فصل: فصل الذي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ التَّصَرُّفِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***


فصل الذي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ التَّصَرُّفِ

وَأَمَّا الذي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ التَّصَرُّفِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ نَافِعًا في حَقِّ الْمُوَلَّى عليه لَا ضَارًّا في حَقِّهِ فَلَيْسَ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْجَدِّ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ حُرَّةً وَلَا أَمَةً لِغَيْرِهِمَا لِأَنَّ هذا التَّصَرُّفَ ضَارٌّ في حَقِّ الْمُوَلَّى عليه لِأَنَّ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ يَتَعَلَّقَانِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ من غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ في مُقَابَلَتِهِ وَالْإِضْرَارُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالتَّبَرُّعَاتِ وَكَذَا كُلُّ من يَتَصَرَّفُ على غَيْرِهِ بِالْإِذْنِ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ الْعَبْدِ كَالْمُكَاتَبِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ وَالْمَأْذُونِ لِأَنَّ إطْلَاقَ التَّصَرُّفِ لِهَؤُلَاءِ مُقَيَّدٌ بِالنَّظَرِ وَأَمَّا تَزْوِيجُ الْأَمَةِ حُرًّا أو عَبْدًا لغيرها ‏[‏لغيرهما‏]‏ فَيَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْوَصِيُّ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُفَاوَضُ وَالْقَاضِي وَأَمِينُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ لِكَوْنِهِ تَحْصِيلَ مَالٍ من غَيْرِ أَنْ يُقَابِلَهُ مَالٌ فَيَمْلِكُهُ هَؤُلَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ الْبَيْعَ مع أَنَّهُ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَهَذَا أَوْلَى فَأَمَّا شَرِيكُ الْعِنَانِ وَالْمُضَارِبُ وَالْمَأْذُونُ فَلَا يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ يَمْلِكُونَ وَجْهُ قَوْلِ أبي يُوسُفَ أَنَّ هذا تَصَرُّفٌ نَافِعٌ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ مَالٍ لَا يُقَابِلُهُ مَالٌ فَيَمْلِكُونَهُ كَشَرِيكِ الْمُفَاوَضَةِ

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ تَصَرُّفَ هَؤُلَاءِ يَخْتَصُّ بِالتِّجَارَةِ وَالنِّكَاحُ ليس من التِّجَارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَأْذُونَةَ لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا وَلَوْ كان النِّكَاحُ تِجَارَةً لَمَلَكَتْ لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالنِّكَاحُ مُعَاوَضَةُ الْبُضْعِ بِالْمَالِ فلم يَكُنْ تِجَارَةً فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَتِهِمْ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضِ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُخْتَصٌّ بِالنَّفْعِ لَا بِالتِّجَارَةِ وَهَذَا نَافِعٌ وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ من عبد ابْنِهِ قال أبو يُوسُفَ يَجُوزُ وقال زُفَرُ لَا يَجُوزُ‏.‏

وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ تَزْوِيجَ عَبْدِهِ الصَّغِيرِ لم يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَةِ الْأَبِ فَكَانَ الْأَبُ فيه كَالْأَجْنَبِيِّ وَاحْتِمَالُ الضَّرَرِ ثَابِتٌ لِجَوَازِ أَنْ يَبِيعَ الْأَمَةَ فَيَتَعَلَّقُ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الصَّغِيرُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ زَوَّجَهُ أَمَةَ الْغَيْرِ وَلَنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ مَوْجُودٌ فَلَا يَمْتَنِعُ الثُّبُوتُ إلَّا لِمَكَانِ الضَّرَرِ وَهَذَا نَفْعٌ لَا مَضَرَّةَ فيه لِأَنَّ الْأَوْلَادَ له وَلَا يَتَعَلَّقُ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فَكَانَ نَفْعًا مَحْضًا فَيَمْلِكُهُ قَوْلُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَبِيعَهُ قُلْنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَبِيعَهُ فَلَا يَجُوزُ تَعْطِيلُ الْوِلَايَةِ المخففة ‏[‏المحققة‏]‏ لِلْحَالِ لِأَمْرٍ يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ

وَعَلَى هذا يَخْرُجُ ما إذَا زَوَّجَ الْأَبُ أو الْجَدُّ الصَّغِيرَةَ من كُفْءٍ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ أو زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً بِأَكْثَرَ من مَهْرِ مِثْلِهَا أَنَّهُ إنْ كان ذلك مِمَّا يَتَغَابَنُ الناس في مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كان مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ الناس في مِثْلِهِ يَجُوزُ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وفي قَوْلِ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ هِشَامٌ عنهما أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ وَلَوْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا من غَيْرِ كُفْءٍ فَهُوَ على هذا الْخِلَافِ وَلَوْ فَعَلَ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ شيئا مِمَّا ذَكَرْنَا لَا يَجُوزُ في قولهم ‏[‏قوليهما‏]‏ جميعا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ تَثْبُتُ نَظَرًا في حَقِّ الْمُوَلَّى عليه‏.‏

وَلَا نَظَرَ في الْحَطِّ على مَهْرِ الْمِثْلِ في إنْكَاحِ الصَّغِيرَةِ وَلَا في الزِّيَادَةِ على مَهْرِ الْمِثْلِ في إنْكَاحِ الصَّغِيرِ بَلْ فيه ضَرَرٌ بِهِمَا وَالْإِضْرَارُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ كَذَا هذا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ما رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي اللَّهُ عنه زَوَّجَ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها وَهِيَ صَغِيرَةٌ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَتَزَوَّجَهَا رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على ذلك وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا كان أَضْعَافَ ذلك وَلِأَنَّ الْأَبَ وَافِرُ الشَّفَقَةِ على وَلَدِهِ يَنْظُرُ له ما لَا يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذلك إلَّا لِتَوْفِيرِ مَقْصُودٍ من مَقَاصِدِ النِّكَاحِ هو أَنْفَعُ وَأَجْدَى من كَثِيرٍ من الْمَالِ من مُوَافَقَةِ الْأَخْلَاقِ وَحُسْنِ الصُّحْبَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَنَحْوِ ذلك من الْمَعَانِي الْمَقْصُودَةِ بِالنِّكَاحِ فَكَانَ تَصَرُّفُهُ وَالْحَالَةُ هذه نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ لَا ضَرَرًا بِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِأَنَّ وَجْهَ الضَّرَرِ في تَصَرُّفِهِمَا ظَاهِرٌ وَلَيْسَ ثَمَّةَ دَلِيلٍ يَدُلُّ على اشْتِمَالِهِ على الْمَصْلَحَةِ الْبَاطِنَةِ الْخَفِيَّةِ التي تَزِيدُ على الضَّرَرِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ ذلك إنَّمَا يُعْرَفُ بِوُفُورِ الشَّفَقَةِ ولم يُوجَدْ بِخِلَافِ ما إذَا بَاعَ الْأَبُ أَمَةً لَهُمَا بِأَقَلَّ من قِيمَتِهَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ الناس فيه أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْمَقْصُودُ من الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ هو الْوُصُولُ إلَى الْعِوَضِ الْمَالِيِّ ولم يُوجَدْ وَبِخِلَافِ ما إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُمَا بِأَقَلَّ من مَهْرِ مِثْلِهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُمَا فِيمَا يَحْصُلُ لِلْأَمَةِ من حَظِّ الزَّوْجِ وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُهُمَا في حُصُولِ عِوَضِ بُضْعِ الْأَمَةِ لَهُمَا وهو مَهْرُ الْمِثْلِ ولم يَحْصُلْ وَعَلَى هذا الْخِلَافِ التَّوْكِيلُ بِأَنْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ امْرَأَةً بِأَكْثَرَ من مَهْرِ مِثْلِهَا مِقْدَارُ ما لَا يَتَغَابَنُ الناس في مِثْلِهِ أو وَكَّلَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهَا من رَجُلٍ فَزَوَّجَهَا من رَجُلٍ بِدُونِ صَدَاقِ مِثْلِهَا أو من غَيْرِ كُفْءٍ فَهُوَ على اخْتِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ إن شاء الله تعالى‏.‏ في كتاب الْوَكَالَةِ وَعَلَى هذا الْوَكِيلُ بِالتَّزْوِيجِ من جَانِبِ الرَّجُلِ أو الْمَرْأَةِ إذَا زَوَّجَ الْمُوَكِّلَ من لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَكِيلِ له فَهُوَ على الِاخْتِلَافِ في الْبَيْعِ وَنَذْكُرُ ذلك كُلَّهُ إن شاء الله تعالى في كتاب الْوَكَالَةِ‏.‏

