فصل: فصل شَرَائِطِ الرُّكْنِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***


فصل شَرَائِطِ الرُّكْنِ

وَأَمَّا شَرَائِطُ الرُّكْنِ فَأَنْوَاعٌ بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعْتِقِ خَاصَّةً وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعْتَقِ خَاصَّةً وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَيْهِمَا جميعا وَبَعْضُهَا يَرْجِعْ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ أَمَّا الذي يَرْجِعُ إلَى الْمُعْتِقِ خَاصَّةً فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا حَقِيقَةً أو تَقْدِيرًا حتى لَا يَصِحَّ الْإِعْتَاقُ من الصَّبِيِّ الذي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونِ كما لَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ منها ‏[‏منهما‏]‏ وَأَمَّا الْمَجْنُونُ الذي يُجَنُّ في حَالٍ وَيُفِيقُ في حَالٍ فما يُوجَدُ منه في حَالَ إفَاقَتِهِ فَهُوَ فيه بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْعُقَلَاءِ وما يُوجَدُ منه في حَالِ جُنُونِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَإِعْتَاقُهُ كَطَلَاقِهِ وقد مَرَّ ذلك في كتاب الطَّلَاقِ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مَعْتُوهًا وَلَا مَدْهُوشًا وَلَا مُبَرْسَمًا وَلَا مُغْمًى عليه وَلَا نَائِمًا حتى لَا يَصِحَّ الْإِعْتَاقُ من هَؤُلَاءِ كما لَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ منهم لِمَا ذَكَرْنَا في الطَّلَاقِ‏.‏

وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ بَالِغًا فَلَا يَصِحُّ الْإِعْتَاقُ من الصَّبِيِّ وَإِنْ كان عَاقِلًا كما لَا يَصِحُّ الطَّلَاق منه وَلَوْ قال رَجُلٌ اعتقت عَبْدِي وأنا صَبِيٌّ أو قال وأنا نَائِمٌ كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَالْأَصْلُ فيه أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْإِعْتَاقَ إلَى حَالٍ مَعْلُومِ الْكَوْنِ وهو ليس من أَهْلِ الْإِعْتَاقِ فيها يُصَدَّقُ بِأَنْ قال أَعْتَقْته وأنا صَبِيٌّ أو وأنا نَائِمٌ أو مَجْنُونٌ وقد عُلِمَ جُنُونُهُ أو وأنا حَرْبِيٌّ في دَارِ الْحَرْبِ على أَصْلِ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وقد عُلِمَ ذلك منه لِأَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْإِعْتَاقَ إلَى زَمَانٍ لَا يُتَصَوَّرُ منه الْإِعْتَاقُ عُلِمَ أن أَرَادَ بِهِ صِيغَةَ الْإِعْتَاقِ لَا حَقِيقَةَ الْإِعْتَاقِ فلم يَصِرْ مُعْتَرِفًا بِالْإِعْتَاقِ‏.‏

وَلَوْ قال أَعْتَقْته وأنا مَجْنُونٌ ولم يُعْلَمْ له جُنُونٌ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ إذَا أَضَافَهُ إلَى حَالَةٍ لَا يُتَيَقَّنُ وُجُودُهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الرُّجُوعَ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يُقْبَلُ منه وَلَوْ قال أَعْتَقْتُهُ قبل أَنْ أُخْلَقَ أو قبل أَنْ يُخْلَقَ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ زَمَانَ ما قبل انْخِلَاقِهِ وَانْخِلَاقُ الْعَبْدِ مَعْلُومٌ فَقَدْ أَضَافَ الْإِعْتَاقَ إلَى زَمَانٍ مَعْلُومِ الْكَوْنِ وَلَا يُتَصَوَّرُ منه فيه الْإِعْتَاقُ فَلَا يَعْتِقُ وَأَمَّا كَوْنُهُ طَائِعًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ في كتاب الطَّلَاقِ وَكَوْنُهُ جَادًّا ليس بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ حتى يَصِحَّ إعْتَاقُ الْهَازِلِ وَكَذَا كَوْنُهُ عَامِدًا حتى يَصِحَّ إعْتَاقُ الخاطىء لِمَا ذَكَرْنَا في الطَّلَاقِ وَكَذَا التَّكَلُّمُ بِاللِّسَانِ ليس بِشَرْطٍ فَيَصِحُّ الْإِعْتَاقُ بِالْكتابةِ الْمُسْتَبِينَةِ وَالْإِشَارَةِ الْمَفْهُومَةِ وَكَذَا الْخُلُوُّ عن شَرْطِ الْخِيَارِ ليس بِشَرْطٍ في الْإِعْتَاقِ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ إذَا كان الْخِيَارُ لِلْمَوْلَى حتى يَقَعَ الْعِتْقُ وَيَبْطُلَ الشَّرْطُ أَمَّا إذَا كان بِغَيْرِ عِوَضٍ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِفَائِدَةِ الْفَسْخِ وَالْإِعْتَاقُ بِغَيْرِ الْعِوَضِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَكَذَا إنْ كان بِعِوَضٍ لِأَنَّ الْعِوَضَ من جَانِبِ الْمَوْلَى هو الْعِتْقُ وأنه لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَلَا مَعْنَى لِلْخِيَارِ فيه وَإِنْ كان الْخِيَارُ لِلْعَبْدِ فَخُلُوُّهُ عن خِيَارِهِ شَرْطُ صِحَّتِهِ حتى لو رَدَّ الْعَبْدُ الْعَقْدَ في مُدَّةِ الْخِيَارِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَلَا يَعْتِقُ لِأَنَّ الْعِوَضَ في جَانِبِهِ هو الْمَالُ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ فَيَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فيه كما في الطَّلَاقِ على مَالٍ وقد ذَكَرْنَاهُ في كتاب الطَّلَاقِ‏.‏

وَعَلَى هذا الصُّلْحُ من دَمِ الْعَمْدِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وإن الْخِيَارَ إنْ كان مَشْرُوطًا لِلْمَوْلَى يَبْطُلُ الْخِيَارُ وَيَصِحُّ الصُّلْحُ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِثُبُوتِ الْفَسْخِ وَاَلَّذِي من جَانِبِ الْمَوْلَى وهو الْعَفْوُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَإِنْ كان الْخِيَارُ لِلْقَاتِلِ جَازَ لِأَنَّ ما هو الْعِوَضُ من جَانِبِهِ وهو الْمَالُ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ ثُمَّ إذَا جَازَ الْخِيَارُ وَفَسَخَ الْقَاتِلُ الْعَقْدَ هل يَبْطُلُ الْعَفْوُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَبْطُلَ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِشَرْطِ الْمَالِ ولم يَسْلَمْ الْمَالُ وفي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَبْطُلُ وَيَلْزَمُ الْقَاتِلَ الدِّيَةُ كَذَا رُوِيَ عن مُحَمَّدٍ أَمَّا صِحَّةُ الْعَفْوِ وَسُقُوطُ الْقِصَاصِ فَلِأَنَّ عَفْوَ الْوَلِيِّ يَصِيرُ شُبْهَةً وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ فَلِأَنَّ الْوَلِيَّ لم يَرْضَ بِإِسْقَاطِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَا عِوَضَ إلَّا الدِّيَةُ إذْ هِيَ قِيمَةُ النَّفْسِ ثُمَّ فَرَّقَ بين الْإِعْتَاقِ على مَالٍ وَبَيْنَ الْكتابةِ فإنه يَجُوزُ فيها شَرْطُ الْخِيَارِ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ فَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ في طَرَفَيْهَا كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ على مَالٍ وَاَللَّهُ عز وجل الْمُوَفِّقُ‏.‏

وَكَذَا إسْلَامُ الْمُعْتِقِ ليس بِشَرْطٍ فَيَصِحُّ الْإِعْتَاقُ من الْكَافِرِ إلَّا أَنَّ إعْتَاقَ الْمُرْتَدِّ لَا يَنْفُذُ في الْحَالِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ بَلْ هو مَوْقُوفٌ وَعِنْدَهُمَا نَافِذٌ وَإِعْتَاقُ الْمُرْتَدِّ نَافِذٌ بِلَا خِلَافٍ وَالْمَسْأَلَةُ نَذْكُرُهَا في كتاب السِّيَرِ إن شاء الله تعالى‏.‏ وَكَذَا صِحَّةُ الْمُعْتِقِ فَيَصِحُّ الْإِعْتَاقُ من الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لِأَنَّ دَلِيلَ الْجَوَازِ لَا يُوجِبُ الْفصل إلَّا أَنَّ الْإِعْتَاقَ من الْمَرِيضِ يُعْتَبَرُ من الثُّلُثِ لِأَنَّهُ يَكُونُ وصيه وَمِنْهَا النِّيَّةُ في أَحَدِ نَوْعَيْ الْإِعْتَاقِ هو الْكِنَايَةُ دُونَ الصَّرِيحِ وَيَسْتَوِي في صَرِيحِ الْإِعْتَاقِ وَكِنَايَاتِهِ أَنْ يَكُونَ ذلك بِمُبَاشَرَةِ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ على طَرِيقِ الْأَصَالَةِ أو بِغَيْرِهِ على طَرِيقِ النِّيَابَةِ عن الْمَوْلَى بِإِذْنِهِ وَأَمْرِهِ وَذَلِكَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ تَفْوِيضٌ وَتَوْكِيلٌ وَرِسَالَةٌ فَالتَّفْوِيضُ هو التَّخْيِيرُ وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ صَرِيحًا وَكِنَايَةً على ما بَيَّنَّا وَالْأَمْرُ بِالْإِعْتَاقِ كَقَوْلِهِ أَعْتِقْ نَفْسَك وَقَوْلِهِ أنت حُرٌّ إنْ شِئْت وَالتَّوْكِيلُ هو أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِالْإِعْتَاقِ بِأَنْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدِي فُلَانًا من غَيْرِ التَّقْيِيدِ بِالْمَشِيئَةِ وَالرِّسَالَةُ مَعْرُوفَةٌ وقد فَسَّرْنَاهَا في كتاب الطَّلَاقِ وَالْحُكْمُ في هذه الْفُصُولِ في الْعَتَاقِ كَالْحُكْمِ فيها في الطَّلَاقِ وقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ فيها في كتاب الطَّلَاقِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عز وجل وَمِنْهَا عَدَمُ الشَّكِّ في الْإِعْتَاقِ وهو شَرْطُ الْحُكْمِ بِثُبُوتِ الْعِتْقِ فَإِنْ كان شَاكًّا فيه لَا يَحْكُمُ بِثُبُوتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا في الطَّلَاقِ‏.‏

وَأَمَّا الذي يَرْجِعُ إلَى الْمُعْتَقِ خَاصَّةً فَنَوْعَانِ أَحَدُهُمَا الْإِضَافَةُ فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ إلَيْهِ الْعِتْقُ مَوْجُودًا بِيَقِينٍ فَإِنْ لم يَكُنْ لم تَصِحَّ الْإِضَافَةُ بِأَنْ قال لِجَارِيَةٍ مَمْلُوكَةٍ له حَمْلُ هذه الْجَارِيَةِ حُرٌّ أو ما في بَطْنِ هذه الْجَارِيَةِ حُرٌّ فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وَقْتِ التَّكَلُّمِ عَتَقَ وَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لم يَعْتِقْ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وَقْتِ الْيَمِينِ تَيَقَّنَّا بِوُجُودِهِ في ذلك الْوَقْتِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِدُ لأقل من سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ وَلَدَتْ وَاحِدًا لِأَقَلَّ منها بِيَوْمٍ ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ لِأَكْثَرَ منها بِيَوْمٍ عَتَقَا جميعا لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَتَقَ لِكَوْنِهِ في الْبَطْنِ يوم الْكَلَامِ فإذا عَتَقَ الْأَوَّلُ عَتَقَ الثَّانِي لِأَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ وَأَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا من وَقْتِ التَّكَلُّمِ فَلَا نَسْتَيْقِنُ بِوُجُودِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ ذلك فَوَقَعَ الشَّكُّ في ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا تَثْبُتُ مع الشَّكِّ‏.‏

وَمِنْهَا الْإِضَافَةُ إلَى بَدَنِ الْمُعْتَقِ أو إلَى جُزْءٍ جَامِعٍ منه وهو الذي يُعَبَّرُ بِهِ عن جَمِيعِ الْبَدَنِ أو إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حتى لو أَضَافَ إلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عن جَمِيعِ الْبَدَنِ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَصِحُّ كما في الطَّلَاقِ غير أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ منه لَا يَعْتِقُ كُلُّهُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ قَدْرُ ما أَضَافَ إلَيْهِ لَا غَيْرُ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَعْتِقُ كُلُّهُ وفي الطَّلَاقِ تَطْلُقُ كُلُّهَا بِلَا خِلَافٍ بِنَاءً على أَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ وَالطَّلَاقُ لَا يَتَجَزَّأُ بِالْإِجْمَاعِ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بين الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ‏.‏

وَوَجْهُ الْفَرْقِ له أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يُرَادُ بِهِ إلَّا الْوَطْءُ وَالِاسْتِمْتَاعُ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ في الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَلَا يَكُونُ إثْبَاتُ حُكْمِ الطَّلَاقِ في الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ مُفِيدًا فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِالتَّكَامُلِ فَأَمَّا مِلْكُ الْيَمِينِ فلم يُوضَعْ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَالْوَطْءِ فإنه يَثْبُتُ مع حُرْمَةِ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ كَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُحَرَّمَةِ بِالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَإِنَّمَا وُضِعَ لِلِاسْتِرْبَاحِ أو الِاسْتِخْدَامِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مع قِيَامِ الْمِلْكِ في الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَكَانَ ثُبُوتُ الْعِتْقِ في الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ مُفِيدًا فَهُوَ الْفَرْقُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّكَامُلِ وَأَمَّا كَوْنُ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْعِتْقَ مَعْلُومًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْإِضَافَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ فَيَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْمَجْهُولِ بِأَنْ قال لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ أو قال هذا حُرٌّ أو هذا أو قال ذلك لِأَمَتَيْهِ‏.‏

وقال نُفَاةُ الْقِيَاسُ شَرْطٌ حتى لَا تَصِحَّ الْإِضَافَةُ إلَى الْمَجْهُولِ عِنْدَهُمْ وَالْكَلَامُ في الْعَتَاقِ على نَحْوِ الْكَلَامِ في الطَّلَاقِ وقد ذَكَرْنَاهُ في كتاب الطَّلَاقِ وَسَوَاءٌ كانت الْجَهَالَةُ مُقَارِنَةً أو طَارِئَةً بِأَنْ عَتَقَ وَاحِدًا من عَبِيدِهِ عَيْنًا ثُمَّ نَسِيَ الْمُعْتَقَ لِمَا ذَكَرْنَا في كتاب الطَّلَاقِ وَمِنْهَا قَبُولُ الْعَبْدِ في الْإِعْتَاقِ على مَالٍ فما لم يُقْبَلْ لَا يَعْتِقُ وَمِنْهَا الْمَجْلِسُ وهو مَجْلِسُ الْإِعْتَاقِ إنْ كان الْعَبْدُ حَاضِرًا وَمَجْلِسُ الْعِلْمِ إنْ كان غَائِبًا لِمَا نَذْكُرُ في مَوْضِعِهِ إن شاء الله تعالى‏.‏

وَأَمَّا الذي يَرْجِعُ إلَيْهِمَا جميعا فَهُوَ الْمِلْكُ إذْ الْمَالِكُ وَالْمَمْلُوكُ من الْأَسْمَاءِ الْإِضَافِيَّةِ وَالْعَلَاقَةُ التي تَدُورُ عليها الْإِضَافَةُ من الْجَانِبَيْنِ هِيَ الْمِلْكُ فَكَوْنُ الْمُعْتَقِ مَمْلُوكَ الْمُعْتِقِ رَقَبَةً وَقْتَ ثُبُوتِ الْعِتْقِ شَرْطُ ثُبُوتِهِ فَيَحْتَاجُ في هذا الْفصل إلَى بَيَانِ كَوْنِ الْمُعْتَقِ مَمْلُوكَ الْمُعْتِقِ رَقَبَةً وَقْتَ ثُبُوتِ الْعِتْقِ شَرْطَ ثُبُوتِهِ وَإِلَى بَيَانِ أَنَّهُ هل يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكَهُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وهو التَّكَلُّمُ بِالْعِتْقِ أَمْ لَا وَإِلَى بَيَانِ من يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ اسْمِ الْمَمْلُوكِ في الْإِعْتَاقِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَمَنْ لَا يَدْخُلُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالدَّلِيلُ على اعْتِبَارِ هذا الشَّرْطِ قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابن آدَمَ وَلِأَنَّ زَوَالَ مِلْكِ الْمَحَلِّ شَرْطُ ثُبُوتِ الْعِتْقِ فيه وَلَا بُدَّ لِلزَّوَالِ من سَابِقَةِ الثُّبُوتِ‏.‏

وَعَلَى هذا يَخْرُجُ إعْتَاقُ عبد الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذْ لَا يَنْفُذُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَكِنْ يَتَوَقَّفُ على إجَازَةِ الْمَالِكِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَتَوَقَّفُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ وَمَوْضِعُهَا كتاب الْبُيُوعِ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَا يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ لِانْعِدَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَكَذَا لو اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ أو الْمُكَاتَبُ ذَا رَحِمٍ منه لَا يَعْتِقُ عليه لِمَا قُلْنَا وَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ من مَوْلَاهُ فَإِنْ لم يَكُنْ عليه دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ عَتَقَ عليه لِأَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ عليه دَيْنٌ فَقَدْ مَلَكَهُ الْمَوْلَى فَيَعْتِقُ عليه كما لو اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كان عليه دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَعْتِقُ بِنَاءً على أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ وَهِيَ من مَسَائِلِ الْمَأْذُونِ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ ابْنَهُ من مَوْلَاهُ أو ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ من مَوْلَاهُ لم يَعْتِقُ في قَوْلِهِمْ جميعا لِأَنَّ الْمَوْلَى لم يَمْلِكْهُ لِأَنَّهُ من كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ اكساب مُكَاتَبِهِ فَلَا يَعْتِقُ ولا اشْتَرَتْ الْمُكَاتَبَةُ ابْنَهَا من سَيِّدِهَا عَتَقَ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَوْلَى يَنْفُذُ في الْمُكَاتَبَةِ وَوَلَدِهَا فَيَعْتِقُ من طَرِيقِ الْحُكْمِ لِأَجْلِ النَّسَبِ وَيَجُوزُ إعْتَاقُ الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَ وَالْعَبْدَ الْمَأْذُونَ والمشتري قبل الْقَبْضِ وَالْمَرْهُونَ وَالْمُسْتَأْجَرَ لِقِيَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَكَذَا الْعَبْدُ الموصي بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُوصَى له بِالرَّقَبَةِ لِمَا قُلْنَا‏.‏

وَعَلَى هذا الْأَصْلِ يَخْرُجُ قَوْلُ أبي يُوسُفَ في الْحَرْبِيِّ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا حَرْبِيًّا له في دَارِ الْحَرْبِ أَنَّهُ يَعْتِقُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ وَأَمَّا عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَلَا يَعْتِقُ وَلَا خِلَافَ في أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ يَعْتِقُ منهم من قال لَا خِلَافَ في الْعِتْقِ أَنَّهُ يَعْتِقُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في الْوَلَاءِ أَنَّهُ هل يَثْبُتُ منه أَمْ لَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّ لِلْعَبْدِ أَنْ يُوَالِيَ من شَاءَ وَلَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ في الْعِتْقِ فَإِنَّهُمْ قالوا في الْحَرْبِيِّ إذَا دخل إلَيْنَا وَمَعَهُ مَمَالِيكُ فقال هُمْ مُدَبَّرُونَ أنه لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ قال هُمْ أَوْلَادِي أو هُنَّ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي قُبِلَ قَوْلُهُ فَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَثْبُتُ في دَارِ الْحَرْبِ‏.‏

وَرِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ عن أبي حَنِيفَةَ مَحْمُولَةٌ على ما إذَا خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وإذا خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا وَلَاءَ له عليه عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لم يَعْتِقْ بِإِعْتَاقِهِ وَإِنَّمَا عَتَقَ بِخُرُوجِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ عَتَقَ بِإِعْتَاقِ مَوْلَاهُ له وَجْهُ قَوْلِ أبي يُوسُفَ في مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ أَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَيَعْتِقُ كما لو بَاعَهُ وَكَمَا لو كان في دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَعْتَقَ عَبْدًا له حَرْبِيًّا أو مُسْلِمًا أو ذِمِّيًّا وَكَالْمُسْلِمِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ في دَارِ الْحَرْبِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفْسِهِ لِأَنَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ أَمْلَاكُهُمْ حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَرِثُونَ وَيُورَثُ عَنْهُمْ وَلَوْ كانت جَارِيَةٌ يَصِحُّ من الْحَرْبِيِّ اسْتِيلَاؤُهَا إلَّا أَنَّهُ مِلْكٌ غَيْرُ مَعْصُومٍ وَلَهُمَا أَنَّ إعْتَاقَ الْحَرْبِيِّ عَبْدَهُ الْحَرْبِيَّ في دَارِ الْحَرْبِ بِدُونِ التَّخْلِيَةِ لَا يُفِيدُ مَعْنَى الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِبَارَةٌ عن قُوَّةٍ حُكْمِيَّةٍ تَثْبُتُ لِلْمَحَلِّ يَدْفَعُ بها يَدَ الِاسْتِيلَاءِ وَالتَّمَلُّكِ عن نَفْسِهِ وَهَذَا لَا يَحْصُلُ بهذا الْإِعْتَاقِ بِدُونِ التَّخْلِيَةِ لِأَنَّ يَدَهُ عليه تَكُونُ قَائِمَةً حَقِيقَةً وَمِلْكُ أَهْلِ الْحَرْبِ في دَارِ الْحَرْبِ في دِيَانَتِهِمْ بِنَاءً على الْقَهْرِ الْحِسِّيِّ وَالْغَلَبَةِ الْحَقِيقِيَّةِ حتى أن الْعَبْدَ إذَا قَهَرَ مَوْلَاهُ فَاسْتَوْلَى عليه مَلَكَهُ وإذا لم تُوجَدْ التَّخْلِيَةُ كان تَحْتَ يَدِهِ وَقَهْرِهِ حَقِيقَةً فَلَا يَظْهَرُ مَعْنَى الْعِتْقِ هذا مَعْنَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ مُعْتَقٌ بِلِسَانِهِ مُسْتَرَقٌّ بيده بِخِلَافِ ما إذَا أُعْتِقَ في دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ يَدَ الِاسْتِيلَاءِ وَالتَّمَلُّكِ تَنْقَطِعُ بِثُبُوتِ الْعِتْقِ في دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَظْهَرُ مَعْنَى الْعِتْقِ وهو الْقُوَّةُ الدَّافِعَةُ يَدَ الِاسْتِيلَاءِ وَبِخِلَافِ الْمُسْلِمِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ في دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُدِينُ الْمِلْكَ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالْغَلَبَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَلَوْ كان عَبْدُهُ حَرْبِيًّا فَأَعْتَقَهُ الْمُسْلِمُ في دَارِ الْحَرْبِ يَعْتِقُ من غَيْرِ تَخْلِيَةٍ اسْتِحْسَانًا‏.‏

وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَعْتِقَ عِنْدَهُمَا كَالْحَرْبِيِّ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْحَرْبِيَّ في دَارِ الْحَرْبِ وَمِنْهُمْ من جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ على الِاخْتِلَافِ وَعَلَى هذا الْخِلَافِ إذَا مَلَكَ الْحَرْبِيُّ في دَارِ الْحَرْبِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ منه أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ يَعْتِقُ لِأَنَّ مِلْكَ الْقَرِيبِ يُوجِبُ الْعِتْقَ فَكَانَ الْخِلَافُ فيه كَالْخِلَافِ في الْإِعْتَاقِ وَأَمَّا الثَّانِي فَالْإِعْتَاقُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ تَنْجِيزًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَعْلِيقًا بِشَرْطٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إضَافَةً إلَى وَقْتٍ فَإِنْ كان تَنْجِيزًا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ وُجُودِهِ لِأَنَّ التَّنْجِيزَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ لِلْحَالِ وَلَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ وَإِنْ كان تَعْلِيقًا فَالتَّعْلِيقُ في الْأَصْلِ نَوْعَانِ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ ليس فيه مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَتَعْلِيقٌ فيه مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا من وَجْهٍ وَمُعَاوَضَةً من وَجْهٍ وَالتَّعْلِيقُ الْمَحْضُ نَوْعَانِ أَيْضًا تَعْلِيقٌ بِمَا سِوَى الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ من الشُّرُوطِ وَتَعْلِيقٌ بِالْمِلْكِ أو بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على ضَرْبَيْنِ تَعْلِيقٌ صُورَةً وَمَعْنًى وَتَعْلِيقٌ مَعْنًى لَا صُورَةً فَيَقَعُ الْكَلَامُ فيه الْحَاصِلِ في مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا في بَيَانِ أَنْوَاعِ التَّعْلِيقِ ما يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ وُجُودِهِ وما لَا يُشْتَرَطُ وَالثَّانِي في بَيَانِ ما يَظْهَرُ بِهِ وُجُودُ الشَّرْطِ‏.‏

أَمَّا الْأَوَّلُ فَالتَّعْلِيقُ الْمَحْضُ بِمَا سِوَى الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ من الشُّرُوطِ فَنَحْوُ التَّعْلِيقِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ زَيْدٍ وَقُدُومِ عَمْرٍو وَنَحْوِ ذلك بِأَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ أو إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أو إذَا قَدِمَ فُلَانٌ وَنَحْوُ ذلك فإنه تَعْلِيقٌ صُورَةً وَمَعْنًى لِوُجُودِ حَرْفِ التَّعْلِيقِ وَالْجَزَاءِ وَهَذَا النَّوْعُ من التَّعْلِيقِ لَا يَصِحُّ إلَّا في الْمِلْكِ حتى لو قال لِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ الدَّارَ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ ليس إلَّا إثْبَاتَ الْعِتْقِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا مَحَالَةَ وَلَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَا يُوجَدُ الْمِلْكُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ إلَّا إذَا كان مَوْجُودًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الشَّرْطِ وإذا لم يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ التَّعْلِيقِ كان الظَّاهِرُ عَدَمَهُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ عِنْدَ وُجُودِهِ لَا مَحَالَةَ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ عز وجل شَرْطٌ وَجَزَاءٌ وَالْجَزَاءُ ما يَكُونُ غَالِبَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ أو مُتَيَقَّنَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِهِ لِتَحْصِيلِ مَعْنَى الْيَمِينِ وهو التقوى على الِامْتِنَاعِ أو على التَّحْصِيلِ فإذا كان الْمِلْكُ ثَابِتًا وَقْتَ التَّعْلِيقِ كان الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاءُ الْمِلْكِ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَحْصُلُ مَعْنَى الْيَمِينِ‏.‏

وَكَذَا إذَا أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى الْمِلْكِ أو سَبَبِهِ كان الْجَزَاءُ مُتَيَقَّنَ الْوُجُودِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَحْصُلُ مَعْنَى الْيَمِينِ فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ ثُمَّ إذَا وُجِدَ التَّعْلِيقُ في الْمِلْكِ حتى صَحَّ فَالْعَبْدُ على مِلْكِهِ في جَمِيعِ الْأَحْكَامِ قبل وُجُودِ الشَّرْطِ وإذا وُجِدَ الشَّرْطُ وهو في مِلْكِهِ يَعْتِقُ وَإِنْ لم يَكُنْ في مِلْكِهِ تَنْحَلُ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ حتى لو قال لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ قبل دُخُولِ الدَّارِ فَدَخَلَ الدَّارَ وهو ليس في مِلْكِهِ يَبْطُلُ الْيَمِينُ وَلَوْ لم يَدْخُلْ حتى اشْتَرَاهُ ثَانِيًا فَدَخَلَ الدَّارَ عَتَقَ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ لِأَنَّ في بَقَائِهَا فَائِدَةً لِاحْتِمَالِ الْعَوْدِ بِالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ من أَسْباب الْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ لم يَنْزِلْ الْجَزَاءُ عِنْدَ الشَّرْطِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فإذا عَادَ الْمِلْكُ وَالْيَمِينُ قَائِمٌ عَتَقَ على ما ذَكَرْنَا في الطَّلَاقِ‏.‏

وَلَوْ قال لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا لَا يَعْتِقُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ له فيه عِنْدَ الشَّرْطِ وَلَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا وهو في يَدِهِ حَنِثَ لِوُجُودِ الْمِلْكِ له فيه وَلَوْ كان التَّعْلِيقُ في الْمِلْكِ بِشَرْطَيْنِ يُرَاعَى قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْأَخِيرِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ حتى لو قال لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت هَذَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ قبل الدُّخُولِ فَدَخَلَ إحْدَى الدَّارَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ الدَّارَ الْأُخْرَى يَعْتِقُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَعْتِقُ وَالْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ في كتاب الطَّلَاقِ وَلَوْ قال لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا يُعْتَبَرُ قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَ الدُّخُولِ أَيْضًا لِأَنَّهُ جَعَلَ الدُّخُولَ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَالْيَمِينُ بِالْعَتَاقِ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا في الْمِلْكِ أو مُضَافَةً إلَى الْمِلْكِ أو بِسَبَبِهِ كَأَنَّهُ قال له عِنْدَ الدُّخُولِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ وَلَوْ قال لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ إنْ شِئْت أو أَحْبَبْت أو رَضِيت أو هَوَيْت أو قال لِأَمَتِهِ إنْ كُنْتِ تُحِبِّينِي أو تُبْغِضِينِي أو إذَا حِضْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَالْجَوَابُ فيه كَالْجَوَابِ في الطَّلَاقِ وقد ذَكَرْنَا هذه الْمَسَائِلَ وأخوانها ‏[‏وأخواتها‏]‏ في كتاب الطَّلَاقِ‏.‏

وَلَوْ قال أنت حُرٌّ إنْ لم يَشَأْ فُلَانٌ فَإِنْ قال فُلَانٌ شِئْت في مَجْلِسِ عِلْمِهِ لَا يَعْتِقْ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَإِنْ قال لَا أَشَاءُ يَعْتِقْ لَكِنْ لَا يقول ‏[‏بقول‏]‏ لَا أَشَاءُ لِأَنَّ له أَنْ يَشَاءَ في الْمَجْلِسِ بَلْ لِبُطْلَانِ الْمَجْلِسِ بِإِعْرَاضِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِشَيْءٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ لَا أَشَاءُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قال إنْ لم يَشَأْ فُلَانٌ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فقال فُلَانٌ شِئْت لَا يَعْتِقُ وَلَوْ قال لَا أَشَاءُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ له أَنْ يَشَاءَ بَعْدَ ذلك ما دَامَتْ الْمُدَّةُ بَاقِيَةً إلَّا إذَا مَضَى الْيَوْمُ ولم يَشَأْ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ وَلَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ فقال أنت حُرٌّ إنْ شِئْت أنا فما لم تُوجَدْ الْمَشِيئَةُ منه في عُمُرِهِ لَا يَعْتِقُ وَلَا يُقْتَصَرُ على الْمَجْلِسِ لِأَنَّ هذا ليس بِتَفْرِيقٍ إذْ الْعَتَاقُ بيده‏.‏

