّ كل وَاحِدٍ من الشَّرِيكَيْنِ إبْطَالُ مَعْنَى الْجَمْعِ وَتَفْرِيقِ الْمُجْتَمَعِ‏.‏

وَلَنَا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال ليس في سَائِمَةِ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ إذَا كانت أَقَلَّ من أَرْبَعِينَ صَدَقَةٌ نَفَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ في أَقَلَّ من أَرْبَعِينَ مُطْلَقًا عن حَالِ الشَّرِكَةِ وَالِانْفِرَادِ فَدَلَّ أَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ في حَقِّ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرْطُ الْوُجُوبِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يُجْمَعُ بين مُتَفَرِّقٍ‏.‏

وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْمُرَادَ منه التَّفَرُّقُ في الْمِلْكِ لَا في الْمَكَانِ لِإِجْمَاعِنَا على أَنَّ النِّصَابَ الْوَاحِدَ إذَا كان في مَكَانَيْنِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فيه فَكَانَ الْمُرَادُ منه التَّفَرُّقُ في الْمِلْكِ وَمَعْنَاهُ إذَا كان الْمِلْكُ مُتَفَرِّقًا لَا يُجْمَعُ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لِوَاحِدٍ لِأَجْلِ الصَّدَقَةِ كَخَمْسٍ من الْإِبِلِ بين اثْنَيْنِ أو ثَلَاثِينَ من الْبَقَرِ أو أَرْبَعِينَ من الْغَنَمِ حَالَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ وَأَرَادَ الْمُصْدِقُ أَنْ يَأْخُذَ منها الصَّدَقَةَ وَيَجْمَعَ بين الْمِلْكَيْنِ وَيَجْعَلَهُمَا كَمِلْكٍ وَاحِدٍ ليس له ذلك وَكَثَمَانِينَ من الْغَنَمِ بين اثْنَيْنِ حَالَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ أَنَّهُ يَجِبُ فيها شَاتَانِ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ وَلَوْ أَرَادَا أَنْ يَجْمَعَا بين الْمِلْكَيْنِ فَيَجْعَلَاهُمَا مِلْكًا وَاحِدًا خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ فَيُعْطِيَا الْمُصْدِقَ شَاةً وَاحِدَةً ليس لَهُمَا ذلك لِتَفَرُّقِ مِلْكَيْهِمَا فَلَا يَمْلِكَانِ الْجَمْعَ لِأَجْلِ الزَّكَاةِ‏.‏

وَقَوْلُهُ وَلَا يُفَرَّقُ بين مُجْتَمِعٍ أَيْ في الْمِلْكِ كَرَجُلٍ له ثَمَانُونَ من الْغَنَمِ في مَرْعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ إنه يَجِبُ عليه شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ أَرَادَ الْمُصْدِقُ أَنْ يُفَرِّقَ الْمُجْتَمِعَ فَيَجْعَلَهَا كَأَنَّهَا لِرَجُلَيْنِ فَيَأْخُذَ منها شَاتَيْنِ ليس له ذلك لِأَنَّ الْمِلْكَ مُجْتَمِعٌ فَلَا يَمْلِكُ تَفْرِيقَهُ وَكَذَا لو كان له أَرْبَعُونَ من الْغَنَمِ في مَرْعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ تَجِبُ عليه الزَّكَاةُ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُجْتَمِعٌ فَلَا يُجْعَلُ كَالْمُتَفَرِّقِينَ في الْمِلْكِ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ أو يَحْتَمِلُ ما قُلْنَا فَيُحْمَلُ عليه عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَبَيَانُ هذه الْجُمْلَةِ إذَا كان خَمْسٌ من الْإِبِلِ بين اثْنَيْنِ حَالَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ فيها على أَحَدِهِمَا عِنْدَنَا لِأَنَّ نِصَابَهُ نَاقِصٌ وَعِنْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا شَاةٌ وَلَوْ كان الْإِبِلُ عَشْرًا فَعَلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ بِلَا خِلَافٍ لِكَمَالِ نِصَابِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكَذَا لو كانت خَمْسَةَ عَشَرَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَلَوْ كانت عِشْرِينَ فَعَلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاتَانِ لِأَنَّ نِصَابَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلٌ وَلَوْ كانت خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَوْ كان النِّصَابُ ثَلَاثِينَ من الْبَقَرِ فَلَا زَكَاةَ فيه عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَجِبُ فيها تَبِيعٌ عَلَيْهِمَا وَلَوْ كانت سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَبِيعٌ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ أَرْبَعُونَ من الْغَنَمِ بين اثْنَيْنِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ شَاةٌ وَاحِدَةٌ عَلَيْهِمَا وَلَوْ كانت ثَمَانِينَ فَعَلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ عَلَيْهِمَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ كان بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ شَاةٌ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ تَمَامُ ثَمَانِينَ وَذَلِكَ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ شَاةً ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الْكَرْخِيِّ أَنَّ على قَوْلِ أبي يُوسُفَ عليه الزَّكَاةُ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ لَا زَكَاةَ عليه‏.‏

وَذَكَرَ الْقَاضِي في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ على قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا زَكَاةَ عليه بِخِلَافِ ما إذَا كان الثَّمَانُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وفي قَوْلِ أبي يُوسُفَ عليه الزَّكَاةُ كما إذَا كان الثَّمَانُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَجْهُ قَوْلِ من قال بِالْوُجُوبِ إن الزَّكَاةَ تَجِبُ عِنْدَ كَمَالِ النِّصَابِ وفي مِلْكِهِ نِصَابٌ كَامِلٌ فَتَجِبُ فيه الزَّكَاةُ كما لو كانت مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَجْهُ قَوْلِ من قال لَا يَجِبُ إنه لو قَسَمَ لَا يُصِيبُهُ نِصَابٌ كَامِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ من شَاةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا نِصْفَهَا فَلَا يَكْمُلُ النِّصَابُ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَكَذَلِكَ سِتُّونَ من الْبَقَرِ أو عَشْرٌ من الْإِبِلِ إذَا كانت مُشْتَرَكَةً على الْوَجْهِ الذي وَصَفْنَا فَهُوَ على ما ذَكَرْنَا من الِاخْتِلَافِ وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْتَهُ في السَّوَائِمِ الْمُشْتَرَكَةِ فَهُوَ الْجَوَابُ في الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ وقد ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ وَكَذَلِكَ الزُّرُوعُ وَهَذَا مَحْمُولٌ على مَذْهَبِ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ النِّصَابَ عِنْدَهُمَا شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَأَمَّا على مَذْهَبِ أبي حَنِيفَةَ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ النِّصَابَ ليس بِشَرْطٍ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ بَلْ يَجِبُ في الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْمُصْدِقُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ على الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا فإنه يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ منه إذَا وَجَدَ فيه وَاجِبًا على الِاخْتِلَافِ وَلَا يَنْتَظِرُ الْقِسْمَةَ لِأَنَّ اشْتِرَاكَهُمَا على عِلْمِهِمَا يُوجِبُ الزَّكَاةَ في الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وأن الْمُصْدِقَ لَا يَتَمَيَّزُ له الْمَالُ فَيَكُونُ إذْنٌ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَخْذِ الزَّكَاةِ من مَالِهِ دَلَالَةً ثُمَّ إذَا أَخَذَ يُنْظَرُ إنْ كان الْمَأْخُوذُ حِصَّةَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا غير بِأَنْ كان الْمَالُ بَيْنَهُمَا على السَّوِيَّةِ فَلَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ ذلك الْقَدْرَ كان وَاجِبًا على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَإِنْ كانت الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا على التَّفَاوُتِ فَأَخَذَ من أَحَدِهِمَا زِيَادَةً لِأَجْلِ صَاحِبِهِ فإنه يَرْجِعُ على صَاحِبِهِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ‏.‏

وَبَيَانُ ذلك إذَا كان ثَمَانُونَ من الْغَنَمِ بين رَجُلَيْنِ فَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ منها شَاتَيْنِ فَلَا تَرَاجُعَ هَهُنَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وهو شَاةٌ فلم يَأْخُذْ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا قَدْرَ الْوَاجِبِ عليه فَلَيْسَ له أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ وَلَوْ كانت الثَّمَانُونَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا يَجِبُ فيها شَاةٌ وَاحِدَةٌ على صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ لِكَمَالِ نِصَابِهِ وَزِيَادَةٌ وَلَا شَيْءَ على صَاحِبِ الثُّلُثِ لِنُقْصَانِ نِصَابِهِ فإذا حَضَرَ الْمُصَدِّقُ وَأَخَذَ من عَرَضِهَا شَاةً وَاحِدَةً يَرْجِعُ صَاحِبُ الثُّلُثِ على صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ بِثُلُثِ قِيمَةِ الشَّاةِ لِأَنَّ كُلَّ شَاةٍ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَكَانَتْ الشَّاةُ الْمَأْخُوذَةُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَقَدْ أَخَذَ الْمُصْدِقُ من نَصِيبِ صَاحِبِ الثُّلُثِ شَاةٍ لِأَجْلِ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ فَكَانَ له أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الثُّلُثِ وَكَذَلِكَ إذَا كان مِائَةٌ وَعِشْرُونَ من الْغَنَمِ بين رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا وَوَجَبَ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ فَجَاءَ الْمُصْدِقُ وَأَخَذَ من عَرَضِهَا شَاتَيْنِ كان لِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ على صَاحِبِ الثُّلُثِ بِقِيمَةِ ثُلُثِ شَاةٍ لِأَنَّ كُلَّ شَاةٍ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهَا لِصَاحِبِ الثَّمَانِينَ وَالثُّلُثُ لِصَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ فَكَانَتْ الشَّاتَانِ الْمَأْخُوذَتَانِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِصَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ شَاةٌ وَثُلُثُ شَاةٍ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثَا شَاةٍ وَالْوَاجِبُ عليه شَاةٌ كَامِلَةٌ فَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ من نَصِيبِ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ شَاةً وَثُلُثَ شَاةٍ من ‏[‏ومن‏]‏ نَصِيبِ صَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثَيْ شَاةٍ فَقَدْ صَارَ آخِذًا من نَصِيبِ صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ ثُلُثَ شَاةٍ لِأَجْلِ زَكَاةِ صَاحِبِ الثُّلُثِ فَيَرْجِعُ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ على صَاحِبِ الثُّلُثِ بِقِيمَةِ ثُلُثِ شَاةٍ وَهَذَا وَالله أعلم‏.‏ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وما كان بين الْخَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ‏.‏

فصل صِفَةِ نِصَابِ السَّائِمَةِ

وَأَمَّا صِفَةُ نِصَابِ السَّائِمَةِ فَلَهُ صِفَاتٌ منها أَنْ يَكُونَ مُعَدًّا لِلْإِسَامَةِ وهو أَنْ يُسِيمَهَا لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَالَ الزَّكَاةِ هو الْمَالُ النَّامِي وهو الْمُعَدُّ لِلِاسْتِنْمَاءِ وَالنَّمَاءُ في الْحَيَوَانِ بِالْإِسَامَةِ إذْ بها يَحْصُلُ النَّسْلُ فَيَزْدَادُ الْمَالُ فَإِنْ أُسِيمَتْ لِلْحَمْلِ أو الرُّكُوبِ أو اللَّحْمِ فَلَا زَكَاةَ فيها وَلَوْ أُسِيمَتْ لِلْبَيْعِ وَالتِّجَارَةِ فَفِيهَا زَكَاةُ مَالِ التِّجَارَةِ لَا زَكَاةُ السَّائِمَةِ ثُمَّ السَّائِمَةُ هِيَ الرَّاعِيَةُ التي تَكْتَفِي بِالرَّعْيِ عن الْعَلَفِ وَيُمَوِّنُهَا ذلك وَلَا تَحْتَاجُ إلَى أَنْ تُعْلَفَ فَإِنْ كانت تُسَامُ في بَعْضِ السَّنَةِ وَتُعْلَفُ وَتُمَانُ في الْبَعْضِ يُعْتَبَرُ فيه الْغَالِبُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يَمْنَعُونَ من إطْلَاقِ اسْمِ السَّائِمَةِ على ما تُعْلَفُ زَمَانًا قَلِيلًا من السَّنَةِ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فيها لِحُصُولِ مَعْنَى النَّمَاءِ وَقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ لِأَنَّ عِنْدَ ذلك يَتَيَسَّرُ الْأَدَاءُ فَيَحْصُلُ الْأَدَاءُ عن طِيبِ نَفْسٍ وَهَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ إذَا أُسْيِمَتْ في أَكْثَرِ السَّنَةِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْجِنْسُ فيه وَاحِدًا من الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ سَوَاءٌ اتَّفَقَ النَّوْعُ وَالصِّفَةُ أو اخْتَلَفَا فَتَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَ كَمَالِ النِّصَابِ من كل جِنْسٍ من السَّوَائِمِ وَسَوَاءٌ كانت كُلُّهَا ذُكُورًا أو إنَاثًا أو مُخْتَلِطَةً وَسَوَاءٌ كانت من نَوْعٍ وَاحِدٍ أو أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالْعِرَابِ والبخاتي في الْإِبِلِ وَالْجَوَامِيسِ في الْبَقَرِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ في الْغَنَمِ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِنِصَابِهَا بِاسْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَاسْمُ الْجِنْسِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَنْوَاعَ بِأَيِّ صِفَةٍ كانت كَاسْمِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِ ذلك وَسَوَاءٌ كان مُتَوَلِّدًا من الْأَهْلِيِّ أو من أَهْلِيٍّ وَوَحْشِيٍّ بَعْدَ أَنْ كان الْأُمُّ أَهْلِيًّا كَالْمُتَوَلِّدِ من الشَّاةِ وَالظَّبْيِ إذَا كان أُمُّهُ شَاةً وَالْمُتَوَلِّدُ من الْبَقَرِ الْأَهْلِيِّ وَالْوَحْشِيِّ إذَا كان أُمُّهُ أَهْلِيَّةً فَتَجِب فيه الزَّكَاةُ وَيَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا زَكَاةَ فيه‏.‏