وَعَلَى هذا الْخِلَافِ الْوَكِيلُ من جَانِبِ الرَّجُلِ بِالتَّزْوِيجِ إذَا زَوَّجَهُ أَمَةً لِغَيْرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَلِسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ من جَانِبِ النِّسَاءِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَتُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ من جَانِبَيْنِ عِنْدَهُمَا في مِثْلِ هذا الْمَوْضِعِ لِمَكَانِ الْعُرْفِ اسْتِحْسَانًا على ما نَذْكُرُ إن شاء الله تعالى‏.‏ في مَوْضِعِهِ وَلَوْ أَقَرَّ الْأَبُ على ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ بِالنِّكَاحِ أو على ابْنِهِ الصَّغِيرِ لَا يُصَدَّقُ في إقْرَارِهِ حتى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ على نَفْسِ النِّكَاحِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُصَدَّقُ من غَيْرِ شُهُودٍ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ في مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَدَّعِيَ امْرَأَةٌ نِكَاحَ الصَّغِيرِ أو يدعى رَجُلٌ نِكَاحَ الصَّغِيرَةِ وَالْأَبُ يُنْكِرُ ذلك فَيُقِيمُ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً على إقْرَارِ الْأَبِ بِالنِّكَاحِ فَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ هذه الشَّهَادَةُ حتى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ على نَفْسِ الْعَقْدِ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ وَيَظْهَرُ النِّكَاحُ وَالثَّانِي أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ نِكَاحَ الصَّغِيرَةِ أو امْرَأَةٌ نِكَاحَ الصَّغِيرِ بَعْدَ بُلُوغِهِمَا وَهُمَا مُنْكِرَانِ ذلك فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ على إقْرَارِ الْأَبِ بِالنِّكَاحِ في حَالِ الصِّغَرِ وَعَلَى هذا الْخِلَافِ الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ إذَا أَقَرَّ على مُوَكِّلِهِ أو على مُوَكِّلَتِهِ بِالنِّكَاحِ وَالْمَوْلَى إذَا أَقَرَّ على عَبْدِهِ بِالنِّكَاحِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْبَلُ وَأَجْمَعُوا على أَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَقَرَّ على أَمَتِهِ بِالنِّكَاحِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ من غَيْرِ شَهَادَةٍ

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ إنْ أَقَرَّ بِعَقْدٍ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَيُصَدَّقُ فيه من غَيْرِ شُهُودٍ كما لو أَقَرَّ بِتَزْوِيجِ أَمَتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَقَرَّ بِعَقْدٍ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ النِّكَاحِ على الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِ ذلك وإذا مَلَكَ إنْشَاءَهُ لم يَكُنْ مُتَّهَمًا في الْإِقْرَارِ فَيُصَدَّقُ كَالْمَوْلَى إذَا أَقَرَّ بِالْفَيْءِ في مُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَزَوْجِ الْمُعْتَدَّةِ إذَا قال في الْعِدَّةِ رَاجَعْتُك لِمَا قُلْنَا كَذَا هذا‏.‏

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُ النبي صلى الله عليه وسلم لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ نَفَى النِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ من غَيْرِ فصل بين الِانْعِقَادِ وَالظُّهُورِ بَلْ الْحَمْلُ على الظُّهُورِ أَوْلَى لِأَنَّ فيه عَمَلًا بِحَقِيقَةِ اسْمِ الشَّاهِدِ إذْ هو اسْمٌ لِفَاعِلِ الشَّهَادَةِ وهو الْمُؤَدِّي لها وَالْحَاجَةُ إلَى الْأَدَاءِ عِنْدَ الظُّهُورِ لَا عِنْدَ الِانْعِقَادِ وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ على الْغَيْرِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ بِعَقْدٍ لَا يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا يَتِمُّ بِهِ وَبِشَهَادَةِ الْآخَرِينَ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِمُسَاعِدَةِ آخَرِينَ قِيَاسًا على الْوُكَلَاءِ الثَّلَاثَةِ في النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ وَالْإِقْرَارُ بِالنِّكَاحِ إقْرَارٌ بِمَنَافِعِ الْبُضْعِ وَإِنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ أَلَا تَرَى أنها لو وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كان الْمَهْرُ لها لَا لِلْأَبِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فإن مَنَافِعَ بُضْعِهَا مَمْلُوكَةٌ فَكَانَ ذلك إقْرَارًا بِمَا مَلَكَ فَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ وِلَايَةَ الْعَقْدِ وَمِلْكَ الْمَعْقُودِ عليه وَهُمَا اعْتَبَرَا وِلَايَةَ الْعَقْدِ فَقَطْ وَاَللَّهُ عز وجل أَعْلَمُ‏.‏