وَلَوْ قال أنت حُرٌّ إنْ لم تَشَأْ فَإِنْ قال شِئْت لَا يَعْتِقُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَإِنْ قال لَا أَشَاءُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَتَحَقَّقُ بِقَوْلِهِ لَا أَشَاءُ إذْ له أَنْ يَشَاءَ بَعْدَ ذلك إلَى أَنْ يَمُوتَ بِخِلَافِ الْفصل الْأَوَّلِ لِأَنَّ هُنَاكَ اقْتَصَرَ على الْمَجْلِسِ فإذا قال لَا أَشَاءُ فَقَدْ أَعْرَضَ عن الْمَجْلِسِ وَهَهُنَا لَا يَقْتَصِرُ على الْمَجْلِسِ فَلَهُ أَنْ يَشَاءَ بَعْدَ ذلك حتى يَمُوتَ فإذا مَاتَ فَقَدْ تَحَقَّقَ الْعَدَمُ فَيَعْتِقُ قبل مَوْتِهِ بِلَا فصل وَيُعْتَبَرُ من ثُلُثِ الْمَالِ كَوُقُوعِ الْعِتْقِ في الْمَرَضِ إذْ الْمَوْتُ لَا يَخْلُو عن مُقَدَّمَةِ مَرَضٍ وَلَوْ قال أنت حُرٌّ غَدًا إنْ شِئْت فَالْمَشِيئَةُ في الْغَدِ فَإِنْ شَاءَ في الْحَالِ لَا يَعْتِقُ ما لم يَشَأْ في الْغَدِ وَلَوْ قال أنت حُرٌّ إنْ شِئْت غَدًا فَالْمَشِيئَةُ إلَيْهِ في الْحَالِ فإذا شَاءَ في الْحَالِ عَتَقَ غَدًا لِأَنَّ في الْفصل الْأَوَّلِ عُلِّقَ الْإِعْتَاقُ الْمُضَافُ إلَى الْغَدِ بِالْمَشِيئَةِ فَيَقْتَضِي الْمَشِيئَةَ في الْغَدِ وفي الْفصل الثَّانِي أَضَافَ الْإِعْتَاقَ الْمُعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ إلَى الْغَدِ فَيَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْمَشِيئَةِ على الْغَدِ‏.‏

وَرُوِيَ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قال الْمَشِيئَةُ في الْغَدِ في الْفصليْنِ جميعا وقال زُفَرُ الْمَشِيئَةُ إلَيْهِ لِلْحَالِ في الْفصليْنِ جميعا وَمِنْ هذا الْقَبِيلِ قَوْلُ الرَّجُلِ لِعَبْدِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ صُورَةً وَمَعْنًى لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَيَصِحُّ في الْمِلْكِ وَيَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وهو الْأَدَاءُ إلَيْهِ في مِلْكِهِ فإذا جاء بِأَلْفٍ وهو في مِلْكِهِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَلْفِ شَاءَ الْمَوْلَى أو أَبَى وهو تَفْسِيرُ الْجَبْرِ على القبول ‏[‏القول‏]‏ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ يَجْبُرُهُ على الْقَبْضِ بِالْحَبْسِ كَذَا فَسَّرَهُ مُحَمَّدٌ فقال إنَّ الْعَبْدَ إذَا أَحْضَرَ الْمَالَ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى من الْقَبْضِ عَتَقَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَعْتِقَ ما لم يَقْبِضْ أو يَقْبَلْ وهو قَوْلُ زُفَرَ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ إلَيْهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْأَدَاءُ إلَيْهِ إلَّا بِالْقَبْضِ ولم يُوجَدْ فَلَا يَعْتِقُ كما لو قال إنْ أَدَّيْت إلَيَّ عَبْدًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَجَاءَ بِعَبْدٍ رَدِيءٍ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لَا يَعْتِقُ وَلَوْ قَبِلَ يَعْتِقُ وَكَذَا إذَا قال إنْ أَدَّيْت إلَيَّ كُرًّا من حِنْطَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّى كُرًّا من حِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ وَلَوْ قَبِلَ يَعْتِقُ وَكَذَا إذَا قال إنْ أَدَّيْت إلَيَّ ثَوْبًا أو دَابَّةً فَأَتَى بِثَوْبٍ مُطْلَقٍ أو دَابَّةٍ مُطْلَقَةٍ لَا يَعْتِقُ بِدُونِ الْقَبُولِ وَكَذَا إذَا قال إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا أَحُجُّ بها أو حَجَجْت بها لَا يَعْتِقُ بِتَسْلِيمِ الْأَلْفِ ما لم يَقْبَلْ وَكَذَا إذَا قال إنْ أَدَّيْت إلَيَّ هذا الدَّنَّ من الْخَمْرِ لَا يَعْتِقُ بِالتَّخْلِيَةِ بِدُونِ الْقَبُولِ‏.‏

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ أَدَاءَ الْمَالِ إلَى الْإِنْسَانِ عِبَارَةٌ عن تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا‏}‏ أَيْ تُسَلِّمُوا وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَبَرًا عن نَبِيِّهِ مُوسَى عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ أَدُّوا إلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ أَيْ سَلِّمُوا وَتَسْلِيمُ الشَّيْءِ عِبَارَةٌ عن جَعْلِهِ سَالِمًا خَالِصًا لَا يُنَازِعُهُ فيه أَحَدٌ وَهَذَا يَحْصُلُ بِالتَّخْلِيَةِ وَلِهَذَا كانت التَّخْلِيَةُ تَسْلِيمًا في الْكتابةِ وَكَذَا في الْمُعَاوَضَاتِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا يُحْتَاجُ فيه إلَى الْقَبْضِ كما لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ في الْكتابةِ وَالْمُعَاوَضَاتِ الْمُطْلَقَةِ مع ما أَنَّ التَّخْلِيَةَ تَتَضَمَّنُ الْقَبْضَ لِأَنَّهَا تُفِيدُ التَّمَكُّنَ من التَّصَرُّفِ وهو تَفْسِيرُ الْقَبْضِ لَا الْجَعْلِ في الْبَرَاجِمِ كما في سَائِرِ الْمَوَاضِعِ وَأَمَّا الْمَسَائِلُ فَهُنَاكَ لم يُوجَدْ الشَّرْطُ أَمَّا مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ ذُكِرَ الْعَبْدُ مُطْلَقًا فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمُقَيَّدَ وهو الْعَبْدُ الْمَرْغُوبُ فيه لَا ما يَنْطَلِقُ عليه اسْمُ الْعَبْدِ عُلِمَ ذلك بِدَلَالَةِ حَالِهِ فَلَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الرَّدِيءِ فإذا قَبِلَ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ إذَا قَبِلَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ما أَرَادَ بِهِ الْمُقَيَّدَ بَلْ الْمُطْلَقَ وَعُلِمَ أَنَّ له فيه غَرَضًا آخَرَ في الْجُمْلَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ الدَّلَالَةُ مع الصَّرِيحِ بِخِلَافِهِ حتى لو أتى بِعَبْدٍ جَيِّدٍ أو وَسَطٍ وَخَلَّى يَعْتِقُ وهو الْجَوَابُ في مَسْأَلَةِ الْكُرِّ‏.‏

وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الثَّوْبِ فَثَمَّ لَا يَعْتِقُ ما لم يَقْبَلْ وَلَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْوَسَطِ لِأَنَّ الثِّيَابَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَأَنْوَاعٌ مُتَفَاوِتَةٌ وَاسْمُ الثَّوْبِ يَقَعُ على كل ذلك على الِانْفِرَادِ من الدِّيبَاجِ وَالْخَزِّ وَالْكَتَّانِ وَالْكِرْبَاسِ وَالصُّوفِ وَكُلِّ جِنْسٍ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ فَكَانَ الْوَسَطُ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً وَلَا يَقَعُ على أَدْنَى الْوَسَطِ من هذه الْأَجْنَاسِ كما لَا يَقَعُ على أَدْنَى الرَّدِيءِ لِأَنَّ قِيمَةَ أَدْنَى الْوَسَطِ وهو الْكِرْبَاسُ وهو ثَوْبٌ تُسْتَرُ بِهِ الْعَوْرَةُ مِمَّا لَا يُرْغَبُ فيه بِمُقَابَلَةِ إزَالَةِ الْمِلْكِ عن عَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَمَتَى بَقِيَ مَجْهُولًا لَا تَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّسْلِيمُ وَالتَّخْلِيَةُ حتى لو قال إنْ أَدَّيْت إلَيَّ ثَوْبًا هَرَوِيًّا فَأَنْتَ حُرٌّ يَقَعُ على الْوَسَطِ وإذا جاء بِهِ يُجْبَرُ على الْقَبُولِ وَكَذَا الْجَوَابُ عن مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ لِأَنَّ الدَّوَابَّ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ تَحْتَهَا أَنْوَاعٌ مُتَفَاوِتَةٌ وَاسْمُ الدَّابَّةِ يَقَعَ على كل ذلك على الِانْفِرَادِ حتى لو قال إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَرَسًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَدْ قالوا أنه يَقَعُ على الْوَسَطِ وَيُجْبَرُ على الْقَبُولِ‏.‏

وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَجِّ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ إنْ قال إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَحَجَجْت بها أو قال وَحَجَجْت بها فَأَتَى بِالْأَلْفِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَرْطَيْنِ فَلَا يَعْتِقُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ قال إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا أَحُجُّ بها يَعْتِقُ إذَا خَلَّى وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَحُجُّ بها لِبَيَانِ الْغَرَضِ تَرْغِيبًا لِلْعَقْدِ في الْأَدَاءِ حَيْثُ يَصِيرُ كَسْبُهُ مَصْرُوفًا إلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا على سَبِيلِ الشَّرْطِ وَمَسْأَلَةُ الْخَمْرِ لَا رِوَايَةَ فيها وَلَكِنْ ذُكِرَ في الْكتابةِ أَنَّهُ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ على دَنٍّ من خَمْرٍ أو على كَذَا عَدَدٍ من الْخَنَازِيرِ على أَنَّهُ مَتَى أتى بها فَهُوَ حُرٌّ فَقَبِلَ يَكُونُ كتابةً فَاسِدَةً فَلَوْ جاء بها الْمُكَاتَبُ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا يَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عليه وَيُقَالَ يَعْتِقُ هَهُنَا بِالتَّخْلِيَةِ أَيْضًا وقال بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّ الْعِتْقَ في هذا الْفصل ثَبَتَ من طَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ لَا بِوُجُودِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً كما في الْكتابةِ وَالصَّحِيحُ إنه ثَبَتَ بِوُجُودِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً كما في سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ بِشُرُوطِهَا لَا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ وَالْمَسَائِلُ تَدُلُّ عليها فإنه ذُكِرَ عن بِشْرِ بن الْوَلِيدِ أَنَّهُ قال سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قال في رَجُلٍ قال لِعَبْدِهِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ أو مَتَى أَدَّيْت أو إنْ أَدَّيْت فإن أَبَا حَنِيفَةَ قال ليس هذا بِمُكَاتَبٍ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَهُ وَكَذَا قال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ‏.‏

فَإِنْ أَدَّى قبل أَنْ يَبِيعَهُ فإن أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا قالوا يُجْبَرُ الْمَوْلَى على قَبُولِهِ وَيَعْتِقُ اسْتِحْسَانًا فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قبل أَنْ يُؤَدِّيَ الْأَلْفَ كالعبد ‏[‏فالعبد‏]‏ رَقِيقٌ يُورَثُ مع أَكْسَابِهِ بِخِلَافِ الْكتابةِ وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قبل الْأَدَاءِ وَتَرَكَ مَالًا فَمَالُهُ كُلُّهُ لِلْمَوْلَى وَلَا يُؤَدِّي عنه فَيَعْتِقُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ في يَدِهِ مَالٌ مِمَّا اكْتَسَبَهُ فَهُوَ لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ في يَدِ نَفْسِهِ وَلَا سَبِيلَ لِلْمَوْلَى على أَكْسَابِهِ مع بَقَاءِ الْكتابةِ فَبَعْدَ الْحُرِّيَّةِ أَوْلَى وَقَالُوا إنَّ الْمَوْلَى لو بَاعَهُ قبل الْأَدَاءِ صَحَّ كما في قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حرب ‏[‏حر‏]‏ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فإنه لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ من غَيْرِ رِضَا الْمُكَاتِبِ وإذا رضي تَنْفَسِخُ الْكتابةُ وَلَوْ قال لِعَبْدَيْنِ له إنْ أَدَّيْتُمَا إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتُمَا حُرَّانِ فَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لم يَعْتِقْ أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِأَدَاءِ الْأَلْفِ ولم يُوجَدْ وَكَذَا إذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا الْأَلْفَ كُلَّهَا من عِنْدِهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ عِتْقِهِمَا أَدَاءَهُمَا جميعا الْأَلْفَ ولم يُوجَدْ الْأَلْفُ فَلَا يَعْتِقَانِ كما إذَا قال لَهُمَا إنْ دَخَلْتُمَا هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتُمَا حُرَّانِ فَدَخَلَ أَحَدُهُمَا لَا يَعْتِقُ ما لم يَدْخُلْ الْآخَرُ وَإِنْ أَدَّى أَحَدُهُمَا الْأَلْفَ كُلَّهَا وقال خَمْسُمِائَةٍ من عِنْدِي وَخَمْسُمِائَةٍ أُخْرَى بَعَثَ بها صَاحِبِي لِيُؤَدِّيَهَا إلَيْك عَتَقَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ وهو أَدَاءُ الْأَلْفِ مِنْهُمَا حِصَّةُ أَحَدِهِمَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَحِصَّةُ الْآخَرِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ لِأَنَّ هذا باب تجزىء فيه النِّيَابَةُ فَقَامَ أَدَاؤُهُ مَقَامَ أَدَاءِ صَاحِبِهِ وَلَوْ أَدَّى عنهما رَجُلٌ آخَرُ لم يَعْتِقَا لِعَدَمِ الشَّرْطِ وهو أَدَاؤُهُمَا‏.‏

وَأَمَّا إذَا أَدَّى الْأَجْنَبِيُّ الْأَلْفَ وقال أُؤَدِّيهَا إلَيْك على أَنَّهُمَا حُرَّانِ فَقَبِلَهَا الْمَوْلَى على ذلك عَتَقَا لِأَنَّ هذا بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ آخَرَ مع الْأَجْنَبِيِّ كَأَنَّهُ قال له إنْ أَدَّيْت ألي أَلْفًا فَعَبْدِي حُرٌّ وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ قبل الْغَيْرِ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ هذا الْعِتْقِ تَحْصُلُ له فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِذَلِكَ على الْغَيْرِ مَالًا بِخِلَافِ ما إذَا قال لِآخَرَ طَلِّقْ امْرَأَتَك على أَلْفِي هذه وَدَفَعَ إلَيْهِ فَطَلَّقَ أَنَّ الْأَلْفَ تَكُونُ لِلْمُطَلِّقِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لم يَحْصُلْ له بِالطَّلَاقِ مَنْفَعَةٌ إذْ هو إسْقَاطُ حَقِّ والأجنبي ‏[‏الأجنبي‏]‏ صَارَ مُتَبَرِّعًا عنها بِذَلِكَ فَأَشْبَهَ ما إذَا قَضَى عنها دَيْنًا بِخِلَافِ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ حَصَلَتْ لِلْمَوْلَى مَنْفَعَةٌ وهو الْوَلَاءُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بَدَلًا على الْغَيْرِ وَلَوْ أَدَّاهَا الْأَجْنَبِيُّ وقال هُمَا أَمَرَانِي أَنْ أُؤَدِّيَهَا عنهما فَقَبِلَهَا الْمَوْلَى عَتَقَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ رَسُولًا عنهما فَأَدَاءُ الرسول صلى اللَّهُ عليه وسلم أَدَاءُ الْمُرْسِلِ فَإِنْ أعتق ‏[‏أدى‏]‏ الْعَبْدُ من مَالٍ اكْتَسَبَهُ قبل الْقَبُولِ عَتَقَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَيَرْجِعُ الْمَوْلَى عليه بمثله لِأَنَّ الْمَوْلَى ما أَذِنَ له بِالْأَدَاءِ من هذا الْكَسْبِ لِأَنَّ الْإِذْنَ ثَبَتَ بِمُقْتَضَى الْقَبُولِ وَالْكَسْبُ كان قبل الْقَبُولِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ بِأَنْ غَصَبَ أَلْفًا من رَجُلٍ وَأَدَّى ولم يُجِزْ الْمَغْصُوبُ منه أَدَاءَهُ فإن الْعَبْدَ يَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَغْصُوبَ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ على الْعَبْدِ بِمِثْلِهَا وَإِنْ أَدَّى من مَالٍ اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْقَبُولِ صَحَّ الْأَدَاءُ وَعَتَقَ الْعَبْدُ وَلَا يَرْجِعُ الْمَوْلَى على الْعَبْدِ بمثله بَعْدَ الْعِتْقِ اسْتِحْسَانًا‏.‏

وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ لِأَنَّهُ أَدَّى مَالَ الْمَوْلَى فَيَرْجِعُ عليه كما لو اكْتَسَبَهُ قبل الْقَبُولِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ أَدَّى من مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّ اكْتِسَابَهُ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فَقَالُوا أنه لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ أَدَّى بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَكَانَ إقْدَامُهُ على هذا الْقَبُولِ إذْنًا له بِالتِّجَارَةِ دَلَالَةً لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى أَدَاءِ الْأَلْفِ إلَّا بِالتِّجَارَةِ فَيَصِيرُ مأوذنا ‏[‏مأذونا‏]‏ في التِّجَارَةِ فَقَدْ حَصَلَ الآداء من كَسْبٍ هو مَأْذُونٌ في الْأَدَاءِ منه من جِهَةِ الْمَوْلَى فَلَا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ عليه أو نَقُولُ الْكَسْبُ الْحَاصِلُ بَعْدَ الْقَبُولِ ليس على حُكْمِ مِلْكِ الْمَوْلَى في الْقَدْرِ الذي يؤدى كَكَسْبِ الْمُكَاتَبِ فَصَارَ من هذا الْوَجْهِ كَالْمُكَاتَبِ وَلَوْ كانت هذه أَمَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَدَّتْ لم يَعْتِقْ وَلَدُهَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا وَلَدَتْ ثُمَّ أَدَّتْ فَعَتَقَتْ أَنَّهُ يَعْتِقُ وَلَدُهَا وَلَوْ قال الْعَبْدُ لِلْمَوْلَى حُطَّ عَنِّي مِائَةً فَحَطَّ عنه فَأَدَّى تِسْعَمِائَةٍ لم يَعْتِقْ لِأَنَّ الشَّرْطَ لم يُوجَدْ بِخِلَافِ الْكتابةِ فإن الْعِتْقَ فيها يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ وَالْحَطُّ يُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَفْوِ في الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَكَذَا لو أَدَّى مَكَانَ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ قَبِلَ لِعَدَمِ الشَّرْطِ‏.‏

وَلَوْ قال لِعَبْدِهِ إنْ خَدَمْتَنِي سَنَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَخَدَمَهُ أَقَلَّ من سَنَةٍ لم يَعْتِقْ حتى يُكْمِلَ خِدْمَتَهُ وَكَذَا إنْ صَالَحَهُ من الْخِدْمَةِ على دَرَاهِمَ أو من الدَّرَاهِمِ التي جَعَلَ عليه على دَنَانِيرَ وَكَذَا إذَا قال أخدم أَوْلَادِي سَنَةً وَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ قبل تَمَامِ السَّنَةِ لم يَعْتِقْ وَهَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ على أَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ بِوُجُودِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً فَلَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فيه بِالرِّضَا وَعَدَمِهِ وَإِسْقَاطِ بَعْضِ الشَّرْطِ كما في سَائِرِ الْأَزْمَانِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ إذَا قال له إنْ دَخَلْت هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَدَخَلَ إحْدَاهُمَا وقال الْمَوْلَى أَسْقَطْت عَنْك دُخُولَ الْأُخْرَى لَا يَسْقُطُ كَذَا هذا وَلَوْ أَبْرَأَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ من الْأَلْفِ لم يَعْتِقْ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وهو الْأَدَاءُ وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُكَاتَبَ عن بَدَلِ الْكتابةِ يَعْتِقُ‏.‏

وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ في الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ إذَا قال إنْ أَدَّيْت لي أَلْفًا في كِيسٍ أَبْيَضَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّاهَا في كِيسٍ أَسْوَدَ لَا يَعْتِقُ وفي الْكتابةِ يَعْتِقُ وَهَذَا نَصٌّ على أَنَّ العتق هَهُنَا يَثْبُتُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ لَا من طَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ بِخِلَافِ الْكتابةِ وَإِنْ بَاعَ هذا الْعَبْدَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَأَدَّى إلَيْهِ يُجْبَرُ على الْقَبُولِ عِنْدَ أبي يُوسُفَ وقال مُحَمَّدٌ في الزِّيَادَاتِ لَا يُجْبَرُ على قَبُولِهَا فَإِنْ قَبِلَهَا عَتَقَ‏.‏

وَذَكَرَ الْقَاضِي في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ على الْقَبُولِ ولم يذكر الْخِلَافَ وَعَلَى هذا إذَا رَدَّهُ عليه بِعَيْبٍ أو خِيَارٍ وَجْهُ قَوْلِ أبي يُوسُفَ ظَاهِرٌ مُطَّرِدٌ على الْأَصْلِ لأنه عتق ‏[‏عتقه‏]‏ تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ وَالْجَزَاءُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمِلْكِ الْقَائِمِ فَكَانَ حُكْمُهُ في الْمِلْكِ الثَّانِي كَحُكْمِهِ في الْمِلْكِ الْأَوَّلِ كما في قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ‏.‏

وَأَمَّا الْوَجْهُ لِمُحَمَّدٍ فَهُوَ أَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ دَلَّتْ على التَّقْيِيدِ بِالْمِلْكِ الْقَائِمِ ظَاهِرًا لِأَنَّ غَرَضَهُ من التَّعْلِيقِ بِالْأَدَاءِ تَحْرِيضُهُ على الْكَسْبِ لِيَصِلَ إلَيْهِ الْمَالُ وَذَلِكَ في الْمَالِ الْقَائِمِ وَأَكَّدَ ذلك بِوُجُودِ الْعِتْقِ الْمُرَغِّبِ له في الْكَسْبِ مع احْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ منه مُطْلَقُ الْمِلْكِ فإذا أتى بِالْمَالِ بعدما بَاعَهُ وَاشْتَرَاهُ فلم يَقْبَلْ لَا يَعْتِقُ لِتَقَيُّدِهِ بِالْمِلْكِ الْقَائِمِ ظَاهِرًا بِدَلَالَةِ الْحَالِ وإذا قَبِلَ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ منه الْمُطْلَقُ وَلَوْ قال لِأَمَتِهِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَقَبِلَتْ ذلك فَلَيْسَ هذا بِكتابةٍ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا ما لم تُؤَدِّ وَإِنْ كَسَرَتْ شَهْرًا لم تُؤَدِّ إلَيْهِ ثُمَّ أَدَّتْ إلَيْهِ في غَيْرِ ذلك الشَّهْرِ لم تَعْتِقْ كَذَا ذَكَرَ في رِوَايَةِ أبي حَفْصٍ وَهِشَامٍ وَذَكَرَ في رِوَايَةٍ أُخْرَى وقال هذه مُكَاتَبَةٌ وَلَيْسَ له أَنْ يَبِيعَهَا وَإِنْ كَسَرَتْ شَهْرًا وَاحِدًا ثُمَّ أَدَّتْ في غَيْرِ ذلك الشَّهْرِ كان جَائِزًا وَجْهُ هذه الرِّوَايَةِ أَنَّهُ أَدْخَلَ فيه الْأَجَلَ فَدَلَّ أَنَّهُ كتابةٌ وَجْهُ رِوَايَةِ أبي حَفْصٍ أَنَّ هذا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِشَرْطٍ في وَقْتٍ وَهَذَا لَا يَدُلُّ على أَنَّهُ كتابةٌ كما لو قال لها إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ الْيَوْمَ أو دَارَ فُلَانٍ غَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ لَا يَكُونُ ذلك كتابةً وَإِنْ أَدْخَلَ الْأَجَلَ فيه وَالدَّلِيلُ على أَنَّ الصَّحِيحَ هذه الرِّوَايَةُ أَنَّهُ إذَا قال لها إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا في هذا الشَّهْرِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فلم تُؤَدِّهَا في ذلك الشَّهْرِ وَأَدَّتْهَا في غَيْرِهِ لم تَعْتِقْ وَلَوْ كان ذلك كتابةً لَمَا بَطَلَ ذلك إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أو بِتَرَاضِيهِمَا فَدَلَّ أَنَّ هذا ليس بِكتابةٍ بَلْ هو تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ لَكِنْ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ ثُمَّ التَّعْلِيقُ بِالْأَدَاءِ هل يَقْتَصِرُ على الْمَجْلِسِ فَإِنْ قال مَتَى أَدَّيْت أو مَتَى ما أَدَّيْت أو إذَا ما أَدَّيْت فَلَا شَكَّ أَنَّ هذا كُلَّهُ لَا يَقْتَصِرُ على الْمَجْلِسِ لِأَنَّ في هذه الْأَلْفَاظِ مَعْنَى الْوَقْتِ‏.‏

وَإِنْ قال إنْ أَدَّيْت إلى ذَكَرَ في الْأَصْلِ أَنَّهُ يُقْتَصَرُ على الْمَجْلِسِ وَظَاهِرُ ما رَوَاهُ بِشْرٌ عن أبي يُوسُفَ يَدُلُّ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ على الْمَجْلِسِ فإنه قال في رِوَايَةٍ عن أبي يُوسُفَ أنه قال في رَجُلٍ قال لِعَبْدِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ أو مَتَى أَدَّيْت أو إنْ أَدَّيْت فَقَدْ سَوَّى بين هذه الْكَلِمَاتِ ثُمَّ في كَلِمَةِ إذَا أو مَتَى لَا يَقْتَصِرُ على الْمَجْلِسِ فَكَذَا في كَلِمَةِ إنْ وَكَذَا ذَكَرَ بِشْرٌ ما يَدُلُّ عليه فإنه قال عَطْفًا على رِوَايَتِهِ عن أبي يُوسُفَ أن الْمَوْلَى إذَا بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَأَدَّى الْمَالَ عَتَقَ وَيَبْعُدُ أَنْ يَنْفُذَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَأَدَاءُ الْمَالِ في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقْتَصِرُ على الْمَجْلِسِ في الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا وَالْوَجْهُ فيه ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ بِالشَّرْطِ فَلَا يَقِفُ على الْمَجْلِسِ كَالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ من قَوْلِهِ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَغَيْرِ ذلك‏.‏

وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِالْأَدَاءِ مُعَلَّقٌ بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قال أنت حُرٌّ إنْ شِئْت وَلَوْ قال إنْ شِئْت يَقْتَصِرُ على الْمَجْلِسِ وَلَوْ قال إذَا شِئْت أو مَتَى شِئْت لَا يَقْتَصِرُ على الْمَجْلِسِ كَذَا هَهُنَا وَسَوَاءٌ أَدَّى الْأَلْفَ جُمْلَةً وَاحِدَةً أو على التَّفَارِيقِ خَمْسَةٍ وَعَشَرَةٍ وَعِشْرِينَ أَنَّهُ يُجْبَرُ على الْقَبُولِ حتى إذَا تَمَّ الْأَلْفُ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِأَدَاءِ الْأَلْفِ مُطْلَقًا وقد أَدَّى وَرَوَى ابن رُسْتُمَ عن مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قال لِعَبْدِهِ في مَرَضِهِ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفٌ فَأَدَّاهَا من مَالٍ اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْقَوْلِ فإنه يَعْتِقُ من جَمِيعِ الْمَالِ اسْتَحْسَنَ أبو حَنِيفَةَ ذلك‏.‏

وقال زُفَرُ يَعْتِقُ من الثُّلُثِ وهو الْقِيَاسُ ووجه ‏[‏ووجهه‏]‏ أَنَّ الْكَسْبَ حَصَلَ على مِلْكِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ فإذا أَسْقَطَ حَقَّهُ عن الرَّقَبَةِ كان مُتَبَرِّعًا فَيُعْتَبَرُ من الثُّلُثِ كما لو أَعْتَقَهُ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الْكتابةِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ اكساب الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ فَكَانَ كَسْبُهُ عِوَضًا عن الرَّقَبَةِ فَيَعْتِقُ من جَمِيعِ الْمَالِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَدْرَ الذي يؤدي من الْكَسْبِ الْحَاصِلِ بَعْدَ الْقَوْلِ ليس على مِلْكِ الْمَوْلَى كَكَسْبِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَطْمَعَهُ الْعِتْقَ بِأَدَائِهِ إلَيْهِ فَصَارَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِهِ سَبَبًا دَاعِيًا إلَى تَحْصِيلِهِ فَصَارَ كَسْبُهُ من هذا الْوَجْهِ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَلَوْ قال له أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرٌّ فما لم يُؤَدِّ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ أتى بِجَوَابِ الْأَمْرِ لِأَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ بِالْوَاوِ فَيَقْتَضِي وُجُوبَ ما تَعَلَّقَ بِالْأَمْرِ وهو الْأَدَاءُ‏.‏

وَلَوْ قال أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَا رِوَايَةَ في هذا وَقِيلَ هذا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ الْمَالِ إلَيْهِ لِأَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ قد يَكُونُ بِحَرْفِ الْفَاءِ وَلَوْ قال أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا أنت حُرٌّ يَعْتِقُ لِلْحَالِ أَدَّى أو لم يُؤَدِّ لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ هَهُنَا ما يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ حَيْثُ لم يَأْتِ بِحَرْفِ الْجَوَابِ وَاَللَّهُ عز وجل أعلم‏.‏

وَمِنْ هذا الْقَبِيلِ إذَا قال لِأَمَتِهِ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ أو قال إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَيُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ قِيَامِ الْمِلْكِ في الْأَمَةِ وَقْتُ التَّعْلِيقِ كما في قَوْلِهِ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ إذَا كان ثَابِتًا في الْأَمَةِ وَقْتَ التَّصَرُّفِ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ إلَى وَقْتِ الْوِلَادَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إضَافَةِ الْوِلَادَةِ إلَى الْمِلْكِ فَيَصِحُّ فإذا صَحَّ التَّعْلِيقُ فَكُلُّ وَلَدٍ تَلِدُهُ في مِلْكِهِ يَعْتِقُ وَإِنْ وَلَدَتْ في غَيْرِ مِلْكِهِ لَا يَعْتِقُ وَتَبْطُلُ الْيَمِينُ بِأَنْ وَلَدَتْ بعدما مَاتَ الْمَوْلَى أو بعدما بَاعَهَا وَلَوْ ضَرَبَ ضَارِبٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا كان فيه ما في جَنِينِ الْأَمَةِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَحْصُلُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَالضَّرْبُ حَصَلَ قبل الْوِلَادَةِ فَكَانَ عَبْدًا فَلَا يَجِبُ ضَمَانُ الْحُرِّ وَلَوْ قال إذَا حَمَلْت بِوَلَدٍ فَهُوَ حُرٌّ كان فيه ما في جَنِينِ الْحُرَّةِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَحْصُلُ منها لِلْحَمْلِ فَالضَّرْبُ صَادَفَهُ وهو حُرٌّ إلَّا أَنَّا لَا نَحْكُمُ بِهِ ما لم تَلِدْ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ بِوُجُودِهِ فإذا أَلْقَتْ فَقَدْ عَلِمْنَا بِوُجُودِهِ وَقْتَ الضَّرْبِ‏.‏