وَجْهُ قَوْلِهِ إن الشَّرْعَ وَرَدَ بِاسْمِ الشَّاةِ بِقَوْلِهِ في أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ وَهَذَا وَإِنْ كان شَاةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمِّ فَلَيْسَ بِشَاةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَحْلِ فَلَا يَكُونُ شَاةً على الْإِطْلَاقِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ وَلَنَا أَنَّ جَانِبَ الْأُمِّ رَاجِحٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ في الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَلِمَا نَذْكُرُ في كتاب الْعَتَاقِ إن شاء الله تعالى‏.‏ وَمِنْهَا السِّنُّ وهو أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا مَسَانَّ أو بَعْضُهَا فَإِنْ كان كُلُّهَا صِغَارًا فصلانًا أو حُمْلَانًا أو عَجَاجِيلَ فَلَا زَكَاةَ فيها وَهَذَا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وكان أبو حَنِيفَةَ يقول أَوَّلًا يَجِبُ فيها ما يَجِبُ في الْكِبَارِ وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ وَمَالِكٌ ثُمَّ رَجَعَ وقال يَجِبُ فيها وَاحِدَةٌ منها وَبِهِ أَخَذَ أبو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ ثُمَّ رَجَعَ وقال لَا يَجِبُ فيها شَيْءٌ وَاسْتَقَرَّ عليه وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عن أبي يُوسُفَ في زَكَاةِ الْفصلانِ في رِوَايَةٍ قال لَا زَكَاةَ فيها حتى تَبْلُغَ عَدَدًا لو كانت كِبَارًا تَجِبُ فيها وَاحِدَةٌ منها وهو خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ‏.‏

وفي رواية‏:‏ قال في الْخَمْسِ خُمُسُ فَصِيلٍ وفي الْعَشْرِ خمسا ‏[‏خمس‏]‏ فَصِيلٍ وفي خَمْسَةَ عَشْرَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ فَصِيلٍ وفي عِشْرِينَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ فَصِيلٍ وفي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةٌ منها وفي رواية‏:‏ قال في الْخَمْسِ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ شَاةٍ وَسَطٍ وَإِلَى قِيمَةِ خُمُسِ فَصِيلٍ فَيَجِبُ أَقَلُّهُمَا وفي الْعَشْرِ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ شَاتَيْنِ وَإِلَى قمية ‏[‏قيمة‏]‏ خُمُسَيْ فَصِيلٍ فَيَجِبُ أَقَلُّهُمَا وفي خَمْسَةِ عَشْرَ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ ثَلَاثِ شِيَاهٍ وَإِلَى قِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ فَصِيلٍ فَيَجِبُ أَقَلُّهُمَا وفي عِشْرِينَ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ أَرْبَعَةِ شِيَاهٍ وَإِلَى قِيمَةِ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ فَصِيلٍ فَيَجِبُ أَقَلُّهُمَا وفي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ يَجِبُ وَاحِدَةٌ منها وَعَلَى رِوَايَاتِهِ كُلِّهَا قال لَا تَجِبُ في الزِّيَادَةِ على خَمْسٍ وَعِشْرِينَ شَيْءٌ حتى تَبْلُغَ الْعَدَدَ الذي لو كانت كِبَارًا يَجِبُ فيها اثْنَانِ وهو سِتَّةٌ وَسَبْعُونَ ثُمَّ لَا يَجِبُ فيها شَيْءٌ حتى تَبْلُغَ الْعَدَدَ الذي لوكانت كِبَارًا يَجِبُ فيها ثَلَاثَةٌ وهو مائة ‏[‏خمسة‏]‏ وخمسة وَأَرْبَعُونَ‏.‏

وَاحْتَجَّ زُفَرُ بِعُمُومِ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم في خَمْسٍ وَعِشْرِينَ من الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَقَوْلِهِ في ثَلَاثِينَ من الْبَقَرِ تَبِيعٌ أو تَبِيعَةٌ من غَيْرِ فصل بين الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَبِهِ تَبَيَّنَ إن الْمُرَادَ من الْوَاجِبِ في قَوْلِهِ في خَمْسٍ من الْإِبِلِ شَاةٌ وفي قَوْلِهِ في أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ هو الْكَبِيرَةُ لَا الصَّغِيرَةُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا بُدَّ من الْإِيجَابِ في الصِّغَارِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في خَمْسٍ من الْإِبِلِ شَاةٌ وفي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ لَكِنْ لَا سَبِيلَ إلَى إيجَابِ الْمُسِنَّةِ لِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم لِلسُّعَاةِ إيَّاكُمْ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِ الناس‏.‏

وَقَوْلُهُ لَا تَأْخُذُوا من حرزات ‏[‏حزرات‏]‏ الْأَمْوَالِ وَلَكِنْ خُذُوا من حَوَاشِيهَا وَأَخْذُ الْكِبَارِ من الصِّغَارِ أَخْذٌ من كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ وحرزاتها ‏[‏وحزراتها‏]‏ وأنه مَنْهِيٌّ وَلِأَنَّ مَبْنَى الزَّكَاةِ على النَّظَرِ من الْجَانِبَيْنِ جَانِبِ الْمُلَّاكِ وَجَانِبِ الْفُقَرَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاجِبَ هو الْوَسَطُ وما كان ذلك إلَّا مُرَاعَاتِهِ الْجَانِبَيْنِ وفي إيجَابِ الْمُسِنَّةِ اضرار بِالْمُلَّاكِ لِأَنَّ قِيمَتَهَا قد تَزِيدُ على قِيمَةِ النِّصَابِ وَفِيهِ إجْحَافٌ بِأَرْباب الْأَمْوَالِ وفي نَفْيِ الْوُجُوبِ رَأْسًا إضْرَارٌ بِالْفُقَرَاءِ فَكَانَ الْعَدْلُ في إيجَابِ وَاحِدَةٍ منها‏.‏ وقد رُوِيَ عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال لو مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ وَالْعَنَاقُ هِيَ الْأُنْثَى الصَّغِيرَةُ من أَوْلَادِ الْمَعْزِ فَدَلَّ أَنَّ أَخْذَ الصِّغَارِ زَكَاةً كان أَمْرًا ظَاهِرًا في زَمَنِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ تَنْصِيبَ النِّصَابِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالنَّصِّ وَالنَّصُّ إنَّمَا وَرَدَ بِاسْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَهَذِهِ الْأَسَامِي لَا تَتَنَاوَلُ الْفصلانَ وَالْحُمْلَانَ وَالْعَجَاجِيلَ فلم يَثْبُتْ كَوْنُهَا نِصَابًا وَعَنْ أُبَيِّ بن كَعْبٍ أَنَّهُ قال وكان مُصَدِّقُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم في عَهْدِي أَنْ لَا آخُذَ من رَاضِعِ اللَّبَنِ شيئا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه لو مَنَعُونِي عِنَاقًا فَقَدْ رُوِيَ عنه أَنَّهُ قال لو مَنَعُونِي عِقَالًا وهو صَدَقَةُ عَامٍ أو الْحَبْلُ الذي يُعْقَلُ بِهِ الصَّدَقَةُ فَتَعَارَضَتْ الرِّوَايَةُ فيه فلم يَكُنْ حُجَّةً وَلَئِنْ ثَبَتَ فَهُوَ كَلَامُ تَمْثِيلٍ لَا تَحْقِيقٍ أَيْ لو وَجَبَتْ هذه وَمَنَعُوهَا لَقَاتَلْتُهُمْ وَأَمَّا صُورَةُ هذه الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ تَكَلَّمَ الْمَشَايِخُ فيها لِأَنَّهَا مُشْكِلَةٌ إذْ الزَّكَاةُ لَا تَجِبُ قبل تَمَامِ الْحَوْلِ وَبَعْدَ تَمَامِهِ لَا يَبْقَى اسْمُ الْفَصِيلِ وَالْحَمَلِ وَالْعُجُولِ بَلْ تَصِيرُ مُسِنَّةً‏.‏

قال بَعْضُهُمْ الْخِلَافُ في أَنَّ الْحَوْلَ هل يَنْعَقِدُ عليها وَهِيَ صغار ‏[‏صغارا‏]‏ أو ‏[‏ويعتبر‏]‏ يعتبر انْعِقَادُ الْحَوْلِ عليها إذَا كَبِرَتْ وَزَالَتْ صِفَةُ الصِّغَرِ عنها وقال بَعْضُهُمْ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كان له نِصَابٌ من النُّوقِ فَمَضَى عليها سِتَّةُ أَشْهُرٍ أو أَكْثَرُ فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ وَتَمَّ الْحَوْلُ على الْأَوْلَادِ وَهِيَ صِغَارٌ هل تَجِبُ الزَّكَاةُ في الْأَوْلَادِ أَمْ لَا وَعَلَى هذا الإختلاف إذَا كان له مُسِنَّاتٌ فَاسْتَفَادَ في خِلَالِ الْحَوْلِ صِغَارًا ثُمَّ هَلَكَتْ الْمُسِنَّاتُ وَبَقِيَ الْمُسْتَفَادُ أَنَّهُ هل تَجِبُ الزَّكَاةُ في الْمُسْتَفَادِ فَهُوَ على ما ذَكَرْنَا وَإِلَى هذا أَشَارَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الْكتاب فِيمَنْ كان له أَرْبَعُونَ حَمَلًا وَوَاحِدَةٌ مُسِنَّةً فَهَلَكَتْ الْمُسِنَّةُ وَتَمَّ الْحَوْلُ على الْحُمْلَانِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ تَجِبُ وَاحِدَةٌ منها وَعِنْدَ زُفَرَ تَجِبُ مُسِنَّةٌ‏.‏