فصل وِلَايَةِ النَّدْبِ وَالِاسْتِحْباب

وَأَمَّا وِلَايَةُ النَّدْبِ وَالِاسْتِحْباب فَهِيَ الْوِلَايَةُ على الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بِكْرًا كانت أو ثَيِّبًا في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَقَوْلِ أبي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وفي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ الْوِلَايَةُ عليها وِلَايَةٌ مُشْتَرَكَةٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هِيَ وِلَايَةٌ مُشْتَرَكَةٌ أَيْضًا لَا في العبادة ‏[‏العبارة‏]‏ فَإِنَّهَا لِلْمَوْلَى خَاصَّةً وَشَرْطُ ثُبُوتِ هذه الْوِلَايَةِ على أَصْلِ أَصْحَابِنَا هو رِضَا الْمُوَلَّى عليه لَا غَيْرُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هذا وَعِبَارَةُ الْوَلِيِّ أَيْضًا وَعَلَى هذا يبني الْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا من رَجُلٍ أو وَكَّلَتْ رَجُلًا بِالتَّزْوِيجِ فَتَزَوَّجَهَا أو زَوَّجَهَا فُضُولِيٌّ فَأَجَازَتْ جَازَ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ سَوَاءً زَوَّجَتْ نَفْسَهَا من كُفْءٍ أو غَيْرِ كُفْءٍ بِمَهْرٍ وَافِرٍ أو قَاصِرٍ غير أنها إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا من غَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ وَكَذَا إذَا زَوَّجَتْ بِمَهْرٍ قَاصِرٍ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ في مَوْضِعِهَا وفي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ حتى يُجِيزَهُ الْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ فَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا قبل الْإِجَازَةِ وَلَوْ وَطِئَهَا يَكُونُ وطأ حَرَامًا وَلَا يَقَعُ عليها طَلَاقُهُ وَظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لم يَرِثْهُ الْآخَرُ سَوَاءً زَوَّجَتْ نَفْسَهَا من كُفْءٍ أو غَيْرِ كُفْءٍ وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ الْآخَرُ رَوَى الْحَسَنُ بن زِيَادٍ عنه وروى عن أبي يُوسُفَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أنها إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا من كُفْءٍ يَنْفُذُ وَتَثْبُتُ سَائِرُ الْأَحْكَامِ وَرُوِيَ عن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا كان لِلْمَرْأَةِ وَلِيٌّ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ لها وَلِيٌّ جَازَ انكاحها على نَفْسِهَا وَرُوِيَ عن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا بِدُونِ الْوَلِيِّ إلَّا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فقال مُحَمَّدٌ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِعِبَارَتِهَا وَيَنْفُذُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَإِجَازَتِهِ وَيَنْعَقِدُ بِعِبَارَةِ الْوَلِيِّ وَيَنْفُذُ بإذنه ‏[‏بإذنها‏]‏ وَإِجَازَتِهَا فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا عِبَارَةَ لِلنِّسَاءِ في باب النِّكَاحِ أَصْلًا حتى لو تَوَكَّلَتْ امْرَأَةٌ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ من وَلِيِّهَا فَتَزَوَّجَتْ لم يَجُزْ عِنْدَهُ وَكَذَا إذَا زَوَّجَتْ بِنْتَهَا بِإِذْنِ الْقَاضِي لم يَجُزْ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ‏}‏ هذا خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ وَالْأَيِّمُ اسْمٌ لِامْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لها بِكْرًا كانت أو ثَيِّبًا وَمَتَى ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ عليها كانت هِيَ مُوَلَّيًا عليها ضَرُورَةً فَلَا تَكُونُ وَالِيَةً وَقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ وَقَوْلِهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ لِأَنَّ النِّكَاحَ من جَانِبِ النِّسَاءِ عَقْدُ إضْرَارٍ بِنَفْسِهِ وَحُكْمِهِ وَثَمَرَتِهِ‏.‏

أَمَّا نَفْسُهُ فإنه رِقٌّ وَأَسْرٌ قال النبي صلى الله عليه وسلم النِّكَاحُ رِقٌّ فَلْيَنْظُرْ أحدكم أَيْنَ يَضَعُ كَرِيمَتَهُ وقال عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ أي أَسِيرَاتٌ وَالْإِرْقَاقُ إضْرَارٌ وَأَمَّا حُكْمُهُ فإنه مِلْكٌ فَالزَّوْجُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ في مَنَافِعِ بُضْعِهَا اسْتِيفَاءً بِالْوَطْءِ وَإِسْقَاطًا بِالطَّلَاقِ وَيَمْلِكُ حَجْرَهَا عن الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ عن ‏[‏وعن‏]‏ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ وَأَمَّا ثَمَرَتُهُ فَالِاسْتِفْرَاشُ كُرْهًا وَجَبْرًا وَلَا شَكَّ إن هذا إضْرَارٌ إلَّا أَنَّهُ قد يَنْقَلِبُ مَصْلَحَةً وَيَنْجَبِرُ ما فيه من الضَّرَرِ إذَا وَقَعَ وَسِيلَةً إلَى الْمَصَالِحِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَلَا يُسْتَدْرَكُ ذلك إلَّا بِالرَّأْيِ الْكَامِلِ وَرَأْيُهَا نَاقِصٌ لِنُقْصَانِ عَقْلِهَا فَبَقِيَ النِّكَاحُ مَضَرَّةً فَلَا تَمْلِكُهُ وَاحْتَجَّ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَا روى عن عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ وَالْبَاطِلُ من التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ ما لَا حُكْمَ له شَرْعًا كَالْبَيْعِ الْبَاطِلِ وَنَحْوِهِ وَلِأَنَّ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقًّا في النِّكَاحِ بِدَلِيلِ أَنَّ لهم حَقَّ الِاعْتِرَاضِ وَالْفَسْخِ وَمَنْ لَا حَقَّ له في عَقْدٍ كَيْفَ يَمْلِكُ فَسْخَهُ وَالتَّصَرُّفُ في حَقِّ الْإِنْسَانِ يَقِفُ جَوَازُهُ على جَوَازِ صَاحِبِ الْحَقِّ كَالْأَمَةِ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا وَجْهُ ما رُوِيَ عن أبي يُوسُفَ أنها إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا من كُفْءٍ يَنْفُذُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوْلِيَاءِ في النِّكَاحِ من حَيْثُ صِيَانَتُهُمْ عَمَّا يُوجِبُ لُحُوقَ الْعَارِ وَالشَّيْنِ بِهِمْ بِنِسْبَةِ من لَا يُكَافِئُهُمْ بِالصِّهْرِيَّةِ إلَيْهِمْ وقد بَطَلَ هذا الْمَعْنَى بِالتَّزْوِيجِ من كُفْءٍ يُحَقِّقُهُ أنها لو وَجَدَتْ كفأ وَطَلَبَتْ من الْمَوْلَى الْإِنْكَاحَ منه لَا يَحِلُّ له الِامْتِنَاعُ وَلَوْ امْتَنَعَ يَصِيرُ عَاضِلًا فَصَارَ عَقْدُهَا وَالْحَالَةُ هذه بِمَنْزِلَةِ عَقْدِهِ بِنَفْسِهِ‏.‏