فَإِنْ قِيلَ الْحُرِّيَّةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ حُدُوثِ الْحَيَاةِ فيه وَلَا نَعْلَمُ ذلك فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ الشَّرْعُ بِالْأَرْشِ على الضَّارِبِ فَقَدْ صَارَ مَحْكُومًا بِحُدُوثِ الْحَيَاةِ فيه لِأَنَّ الْأَرْشَ لَا يَجِبُ إلَّا بِإِتْلَافِ الْحَيِّ وَلَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى فَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قبل مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كان الْوَلَدُ حُرًّا وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ بَاعَهَا وَالْحَمْلُ مَوْجُودٌ وَالْحُرِّيَّةُ ثَابِتَةٌ فيه وَحُرِّيَّةُ الْحَمْلِ تَمْنَعُ جَوَازَ بَيْعِ الْأُمِّ لِمَا مَرَّ وَإِنْ ولدتها ‏[‏ولدته‏]‏ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لم يَعْتِقْ لِأَنَّا لم نَتَيَقَّنْ بِحُصُولِ الْوَلَدِ يوم الْبَيْعِ فَلَا يَجُوزُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَإِثْبَاتُ الْحُرِّيَّةِ‏.‏

وَلَوْ قال لِأَمَتِهِ إنْ كان أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فَهَذَا لَا يَخْلُو من أَوْجُهٍ إمَّا أن عُلِمَ أَيُّهُمَا ولدا ‏[‏ولد‏]‏ أَوَّلًا بِأَنْ اتَّفَقَ الْمَوْلَى وَالْأَمَةُ على أَنَّهُمَا يَعْلَمَانِ ذلك وَإِمَّا أن لم يُعْلَمْ بِأَنْ اتَّفَقَا على أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ وأما إنْ اخْتَلَفَا في ذلك فَإِنْ عُلِمَ أَيُّهُمَا وُلِدَ أَوَّلًا فَإِنْ كان الْغُلَامُ هو الْأَوَّلُ فَهُوَ رَقِيقٌ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِوِلَادَتِهِ عِتْقُ الْأُمِّ وَهِيَ إنَّمَا تَعْتِقُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَكَانَ انْفِصَالُ الْوَلَدِ على حُكْمِ الرِّقِّ فَلَا يُؤَثِّرُ فيه عِتْقُ الْأُمِّ وَتَعْتِقُ الْأُمُّ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَتَعْتِقُ الْجَارِيَةُ بِعِتْقِهَا وَإِنْ كانت الْجَارِيَةُ هِيَ الْأُولَى لم يَعْتِقْ وَاحِدٌ منهم لِعَدَمِ شَرْطِ الْعِتْقِ وَإِنْ لم يُعْلَمْ فَالْغُلَامُ رَقِيقٌ على كل حَالٍ لِأَنَّهُ لَا حَالَ له في الْحُرِّيَّةِ أَصْلًا سَوَاءٌ كان مُتَقَدِّمًا في الْوِلَادَةِ أو مُتَأَخِّرًا لِأَنَّهُ إنْ كان أَوَّلًا فَذَاكَ شَرْطُ عِتْقِ أُمِّهِ لَا شَرْطُ عِتْقِهِ وَعِتْقُ أُمِّهِ لَا يُؤَثِّرُ فيه لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ كانت الْجَارِيَةُ أَوَّلًا فَوِلَادَتُهَا لم تَجْعَلْ شَرْطَ الْعِتْقِ في حَقِّ أَحَدٍ فلم يَكُنْ لِلْغُلَامِ حَالٌ في الْحُرِّيَّةِ رَأْسًا فَكَانَ رَقِيقًا على كل حَالٍ وَأَمَّا الْجَارِيَةُ وَالْأُمُّ فَيَعْتِقُ من كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا وَتَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَعْتِقُ في حَالٍ وَتُرَقُّ في حَالٍ لِأَنَّ الْغُلَامَ إنْ كان أَوَّلًا عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ أَمَّا الْأُمُّ فَلِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ فيها وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَلِعِتْقِ الْأُمِّ لِأَنَّ الْأُمَّ إذَا عَتَقَتْ عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ بِعِتْقِ الْأُمِّ تَبَعًا لها فَعَتَقَتَا جميعا‏.‏

وَإِنْ كانت الْجَارِيَةُ أَوَّلًا لَا يَعْتِقَانِ لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ شَرْطُ الْعِتْقِ في الْأُمِّ وإذا لم تَعْتِقْ الْأُمُّ لَا تَعْتِقُ الْجَارِيَةُ لِأَنَّ عِتْقَهَا بِعِتْقِهَا فَإِذًا هُمَا يَعْتِقَانِ في حَالٍ وَيُرَقَّانِ في حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ الْعِتْقُ فِيهِمَا فَيَعْتِقُ من كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا على الْأَصْلِ الْمَعْهُودِ لِأَصْحَابِنَا في اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ عِنْدَ اشْتِبَاهِهَا وَالْعَمَلُ بِالدَّلِيلَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَرُوِيَ عن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ الْمَوْلَى على عِلْمِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ما يَعْلَمُ الْغُلَامَ وُلِدَ أَوَّلًا فَإِنْ نَكَلَ عن الْيَمِينِ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَابْنَتُهَا وكان الْغُلَامُ عَبْدًا وَإِنْ حَلَفَ كَانُوا جميعا أَرِقَّاءَ وَكَذَلِكَ إذَا لم يُخَاصِمْ الْمَوْلَى حتى مَاتَ وَخُوصِمَ وَارِثُهُ بَعْدَهُ فَأَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَدْرِي وَحَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى ما يَعْلَمُ الْغُلَامَ وُلِدَ أَوَّلًا رُقُّوا‏.‏

وَوَجْهُ هذه الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأَحْوَالَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْبَيَانِ وَالْبَيَانُ هَهُنَا مُمْكِنٌ بِالرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ الْحَالِفِ فَلَا تُعْتَبَرُ الْأَحْوَالُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْبَيَانِ بِالْيَمِينِ هَهُنَا لِأَنَّ الْخَصْمَيْنِ مُتَّفِقَانِ على أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُكَلِّفَ الْمَوْلَى الْحَلِفَ على أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا مع تَصَادُقِهِمَا على ذلك وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى أن الْجَارِيَةَ هِيَ الْأُولَى لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْعِتْقَ وَلَوْ قال لِأَمَتِهِ إنْ كان أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَإِنْ كانت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْغُلَامَ كان أَوَّلًا عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ لَا غَيْرُ أَمَّا الْأُمُّ فَلِوُجُودِ الشَّرْطِ وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَلِعِتْقِ الْأُمِّ‏.‏

وَأَمَّا رِقُّ الْغُلَامِ فَلِانْفِصَالِهِ على حُكْمِ الرِّقِّ فَلَا يُؤَثِّرُ فيه عِتْقُ الْأُمِّ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْجَارِيَةَ كانت هِيَ الْأُولَى عَتَقَتْ هِيَ لَا غَيْرُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِوِلَادَتِهَا عِتْقُهَا لَا غَيْرُ وَعِتْقُهَا لَا يُؤَثِّرُ في غَيْرِهَا وَإِنْ لم يُعْلَمُ أَيُّهُمَا أَوَّلٌ فَالْجَارِيَةُ حُرَّةٌ على كل حَالٍ وَالْغُلَامُ عَبْدٌ على كل حَالٍ وَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ وَتَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهَا أَمَّا حُرِّيَّةُ الْجَارِيَةِ على كل حَالٍ فَلِأَنَّهُ لَا حَالَ لها في الرِّقِّ لِأَنَّ الْغُلَامَ إنْ كان أَوَّلًا عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ لِأَنَّ أُمَّهَا تَعْتِقُ فَتُعْتَقُ هِيَ بِعِتْقِ الْأُمِّ وَإِنْ كانت الْجَارِيَةُ أَوَّلًا فَقَدْ عَتَقَتْ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ في حَقِّهَا فَكَانَتْ حُرَّةً على كل حَالٍ‏.‏

وَأَمَّا رِقُّ الْغُلَامِ على كل حَالٍ فَلِأَنَّهُ ليس له حَالٌ في الْحُرِّيَّةِ سَوَاءٌ وُلِدَ أَوَّلًا أو آخِرًا وَأَمَّا الْأُمُّ فَإِنَّمَا يَعْتِقُ نِصْفُهَا لِأَنَّهَا تَعْتِقُ في حَالٍ وَتُرَقُّ في حَالٍ لِأَنَّ الْغُلَامَ إنْ كان هو الْأَوَّلُ تَعْتِقُ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ أَيْضًا بِعِتْقِ الْأُمِّ وَإِنْ كانت الْجَارِيَةُ أَوَّلًا تَعْتِقُ الْجَارِيَةُ لَا غَيْرُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِهِ عِتْقُهَا لَا غَيْرُ وَعِتْقُهَا لَا يَتَعَدَّى إلَى عِتْقِ الْأُمِّ فَإِذًا تَعْتِقُ الْأُمُّ في حَالٍ وَلَا تَعْتِقُ في حَالٍ فَيَعْتِقُ نِصْفُهَا اعْتِبَارًا لِلْأَحْوَالِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا وَلَوْ قال لها إنْ كان أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ كان جَارِيَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْغُلَامَ وُلِدَ أَوَّلًا عَتَقَ هو لَا غَيْرُ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْجَارِيَةَ وُلِدَتْ أَوَّلًا عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْغُلَامُ لَا غَيْرُ وَإِنْ لم يُعْلَمْ أَيُّهُمَا وُلِدَ أَوَّلًا فَالْغُلَامُ حُرٌّ على كل حَالٍ لِأَنَّهُ لَا حَالَ له في الرِّقِّ سَوَاءٌ كان أَوَّلًا أو آخِرًا وَالْجَارِيَةُ رَقِيقَةٌ على كل حَالٍ لِأَنَّهُ لَا حَالَ لها في الْحُرِّيَّةِ تَقَدَّمَتْ في الْوِلَادَةِ أو تَأَخَّرَتْ لِأَنَّ الْغُلَامَ إنْ كان هو الْأَوَّلَ لَا يَعْتِقُ إلَّا هو وَإِنْ كانت الْجَارِيَةُ هِيَ الْأُولَى لَا تَعْتِقُ إلَّا الْأُمُّ وَالْغُلَامُ فلم يَكُنْ لِلْجَارِيَةِ حَالٌ في الْحُرِّيَّةِ فَبَقِيَتْ رَقِيقَةً وَالْأُمُّ يَعْتِقُ منها نِصْفُهَا وَتَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهَا لِأَنَّ الْجَارِيَةَ إنْ كانت هِيَ الْأُولَى تَعْتِقُ الْأُمُّ كُلُّهَا وَإِنْ كان الْغُلَامُ هو الْأَوَّلُ لَا يَعْتِقُ شَيْءٌ منها فَتَعْتِقُ في حَالٍ وَلَا تَعْتِقُ في حَالٍ فَيَعْتِقُ نِصْفُهَا وَتَسْعَى في النِّصْفِ اعْتِبَارًا لِلْحَالَيْنِ وَعَمَلًا بِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَا‏.‏

هذا إذَا وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ غُلَامَيْنِ وَجَارِيَتَيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنْ عُلِمَ أَوَّلُهُمْ أَنَّهُ ابْنٌ يَعْتِقُ هو لَا غَيْرُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ لَا غَيْرُ يَعْتِقُ هو لَا غَيْرُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ جَارِيَةٌ فَهِيَ رَقِيقَةٌ وَمَنْ سِوَاهَا أَحْرَارٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ وِلَادَتَهَا أَوَّلًا شَرْطَ حُرِّيَّةِ الْأُمِّ فإذا وُجِدَ الشَّرْطُ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَيَعْتِقُ كُلُّ من وُلِدَ بَعْدَ ذلك بِعِتْقِ الْأُمِّ تَبَعًا لها وَإِنْ لم يُعْلَمْ من كان أَوَّلَهُمْ يَعْتِقُ من الْغُلَامَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَيَسْعَى في رُبُعِ قِيمَتِهِ وَيَعْتِقُ من الْأُمِّ نِصْفُهَا وَتَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهَا وَيَعْتِقُ من الْبِنْتَيْنِ من كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رُبُعُهَا وَتَسْعَى في ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهَا وَإِنَّمَا كان كَذَلِكَ وأما الْغُلَامَانِ فَلِأَنَّ أَوَّلَ من وَلَدَتْ إنْ كان غُلَامًا عَتَقَ الْغُلَامُ كُلُّهُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ كان جَارِيَةً عَتَقَ الْغُلَامَانِ لِأَنَّ الْأُمَّ تَعْتِقُ وَيَعْتِقُ كُلُّ من وُلِدَ بَعْدَ ذلك وَهُمْ الْغُلَامَانِ وَالْجَارِيَةُ الْأُخْرَى وقد تَيَقَّنَّا بِحُرِّيَّةِ أَحَدِ الْغُلَامَيْنِ وَشَكَكْنَا في الْآخَرِ وَلَهُ حَالَتَانِ يَعْتِقُ في حَالٍ وَلَا يَعْتِقُ في حَالٍ فَيُجْعَلُ ذلك نِصْفَيْنِ فَيَعْتِقُ غُلَامٌ وَاحِدٌ وَنِصْفٌ من الْآخَرِ وَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا عَتَقَ كُلُّهُ وَأَيُّهُمَا عَتَقَ نِصْفُهُ فَاسْتَوَيَا في ذلك وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا في ذلك بِأَوْلَى من الْآخَرِ فَيَعْتِقُ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَيَسْعَى في رُبُعِ قِيمَتِهِ‏.‏

وَأَمَّا الْأَمُّ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ في حَالٍ وَلَا تَعْتِقُ في حَالٍ لِأَنَّ أَوَّلَ ما وَلَدَتْ إنْ كان غُلَامًا لَا تَعْتِقُ أَصْلًا وَإِنْ كان جَارِيَةً تَعْتِقُ فَتَعْتِقُ في حَالٍ وَتُرَقُّ في حَالٍ فَيَعْتِقُ نِصْفُهَا وَتَسْعَى في نِصْفِهَا وَأَمَّا الْجَارِيَتَانِ فَإِحْدَاهُمَا أَمَةٌ بِلَا شَكٍّ لِأَنَّ أَوَّلَ ما وَلَدَتْ إنْ كان غُلَامًا فَهُمَا رَقِيقَانِ وَإِنْ كانت جَارِيَةً فإن الْأُولَى لَا تَعْتِقُ وَتَعْتِقُ الْأُخْرَى بِعِتْقِ الْأُمِّ فَإِذًا في حَالَةٍ لَهُمَا حُرِّيَّةٌ وَاحِدَةٌ وفي حَالَةٍ لَا شَيْءَ لَهُمَا فَيَثْبُتُ لَهُمَا نِصْفُ ذلك وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى من الآخرى فَيَصِيرَ ذلك بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وهو رُبُعُ الْكُلِّ فَيَعْتِقُ من كل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رُبُعُهَا وَتَسْعَى في ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَتِهَا وَالله أعلم‏.‏

وَلَوْ قال لِأَمَتِهِ إنْ وَلَدْت غُلَامًا ثُمَّ جَارِيَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَإِنْ وَلَدْت جَارِيَةً ثُمَّ غُلَامًا فَالْغُلَامُ حُرٌّ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فَإِنْ كان الْغُلَامُ أَوَّلًا عَتَقَتْ الْأُمُّ لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهَا وَالْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ رَقِيقَانِ لِانْفِصَالِهِمَا على حُكْمِ الرِّقِّ وَعِتْقُ الْأُمِّ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِمَا وَإِنْ كانت الْجَارِيَةُ أَوَّلًا عَتَقَ الْغُلَامُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ رَقِيقَتَانِ لِأَنَّ عِتْقَ الْغُلَامِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِمَا وَإِنْ لم يُعْلَمْ أَيُّهُمَا أَوَّلًا وَاتَّفَقَا على أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ ذلك فَالْجَارِيَةُ رَقِيقَةٌ لِأَنَّهُ لَا حَالَ لها في الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهَا تُرَقُّ في جَمِيعِ الْأَحْوَالِ‏.‏

وَأَمَّا الْغُلَامُ وَالْأُمُّ فإنه يَعْتِقُ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَيَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْتِقُ في حَالٍ وَيُرَقُّ في حَالٍ فَيَعْتِقُ نِصْفُهُ وَيَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهِ وإذا اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مع يَمِينِهِ على عِلْمِهِ هذا إذَا وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ غُلَامَيْنِ وجارتين ‏[‏وجاريتين‏]‏ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامَيْنِ ثُمَّ جَارِيَتَيْنِ عَتَقَتْ الْأُمُّ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَعَتَقَتْ الْجَارِيَةُ الثَّانِيَةُ بِعِتْقِهَا وَبَقِيَ الْغُلَامَانِ وَالْجَارِيَةُ الْأُولَى أَرِقَّاءَ وَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامًا ثُمَّ جَارِيَتَيْنِ ثُمَّ غُلَامًا عَتَقَتْ الْأُمُّ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَارِيَةُ الثَّانِيَةُ وَالْغُلَامُ الثَّانِي بِعِتْقِ الْأُمِّ وَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامًا ثُمَّ جَارِيَةً ثُمَّ غُلَامًا ثُمَّ جَارِيَةً عَتَقَتْ الْأُمُّ بوجود ‏[‏لوجود‏]‏ الشَّرْطِ وَالْغُلَامُ الثَّانِي وَالْجَارِيَةُ الثَّانِيَةُ بِعِتْقِ الْأُمِّ وَإِنْ وَلَدَتْ جَارِيَتَيْنِ ثُمَّ غُلَامَيْنِ عَتَقَ الْغُلَامُ الْأَوَّلُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْغُلَامُ الثَّانِي وَالْجَارِيَةُ الثَّانِيَةُ بِعِتْقِ الْأُمِّ وَإِنْ وَلَدَتْ جَارِيَتَيْنِ ثُمَّ غُلَامَيْنِ عَتَقَ الْغُلَامُ الْأَوَّلُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَبَقِيَ من سِوَاهُ رَقِيقًا‏.‏

وَكَذَلِكَ إذَا وَلَدَتْ جَارِيَةً ثُمَّ غُلَامَيْنِ ثُمَّ جَارِيَةً عَتَقَ الْغُلَامُ الْأَوَّلُ لَا غَيْرُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ في حَقِّهِ لَا غَيْرُ وَكَذَلِكَ إذَا وَلَدَتْ جَارِيَةً ثُمَّ غُلَامًا ثُمَّ جَارِيَةً ثُمَّ غُلَامًا عَتَقَ الْغُلَامُ الْأَوَّلُ لَا غَيْرُ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ لم يُعْلَمْ بِأَنْ اتَّفَقُوا على أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أنهم ‏[‏أيهم‏]‏ الْأَوَّلَ يَعْتِقُ من الْأَوْلَادِ من كل وَاحِدٍ رُبُعُهُ لِأَنَّ أَحَدَ الْغُلَامَيْنِ مع إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ رَقِيقَانِ على كل حَالٍ لِأَنَّهُ ليس لَهُمَا حَالٌ في الْحُرِّيَّةِ وَالْجَارِيَةُ الْأُخْرَى وَالْغُلَامُ الْآخَرُ يَعْتِقُ كُلُّ وَاحِدِ مِنْهُمَا في حَالٍ وَيُرَقُّ في حَالٍ فَيَعْتِقُ من كل وَاحِدٍ نِصْفُهُ فما أَصَابَ الْجَارِيَةَ يَكُونُ بينهما ‏[‏بينها‏]‏ وَبَيْنَ الْجَارِيَةِ الْأُخْرَى نِصْفَيْنِ إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى من الْأُخْرَى فَيَعْتِقُ من كل وَاحِدَةٍ رُبُعُهَا وَكَذَلِكَ ما أَصَابَ الْغُلَامَ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُلَامِ الْآخَرِ نِصْفَيْنِ لِمَا قُلْنَا‏.‏

وَأَمَّا الْأُمُّ فَيَعْتِقُ منها نِصْفُهَا لِأَنَّهُ إنْ سَبَقَ وِلَادَةُ الْغُلَامِ فَتَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ سَبَقَتْ وِلَادَةُ الْجَارِيَةِ لَا تَعْتِقُ فَيَعْتِقُ نِصْفُهَا وَتَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهَا وَإِنْ اخْتَلَفُوا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مع يَمِينِهِ على عِلْمِهِ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ قال لها إنْ وَلَدْت ما في بَطْنِك فَهُوَ حُرٌّ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من يَوْمِ خلف ‏[‏حلف‏]‏ عَتَقَ ما في بَطْنِهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَيَقَّنَّا بِكَوْنِهِ مَوْجُودًا وَقْتَ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يُولَدُ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَتَيَقَّنَّا بِكَوْنِهِ دَاخِلًا تَحْتَ الْإِيجَابِ وإذا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لم نَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ مَوْجُودًا ثُمَّ وُجِدَ بَعْدُ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِيجَابِ مع الشَّكِّ وَكَذَا إذَا قال لها ما في بَطْنِك حُرٌّ إلَّا أَنَّ هَهُنَا يَعْتِقُ من يَوْمِ حَلَفَ وفي الْفصل الْأَوَّلِ يوم تَلِدُ لِأَنَّ هُنَاكَ شُرِطَ الْوِلَادَةُ ولم تُشْتَرَطْ هَهُنَا‏.‏

وَلَوْ قال لها إذَا حَمَلْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ من سَنَتَيْنِ أو لِسَنَتَيْنِ من وَقْتِ الْكَلَامِ لَا تَعْتِقُ وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ من سَنَتَيْنِ تَعْتِقْ لِأَنَّ يَمِينَهُ يقع ‏[‏تقع‏]‏ على حَمْلٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الْيَمِينِ فإذا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ من سَنَتَيْنِ أو لِسَنَتَيْنِ يُحْتَمَلُ أنها كانت حُبْلَى من وَقْتِ الْكَلَامِ لَا تَعْتِقُ وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ من سَنَتَيْنِ أو لِسَنَتَيْنِ يُحْتَمَلُ أنها كانت حُبْلَى وَقْتَ الْيَمِينِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَدَثَ الْحَمْل بَعْدَ الْيَمِينِ فَيَقَعُ الشَّكُّ في شَرْطِ ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا تَثْبُتُ الْحُرِّيَّةُ مع الشَّكِّ فَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ من سَنَتَيْنِ فَقَدْ تَيَقَّنَّا أَنَّ الْحَمْلَ حَصَلَ بَعْدَ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَبْقَى في الْبَطْنِ أَكْثَرَ من سَنَتَيْنِ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْعِتْقِ وهو الْحَمْلُ بَعْدَ الْيَمِينِ فَيَعْتِقُ‏.‏

فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّ من أَصْلِكُمْ أَنَّ الْوَطْءَ إذَا كان مُبَاحًا تُقَدَّرُ مُدَّةُ الْحَبَلِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهَلَّا قَدَّرْتُمْ هَهُنَا كَذَلِكَ فَالْجَوَابُ أَنَّ هذا من أَصْلِنَا فِيمَا لم يَكُنْ فيه إثْبَاتُ رَجْعَةٍ أو إعْتَاقٍ بِالشَّكِّ وَلَوْ جَعَلْنَا مُدَّةَ الْحَمْلِ هَهُنَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ لَكَانَ فيه إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِالشَّكِّ وَهَذَا لَا يَجُوزُ ثُمَّ إنْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْمَقَالَةِ لِأَكْثَرَ من سَنَتَيْنِ حتى عَتَقَتْ وقد كان وَطِئَهَا قبل الْوِلَادَةِ فَإِنْ وَطِئَهَا قبل الْوِلَادَةِ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَعَلَيْهِ الْعُقْرُ وَإِنْ وَطِئَهَا قبل الْوِلَادَةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَا عُقْرَ عليه لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلِّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ وَطِئَهَا عُلِمَ أَنَّهُ وَطِئَهَا وَهِيَ حَامِلٌ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ فإذا وَضَعْت لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْوَطْءِ عُلِمَ أَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ قبل هذا الْوَطْءِ فَيَجِبُ عليه الْعُقْرُ لِأَنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُ وَطِئَهَا بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ فإذا وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا من وَقْتِ الْوَطْءِ يُحْتَمَل أَنَّ الْحَمْلَ حَصَلَ بِذَلِكَ الْوَطْءِ فَلَا يَجِبُ الْعُقْرُ لِأَنَّ الْوَطْءَ لم يُصَادِفْ الْحُرِّيَّةَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَصَلَ بِوَطْءٍ قَبْلَهُ فَيَجِبُ الْعُقْرُ فَيَقَعُ الشَّكُّ في وُجُوبِ الْعُقْرِ فَلَا يَجِبُ مع الشَّكِّ وَيَنْبَغِي في الْوَرَعِ وَالتَّنَزُّهِ إذَا قال لها هذه الْمَقَالَةَ ثُمَّ وَطِئَهَا أَنْ يَعْتَزِلَهَا حتى يَعْلَمَ أَحَامِلٌ أَمْ لَا فَإِنْ حَاضَتْ وَطِئَهَا بعدما طَهُرَتْ من حَيْضِهَا لِجَوَازِ أنها قد حَمَلَتْ بِذَلِكَ الْوَطْءِ فَعَتَقَتْ فإذا وَطِئَهَا بَعْدَ ذلك كان وَطْءَ الْحُرَّةِ فَيَكُونُ حَرَامًا فَيَعْتَزِلُهَا صِيَانَةً لِنَفْسِهِ عن الْحَرَامِ‏.‏

فإذا حَاضَتْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَمْلَ لم يُوجَدْ إذْ الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ وَلِهَذَا تُسْتَبْرَأُ الْجَارِيَةُ المشترات ‏[‏المشتراة‏]‏ بِحَيْضَةٍ لِدَلَالَتِهَا على فَرَاغِ الرَّحِمِ وَلَوْ بَاعَ هذه الْجَارِيَةَ قبل أَنْ تَلِدَ ثُمَّ وَلَدَتْ في يَدِ الْمُشْتَرِي يُنْظَرُ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ من سَنَتَيْنِ أو لِسَنَتَيْنِ بَعْدَ الْيَمِينِ يَصِحُّ الْبَيْعُ لِجَوَازِ أَنَّ الْوَلَدَ حَدَثَ بَعْدَ الْيَمِينِ فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِالشَّكِّ وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ من سَنَتَيْنِ بَعْدَ الْيَمِينِ يُنْظَرُ إنْ كان ذلك لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ قبل الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ حَدَثَ الْوَلَدُ قبل الْبَيْعِ فَعَتَقَتْ هِيَ وَوَلَدُهَا وَبَيْعُ الْحُرِّ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كان ذلك لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا من وَقْتِ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا لَا تَعْتِقُ لِأَنَّ من الْجَائِزِ أَنَّ الْوَلَدَ حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ قد صَحَّ فَلَا يُفْسَخُ بِالشَّكِّ‏.‏

وَلَوْ قال لها إنْ كان حَمْلُك غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَإِنْ كان جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَكَانَ حَمْلُهَا غُلَامًا وَجَارِيَةً لم يَعْتِقْ أَحَدٌ منهم لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِجَمِيعِ ما في الرَّحِمِ قال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}‏ وَالْمُرَادُ منه جَمِيعُ ما في الْبَطْنِ حتى لَا تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ إلَّا بِوَضْعِ جَمِيعِ ما في الرَّحِمِ وَلَيْسَ كُلُّ الْحَمْلِ الْغُلَامَ وَحْدَهُ وَلَا الْجَارِيَةَ وَحْدَهَا بَلْ بَعْضُهُ غُلَامٌ وَبَعْضُهُ جَارِيَةٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قال إنْ كان كُلُّ حَمْلِك غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَإِنْ كان كُلُّ حَمْلِك جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فَلَا يَعْتِقُ أَحَدُهُمْ وَكَذَلِكَ لو قال إنْ كان ما في بَطْنِك لِأَنَّ هذا عِبَارَةٌ عن جَمِيعِ ما في بَطْنِهَا وَلَوْ قال إنْ كان في بَطْنِك عَتَقَ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ كان في بَطْنِك غُلَامٌ ليس عِبَارَةً عن جَمِيعِ ما في الْبَطْنِ بَلْ يَقْتَضِي وُجُودَهُ وقد وُجِدَ غُلَامٌ وَوُجِدَ أَيْضًا جَارِيَةٌ فَعَتَقَا‏.‏

وَلَوْ قال لها إنْ كُنْت حُبْلَى فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهِيَ حُرَّةٌ وَوَلَدُهَا وَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أو أَكْثَرَ لم يَعْتِقْ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةٍ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فإذا أَتَتْ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ عُلِمَ أَنَّ الْحَمْلَ كان مَوْجُودًا وَقْتَ الْيَمِينِ فَتَعْتِقُ الْأُمُّ لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهَا وهو كَوْنُهَا حَامِلًا وَقْتَ الْيَمِينِ وَيَعْتِقُ الْحَمْلُ بِعِتْقِهَا تَبَعًا لها وإذا أَتَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أو أَكْثَرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِحَمْلٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْيَمِينِ فَلَا يَعْتِقُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِحَمْلٍ مَوْجُودٍ وَقْتَ الْيَمِينِ فَيَعْتِقُ فَوَقَعَ الشَّكُّ في الْعِتْقِ فَلَا يَعْتِقُ مع الشَّكِّ وَمِنْ هذا الْقَبِيلِ التَّدْبِيرُ وَالاستيلاد لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِشَرْطِ الْمَوْتِ إلَّا أَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ قَوْلًا وَالاستيلاد تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ فِعْلًا لَكِنْ الشَّرْطُ فِيهِمَا يَدْخُلُ على الْحُكْمِ لَا على السَّبَبِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كتاب مُفْرَدٌ‏.‏

وَأَمَّا التَّعْلِيقُ الْمَحْضُ بِمَا سِوَى الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ مَعْنًى لَا صُورَةً فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِأَمَتِهِ كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَهَذَا ليس بِتَعْلِيقٍ من حَيْثُ الصُّورَةُ لِانْعِدَامِ حَرْفِ التَّعْلِيقِ وهو إنْ وإذا وَنَحْوُ ذلك لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لَيْسَتْ كَلِمَةَ تَعْلِيقٍ بَلْ هِيَ كَلِمَةُ الْإِحَاطَةِ بِمَا دَخَلَتْ عليه لَكِنَّهُ تَعْلِيقٌ من حَيْثُ الْمَعْنَى لِوُجُودِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فيه لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْعِتْقَ على مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ وهو الْوَلَدُ الذي تَلِدُهُ فَيَتَوَقَّفُ وُقُوعُ الْعِتْقِ على انصافه ‏[‏اتصافه‏]‏ بِتِلْكَ الصِّفَةِ كما يَتَوَقَّفُ على وُجُودِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ بِهِ صَرِيحًا في قَوْلِهِ إنْ وَلَدْت وَلَدًا أو إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَنَحْوِ ذلك فَكَانَ مَعْنَى التَّعْلِيقِ مَوْجُودًا فيه فَلَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كانت الْأَمَةُ في مِلْكِهِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ حتى لو قال لِأَمَةٍ لَا يَمْلِكُهَا كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ لَا يَصِحُّ حتى لو اشْتَرَاهَا فَوَلَدَتْ منه وَلَدًا لَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ وَيَصِحُّ إذَا كانت الْأَمَةُ في مِلْكِهِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَقِيَامُ الْمِلْكِ في الْأَمَةِ يَكْفِي لِصِحَّتِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ إضَافَةُ الْوِلَادَةِ إلَى الْمِلْكِ لِلصِّحَّةِ بِأَنْ يَقُولَ كُلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ وَأَنْتِ في مِلْكِي فَهُوَ حُرٌّ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ إنْ وَلَدَتْ في مِلْكِهِ يَعْتِقُ الْوَلَدُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ في الْمِلْكِ وَإِنْ وَلَدَتْ في غَيْرِ مِلْكِهِ لَا يَعْتِقُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَتَبْطُلُ الْيَمِينُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ كما إذَا قال لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ فَدَخَلَ الدَّارَ يَبْطُلُ الْيَمِينُ حتى لو اشْتَرَاهُ ثَانِيًا فَدَخَلَ الدَّارَ لَا يَعْتِقُ كَذَا هذا‏.‏