هذا إذَا كان الْكُلُّ صِغَارًا فَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَتْ الصِّغَارُ وَالْكِبَارُ وكان وَاحِدٌ منها ‏[‏منهما‏]‏ كَبِيرًا فإن الصِّغَارَ تُعَدُّ وَيَجِبُ فيها ما يَجِبُ في الْكِبَارِ وهو الْمُسِنَّةُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال تعد ‏[‏وتعد‏]‏ صِغَارُهَا وَكِبَارُهَا وَرُوِيَ أَنَّ الناس شَكَوْا إلَى عُمَرَ عَامِلَهُ وَقَالُوا إنَّهُ يَعُدُّ عَلَيْنَا السَّخْلَةَ وَلَا يَأْخُذُهَا مِنَّا فقال عُمَرُ أَلَيْسَ يَتْرُكُ لَكُمْ الرُّبَّى وَالْمَاخِضَ وَالْأَكِيلَةَ وَفَحْلَ الْغَنَمِ ثُمَّ قال عُدَّهَا وَلَوْ رَاحَ بها الرَّاعِي على كَفِّهِ وَلَا تَأْخُذْهَا منهم وَلِأَنَّهَا إذَا كانت مُخْتَلِطَةً بِالْكِبَارِ أو كان فيها كَبِيرٌ دَخَلَتْ تَحْتَ اسْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَتَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِ النُّصُوصِ فَيَجِبُ فيها ما يَجِبُ في الْكِبَارِ وَلِأَنَّهُ إذَا كان فيها مُسِنَّةٌ كانت تَبَعًا لِلْمُسِنَّةِ فَيُعْتَبَرُ الْأَصْلُ دُونَ التَّبَعِ فَإِنْ كان وَاحِدٌ منها مُسِنَّةً فَهَلَكَتْ الْمُسِنَّةُ بَعْدَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ تَجِبُ في الصِّغَارِ زكاتها ‏[‏وزكاتها‏]‏ بِقَدْرِهَا حتى لو كانت حُمْلَانًا يَجِبُ عليه تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ جزأ من أَرْبَعِينَ جزأ من الْحَمَلِ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ في الصِّغَارِ لِأَجْلِ الْكِبَارِ تَبَعًا لها فَكَانَتْ أَصْلًا في الزَّكَاةِ فَهَلَاكُهَا كَهَلَاكِ الْجَمِيعِ وَعِنْدَهُ الصِّغَارُ أَصْلٌ في النِّصَابِ وَالْوَاجِبُ وَاحِدٌ منها وَإِنَّمَا الْفصل على الْحَمَلِ الْوَاحِدِ بِاعْتِبَارِ الْمُسِنَّةِ فَهَلَاكُهَا يُسْقِطُ الْفصل لَا أَصْلَ الْوَاجِبِ‏.‏

وَلَوْ هَلَكَتْ الْحُمْلَانُ وَبَقِيَتْ الْمُسِنَّةُ يُؤْخَذُ قِسْطُهَا من الزَّكَاةِ وَذَلِكَ جزأ من أَرْبَعِينَ جُزْءًا من الْمُسِنَّةِ لِأَنَّ الْمُسِنَّةَ كانت سَبَبَ زَكَاةِ نَفْسِهَا وَزَكَاةُ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ سِوَاهَا لِأَنَّ كُلَّ الْفَرِيضَةِ كانت فيها لَكِنْ أَعْطَى الصِّغَارَ حُكْمَ الْكِبَارِ تَبَعًا لها فَصَارَتْ الصِّغَارُ كَأَنَّهَا كِبَارٌ فإذا هَلَكَتْ الْحُمْلَانُ هَلَكَتْ بِقِسْطِهَا من الْفَرِيضَةِ وَبَقِيَتْ الْمُسِنَّةُ بِقِسْطِهَا من الْفَرِيضَةِ وهو ما ذَكَرْنَا‏.‏ ثُمَّ الْأَصْلُ حَالُ اخْتِلَاطِ الصِّغَارِ بِالْكِبَارِ أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ في الصِّغَارِ تَبَعًا لِلْكِبَارِ إذَا كان الْعَدَدُ الْوَاجِبُ في الْكِبَارِ مَوْجُودًا في الصِّغَارِ في قَوْلِهِمْ جميعا فإذا لم يَكُنْ عَدَدُ الْوَاجِبِ في الْكِبَارِ كُلُّهُ مَوْجُودًا في الصِّغَارِ فَإِنَّهَا تَجِبُ بِقَدْرِ الْمَوْجُودِ على أَصْلِ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ بَيَانُ ذلك إذَا كان له مُسِنَّتَانِ وَمِائَةٌ وَتِسْعَةَ عَشْرَ حَمَلًا يَجِبُ فيها مُسِنَّتَانِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ عَدَدَ الْوَاجِبِ مَوْجُودٌ فيه وَإِنْ كان له مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ حَمَلًا أُخِذَتْ تِلْكَ الْمُسِنَّةُ لَا غير في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ تُؤْخَذُ الْمُسِنَّةُ وَحَمَلٌ‏.‏ وَكَذَلِكَ سِتُّونَ من الْعَجَاجِيلُ فيها تَبِيعٌ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يُؤْخَذُ التَّبِيعُ لَا غير وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ يُؤْخَذُ التَّبِيعُ وَعُجُولٌ وَكَذَلِكَ سِتَّةٌ وَسَبْعُونَ من الْفصلانِ فيها بِنْتُ لَبُونٍ إنها تُؤْخَذُ فَحَسْبُ في قَوْلِهِمَا وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ تُؤْخَذُ بِنْتُ لَبُونٍ وَفَصِيلٌ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّغَارِ أَصْلًا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَتَعَلَّقُ بها وَالله أعلم‏.‏

فصل مِقْدَارِ الْوَاجِبِ في السَّوَائِمِ

وَأَمَّا مِقْدَارُ الْوَاجِبِ في السَّوَائِمِ فَقَدْ ذكرناه ‏[‏ذكرنا‏]‏ في بَيَانِ مِقْدَارِ نِصَابِ السَّوَائِمِ من الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وهو الْأَسْنَانُ الْمَعْرُوفَةُ من بِنْتِ الْمَخَاضِ وَبِنْتِ اللَّبُونِ وَالْحِقَّةُ وَالْجَذَعَةُ وَالتَّبِيعُ وَالْمُسِنَّةُ وَالشَّاةُ وَلَا بُدَّ من مَعْرِفَةِ مَعَانِي هذه الْأَسْمَاءِ فَبِنْتُ الْمَخَاضِ هِيَ التي تَمَّتْ لها سَنَةٌ وَدَخَلَتْ في الثَّانِيَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهَا صَارَتْ حَامِلًا بِوَلَدٍ آخَرَ بَعْدَهَا وَالْمَاخِضُ اسْمٌ لِلْحَامِلِ من النُّوقِ وَبِنْتُ اللَّبُونِ هِيَ التي تَمَّتْ لها سَنَتَانِ وَدَخَلَتْ في الثَّالِثَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهَا حَمَلَتْ بَعْدَهَا وَوَلَدَتْ فَصَارَتْ ذَاتِ لَبَنٍ وَاللَّبُونُ هِيَ ذَاتُ اللَّبَنِ وَالْحِقَّةُ هِيَ التي تَمَّتْ لها ثَلَاثُ سِنِينَ وَطَعَنَتْ في الرَّابِعَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ إمَّا لِاسْتِحْقَاقِهَا الْحَمْلَ وَالرُّكُوبَ أو لِاسْتِحْقَاقِهَا الضِّرَابَ وَالْجَذَعَةُ هِيَ التي تَمَّتْ لها أَرْبَعُ سِنِينَ وَطَعَنَتْ في الْخَامِسَةِ وَلَا اشْتِقَاقَ لِاسْمِهَا‏.‏

وَالذُّكُورُ منها ابن مَخَاضٍ وابن لون ‏[‏لبون‏]‏ وَحِقٌّ وَجَذَعٌ وَوَرَاءَ هذه أَسْنَانٌ من الْإِبِلِ من الثَّنِيِّ وَالسَّدِيسِ وَالْبَازِلِ لَكِنْ لَا مَدْخَلَ لها في باب الزَّكَاةِ فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ مَعَانِيهَا في كُتُبِ الْفِقْهِ وَالتَّبِيعُ الذي تَمَّ له حَوْلٌ وَدَخَلَ في الثَّانِي وَالْأُنْثَى منه التَّبِيعَةُ وَالْمُسِنَّةُ التي تَمَّتْ لها سَنَتَانِ وَطَعَنَتْ في الثَّالِثَةِ وَالذَّكَرُ منه الْمُسِنُّ وَأَمَّا الشَّاةُ فَذُكِرَ في الْأَصْلِ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا الثَّنِيَّ فَصَاعِدًا وَالثَّنِيُّ من الشَّاةِ هِيَ التي دَخَلَتْ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ الجزع ‏[‏الجذع‏]‏ من الضَّأْنِ وَالثَّنِيُّ من الْمَعْزِ وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وما ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ أَخْذُ الْجَذَعِ من الضَّأْنِ وَالثَّنِيِّ من الْمَعْزِ لِأَنَّهُ قال وَلَا يُؤْخَذُ في الصَّدَقَةِ إلَّا ما يَجُوزُ في الْأُضْحِيَّةِ وَالْجَذَعُ من الضَّأْنِ يَجُوزُ في الْأُضْحِيَّةِ وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْحَسَنِ وَالْجَذَعُ من الْغَنَمِ الذي أتى عليه سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَقِيلَ الذي أتى عليه أَكْثَرُ السَّنَةِ وَلَا خِلَافَ في أَنَّهُ لَا يَجُوزُ من الْمَعْزِ إلَّا الثَّنِيُّ‏.‏

وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ ما رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال إنَّمَا حَقُّنَا في الْجَذَعَةِ وَالثَّنِيَّةِ وَلِأَنَّ الْجَذَعَ يَجُوزُ في الْأَضَاحِيِّ فَلَأَنْ يَجُوزَ في الزَّكَاةِ أَوْلَى لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ أَكْثَرُ شُرُوطًا من الزَّكَاةِ فَالْجَوَازُ هُنَاكَ يَدُلُّ على الْجَوَازِ هَهُنَا من طَرِيقِ الْأَوْلَى وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ما رُوِيَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال لَا يجزىء في الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ من الْمَعْزِ فَصَاعِدًا ولم يُرْوَ عن غَيْرِهِ من الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ فَيَكُونُ إجْمَاعًا من الصَّحَابَةِ مع ما أَنَّ هذا باب لَا يُدْرَكُ بِالِاجْتِهَادِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قال ذلك سَمَاعًا من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَالله أعلم‏.‏

فصل صِفَةِ الْوَاجِبِ في السَّوَائِمِ

وَأَمَّا صِفَةُ الْوَاجِبِ في السَّوَائِمِ فَالْوَاجِبُ فيها صِفَاتٌ لَا بُدَّ من مَعْرِفَتِهَا منها الْأُنُوثَةُ في الْوَاجِبِ في الْإِبِلِ من جِنْسِهَا من بِنْتِ الْمَخَاضِ وَبِنْتِ اللَّبُونِ وَالْحِقَّةِ وَالْجَذَعَةِ وَلَا يَجُوزُ الذُّكُورُ منها وهو ابن الْمَخَاضِ وابن اللَّبُونِ وَالْحِقُّ وَالْجَذَعُ إلَّا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فيها إنَّمَا عُرِفَ بِالنَّصِّ وَالنَّصُّ وَرَدَ فيها بِالْإِنَاثِ فَلَا يَجُوزُ الذُّكُورُ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ لِأَنَّ دَفْعَ الْقِيَمِ في باب الزَّكَاةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا‏.‏ وَأَمَّا في الْبَقَرِ فَيَجُوزُ فيها الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى لِوُرُودِ النَّصِّ بِذَلِكَ وهو قَوْلُ النبي صلى الله عليه وسلم وفي ثَلَاثِينَ من الْبَقَرِ تَبِيعٌ أو تَبِيعَةٌ وَكَذَا في الْإِبِلِ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِاسْمِ الشَّاةِ وَإِنَّهَا تَقَعُ على الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَكَذَا في الْغَنَمِ عِنْدَنَا يَجُوزُ في زَكَاتِهَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وقال الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الذَّكَرُ إلَّا إذَا كانت كُلُّهَا ذُكُورًا وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ فيها بِاسْمِ الشَّاةِ قال النبي صلى الله عليه وسلم في أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ وَاسْمُ الشَّاةِ يَقَعُ على الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى في اللُّغَةِ‏.‏

وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ وَسَطًا فَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ الْجَيِّدَ وَلَا الرَّدِيءَ إلَّا من طَرِيقِ التَّقْوِيمِ بِرِضَا صَاحِبِ الْمَالِ لِمَا رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال لِلسُّعَاةِ إيَّاكُمْ وحرزات ‏[‏وحزرات‏]‏ أَمْوَالِ الناس وَخُذُوا من أَوْسَاطِهَا وَرُوِيَ أَنَّهُ قال لِلسَّاعِي إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِ الناس وَخُذْ من حَوَاشِيهَا وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا ليس بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ وفي الْخَبَرِ الْمَعْرُوفِ إنه رَأَى في إبِلِ الصَّدَقَةِ نَاقَةً كَوْمَاءَ فَغَضِبَ على السَّاعِي وقال أَلَمْ أَنْهَكُمْ عن أَخْذِ كَرَائِمِ أَمْوَالِ الناس حتى قال السَّاعِي أَخَذْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ يا رَسُولَ اللَّهِ وَلِأَنَّ مَبْنَى الزَّكَاةِ على مُرَاعَاةِ الْجَانِبَيْنِ وَذَلِكَ في أَخْذِ الْوَسَطِ لِمَا في أَخْذِ الْخِيَارِ من الْإِضْرَارِ بِأَرْباب الْأَمْوَالِ وفي أَخْذِ الْأَرْذَالِ من الْإِضْرَارِ بِالْفُقَرَاءِ فَكَانَ نَظَرُ الْجَانِبَيْنِ في أَخْذِ الْوَسَطِ وَالْوَسَطُ هو أَنْ يَكُونَ أَدْوَنَ من الْأَرْفَعِ وَأَرْفَعَ من الْأَدْوَنِ كَذَا فَسَّرَهُ مُحَمَّدٌ في المنتقي‏.‏ وَلَا يُؤْخَذُ في الصَّدَقَةِ الربي بِضَمِّ الرَّاءِ وَلَا الْمَاخِضُ وَلَا الْأَكِيلَةُ وَلَا فَحْلُ الْغَنَمِ قال مُحَمَّدٌ الربي التي تُرَبِّي وَلَدَهَا وَالْأَكِيلَةُ التي تُسَمَّنُ لِلْأَكْلِ وَالْمَاخِضُ التي في بَطْنِهَا وَلَدٌ وَمِنْ الناس من طَعَنَ في تَفْسِيرِ مُحَمَّدٍ الربي وَالْأَكِيلَةَ وَزَعَمَ أَنَّ الربي الْمُرَبَّاةُ وَالْأَكِيلَةُ الْمَأْكُولَةُ وَطَعْنُهُ مَرْدُودٌ عليه وكان من حَقِّهِ تَقْلِيدُ مُحَمَّدٍ إذْ هو كما كان إمَامًا في الشَّرِيعَةِ وكان إمَامًا في اللُّغَةِ وَاجِبُ التَّقْلِيدِ فيها كَتَقْلِيدِ نَقَلَةِ اللُّغَةِ كَأَبِي عُبَيْدٍ وَالْأَصْمَعِيِّ وَالْخَلِيلِ وَالْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ وقد قَلَّدَهُ أبو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بن سَلَامٍ مع جَلَالَةِ قَدْرِهِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ‏.‏

وسئل ‏[‏وسأل‏]‏ أبو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبَ عن الْغَزَالَةِ فقال هِيَ عَيْنُ الشَّمْسِ ثُمَّ قال أَمَا تَرَى أَنَّ مُحَمَّدَ بن الْحَسَنِ قال لِغُلَامِهِ يَوْمًا اُنْظُرْ هل دَلَكَتْ الْغَزَالَةُ يَعْنِي الشَّمْسَ وكان ثَعْلَبُ يقول محمد بن الْحَسَنِ عِنْدَنَا من أَقْرَانِ سِيبَوَيْهِ وكان قَوْلُهُ حُجَّةً في اللُّغَةِ فَكَانَ على الطَّاعِنِ تَقْلِيدُهُ فيها كَيْفَ وقد ذَكَرَ صَاحِبُ الدِّيوَانِ وَمُجْمَلِ اللُّغَةِ ما يُوَافِقُ قَوْلَهُ في الرُّبَّى قال صَاحِبُ الدِّيوَانِ الربي التي وَضَعَتْ حَدِيثًا أَيْ هِيَ قَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ وقال صَاحِبُ الْمُجْمَلِ الربي الشَّاةُ التي تُحْبَسُ في الْبَيْتِ لِلَّبَنِ فَهِيَ مُرَبِّيَةٌ لَا مُرَبَّاةٌ وَالْأَكِيلَةُ وَإِنْ فُسِّرَتْ في بَعْضِ كُتُبِ اللُّغَةِ بِمَا قَالَهُ الطَّاعِنُ لَكِنَّ تَفْسِيرَ مُحَمَّدٍ أَوْلَى وَأَوْفَقُ لِلْأُصُولِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمَفْعُولَ إذَا ذُكِرَ بِلَفْظِ فَعِيلٍ يَسْتَوِي فيه الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَلَا يَدْخُلُ فيه هَاءُ التَّأْنِيثِ يُقَالُ امْرَأَةٌ قَتِيلٌ وَجَرِيحٌ من غَيْرِ هَاءِ التَّأْنِيثِ فَلَوْ كانت الْأَكِيلَةُ الْمَأْكُولَةُ لَمَا أُدْخِلَ فيها الْهَاءُ على اعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَلَمَّا أُدْخِلَ الْهَاءُ دَلَّ أنها لَيْسَتْ بِاسْمِ للمأكولة ‏[‏المأكولة‏]‏ بَلْ لَمَّا أُعِدَّ لِلْأَكْلِ كالأضيحة ‏[‏كالأضحية‏]‏ أنها اسْمٌ لِمَا أُعِدَّ لِلتَّضْحِيَةِ وَالله أعلم‏.‏

وَسَوَاءٌ كان النِّصَابُ من نَوْعٍ وَاحِدٍ أو من نَوْعَيْنِ كَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَالْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ وَالْعِرَابِ وَالْبُخْتِ أَنَّ الْمُصْدِقَ يَأْخُذُ منها وَاحِدَةً وَسَطًا على التَّفْسِيرِ الذي ذكرنا ‏[‏ذكرناه‏]‏ وقال الشَّافِعِيُّ في أَحَدِ قَوْلَيْهِ يَأْخُذُ من الْغَالِبِ وقال في الْقَوْلِ الْآخَرِ أنه يَجْمَعُ بين قِيمَةِ شَاةٍ من الشأن ‏[‏الضأن‏]‏ وَشَاةٍ من الْمَعْزِ وَيُنْظَرُ في نِصْفِ الْقِيمَتَيْنِ فَيَأْخُذُ شَاةٌ بِقِيمَةِ ذلك من أَيِّ النَّوْعَيْنِ كانت وهو غَيْرُ سَدِيدٍ لِمَا رَوَيْنَا عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نهى عن أَخْذِ كَرَائِمِ أَمْوَالِ الناس وحرزاتها ‏[‏وحزراتها‏]‏ وَأَمَرَ بِأَخْذِ أَوْسَاطِهَا من غَيْرِ فصل بين ما إذَا كان النِّصَابُ من نَوْعٍ وَاحِدٍ أو نَوْعَيْنِ‏.‏

ولو كان له خَمْسٌ من الْإِبِلِ كُلُّهَا بَنَاتُ مَخَاضٍ أو كُلُّهَا بَنَاتُ لَبُونٍ أو حِقَاقٌ أو جِذَاعٌ فَفِيهَا شَاةٌ وَسَطٌ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم‏:‏ «في خَمْسٍ من الْإِبِلِ شَاةٌ» وَإِنْ كانت عِجَافًا فَإِنْ كان فيها بِنْتُ مَخَاضٍ وَسَطٌ وأعلى سِنًّا منها فَفِيهَا أَيْضًا شَاةٌ وَسَطٌ وَكَذَلِكَ إنْ كانت خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ وَسَطٌ أَنَّهُ يَجِبُ فيها بِنْتُ مَخَاضٍ وَتُؤْخَذُ تِلْكَ لِقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم‏:‏ «في خَمْسٍ وَعِشْرِينَ من الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَإِنْ كانت جَيِّدَةً لَا يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ الْجَيِّدَةَ وَلَكِنْ يَأْخُذُ قِيمَةَ بِنْتِ مَخَاضٍ وَسَطٍ وَإِنْ أَخَذَ الْجَيِّدَةَ يَرُدُّ الْفَضْلَ وَإِنْ كانت كُلُّهَا عِجَافًا ليس فيها بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَا ما يُسَاوِي قِيمَتُهَا قِيمَةَ بِنْتِ مَخَاضٍ بَلْ قِيمَتُهَا دُونَ قِيمَةِ بِنْتِ مَخَاضٍ أَوْسَاطٍ فَفِيهَا شَاةٌ بِقَدْرِهَا وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذلك أَنْ تَجْعَلَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَسَطًا حَكَمًا في الْباب فَيُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهَا وَإِلَى قِيمَةِ أَفْضَلِهَا من النِّصَابِ إنْ كانت قِيمَةُ بِنْتِ مختض ‏[‏مخاض‏]‏ وَسَطٍ مَثَلًا مِائَةَ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ أَفْضَلِهَا خَمْسِينَ تَجِبُ شَاةٌ قِيمَتُهَا قِيمَةُ نِصْفِ شَاةٍ وَكَذَلِكَ لو كان التَّفَاوُتُ أَكْثَرَ من النِّصْفِ أو أَقَلَّ فَكَذَلِكَ يَجِبُ على قَدْرِهِ وَهِيَ من مَسَائِلِ الزيادا ‏[‏الزيادات‏]‏ تُعْرَفُ هُنَاكَ ثُمَّ إذَا وَجَبَ الْوَسَطُ في النِّصَابِ فلم يُوجَدْ الْوَسَطُ وَوُجِدَ سِنٌّ أَفْضَلَ منه أو دُونَهُ‏.‏ قال مُحَمَّدٌ في الْأَصْلِ أن الْمُصْدِقَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ الْوَاجِبِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَدْوَنَ وَأَخَذَ تَمَامَ قِيمَةِ الْوَاجِبِ من الدَّرَاهِمِ‏.‏

وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ السَّائِمَةِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْقِيمَةَ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ الْأَفْضَلَ وَاسْتَرَدَّ الْفَضْلَ من الدَّرَاهِمِ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ الْأَدْوَنَ وَدَفَعَ الْفَضْلَ من الدَّرَاهِمِ لِأَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ في باب الزَّكَاةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَالْخِيَارُ في ذلك لِصَاحِبِ الْمَالِ دُونَ الْمُصْدِقِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْخِيَارُ لِلْمُصَّدِّقِ في فصل وَاحِدٍ وهو ما إذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ الْعَيْنِ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ فَالْمُصْدِقُ بِالْخِيَارِ بين أَنَّهُ لَا يَأْخُذْ وَبَيْنَ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِأَنْ كان الْوَاجِبُ بِنْتُ لَبُونٍ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ الْحِقَّةِ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ أو كان الْوَاجِبُ حِقَّةً فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ بَعْضَ الْجَذَعَةِ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ فَالْمُصَّدِّقُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ لم يَقْبَلْ لِمَا فيه من تَشْقِيصِ الْعَيْنِ وَالشِّقْصُ في الْأَعْيَانِ عَيْبٌ فَكَانَ له أَنْ لَا يَقْبَلَ فَأَمَّا فِيمَا سِوَى ذلك فَلَا خِيَارَ له وَلَيْسَ له أَنْ يَمْتَنِعَ من الْقَبُولِ وَالله أعلم‏.‏

فصل حُكْمِ الْخَيْلِ

وَأَمَّا حُكْمُ الْخَيْلِ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فيه أَنَّ الْخَيْلَ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ عَلُوفَةً أو سَائِمَةً فَإِنْ كانت عَلُوفَةً بِأَنْ كانت تُعْلَفُ لِلرُّكُوبِ أو لِلْحَمْلِ أو لِلْجِهَادِ في سَبِيلِ اللَّهِ فَلَا زَكَاةَ فيها لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِالْحَاجَةِ وَمَالُ الزَّكَاةِ هو الْمَالُ النَّامِي الْفَاضِلُ عن الْحَاجَةِ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كانت تُعْلَفُ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ بِالْإِجْمَاعِ لِكَوْنِهَا مَالًا نَامِيًا فَاضِلًا عن الْحَاجَةِ لِأَنَّ الأعداد لِلتِّجَارَةِ دَلِيلُ النَّمَاءِ وَالْفَضْلِ عن الْحَاجَةِ وَإِنْ كانت سَائِمَةً فَإِنْ كانت تُسَامُ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ أو لِلْجِهَادِ وَالْغَزْوِ فَلَا زَكَاةَ فيها لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ كانت تُسَامُ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كانت تُسَامُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ فَإِنْ كانت مُخْتَلِطَةً ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَقَدْ قال أبو حَنِيفَةَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فيها قَوْلًا وَاحِدًا وَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَدَّى من كل فَرَسٍ دِينَارًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَدَّى من كل مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَإِنْ كانت إنَاثًا مُنْفَرِدَةً فَفِيهَا رِوَايَتَانِ عنه ذَكَرَهُمَا الطَّحَاوِيُّ‏.‏