وَجْهُ ما رُوِيَ عن مُحَمَّدٍ من الْفَرْقِ بين ما إذَا كان لها وَلِيٌّ وَبَيْنَ ما إذَا لم يَكُنْ لها وَلِيٌّ أَنَّ وُقُوفَ الْعَقْدِ على إذْنِ الْوَلِيِّ كان لِحَقِّ الْوَلِيِّ لَا لِحَقِّهَا فإذا لم يَكُنْ لها وَلِيٌّ فَلَا حَقَّ لِلْوَلِيِّ فَكَانَ الْحَقُّ لها خَاصَّةً فإذا عَقَدَتْ فَقَدْ تَصَرَّفَتْ في خَالِصِ حَقِّهَا فَنَفَذَ وَأَمَّا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا من كُفْءٍ وَبَلَغَ الْوَلِيَّ فَامْتَنَعَ من الْإِجَازَةِ فَرَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى الْحَاكِمِ فإنه يُجِيزُهُ في قَوْلِ أبي يُوسُفَ وقال مُحَمَّدٌ يُسْتَأْنَفُ الْعَقْدُ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْعَقْدَ كان مَوْقُوفًا على إجَازَةِ الْوَلِيِّ فإذا امْتَنَعَ من الْإِجَازَةِ فَقَدْ رَدَّهُ فَيَرْتَدُّ وَيَبْطُلُ من الْأَصْلِ فَلَا بُدَّ من الِاسْتِئْنَافِ وَجْهُ قَوْلِ أبي يُوسُفَ أَنَّهُ بِالِامْتِنَاعِ صَارَ عَاضِلًا إذْ لَا يَحِلُّ له الِامْتِنَاعُ من الْإِجَازَةِ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا من كُفْءٍ فإذا امْتَنَعَ فَقَدْ عَضَلَهَا فَخَرَجَ من أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا وَانْقَلَبَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الْحَاكِمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ الْكتاب الْعَزِيزُ وَالسَّنَةُ وَالِاسْتِدْلَالُ أَمَّا الْكتاب فَقَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا‏}‏ فَالْآيَةُ الشَّرِيفَةُ نَصٌّ على انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِعِبَارَتِهَا وَانْعِقَادِهَا بِلَفْظِ الْهِبَةِ فَكَانَتْ حُجَّةً على الْمُخَالِفِ في الْمَسْأَلَتَيْنِ وقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ له من بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏}‏ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَيْهَا فَيَقْتَضِي تَصَوُّرَ النِّكَاحِ منها وَالثَّانِي أَنَّهُ جَعَلَ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ غَايَةَ الْحُرْمَةِ فَيَقْتَضِي انْتِهَاءَ الْحُرْمَةِ عِنْدَ نِكَاحِهَا نَفْسِهَا وَعِنْدَهُ لَا تَنْتَهِي وَقَوْلُهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا‏}‏ أَيْ يَتَنَاكَحَا أَضَافَ النِّكَاحَ إلَيْهِمَا من غَيْرِ ذِكْرِ الْوَلِيِّ وَقَوْلُهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏وإذا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ‏}‏ الْآيَةُ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَيْهِنَّ فَيَدُلُّ على جَوَازِ النِّكَاحِ بِعِبَارَتِهِنَّ من غَيْرِ شَرْطِ الْوَلِيِّ‏.‏

وَالثَّانِي أَنَّهُ نهى الْأَوْلِيَاءَ عن الْمَنْعِ عن نِكَاحِهِنَّ أَنْفُسَهُنَّ من أَزْوَاجِهِنَّ إذَا تَرَاضَى الزَّوْجَانِ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي تَصْوِيرَ الْمَنْهِيَّ عنه وَأَمَّا السُّنَّةُ فما رُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال ليس لِلْوَلِيِّ مع الثَّيِّبِ أَمْرٌ وَهَذَا قَطْعُ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ عنها وَرُوِيَ عنه أَيْضًا عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا وَالْأَيِّمُ اسْمٌ لِامْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لها‏.‏

وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال فَهُوَ أنها لَمَّا بَلَغَتْ عن عَقْلٍ وَحُرِّيَّةٍ فَقَدْ صَارَتْ وَلِيَّةَ نَفْسِهَا في النِّكَاحِ فَلَا تَبْقَى مُولَيًا عليها كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إذَا بَلَغَ وَالْجَامِعُ أَنَّ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ إنَّمَا ثَبَتَتْ لِلْأَبِ على الصَّغِيرَةِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عنها شَرْعًا لِكَوْنِ النِّكَاحِ تَصَرُّفًا نَافِعًا مُتَضَمِّنًا مَصْلَحَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَحَاجَتَهَا إلَيْهِ حَالًا وَمَآلًا وَكَوْنِهَا عَاجِزَةً عن إحْرَازِ ذلك بِنَفْسِهَا وَكَوْنِ الْأَبِ قَادِرًا عليه بالبلوغ ‏[‏وبالبلوغ‏]‏ عن عَقْلٍ زَالَ الْعَجْزُ حَقِيقَةً وَقَدَرَتْ على التَّصَرُّفِ في نَفْسِهَا حَقِيقَةً فَتَزُولُ وِلَايَةُ الْغَيْرِ عنها وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لها لِأَنَّ النِّيَابَةَ الشَّرْعِيَّةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ نَظَرًا فَتَزُولُ بِزَوَالِ الضَّرُورَةِ مع أَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُنَافِيَةٌ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْحُرِّ على الْحُرِّ وَثُبُوتُ الشَّيْءِ مع الْمُنَافِي لَا يَكُونُ إلَّا بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى زَالَتْ الْوِلَايَةُ عن إنْكَاحِ الصَّغِيرِ الْعَاقِلِ إذَا بَلَغَ وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ له وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ في الْفَرْعِ وَلِهَذَا زَالَتْ وِلَايَةُ الْأَبِ عن التَّصَرُّفِ في مَالِهَا وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لها كَذَا هذا‏.‏