وَعَلَى هذا إذَا قال لِعَبْدٍ يَمْلِكُهُ أو لَا يَمْلِكُهُ كُلُّ وَلَدٍ يُولَدُ لَك فَهُوَ حُرٌّ فَوُلِدَ له وَلَدٌ من أَمَةٍ فَإِنْ كانت الْأَمَةُ مِلْكَ الْحَالِفِ يوم حَلِفَ عَتَقَ الْوَلَدُ وَإِلَّا فَلَا وَيُنْظَرُ في ذلك إلَى مِلْكِ الْأَمَةِ لَا إلَى مِلْكِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْوَلَدَ في الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ يَتْبَعُ الْأُمَّ لَا الْأَبَ فإذا كانت الْأَمَةُ على مِلْكِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ فَالظَّاهِرُ بَقَاءُ الْمِلْكِ فيها إلَى وَقْتِ الْوِلَادَةِ وَمِلْكُ الْأُمِّ سَبَبُ ثُبُوتِ مِلْكِ الْوَلَدِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قال كُلُّ وَلَدٍ يُولَدُ لَك من أَمَةٍ لي فَهُوَ حُرٌّ فإذا لم تَكُنِ الْأَمَةُ مَمْلُوكَةً له في الْحَالِ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ على الْعَدَمِ لَا يُوجَدُ مِلْكُ الْوَلَدِ وَقْتَ الْوِلَادَةِ ظَاهِرًا فلم يُوجَدْ التَّعْلِيقُ في الْمِلْكِ وَلَا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَلَا يَصِحُّ هذا إذَا وُلِدَ الْوَلَدُ من أَمَةٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْحَالِفِ من نِكَاحٍ فَأَمَّا إذَا وُلِدَ منها من سِفَاحٍ بِأَنْ زَنَى الْغُلَامُ بها فَوَلَدَتْ منه هل يَعْتِقُ أَمْ لَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فيه وَهِيَ من مَسَائِلِ الْجَامِعِ وَلَوْ قال لِأَمَتِهِ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ أو إن وَلَدَتْ وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا حَيًّا لَا شَكَّ في أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ الْمَيِّتُ وَإِنْ كان الْوَلَدُ الْمَيِّتُ وَلَدًا حَقِيقَةً وَهَلْ يَعْتِقُ الْوَلَدُ الْحَيُّ قال أبو حَنِيفَةَ يَعْتِقُ وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَعْتِقُ‏.‏

وَحَاصِلُ الْكَلَامِ يَرْجِعُ إلَى كَيْفِيَّةِ الشَّرْطِ أَنَّ الشَّرْطَ وِلَادَةُ وَلَدٍ مُطْلَقٍ أو وِلَادَةُ وَلَدٍ حَيٍّ فَعِنْدَهُمَا الشَّرْطُ وِلَادَةُ وَلَدٍ مُطْلَقٍ فإذا وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فَيَنْحَلُّ الْيَمِينُ فَلَا يُتَصَوَّرُ نُزُولُ الْجَزَاءِ بَعْدَ ذلك وَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ الشَّرْطُ وِلَادَةُ وَلَدٍ حَيٍّ فلم يَتَحَقَّقْ الشَّرْطُ بِوِلَادَةِ وَلَدٍ مَيِّتٍ فَيَبْقَى الْيَمِينُ فَيَنْزِلُ الْجَزَاءُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وهو وِلَادَةُ وَلَدٍ حَيٍّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْحَالِفَ جَعَلَ الشَّرْطَ وِلَادَةَ وَلَدٍ مُطْلَقٍ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ اسْمَ الْوَلَدِ ولم يُقَيِّدْهُ بِصِفَةِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَالْوَلَدُ الْمَيِّتُ وُلِدَ حَقِيقَةً حتى تَصِيرَ الْمَرْأَةُ بِهِ نُفَسَاءَ وَتَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرَ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ له وَلِهَذَا لو كان الْمُعَلَّقُ عِتْقَ عَبْدٍ آخَرَ أو طَلَاقَ امْرَأَةٍ نَزَلَ عِنْدَ وِلَادَةِ وَلَدٍ مَيِّتٍ‏.‏

وَكَذَا إذَا قال لها إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَعَبْدِي فُلَانٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا عَتَقَ عَبْدُهُ وَلَوْ لم تَكُنْ هذه الْوِلَادَةُ شَرْطًا لَمَا عَتَقَ فإذا وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ لَكِنْ الْمَحَلُّ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْجَزَاءِ فَيَنْحَلُّ الْيَمِينِ لَا إلَى جَزَاءٍ وَتَبْطُلُ كما إذَا قال لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ قبل الدُّخُولِ ثُمَّ دخل تَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَكِنْ لَا إلَى جَزَاءٍ حتى لو اشْتَرَاهُ وَدَخَلَ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَقْيِيدُ التَّعْلِيقِ بِالْمِلْكِ كَأَنَّهُ قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتَ في مِلْكِي مع ذلك لم يَتَقَيَّدْ بِهِ كَذَا هَهُنَا‏.‏

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أن الْإِيجَابَ أُضِيفَ إلَى مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلْحُرِّيَّةِ إذْ الْعَاقِلُ الذي لَا يَقْصِدُ إيجَابَ الْحُرِّيَّةِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْحُرِّيَّةَ لِأَنَّهُ سَفَهٌ وَالْقَابِلُ لِلْحُرِّيَّةِ هو الْوَلَدُ الْحَيُّ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ كَأَنَّهُ قال أَوَّلُ وَلَدٍ وَلِدَتَيْهِ حَيًّا فَهُوَ حُرٌّ كما إذَا قال لِآخَرَ إنْ ضَرَبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ أَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِحَالِ الْحَيَاةِ لِلْمَضْرُوبِ حتى لو ضَرَبَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِلضَّرْبِ كَذَا هَهُنَا وَلَا فَرْقَ سِوَى أَنَّ هَهُنَا تَقَيَّدَ لِنُزُولِ الْجَزَاءِ وَهُنَاكَ تَقَيَّدَ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ ما إذَا عَلَّقَ بِالْوِلَادَةِ عِتْقَ عَبْدٍ آخَرَ أو طَلَاقَ إمرأته لِأَنَّ هُنَاكَ الْمَحَلَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ الْإِيجَابُ قَابِلٌ لِلْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِحَيَاةِ الْوَلَدِ كما إذَا قال لها إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ أو قال أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا عَتَقَتْ وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ وهو الْجَوَابُ عن قَوْلِهِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَعَبْدِي فُلَانٌ إن وِلَادَةَ الْوَلَدِ الْمَيِّتِ تَصْلُحُ شَرْطًا في عِتْقِ عَبْدٍ آخَرَ لِكَوْنِ الْمَحَلِّ قَابِلًا لِلتَّعْلِيقِ وَلَا تَصْلُحُ شَرْطًا في عِتْقِ الْوَلَدِ لِعَدَمِ قَبُولِ الْمَحَلِّ‏.‏

وَيَجُوزُ أَنْ يُعَلَّقَ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ جزآن ‏[‏جزاءان‏]‏ ثُمَّ يُنْزَلُ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لِمَانِعٍ كَمَنْ قال لِامْرَأَتِهِ إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ مَعَك فقالت حِضْت فَكَذَّبَهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عليها وَلَا يَقَعُ على لْأُخْرَى وَإِنْ كان الشَّرْطُ وَاحِدًا كَذَا هذا وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِدُخُولِ الدَّارِ فَإِنَّمَا لم يَتَقَيَّدْ بِالْمِلْكِ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ لِلتَّصْحِيحِ وَالْإِيجَابِ هُنَاكَ صَحِيحٌ بِدُونِ الْمِلْكِ لِقَبُولِ الْمَحَلِّ الْعِتْقَ عِنْد وُجُودِ الشَّرْطِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقِفُ على إجَازَةِ الْمَالِكِ وَالْبَاطِلُ لَا يَقِفُ على الْإِجَازَةِ وَإِنَّمَا الْمِلْكُ شَرْطُ النَّفَاذِ أَمَّا هَهُنَا فَلَا وَجْهَ لِتَصْحِيحِ الْإِيجَابِ في الْمَيِّتِ رَأْسًا لِعَدَمِ احْتِمَالِ الْمَحَلِّ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى إعْتَاقِ الْمَيِّتِ بِوَجْهٍ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى التَّقْيِيدِ بِصِفَةِ الْحَيَاةِ‏.‏

وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ في الْأَصْلِ إذَا قال أَوَّلُ عَبْدٍ يَدْخُلُ علي فَهُوَ حُرٌّ فَأُدْخِلَ عليه عَبْدٌ مَيِّتٌ ثُمَّ حَيٌّ عَتَقَ الْحَيُّ ولم يذكر خِلَافًا فَمِنْ أَصْحَابِنَا من قال هذا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ خَاصَّةً لِأَنَّ ما أُضِيفَ إلَيْهِ الْإِيجَابُ وهو الْعَبْدُ لَا يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ إلَّا بِصِفَةِ الْحَيَاةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قال أَوَّلُ عَبْدٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ حَيًّا فَهُوَ حُرٌّ كما في الْوِلَادَةِ فَأَمَّا على قَوْلِهِمَا فَلَا يَعْتِقُ لِأَنَّ الْحَالِفَ أَطْلَقَ اسْمَ الْعَبْدِ فَيَجْرِي على إطْلَاقِهِ وَلَا يُقَيَّدُ بِحَيَاةِ الْعَبْدِ كما في الْوِلَادَةِ وَمِنْهُمْ من قال هذا قَوْلُهُمْ جميعا‏.‏

قال الْقُدُورِيُّ وهو الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِاسْمِ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ اسْمٌ لِلْمَرْقُوقِ وقد بَطَلَ الرِّقُّ بِالْمَوْتِ فلم يُوجَدْ الشَّرْطُ بِإِدْخَالِهِ عليه فَيَعْتِقُ الثَّانِي لِوُجُودِ الشَّرْطِ في حَقِّهِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْوَلَدَ اسْمٌ لِلْمَوْلُودِ وَالْمَيِّتُ مَوْلُودٌ حَقِيقَةً فَإِنْ قِيلَ الرِّقُّ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ على الْمَوْلَى كَفَنُ عَبْدِهِ الْمَيِّتِ فَالْجَوَابُ أن وُجُوبَ الْكَفَنِ لَا يَدُلُّ على الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ من مَاتَ ولم يَتْرُكْ شيئا فَكَفَنُهُ على أَقَارِبِهِ وَإِنْ لم يَكُنْ هُنَاكَ مِلْكٌ وإذا زَالَ مِلْكُهُ عن الْمَيِّتِ صَارَ الثَّانِي أَوَّلَ عَبْدٍ من عَبِيدِهِ أُدْخِلَ عليه فَوُجِدَ الشَّرْطُ فعتق ‏[‏فيعتق‏]‏‏.‏

وَمِنْ هذا الْقَبِيلِ قَوْلُ الرَّجُلِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لي فَهُوَ حُرٌّ وَيَقَعُ على ما في مِلْكِهِ في الْحَالِ حتى لو لم يَكُنْ يَمْلِكُ شيئا يوم الْحَلِفِ كان الْيَمِينُ لَغْوًا حتى لو مَلَكَهُ في الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ هذا الْكَلَامَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا لِلْحَالِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عِتْقُ ما ليس بِمَمْلُوكٍ له في الْحَالِ وَكَذَا إذَا عُلِّقَ بِشَرْطٍ قُدِّمَ الشَّرْطُ أو أُخِّرَ بِأَنْ قال إنْ دَخَلْت هذه الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لي حُرٌّ أو قال إذَا دَخَلْت أو إذَا ما دَخَلْت أو مَتَى دَخَلْت أو مَتَى ما دَخَلْت أو قال كُلُّ مَمْلُوكٍ لي حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَهَذَا كُلُّهُ على ما في مِلْكِهِ يوم حَلَفَ وَكَذَا إذَا قال كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ وَلَا نِيَّةَ له لِأَنَّ صِيغَةَ أَفْعَلَ وَإِنْ كانت تُسْتَعْمَلُ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ لَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُرَادُ بِهِ الْحَالُ عُرْفًا وَشَرْعًا وَلُغَةً أَمَّا الْعُرْفُ فإن من قال فُلَانٌ يَأْكُلُ أو يَفْعَلُ كَذَا يُرِيدُ بِهِ الْحَالَ أو يقول الرَّجُلُ أنا أَمْلِكُ أَلْفَ دِرْهَمٍ يُرِيدُ بِهِ الْحَالَ وَأَمَّا الشَّرْعُ فإن من قال أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يَكُونُ مُؤْمِنًا‏.‏

وَلَوْ قال أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ على فُلَانٍ كَذَا يَكُونُ شَاهِدًا وَلَوْ قال أُقِرُّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا صَحَّ إقْرَارُهُ وَأَمَّا اللُّغَةُ فإن هذه الصِّيغَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلْحَالِ على طَرِيقِ الْأَصَالَةِ لِأَنَّهُ ليس لِلْحَالِ صِيغَةٌ أُخْرَى وَلِلِاسْتِقْبَالِ السِّينُ وَسَوْفَ فَكَانَتْ الْحَالُ أَصْلًا فيها وَالِاسْتِقْبَالُ دَخِيلًا فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُصْرَفُ إلَى الْحَالِ وَلَوْ قال عَنَيْت بِهِ ما اُسْتُقْبِلَ مِلْكُهُ عَتَقَ ما في مِلْكِهِ لِلْحَالِ وما اُسْتُحْدِثَ الْمِلْكُ فيه لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ ظَاهِرَ هذه الصِّيغَةِ لِلْحَالِ فإذا قال أَرَدْت بِهِ الِاسْتِقْبَالَ فَقَدْ أَرَادَ صَرْفَ الْكَلَامِ عن ظَاهِرِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فيه وَيُصَدَّقُ في قَوْلِهِ أَرَدْت ما يَحْدُثُ مَلِكِي فيه في الْمُسْتَقْبَلِ فَيَعْتِقُ عليه بِإِقْرَارِهِ كما إذَا قال زَيْنَبُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ بهذا الِاسْمِ ثُمَّ قال لي امْرَأَةٌ أُخْرَى بهذا الِاسْمِ عَنَيْتهَا طَلُقَتْ الْمَعْرُوفَةُ بِظَاهِرِ هذا اللَّفْظِ وَالْمَجْهُولَةُ بِاعْتِرَافِهِ كَذَا هَهُنَا‏.‏

وَكَذَا لو قال كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ السَّاعَةَ فَهُوَ حُرٌّ إن هذا يَقَعُ على ما في مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ وَلَا يعتني ‏[‏يعتق‏]‏ ما يَسْتَفِيدُهُ بَعْدَ ذلك إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى ذلك فَيَلْزَمُهُ ما نَوَى لِأَنَّ الْمُرَادَ من السَّاعَةِ الْمَذْكُورَةِ هِيَ السَّاعَةُ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ الناس وَهِيَ الْحَالُ لَا السَّاعَةُ الزَّمَانِيَّةُ التي يَذْكُرُهَا الْمُنَجِّمُونَ فَيَتَنَاوَلُ هذا الْكَلَامُ من كان في مِلْكِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ لَا من يَسْتَفِيدُهُ بَعْدَهُ فَإِنْ قال أَرَدْت بِهِ من أَسْتَفِيدُهُ في هذه السَّاعَةِ الزَّمَانِيَّةِ يُصَدَّقُ فيه لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ على نَفْسِهِ وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ في صَرْفِهِ اللَّفْظَ عَمَّنْ يَكُونُ في مِلْكِهِ لِلْحَالِ سَوَاءٌ أَطْلَقَ أو عَلَّقَ بِشَرْطٍ قَدَّمَ الشَّرْطَ أو أَخَّرَ بِأَنْ قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ أو قال كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ في أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا في مِلْكِهِ يوم حَلَفَ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِشَرْطٍ فَيَتَنَاوَلُ ما في مِلْكِهِ لَا ما يَسْتَفِيدُهُ كما إذَا قال كُلُّ عَبْدٍ يَدْخُلُ الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ فَإِنْ قال أَرَدْت بِهِ ما اُسْتُحْدِثَ مِلْكُهُ عَتَقَ ما في مِلْكِهِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ بِالْيَمِينِ وما يُسْتَحْدَثُ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ في صَرْفِ الْكَلَامِ عن ظَاهِرِهِ وَيَصَدَّقُ في التَّشْدِيدِ على نَفْسِهِ فَإِنْ لم يَكُنْ في مِلْكِهِ يوم حَلَفَ مَمْلُوكٌ فَالْيَمِينُ لَغْوٌ لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْحَالَ فإذا لم يَكُنْ له مَمْلُوكٌ لِلْحَالِ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ لِانْعِدَامِ الْمَحْلُوفِ عليه بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أو إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ اشتريه فَهُوَ حُرٌّ أو كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَشْتَرِي أو أَتَزَوَّجُ لَا يَحْتَمِلُ الْحَالَ فَاقْتَضَى مِلْكًا مُسْتَأْنَفًا وقد جَعَلَ الْكَلَامَ أو الدُّخُولَ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ فِيمَنْ يَشْتَرِي أو يَتَزَوَّجُ فَيُعْتَبَرُ ذلك بَعْدَ الْيَمِينِ‏.‏

وَلَوْ قال كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ الْيَوْمَ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ له وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاسْتَفَادَ في يَوْمِهِ ذلك مَمْلُوكًا آخَرَ عَتَقَ ما في مِلْكِهِ وما اسْتَفَادَ مِلْكُهُ في الْيَوْمِ لو قال هذا الشَّهْرَ أو هذه السَّنَةَ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَّتَ بِالْيَوْمِ أو الشَّهْرِ أو السَّنَةِ فَلَا بُدَّ وأن يَكُونَ التَّوْقِيتُ مُقَيَّدًا وَلَوْ لم يَتَنَاوَلْ إلَّا ما في مِلْكِهِ يوم الْحَلِفِ لم يَكُنْ مُقَيَّدًا فَإِنْ قال عَنَيْت بِهِ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لم يُدَيَّنْ في الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ الْعُمُومِ وَأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ في الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عز وجل لِأَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ على نِيَّتِهِ وَلَوْ قال كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ له ذَكَرَ مُحَمَّدٌ في الْجَامِعِ أَنَّهُ يَعْتِقُ من مِلْكِهِ في غَدٍ وَمَنْ كان في مِلْكِهِ قَبْلَهُ وهو قَوْلُهُ في الْإِمْلَاءِ أَيْضًا وهو إحْدَى رِوَايَتَيْ ابن ‏[‏أبي‏]‏ سِمَاعَةَ عنه وقال أبو يُوسُفَ لَا يَعْتِقُ إلَّا من اسْتَفَادَ مِلْكُهُ في غَدٍ وَلَا يَعْتِقُ من جاء غَدٌ وهو في مِلْكِهِ وهو إحْدَى رِوَايَتَيْ ابْنِ سِمَاعَةَ عن مُحَمَّدٍ‏.‏

وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْعِتْقَ لِكُلِّ من يُضَافُ إلَيْهِ الْمِلْكُ في غَدٍ فَيَتَنَاوَلُ الذي مَلَكَهُ في غَدٍ وَاَلَّذِي مَلَكَهُ قبل الْغَدِ كَأَنَّهُ قال في الْغَدِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ الْيَوْمَ فَهُوَ حُرٌّ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَجْهُ قَوْلِ أبي يُوسُفَ أَنَّ قَوْلَهُ أَمْلِكُ إنْ كان لِلْحَالِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى زَمَانٍ في الْمُسْتَقْبَلِ أنصرف إلَى الِاسْتِقْبَالِ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ كما يَنْصَرِفُ إلَيْهِ بِقَرِينَةِ السير ‏[‏السين‏]‏ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْحَالَ وَعَلَى هذا الْخِلَافِ إذَا قال كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ رَأْسَ شَهْرِ كَذَا فَهُوَ حُرٌّ وَرَأْسُ الشَّهْرِ اللَّيْلَةُ التي يَهِلُّ فيها الْهِلَالُ وَمِنْ الْغَدِ إلَى اللَّيْلِ وكان الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوَّلَ سَاعَةٍ منه لِأَنَّ رَأْسَ كل شَهْرٍ ما رَأَسَ عليه وهو أَوَّلُهُ إلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ اسْمًا لِمَا ذَكَرْنَا لِلْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فإنه يُقَالُ في الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ لِأَوَّلِ يَوْمٍ من الشَّهْرِ هذا رَأْسُ الشَّهْرِ‏.‏

وَرَوَى ابن سِمَاعَةَ عن أبي يُوسُفَ فِيمَنْ قال كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ يوم الْجُمُعَةِ فَهُوَ حُرٌّ قال ليس هذا على ما في مِلْكِهِ إنَّمَا هو على ما يَمْلِكُهُ يوم الْجُمُعَةِ فَهَذَا على أَصْلِ أبي يُوسُفَ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى زَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ فَإِنْ قال كُلُّ مَمْلُوكٍ لي حُرٌّ يوم الْجُمُعَةِ فَهَذَا على من في مِلْكِهِ يَعْتِقُونَ يوم الْجُمُعَةِ ليس هو على من يُسْتَقْبَلُ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ على من في مِلْكِهِ في الْحَالِ وَجَعَلَ عِتْقَهُمْ مُوَقَّتًا بِالْجُمُعَةِ فَلَا يَدْخُلُ فيه الِاسْتِقْبَالُ فَأَمَّا إذَا قال كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إذَا جاء غَدٌ فهو حُرٌّ فَهَذَا على ما في مِلْكِهِ في قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَجِيءَ الْغَدِ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ لَا غَيْرُ فَيَعْتِقُ من في مِلْكِهِ لَكِنْ عِنْدَ مَجِيءِ غَدٍ وَاَللَّهُ عز وجل أعلم‏.‏

وَمِنْ هذا الْقَبِيلِ الْإِعْتَاقُ للمضاف ‏[‏المضاف‏]‏ إلَى الْمَجْهُولِ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَعْنًى لَا صُورَةً وَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ في أَحَدِهِمَا قبل الِاخْتِيَارِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ في أَحَدِهِمَا عَيْنًا وهو الذي يُخْتَارُ الْعِتْقُ فيه مَقْصُورًا على الْحَالِ كَأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَ أَحَدِهِمَا بِشَرْطِ اخْتِيَارِ الْعِتْقِ فيه كَالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ وَمِنْ دُخُولِ الدَّارِ وَغَيْرِ ذلك إلَّا أَنَّهُ ثَمَّةَ الشَّرْطُ يَدْخُلُ على السَّبَبِ وَالْحُكْمِ جميعا وَهَهُنَا يَدْخُلُ على الْحُكْمِ لَا على السَّبَبِ كَالتَّدْبِيرِ وَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ كَذَا قال بَعْضُ مَشَايِخِنَا في كَيْفِيَّةِ الْإِعْتَاقِ الْمُضَافِ إلَى الْمَجْهُولِ وَبَعْضُهُمْ نَسَبَ هذا الْقَوْلَ لِأَبِي يُوسُفَ وَيُقَالُ إنَّهُ قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ أَيْضًا‏.‏

وقال بَعْضُهُمْ هو تَنْجِيزُ للعتق ‏[‏العتق‏]‏ في غَيْرِ الْعِتْقِ لِلْحَالِ وَاخْتِيَارُ الْعِتْقِ في أَحَدِهِمَا بَيَانٌ وَتَعْيِينٌ لِمَنْ وَقَعَ عليه الْعِتْقُ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ من حِينِ وُجُودِهِ وَبَعْضُهُمْ نَسَبَ هذا الْقَوْلَ إلَى مُحَمَّدٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخِلَافَ في كَيْفِيَّةِ هذا التَّصَرُّفِ على الْوَجْهِ الذي وَصَفْنَا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عليه من أَصْحَابِنَا لَكِنَّهُ مَدْلُولٌ عليه وَمُشَارٌ إلَيْهِ أَمَّا الدَّلَالَةُ فإنه ظَهَرَ الِاخْتِلَافُ بين أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ في الطَّلَاقِ فِيمَنْ قال لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ من وَقْتِ الِاخْتِيَارِ في قَوْلِ أبي يُوسُفَ وَالْعِدَّةُ إنَّمَا تَجِبُ من وَقْتِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَيَدُلُّ على أَنَّ الطَّلَاقَ لم يَكُنْ وَاقِعًا وَإِنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ مَقْصُورًا عليه وفي قَوْلِ مُحَمَّدٍ تُعْتَبَرُ من وَقْتِ الْكَلَامِ السَّابِقِ وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّ الطَّلَاقَ قد وَقَعَ من حين ‏[‏حيث‏]‏ وُجُودُهُ وَإِنَّمَا الِاخْتِيَارُ بَيَانٌ وَتَعْيِينٌ لِمَنْ وَقَعَ عليها الطَّلَاقُ‏.‏

وَأَمَّا الْإِشَارَةُ فإنه رُوِيَ عن أبي يُوسُفَ أَنَّهُ قال إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ تَعَلَّقَ الْعِتْقُ بِذِمَّتِهِ وَيُقَالُ له أَعْتِقْ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ نَازِلٍ في الْمَحَلِّ إذْ لو كان نَازِلًا لَمَا كان مُعَلَّقًا بِالذِّمَّةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ يُقَالُ له أَعْتِقْ أَيْ اخْتَرْ الْعِتْقَ لِإِجْمَاعِنَا على أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ بِإِنْشَاءِ الْإِعْتَاقِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ في الزِّيَادَاتِ يُقَالُ له بَيِّنْ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْوُقُوعِ في غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لِأَنَّ الْبَيَانَ لِلْمَوْجُودِ لَا لِلْمَعْدُومِ وَإِلَى هذا ذَهَبَ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ وَحَقَّقَا الِاخْتِلَافَ بين أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إلَّا أَنَّ الْقُدُورِيَّ حَكَى عن الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ كان يُفَرِّقُ بين الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ فَيَجْعَلُ الِاخْتِيَارَ بَيَانًا في الطَّلَاقِ بِالْإِجْمَاعِ من قِبَلِ أَنَّ الْعَتَاقِ يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ في الذِّمَّةِ وَالطَّلَاقُ لَا يَحْتَمِلُ قال وكان غَيْرُهُ من أَصْحَابِنَا يُسَوِّي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ أَيْضًا يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ في الذِّمَّةِ في الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفُرْقَةَ وَاجِبَةٌ على الْعِنِّينِ وَإِنَّمَا يَقُومُ الْقَاضِي مَقَامَهُ في التَّفْرِيقِ وهو الصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْعِتْقِ بِالذِّمَّةِ ليس مَعْنَاهُ إلَّا انْعِقَادَ سَبَبِ الْوُقُوعِ من غَيْرِ وُقُوعٍ وهو مَعْنَى حَقِّ الْحُرِّيَّةِ دُونَ الْحَقِيقَةِ وَهُمَا في هذا الْمَعْنَى مُسْتَوِيَانِ‏.‏

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَهُ أَحَدُكُمَا حُرٌّ تَنْجِيزُ الْحُرِّيَّةِ في أَحَدِهِمَا وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ حَقِيقَةً لِانْعِدَامِ حَرْفِ التَّعْلِيقِ إلَّا أَنَّهُ تَنْجِيزٌ في غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَيَتَعَيَّنُ بِالِاخْتِيَارِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْعِتْقَ إمَّا أَنْ يَثْبُتَ بِاخْتِيَارِ الْعِتْقِ وَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ وَالثَّانِي لَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْعِتْقِ لم يُعْرَفْ إعْتَاقًا في الشَّرْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو قال لِعَبْدِهِ اخْتَرْت عِتْقَك لَا يَعْتِقُ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَثْبُتَ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَثْبُتَ حَالَ وُجُودِهِ في أَحَدِهِمَا غَيْرُ عَيْنٍ وَيَتَعَيَّنُ بِاخْتِيَارِهِ وَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ وُجُودِ الِاخْتِيَارِ في أَحَدِهِمَا عَيْنًا وهو تَفْسِيرُ التَّعْلِيقِ بِشَرْطِ الِاخْتِيَارِ لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَخْتَارُ غير الْحُرِّ فَيَلْزَمُ الْقَوْلُ بِانْتِقَالِ الْحُرِّيَّةِ من الْحُرِّ إلَى الرَّقِيقِ أو انْتِقَالِ الرِّقِّ من الرَّقِيقِ إلَى الْحُرِّ أو اسْتِرْقَاقِ الْحُرِّ وَالْأَوَّلُ مُحَالٌ وَالثَّانِي غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي ضَرُورَةً وَهِيَ أَنْ يَثْبُتَ الْعِتْقُ عِنْدَ وُجُودِ الِاخْتِيَارِ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ مَقْصُورًا على حَالِ الِاخْتِيَارِ وهو تَفْسِيرُ التَّعْلِيقِ ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِالْبَيَانِ اخْتَلَفُوا في كَيْفِيَّةِ الْبَيَانِ منهم من قال الْبَيَانُ إظْهَارٌ مَحْضٌ وَمِنْهُمْ من قال هو إظْهَارٌ من وَجْهٍ وَإِنْشَاءٌ من وَجْهٍ‏.‏

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ في الزِّيَادَاتِ في مَوْضِعٍ يُقَالُ له بَيِّنْ وفي مَوْضِعٍ يُقَالُ له أَعْتِقْ وَزَعَمُوا أَنَّ الْمَسَائِلَ تَتَخَرَّجُ عليه وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ إظْهَارًا وَإِنْشَاءً إذْ الْإِنْشَاءُ إثْبَاتُ أَمْرٍ لم يَكُنْ وَالْإِظْهَارُ إبْدَاءُ أَمْرٍ قد كان وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ وَثَمَرَةُ هذا الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ في الْأَحْكَامِ وَإِنَّهَا في الظَّاهِرِ مُتَعَارِضَةٌ بَعْضُهَا يَدُلُّ على صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَبَعْضُهَا يَدُلُّ على صِحَّةِ الْقَوْلِ الثَّانِي وَنَحْنُ نُشِيرُ إلَى ذلك إذَا انْتَهَيْنَا إلَى بَيَانِ حُكْمِ الْإِعْتَاقِ وَبَيَانِ وَقْتِ ثُبُوتِ حُكْمِهِ فَأَمَّا تَرْجِيحُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ على الْآخَرِ وَتَخَرُّجُ الْمَسَائِلِ عليه فَمَذْكُورَانِ في الْخِلَافِيَّاتِ وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ أو بِسَبَبِهِ صُورَةً وَمَعْنًى فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ أو إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ وأنه صَحِيحٌ عِنْدَنَا حتى لو مَلَكَهُ أو اشْتَرَاهُ يَعْتِقُ وَإِنْ لم يَكُنِ الْمِلْكُ مَوْجُودًا وَقْتَ التَّعْلِيقِ‏.‏