وَإِنْ كانت ذُكُورًا مُنْفَرِدَةً فَفِيهَا رِوَايَتَانِ عنه أَيْضًا ذَكَرَهُمَا الطَّحَاوِيُّ في الْآثَارِ وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا زَكَاةَ فيها كَيْفَمَا كانت وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال عَفَوْتُ لَكُمْ عن صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ إلَّا أَنَّ في الرَّقِيقِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وروى عنه صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال ليس على الْمُسْلِمِ في عَبْدِهِ وَلَا في فَرَسِهِ صَدَقَةٌ وَكُلُّ ذلك نُصَّ في الْباب وَلِأَنَّ زَكَاةَ السَّائِمَةِ لَا بُدَّ لها من نِصَابٍ مُقَدَّرٍ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالشَّرْعُ لم يَرِدْ بِتَقْدِيرِ النِّصَابِ في السَّائِمَةِ منها فَلَا يَجِبُ فيها زَكَاةُ السَّائِمَةِ كَالْحَمِيرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ما رُوِيَ عن جَابِرٍ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال في كل فَرَسٍ سَائِمَةٍ دِينَارٌ وَلَيْسَ في الرَّابِطَةِ شَيْءٌ‏.‏

وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى أبي عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ رضي اللَّهُ عنه في صَدَقَةِ الْخَيْلِ أَنْ خَيِّرْ أَرْبابهَا فَإِنْ شاؤوا أَدَّوْا من كل فَرَسٍ دِينَارًا وَإِلَّا قَوِّمْهَا وَخُذْ من كل مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ‏.‏

وَرُوِيَ عن السَّائِبِ بن زيد ‏[‏يزيد‏]‏ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه لَمَّا بَعَثَ الْعَلَاءَ بن الْحَضْرَمِيِّ إلَى الْبَحْرَيْنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ من كل فَرَسٍ شَاتَيْنِ أو عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَلِأَنَّهَا مَالٌ نَامٍ فَاضِلٌ عن الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَتَجِبُ فيها الزَّكَاةُ كما لو كانت لِلتِّجَارَةِ‏.‏ وَأَمَّا قَوْلُ النبي صلى الله عليه وسلم عَفَوْت لَكُمْ عن صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ فَالْمُرَادُ منها الْخَيْلُ الْمُعَدَّةُ لِلرُّكُوبِ وَالْغَزْوِ لَا لِلْإِسَامَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ فَرَّقَ بين الْخَيْلِ وَبَيْنَ الرَّقِيقِ وَالْمُرَادُ منها عَبِيدُ الْخِدْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَوْجَبَ فيها صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ إنَّمَا تَجِبُ في عَبِيدِ الْخِدْمَةِ أو يُحْتَمَلُ ما ذَكَرْنَا فَيُحْمَلُ عليه عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وهو الْجَوَابُ عن تَعَلُّقِهِمْ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ وَأَمَّا إذَا كان الْكُلُّ إنَاثًا أو ذُكُورًا فَوَجْهُ رِوَايَةِ الْوُجُوبِ الِاعْتِبَارُ بِسَائِرِ السَّوَائِمِ من الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فيها وَإِنْ كان كُلُّهَا إنَاثًا أو ذُكُورًا كَذَا هَهُنَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فيها لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَالَ الزَّكَاةِ هو الْمَالُ النَّامِي وَلَا نَمَاءَ فيها بِالدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَلَا لِزِيَادَةِ اللَّحْمِ لِأَنَّ لَحْمَهَا غَيْرُ مَأْكُولٍ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لِأَنَّ لَحْمَهَا مَأْكُولٌ فَكَانَ زِيَادَةُ اللَّحْمِ فيها بِالسَّمْنِ بِمَنْزِلَةِ الزِّيَادَةِ بِالدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَالله أعلم‏.‏ وَأَمَّا الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ فَلَا شَيْءَ فيها وَإِنْ كانت سَائِمَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ منها الْحَمْلُ وَالرُّكُوبُ عَادَةً لَا الدَّرُّ وَالنَّسْلُ لَكِنَّهَا قد تُسَامُ في غَيْرِ وَقْتِ الْحَاجَةِ لِدَفْعِ مُؤْنَةِ الْعَلَفِ وَإِنْ كانت لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فيها‏.‏

فصل بَيَانِ من له الْمُطَالَبَةُ بِأَدَاءِ الْوَاجِبِ في السَّوَائِمِ وَالْأَمْوَالِ

وَأَمَّا بَيَانُ من له الْمُطَالَبَةُ بِأَدَاءِ الْوَاجِبِ في السَّوَائِمِ وَالْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ فَالْكَلَامُ فيه يَقَعُ في مَوَاضِعَ في بَيَانِ من له وِلَايَةُ الْأَخْذِ وفي بَيَانِ شَرَائِطِ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الأخذ وفي بَيَانِ الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَالُ الزَّكَاةِ نَوْعَانِ ظَاهِرٌ وهو الْمَوَاشِي وَالْمَالُ الذي يَمُرُّ بِهِ التَّاجِرُ على الْعَاشِرِ وَبَاطِنٌ وهو الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَأَمْوَالُ التِّجَارَةِ في مَوَاضِعِهَا أَمَّا الظَّاهِرُ فَلِلْإِمَامِ وَنُوَّابِهِ وَهُمْ الْمُصْدِقُونَ من السُّعَاةِ وَالْعَشَّارِ وِلَايَةُ الْأَخْذِ وَالسَّاعِي هو الذي يَسْعَى في الْقَبَائِلِ لِيَأْخُذَ صَدَقَةَ الْمَوَاشِي في أَمَاكِنِهَا وَالْعَاشِرُ هو الذي يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ من التَّاجِرِ الذي يَمُرُّ عليه وَالْمُصْدِقُ اسْمُ جِنْسٍ وَالدَّلِيلُ على أَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ الْأَخْذِ في الْمَوَاشِي وَالْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ الْكتاب وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَإِشَارَةُ الْكتاب أَمَّا الْكتاب فَقَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏خُذْ من أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً‏}‏ وَالْآيَةُ نَزَلَتْ في الزَّكَاةِ عليه عَامَّةُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ أَمَرَ اللَّهُ عز وجل نَبِيَّهُ بِأَخْذِ الزَّكَاةِ فَدَلَّ أَنَّ لِلْإِمَامِ الْمُطَالَبَةَ بِذَلِكَ وَالْأَخْذَ قال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عليها‏}‏ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذلك بَيَانًا شَافِيًا حَيْثُ جَعَلَ لِلْعَامِلِينَ عليها حَقًّا فَلَوْ لم يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطَالِبَ أَرْباب الْأَمْوَالِ بِصَدَقَاتِ الْأَنْعَامِ في أَمَاكِنِهَا وكان أَدَاؤُهَا إلَى أَرْباب الْأَمْوَالِ لم يَكُنْ لِذَكَرِ الْعَامِلِينَ وَجْهٌ‏.‏

وَأَمَّا السُّنَّةُ فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كان يَبْعَثُ الْمُصَدِّقِينَ إلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ وَالْبُلْدَانِ وَالْآفَاقِ لِأَخْذِ الصَّدَقَاتِ من الْأَنْعَامِ وَالْمَوَاشِي في أَمَاكِنِهَا وَعَلَى ذلك فَعَلَ الْأَئِمَّةُ من بَعْدِهِ من الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ حتى قال الصِّدِّيقُ رضي اللَّهُ عنه لَمَّا امْتَنَعَتْ الْعَرَبُ عن أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَاَللَّهِ لو مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَحَارَبْتُهُمْ عليه وَظَهَرَ الْعُمَّالُ بِذَلِكَ من بَعْدِهِمْ إلَى يَوْمِنَا هذا‏.‏

وَكَذَا الْمَالُ الْبَاطِنُ إذَا مَرَّ بِهِ التَّاجِرُ على الْعَاشِرِ كان له أَنْ يَأْخُذَ في الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا سَافَرَ بِهِ وَأَخْرَجَهُ من الْعُمْرَانِ صَارَ ظَاهِرًا وَالْتَحَقَ بِالسَّوَائِمِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا كان له الْمُطَالَبَةُ بِزَكَاةِ الْمَوَاشِي في أَمَاكِنِهَا لِمَكَانِ الْحِمَايَةِ لِأَنَّ الْمَوَاشِيَ في الْبَرَارِي لَا تَصِيرُ مَحْفُوظَةً إلَّا بِحِفْظِ السُّلْطَانِ وَحِمَايَتِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ في مَالٍ يَمُرُّ بِهِ التَّاجِرُ على الْعَاشِرِ فَكَانَ كَالسَّوَائِمِ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ فإن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه نَصَّبَ الْعَشَارَ وقال لهم خُذُوا من الْمُسْلِمِ رُبُعَ الْعُشْرِ وَمِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفَ الْعُشْرِ وَمِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرَ وكان ذلك بِمَحْضَرٍ من الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ ولم يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عليه وَاحِدٌ منهم فَكَانَ إجْمَاعًا‏.‏

وَرُوِيَ عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ بِذَلِكَ وقال أخبرني بهذا من سَمِعَهُ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَأَمَّا الْمَالُ الْبَاطِنُ الذي يَكُونُ في الْمِصْرِ فَقَدْ قال عَامَّةُ مَشَايِخِنَا إنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلم طَالَبَ بِزَكَاتِهِ وأبو بَكْرٍ وَعُمَرُ طَالَبَا وَعُثْمَانُ طَالَبَ زَمَانًا وَلَمَّا كَثُرَتْ أَمْوَالُ الناس وَرَأَى أَنَّ في تَتَبُّعِهَا حَرَجًا على الْأُمَّةِ وفي تَفْتِيشِهَا ضَرَرًا بِأَرْباب الْأَمْوَالِ فَوَّضَ الْأَدَاءَ إلَى أَرْبابهَا‏.‏

وَذَكَرَ إمَامُ الْهُدَى الشَّيْخُ أبو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ السَّمَرْقَنْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وقال لم يَبْلُغْنَا أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ في مُطَالَبَةِ الْمُسْلِمِينَ بِزَكَاةِ الْوَرِقِ وَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَلَكِنَّ الناس كَانُوا يُعْطُونَ ذلك وَمِنْهُمْ من كان يَحْمِلُ إلَى الْأَئِمَّةِ فَيَقْبَلُونَ منه ذلك وَلَا يَسْأَلُونَ أَحَدًا عن مَبْلَغِ مَالِهِ وَلَا يُطَالِبُونَهُ بِذَلِكَ إلَّا ما كان من تَوْجِيهِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه المشار ‏[‏العشار‏]‏ إلَى الْأَطْرَافِ وكان ذلك منه عِنْدَنَا وَالله أعلم‏.‏ عَمَّنْ بَعُدَ دَارُهُ وَشُقَّ عليه أَنْ يَحْمِلَ صَدَقَتَهُ إلَيْهِ وقد جَعَلَ في كل طَرَفٍ من الْأَطْرَافِ عَاشِرَ التُّجَّارِ أَهْلَ الْحَرْبِ وَالذِّمَةِ وَأَمَرَ أَنْ يَأْخُذُوا من تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ ما يَدْفَعُونَهُ إلَيْهِ وكان ذلك من عُمَرَ تَخْفِيفًا على الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّ على الْإِمَامِ مُطَالَبَةَ أَرْباب الْأَمْوَالِ الْعَيْنَ وَأَمْوَالَ التِّجَارَةِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ سِوَى الْمَوَاشِي وَالْأَنْعَامِ وَأَنَّ مُطَالَبَةَ ذلك إلَى الْأَئِمَّةِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُهُمْ إلَى الْإِمَامِ بِشَيْءٍ من ذلك فَيَقْبَلُهُ وَلَا يَتَعَدَّى عَمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَالسُّنَّةُ إلَى غَيْرِهِ‏.‏

وَأَمَّا سَلَاطِينُ زَمَانِنَا الَّذِينَ إذَا أَخَذُوا الصَّدَقَاتِ وَالْعُشُورَ وَالْخَرَاجَ لَا يَضَعُونَهَا مَوَاضِعَهَا فَهَلْ تَسْقُطُ هذه الْحُقُوقُ عن أَرْبابهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فيه ذَكَرَ الْفَقِيهُ أبو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ ذلك كُلُّهُ وَإِنْ كَانُوا لَا يَضَعُونَهَا في أَهْلِهَا لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لهم فَيَسْقُطُ عَنَّا بِأَخْذِهِمْ ثُمَّ إنَّهُمْ إنْ لم يَضَعُوهَا مَوَاضِعَهَا فَالْوَبَالُ عليهم‏.‏