وإذا صَارَتْ وَلِيَّ نَفْسِهَا في النِّكَاحِ لَا تَبْقَى مُولَيًا عليها بِالضَّرُورَةِ لِمَا فيه من الِاسْتِحَالَةِ وَأَمَّا الْآيَةُ فَالْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ بِالْإِنْكَاحِ ليس يَدُلُّ على أَنَّ الْوَلِيَّ شَرْطُ جَوَازِ الْإِنْكَاحِ بَلْ على وِفَاقِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ بين الناس فإن النِّسَاءَ لَا يَتَوَلَّيْنَ النِّكَاحَ بِأَنْفُسِهِنَّ عَادَةً لِمَا فيه من الْحَاجَةِ إلَى الْخُرُوجِ إلَى مَحَافِلِ الرِّجَالِ وَفِيهِ نِسْبَتُهُنَّ إلَى الْوَقَاحَةِ بَلْ الْأَوْلِيَاءُ هُمْ الَّذِينَ يَتَوَلُّونَ ذلك عَلَيْهِنَّ بِرِضَاهُنَّ فَخَرَجَ الْخِطَابُ بِالْأَمْرِ بِالْإِنْكَاحِ مَخْرَجَ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ على النَّدْبِ وَالِاسْتِحْباب دُونَ الْحَتْمِ وَالْإِيجَابِ وَالدَّلِيلُ عليه ما ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَقِيبَهُ وهو قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالصَّالِحِينَ من عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ‏}‏ ثُمَّ لم يَكُنْ الصَّلَاحُ شَرْطَ الْجَوَازِ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا‏}‏ أو تُحْمَلُ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ على إنْكَاحِ الصِّغَارِ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ كُلِّهَا وَعَلَى هذا يُحْمَلُ قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ إن ذلك على النَّدْبِ وَالِاسْتِحْباب وَكَذَا قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ مع ما حُكِيَ عن بَعْضِ النَّقَلَةِ أَنَّ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ لم تَصِحَّ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَعُدَّ من جُمْلَتِهَا هذا وَلِهَذَا لم يُخَرَّجْ في الصَّحِيحَيْنِ على أَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِ الْأَحَادِيثِ لَكِنْ لَمَّا قُلْتُمْ إن هذا إنْكَاحٌ بِغَيْرِ وَلِيٍّ بَلْ الْمَرْأَةُ وَلِيَّةُ نَفْسِهَا لِمَا ذَكَرْنَا من الدَّلَائِلِ وَالله أعلم‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى اللَّهُ عليه وسلم النِّكَاحُ عَقْدُ ضَرَرٍ فَمَمْنُوعٌ بَلْ هو عَقْدُ مَنْفَعَةٍ لِاشْتِمَالِهِ على مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا من السَّكَنِ والألف وَالْمَوَدَّةِ وَالتَّنَاسُلِ وَالْعِفَّةِ عن الزِّنَا وَاسْتِيفَاءِ الْمَرْأَةِ بِالنَّفَقَةِ إلَّا أَنَّ هذه الْمَصَالِحَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِضَرْبِ مِلْكٍ عليها إذْ لو لم تَكُنْ لَا تَصِيرُ مَمْنُوعَةً عن الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ والتزوج ‏[‏والتزويج‏]‏ بِزَوْجٍ آخَرَ وفي الْخُرُوجِ وَالْبُرُوز فَسَادُ السَّكَنِ لِأَنَّ قَلْبَ الرَّجُلِ لَا يَطْمَئِنُّ إلَيْهَا وفي التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ فَسَادُ الْفِرَاشِ لِأَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَشْتَبِهُ النَّسَبُ وَيَضِيعُ الْوَلَدُ فَالشَّرْعُ ضَرَبَ عليها نَوْعَ مِلْكٍ ضَرُورَةَ حُصُولِ الْمَصَالِحِ فَكَانَ الْمِلْكُ وَسِيلَةً إلَى الْمَصَالِحِ وَالْوَسِيلَةُ إلَى الْمَصْلَحَةِ مَصْلَحَةٌ وَتَسْمِيَةُ النِّكَاحِ رِقًّا بِطَرِيقِ التَّمْثِيلِ لَا بِطَرِيقِ التَّحْقِيقِ لِانْعِدَامِ حَقِيقَةِ الرِّقِّ‏.‏

وَقَوْلُهُ عَقْلُهَا نَاقِصٌ قُلْنَا هذا النَّوْعُ من النُّقْصَانِ لَا يَمْنَعُ الْعِلْمَ بِمَصَالِحِ النِّكَاحِ فَلَا يَسْلُبُ أَهْلِيَّةَ النِّكَاحِ وَلِهَذَا لَا يَسْلُبُ أَهْلِيَّةَ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ من الْمُعَامَلَاتِ وَالدِّيَانَاتِ حتى يَصِحَّ منها التَّصَرُّفُ في الْمَالِ على طَرِيقِ الِاسْتِبْدَادِ وَإِنْ كانت تَجْرِي في التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ خِيَانَاتٌ خَفِيَّةٌ لَا تُدْرَكُ إلَّا بِالتَّأَمُّلِ وَيَصِحُّ منها الْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَيُؤْخَذُ عليها الْخِطَابُ بالإيمان وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ فَدَلَّ أَنَّ مالها من الْعَقْلِ كَافٍ وَالدَّلِيلُ عليه أَنَّهُ اُعْتُبِرَ عَقْلُهَا في اخْتِيَارِ الْأَزْوَاجِ حتى لو طَلَبَتْ من الْوَلِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا من كُفْءٍ يُفْتَرَضُ عليه التَّزْوِيجُ حتى لو امْتَنَعَ يَصِيرُ عَاضِلًا وَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ في التَّزْوِيجِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها فَقَدْ قِيلَ إنَّ مَدَارَهُ على الزُّهْرِيِّ فَعُرِضَ عليه فَأَنْكَرَهُ وَهَذَا يُوجِبُ ضَعْفًا في الثُّبُوتِ يُحَقِّقُ الضَّعْفَ أَنَّ رَاوِيَ الحديث عَائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها وَمِنْ مَذْهَبِهَا جَوَازُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَالدَّلِيلُ عليه ما رُوِيَ أنها زَوَّجَتْ بِنْتَ أَخِيهَا عبد الرحمن من الْمُنْذِرِ بن الزُّبَيْرِ وإذا كان مَذْهَبُهَا في هذا الْباب هذا فَكَيْفَ تَرْوِي حَدِيثًا لَا تَعْمَلُ بِهِ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَنَحْمِلُهُ على الْأَمَةِ لِأَنَّهُ رُوِيَ في بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا دَلَّ ذِكْرُ الْمَوَالِي على أَنَّ الْمُرَادَ من الْمَرْأَةِ الْأَمَةُ فَيَكُونُ عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ أَجْمَعَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدٍ أن لِلْوَلِيِّ حَقًّا في النِّكَاحِ فَنَقُولُ الْحَقُّ في النِّكَاحِ لها على الْوَلِيِّ لَا لِلْوَلِيِّ عليها بِدَلِيلِ أنها تُزَوَّجُ على الْوَلِيِّ إذَا غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وإذا كان حَاضِرًا يُجْبَرُ على التَّزْوِيجِ إذَا أَبَى وَعَضَلَ تُزَوَّجُ عليه وَالْمَرْأَةُ لَا تُجْبَرُ على النِّكَاحِ إذَا أَبَتْ وَأَرَادَ الْوَلِيُّ فَدَلَّ أَنَّ الْحَقَّ لها عليه وَمَنْ تَرَكَ حَقَّ نَفْسِهِ في عَقْدٍ له قِبَلَ غَيْرِهِ لم يُوجِبْ ذلك فَسَادَهُ على أَنَّهُ إنْ كان لِلْوَلِيِّ فيه ضَرْبُ حَقٍّ لَكِنَّ أَثَرَهُ في الْمَنْعِ من اللُّزُومِ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا من غَيْرِ كُفْءٍ لَا في الْمَنْعِ من النَّفَاذِ وَالْجَوَازِ لِأَنَّ في حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ في النِّكَاحِ من حَيْثُ صِيَانَتُهُمْ عَمَّا يَلْحَقُهُمْ من الشَّيْنِ وَالْعَارِ بِنِسْبَةِ عَدَا الْكُفْءِ إلَيْهِمْ بِالصِّهْرِيَّةِ فَإِنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا من كُفْءٍ فَقَدْ حَصَلَتْ الصِّيَانَةُ فَزَالَ الْمَانِعُ من اللُّزُومِ فَيَلْزَمُ وَإِنْ تَزَوَّجَتْ من غَيْرِ كُفْءٍ فَفِي النَّفَاذِ إنْ كان ضَرَرٌ بِالْأَوْلِيَاءِ وفي عَدَمِ النَّفَاذِ ضَرَرٌ بها بابطَالِ أَهْلِيَّتِهَا وَالْأَصْلُ في الضَّرَرَيْنِ إذَا اجْتَمَعَا أَنْ يَدْفَعَا ما أَمْكَنَ وَهَهُنَا أَمْكَنَ دَفْعُهُمَا بِأَنْ نَقُولَ بِنَفَاذِ النِّكَاحِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عنها وبعد ‏[‏وبعدم‏]‏ اللُّزُومِ وَثُبُوتِ وِلَايَةِ الِاعْتِرَاضِ لِلْأَوْلِيَاءِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ وَلِهَذَا نَظِيرٌ في الشَّرِيعَةِ فإن الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ بين اثْنَيْنِ إذَا كَاتَبَ أَحَدَهُمَا نَصِيبَهُ فَقَدْ دَفَعَ الضَّرَرَ عنه حتى لو أَدَّى بَدَلَ الْكتابةِ يُعْتَقُ وَلَكِنَّهُ لم يَلْزَمْهُ حتى كان لِلشَّرِيكِ الْآخِرِ حَقُّ فَسْخِ الْكتابةِ قبل أَدَاءِ الْبَدَلِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ

وَكَذَا الْعَبْدُ إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أو بِعُمْرَةٍ صَحَّ إحْرَامُهُ حتى لو أُعْتِقَ يَمْضِي في إحْرَامِهِ لَكِنَّهُ لم يَلْزَمْهُ حتى أن لِلْمَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عنه وَكَذَا لِلشَّفِيعِ حَقُّ تَمَلُّكِ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عن نَفْسِهِ ثُمَّ لو وَهَبَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ نَفَذَتْ هِبَتُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عنه لَكِنَّهَا لَا تَلْزَمُ حتى لِلشَّفِيعِ حَقُّ قَبْضِ الْهِبَةِ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عن نَفْسِهِ كَذَا هذا‏.‏

فصل شَرْطِ التَّقَدُّمِ

وَأَمَّا شَرْطُ التَّقَدُّمِ فَشَيْئَانِ أَحَدُهُمَا الْعُصُوبَةُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ فَتُقَدَّمُ الْعَصَبَةُ على ذَوِي الرَّحِمِ سَوَاءً كانت الْعَصَبَةُ أَقْرَبُ أو أَبْعَدُ وَعِنْدَهُمَا هِيَ شَرْطُ ثُبُوتِ أَصْلِ الْوِلَايَةِ على ما مَرَّ وَالثَّانِي قُرْبُ الْقَرَابَةِ يَتَقَدَّمُ الْأَقْرَبُ على الْأَبْعَدِ سَوَاءً كان في الْعَصَبَاتِ أو في غَيْرِهَا على أَصْلِ أبي حَنِيفَةَ وَعَلَى أَصْلِهِمَا هذا شَرْطُ التَّقَدُّمِ لَكِنْ في الْعَصَبَاتِ خَاصَّةً بِنَاءً على أَنَّ الْعَصَبَاتِ شَرْطُ ثُبُوتِ أَصْلِ الْوِلَايَةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ هِيَ شَرْطُ التَّقَدُّمِ على غَيْرِهِمْ من الْقَرَابَاتِ فما دَامَ ثَمَّةَ عَصَبَةٍ فَالْوِلَايَةُ لهم يَتَقَدَّمُ الْأَقْرَبُ منهم على الْأَبْعَدِ وَعِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَاتِ تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِذَوِي الرَّحِمِ الْأَقْرَبُ منهم يَتَقَدَّمُ على الْأَبْعَدِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ في الْوِلَايَةِ لِأَنَّ هذه وِلَايَةُ نَظَرٍ وَتَصَرُّفُ الْأَقْرَبِ انظر في حَقِّ الْمُوَلَّى عليه لِأَنَّهُ أَشْفَقُ فَكَانَ هو أَوْلَى من الْأَبْعَدِ وَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ إنْ كانت اسْتِحْقَاقُهَا بِالتَّعْصِيبِ كما قَالَا فَالْأَبْعَدُ لَا يَكُونُ عَصَبَةً مع الْأَقْرَبِ فَلَا يَلِي معه وَلَئِنْ كان اسْتِحْقَاقُهَا بِالْوِرَاثَةِ كما قال أبو حَنِيفَةَ فَالْأَبْعَدُ لَا يَرِثُ مع الْأَقْرَبِ فَلَا يَكُونُ وَلِيًّا معه وإذا عُرِفَ هذا فَنَقُولُ إذَا اجْتَمَعَ الْأَبُ وَالْجَدُّ في الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونِ الْكَبِيرِ وَالْمَجْنُونَةِ الْكَبِيرَةِ فَالْأَبُ أَوْلَى من الْجَدِّ أَبُ الْأَبِ لِوُجُودِ الْعُصُوبَةِ وَالْقُرْبِ وَالْجَدُّ أَبَ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا أَوْلَى من الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْأَخُ أَوْلَى من الْعَمِّ هَكَذَا وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْجَدُّ وَالْأَخُ سَوَاءٌ كما في الْمِيرَاثِ فإن الْأَخَ لَا يَرِثُ مع الْجَدِّ عِنْدَهُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَعِنْدَهُمَا يَشْتَرِكَانِ في الْمِيرَاثِ فَكَانَا كالآخوين وَإِنْ اجْتَمَعَ الْأَبُ وَالِابْنُ في الْمَجْنُونَةِ فَالِابْنُ أَوْلَى عِنْدَ أبي يُوسُفَ‏.‏

وَذَكَرَ الْقَاضِي في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ قَوْلَ أبي حَنِيفَةَ مع قَوْلِ أبي يُوسُفَ وَرَوَى الْمُعَلَّى عن أبي يُوسُفَ أَنَّهُ قال أَيُّهُمَا زَوَّجَ جَازَ وَإِنْ اجْتَمَعَا قلت لِلْأَبِ زَوِّجْ

وقال مُحَمَّدٌ الْأَبُ أَوْلَى بِهِ وَجْهُ قَوْلِهِ أن هذه الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ نَظَرًا لِلْمُوَلَّى عليه وَتَصَرُّفُ الْأَبِ انظر لها لِأَنَّهُ أَشْفَقُ عليها من الِابْنِ وَلِهَذَا كان هو أَوْلَى بِالتَّصَرُّفِ في مَالِهَا وَلِأَنَّ الْأَبَ من قَوْمِهَا وَالِابْنُ ليس منهم أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى أبيه فَكَانَ إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ عليها لِقَرَابَتِهَا أَوْلَى وَجْهُ قَوْلِ أبي يُوسُفَ أَنَّ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ مَبْنِيَّةٌ على الْعُصُوبَةِ وَالْأَبُ مع الِابْنِ إذَا اجْتَمَعَا فَالِابْنُ هو الْعَصَبَةُ وَالْأَبُ صَاحِبُ فَرْضٍ فَكَانَ كَالْأَخِ لِأُمٍّ مع الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَجْهُ رِوَايَةِ الْمُعَلَّى أَنَّهُ وُجِدَ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ما هو سَبَبُ التَّقَدُّمِ أَمَّا الْأَبُ فَلِأَنَّهُ من قَوْمِهَا وهو أَشْفَقُ عليها وَأَمَّا الِابْنُ فَلِأَنَّهُ يَرِثُهَا بِالتَّعْصِيبِ وَكُلُّ وَاحِدٍ من هَذَيْنِ سَبَبُ التَّقَدُّمِ فَأَيُّهُمَا زَوَّجَ جَازَ وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ يُقَدَّمُ الْأَبُ تَعْظِيمًا وَاحْتِرَامًا له وَكَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَ الْأَبُ وابن الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ فَهُوَ على هذا الْخِلَافِ وَالْأَفْضَلُ في الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنْ يُفَوِّضَ الِابْنُ الْإِنْكَاحَ إلَى الْأَبِ احْتِرَامًا لِلْأَبِ وَاحْتِرَازًا عن مَوْضِعِ الْخِلَافِ