وقال الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ وَلَا يَعْتِقُ وقال بِشْرُ الْمَرِيسِيِّ يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ وَلَا يَصِحُّ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وهو الشِّرَاءُ أَمَّا الْكَلَامُ مع الشَّافِعِيِّ فَعَلَى نَحْوِ ما ذَكَرْنَا في كتاب الطَّلَاقِ وَأَمَّا مع بِشْرٍ فَوَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَا يَصِحُّ إلَّا في الْمِلْكِ أو مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ ولم تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ قد يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وقد لَا يُفِيدُ كَالشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَشِرَاءِ الْوَكِيلِ فلم تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَلَا يَصِحُّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ مَلَكْتُك وَلَنَا أَنَّ مُطْلَقَ الشِّرَاءِ يَنْصَرِفُ إلَى الشِّرَاءِ الْمُتَعَارَفِ وهو الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْخِيَارِ وأنه من أَسْباب الْمِلْكِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرًا لِلْمِلْكِ وَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ إضَافَةٌ إلَى الْمِلْكِ كَأَنَّهُ قال إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ وَلِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَ الْعِتْقَ بِالشِّرَاءِ وَلَا بُدَّ من الْمِلْكِ عِنْدَ الشِّرَاءِ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ كان هذا تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِالشِّرَاءِ الْمُوجِبِ لِلْمِلْكِ كَأَنَّهُ قال إنْ اشْتَرَيْتُك شِرَاءً مُوجِبًا لِلْمِلْكِ فَأَنْتَ حُرٌّ فإذا اشْتَرَاهُ شِرَاءً مُوجِبًا لِلْمِلْكِ فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فَيَعْتِقُ وَلَوْ قال إنْ تَسَرَّيْت جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَتَسَرَّاهَا لَا تَعْتِقُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ تَعْتِقُ وَلَوْ تَسَرَّى جَارِيَةً كانت في مِلْكِهِ يوم حَلَفَ عَتَقَتْ بِالْإِجْمَاعِ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ وُجِدَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ لِأَنَّ التَّسَرِّيَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْمِلْكِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَى التَّسَرِّي إضَافَةً إلَى الْمِلْكِ فَيَصِحُّ التَّعْلِيقُ وَلَنَا أَنَّهُ لم يُوجَدْ الْمِلْكُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَلَا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ وَالْكَلَامُ فيه وَلَا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ لِأَنَّ التَّسَرِّيَ ليس من أَسْباب الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ في غَيْرِ الْمِلْكِ كَالْجَارِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْيَمِينُ بِالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ لَا يَصِحُّ إلَّا في الْمِلْكِ أو مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ أو سَبَبِهِ ولم يُوجَدْ شَيْءٌ من ذلك‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ التَّسَرِّيَ لَا صِحَّةَ له بِدُونِ الْمِلْكِ فَهَذَا مُسَلَّمٌ أَنَّ الْمِلْكَ شَرْطُ صِحَّةِ التَّسَرِّي وَجَوَازِهِ لَكِنْ الْحَالِفُ جَعَلَ وُجُودَهُ شَرْطَ الْعِتْقِ وَالتَّسَرِّي نَفْسُهُ يُوجَدُ من غَيْرِ مِلْكٍ فلم يَكُنْ التَّعْلِيقُ بِهِ تَعْلِيقًا بِسَبَبِ الْمِلْكِ فلم يَصِحَّ ثُمَّ اُخْتُلِفَ في تَفْسِيرِ التَّسَرِّي قال أبو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ هو أَنْ يَطَأَهَا وَيُحَصِّنَهَا وَيَمْنَعَهَا من الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ سَوَاءٌ طَلَبَ منها الْوَلَدَ أو لم يَطْلُبْ وقال أبو يُوسُفَ طَلَبُ الْوَلَدِ مع التَّحْصِينِ شَرْطٌ وَجْهُ قَوْلِهِ أن الْإِنْسَانَ يَطَأُ جَارِيَتَهُ وَيُحَصِّنُهَا وَلَا يُقَالُ لها سَرِيَّةٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ ذلك إذَا كان يَطْلُبُ منها الْوَلَدَ أو تَكُونُ أُمَّ وَلَدِهِ هذا هو الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ وَلَهُمَا أَنَّهُ ليس في لَفْظِ التَّسَرِّي ما يَدُلُّ على طَلَبِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا من السَّرْوِ وهو الشَّرَفُ فَتُسَمَّى الْجَارِيَةُ سَرِيَّةً بِمَعْنَى أَنَّهُ أَسْرَى الْجَوَارِي أَيْ أَشْرَفُهُنَّ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا من السِّرِّ وهو الْجِمَاعُ قال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا‏}‏ قِيلَ جِمَاعًا وَلَيْسَ في أَحَدِهِمَا ما ينبي عن طَلَبِ الْوَلَدِ وَلَوْ وطىء جَارِيَةً كانت في مِلْكِهِ يوم الْحَلِفَ فَعَلِقَتْ منه لم تَعْتِقْ لِعَدَمِ التَّسَرِّي لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ منه إلَّا الْوَطْءُ وَالْوَطْءُ وَحْدَهُ لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا بِلَا خِلَافٍ فلم يُوجَدْ شَرْطُ الْعِتْقِ فَلَا تَعْتِقُ‏.‏

وَلَوْ قال لِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ أو قال لها إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَارْتَدَّتْ عن الْإِسْلَامِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سببت ‏[‏سبيت‏]‏ فَاشْتَرَاهَا الْحَالِفُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ في الْجَامِعِ أَنَّ على قِيَاسِ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ لَا تَعْتِقُ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ تَعْتِقُ يَعْنِي بِهِ قِيَاسَ قَوْلِهِ في الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا قال كُلُّ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا اُسْتُقْبِلَ فَهُوَ حُرٌّ أو قال كُلُّ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَيَعْتِقُ ثُمَّ مَلَكَ عَبْدًا أو أشترى عَبْدًا على قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ لَا يَعْتِقُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَعْتِقُ وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي في مَوْضِعِهَا وَلَوْ قال لِأَمَةٍ لَا يَمْلِكُهَا إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي فَاشْتَرَاهَا صَارَتْ مُدَبَّرَةً لِأَنَّهُ عَلَّقَ تَدْبِيرَهَا بِسَبَبِ الْمِلْكِ وهو الشِّرَاءُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي صُورَةُ التَّدْبِيرِ وقد عَلَّقَهُ بِالشِّرَاءِ فَيَصِيرُ عِنْدَ الشِّرَاءِ قَائِلًا أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي‏.‏

وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِالْمِلْكِ أو بِسَبَبِهِ مَعْنًى لَا صُورَةً فَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْحُرُّ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَهُوَ حُرٌّ وَيَتَعَلَّقُ الْعِتْقُ بِمِلْكٍ يَسْتَفِيدُهُ لِأَنَّهُ نَصَّ على الِاسْتِقْبَالِ وَرَوَى ابن سِمَاعَةَ عن مُحَمَّدٍ في النَّوَادِرِ إذَا قال كُلُّ جَارِيَةٍ أَشْتَرِيهَا إلَى سَنَةٍ فَهِيَ حُرَّةٌ فَكُلُّ جَارِيَةٍ يَشْتَرِيهَا إلَى سَنَةٍ فَهِيَ حُرَّةٌ سَاعَةَ يَشْتَرِيهَا قال وَإِنْ قال كُلُّ جَارِيَةٍ أَشْتَرِيهَا فَهِيَ حُرَّةٌ إلَى سَنَةٍ فأشترى جَارِيَةً لم تَعْتِقْ إلَى سَنَةٍ لأنه في الْفصل الْأَوَّلِ عَقَدَ يَمِينَهُ على الشِّرَاءِ في السَّنَةِ فَتَعْتِقُ كُلُّ جَارِيَةٍ يَشْتَرِيهَا في السَّنَةِ سَاعَةَ الشِّرَاءِ كَأَنَّهُ قال عِنْدَ الشِّرَاءِ أَنْتِ حُرَّةٌ فَتَعْتِقُ وفي الْفصل الثَّانِي جَعَلَ الشِّرَاءُ شَرْطًا لِعِتْقٍ مُؤَقَّتٍ بِالسَّنَةِ فَكَأَنَّهُ قال بَعْدَ الشِّرَاءِ أَنْتِ حُرَّةٌ إلَى سَنَةٍ‏.‏

قال وَلَوْ قال كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ غَدًا فَهَذَا عِنْدِي على كل مَمْلُوكٍ يَشْتَرِيهِ قبل الْغَدِ وَإِنْ اشْتَرَى مَمْلُوكًا غَدًا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الشِّرَاءَ شَرْطًا لِزَوَالِ حُرِّيَّةٍ مُؤَقَّتَةٍ بِوُجُودِ الْغَدِ فَلَا بُدَّ من تَقَدُّمِ الْمِلْكِ على الْغَدِ لِيَنْزِلَ الْعِتْقُ الموقت بِهِ وَلَوْ قال كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً فَهَذَا على ما يُسْتَقْبَلُ مِلْكُهُ في الثَّلَاثِينَ سَنَةٍ أَوَّلُهَا من حِينِ حَلَفَ بَعْدَ سُكُوتِهِ في قَوْلِهِمْ جميعا وَلَا يَكُونُ على ما في مِلْكِهِ قبل ذلك لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الِاسْتِقْبَالِ تَعَيَّنَ اللَّفْظُ لِلْمُسْتَقْبَلِ وإذا انْصَرَفَ إلَى الِاسْتِقْبَالِ لَا يُحْمَلُ على الْحَالِ إذْ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَنْتَظِمُ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ غَدًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ ذَاكَ ليس أَصْلًا إلَى الِاسْتِقْبَالِ بَلْ هو إيقَاعُ عِتْقٍ على مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ من كان على تِلْكَ الصِّفَةِ‏.‏

وَكَذَلِكَ إذَا قال كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً أو في ثَلَاثِينَ سَنَةً أو قال أَمْلِكُهُ إلَى سَنَةٍ أو سَنَةً أو في سَنَةٍ أو قال أَمْلِكُهُ أَبَدًا أو إلَى أَنْ أَمُوتَ فَهَذَا كُلُّهُ باب وَاحِدٌ يَدْخُلُ فيه ما يُسْتَقْبَلُ دُونَ ما كان في مِلْكِهِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْحُرِّيَّةَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ قال أَرَدْت بِقَوْلِي كُلَّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ سَنَةً أَنْ يَكُونَ ما في مِلْكِهِ يوم حَلَفَ مُسْتَدَامًا سَنَةً دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ولم يُدَيَّنْ في الْقَضَاءِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا وَقَّتَ السَّنَةَ لِاسْتِفَادَةِ الْمِلْكِ لَا لِاسْتِمْرَارِ الْمِلْكِ الْقَائِمِ فَلَا يُصَدَّقُ في الْعُدُولِ عن الظَّاهِرِ‏.‏

وَلَوْ قال إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ يَوْمَئِذٍ فَهُوَ حرا ‏[‏حر‏]‏ أو قال إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ يَوْمَئِذٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ له عَتَقَ ما في مِلْكِهِ يوم دخل الدَّارَ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَ كل عَبْدٍ يَكُونُ مَمْلُوكًا له يوم الدُّخُولِ بِالدُّخُولِ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ يَوْمَئِذٍ أَيْ يوم الدُّخُولِ هذا هو مُقْتَضَى اللُّغَةِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ يوم إذَا دخل الدَّارَ لِأَنَّهُ حَذَفَ الْفِعْلَ وَعَوَّضَ عنه بِالتَّنْوِينِ فَيَعْتِقُ كُلُّ ما كان مَمْلُوكًا له يوم الدُّخُولِ فَكَأَنَّهُ قال عِنْدَ الدُّخُولِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لي فَهُوَ حُرٌّ وَسَوَاءٌ دخل الدَّارَ لَيْلًا أو نَهَارًا لِأَنَّ الْيَوْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ الْمُطْلَقُ قال اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أو مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ من اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ‏}‏ وَهَذَا الْوَعْدُ يَلْحَقُ المولى دُبُرَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلِأَنَّ غَرَضَ الْحَالِفِ الِامْتِنَاعُ من تَحْصِيلِ الشَّرْطِ فَلَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ‏.‏

وَلَوْ قال كُلُّ مَمْلُوكٍ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ إنْ كَلَّمْت أو إذَا كَلَّمْت فُلَانًا أو إذَا جاء غَدٌ وَلَا نِيَّةَ له فَهَذَا يَقَعُ على ما يَشْتَرِيهِ قبل الْكَلَامِ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ اشْتَرَاهُ قبل الْكَلَامِ ثُمَّ تَكَلَّمَ عَتَقَ وما اشْتَرَاهُ بَعْدَ الْكَلَامِ لَا يَعْتِقُ وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ فقال إنْ كَلَّمْت فُلَانًا أو إذَا كَلَّمْت فُلَانًا أو إذَا جاء غَدٌ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَهَذَا على ما يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْكَلَامِ لَا قَبْلَهُ حتى لو كان اشْتَرَى مَمَالِيكَ قبل الْكَلَامِ ثُمَّ كَلَّمَ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ منهم وما اشْتَرَى بَعْدَهُ يَعْتِقُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ في الْفصل الْأَوَّلِ جَعَلَ الْكَلَامَ شَرْطَ انْحِلَالِ الْيَمِينِ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ يَمِينٌ تَامَّةٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فإذا قال إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَقَدْ جَعَلَ كَلَامَ فُلَانٍ غَايَةً لِانْحِلَالِهَا فإذا كَلَّمَهُ انْحَلَّتْ فَلَا يَدْخُلُ ما بَعْدَ الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لي حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وفي الْفصل الثَّانِي جَعَلَ كَلَامَ فُلَانٍ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فإذا كَلَّمَهُ الْآنَ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ فَيَدْخُلُ فيه ما بَعْدَهُ لَا ما قَبْلَهُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قال عِنْدَ الْكَلَامِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَقْبَلَ‏.‏

وَلَوْ قال كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيه إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ أو قال إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَهَذَا على ما يَشْتَرِي بَعْدَ الْفِعْلِ الذي حَلَفَ عليه وَلَا يَعْتِقُ ما أشترى قبل ذلك إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُمْ لِأَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَ الدَّارِ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ فَيَصِيرُ عَنْدَ دُخُولِ الدَّارِ كَأَنَّهُ قال كُلُّ مَمْلُوكٌ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ وَالدَّلِيلُ على أَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَ الدَّارِ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ أَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ شَرْطٌ وَقَوْلُهُ إذَا دَخَلْت الدَّارَ شَرْطٌ آخَرُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَا شَرْطًا وَاحِدًا لِعَدَمِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَلَا سَبِيلَ إلَى إلْغَاءِ الشَّرْطِ الثَّانِي لِأَنَّ إلْغَاءَ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ مع إمْكَانِ تَصْحِيحِهِ خَارِجٌ عن الْعَقْلِ وَلِتَصْحِيحِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُجْعَلَ الشَّرْطُ الثَّانِي مع جَزَائِهِ يَمِينًا وَجَزَاءُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ من إدْرَاجِ حَرْفِ الْفَاءِ لِأَنَّ الْجَزَاءَ الْمُتَعَقِّبَ لِلشَّرْطِ لَا يَكُونُ بِدُونِ حَرْفِ الْفَاءِ وَفِيهِ تَغْيِيرٌ‏.‏

وَالثَّانِي أَنْ يُجْعَلَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ وَفِيهِ تَغْيِيرٌ أَيْضًا يجعل ‏[‏بجعل‏]‏ الْمُقَدَّمِ من الشَّرْطَيْنِ مُؤَخَّرًا إلَّا أَنَّ التَّغْيِيرَ فيه أَقَلُّ لِأَنَّ فيه تَبْدِيلَ مَحَلِّ الْكَلَامِ لَا غَيْرُ وفي الْأَوَّلِ إثْبَاتُ ما ليس بِثَابِتٍ فَكَانَ الثَّانِي أَقَلَّ تَغْيِيرًا فَكَانَ التَّصْحِيحُ بِهِ أَوْلَى وَتُسَمَّى هذه الْيَمِينُ الْيَمِينَ الْمُعْتَرِضَةَ لِاعْتِرَاضِ شَرْطٍ بين الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَلَوْ نَوَى الْوَجْهَ الْأَوَّلَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ وَلِهَذَا قال مُحَمَّدٌ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ غير ذلك فَيَكُونَ على ما عَنَى وَلَوْ قال الْمُكَاتَبُ أو الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ كُلُّ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ ثُمَّ مَلَكَ عَبْدًا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْلِكُ لِلْحَالِ لِمَا يَتَنَاوَلُهُ لِلْحَالِ نَوْعَ مِلْكٍ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْإِعْتَاقِ فَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ‏.‏

وَلَوْ قال كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إذَا أَعْتَقْت فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ فَمَلَكَ عَبْدًا عَتَقَ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِالْمِلْكِ الْحَاصِلِ له بَعْدَ عِتْقِهِ وَإِنَّهُ مِلْكٌ صَالِحٌ لِلْإِعْتَاقِ فَصَحَّتْ الْإِضَافَةُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إذَا قال كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ بَلَغَ فَمَلَكَ عَبْدًا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ ليس من أَهْلِ الْإِعْتَاقِ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا لِكَوْنِهِ من التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ الْمَحْضَةِ فَأَمَّا الْعَبْدُ فَهُوَ من أَهْلِهِ لِكَوْنِهِ عَاقِلًا بَالِغًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ تَنْجِيزُ الْعِتْقِ منه لِعَدَمِ شرط ‏[‏شرطه‏]‏ وهو الْمِلْكُ الصَّالِحُ فإذا عُلِّقَ بِمِلْكٍ يَصْلُحُ شَرْطًا له صَحَّ وَلَوْ قال كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا اُسْتُقْبِلَ فَهُوَ حُرٌّ أو قال كُلُّ مَمْلُوكٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ فَمَلَكَ بَعْدَ ذلك عَبْدًا أو أشترى عَبْدًا لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَعْتِقُ‏.‏

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ قَوْلَهُ أَمْلِكُهُ فِيمَا اُسْتُقْبِلَ يَتَنَاوَلُ كُلَّ ما يَمْلِكُهُ إلَى آخِرِ عُمُرِهِ فَيُعْمَلُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ كما في الْحُرِّ وَلِأَنَّ في الْحَمْلِ على الِاسْتِقْبَالِ تَصْحِيحَ تَصَرُّفِهِ وفي الْحَمْلِ على الْحَالِ إبْطَالٌ فَكَانَ الْحَمْلُ على الِاسْتِقْبَالِ أَوْلَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَلْمُكَاتَبِ نَوْعَ مِلْكٍ ضَرُورِيٍّ يُنْسَبُ إلَيْهِ في حَالَةِ الرِّقِّ في حَالَةِ الْكتابةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَازِ لِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم‏؟‏ «من بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ» الحديث أَضَافَ الْمَالَ إلَيْهِ بلام الْمِلْكِ دَلَّ أَنَّ له نَوْعَ مِلْكٍ فَهُوَ مُرَادٌ بهذا الْإِيجَابِ بِالْإِجْمَاعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو قال إنْ مَلَكْتُ هذا الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ في الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَهُ في حَالِ الْكتابةِ فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَمَا صَارَ حُرًّا لَا يَعْتِقُ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِالشِّرَاءِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمَجَازِيَّ مُرَادٌ فَخَرَجَتْ الْحَقِيقَةُ عن الْإِرَادَةِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الْجَمْعِ بين الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ في لَفْظٍ وَاحِدٍ وقد قالوا في عَبْدٍ قال لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ عِتْقُ نَسَمَةٍ أو إطْعَامُ مِسْكِينٍ لَزِمَهُ ذلك وكان عليه إذَا عَتَقَ لِأَنَّ هذا إيجَابُ الْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامُ في الذِّمَّةِ وَذِمَّتُهُ تَحْتَمِلُ الْإِيجَابَ فَيَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ عنه بَعْدَ الْعِتْقِ‏.‏

وَلَوْ قال إنْ اشْتَرَيْت هذا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ أو إنْ اشْتَرَيْت هذه الشَّاةَ فَهِيَ هَدْيٌ لم يَلْزَمْهُ ذلك في قِيَاسِ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ حتى يُضِيفَ إلَى ما بَعْدَ الْعِتْقِ فَيَقُولَ إنْ اشْتَرَيْته بَعْدَ الْعِتْقِ وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَلْزَمَانِهِ لِأَنَّ من أَصْلِ أبي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَبْدَ يُضَافُ إلَيْهِ الشِّرَاءُ في الْحَالِ وَإِنْ كان بِمَنْزِلَةِ الْمَجَازِ بِمُقَابَلَةِ الشِّرَاءِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْمَجَازُ مُرَادٌ فَلَا تَكُونُ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً وَمِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ هذا يَتَنَاوَلُ ما يُسْتَقْبَلُ من الشِّرَاءِ في عُمُرِهِ وَتَصْحِيحُ الْيَمِينِ أَيْضًا أَوْلَى من إبْطَالِهَا وقد قالوا جميعا في مُكَاتَبٍ أو عَبْدٍ قال إنْ دَخَلْت هذه الدَّارَ فَعَبْدِي هذا حُرٌّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَدَخَلَ الدَّارَ لم يَعْتِقْ الْعَبْدُ لِأَنَّ هذا الْمِلْكَ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْعِتْقِ ولم تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى ما يَصْلُحُ وَقَالُوا في حُرٍّ قال لِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ إذَا مَلَكْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ أو إذَا اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ فَاشْتَرَاهَا الْحَالِفُ أنها لَا تَعْتِقُ في قِيَاسِ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَعْتِقُ بِنَاءً على أَنَّ من أَصْلِ أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُحْمَلُ الْمِلْكُ أو الشِّرَاءُ على ما يَقْبَلُهُ الْمَحَلُّ في الْحَالِ وهو مِلْكُ النِّكَاحِ هَهُنَا وَالشِّرَاءُ أَيْضًا يَصْلُحُ عِبَارَةً عن سَبَبِ هذا الْمِلْكِ وهو النِّكَاحُ وَالْحُرِّيَّةُ أَيْضًا تَصْلُحُ عِبَارَةً عَمَّا يُبْطِلُهُ وهو الطَّلَاقُ‏.‏

وَكَلَامُ أبي حَنِيفَةَ في هذا الْفصل ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُحْمَلُ على ما يَسْبِقُ إلَى الْأَوْهَامِ وَلَا تَنْصَرِفُ الْأَوْهَامُ إلَى ارْتِدَادِهَا وَلُحُوقِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ وَسَبْيِهَا لِأَنَّ ذلك غَيْرُ مَظْنُونٍ بِالْمُسْلِمَةِ فَكَانَ صَرْفُ كَلَامِهِ إلَى ما ذَكَرْنَا أَوْلَى من صَرْفِهِ إلَى ما تَسْبِقُ إلَيْهِ الْأَوْهَامُ وَمِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّهُ يُحْمَلُ مُطْلَقُ الْمِلْكِ على الْمِلْكِ الْحَقِيقِيِّ الصَّالِحِ لِلْإِعْتَاقِ وهو الذي يُوجَدُ بَعْدَ السَّبْيِ وَلَوْ قال لها إذَا ارتدت ‏[‏ارتددت‏]‏ وَسُبِيت فَمَلَكْتُك أو اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَكَانَ ذلك عَتَقَتْ في قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الْمِلْكِ الْحَقِيقِيِّ فَيُضَافُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ عز وجل أعلم‏.‏

وَمِنْ هذا الْقَبِيلِ إذَا قال أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا عَتَقَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ وقد وُجِدَ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا لم يَعْتِقْ أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُ إنْ وُجِدَ مَعْنَى السَّبْقِ فلم يُوجَدْ مَعْنَى التَّفَرُّدِ فَإِنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ اشْتَرَى آخَرَ لم يَعْتِقْ الثَّالِثُ لِأَنَّهُ إنْ وُجِدَ فيه مَعْنَى التَّفَرُّدِ فَقَدْ انْعَدَمَ مَعْنَى السَّبْقِ وقد اسْتَشْهَدَ مُحَمَّدٌ في الْكتاب لِبَيَانِ الثَّالِثِ ليس بِأَوَّلٍ أَنَّهُ لو قال آخِرُ عَبْدٍ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعًا ثُمَّ اشْتَرَى آخَرَ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ الثَّالِثُ فَدَلَّ أَنَّهُ آخِرٌ وإذا كان آخِرًا لَا يَكُونُ أَوَّلًا ضَرُورَةً لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ ذات ‏[‏ذاتا‏]‏ وَاحِدَةً من الْمَخْلُوقِينَ أَوَّلًا وَآخِرًا‏.‏

وَلَوْ قال أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ وَاحِدًا فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ الثَّالِثُ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ فَرْدًا سَابِقًا في حَالِ الشِّرَاءِ وقد وُجِدَ هذا الْوَصْفُ في الْعَبْدِ الثَّالِثِ وَلَوْ قال آخِرُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ لم يَشْتَرِ غَيْرَهُ حتى مَاتَ الْمَوْلَى لم يَعْتِقْ لِأَنَّ الْآخِرَ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَهَذَا فَرْدٌ سَابِقٌ فَكَانَ أَوَّلًا لَا آخِرًا وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ الثَّانِي لِأَنَّهُ آخِرُ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ وَاخْتُلِفَ في وَقْتِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ فَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ يَعْتِقُ يوم اشْتَرَاهُ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يوم مَاتَ‏.‏

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِصِفَةِ الْآخِرِيَّةِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ مَوْتِهِ إذَا لم يَشْتَرِ آخرا ‏[‏آخر‏]‏ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو اشْتَرَى بَعْدَهُ عَبْدًا آخَرَ حُرِمَ هو من أَنْ يَكُونَ آخِرًا فَيَتَوَقَّفُ اتِّصَافُهُ بِكَوْنِهِ آخِرًا على عَدَمِ الشِّرَاءِ بَعْدَهُ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذلك إلَّا بِالْمَوْتِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمَّا لم يَشْتَرِ آخَرَ بَعْدَهُ حتى مَاتَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كان آخِرًا يوم اشْتَرَاهُ إلَّا أَنَّا كنا لَا نَعْرِفُ ذلك لِجَوَازِ أَنْ يَشْتَرِيَ آخَرَ بَعْدَهُ فَتَوَقَّفْنَا في تَسْمِيَتِهِ آخِرًا فإذا لم يَشْتَرِ آخَرَ حتى مَاتَ زَالَ التَّوَقُّفُ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كان آخِرًا من وَقْتِ الشِّرَاءِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدَيْنِ مَعًا لم يَعْتِقْ أَحَدُهُمْ‏.‏

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا شَكَّ فيه لِأَنَّهُ أَوَّلٌ فَلَا يَكُونُ آخِرًا وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَلِأَنَّ الْآخِرَ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ ولم يُوجَدْ مَعْنَى التَّفَرُّدِ فَلَا يَعْتِقْ أَحَدُهُمَا وَأَمَّا بَيَانُ ما يَظْهَرُ بِهِ وُجُودُ الشَّرْطِ فَالْحَالِفُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْكِرًا وُجُودَهُ فَإِنْ كان مُقِرًّا يَظْهَرُ بِإِقْرَارِهِ كَائِنًا ما كان من الشَّرْطِ وَإِنْ كان مُنْكِرًا فَإِنْ كان الشَّرْطُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ إلَّا من قِبَلِ الْمَحْلُوفِ بِعِتْقِهِ كَمَشِيئَةٍ وَمَحَبَّةٍ وَبُغْضَةٍ وَالْحَيْضِ وَنَحْوِ ذلك يَظْهَرُ بِقَوْلِهِ وإذا اخْتَلَفَا كان الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ إذَا كان أَمْرًا لَا يُعْرَفُ إلَّا من قِبَلِهِ كان الظَّاهِرُ شَاهِدًا له فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَإِنْ كان أَمْرًا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ من قِبَلِ غَيْرِهِ كَدُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ زَيْدٍ وَقُدُومِ عَمْرٍو وَنَحْوِ ذلك إذَا اخْتَلَفَا لَا يَظْهَرُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عليه من الْعَبْدِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ قَوْلَ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْعَبْدَ يَدَّعِي عليه الْعِتْقَ وهو يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ مع يَمِينِهِ وَلَوْ كان الشَّرْطُ وِلَادَةَ الْأَمَةِ بِأَنْ قال لها إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ حُرَّةٌ فقالت وَلَدْت فَكَذَّبَهَا الْمَوْلَى فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ على الْوِلَادَةِ لَا تَعْتِقُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ حتى يَشْهَدَ بِالْوِلَادَةِ رَجُلَانِ أو رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَعِنْدَهُمَا تَعْتِقُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ثِقَةٍ وَالْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ في فُصُولِ الْعِدَّةِ من كتاب الطَّلَاقِ‏.‏

وَأَمَّا الثَّالِثُ وهو بَيَانُ من يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ اسْمِ الْمَمْلُوكِ في الْإِعْتَاقِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَمَنْ لَا يَدْخُلُ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ يَدْخُلُ تَحْتَهُ عبد الرَّهْنِ والوديعة وَالْآبِقُ وَالْمَغْصُوبُ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى لِانْعِدَامِ الْخَلَلِ في الْمِلْكِ وَالْإِضَافَةِ وَلَوْ قال عَنَيْت بِهِ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ لم يُدَيَّنْ في الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ كَلِمَةَ الْإِحَاطَةِ على الْمَمْلُوكِ فإذا نَوَى بِهِ الْبَعْضَ فَقَدْ نَوَى تَخْصِيصَ الْعُمُومِ وأنه خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ في الْقَضَاءِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَوَى ما يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ وَيَدْخُلُ فيه الْمُدَبَّرُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَوَلَدَاهُمَا لِمَا قُلْنَا‏.‏

أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَطَأَ الْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ مع أَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ مَنْفِيٌّ شَرْعًا إلَّا بِأَحَدِ نَوْعَيْ الْمِلْكِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا على أَزْوَاجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ‏}‏ وَلَا يَدْخُلُ فيه الْمُكَاتَبُ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ لِأَنَّهُ خَرَجَ عن يَدِهِ بِعَقْدِ الْكتابةِ وَصَارَ حُرًّا يَدًا فَاخْتَلَّ الْمِلْكُ وَالْإِضَافَةُ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَمْلُوكِ وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ له وَطْؤُهَا وَلَوْ وَطِئَهَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ وَإِنْ عَنَى الْمُكَاتِبِينَ عَتَقُوا لِأَنَّ الِاسْمَ يَحْتَمِلُ ما عَنَى وَفِيهِ تَشْدِيدٌ على نَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ وَكَذَا لَا يَدْخُلُ فيه الْعَبْدُ الذي أُعْتِقَ بَعْضُهُ لِأَنَّهُ حُرٌّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ وَيَدْخُلُ عَبْدُهُ الْمَأْذُونُ سَوَاءٌ كان عليه دَيْنٌ أو لم يَكُنْ لِمَا قُلْنَا وَأَمَّا عَبِيدُ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ إذَا لم يَكُنْ عليه دَيْنٌ فَهَلْ يَدْخُلُونَ قال أبو حَنِيفَةَ وأبو يُوسُفَ لَا يَدْخُلُونَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمْ وقال مُحَمَّدٌ يَدْخُلُونَ من غَيْرِ نِيَّةٍ‏.‏

وَجْهُ قَوْلِهِ إنه إذَا لم يَكُنْ على الْعَبْدِ دَيْنٌ فَعَبْدُ عَبْدِهِ مِلْكُهُ بِلَا خِلَافٍ فَيَعْتِقُ وَلَهُمَا أَنَّ في الْإِضَافَةِ إلَيْهِ قصور ‏[‏قصورا‏]‏ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ هذا عبد فُلَانٍ وَهَذَا عبد عَبْدِهِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْإِضَافَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى فَقَدْ اُعْتُبِرَ الْمِلْكُ دُونَ الْإِضَافَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَعْتَبِرُ نَفْسَ الْمِلْكِ وَلَا خَلَلَ في نَفْسِهِ وَهُمَا يَعْتَبِرَانِ معه الْإِضَافَةَ وفي الْإِضَافَةِ خَلَلٌ وَاعْتِبَارُهُمَا أَوْلَى لِأَنَّ الْحَالِفَ اعْتَبَرَ الْأَمْرَيْنِ جميعا بِقَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لي فما لم يُوجَدَا على الْإِطْلَاقِ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ كان على عَبْدِهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ وَبِمَا في يَدِهِ لم يَعْتِقْ عَبِيدُهُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَإِنْ نَوَاهُمْ بِنَاءً على أَصْلِهِ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ عَبْدَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ دَيْنًا مُسْتَغْرِقًا لِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ‏.‏