وقال الشَّيْخُ أبو بَكْرِ بن سَعِيدٍ إنَّ الْخَرَاجَ يَسْقُطُ وَلَا تسقط ‏[‏أسقط‏]‏ الصَّدَقَاتِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يُصْرَفُ إلَى الْمُقَاتِلَةِ وَهُمْ يُصْرَفُونَ إلَى الْمُقَاتِلَةِ وَيُقَاتِلُونَ الْعَدُوَّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو ظَهَرَ الْعَدُوُّ فَإِنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ وَيَذُبُّونَ عن حَرِيمِ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا الزَّكَوَاتُ وَالصَّدَقَاتُ فَإِنَّهُمْ لَا يَضَعُونَهَا في أَهْلِهَا وقال أبو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ إنَّ جَمِيعَ ذلك يَسْقُطُ وَيُعْطِي ثَانِيًا لِأَنَّهُمْ لَا يَضَعُونَهَا مَوَاضِعَهَا وَلَوْ نَوَى صَاحِبُ الْمَالِ وَقْتَ الدَّفْعِ أَنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِمْ ذلك عن زَكَاةِ مَالِهِ قِيلَ يَجُوزُ لِأَنَّهُمْ فُقَرَاءُ في الْحَقِيقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لو أَدَّوْا ما عليهم من التَّبِعَاتِ وَالْمَظَالِمِ صَارُوا فُقَرَاءَ وَرُوِيَ عن أبي مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ قال تَجُوزُ الصَّدَقَةُ لمعلي ‏[‏لعلي‏]‏ بن عِيسَى بن هَامَانَ وكان وإلى خُرَاسَانَ وَإِنَّمَا قال ذلك لِمَا ذكرناه ‏[‏ذكرنا‏]‏ وَحُكِيَ أَنَّ أَمِيرًا بِبَلْخٍ سَأَلَ وَاحِدًا من الْفُقَهَاءِ عن كَفَّارَةِ يَمِينٍ لَزِمَتْهُ فَأَمَرَهُ بِالصِّيَامِ فَبَكَى الْأَمِيرُ وَعَرَفَ أَنَّهُ يقول لو أَدَّيْتَ ما عَلَيْكَ من التَّبِعَاتِ وَالْمَظْلِمَةِ لم يَبْقَ لَك شَيْءٌ وَقِيلَ إنَّ السُّلْطَانَ لو أَخَذَ مَالًا من رَجُلٍ بِغَيْرِ حَقٍّ مُصَادَرَةً فَنَوَى صَاحِبُ الْمَالِ وَقْتَ الدَّفْعِ أَنْ يَكُونَ ذلك عن زَكَاةِ مَالِهِ وَعُشْرِ أَرْضِهِ يَجُوزُ ذلك وَالله أعلم‏.‏

فصل شَرْطِ وِلَايَةِ الْآخِذِ

وَأَمَّا شَرْطُ وِلَايَةِ الْآخِذِ فَأَنْوَاعٌ منها وُجُودُ الْحِمَايَةِ من الْإِمَامِ حتى لو ظَهَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ على مَدِينَةٍ من مَدَائِنِ أَهْلِ الْعَدْلِ أو قَرْيَةٍ من قُرَاهُمْ وَغَلَبُوا عليها فَأَخَذُوا صَدَقَاتِ سَوَائِمِهِمْ وَعُشُورِ أَرَاضِيهمْ وَخَرَاجِهَا ثُمَّ ظَهَرَ عليهم إمام ‏[‏عليهم‏]‏ الْعَدْلِ لَا يَأْخُذُ منهم ثَانِيًا لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلْإِمَامِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ وَالْحِمَايَةِ ولم يُوجَدْ إلَّا أَنَّهُمْ يُفْتَوْنَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا الزَّكَاةَ وَالْعُشُورَ ثَانِيًا وَسَكَتَ مُحَمَّدٌ عن ذِكْرِ الْخَرَاجِ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا قال بَعْضُهُمْ عليهم أَنْ يُعِيدُوا الْخَرَاجَ كَالزَّكَاةِ وَالْعُشُورِ‏.‏ وقال بَعْضُهُمْ ليس عليهم الْإِعَادَةُ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يُصْرَفُ إلَى الْمُقَاتِلَةِ وَأَهْلُ الْبَغْيِ يُقَاتِلُونَ الْعَدُوَّ وَيَذُبُّونَ عن حَرِيمِ الْإِسْلَامِ‏.‏

وَمِنْهَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ زَكَاةٌ وَالزَّكَاةُ في عُرْفِ الشَّرْعِ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ فَلَا بُدَّ من تقويم ‏[‏تقديم‏]‏ الْوُجُوبِ فَتُرَاعَى له شَرَائِطُ الْوُجُوبِ وَهِيَ ما ذَكَرْنَا من الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَكَمَالِ النِّصَابِ وَكَوْنِهِ مُعَدًّا لِلنَّمَاءِ وَحَوَلَانِ الْحَوْلِ وَعَدَمِ الدَّيْنِ الْمُطَالَبِ بِهِ من جِهَةِ الْعِبَادِ وَأَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ وَنَحْوِ ذلك وَمِنْهَا ظُهُورُ الْمَالِ وَحُضُورُ الْمَالِكِ حتى لو حَضَرَ الْمَالِكُ ولم يَظْهَرْ مَالُهُ لَا يُطَالَبُ بِزَكَاتِهِ لِأَنَّهُ إذَا لم يَظْهَرْ مَالُهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ حِمَايَةِ السُّلْطَانِ وَكَذَا إذَا ظَهَرَ الْمَالُ ولم يَحْضُرْ الْمَالِكُ وَلَا الْمَأْذُونُ من جِهَةِ الْمَالِكِ كَالْمُسْتَبْضِعِ وَنَحْوِهِ لَا يُطَالَبُ بِزَكَاتِهِ وَبَيَانُ هذه الْجُمْلَةِ إذَا جاء السَّاعِي إلَى صَاحِبِ الْمَوَاشِي في أَمَاكِنِهَا يُرِيدُ أَخْذَ الصَّدَقَةِ فقال ليس ‏[‏ليست‏]‏ هِيَ مَالِي أو قال لم يَحُلْ عليها الْحَوْلُ أو قال عَلَيَّ دَيْنٌ يُحِيطُ بِقِيمَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ وَيُسْتَحْلَفُ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ وهو مُطَالَبَةُ السَّاعِي فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ وَلَوْ قال أَدَّيْتُ إلَى مُصْدِقٍ آخَرَ فَإِنْ لم يَكُنْ في تِلْكَ السَّنَةِ مُصْدِقٌ آخَرُ لَا يُصَدَّقُ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بقين ‏[‏بيقين‏]‏ وَإِنْ كان في تِلْكَ السَّنَةِ مُصَدِّقٌ آخَرُ يُصَدَّقُ مع الْيَمِينِ سَوَاءٌ أتي بِخَطٍّ وَبَرَاءَةٍ أو لم يَأْتِ بِهِ في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ‏.‏

وَرَوَى الْحَسَنُ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ ما لم يَأْتِ بِالْبَرَاءَةِ وَجْهُ هذه الرِّوَايَةِ أَنَّ خَبَرَهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَلَا بُدَّ من مُرَجِّحٍ وَالْبَرَاءَةُ أَمَارَةُ رُجْحَانِ الصِّدْقِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إن الرُّجْحَانَ ثَابِتٌ بِدُونِ الْبَرَاءَةِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ إذْ له أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْمُصْدِقِ فَقَدْ أَخْبَرَ عن الدَّفْعِ إلَى من جُعِلَ له الدَّفْعُ إلَيْهِ فَكَانَ كَالْمُودَعِ إذَا قال دَفَعْتُ الْوَدِيعَةَ إلَى الْمُودِعِ وَالْبَرَاءَةُ لَيْسَتْ بِعَلَامَةٍ صَادِقَةٍ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ وَعَلَى هذا إذَا أتى بِالْبَرَاءَةِ على خِلَافِ اسْمِ ذلك الْمُصْدِقِ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مع يَمِينِهِ على جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَكَانَ الْإِتْيَانُ بها وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَلَى رِوَايَة الْحَسَنِ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ شَرْطٌ فَلَا تُقْبَلُ بِدُونِهَا وَلَوْ قال أَدَّيْتُ زَكَاتَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ لَا يُصَدَّقُ وَتُؤْخَذُ منه عِنْدَنَا‏.‏ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُؤْخَذُ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْمُصْدِقَ لَا يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ لِنَفْسِهِ بَلْ لِيُوصِلَهَا إلَى مُسْتَحَقِّيهَا وهو الْفَقِيرُ وقد أَوْصَلَ بِنَفْسِهِ‏.‏

وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلسُّلْطَانِ فَهُوَ بِقَوْلِهِ أَدَّيْتُ بِنَفْسِي أَرَادَ إبْطَالَ حَقِّ السُّلْطَانِ فَلَا يَمْلِكُ ذلك وَكَذَلِكَ الْعُشْرُ على هذا الْخِلَافِ وَكَذَا الْجَوَابُ فِيمَنْ مَرَّ على الْعَاشِرِ بِالسَّوَائِمِ أو بِالدَّرَاهِمِ أو الدَّنَانِيرِ أو بِأَمْوَالِ التِّجَارَةِ في جَمِيعِ ما وَصَفْنَا إلَّا في قَوْلِهِ أَدَّيْتُ زَكَاتَهَا بِنَفْسِي إلَى الْفُقَرَاءِ فِيمَا سِوَى السَّوَائِمِ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا يُؤْخَذُ ثَانِيًا لِأَنَّ أَدَاءَ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ مُفَوَّضٌ إلَى أَرْبابهَا إذَا كَانُوا يَتَّجِرُونَ بها في الْمِصْرِ فلم يَتَضَمَّنْ الدَّفْعُ بِنَفْسِهِ إبْطَالَ حَقِّ أَحَدٍ‏.‏ وَلَوْ مَرَّ على الْعَاشِرِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَخْبَرَ الْعَاشِرُ أَنَّ له مِائَةً أُخْرَى قد حَالَ عليها الْحَوْلُ لم يَأْخُذُ منه زَكَاةَ هذه الْمِائَةِ التي مَرَّ بها لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِمَكَانِ الْحِمَايَةِ وما دُونَ النِّصَابِ قَلِيلٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَايَةِ وَالْقَدْرُ الذي في بَيْتِهِ لم يَدْخُلْ تَحْتَ الْحِمَايَةِ فَلَا يُؤْخَذُ من أَحَدِهِمَا شَيْءٌ وَلَوْ مَرَّ عليه بِالْعُرُوضِ فقال هذه لَيْسَتْ لِلتِّجَارَةِ أو قال هذه بِضَاعَةٌ أو قال أنا أَجِيرٌ فيها فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مع الْيَمِينِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ولم يُوجَدْ ظَاهِرٌ يُكَذِّبُهُ‏.‏

وَجَمِيعُ ما ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُصَدَّقُ فيه الْمُسْلِمُ يُصَدَّقُ فيه الذِّمِّيُّ لِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذَا قَبِلُوا عَقْدَ الذِّمَّةِ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لهم ما لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ ما على الْمُسْلِمِينَ» وَلِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُفَارِقُ الْمُسْلِمَ في هذا الْباب إلَّا في قَدْرِ الْمَأْخُوذِ وهو أَنَّهُ يُؤْخَذُ منه ضِعْفُ ما يُؤْخَذُ من الْمُسْلِمِ كما في التَّغْلِبِيِّ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ منه بِسَبَبِ الْحِمَايَةِ وَبِاسْمِ الصَّدَقَةِ وَإِنْ لم تَكُنْ صَدَقَةً حقيقة ‏[‏حقيقية‏]‏ وَلَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ في شَيْءٍ من ذلك وَيُؤْخَذُ منه الْعُشْرُ إلَّا في جَوَارٍ يقول هُنَّ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي أو في غِلْمَانٍ يقول هُمْ أَوْلَادِي لِأَنَّ الْأَخْذَ منه لِمَكَانِ الْحِمَايَةِ وَالْعِصْمَةِ لِمَا في يَدِهِ وقد وُجِدَتْ فَلَا يَمْنَعُ شَيْءٌ من ذلك من الْأَخْذِ وَإِنَّمَا قُبِلَ قَوْلُهُ في الإستيلاد وَالنَّسَبِ لِأَنَّ الإستيلاد وَالنَّسَبَ كما يَثْبُتُ في دَارِ الْإِسْلَامِ يَثْبُتُ في دَارِ الْحَرْبِ‏.‏

وَعَلَّلَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فقال الْحَرْبِيُّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ صَادِقًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فَإِنْ كان صَادِقًا فَقَدْ صَدَقَ وَإِنْ كان كَاذِبًا فَقَدْ صَارَتْ بِإِقْرَارِهِ في الْحَالِ أُمُّ وَلَدٍ له وَلَا عُشْرَ في أُمِّ الْوَلَدِ وَلَوْ قال هُمْ مُدَبَّرُونَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَصِحُّ في دَارِ الْحَرْبِ وَلَوْ مَرَّ على عَاشِرٍ بِمَالٍ وقال هو عِنْدِي بِضَاعَةً أو قال أنا أَجِيرٌ فيه فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا يَعْشُرُهُ وَلَوْ قال هو عِنْدِي مُضَارَبَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا وَهَلْ يَعْشُرُهُ كان أبو حنيف ‏[‏حنيفة‏]‏ أَوَّلًا يقول يَعْشُرُهُ ثُمَّ رَجَعَ وقال لَا يَعْشُرُهُ وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ‏.‏

وَلَوْ مَرَّ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ بِمَالٍ من كَسْبِهِ وَتِجَارَتِهِ وَلَيْسَ عليه دَيْنٌ وَاسْتَجْمَعَ شَرَائِطَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فيه فَإِنْ كان منه ‏[‏معه‏]‏ مَوْلَاهُ عَشَرَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لم يَكُنْ معه مَوْلَاهُ فَكَذَلِكَ يَعْشُرُهُ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وفي قَوْلِهِمَا لَا يَعْشُرُهُ وقال أبو يُوسُفَ لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ رَجَعَ في الْعَبْدِ أَمْ لَا وَقِيلَ إنَّ الصَّحِيحَ إن رُجُوعَهُ في الْمُضَارِبِ رُجُوعٌ في الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَجْهُ قول الْأَوَّلِ في الْمُضَارِبِ إن الْمُضَارِبَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ في الْمَالِ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ من رَبِّ الْمَالِ وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وهو قَوْلُهُمَا إن الْمِلْكَ شَرْطُ الْوُجُوبِ وَلَا مِلْكَ له فيه وَرَبُّ الْمَالِ لم يَأْمُرهُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لم يَأْذَنْ له بِعَقْدِ الْمُضَارَبَةِ إلَّا بِالتَّصَرُّفِ في الْمَالِ وقد خَرَجَ الْجَوَابُ عن قَوْلِهِ إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّا نَقُولُ نعم لَكِنْ في وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ في الْمَالِ لَا في أَدَاءِ الزَّكَاةِ كَالْمُسْتَبْضِعِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ في مَعْنَى الْمُضَارِبِ في هذا الْمَعْنَى وَلِأَنَّهُ لم يُؤْمَرْ إلَّا بِالتَّصَرُّفِ فَكَانَ الصَّحِيحُ هو الرُّجُوعُ‏.‏

وَلَا يُؤْخَذُ من الْمُسْلِمِ إذَا مَرَّ على الْعَاشِرِ في السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ منه زَكَاةٌ وَالزَّكَاةُ لَا تَجِبُ في السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ لِأَنَّهُ بِقَبُولِ عَقْدِ الذِّمَّةِ صَارَ له ما لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِ ما على الْمُسْلِمِينَ وَلِأَنَّ الْعَاشِرَ يَأْخُذُ منه بِاسْمِ الصَّدَقَةِ إن لم تَكُنْ صَدَقَةً حَقِيقَةً كَالتَّغْلِبِيِّ فَلَا يُؤْخَذُ منه في الْحَوْلِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيُّ إلَّا إذَا عَشَرَهُ فَرَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ أَنَّهُ يَعْشُرُهُ ثَانِيًا وَإِنْ خَرَجَ من يَوْمِهِ ذلك لِأَنَّ الْأَخْذَ من أَهْلِ الْحَرْبِ لِمَكَانِ حِمَايَةِ ما في أَيْدِيهِمْ من الأموال وما دَامَ هو في دَارِ الْإِسْلَامِ فَالْحِمَايَةُ مُتَّحِدَةٌ ما دَامَ الْحَوْلُ بَاقِيًا فَيَتَّحِدُ حَقُّ الْأَخْذِ وَعِنْدَ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ وَرُجُوعِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ تَتَجَدَّدُ الْحِمَايَةُ فَيَتَجَدَّدُ حَقُّ الْأَخْذِ وإذا مَرَّ الْحَرْبِيُّ على الْعَاشِرِ فلم يَعْلَمْ حتى عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ رَجَعَ ثَانِيًا فَعَلِمَ بِهِ لم يَعْشُرْهُ لِمَا مَضَى لأنه ما مَضَى سَقَطَ لِانْقِطَاعِ حَقِّ الْوِلَايَةِ عنه بدخوله ‏[‏دخوله‏]‏ دَارَ الْحَرْبِ وَلَوْ اجْتَازَ الْمُسْلِمُ وَالْحَرْبِيُّ ولم يَعْلَمْ بِهِمَا الْعَاشِرُ ثُمَّ عَلِمَ بِهِمَا في الْحَوْلِ الثَّانِي أَخَذَ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ قد ثَبَتَ ولم يُوجَدْ ما يُسْقِطُهُ وَلَوْ مَرَّ على الْعَاشِرِ بِالْخَضْرَاوَاتِ وَبِمَا لَا يَبْقَى حَوْلًا كَالْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهَا لَا يَعْشُرُهُ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَإِنْ كانت قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَعْشُرُهُ‏.‏

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هذا مَالُ التِّجَارَةِ وَالْمُعْتَبَرُ في مَالِ التِّجَارَةِ مَعْنَاهُ وهو مَالِيَّتُهُ وَقِيمَتُهُ لَا عَيْنُهُ فإذا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ وَلِهَذَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فيه إذَا كان يَتَّجِرُ فيه في الْمِصْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ما رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال ليس في الخضروات ‏[‏الخضراوات‏]‏ صَدَقَةٌ َالصَّدَقَةُ إذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بها الزَّكَاةُ إلَّا أَنَّ ما يُتَّجَرُ بها في الْمِصْرِ صَارَ مَخْصُوصًا بِدَلِيلٍ أو يُحْمَلُ على أَنَّهُ ليس فيها صَدَقَةٌ تُؤْخَذُ أَيْ ليس لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَهَا بَلْ صَاحِبُهَا يُؤَدِّيهَا بِنَفْسِهِ وَلِأَنَّ الْحَوْلَ شَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَأَنَّهَا لَا تَبْقَى حَوْلًا وَالْعَاشِرُ إنَّمَا يَأْخُذُ منها بِطَرِيقِ الزَّكَاةِ وَلِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَخْذِ بِسَبَبِ الْحِمَايَةِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى الْحِمَايَةِ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْصِدُهَا وَلِأَنَّهَا تَهْلِكُ في يَدِ الْعَاشِرِ في الْمَفَازَةِ فَلَا يَكُونُ أَخْذُهَا مُفِيدًا وَذَكَرَ الْقَاضِي في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ على صَاحِبِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في أَنَّهُ هل لِلْعَاشِرِ حَقُّ الْأَخْذِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فيه في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ يَدُلُّ على أَنَّ الْوُجُوبَ مُخْتَلَفٌ فيه وَالله أعلم‏.‏

وَلَا يُعْشَرُ مَالُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا من أَهْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُمَا وَلَوْ مَرَّ صَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ من بَنِي تَغْلِبَ على الْعَاشِرِ فَلَيْسَ على الصَّبِيِّ شَيْءٌ وَعَلَى الْمَرْأَةِ ما على الرَّجُلِ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ من بَنِي تَغْلِبَ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الصَّدَقَاتِ لَا يُفَارِقُهَا إلَّا في التَّضْعِيفِ وَالصَّدَقَةُ لَا تُؤْخَذُ من الصَّبِيِّ وَتُؤْخَذُ من الْمَرْأَةِ وَلَوْ مَرَّ على عَاشِرِ الخوارج ‏[‏الخراج‏]‏ في أَرْضٍ غُلِبُوا عليها فَعَشَرَهُ ثُمَّ مَرَّ على عَاشِرِ أَهْلِ الْعَدْلِ يَعْشُرُهُ ثَانِيًا لِأَنَّهُ بِالْمُرُورِ على عَاشِرِهِمْ ضَيَّعَ حَقَّ سُلْطَانِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَحَقَّ فُقَرَاءِ أَهْلِ الْعَدْلِ بَعْدَ دُخُولِهِ تَحْتَ حِمَايَةِ سُلْطَانِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَيُضْمَنُ وَلَوْ مَرَّ ذِمِّيٌّ على الْعَاشِرِ بِخَمْرٍ لِلتِّجَارَةِ أو خَنَازِيرَ يَأْخُذُ عُشْرَ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَلَا يَعْشُرُ الْخَنَازِيرَ في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عن أبي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْشُرُهُمَا وهو قَوْلُ زُفَرَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَعْشُرُهُمَا‏.‏

وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْخَمْرَ والخنازير ‏[‏والخنزير‏]‏ لَيْسَا بِمَالٍ أَصْلًا وَالْعُشْرُ إنَّمَا يُؤْخَذُ من الْمَالِ‏.‏ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُمَا مَالَانِ مُتَقَوِّمَانِ في حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَالْخَمْرُ عِنْدَهُمْ كَالْخَلِّ عِنْدَنَا وَالْخِنْزِيرُ عِنْدَهُمْ كَالشَّاةِ عِنْدَنَا وَلِهَذَا كَانَا مَضْمُونَيْنِ على الْمُسْلِمِ بالاتلاف‏.‏ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وهو الْفَرْقُ بين الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخَمْرَ من ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْقِيمَةُ فِيمَا له مِثْلٌ من جِنْسِهِ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا يَكُونُ أَخْذُ قِيمَةِ الْخَمْرِ كَأَخْذِ عَيْنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ من ذَوَاتِ الْقِيَمِ لَا من ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْقِيمَةِ فِيمَا لَا مِثْلَ له يَقُومُ مَقَامَهُ فَكَانَ أَخْذُ قِيمَتِهِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ وَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ‏.‏

وَالثَّانِي إن الْأَخْذَ حَقٌّ لِلْعَاشِرِ بِسَبَبِ الْحِمَايَةِ وَلِلْمُسْلِمِ وِلَايَةُ حِمَايَةِ الْخَمْرِ في الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا وَرِثَ الْخَمْرَ فَلَهُ وِلَايَةُ حِمَايَتِهَا عن غَيْرِهِ بِالْغَصْبِ وَلَوْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ له أَنْ يُخَاصِمَهُ وَيَسْتَرِدَّهَا منه لِلتَّخْلِيلِ فَلَهُ وِلَايَةُ حِمَايَةِ خَمْرِ غَيْرِهِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ وهو وِلَايَةُ السَّلْطَنَةِ وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ وِلَايَةُ حِمَايَةِ الْخِنْزِيرِ رَأْسًا حتى لو أَسْلَمَ وَلَهُ خَنَازِيرُ ليس له أَنْ يَحْمِيَهَا بَلْ يُسَيِّبَهَا فَلَا يَكُونُ له وِلَايَةُ حِمَايَةِ خِنْزِيرٍ غَيْرَهُ‏.‏

فصل الْقَدْر الْمَأْخُوذ مِمَّا يَمُرُّ بِهِ التَّاجِرُ على الْعَاشِرِ

وَأَمَّا الْقَدْرُ الْمَأْخُوذُ مِمَّا يَمُرُّ بِهِ التَّاجِرُ على الْعَاشِرِ فَالْمَارُّ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ كان مُسْلِمًا أو ذِمِّيًّا أو حَرْبِيًّا فَإِنْ كان مُسْلِمًا يَأْخُذُ منه في أَمْوَالِ التِّجَارَةِ رُبُعَ الْعُشْرِ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ منه زَكَاةٌ فَيُؤْخَذُ على قَدْرِ الْوَاجِبِ من الزَّكَاةِ في أَمْوَالِ التِّجَارَةِ وهو رُبُعُ الْعُشْرِ وَيُوضَعُ مَوْضِعَ الزَّكَاةِ وَيُسْقَطُ عن مَالِهِ زَكَاةُ تِلْكَ السَّنَةِ وَإِنْ كان ذِمِّيًّا يأخذ ‏[‏يؤخذ‏]‏ منه نِصْفُ الْعُشْرِ وَيُؤْخَذُ على شَرَائِطِ الزَّكَاةِ لَكِنْ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَلَا تَسْقُطُ عنه جِزْيَةُ رَأْسِهِ في تِلْكَ السَّنَةِ غير نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ لِأَنَّ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه صَالَحَهُمْ من الْجِزْيَةِ على الصَّدَقَةِ الْمُضَاعَفَةِ‏.‏