وَعَلَى هذا الْخِلَافِ إذَا اجْتَمَعَ الْجَدُّ وَالِابْنُ قال أبو يُوسُفَ الِابْنُ أَوْلَى وقال مُحَمَّدٌ الْجَدُّ أَوْلَى وَالْوَجْهُ من الْجَانِبَيْنِ على نَحْوِ ما ذَكَرْنَا فَأَمَّا الْأَخُ وَالْجَدُّ فَهُوَ على الْخِلَافِ الذي ذَكَرْنَا بين أبي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ‏.‏

وَأَمَّا من غَيْرِ الْعَصَبَاتِ فَكُلُّ من يَرِثُ يُزَوِّجُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَمَنْ لَا فَلَا وَبَيَانُ من يَرِثُ منهم وَمَنْ لَا يَرِثُ يُعْرَفُ في كتاب الْفَرَائِضِ ثُمَّ إنَّمَا يَتَقَدَّمُ الْأَقْرَبُ على الْأَبْعَدِ إذَا كان الْأَقْرَبُ حَاضِرًا أو غَائِبًا غَيْبَةً غير مُنْقَطِعَةٍ فَأَمَّا إذَا كان غَائِبًا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَلِلْأَبْعَدِ أَنْ يُزَوِّجَ في قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا وِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ مع قِيَامِ الْأَقْرَبِ بِحَالٍ

وقال الشَّافِعِيُّ يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا في وِلَايَةِ الْأَقْرَبِ أنها تَزُولُ بِالْغَيْبَةِ أو تَبْقَى قال بَعْضُهُمْ أنها بَاقِيَةٌ إلَّا أن حَدَثَتْ لِلْأَبْعَدِ وِلَايَةٌ لِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ لها وَلِيَّيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ في الدَّرَجَةِ كَالْأَخَوَيْنِ وَالْعَمَّيْنِ وقال بَعْضُهُمْ تَزُولُ وِلَايَتُهُ وَتَنْتَقِلُ إلَى الْأَبْعَدِ وهو الْأَصَحُّ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ قَائِمَةٌ لِقِيَامِ سَبَبِ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ وهو الْقَرَابَةُ الْقَرِيبَةُ وَلِهَذَا لو زَوَّجَهَا حَيْثُ هو يَجُوزُ فَقِيَامُ وِلَايَتِهِ تَمْنَعُ الِانْتِقَالَ إلَى غَيْرِهِ وَالشَّافِعِيُّ يقول إنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ بَاقِيَةٌ كما قال زُفَرُ إلَّا أَنَّهُ اُمْتُنِعَ دَفْعُ حَاجَتِهَا من قِبَلِ الْأَقْرَبِ مع قِيَامِ وِلَايَتِهِ عليها بِسَبَبِ الْغَيْبَةِ فَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِلسُّلْطَانِ كما إذَا خَطَبَهَا كُفْءٌ وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ من تَزْوِيجِهَا منه إن لِلْقَاضِي أَنْ يُزَوِّجَهَا وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا دَفْعُ الضَّرَرِ عن الصَّغِيرَةِ‏.‏

وَلَنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ لِلْأَبْعَدِ زِيَادَةُ نَظَرٍ في حَقِّ الْعَاجِزِ فَتَثْبُتُ له الْوِلَايَةُ كما في الْأَبِ مع الْجَدِّ إذَا كَانَا حَاضِرَيْنِ وَدَلَالَةُ ما قُلْنَا إن الْأَبْعَدَ أَقْدَرُ على تَحْصِيلِ النَّظَرِ لِلْعَاجِزِ

لِأَنَّ مَصَالِحَ النِّكَاحِ مُضَمَّنَةٌ تَحْتَ الْكَفَاءَةِ وَالْمَهْرِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَبْعَدَ مُتَمَكِّنٌ من إحْرَازِ الْكُفْءِ الْحَاضِرِ بِحَيْثُ لَا يَفُوتُهُ غَالِبًا وَالْأَقْرَبُ الْغَائِبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً لَا يَقْدِرُ على حْرَازِهِ غَالِبًا لِأَنَّ الْكُفْءَ الْحَاضِرَ لَا يَنْتَظِرُ حُضُورَهُ وَاسْتِطْلَاعَ رَأْيِهِ غَالِبًا وَكَذَا الْكُفْءُ الْمُطْلَقُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُخْطَبُ حَيْثُ هِيَ عَادَةً فَكَانَ الْأَبْعَدُ أَقْدَرَ على إحْرَازِ الْكُفْءِ من الْأَقْرَبِ فَكَانَ أَقْدَرَ على إحْرَازِ النَّظَرِ فَكَانَ أَوْلَى بِثُبُوتِ الْوَلَايَةِ له إذْ الْمَرْجُوحُ في مُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ في الْأَحْكَامِ كما في الْأَبِ مع الْجَدِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ وَلَايَةَ الْأَقْرَبِ قَائِمَةٌ فَمَمْنُوعٌ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَجُوزُ انكاحه بَلْ لَا يَجُوزُ فَوَلَايَتُهُ مُنْقَطِعَةٌ بِوَاحِدَةٍ‏.‏

وقد رُوِيَ عن أَصْحَابِنَا ما يَدُلُّ على هذا فَإِنَّهُمْ قالوا إنَّ الْأَقْرَبَ إذَا كَتَبَ كتابا إلَى الْأَبْعَدِ لِيُقَدِّمَ رَجُلًا في الصَّلَاةِ على جِنَازَةِ الصَّغِيرِ فإن لِلْأَبْعَدِ أَنْ يَمْتَنِعَ عن ذلك وَلَوْ كانت وَلَايَةُ الْأَقْرَبِ قَائِمَةٌ لَمَا كان له الِامْتِنَاعُ كما إذَا كان الْأَقْرَبُ حَاضِرًا فَقَدَّمَ رَجُلًا ليس لِلْأَبْعَدِ وَلَايَةُ الْمَنْعِ وَالْمَعْقُولُ يَدُلُّ عليه وهو أَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَايَةِ لِحَاجَةِ الْمُوَلَّى عليه وَلَا مَدْفَعَ لِحَاجَتِهِ بِرَأْيِ الْأَقْرَبِ لِخُرُوجِهِ من أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ بِالْغَيْبَةِ فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ فَصَارَ كَأَنَّهُ جُنَّ أو مَاتَ إذْ الْمَوْجُودُ الذي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَالْعَدَمُ الْأَصْلِيِّ سَوَاءٌ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِثُبُوتِ الْوَلَايَةِ لِلْأَبْعَدِ مع وِلَايَةِ الْأَقْرَبِ يُؤَدِّي إلَى الْفَسَادِ لِأَنَّ الْأَقْرَبَ رُبَّمَا يُزَوِّجُهَا من إنْسَانٍ حَيْثُ هو وَلَا يَعْلَمُ الْأَبْعَدُ بِذَلِكَ فَيُزَوِّجُهَا من غَيْرِهِ فَيَطَؤُهَا الزَّوْجُ الثَّانِي وَيَجِيءُ بِالْأَوْلَادِ ثُمَّ يَظْهَرُ أنها زَوْجَةُ الْأَوَّلِ وَفِيهِ من الْفَسَادِ ما لَا يَخْفَى‏.‏