وقال أبو يُوسُفَ إنْ نَوَاهُمْ عَتَقُوا لِأَنَّهُمْ مَمَالِيكُهُ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يُضَافُونَ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فإذا نَوَى وَفِيهِ تَشْدِيدٌ على نَفْسِهِ عَتَقُوا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعْتِقُونَ وَإِنْ لم يَنْوِهِمْ بِنَاءً على ما ذَكَرْنَا أَنَّ مُحَمَّدًا لَا يَنْظُرُ إلَّا إلَى الْمِلْكِ وَهُمَا يَنْظُرَانِ إلَى الْمِلْكِ وَالْإِضَافَةِ جميعا وَلَا يَدْخُلُ فيه مَمْلُوكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَجْنَبِيٍّ كَذَا قال أبو يُوسُفَ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَمْلُوكِ لَا يُسَمَّى مَمْلُوكًا حَقِيقَةً وَإِنْ نَوَاهُ عَتَقَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ نَوَى ما يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ في الْجُمْلَةِ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ على نَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ وَهَلْ يَدْخُلُ فيه الْحَمْلُ إنْ كان أَمَةً في مِلْكِهِ يَدْخُلُ وَيَعْتِقُ بِعِتْقِهَا وَإِنْ كان في مِلْكِهِ الْحَمْلُ دُونَ الْأَمَةِ بِأَنْ كان موصي له بِالْحَمْلِ لم يَعْتِقْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَمْلُوكًا على الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ في وُجُودِهِ خَطَرًا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ على الْمَوْلَى صَدَقَةُ الْفِطْرِ عنه‏.‏

وَالدَّلِيلُ عليه أَنَّهُ لو قال إنْ اشْتَرَيْت مَمْلُوكَيْنِ فَهُمَا حُرَّانِ فَاشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا لم يَعْتِقَا لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ شِرَاءُ مَمْلُوكَيْنِ وَالْحَمْلُ لَا يُسَمَّى مَمْلُوكًا على الْإِطْلَاقِ وَكَذَا لو قال لِأَمَتِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لي غَيْرِك حُرٌّ لم يَعْتِقْ حَمْلُهَا فَثَبَتَ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَمْلُوكِ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ فَلَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا كانت أَمَةً في مِلْكِهِ فَيَعْتِقُ بِعِتْقِهَا لِأَنَّهُ في حُكْمِ أَجْزَائِهَا وَأَمَّا التَّعْلِيقُ الذي فيه مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَهُوَ الْكتابةُ وَالْإِعْتَاقُ على مَالٍ أَمَّا الْكتابةُ فَلَهَا كتاب مُفْرَدٌ وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ على مَالٍ فَالْكَلَامُ فيه في مَوَاضِعَ في بَيَانِ أَلْفَاظِهِ وفي بَيَانِ مَاهِيَّةِ الْإِعْتَاقِ على مَالٍ وفي بَيَانِ ما يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ فيه من الْبَدَلِ وما لَا يَصِحُّ وفي بَيَانِ حُكْمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَفَسَادِهَا‏.‏

أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ على أَلْفِ دِرْهَمٍ أو بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أو على أَنْ تُعْطِينِي أَلْفًا أو على أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ أَلْفًا أو على أَنْ تَجِيئنِي بِأَلْفٍ أو على أَنَّ لي عَلَيْك أَلْفًا أو على أَلْفٍ تُؤَدِّيهَا إلَيَّ وَكَذَا لو قال بِعْتُ نَفْسَكَ مِنْكَ على كَذَا أو ‏[‏ووهبت‏]‏ وهبت لك نَفْسَكَ على أَنْ تُعَوِّضَنِي كَذَا فَهَذَا وَقَوْلُهُ أنت حُرٌّ على كَذَا أو أُعْتِقَك على كَذَا سَوَاءٌ إذَا قَبِلَ عَتَقَ لِمَا ذُكِرَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَيْعَ إزَالَةُ مِلْكِ الْبَائِعِ عن الْمَبِيعِ وَالْهِبَةُ إزَالَةُ مِلْكِ الْوَاهِبِ عن الْمَوْهُوبِ ثُمَّ لو كان الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبُ له مِمَّنْ يَصِحُّ له الْمِلْكُ في الْمَبِيعِ وَالْمَوْهُوبِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُمَا وَالْعَبْدُ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ نَفْسَهُ لِمَا فيه من الِاسْتِحَالَةِ فَنَفْيُ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إلَى أَحَدٍ بِبَدَلٍ على الْعَبْدِ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْإِعْتَاقِ على مَالٍ وَلَوْ قال أنت حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ يَعْتِقُ من غَيْرِ قَبُولٍ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ‏.‏

وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالْقَبُولِ فإذا قَبِلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْمَالُ وَعَلَى هذا الْخِلَافِ إذَا قال الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ اعتقني وَلَك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَهُ وَالْمَسْأَلَةُ ذُكِرَتْ في كتاب الطَّلَاقِ وَأَمَّا بَيَانُ مَاهِيَّتِهِ فَالْإِعْتَاقُ على مَالٍ من جَانِبِ الْمَوْلَى تَعْلِيقٌ وهو تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِشَرْطِ قَبُولِ الْعِوَضِ فيراعي فيه من جَانِبِهِ أَحْكَامُ التَّعْلِيقِ حتى لو ابْتَدَأَ الْمَوْلَى فقال أنت حُرٌّ على أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عنه قبل قَبُولِ الْعَبْدِ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عنه وَلَا الْفَسْخَ وَلَا النَّهْيَ عن الْقَبُولِ وَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ عن الْمَجْلِسِ قبل قَبُولِ الْعَبْدِ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْعَبْدِ حتى لو كان غَائِبًا عن الْمَجْلِسِ يَصِحُّ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ وَإِضَافَتُهُ إلَى وَقْتٍ بِأَنْ يَقُولَ له إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ وَإِنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ على أَلْفِ دِرْهَمٍ أو يَقُولَ إنْ دَخَلْت أو إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ على أَلْفِ دِرْهَمٍ غَدًا أو رَأْسَ شَهْرِ كَذَا وَنَحْوَ ذلك وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فيه بِأَنْ قال أنت حُرٌّ على أَلْفٍ على أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَمِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ مُعَاوَضَةٌ وهو مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ من جَانِبِهِ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِالْعِوَضِ وَهَذَا مَعْنَى مُعَاوَضَةِ الْمَالِ فَيُرَاعَى فيه من جَانِبِهِ أَحْكَامُ مُعَاوَضَةِ الْمَالِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ حتى لو ابْتَدَأَ الْعَبْدُ فقال اشْتَرَيْتُ نَفْسِي مِنْكَ بِكَذَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عنه وَيُبْطِلَ بِقِيَامِهِ عن الْمَجْلِسِ قبل قَبُولِ الْمَوْلَى وَبِقِيَامِ الْمَوْلَى أَيْضًا وَلَا يَقِفُ على الْغَائِبِ عن الْمَجْلِسِ وَلَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَالْإِضَافَةِ إلَى الْوَقْتِ بِأَنْ قال اشْتَرَيْتُ نَفْسِي مِنْكَ بِكَذَا إذَا جاء غَدٌ أو قال عِنْدَ رَأْسِ شَهْرِ كَذَا‏.‏

وَلَوْ قال إذَا جاء غَدٌ فَأَعْتِقْنِي على كَذَا جَازَ لِأَنَّ هذا تَوْكِيلٌ منه بِالْإِعْتَاقِ حتى يَمْلِكَ الْعَبْدُ عَزْلَهُ قبل وُجُودِ الشَّرْطِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ وَلَوْ لم يَعْزِلْهُ حتى أَعْتَقَهُ نَفَذَ إعْتَاقُهُ وَيَجُوزُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ على ما ذَكَرْنَا في كتاب الطَّلَاقِ في فصل الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ على مَالٍ وَلَا يَصِحُّ الْإِعْتَاقُ على مَالٍ إلَّا في الْمِلْكِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَا سِوَى الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ من الشُّرُوطِ لَا صِحَّةَ له بِدُونِ الْمِلْكِ وَكَذَا الْمُعَاوَضَةُ‏.‏

وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ بِنَفْسِ الْقَبُولِ لِأَنَّهُ من جَانِبِهِ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِشَرْطِ قَبُولِ الْعِوَضِ وقد وُجِدَ الشَّرْطُ فَيَنْزِلُ الْمُعَلَّقُ كَالتَّعْلِيقِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ مُعَاوَضَةٌ وَزَوَالُ الْمِلْكِ عن الْمُعَوِّضِ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ قَبُولِ الْعِوَضِ في الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّهُ ليس فيه مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ رَأْسًا بَلْ هو تَعْلِيقٌ مَحْضٌ وقد عَلَّقَهُ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ فَلَا يَعْتِقُ قَبْلَهُ وَالْعِتْقُ هَهُنَا تَعَلَّقَ بِالْقَبُولِ فإذا قَبِلَ عَتَقَ وَلَوْ قال الْمَوْلَى أَعْتَقْتُكَ أَمْسِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فلم يَقْبَلْ وقال الْعَبْدُ قَبِلْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مع يَمِينِهِ لِأَنَّهُ من جَانِبِ الْمَوْلَى تَعْلِيقٌ بِشَرْطِ الْقَبُولِ وَالْعَبْدُ يَدَّعِي وُجُودَ الشَّرْطِ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى كما لو قال لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ اليوم فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْيَوْمُ وَالْعَبْدُ يَدَّعِي الدُّخُولَ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى كَذَا هَهُنَا‏.‏

وَلَوْ كان الِاخْتِلَافُ في الْبَيْعِ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ قال الْبَائِعُ بِعْتُك عَبْدِي أَمْسِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فلم تَقْبَلْ وقال الْمُشْتَرِي بَلْ قَبِلْت فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَكُونُ بَيْعًا إلَّا بَعْدَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي فإذا قال بِعْتُك فَقَدْ أَقَرَّ بِالْقَبُولِ فَبِقَوْلِهِ لم تَقْبَلْ يُرِيدُ الرُّجُوعَ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ وَإِبْطَالَ ذلك فلم يَقْبَلْ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ على مَالٍ لأنه كَوْنَهُ تَعْلِيقًا لَا يَقِفُ على وُجُودِ الْقَبُولِ من الْعَبْدِ إنَّمَا ذَاكَ شَرْطُ وُقُوعِ الْعِتْقِ فَكَانَ الِاخْتِلَافُ وَاقِعًا في ثُبُوتِ الْعِتْقِ وَعَدَمِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى‏.‏

وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْعَبْدُ في مِقْدَارِ الْبَدَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ هو الْمُسْتَحَقُّ عليه الْمَالُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ في الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ كما في سَائِرِ الدُّيُونِ وَلِأَنَّهُ لو وَقَعَ الِاخْتِلَافُ في أَصْلِ الدَّيْنِ كان الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكَرِ فَكَذَا إذَا وَقَعَ في الْقَدْرِ وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةً بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِالْأَدَاءِ إذَا اخْتَلَفَا في مَبْلَغِ الْمَالِ أَنَّ الْقَوْلَ فيه قَوْلُ الْمَوْلَى لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هُنَاكَ وَقَعَ في شَرْطِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ إذْ هو تَعْلِيقٌ مَحْضٌ فَالْعَبْدُ يَدَّعِي الْعِتْقَ على الْمَوْلَى وهو يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْأَصْلَ هو الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ ما أَمْكَنَ إذْ هو عَمَلٌ بِالدَّلِيلَيْنِ وَهَهُنَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ التَّنَافِي لِأَنَّا نَجْعَلُ كَأَنَّ الْمَوْلَى عَلَّقَ عِتْقَهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ من الشَّرْطَيْنِ على حِيَالِهِ فَأَيُّهُمَا وُجِدَ عَتَقَ ثُمَّ إذَا قَبِلَ الْعَبْدُ عَتَقَ وَصَارَ الْبَدَلُ الْمَذْكُورُ دَيْنًا في ذِمَّتِهِ إذَا كان مِمَّا يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ في الذِّمَّةِ في الْجُمْلَةِ على ما تَبَيَّنَ وَيَسْعَى وهو حُرٌّ في جَمِيعِ أَحْكَامِهِ‏.‏

وَذَكَرَ عَلِيٌّ الرَّازِيّ أَصْلًا فقال الْمُسْتَسْعَى على ضَرْبَيْنِ كُلُّ من يَسْعَى في تَخْلِيصِ رَقَبَتِهِ فَهُوَ في حُكْمِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَكُلُّ من يَسْعَى في بَدَلِ رَقَبَتِهِ الذي لَزِمَهُ بِالْعِتْقِ أو في قِيمَةِ رَقَبَتِهِ لِأَجْلِ بَدَلِ شَرْطٍ عليه أو لِدَيْنٍ ثَبَتَ في رَقَبَتِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ في أَحْكَامِهِ مِثْلُ أَنْ يَعْتِقَ الرَّاهِنُ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ وهو مُعْسِرٌ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا اعتق وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَكَذَلِكَ أَمَةٌ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا على أَنْ تَتَزَوَّجَهُ فَقَبِلَتْ ثُمَّ أَبَتْ فَإِنَّهَا تَسْعَى في قِيمَتِهَا وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ وَكَذَلِكَ إذَا قال لِعَبْدِهِ أنت حُرُّ رَقَبَتِكَ فَقَبِلَ ذلك فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ وَإِنَّمَا كان كَذَلِكَ لِأَنَّ السِّعَايَةَ في هذه الْفُصُولِ لَزِمَتْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ وفي الْفصل الْأَوَّلِ قبل ثُبُوتِهَا وَإِنَّمَا يَسْعَى لِيَتَوَسَّلَ بِالسِّعَايَةِ إلَى الْحُرِّيَّةِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَعَلَى هذا لو أَبْرَأَ الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَ من مَالِ الْكتابةِ فلم يَقْبَلْ فَهُوَ حُرٌّ وَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْكتابةَ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ يَصِحُّ من غَيْرِ قَبُولٍ إلَّا أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لَكِنْ فِيمَا يَحْتَمِلَ الرَّدَّ وَالْعِتْقُ لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ فلم يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَالْمَالُ يَحْتَمِلُ الرَّدَّ فَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَيَعْتِقُ وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ‏.‏

وَلَوْ قال لِأَمَتِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ على أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ ثُمَّ مَاتَتْ لم يَكُنْ على الْوَلَدِ أَنْ يَسْعَى في شَيْءٍ مِمَّا أُعْتِقَتْ عليه لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِالْقَبُولِ وَدَيْنُ الْحُرَّةِ لَا يَلْزَمُ وَلَدَهَا وَسَوَاءٌ أَعْتَقَ عَبْدَهُ على عِوَضٍ فَقَبِلَ أو نِصْفَ عَبْدِهِ على عِوَضٍ فَقَبِلَ أَنَّهُ يَصِحُّ غير أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ نِصْفَهُ على عِوَضٍ فَقَبِلَ يُعْتَقُ نِصْفُهُ بِالْعِوَضِ وَيَسْعَى الْعَبْدُ في نِصْفِ قِيمَتِهِ عن النِّصْفِ الْآخَرِ فإذا أَدَّى بِالسِّعَايَةِ عَتَقَ بَاقِيهِ وهو قبل الْأَدَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ في جَمِيعِ أَحْكَامِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُرَدُّ في الرِّقِّ وَهَذَا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَلَا سِعَايَةَ عليه بِنَاءً على أَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَعِتْقُ الْبَعْضِ يُوجِبُ عِتْقَ الْبَاقِي فَيَجِبُ تَخْرِيجُهُ إلَى الْعَتَاقِ فَيَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ وَعِنْدَهُمَا لَا يتجرأ ‏[‏يتجزأ‏]‏ فَكَانَ عِتْقُ الْبَعْضِ بعوض عِتْقًا لِلْكُلِّ بِذَلِكَ الْعِوَضِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ في الزِّيَادَاتِ فِيمَنْ قال لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ على أَلْفِ دِرْهَمٍ أنت حُرٌّ على مِائَةِ دِينَارٍ فقال الْعَبْدُ قد قَبِلْت عَتَقَ وكان عليه الْمَالَانِ جميعا‏.‏

وَكَذَا لو قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا على أَلْفِ دِرْهَمٍ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا على مِائَةِ دِينَارٍ فقالت قد قَبِلْت طَلُقَتْ ثَلَاثًا بِالْمَالَيْنِ جميعا وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ‏.‏ وقال أبو يُوسُفَ في مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ الْقَبُولُ على الْكَلَامِ الْأَخِيرِ وَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِمِائَةِ دِينَارٍ قال الْكَرْخِيُّ وَكَذَلِكَ قِيَاسُ قَوْلِهِ في الْعِتْقِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا أَوْجَبَ الْعِتْقَ بِعِوَضٍ ثُمَّ أَوْجَبَهُ بِعِوَضٍ آخَرَ فَقَدْ انْفَسَخَ الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ فَتَعَلَّقَ الْقَبُولُ بِالثَّانِي كما في الْبَيْعِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الاعتاق وَالطَّلَاقَ على مَالٍ تَعْلِيقٌ من جَانِبِ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ وَأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الِانْفِسَاخَ فلم يَتَضَمَّنْ الْإِيجَابُ الثَّانِي انْفِسَاخَ الْأَوَّلِ فَيَصِحُّ الْإِيجَابَانِ وَيَنْصَرِفُ الْقَبُولُ إلَيْهِمَا جميعا إذْ هو يَصْلُحُ جَوَابًا لَهُمَا جميعا فَيَلْزَمُ الْمَالَانِ جميعا بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ إيجَابَ الْبَيْعِ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَيَتَضَمَّنُ الثَّانِي انْفِسَاخَ الْأَوَّلِ‏.‏

وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ من نَفْسِهِ أو وَهَبَ له نَفْسَهُ على عِوَضٍ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعِوَضَ قبل الْقَبْضِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ بِسَبَبٍ لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ فَجَازَ التَّصَرُّفُ فيه قبل قَبْضِهِ كَالْمِيرَاثِ وَلَهُ أَنْ يَعْتِقَهُ على مَالٍ مُؤَجَّلٍ وَيَكُونُ ذلك دَيْنًا عليه مُؤَجَّلًا وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ منه شيئا يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فيه نَسِيئَةً لِأَنَّ من أَصْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ جَمِيعَ الدُّيُونِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فيها قبل الْقَبْضِ كاثمان الْبِيَاعَاتِ وَالْعُرُوضِ وَالْغُصُوبِ إلَّا بَدَلَ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ من الْقَبْضِ في الملجس ‏[‏المجلس‏]‏ لِئَلَّا يَكُونَ افْتِرَاقًا عن دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَوْ أَعْطَاهُ كَفِيلًا بِالْمَالِ الذي أَعْتَقَهُ عليه فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا بِالْقَبُولِ وَالْكَفَالَةِ بِدَيْنٍ على حُرٍّ جَائِزَةٌ كَالْكَفَالَةِ بِسَائِرِ الدُّيُونِ وَوَلَاؤُهُ يَكُونُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ عَتَقَ على مِلْكِهِ وَالْمَالُ دَيْنٌ على الْعَبْدِ لِأَنَّهُ في جَانِبِهِ مُعَاوَضَةٌ وَالْمَوْلَى أَيْضًا لم يَرْضَ بِخُرُوجِهِ عن مِلْكِهِ إلَّا بِبَدَلٍ وقد قَبِلَهُ الْعَبْدُ وَاَللَّهُ عز وجل أعلم‏.‏

وَأَمَّا بَيَانُ ما تَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ من الْبَدَلِ وما لَا تَصِحُّ وَبَيَانُ حُكْمِ التَّسْمِيَةِ وَفَسَادِهَا فَالْبَدَلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنَ مَالٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْفَعَةً وَهِيَ الْخِدْمَةُ فَإِنْ كان عَيْنَ مَالٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِعَيْنِهِ بِأَنْ كان مُعَيَّنًا مُشَارًا إلَيْهِ وأما إنْ كان بِغَيْرِ عنيه ‏[‏عينه‏]‏ بِأَنْ كان مُسَمًّى غير مُشَارٍ إلَيْهِ فَإِنْ كان بِعَيْنِهِ عَتَقَ إذَا قَبِلَ لِأَنَّ عَدَمَ مِلْكِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ تَسْمِيَتِهِ عِوَضًا لِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ مُتَقَوِّمٌ مَعْلُومٌ ثُمَّ إنْ أَجَازَ الْمَالِكُ سَلَّمَ عَيْنَهُ إلَى الْمَوْلَى وَإِنْ لم يَجُزْ فَعَلَى الْعَبْدِ قِيمَةُ الْعَيْنِ لِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ قد صَحَّتْ ثُمَّ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ لِحَقِّ الْغَيْرِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ إذْ الْإِعْتَاقُ على الْقِيمَةِ جَائِزٌ كما إذَا قال أَعْتَقْتُك على قِيمَةِ رَقَبَتِك أو على قِيمَةِ هذا الشَّيْءِ فَقَبِلَ يَعْتِقُ وَكَذَا عَدَمُ الْمِلْكِ في باب الْبَيْعِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْلِيمِ أَيْضًا حتى لو اشْتَرَى شيئا بِعَبْدٍ مَمْلُوكٍ لِغَيْرِهِ صَحَّ الْعَقْدُ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ إنْ لم يُجِزْ الْمَالِكُ يُفْسَخُ الْعَقْدُ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى إيقَاعِهِ على الْقِيمَةِ إذْ الْبَيْعُ على الْقِيمَةِ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَهَهُنَا لَا يُفْسَخُ لِإِمْكَانِ الْإِيقَاعِ على الْقِيمَةِ إذْ الْإِعْتَاقُ على الْقِيمَةِ إعْتَاقٌ صَحِيحٌ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ كما في النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ على مَالٍ وَإِنْ كان بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَإِنْ كان الْمُسَمَّى مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى وَإِنْ كان مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ مَجْهُولَ الصِّفَةِ كَالثِّيَابِ الْهَرَوِيَّةِ وَالْحَيَوَانِ من الْفَرَسِ وَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فَعَلَيْهِ الْوَسَطُ من ذلك وإذا جاء بِالْقِيمَةِ يُجْبَرُ الْمَوْلَى على الْقَبُولِ لِأَنَّ جَهَالَةَ الصِّفَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فِيمَا وَجَبَ بَدَلًا عَمَّا ليس بِمَالٍ كَالْمَهْرِ وَبَدَلُ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ من دَمِ الْعَمْدِ وَإِنْ كان مَجْهُولَ الْجِنْسِ كَالثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَالدَّارِ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ مُتَفَاحِشَةٌ فَفَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ وَالْأَصْلُ فيه أَنَّ كُلَّ جَهَالَةٍ تَزِيدُ على جَهَالَةِ الْقِيمَةِ تُوجِبُ فَسَادَ التَّسْمِيَةِ كَالْجَهَالَةِ الزَّائِدَةِ على جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ في باب النِّكَاحِ وَالْكَلَامُ فيه كَالْكَلَامِ في الْمَهْرِ‏.‏

وقد ذَكَرْنَاهُ على سَبِيلِ الِاسْتِقْصَاءِ في كتاب النِّكَاحِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَهَهُنَا تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ هُنَاكَ مَهْرُ الْمِثْلِ لأنه قِيمَةَ الْبِضْعِ وهو الْعَدْلُ وَالْمَصِيرُ إلَى الْمُسَمَّى عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ فإذا فَسَدَتْ صُيِّرَ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ وَالْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ هَهُنَا قِيمَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ على مَالٍ معاوضه من جَانِبِ الْعَبْدِ وَمَبْنَى الْمُعَاوَضَةِ على الْمُعَادَلَةِ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ هِيَ التي تُعَادِلُهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ يُعْدَلُ عنها إلَى الْمُسَمَّى فإذا فَسَدَتْ وَجَبَ الْعِوَضُ الْأَصْلِيُّ وهو قِيمَةُ نَفْسِ الْعَبْدِ وَإِنْ كان الْبَدَلُ مَنْفَعَةً وَهِيَ خِدْمَتُهُ بِأَنْ قال لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ على أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً فَقَبِلَ فَهُوَ حُرٌّ حين قَبِلَ ذلك وَالْخِدْمَةُ عليه يُؤْخَذُ بها لِأَنَّ تَسْمِيَةَ الْخِدْمَةِ قد صَحَّتْ فَيَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى كما إذَا أَعْتَقَهُ على مَالِ عَيْنٍ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قبل الْخِدْمَةِ بَطَلَتْ الْخِدْمَةُ لِأَنَّهُ قَبِلَ الْخِدْمَةَ لِلْمَوْلَى وقد مَاتَ الْمَوْلَى لَكِنْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَبْدَ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ وَإِنْ كان قد خَدَمَ بَعْضَ السَّنَةِ فَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُ بِقَدْرِ ما بَقِيَ من الْخِدْمَةِ وَهَذَا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وقال مُحَمَّدٌ يُؤْخَذُ الْعَبْدُ بِقِيمَةِ تَمَامِ الْخِدْمَةِ إنْ كان لم يَخْدُمْ وَإِنْ كان قد خَدَمَ بَعْضَ الْخِدْمَةِ يُؤْخَذُ بِقِيمَةِ ما بَقِيَ من الْخِدْمَةِ‏.‏

وَكَذَلِكَ إذَا قال أنت حُرٌّ على أَنْ تَخْدُمَنِي أَرْبَعَ سِنِينَ فَمَاتَ الْمَوْلَى قبل الْخِدْمَةِ على قَوْلِهِمَا على الْعَبْدِ قِيمَةُ نَفْسِهِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عليه قِيمَةُ خِدْمَتِهِ أَرْبَعُ سِنِينَ وَلَوْ كان الْعَبْدُ خَدَمَهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى فَعَلَى قَوْلِهِمَا على الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قِيمَةِ نَفْسِهِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عليه قِيمَةُ خِدْمَتِهِ ثَلَاثُ سِنِينَ وَكَذَلِكَ لو مَاتَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ مَالًا يقضي لِمَوْلَاهُ في مَالِهِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يقضي بِقِيمَةِ الْخِدْمَةِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ من بَاعَ الْعَبْدَ من نَفْسِهِ بِجَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ الْجَارِيَةُ فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَرْجِعُ على الْعَبْدِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَرْجِعُ عليه بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَكَذَلِكَ لو لم تَسْتَحِقَّ وَلَكِنَّهُ وَجَدَ بها عَيْبًا فَرَدَّهَا فَهُوَ على هذا الِاخْتِلَافِ‏.‏

وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فيه أَنَّ الْمَوْلَى إذَا قَبَضَ الْعِوَضَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ من يَدِهِ فَإِنْ كان الْعِوَضُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْمَوْصُوفَيْنِ في الذِّمَّةِ أو الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ كَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ وَالْفَرَسِ وَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فَعَلَى الْعَبْدِ مِثْلُهُ في الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْوَسَطِ في الْفَرَسِ وَالْحَيَوَانِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ على مَالٍ في الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا الْمَقْبُوضُ عِوَضٌ عَمَّا في الذِّمَّةِ فإذا اُسْتُحِقَّ الْمَقْبُوضُ فَقَدْ انْفَسَخَ فيه الْقَبْضُ فَبَقِيَ مُوجِبُ الْعَقْدِ على حَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ على الْعَبْدِ بِذَلِكَ وَإِنْ كان عَيْنًا في الْعَقْدِ وهو مَكِيلٌ أو مَوْزُونٌ فَكَذَلِكَ يَرْجِعُ الْمَوْلَى على الْعَبْدِ بمثله لِمَا قُلْنَا وَإِنْ كان عَرَضًا أو حَيَوَانًا فَقَدْ قال أبو حَنِيفَةَ وأبو يُوسُفَ يَرْجِعُ على الْعَبْدِ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ وقال مُحَمَّدٌ يَرْجِعُ عليه بِقِيمَةِ الْمُسْتَحَقِّ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إن الْعَقْدَ لم يُفْسَخْ بِاسْتِحْقَاقِ الْعِوَضِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَيَبْقَى مُوجِبًا لِتَسْلِيمِ الْعِوَضِ وقد عَجَزَ عن تَسْلِيمِهِ فَيَرْجِعُ عليه بِقِيمَتِهِ كَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عن دَمِ الْعَمْدِ‏.‏

وَلَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ قد انْفَسَخَ في حَقِّ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وهو الْمُسْتَحَقُّ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ على عَيْنٍ هِيَ مِلْكُ الْمُسْتَحَقِّ ولم يُجِزْ وإذا انْفَسَخَ الْعَقْدُ في حَقِّهِ لم يَبْقَ مُوجِبًا على الْعَبْدِ تَسْلِيمُهُ فَلَا يَجِبُ عليه قِيمَتُهُ وَانْفِسَاخُهُ في حَقِّ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ يَقْتَضِي انْفِسَاخَهُ في حَقِّ الْعِوَضِ الْآخَرِ وهو نَفْسُ الْعَبْدِ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ إظْهَارُهُ في صُورَةِ الْعَبْدِ فَيَجِبُ إظْهَارُهُ في مَعْنَاهُ وهو قِيمَتُهُ فَتَجِبُ عليه إذْ قِيمَتُهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَدِّ عَيْنِهِ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا بِجَارِيَةٍ فَأَعْتَقَهَا وَمَاتَ الْعَبْدُ قبل التَّسْلِيمِ أَنَّهُ يَجِبُ على الْبَائِعِ رَدُّ قِيمَةِ الْعَبْدِ لَا رَدُّ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ كَذَا هَهُنَا‏.‏

ثُمَّ ما ذَكَرْنَا من الِاخْتِلَافِ في الْعَيْبِ إذَا كان الْعَيْبُ فَاحِشًا لِأَنَّ الْعَيْبَ الْفَاحِشَ في هذا الْباب يُوجِبُ الرَّدَّ بِلَا خِلَافٍ كما في باب النِّكَاحِ فَأَمَّا إذَا كان غير فَاحِشٍ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَا يَمْلِكُ رَدَّهَا لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِمَالٍ ليس بِمَالٍ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ وَالْمَرْأَةُ في باب النِّكَاحِ لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْمَهْرِ إلَّا في الْعَيْبِ الْفَاحِشِ وَكَذَا الْمَوْلَى هَهُنَا وَلَوْ قال عبد رَجُلٍ لِرَجُلٍ اشْتَرِ لي نَفْسِي من مَوْلَايَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهُ فَالْوَكِيلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُبَيَّنَ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ يَشْتَرِي نَفْسَ الْعَبْدِ لِلْعَبْدِ وإما أن لم يُبَيِّنْ فَإِنْ بَيَّنَ جاز ‏[‏الشراء‏]‏ للشراء وَعَتَقَ الْعَبْدُ بِقَبُولِ الْوَكِيلِ وَيَجِبُ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ أتى بِمَا وُكِّلَ بِهِ فَنَفَذَ على الْمُوَكَّلِ ثُمَّ ذَكَرَ في الْجَامِعِ أَنَّ الْمَوْلَى يُطَالِبُ الْوَكِيلَ ثُمَّ الْوَكِيلُ يُطَالِبُ الْعَبْدَ فَقَدْ جُعِلَ هذا التَّصَرُّفَ في حُكْمِ مُعَاوَضَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَبْدِ إنَّمَا تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ في مِثْلِ هذه الْمُعَاوَضَةِ وَذَكَرَ في كتاب الْوَكَالَةِ أَنَّهُ يُطَالِبُ الْعَبْدَ وَلَا يُطَالِبُ الْوَكِيلَ وَاعْتَبَرَهُ مُعَاوَضَةَ الْمَالِ بِمَا ليس بِمَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ على مَالٍ وَالصُّلْحِ عن دَمِ الْعَمْدِ وَإِنْ لم يُبَيِّنْ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ لَا لِلْعَبْدِ لِأَنَّهُ إذَا لم يُبَيِّنْ فَالْبَائِعُ رضي بِالْبَيْعِ لَا بالاعتاق فَلَوْ قُلْنَا أنه يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِلْعَبْدِ وَيُعْتَقُ لَكَانَ فيه إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ على الْبَائِعِ من غَيْرِ رِضَاهُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ لو بَيَّنَ لَكِنَّهُ لو خَالَفَ في الثَّمَنِ بِأَنْ اشْتَرَى بِزِيَادَةٍ يَكُونَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ لِمَا قُلْنَا‏.‏