فإذا أَخَذَ الْعَاشِرُ منهم ذلك سَقَطَتْ الْجِزْيَةُ عَنْهُمْ وَإِنْ كان حَرْبِيًّا يَأْخُذُ منه ما يَأْخُذُونَهُ من الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مِنَّا رُبُعَ الْعُشْرِ أُخِذَ منهم ذلك الْقَدْرُ وَإِنْ كان نِصْفًا فَنِصْفٌ وَإِنْ كان عُشْرًا فَعُشْرٌ لِأَنَّ ذلك أَدْعَى لهم إلَى الْمُخَالَطَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَيَرَوْا مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ فَيَدْعُوهُمْ ذلك إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ كان لَا يُعْلَمُ ذلك يَأْخُذُ منه الْعُشْرَ وَأَصْلُهُ ما رَوَيْنَا عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ كَتَبَ إلَى الْعَشَارِ في الْأَطْرَافِ أَنْ خُذُوا من الْمُسْلِمِ رُبْعَ الْعُشْرِ وَمِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفَ الْعُشْرِ وَمِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرَ وكان ذلك بِمَحْضَرٍ من الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ ولم يُخَالِفْهُ أَحَدٌ منهم فَيَكُونُ إجْمَاعًا منهم على ذلك وَرُوِيَ أَنَّهُ قال خُذُوا منهم ما يَأْخُذُونَ من تُجَّارِنَا فَقِيلَ له إنْ لم نَعْلَمْ ما يَأْخُذُونَ من تُجَّارِنَا فقال خُذُوا منهم الْعُشْرَ وما يُؤْخَذُ منهم فَهُوَ في مَعْنَى الْجِزْيَةِ وَالْمُؤْنَةُ تُوضَعُ مَوَاضِعَ الْجِزْيَةِ وَتُصْرَفُ إلَى مَصَارِفِهَا‏.‏

فصل رُكْنِ الزَّكَاةِ

وَأَمَّا رُكْنُ الزَّكَاةِ فَرُكْنُ الزَّكَاةِ هو إخْرَاجُ جُزْءٍ من النِّصَابِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْلِيمُ ذلك إلَيْهِ يَقْطَعُ الْمَالِكُ يَدَهُ عنه بِتَمْلِيكِهِ من الْفَقِيرِ وَتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ أو إلَى يَدِ من هو نَائِبٌ عنه وهو الْمُصْدِقُ وَالْمِلْكُ لِلْفَقِيرِ يَثْبُتُ من اللَّهِ تَعَالَى وَصَاحِبُ الْمَالِ نَائِبٌ عن اللَّهِ تَعَالَى في التَّمْلِيكِ وَالتَّسْلِيمِ إلَى الْفَقِيرِ وَالدَّلِيلُ على ذلك قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هو يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عن عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ‏}‏ وَقَوْلُ النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الصَّدَقَةُ تَقَعُ في يَدِ الرحمن قبل أَنْ تَقَعَ في كَفِّ الْفَقِيرِ» وقد أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُلَّاكَ بِإِيتَاءِ الزَّكَاةِ لِقَوْلِهِ عز ‏[‏عزو‏]‏ وجل ‏[‏جل‏]‏‏:‏ ‏{‏وَآتُوا الزَّكَاةَ‏}‏ وَالْإِيتَاءُ هو التَّمْلِيكُ وَلِذَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الزَّكَاةَ صَدَقَةً بِقَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ‏}‏ وَالتَّصَدُّقُ تَمْلِيكٌ فَيَصِيرُ الْمَالِكُ مُخْرِجًا قَدْرَ الزَّكَاةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمُقْتَضَى التَّمْلِيكِ سَابِقًا عليه وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ على أَصْلِنَا وَالْعِبَادَةُ إخْلَاصُ الْعَمَلِ بِكُلِّيَّتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى‏.‏

وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا إنَّ عِنْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْفَقِيرِ تَنْقَطِعُ نِسْبَةُ قَدْرِ الزَّكَاةِ عنه بِالْكُلِّيَّةِ وَتَصِيرُ خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَيَكُونُ مَعْنَى الْقُرْبَةِ في الْإِخْرَاجِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بابطَالِ مِلْكِهِ عنه لَا في التَّمْلِيكِ من الْفَقِيرِ بَلْ التَّمْلِيكِ من اللَّهِ تَعَالَى في الْحَقِيقَةِ وَصَاحِبُ الْمَالِ نَائِبٌ عن اللَّهِ تَعَالَى غير أَنَّ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ الرُّكْنُ هو إخْرَاجُ جُزْءٍ من النِّصَابِ من حَيْثُ الْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ وَعِنْدَهُمَا صُورَةً وَمَعْنًى لَكِنْ يَجُوزُ إقَامَةُ الْغَيْرِ مَقَامَهُ من حَيْثُ الْمَعْنَى وَيَبْطُلُ اعْتِبَارُ الصُّورَةِ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْحَقِّ وهو اللَّهُ تَعَالَى على ما بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَبَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ في السَّوَائِمِ على قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ‏.‏

وَعَلَى هذا يُخَرَّجُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَى وُجُوهِ الْبِرِّ من بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالرِّبَاطَاتِ وَالسِّقَايَاتِ وَإِصْلَاحِ الْقَنَاطِرِ وَتَكْفِينِ الْمَوْتَى وَدَفْنِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ التَّمْلِيكُ أَصْلًا وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى بِالزَّكَاةِ طَعَامًا فَأَطْعَمَ الْفُقَرَاءَ غذاء ‏[‏غداء‏]‏ وَعَشَاءً ولم يَدْفَعْ عَيْنَ الطَّعَامِ إلَيْهِمْ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ وَكَذَا لو قَضَى دَيْنَ مَيِّتٍ فَقِيرٍ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ التَّمْلِيكُ من الْفَقِيرِ لِعَدَمِ قَبْضِهِ‏.‏

وَلَوْ قَضَى دَيْنَ حَيٍّ فَقِيرٍ أن قَضَى بِغَيْرِ أَمْرِهِ لم يَجُزْ لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ التَّمْلِيكُ من الْفَقِيرِ لِعَدَمِ قَبْضِهِ وَإِنْ كان بِأَمْرِهِ يَجُوزُ عن الزَّكَاةِ لِوُجُودِ التَّمْلِيكِ من الْفَقِيرِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِهِ صَارَ وَكِيلًا عنه في الْقَبْضِ فَصَارَ كَأَنَّ الْفَقِيرَ قَبَضَ الصَّدَقَةَ بِنَفْسِهِ وَمِلْكِهِ من الْغَرِيمِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ لَا يَجُوزُ لِانْعِدَامِ التَّمْلِيكِ إذْ الْإِعْتَاقُ ليس بِتَمْلِيكٍ بَلْ هو إسْقَاطُ الْمِلْكِ وَكَذَا لو اشْتَرَى بِقَدْرِ الزَّكَاةِ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ لَا يَجُوزُ عن الزَّكَاةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وقال مَالِكٌ يَجُوزُ وَبِهِ تَأَوَّلَ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وفي الرِّقَابِ‏}‏ وهو أَنْ يَشْتَرِيَ بِالزَّكَاةِ عَبْدًا فَيُعْتِقَهُ وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ هو التَّمْلِيكُ وَالْإِعْتَاقُ إزَالَةُ الْمِلْكِ فلم يَأْتِ بِالْوَاجِبِ وَالْمُرَادُ من قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وفي الرِّقَابِ‏}‏ إعَانَةُ الْمُكَاتَبِينَ بِالزَّكَاةِ لِمَا نَذْكُرُهُ وَلَوْ دَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى الْإِمَامِ أو إلَى عَامِلِ الصَّدَقَةِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عن الْفَقِيرِ في الْقَبْضِ فكأن قَبْضُهُ كَقَبْضِ الْفَقِيرِ وَكَذَا لو دَفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ إلَى صَبِيٍّ فَقِيرٍ أو مَجْنُونٍ فَقِيرٍ وَقَبَضَ له وَلِيُّهُ أَبُوهُ أو جَدُّهُ أو وَصِيُّهُمَا جَازَ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَمْلِكُ قَبْضَ الصَّدَقَةِ عنه وَكَذَا لو قَبَضَ عنه بَعْضُ أَقَارِبِهِ وَلَيْسَ ثَمَّةَ أَقْرَبَ منه وهو في عِيَالِهِ يَجُوزُ وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ الذي هو في عِيَالِهِ لِأَنَّهُ في مَعْنَى الْوَلِيِّ في قَبْضِ الصَّدَقَةِ لِكَوْنِهِ نَفْعًا مَحْضًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ قَبْضَ الْهِبَةِ له وَكَذَا الْمُلْتَقِطُ إذَا قَبَضَ الصَّدَقَةَ عن اللَّقِيطِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبْضَ له فَقَدْ وَجَدَ تَمْلِيكَ الصَّدَقَةِ من الْفَقِيرِ‏.‏

وَذُكِرَ في الْعُيُونِ عن أبي يُوسُفَ أَنَّ من عَالَ يَتِيمًا فَجَعَلَ يَكْسُوهُ وَيُطْعِمُهُ وَيَنْوِي بِهِ عن زَكَاةِ مَالِهِ يَجُوزُ وقال مُحَمَّدٌ ما كان من كِسْوَةٍ يَجُوزُ وفي الطَّعَامِ لَا يَجُوزُ إلَّا ما دُفِعَ إلَيْهِ وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا في الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ مُرَادَ أبي يُوسُفَ ليس هو الْإِطْعَامُ على طَرِيقِ الْإِبَاحَةِ بَلْ على وَجْهِ التَّمْلِيكِ ثُمَّ إنْ كان الْيَتِيمُ عَاقِلًا يُدْفَعُ إلَيْهِ وَإِنْ لم يَكُنْ عَاقِلًا يُقْبَضُ عنه بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ ثُمَّ يَكْسُوهُ وَيُطْعِمُهُ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَلِيِّ كَقَبْضِهِ لو كان عَاقِلًا‏.‏ وَلَا يَجُوزُ قَبْضُ الْأَجْنَبِيِّ لِلْفَقِيرِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ إلَّا بِتَوْكِيلِهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ له عليه فَلَا بُدَّ من أَمْرِهِ كما في قَبْضِ الْهِبَةِ وَعَلَى هذا أَيْضًا يُخَرَّجُ الدَّفْعُ إلَى عَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ إذْ هُمْ لَا يَمْلِكُونَ شيئا فَكَانَ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ دَفْعًا إلَى نَفْسِهِ وَلَا يَدْفَعُ إلَى مُكَاتَبِهِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ ما بَقِيَ عليه دِرْهَمٌ وَلِأَنَّ كَسْبَهُ مُتَرَدِّدٌ بين أَنْ يَكُونَ له أو لِمَوْلَاهُ لِجَوَازِ أَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ‏.‏

وَلَا يَدْفَعُ إلَى وَالِدِهِ وَإِنْ عَلَا وَلَا إلَى وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِمِلْكِهِ فَكَانَ الدَّفْعُ إلَيْهِ دَفْعًا إلَى نَفْسِهِ من وَجْهٍ فَلَا يَقَعُ تَمْلِيكًا مُطْلَقًا ولهذا ‏[‏لهذا‏]‏ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ وَلَا يَدْفَعُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ زَكَاتَهُ إلَى الْآخَرِ وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تَدْفَعُ الزَّوْجَةُ زَكَاتَهَا إلَى زَوْجِهَا احْتَجَّا بِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةَ عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عن الصَّدَقَةِ على زَوْجِهَا عبد اللَّهِ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لَكِ أَجْرَانِ أَجْرُ الصَّدَقَةِ وَأَجْرُ الصِّلَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ يَنْتَفِعُ بِمَالِ صَاحِبِهِ كما يَنْتَفِعُ بِمَالِ نَفْسِهِ عُرْفًا وَعَادَةً فَلَا يَتَكَامَلُ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَلِهَذَا لم يَجُزْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَدْفَعَ إلَى زَوْجَتِهِ كَذَا الزَّوْجَةُ وَتُخَرَّجُ هذه الْمَسَائِلُ على أَصْلٍ آخَرَ سَنَذْكُرُهُ وَالله تعالى أعلم‏.‏