ثُمَّ إنْ سَلَّمْنَا على قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ فَلَا تَنَافِيَ بين الْوَلَايَتَيْنِ فَأَيُّهُمَا زَوَّجَ جَازَ كما إذَا كان لها أَخَوَانِ أو عَمَّانِ في دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِيهِ كَمَالُ النَّظَرِ في حَقِّ الْعَاجِزِ لِأَنَّ الْكُفْءَ إنْ اتَّفَقَ حَيْثُ الْأَبْعَدُ زَوَّجَهَا منه وَإِنْ اتَّفَقَ حَيْثُ الْأَقْرَبُ زَوَّجَهَا منه فَيَكْمُلُ النَّظَرُ إلَّا أَنَّ في حَالِ الْحَضْرَةِ يُرَجَّحُ الْأَقْرَبُ بِاعْتِبَارِ زِيَادَةِ الشَّفَقَةِ لِزِيَادَةِ الْقَرَابَةِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنْ نَقْلَ الْوَلَايَةِ إلَى السُّلْطَانِ بَاطِلٌ لِأَنَّ السُّلْطَانَ وَلِيُّ من لَا وَلِيَّ له وَهَهُنَا لها وَلِيٌّ أو وَلِيَّانِ فَلَا تَثْبُتُ الْوَلَايَةُ لِلسُّلْطَانِ إلَّا عِنْدَ الْعَضْلِ من الْوَلِيِّ ولم يُوجَدْ وَالله الموفق‏.‏

وَاخْتَلَفَتْ الْأَقَاوِيلُ في تَحْدِيدِ الْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ‏.‏

وَعَنْ أبي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ في رِوَايَةٍ قال ما بين بَغْدَادَ وَالرَّيِّ وفي رواية‏:‏ مَسِيرَةُ شَهْرٍ فَصَاعِدًا وما دُونَهُ ليس بِغَيْبَةٍ مُنْقَطِعَةٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ أَيْضًا رُوِيَ عنه ما بين الْكُوفَةِ إلَى الرَّيِّ وَرُوِيَ عنه من الرَّقَّةِ إلَى الْبَصْرَةِ وَذَكَرَ ابن شُجَاعٍ إذَا كان غَائِبًا في مَوْضِعٍ لَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ وَالرُّسُلُ في السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَهُوَ غَيْبَةٌ مُنْقَطِعَةٌ وإذا كانت الْقَوَافِلُ تَصِلُ إلَيْهِ في السَّنَةِ غير مَرَّةٍ فَلَيْسَتْ بِمُنْقَطِعَةٍ وَعَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أبي بِكْرٍ مُحَمَّدِ بن الْفَضْلِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قال إنْ كان الْأَقْرَبُ في مَوْضِعٍ يُفَوِّتُ الْكُفْءَ الْخَاطِبَ بِاسْتِطْلَاعِ رَأْيِهِ فَهُوَ غَيْبَةٌ مُنْقَطِعَةٌ وَإِنْ كان لَا يُفَوِّتُ فَلَيْسَتْ بِمُنْقَطِعَةٍ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ لِأَنَّ التَّعْوِيلَ في الْوَلَايَةِ على تَحْصِيلِ النَّظَرِ لِلْمُوَلَّى عليه وَدَفْعِ الضَّرَرِ عنه وَذَلِكَ فِيمَا قَالَهُ هذا إذَا اجْتَمَعَ في الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونِ الْكَبِيرِ وَالْمَجْنُونَةِ الْكَبِيرَةِ وَلِيَّانِ أَحَدُهُمَا أَقْرَبُ وَالْآخَرُ أَبْعَدُ فَأَمَّا إذَا كَانَا في الدَّرَجَةِ سَوَاءً كَالْأَخَوَيْنِ وَالْعَمَّيْنِ وَنَحْوِ ذلك فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على حِيَالِهِ أَنْ يُزَوِّجَ رضي الْآخَرُ أو سَخِطَ بَعْدَ أَنْ كان التَّزْوِيجُ من كُفْءٍ بِمَهْرٍ وَافِرٍ وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وقال مَالِكٌ ليس لِأَحَدِ الْأَوْلِيَاءِ وَلَايَةُ الانكاح ما لم يَجْتَمِعُوا بِنَاءً على أَنَّ هذه الْوَلَايَةَ وَلَايَةُ شَرِكَةٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعَامَّةِ وِلَايَةُ اسْتِبْدَادٍ‏.‏

وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ سَبَبَ هذه الْوَلَايَةِ هو الْقَرَابَةُ وإنها مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمْ فَكَانَتْ الْوِلَايَةُ مُشْتَرَكَةً لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ على وَفْقِ الْعِلَّةِ وَصَارَ كَوَلَايَةِ الْمِلْكِ فإن الْجَارِيَةَ بين إثنين إذَا زَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ من غَيْرِ رِضَا الْآخَرِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هذا وَلَنَا أَنَّ الْوَلَايَةَ لَا تَتَجَزَّأُ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وهو الْقَرَابَةُ وما لَا يَتَجَزَّأُ إذَا ثَبَتَ بِجَمَاعَةٍ سَبَبٌ لَا يَتَجَزَّأُ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم على الْكَمَالِ كَأَنَّهُ ليس معه غَيْرُهُ كَوَلَايَةِ الْأَمَانِ بِخِلَافِ وَلَايَةِ الْمِلْكِ لِأَنَّ سَبَبَهَا الْمِلْكُ وَأَنَّهُ متجزىء فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ فَإِنْ زَوَّجَهَا كُلُّ وَاحِدٍ من الْوَلِيَّيْنِ رَجُلًا على حِدَةٍ فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدَانِ مَعًا بَطَلَا جميعا لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى من الْآخَرِ وَإِنْ وَقَعَا مُرَتَّبًا فَإِنْ كان لَا يدري السَّابِقُ فَكَذَلِكَ لِمَا قُلْنَا وَلِأَنَّهُ لو جَازَ لَجَازَ بالتجزيء ‏[‏بالتجزي‏]‏ وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالتَّجْزِيءِ في الْفُرُوجِ وَإِنْ عُلِمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا من اللَّاحِقِ جَازَ الْأَوَّلُ ولم يَجُزْ الْآخَرُ وقد رُوِيَ عن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قال إذَا نَكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ وَأَمَّا إذَا زَوَّجَ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ الْحُرَّةَ الْبَالِغَةَ الْعَاقِلَةَ بِرِضَاهَا من غَيْرِ كُفْءٍ بِغَيْرِ رِضَا الْبَاقِينَ فَحُكْمُهُ يُذْكَرُ إن شاء الله تعالى‏.‏ في شَرَائِطِ اللُّزُومِ‏.‏