هذا إذَا أَمَرَ الْعَبْدُ رَجُلًا فَأَمَّا إذَا أَمَرَ رَجُلٌ الْعَبْدَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ من مَوْلَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى فَإِنْ بَيَّنَ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ يَشْتَرِي لِلْآمِرِ فَيَكُونُ لِلْآمِرِ وَلَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لِلْآمِرِ لَا لِنَفْسِهِ فَيَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْآمِرِ وَيَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ في يَدِ نَفْسِهِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسَلِّمًا إيَّاهُ حَيْثُ عَقَدَ على شَيْءٍ هو في يَدِهِ وهو نَفْسُهُ وَلَوْ وَجَدَ الآمر ‏[‏الآخر‏]‏ بِهِ عَيْبًا له أَنْ يَرُدَّهُ وَلَكِنَّ الْعَبْدَ هو الذي يَتَوَلَّى الرَّدَّ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَحُقُوقُ هذا الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ وَإِنْ لم يُبَيِّنْ وقال لِمَوْلَاهُ بِعْ نَفْسِي مِنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَاعَ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَعَتَقَ لِأَنَّ بَيْعَ نَفْسِ الْعَبْدِ منه إعْتَاقٌ وَكَذَا إذَا بَيَّنَ وَخَالَفَ أَمَرَهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ وَيَعْتِقُ وَلَوْ قال لِعَبْدٍ وَاحِدٍ أنت حُرٌّ على أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ قال له أنت حُرٌّ على مِائَةِ دِينَارٍ فَإِنْ قال قَبِلْت بِالْمَالَيْنِ عَتَقَ وَيَلْزَمُهُ الْمَالَانِ جميعا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قال قَبِلْت مُبْهَمًا ولم يُبَيِّنْ فَكَذَلِكَ في قَوْلِ مُحَمَّد‏.‏ٍ

وَكَذَلِكَ لو قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا على أَلْفِ دِرْهَمٍ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا على مِائَةِ دِينَارٍ أنها إنْ قالت قَبِلْت بِالْمَالَيْنِ طَلُقَتْ بِالْمَالَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَبْهَمَتْ بِأَنْ قالت قبلت طَلُقَتْ ثَلَاثًا بِالْمَالَيْنِ جميعا في قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَمَّا عِنْدَ أبي يُوسُفَ فَالْقَبُولُ على الْكَلَامِ الْأَخِيرِ في الْمَسْأَلَتَيْنِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَبُولَ خَرَجَ عَقِبَ الْإِيجَابِ الْأَخِيرِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَوْجَبَ بِعِوَضٍ ثُمَّ أَوْجَبَ بِعِوَضٍ آخَرَ تَضَمَّنَ الثَّانِي انْفِسَاخَ الْأَوَّلِ كما في الْبَيْعِ فَيَتَعَلَّقُ الْقَبُولُ بِالثَّانِي كما في الْبَيْعِ وَلِمُحَمَّدٍ الْفَرْقُ بين الاعتاق وَالطَّلَاقِ على مَالٍ وَبَيْنَ الْبَيْعِ وهو أَنَّ الاعتاق وَالطَّلَاقَ على مَالٍ تَعْلِيقٌ من جَانِبِ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ وَأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الِانْفِسَاخَ فلم يُوجِبْ الثَّانِي رَفْعَ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ وَالْفَسْخَ فَيُوجِبُ الثَّانِي ارْتِفَاعَ الْأَوَّلِ هذا إذَا قَبِلَ بِالْمَالَيْنِ أو قَبِلَ على الْإِبْهَامِ فَأَمَّا إذَا قَبِلَ بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ بِأَنْ قال قَبِلْت بِالدَّرَاهِمِ أو قال قَبِلْت بِالدَّنَانِيرِ ذَكَرَ الْقَاضِي في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ وَعَلَّلَ بِأَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَقُولَ اعتقتك بِالْمَالَيْنِ جميعا فَلَا يُعْتَقُ بِقَبُولِ أَحَدِهِمَا مع الشَّكِّ وَذَكَرَ أبو يُوسُفَ في الْأَمَالِي أَنَّهُ يَعْتِقُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَوْلَى أتى بِإِيجَابَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَكَانَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقْبَلَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ‏.‏

وَلَوْ قال أنت حُرٌّ على أَلْفِ دِرْهَمٍ أو مِائَةِ دِينَارٍ فَإِنْ قَبِلَ بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ عَيْنًا عَتَقَ بِأَنْ قال قَبِلْت بِالدَّرَاهِمِ أو قال قَبِلْت بِالدَّنَانِيرِ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ وَإِنْ قَبِلَ بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ غير عَيْنٍ عَتَقَ أَيْضًا لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَيَلْزَمُهُ أَحَدُ الْمَالَيْنِ وَالْبَيَانُ إلَيْهِ كما إذَا قال لِفُلَانٍ عَلِيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أو مِائَةُ دِينَارٍ يَلْزَمُهُ أَحَدُهُمَا وَالْبَيَانُ إلَيْهِ كَذَا وَلَوْ قال قَبِلْت بِالْمَالَيْنِ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَعْتِقُ لِأَنَّ في قَبُولِ الْمَالَيْنِ قَبُولَ أَحَدِهِمَا فَوُجِدَ شَرْطُ الْعِتْقِ فَيَعْتِقُ وَيَلْزَمُهُ أَحَدُ الْمَالَيْنِ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ على أَحَدِ الْمَالَيْنِ فَلَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ وَالْبَيَانُ إلَى الْعَبْدِ يَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَكَذَلِكَ إذَا قال قَبِلْت ولم يُبَيِّنْ يَعْتِقُ وَيَلْزَمُهُ أَحَدُ الْمَالَيْنِ وَخِيَارُ التَّعْيِينِ إلَيْهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَبِلْتُ يَصْلُحُ جَوَابَ الْإِيجَابِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قال قَبِلْتُ بِأَحَدِهِمَا ولم يُعَيِّنْ أو قَبِلْتُ بِهِمَا وَهُنَاكَ يَعْتِقُ وَخِيَارُ التَّعْيِينِ إلَيْهِ كَذَا هَهُنَا‏.‏

وَعَلَى هذا إذَا قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ على أَلْفِ دِرْهَمٍ أو على مِائَةِ دِينَارٍ فَقَبِلَتْ بِأَحَدِهِمَا عَيْنًا أو غير عَيْنٍ أو قَبِلْت بِالْمَالَيْنِ أو أَبْهَمَتْ لِمَا قُلْنَا في الْعِتْقِ وَكَذَلِكَ لو قال أنت حُرٌّ على أَلْفِ دِرْهَمٍ أو على أَلْفَيْنِ إلَّا أَنَّ هَهُنَا إذَا قَبِلَ بِالْمَالَيْنِ يَعْتِقُ بِأَلْفٍ وَلَا يُخَيَّرُ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ وَالتَّخْيِيرُ بين الْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ في الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَارُ إلَّا الْأَقَلَّ بِخِلَافِ الْفصل الْأَوَّلِ لِأَنَّ هُنَاكَ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ فَكَانَ التَّخْيِيرُ مُفِيدًا هذا كُلُّهُ إذَا أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى مُعَيَّنٍ فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مَجْهُولٍ بِأَنْ قال لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ما لم يَقْبَلَا جميعا حتى لو قَبِلَ أَحَدُهُمَا ولم يَقْبَلْ الْآخَرُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدُكُمَا كما يَقَعُ على الْقَابِلِ يَقَعُ على غَيْرِ الْقَابِلِ فَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ عَنَى بِهِ غير الْقَابِلِ أَلَا تَرَى أَنَّ له أَنْ يَقُولَ عَنَيْت بِهِ غير الْقَابِلِ فَلَوْ حَكَمْنَا بِعِتْقِ الْقَابِلِ لَكَانَ فيه إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِالشَّكِّ وَإِنْ قَبِلَا جميعا فَإِنْ قَبِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا بِأَلْفٍ لَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَإِنْ قَبِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَلْفِ بِأَنْ قال كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبِلْت بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أو قال قَبِلْت ولم يَقُلْ بِأَلْفٍ أو قَالَا ما قَبِلْنَا بِأَلْفٍ أو قَالَا قَبِلْنَا ولم يَذْكُرَا الْأَلْفَ عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ وهو قَبُولُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَلْفَ وَيُقَالُ لِلْمَوْلَى اخْتَرْ الْعِتْقَ في أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ هو الذي أَجْمَلَ الْعِتْقَ فَكَانَ الْبَيَانُ إلَيْهِ فإيهما اخْتَارَ عَتَقَ وَلَزِمَتْهُ الْأَلْفُ فَإِنْ مَاتَ قبل الْبَيَانِ يَعْتِقُ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَيَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ قبل الْبَيَانِ وقد شَاعَ عِتْقُ رَقَبَةٍ فِيهِمَا فَيُقْسَمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ‏.‏

وَلَوْ قال أَحَدُكُمَا حُرٌّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَا ثُمَّ قال أَحَدُكُمَا حُرٌّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أو قال أَحَدُكُمَا حُرٌّ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَاللَّفْظُ الثَّانِي لَغْوٌ لِأَنَّهُمَا لَمَّا قَبِلَا الْعِتْقَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فَقَدْ نَزَلَ الْعِتْقُ في أَحَدِهِمَا لِوُجُودِ شَرْطِ النُّزُولِ وهو قَبُولُهُمَا فَالْإِيجَابُ الثَّانِي يَقَعُ جَمْعًا بين حُرٍّ وَعَبْدٍ فَلَا يَصِحُّ وَلَوْ لم يَقْبَلَا ثُمَّ قال أَحَدُكُمَا حُرٌّ بِغَيْرِ شَيْءٍ عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِاللَّفْظِ الثَّانِي بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّهُمَا لَمَّا لم يَقْبَلَا لم يَنْزِلْ الْعِتْقُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فَصَحَّ الْإِيجَابُ الثَّانِي وهو تَنْجِيزُ الْعِتْقِ على أَحَدِهِمَا غَيْرِ عَيْنٍ فَيُقَالُ لِلْمَوْلَى اصْرِفْ اللَّفْظَ الثَّانِيَ إلَى أَحَدِهِمَا فإذا صَرَفَهُ إلَى أَحَدِهِمَا عَتَقَ ذلك بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّ التَّنْجِيزَ حَصَلَ بِغَيْرِ بَدَلٍ‏.‏

وَأَمَّا الْآخَرُ فَإِنْ قَبِلَ الْبَدَلَ في الْمَجْلِسِ يَعْتِقُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ وَقَعَ صَحِيحًا لِحُصُولِهِ بين عَبْدَيْنِ وَتَعَلَّقَ الْعِتْقُ بِشَرْطِ الْقَبُولِ وقد وُجِدَ فيه ضَرْبُ إشْكَالٍ وهو أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْحُرِّيَّةِ لِأَحَدِهِمَا هو قَبُولُهُمَا ولم يُوجَدْ هَهُنَا إلَّا قَبُولُ أَحَدِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتِقَ الْعَبْدُ الْآخَرُ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِيجَابَ أُضِيفَ إلَى أَحَدِهِمَا أَلَا ترى ‏[‏يرى‏]‏ أَنَّهُ قال أَحَدُكُمَا حُرٌّ وقد وُجِدَ الْقَبُولُ من أَحَدِهِمَا هَهُنَا إلَّا أَنَّهُ إذَا لم يُنْجِزْ عِتْقَ أَحَدِهِمَا يَتَوَقَّفُ عِتْقُ أَحَدِهِمَا على قَبُولِهِمَا جميعا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْآخَرَ فإذا عَيَّنَهُ في التَّخْيِيرِ عُلِمَ أَنَّهُ ما أَرَادَهُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ من الْمُعْتَقِ لَا يُتَصَوَّرُ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِلْقَبُولِ وقد قيل ‏[‏قبل‏]‏ فَيَعْتِقُ وَلَوْ قَبِلَا جميعا قبل الْبَيَانِ عَتَقَا لِأَنَّ الْعِتْقَ لم يَنْزِلْ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِشَرْطِ الْقَبُولِ فَلَا يَنْزِلُ قبل وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَصِحُّ الْإِيجَابُ الثَّانِي فإذا قَبِلَا جميعا فَقَدْ تَيَقَّنَا بِعِتْقِهِمَا لِأَنَّ أَيَّهُمَا أُرِيدَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ عَتَقَ بِالْقَبُولِ وَأَيَّهُمَا أُرِيدَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي عَتَقَ من غَيْرِ قَبُولٍ لِأَنَّهُ إيجَابٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَكَانَ عِتْقُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَيَقَّنًا بِهِ لَكِنَّ عِتْقَ أَحَدِهِمَا بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَعِتْقَ الْآخَرِ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي فَيُعْتَقَانِ وَلَا يقضي عَلَيْهِمَا بِشَيْءٍ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا وَإِنْ عَتَقَ بِالْإِيجَابِ يبدل ‏[‏ببدل‏]‏ إلَّا أَنَّهُ مَجْهُولٌ وَالْقَضَاءُ بِإِيجَابِ الْمَالِ على الْمَجْهُولِ مُتَعَذَّرٌ كَرَجُلَيْنِ قَالَا لِرَجُلٍ لك على أَحَدِنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمَا بهذا الْإِقْرَارِ شَيْءٌ لِكَوْنِ الْمَقْضِيِّ عليه مَجْهُولًا كَذَا هذا‏.‏

وَلَوْ لم يَقْبَلَا جميعا وَلَكِنْ قيل ‏[‏قبل‏]‏ أَحَدُهُمَا لَا يَعْتِقُ إلَّا أَحَدُهُمَا لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِ أَحَدِهِمَا وهو قَبُولُ أَحَدِهِمَا في هذه الصُّورَةِ لِمَا بَيَّنَّا من الْفِقْهِ ثُمَّ إنْ صَرَفَ الْمَوْلَى اللَّفْظَ الثَّانِيَ إلَى غَيْرِ الْقَابِلِ عَتَقَ غَيْرُ الْقَابِلِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَعَتَقَ الْقَابِلُ بِأَلْفٍ وَإِنْ صَرَفَ اللَّفْظَ الثَّانِيَ إلَى الْقَابِلِ عَتَقَ الْقَابِلُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَعَتَقَ غَيْرُ الْقَابِلِ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ بِأَلْفٍ إنْ قَبِلَ في الْمَجْلِسِ لِأَنَّ الْقَابِلَ مِنْهُمَا يَعْتِقُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وأنه إيجَابٌ بِبَدَلٍ فَيَعْتِقُ بِبَدَلٍ وَغَيْرُ الْقَابِلِ يَعْتِقُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي وَإِنَّهُ إيجَابٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَيَعْتِقُ بِغَيْرِ بَدَلٍ

وَلَوْ قال لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ بِغَيْرِ شَيْءٍ ثُمَّ قال أَحَدُكُمَا حُرٌّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْكَلَامُ الثَّانِي لَغْوٌ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا عَتَقَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لِوُجُودِ تَنْجِيزِ الْعِتْقِ في احدهما فَالثَّانِي يَقَعُ جَمْعًا بين الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَيَبْطُلُ‏.‏

وَلَوْ قال أَحَدُكُمَا حُرٌّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبْلَ أَنْ يَقْبَلَا قال أَحَدُكُمَا حُرٌّ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَإِنْ قَبِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعِتْقَ بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ بِأَنْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبِلَ الْآخَرُ بِمِائَةِ دِينَارٍ أو قَبِلَ أَحَدُهُمَا بِالْمَالَيْنِ ولم يَقْبَلْ الْآخَرُ أو قَبِلَ أَحَدُهُمَا بِالْمَالَيْنِ وَقَبِلَ الْآخَرُ بِمَالٍ وَاحِدٍ لَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَجْمَعَ الْمَالَيْنِ على أَحَدِهِمَا فَيَقُولَ عَنَيْتُك بِالْمَالَيْنِ أو يَقُولَ عَنَيْت غَيْرَك فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ مع الشَّكِّ فَإِنْ قَبِلَا جميعا بِالْمَالَيْنِ بِأَنْ قال كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبِلْت بِالْمَالَيْنِ أو قَالَا جميعا قد قَبِلْنَا يُخَيَّرُ الْمَوْلَى فَيُقَالُ له إمَّا أَنْ تَصْرِفَ اللَّفْظَيْنِ جميعا إلَى أَحَدِهِمَا فَتَجْمَعَ الْمَالَيْنِ عليه فَيَعْتِقُ بِالْمَالَيْنِ وَيَبْقَى الْآخَرُ رَقِيقًا وَإِمَّا أَنْ تَصْرِفَ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ إلَى أَحَدِهِمَا وَالْآخَرَ إلَى صَاحِبِهِ فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْآخَرُ بِمِائَةِ دِينَارٍ لِأَنَّ الْإِيجَابَيْنِ وَقَعَا صَحِيحَيْنِ‏.‏

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا شَكَّ فيه وَلِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ لم يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبُولُ وَالْعِتْقُ مُعَلَّقٌ بِالْقَبُولِ فَالْإِيجَابُ الثَّانِي حَصَلَ مُضَافًا إلَى أَحَدِ عَبْدَيْنِ فَيَصِحُّ وَمَتَى صَحَّ الْإِيجَابُ الثَّانِي فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَنَى بِهِ من عَنَاهُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَنَى بِهِ الْعَبْدَ الْآخَرَ لِذَلِكَ خُيِّرَ الْمَوْلَى فَإِنْ مَاتَ قبل الْبَيَانِ عَتَقَ من كل وَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ بِنِصْفِ الْمَالَيْنِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا حُرٌّ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي غير من أَرَادَهُ بِالْأَوَّلِ فَكَانَ الثَّابِتُ بِالْكَلَامَيْنِ عِتْقَيْنِ بِكُلِّ كَلَامٍ عِتْقٌ وَإِنْ أَرَادَ بِالثَّانِي عَيْنَ من أَرَادَهُ بِالْأَوَّلِ كان الثَّابِتُ بِالْكَلَامَيْنِ عِتْقَ وَاحِدٍ فإذا عَتَقَ وَاحِدٌ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَالْعِتْقُ الْآخَرُ يَثْبُتُ في حَالٍ وَلَا يَثْبُتُ في حَالٍ فَيُنَصَّفُ فَثَبَتَ عِتْقٌ وَنِصْفُ عِتْقٍ بِالْمَالَيْنِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِكَمَالِ الْعِتْقِ بِأَوْلَى من الْآخَرِ فَيَنْقَسِمُ عِتْقٌ وَنِصْفُ عِتْقٍ بَيْنَهُمَا فَيُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعِتْقِ بِنِصْفِ الْمَالَيْنِ وَيَسْعَى في رُبُعِ قِيمَتِهِ‏.‏

وَلَوْ قال لِعَبْدٍ له بِعَيْنِهِ أنت حُرٌّ على أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ جَمَعَ بين عَبْدٍ له آخَرَ وَبَيْنَهُ فقال أَحَدُكُمَا حُرٌّ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَالَا قَبِلْنَا يُخَيَّرُ الْمَوْلَى فَإِنْ شَاءَ صَرَفَ اللَّفْظَيْنِ إلَى الْمُعَيَّنِ وَعَتَقَ بِالْمَالَيْنِ جميعا وَإِنْ شَاءَ صَرَفَ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ إلَى أَحَدِهِمَا وَالْآخَرَ إلَى الْآخَرِ وَعَتَقَ الْمُعَيَّنُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَغَيْرُ الْمُعَيَّنِ بِمِائَةِ دِينَارٍ لِأَنَّ الْإِيجَابَيْنِ صَحِيحَانِ لِمَا قُلْنَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالثَّانِي الْمُعَيَّنَ أَيْضًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ غير الْمُعَيَّنِ فَيُقَالُ له بَيِّنِ فَأَيُّهُمَا بَيَّنَ فَالْحُكْمُ لِلْبَيَانِ فَإِنْ مَاتَ قبل الْبَيَانِ عَتَقَ الْمُعَيَّنُ كُلُّهُ لِأَنَّهُ دخل تَحْتَ الْإِيجَابَيْنِ جميعا‏.‏

أَمَّا الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ فَلَا شَكَّ فيه لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِهِ فَلَا يُشَارِكُهُ فيه غَيْرُهُ وَأَمَّا الْإِيجَابُ الثَّانِي فَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدُكُمَا يَقَعُ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فإذا قَبِلَ الْإِيجَابَيْنِ وُجِدَ شَرْطُ عِتْقِهِ فَيَعْتِقُ فَيَلْزَمُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَخَمْسُونَ دِينَارًا أَمَّا الْأَلْفُ فَلِأَنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ لِلثَّانِي فِيهِمَا وَأَمَّا نِصْفُ الْمِائَةِ الدِّينَارِ فَلِأَنَّهُ في حَالٍ يَلْزَمُهُ مِائَةُ دِينَارٍ وَهِيَ ما عَنَاهُ بِاللَّفْظَيْنِ وفي حَالٍ لَا يَلْزَمُهُ منها شَيْءٌ وَهِيَ ما إذَا عَنَى بِاللَّفْظِ الثَّانِي غَيْرَهُ فَيَتَنَصَّفُ ذلك فَيَلْزَمُهُ خَمْسُونَ دِينَارًا‏.‏ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فإنه يُعْتَقُ نِصْفُهُ بِنِصْفِ الْمِائَةِ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ في حَالٍ وَلَا يُعْتَقُ في حَالٍ لِأَنَّهُ إنْ عَنَاهُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي يُعْتَقُ كُلُّهُ بِكُلِّ الْمِائَةِ وَإِنْ لم يَعْنِهِ لَا يَعْتِقُ شَيْءٌ منه وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَيَعْتِقُ في حَالٍ ولم يَعْتِقْ في حَالٍ فتغير ‏[‏فتعبر‏]‏ الْأَحْوَالُ وَيَعْتِقُ نِصْفُهُ بِنِصْفِ الْمِائَةِ وهو خَمْسُونَ

هذا إذَا عُرِفَ الْمُعَيَّنُ من غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَإِنْ لم يُعْرَفْ وقال كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أنا الْمُعَيَّنُ يَعْتِقُ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ بِنِصْفِ الْمَالَيْنِ وهو نِصْفُ الْأَلْفِ وَنِصْفُ الْمِائَةِ الدِّينَارِ لِاسْتِوَائِهِمَا في ذلك وَالثَّابِتُ عِتْقٌ وَنِصْفُ عِتْقٍ فَيُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعِتْقِ وَيَسْعَى في رُبُعِ قِيمَتِهِ وَلَوْ قال لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ على أَلْفِ دِرْهَمٍ وَالْآخَرُ على خَمْسِمِائَةٍ فَإِنْ قَالَا جميعا قَبِلْنَا أو قال كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبِلْتُ بِالْمَالَيْنِ أو قال كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبِلْتُ بِأَكْثَرِ الْمَالَيْنِ عَتَقَا جميعا فَيَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ أَمَّا عِتْقُهُمَا فَلِأَنَّ الْإِيجَابَيْنِ خَرَجَا على الصِّحَّةِ بِخُرُوجِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بين عَبْدَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي هَهُنَا غَيْرُ الْمُرَادِ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ فإذا قَبِلَا فَقَدْ وُجِدَ شَرْطٌ نزول ‏[‏بزوال‏]‏ الْعِتْقِ فِيهِمَا جميعا وَانْقَطَعَ خِيَارُ الْمَوْلَى هَهُنَا فَيُعْتَقَانِ جميعا وَعَلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا عَتَقَ بِأَلْفٍ وَالْآخَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ لَكِنَّا لَا نَدْرِي الذي عليه الْأَلْفُ وَاَلَّذِي عليه خَمْسُمِائَةٍ إلَّا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِوُجُوبِ خَمْسِمِائَةٍ على كُلٍّ واحد مِنْهُمَا وفي الْفصل الثَّانِي شَكٌّ فَيَجِبُ الْمُتَيَقَّنُ وَلَا يَجِبُ الْمَشْكُوكُ فيه كَاثْنَيْنِ قَالَا لِرَجُلٍ لَك على أَحَدِنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَى الْآخَرِ خَمْسُمِائَةٍ لَا يُطَالِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هذا‏.‏

وَلَوْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا بِأَقَلِّ الْمَالَيْنِ وَالْآخَرُ بِأَكْثَرِ الْمَالَيْنِ عَتَقَ الذي قَبِلَ الْعِتْقَ بِأَكْثَرِ الْمَالَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أن عَنَاهُ الْمَوْلَى بِالْإِيجَابِ بِالْأَقَلِّ أو بِالْإِيجَابِ بِالْأَكْثَرِ فَتَيَقَّنَّا بِعِتْقِهِ ثُمَّ في الْأَكْثَرِ قَدْرُ الْأَقَلِّ وَزِيَادَةٌ فَيَلْزَمُهُ خَمْسُمِائَةٍ كَأَنَّهُ قال قَبِلْتُ بِالْمَالَيْنِ فَيَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ وهو خَمْسُمِائَةٍ وَيَصِيرُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَأَنَّهُ قال لك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أو خَمْسُمِائَةٍ وَلَوْ قال ذلك لَزِمَهُ الْأَقَلُّ كَذَا هَهُنَا‏.‏

وَلَوْ قَبِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَقَلِّ الْمَالَيْنِ لَا يُعْتَقَانِ لِأَنَّ حُجَّةَ الْمَوْلَى لم تَنْقَطِعْ لِأَنَّ له أَنْ يَقُولَ لم أَعْتِقْكَ بهذا الْمَالِ بِخِلَافِ ما إذَا قَبِلَ أَحَدُهُمَا بِأَكْثَرِ الْمَالَيْنِ لِأَنَّ الْأَقَلَّ دَاخِلٌ في الْأَكْثَرِ وَلَوْ قال أَحَدُكُمَا حُرٌّ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ فَإِنْ قبل ‏[‏قبلا‏]‏ بِأَنْ قال كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبِلْت بِالْمَالَيْنِ أو قَالَا قَبِلْنَا عَتَقَا لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهِمَا وَعَلَى كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرَ بِأَلْفَيْنِ فَتَيَقَّنَّا بِوُجُوبِ الْأَلْفِ على كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَرَجُلَيْنِ قَالَا لِرَجُلٍ لَك على أَحَدِنَا أَلْفٌ وَعَلَى الْآخَرِ أَلْفَانِ يَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ لِكَوْنِ الْأَلْفِ تَيَقَّنَّا بها كَذَا هذا وَإِنْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا الْمَالَيْنِ جميعا بِأَنْ قال قَبِلْت بِالْمَالَيْنِ أو قال قَبِلْت أو قَبِلَ بِأَكْثَرِ الْمَالَيْنِ بِأَنْ قال قَبِلْت بِالْمَالَيْنِ أو قال قَبِلْت بِأَلْفَيْنِ يَعْتِقُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ وهو الْقَبُولُ أَمَّا إذَا قَبِلَ بِالْمَالَيْنِ أو قال قَبِلْت فَلَا شَكَّ فيه وَكَذَا إذَا قَبِلَ بِأَكْثَرِ الْمَالَيْنِ لِوُجُودِ الْقَبُولِ الْمَشْرُوطِ بِيَقِينٍ فَيَعْتِقُ وَقِيلَ هذا على قِيَاسِ قَوْلِهِمَا فَأَمَّا على قِيَاسِ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتِقَ وهو الْقِيَاسُ على مَسْأَلَةِ‏.‏

الشَّهَادَةِ بِالْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِلَا خِلَافٍ وإذا عَتَقَ لَا يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ وَأَحَدُهُمَا أَقَلُّ وَالْآخَرُ أَكْثَرُ وَالْجِنْسُ مُتَّحِدٌ فَيَتَعَيَّنُ بِالْأَقَلِّ لِلْوُجُوبِ وَلَا يُخَيَّرُ الْعَبْدُ هَهُنَا لِأَنَّ التَّخْيِيرَ بين الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَنَّهُ يَخْتَارُ الْأَقَلَّ لَا مَحَالَةَ وَإِنْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا الْأَلْفَ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَصْرِفَ الْعِتْقَ إلَى الْآخَرِ كما إذَا قال أَحَدُكُمَا حُرٌّ بِأَلْفَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا وَلَوْ قال أَحَدُكُمَا حُرٌّ بِأَلْفٍ أَحَدُكُمَا حُرٌّ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَإِنْ قَبِلَا عَتَقَا لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عليه مَجْهُولٌ إذْ لَا يدري الذي عليه الْأَلْفُ مِنْهُمَا وَاَلَّذِي عليه الْمِائَةُ الدِّينَارُ كَاثْنَيْنِ قَالَا لِرَجُلٍ لك على أَحَدِنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَى الْآخَرِ مِائَةُ دِينَارٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا شَيْءٌ كَذَا هذا وَكَذَا هذا في الطَّلَاقِ بِأَنْ قال لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ بِأَلْفٍ وَالْأُخْرَى بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَبِلَتَا جميعا طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً بَائِنَةً وَلَا يَلْزَمُهُمَا شَيْءٌ لِمَا قُلْنَا‏.‏

وَإِنْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا الْعِتْقَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أو بِمِائَةِ دِينَارٍ أو قَبِلَ أَحَدُهُمَا الْعِتْقَ بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ وَالْآخَرُ بِالْمَالِ الْآخَرِ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَقُولَ لم أَعْنِكَ بهذا الْمَالِ الذي قَبِلْت وَلَوْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا بِالْمَالَيْنِ عَتَقَ وَيَلْزَمُهُ أَيُّ الْمَالَيْنِ اخْتَارَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهُمَا وَهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فَكَانَ التَّخْيِيرُ مُفِيدًا فَيُخَيَّرُ بِخِلَافِ الْفصل الْأَوَّلِ فَإِنْ قَبِلَ الْآخَرُ في الْمَجْلِسِ عَتَقَا وَسَقَطَ الْمَالُ عن الْقَابِلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عليه مَجْهُولٌ هذا إذَا كان قبل قَبِلَ الْبَيَانَ من الْأَوَّلِ فَإِنْ قَبِلَ بَعْدَ الْبَيَانِ عَتَقَ الثَّانِي بِغَيْرِ شَيْءٍ وَعَتَقَ الْأَوَّلُ بِالْمَالَيْنِ لِأَنَّ بَيَانَهُ في حَقِّ نَفْسِهِ صَحِيحٌ وفي حَقِّ الْآخَرِ لم يَصِحَّ وَلَوْ قال أَحَدُكُمَا حُرٌّ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ حُرٌّ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَإِنْ قَبِلَا جميعا عَتَقَا لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهِمَا وهو قَبُولُهُمَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الذي عليه الْبَدَلُ مَجْهُولٌ وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ على الْمَجْهُولِ كَرَجُلَيْنِ قَالَا لِرَجُلٍ لَك على أَحَدِنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَا شَيْءَ على الْآخَرِ لَا يَجِبُ على أَحَدِهِمَا شَيْءٌ لِجَهَالَةِ من عليه الْوَاجِبُ كَذَا هَهُنَا وَإِنْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ ولم يَقْبَلْ الْآخَرُ يُقَالُ لِلْمَوْلَى اصْرِفْ اللَّفْظَ الذي هو إعْتَاقٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ إلَى أَحَدِهِمَا فَإِنْ صَرَفَهُ إلَى غَيْرِ الْقَابِلِ عَتَقَ غَيْرُ الْقَابِلِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَعَتَقَ الْقَابِلُ بِأَلْفٍ وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى الْقَابِلِ عَتَقَ الْقَابِلُ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيَعْتِقُ الْآخَرُ بِالْإِيجَابِ الذي هو يُبَدَّلُ إذَا قَبِلَ في الْمَجْلِسِ وَكَذَا لو لم يَقْبَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حتى صُرِفَ الْإِيجَابُ الذي هو بِغَيْرِ بَدَلٍ إلَى أَحَدِهِمَا يَعْتِقُ هو وَيَعْتِقُ الْآخَرُ إنْ قَبِلَ الْبَدَلَ في الْمَجْلِسِ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قبل الْبَيَانِ عَتَقَ الْقَابِلُ كُلُّهُ وَعَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ وَعَتَقَ نِصْفُ الذي لم يَقْبَلْ وَيَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهِ أَمَّا عِتْقُ الْقَابِلِ كُلِّهِ فَلِأَنَّ عِتْقَهُ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ عَتَقَ وَإِنْ أُرِيدَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي عَتَقَ فَكَانَ عِتْقُهُ مُتَيَقَّنًا بِهِ وَأَمَّا لُزُومُ خَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّهُ إنْ أُعْتِقَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ يُعْتَقُ بِأَلْفٍ وَإِنْ أُعْتِقَ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي يُعْتَقُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَيُنَصَّفُ الْأَلْفُ فَيَلْزَمُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَأَمَّا عِتْقُ النِّصْفِ من غَيْرِ الْقَابِلِ فَلِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلُ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ أُرِيدَ بِاللَّفْظِ الثَّانِي يَعْتِقُ فَيَعْتِقُ في حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَتَنَصَّفُ عِتْقُهُ فَيَعْتِقُ نِصْفُهُ وَيَسْعَى في نِصْفِ قِيمَتِهِ هذا إذَا كان الْإِعْتَاقُ تَنْجِيزًا أو تَعْلِيقًا بِشَرْطٍ فَأَمَّا إذَا كان أَضَافَهُ إلَى وَقْتٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أن أَضَافَهُ إلَى وَقْتٍ وَاحِدٍ وَإِمَّا أن أَضَافَهُ إلَى وَقْتَيْنِ فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى وَقْتٍ وَاحِدٍ فَإِمَّا أن أَضَافَهُ إلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَإِمَّا أن أَضَافَهُ إلَى وَقْتٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ وفي الْوُجُوهِ كُلِّهَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمِلْكِ وَقْتَ الْإِضَافَةِ لِأَنَّ إضَافَةَ الْإِعْتَاقِ إلَى وَقْتِ إثْبَاتِ الْعِتْقِ في ذلك الْوَقْتِ لَا مَحَالَةَ وَلَا ثُبُوتَ لِلْعِتْقِ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَا يُوجَدُ الْمِلْكُ في ذلك الْوَقْتِ إلَّا إذَا كان مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِضَافَةِ لِأَنَّهُ إنْ كان مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِضَافَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَبْقَى إلَى الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَيَثْبُتُ الْعِتْقُ وإذا لم يَكُنْ مَوْجُودًا كان الظَّاهِرُ بَقَاءَهُ على الْعَدَمِ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ في الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لَا مَحَالَةَ فَيَكُونُ خِلَافَ تَصَرُّفِهِ‏.‏

وَالْأَصْلُ اعْتِبَارُ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ على الْوَجْهِ الذي أَوْقَعَهُ أَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى وَقْتٍ مُطْلَقٍ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ غَدًا أو رَأْسَ شَهْرِ كَذَا فَيَعْتِقُ إذَا جاء غَدٌ أو رَأْسُ الشَّهْرِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْغَدَ أو رَأْسَ الشَّهْرِ ظَرْفًا لِلْعِتْقِ فَلَا بُدَّ من وُقُوعِ الْعِتْقِ عِنْدَهُ لِيَكُونَ ظَرْفًا له وَلَيْسَ هذا تَعْلِيقًا بِشَرْطٍ لِانْعِدَامِ أَدَوَاتِ التَّعْلِيقِ وَهِيَ كَلِمَاتُ الشَّرْطِ وَلِهَذَا لو حَلَفَ لَا يَحْلِفُ فقال هذه الْمَقَالَةَ لَا يَحْنَثُ بِخِلَافِ ما إذا قال أنت حُرٌّ إذَا جاء غَدٌ لِأَنَّ ذلك تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ لِوُجُودِ كَلِمَةِ التَّعْلِيقِ‏.‏

فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ تَعْلِيقًا بِشَرْطٍ وَالشَّرْطُ ما في وُجُودِهِ خَطَرٌ وَمَجِيءُ الْغَدِ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ قِيلَ له من مَشَايِخِنَا من قال إنَّ الْغَدَ في مَجِيئِهِ خَطَرٌ لِاحْتِمَالِ قِيَامِ السَّاعَةِ في كل سَاعَةٍ قال اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وما أَمْرُ السَّاعَةِ إلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أو هو أَقْرَبُ‏}‏ فَيَصْلُحُ مَجِيءُ الْغَدِ شَرْطًا لَكِنْ هذا الْجَوَابُ ليس بِسَدِيدٍ لِأَنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ أَشْرَاطِهَا من خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَدَابَّةِ الْأَرْضِ وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ من مَغْرِبِهَا وَنَحْوِ ذلك مِمَّا دَلَّ عليه الْكتاب وَوَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ‏.‏

وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ أن مَجِيءَ الْغَدِ وَإِنْ كان مُتَيَقَّنَ الْوُجُودِ يُمْكِنُ كَوْنُهُ شَرْطًا لِوُقُوعِ الْعِتْقِ وَلَيْسَ بِمُتَيَقَّنِ الْوُجُودِ بَلْ له خَطَرُ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِ الْعَبْدِ قبل مَجِيءِ الْغَدِ أو مَوْتِ الْمَوْلَى أو مَوْتِهِمَا وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ شَرْطًا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْجَزَاءِ على أَنَّ الشَّرْطَ اسْمٌ لِمَا جُعِلَ عِلْمًا لِنُزُولِ الْجَزَاءِ سَوَاءٌ كان مَوْهُومَ الْوُجُودِ أو مُتَيَقَّنَ الْوُجُودِ‏.‏

وَأَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى وَقْتٍ مَوْصُوفٍ فَنَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ قبل دُخُولِكَ الدَّارَ بِشَهْرٍ أو قبل قُدُومِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ أو قبل مَوْتِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ قبل وُجُودِ الْوَقْتِ الْمَوْصُوفِ حتى لو وُجِدَ شَيْءٌ من هذه الْحَوَادِثِ قبل تَمَامِ الشَّهْرِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الْوَقْتِ الْمَوْصُوفِ فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ وَيُشْتَرَطُ تَمَامُ الشَّهْرِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ وَإِنْ كان الْعَبْدُ في مِلْكِهِ قبل ذلك بِشُهُورٍ بَلْ بِسِنِينَ لِأَنَّ إضَافَةَ الْعِتْقِ إلَى وَقْتِ إيجَابِ الْعِتْقِ فيه غَيْرُ إيجَابِ الْعِتْقِ في الزَّمَانِ الْمَاضِي وَإِيجَابُ الْعِتْقِ في الزَّمَانِ الْمَاضِي لَا يُتَصَوَّرُ فَلَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْعَاقِلِ عليه وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ عِنْدَ وُجُودِ هذه الْحَوَادِثِ لِتَمَامِ الشَّهْرِ وَاخْتُلِفَ في كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِهِ فقال زُفَرُ يَثْبُتُ من أَوَّلِ الشَّهْرِ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَثْبُتُ مُقْتَصِرًا على حَالِ وُجُودِ الْحَوَادِثِ وأبو حَنِيفَةَ فَرَّقَ بين الْقُدُومِ وَالدُّخُولِ وَبَيْنَ الْمَوْتِ فقال في الْقُدُومِ وَالدُّخُولِ كما قَالَا وفي الْمَوْتِ كما قال زُفَرُ حتى لو كان الْمَمْلُوكُ أَمَةً فَوَلَدَتْ في وَسَطِ الشَّهْرِ يَعْتِقُ الْوَلَدُ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ‏.‏

وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ أَوْقَعَ الْعِتْقَ في وَقْتٍ مَوْصُوفٍ بِكَوْنِهِ مُتَقَدِّمًا على هذه الْحَوَادِثِ بِشَهْرٍ فإذا وُجِدَتْ بَعْدَ شَهْرٍ مُتَّصِلَةً بِهِ عُلِمَ أَنَّ الشَّهْرَ من أَوَّلِهِ فإن مَوْصُوفًا بِالتَّقَدُّمِ عليها لَا مَحَالَةَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْعِتْقَ كان وَاقِعًا في أَوَّلِ الشَّهْرِ كما إذَا قال أنت حُرٌّ قبل رَمَضَانَ بِشَهْرٍ وَلَا فَرْقَ سِوَى أَنَّ هُنَاكَ يَحْكُمُ بِالْعِتْقِ من أَوَّلِ هِلَالِ شَعْبَانَ وَلَا يَتَوَقَّفُ على مَجِيءِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَهَهُنَا لَا يَحْكُمُ بِالْعِتْقِ من أَوَّلِ الشَّهْرِ لِأَنَّ ثَمَّةَ رَمَضَانُ يَتَّصِلُ بِشَعْبَانَ لَا مَحَالَةَ وَهَهُنَا وُجُودُ هذه الْحَوَادِثِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَّصِلَ بهذا الشَّهْرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَتَّصِلَ لِجَوَازِ أنها لَا تُوجَدُ أَصْلًا فَأَمَّا في ثُبُوتِ الْعِتْقِ في الْمَسْأَلَتَيْنِ من ابْتِدَاءِ الشَّهْرِ فَلَا يَخْتَلِفَانِ وَلِهَذَا قال أبو حَنِيفَةَ ثُبُوتُ الْعِتْقِ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ في الْمَوْتِ‏.‏

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ هذا في الْحَقِيقَةِ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِهَذِهِ الْحَوَادِثِ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْعِتْقَ في شَهْرٍ مُتَّصِفٍ بِالتَّقَدُّمِ على هذه الْحَوَادِثِ وَلَا يَتَّصِفُ بِالتَّقَدُّمِ عليها إلَّا بِاتِّصَالِهَا بِهِ وَلَا تَتَّصِلُ بِهِ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا فَكَانَ ثُبُوتُ الْعِتْقِ على هذا التَّدْرِيجِ مُتَعَلِّقًا بِوُجُودِ هذه الْحَوَادِثِ فَيُقْتَصَرُ على حَالِ وُجُودِهَا وَلِهَذَا قال أبو حَنِيفَةَ هَكَذَا في الدُّخُولِ وَالْقُدُومِ كَذَا في الْمَوْتِ بِخِلَافِ شَعْبَانَ لِأَنَّ إتصاف شَعْبَانَ بِكَوْنِهِ مُتَقَدِّمًا على رَمَضَانَ لَا يَقِفُ على مَجِيءِ رَمَضَانَ‏.‏

وَوَجْهُ الْفَرْقِ لِأَبِي حَنِيفَةَ بين الدُّخُولِ وَالْقُدُومِ وَبَيْنَ الْمَوْتِ أَنَّ في مَسْأَلَةِ الْقُدُومِ وَالدُّخُولِ بَعْدَ ما مَضَى شَهْرٌ من وَقْتِ التَّكَلُّمِ يَبْقَى الشَّهْرُ الذي أُضِيفَ إلَيْهِ الْعِتْقُ هو مَوْهُومُ الْوُجُودِ قد يُوجَدُ وقد لَا يُوجَدُ لِأَنَّ قُدُومَ فُلَانٍ مَوْهُومُ الْوُجُودِ قد يُوجَدُ وقد لَا يُوجَدُ فَإِنْ وُجِدَ يُوجَدُ هذا الشَّهْرُ وَإِلَّا فَلَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هذا الشَّهْرَ لَا وُجُودَ له بِدُونِ الإنصاف ‏[‏الاتصاف‏]‏ وَلَا اتِّصَافَ بِدُونِ الِاتِّصَالِ وَلَا اتِّصَالَ بِدُونِ الْقُدُومِ إذْ الِاتِّصَالُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بين مَوْجُودَيْنِ لَا بين مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ فَصَارَ الْعِتْقُ وَإِنْ كان مُضَافًا إلَى الشَّهْرِ مُتَعَلِّقًا بِوُجُودِ الْقُدُومِ فَكَانَ هذا تَعْلِيقًا ضَرُورَةً فَيُقْتَصَرُ الْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ على حَالِ وُجُودِ الشَّرْطِ كما في سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ فَأَمَّا في مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ فَبَعْدَ ما مَضَى شَهْرٌ من زَمَنِ الْكَلَامِ لم يَبْقَ ذَاتُ الشَّهْرِ الذي أُضِيفَ إلَيْهِ الْعِتْقُ مَوْهُومَ الْوُجُودِ بَلْ هو كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ فَصَارَ هذا الشَّهْرُ مُتَحَقِّقَ الْوُجُودِ بِلَا شَكٍّ بِخِلَافِ الشَّهْرِ الْمُتَقَدِّمِ على الدُّخُولِ وَالْقُدُومِ غير أَنَّهُ مَجْهُولُ الذَّاتِ فَلَا يُحْكَمُ بِالْعِتْقِ قبل وُجُودِ الْمَوْتِ وإذا وُجِدَ فَقَدْ وُجِدَ الْمُعَرِّفُ لِلشَّهْرِ بِخِلَافِ الشَّهْرِ الْمُتَقَدِّمِ على شَهْرِ رَمَضَانَ فإنه مَعْلُومُ الذَّاتِ لِأَنَّهُ كما وُجِدَ شَعْبَانُ عُلِمَ أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالتَّقَدُّمِ على رَمَضَانَ وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ وَبِخِلَافِ الْقُدُومِ وَالدُّخُولِ فإن بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ من وَقْتِ الْكَلَامِ بَقِيَ ذَاتُ الشَّهْرِ الذي أُضِيفَ إلَيْهِ الْعِتْقُ مَوْهُومَ الْوُجُودِ فلم يَكُنِ الْقُدُومُ مُعَرِّفًا لِلشَّهْرِ بَلْ كان مُحَصِّلًا لِلشَّهْرِ الْمَوْصُوفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بِحَيْثُ لَوْلَا وُجُودُهُ لَمَا وُجِدَ هذا الشَّهْرُ أَلْبَتَّةَ فَكَانَ الْمَوْتُ مُظْهِرًا مُعَيِّنًا لِلشَّهْرِ فَيَظْهَرُ من الْأَصْلِ من حِينِ وُجُودِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا في كَيْفِيَّةِ الظُّهُورِ على مَذْهَبِ أبي حَنِيفَةَ‏.‏

قال بَعْضُهُمْ هو ظُهُورٌ مَحْضٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْعِتْقَ كان وَاقِعًا من أَوَّلِ الشَّهْرِ من غَيْرِ اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ وهو أَنْ يُعْتَبَرَ الْوُقُوعُ أولا ثُمَّ يَسْرِي إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ التَّصَرُّفِ على الْوَجْهِ الذي أَثْبَتَهُ الْمُتَصَرِّفُ وَالْمُتَصَرِّفُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى أَوَّلَ الشَّهْرِ الْمُتَقَدِّمِ على الْمَوْتِ فَيَقَعُ في أَوَّلِ الشَّهْرِ لَا في آخِرِهِ فَكَانَ وَقْتُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ من ذلك الْوَقْتِ كما إذَا قال إنْ كان فُلَانٌ في الدَّارِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَمَضَتْ مُدَّةٌ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كان في الدَّارِ يوم التَّكَلُّمِ يَقَعُ الْعِتْقُ من وَقْتِ التَّكَلُّمِ لَا من وَقْتِ الظُّهُورِ‏.‏

وَهَؤُلَاءِ قالوا لو كان مَكَانُ الْعَتَاقِ طَلَاقَ ثَلَاثٍ فَالْعِدَّةُ تُعْتَبَرُ من أَوَّلِ الشَّهْرِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ حتى لو حَاضَتْ في الشَّهْرِ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ فُلَانٌ كانت الْحَيْضَتَانِ مَحْسُوبَتَيْنِ من الْعِدَّةِ وَلَوْ كان قال أَنْتِ طَالِقٌ قبل مَوْتِ فُلَانٍ بِشَهْرَيْنِ أو ثَلَاثَةٍ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَاتَ فُلَانٌ لِتَمَامِ الْمُدَّةِ أو كانت الْمَرْأَةُ رَأَتْ ثَلَاثَةَ حِيَضٍ في الْمُدَّةِ تَبَيَّنَ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّ الطَّلَاقَ كان وَاقِعًا وَأَنَّ الْعِدَّةَ قد انْقَضَتْ كما لو قال إنْ كان زَيْدٌ في الدَّارِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَمَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ حِيَضٍ أَنَّهُ كان في الدَّارِ يوم التَّكَلُّمِ بِهِ تَبَيَّنَ أنها قد طَلُقَتْ من ذلك الْوَقْتِ وَأَنَّهَا مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ كَذَا هذا وَكَذَلِكَ لو قال إنْ كان حَمْلُ فُلَانَةَ غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا يَقَعُ الطَّلَاقُ على طَرِيقِ التَّبْيِينِ كَذَا هذا وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ ما قُلْنَا أن رَجُلًا لو قال آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ مَاتَتْ طَلُقَتْ الثَّانِيَةُ على وَجْهِ التَّبْيِينِ الْمَحْضِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَإِنْ كان لَا يُحْكَمُ بِطَلَاقِهَا ما لم يَمُتْ كَذَا هَهُنَا‏.‏

وَقَالُوا لو خَالَعَهَا في وَسَطِ الشَّهْرِ ثُمَّ مَاتَ فُلَانٌ لِتَمَامِ الشَّهْرِ فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ وَيُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِرَدِّ بَدَلِ الْخُلْعِ سَوَاءٌ كانت عِنْدَ الْمَوْتِ مُعْتَدَّةٌ أو مُنْقَضِيَةُ الْعِدَّةِ أو كانت مِمَّنْ لَا عِدَّةَ عليها بِأَنْ كانت غير مَدْخُولٍ بها وَهَؤُلَاءِ طَعَنُوا فِيمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ في الْكتاب لِتَخْرِيجِ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ مَاتَ فُلَانٌ وَهِيَ في الْعِدَّةِ بحكم ‏[‏يحكم‏]‏ يبطلان ‏[‏ببطلان‏]‏ الْخُلْعِ وَيُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِرَدٍّ بَدَلِ الْخُلْعِ وَإِنْ كانت غير مُعْتَدَّةٍ وَقْتَ مَوْتِ فُلَانٍ بإن كان بَعْدَ الْخُلْعِ قبل مَوْتِ فُلَانٍ أَسْقَطَتْ سِقْطًا أو كانت غير مَدْخُولٍ بها لَا يَبْطُلُ الْخُلْعُ وَلَا يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِرَدِّ بَدَلِ الْخُلْعِ وَقَالُوا هذا التَّخْرِيجُ لَا يَسْتَقِيمُ على قول على قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ لِأَنَّ هذا ظُهُورٌ مَحْضٌ فَتَبَيَّنَ عِنْدَ وُجُودِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ أَنَّ هذا الشَّهْرَ من ابْتِدَاءِ وُجُودِهِ مَوْصُوفٌ بِالتَّقَدُّمِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ المطلقات ‏[‏الطلقات‏]‏ الثَّلَاثَ كانت وَاقِعَةً من ذلك الْوَقْتِ سَوَاءٌ كانت مُعْتَدَّةً أو غير مُعْتَدَّةٍ كما لو قال إنْ كان فُلَانٌ في الدَّارِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثُمَّ خَالَعَهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كان يوم الْحَلِفِ في الدَّارِ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْخُلْعَ كان بَاطِلًا على الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ كانت مُعْتَدَّةً أو لم تَكُنْ كَذَا هَهُنَا‏.‏

وَالْفِقْهُ أَنَّ وَقْتَ الْمَوْتِ إذَا لم يَكُنْ وَقْتَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا يُعْتَبَرُ فيه قِيَامُ الْمِلْكِ وَالْعِدَّةِ وَعَامَّةُ مَشَايِخِنَا قالوا إنَّ الْعِتْقَ أو الطَّلَاقَ يَقَعُ وَقْتَ الْمَوْتِ ثُمَّ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ إلَّا أَنَّهُ يَظْهَرُ أَنَّهُ كان وَاقِعًا من أَوَّلِ الشَّهْرِ وَوَجْهُهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ إلَّا بِمُقَدِّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ ما كان الدَّلِيلُ على وُجُودِهِ قَائِمًا يُجْعَلُ مَوْجُودًا في حَقِّ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ إقَامَةَ الدَّلِيلِ مَقَامَ الْمَدْلُولِ أَصْلٌ في الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخِطَابَ يَدُورُ مع دَلِيلِ الْقُدْرَةِ وَسَبَبِهَا دُونَ حَقِيقَةِ الْقُدْرَةِ وَمَعَ دَلِيلِ الْعِلْمِ وَسَبَبِهِ دُونَ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ حتى لَا يُعْذَرُ الْجَاهِلُ بِاَللَّهِ عز وجل لِقِيَامِ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ على وُجُودِ الصَّانِعِ وَلَا بِالشَّرَائِعِ عِنْدَ إمْكَانِ الْوُصُولِ إلَى مَعْرِفَتِهَا بِدَلِيلِهَا ثُمَّ الدَّلِيلُ وَإِنْ خَفِيَ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ يكتفي بِهِ إذَا كان مُمْكِنَ الْحُصُولِ في الْجُمْلَةِ إذْ الدَّلَائِلُ تَتَفَاوَتُ في نَفْسِهَا في الْجَلَاءِ وَالْخَفَاءِ وَالْمُسْتَدِلُّونَ أَيْضًا يَتَفَاوَتُونَ في الْغَبَاوَةِ وَالذَّكَاءِ فَالشَّرْعُ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ هذا التَّفَاوُتِ فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ لِأَصْلِ الْإِمْكَانِ في هذا الْباب وَأَمَّا ما كان الدَّلِيلُ في حَقِّهِ مُنْعَدِمًا فَهُوَ في حَقِّ الْأَحْكَامِ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ‏.‏

وإذا عُرِفَ هذا فَنَقُولُ الشَّهْرُ الذي يَمُوتُ فُلَانٌ في آخِرِهِ فَإِنْ اتَّصَفَ بِالتَّقَدُّمِ من وَقْتِ وُجُودِهِ لَكِنْ كان دَلِيلُ اتِّصَافِهِ مُنْعَدِمًا أَصْلًا فلم يَكُنْ لِهَذَا الِاتِّصَافِ عِدَّةٌ وَيَبْقَى مِلْكُ النِّكَاحِ إلَى آخِرِ جُزْءٍ من أَجْزَاءِ الشَّهْرِ فَيُعْلَمُ كَوْنُهُ مُتَقَدِّمًا على مَوْتِهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ اتِّصَافِ هذا الْجُزْءِ بِالتَّقَدُّمِ إنصاف ‏[‏اتصاف‏]‏ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ عليه إلَى تَمَامِ الشَّهْرِ وَلَا يَظْهَرُ أَنَّ دَلِيلَ الِاتِّصَافِ كان مَوْجُودًا في أَوَّلِ الشَّهْرِ إذْ الدَّلِيلُ هو آخِرُ جُزْءٍ من أَجْزَاءِ الشَّهْرِ وَوُجُودُ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ من الشَّهْرِ مُقَارِنًا لِأَوَّلِ الشَّهْرِ مُحَالٌ فلم يَكُنْ دَلِيلُ اتِّصَافِ الشَّهْرِ بِكَوْنِهِ مُتَقَدِّمًا مَوْجُودًا فلم يُعْتَبَرْ هذا الِاتِّصَافُ فَبَقِيَ مِلْكُ النِّكَاحِ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ فَيُحْكَمُ في هذا الْجُزْءِ بِكَوْنِهَا طَالِقًا‏.‏

وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهَا طَالِقًا في هذا الْجُزْءِ ثُبُوتُ الِانْطِلَاقِ من الْأَصْلِ لِأَنَّهَا تَكُونُ طَالِقًا بِذَلِكَ الطَّلَاقِ الْمُضَافِ إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ الْمَوْصُوفِ بِالتَّقَدُّمِ على الْمَوْتِ فَلِأَجْلِ هذه الضَّرُورَةِ حُكِمَ بِالطَّلَاقِ من أَوَّلِ الشَّهْرِ لَكِنْ بعدما كان النِّكَاحُ إلَى هذا الْوَقْتِ قَائِمًا لِعَدَمِ دَلِيلِ الِاتِّصَافِ بِالتَّقَدُّمِ على ما بَيَّنَّا ثُمَّ لَمَّا حُكِمَ بِكَوْنِهَا طَالِقًا لِلْحَالِ وَثَبَتَ الِانْطِلَاقُ فِيمَا مَضَى من أَوَّلِ الشَّهْرِ ضَرُورَةً جُعِلَ كَأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ لِلْحَالِ ثُمَّ بَعْدَ وُقُوعِهِ يَسْرِي إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ هَكَذَا يُوجِبُ ضَرُورَةَ ما بَيَّنَّا من الدَّلِيلِ وإذا جُعِلَ هَكَذَا يُخَرَّجُ عليه الْمَسَائِلُ أَمَّا الْعِدَّةُ فَإِنَّهَا تَجِبُ في آخِرِ جُزْءٍ من أَجْزَاءِ حَيَاةِ فُلَانٍ الْمَيِّتِ لِأَنَّهَا مِمَّا يُحْتَاطُ في إيجَابِهَا فَوَجَبَتْ لِلْحَالِ وَجُعِلَ كَأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ لِلْحَالِ‏.‏

وَأَمَّا الْخُلْعُ فَإِنْ كانت الْعِدَّةُ بَاقِيَةً وَقْتَ الْمَوْتِ لم يَصِحَّ وَإِنْ كانت مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ صَحَّ لِأَنَّهَا إذَا كانت بَاقِيَةً كان النِّكَاحُ بَاقِيًا من وَجْهٍ وَيُحْكَمُ بِبَقَائِهِ إلَى هذه الْحَالَةِ لِضَرُورَةِ عَدَمِ الدَّلِيلِ ثُمَّ يُحْكَمُ لِلْحَالِ بِكَوْنِهَا طَالِقًا بِذَلِكَ الطَّلَاقِ الْمُضَافِ وَسَرَى وَاسْتَنَدَ إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ عُلِمَ أَنَّهُ خَالَعَهَا وَهِيَ بَائِنَةٌ عنه فلم يَصِحَّ الْخُلْعُ وَيُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِرَدٍّ بَدَلِ الْخُلْعِ وإذا كانت مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ وَقْتَ الْمَوْتِ فَالنِّكَاحُ الذي كان يَبْقَى إلَى آخِرِ جُزْءٍ من أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ لِضَرُورَةِ عَدَمِ الدَّلِيلِ لَا يَبْقَى لِارْتِفَاعِهِ بِالْخُلْعِ فَبَقِيَ النِّكَاحُ إلَى وَقْتِ الْخُلْعِ ولم يَظْهَرْ أَنَّهُ كان مُرْتَفِعًا عِنْدَ الْخُلْعِ فَحُكِمَ بِصِحَّةِ الْخُلْعِ وَلَا يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِرَدِّ بَدَلِ الْخُلْعِ بِخِلَافِ ما إذَا قال إنْ كان زَيْدٌ في الدَّارِ لِأَنَّ دَلِيلَ الْوُقُوفِ على كَوْنِ زَيْدٍ في الدَّارِ مَوْجُودٌ حَالَةَ التَّكَلُّمِ فَانْعَقَدَ الطَّلَاقُ تَنْجِيزًا لو كان هو في الدَّارِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَوْجُودِ تَحَقَّقَ وَبِخِلَافِ ما إذَا قال إنْ كان حَمْلُ فُلَانَةَ غُلَامًا لِأَنَّ الْوَلَدَ في الْبَطْنِ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ في الْجُمْلَةِ على صِفَةِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فإنه ما من سَاعَةٍ إلَّا وَيَجُوزُ أَنْ يَسْقُطَ الْحَمْلُ فَانْعَقَدَ الطَّلَاقُ تَنْجِيزًا ثُمَّ عَلِمْنَا بَعْدَ ذلك‏.‏

وَبِخِلَافِ ما إذَا قال آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ مَاتَ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ على الثَّانِيَةِ من طَرِيقِ التَّبْيِينِ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمَّا تَزَوَّجَ الثَّانِيَةَ اتَّصَفَتْ بِكَوْنِهَا آخِرَ الْوُجُودِ حد ‏[‏حدا‏]‏ الآخر ‏[‏لآخر‏]‏ وهو الْفَرْدُ اللَّاحِقُ وَهِيَ فَرْدٌ وَهِيَ لَاحِقَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يقول امْرَأَتِي الْأُولَى وَامْرَأَتِي الْأَخِيرَةُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ لِلْحَالِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ بِثَالِثَةٍ فَتُسْلَبُ صِفَةُ الْآخِرِيَّةِ عن الثَّانِيَةِ فإذا مَاتَ قبل أَنْ يَتَزَوَّجَ بِثَالِثَةٍ تَقَرَّرَتْ صِفَةُ الْآخِرِيَّةِ لِلثَّانِيَةِ من الْأَصْلِ فَحُكِمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ من ذلك الْوَقْتِ وَهَهُنَا دَلِيلُ اتِّصَافِ الشَّهْرِ بِالتَّقَدُّمِ مُنْعَدِمٌ في أَوَّلِ الشَّهْرِ وما لَا دَلِيلَ عليه يُلْحَقُ بِالْعَدَمِ وهو هذا بِخِلَافِ ما إذَا قال لِامْرَأَتِهِ إنْ لم أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْتِ طَالِقٌ ولم يَتَزَوَّجْ حتى مَاتَ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ على امْرَأَتِهِ مُقْتَصِرًا على الْحَالِ لِأَنَّ هُنَاكَ عَلَّقَ الطَّلَاقَ صَرِيحًا بِعَدَمِ التَّزَوُّجِ وَالْعَدَمُ يَسْتَوْعِبُ الْعُمُرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو تَزَوَّجَ في الْعُمُرِ مَرَّةً لَا يُوصَفُ بِعَدَمِ التَّزَوُّجِ لِأَنَّ الْوُجُودَ قد تَحَقَّقَ وَالْعَدَمُ يُقَابِلُ الْوُجُودَ فَلَا يَتَحَقَّقُ مع الْوُجُودِ فَيَتِمُّ ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ يَنْزِلُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ بِتَمَامِهِ فَوَقَعَ مُقْتَصِرًا على حَالِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَأَمَّا هذا فَلَيْسَ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِشَرْطٍ بَلْ وهو إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى وَقْتٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ فَيَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الصِّفَةِ بِدَلِيلِهِ على التَّقْدِيرِ الذي ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ عز وجل الْمُوَفِّقُ‏.‏

وَلَوْ قال لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قبل مَوْتِي بِشَهْرٍ أو قبل مَوْتِك بِشَهْرٍ فَمَاتَ لِتَمَامِ الشَّهْرِ أو مَاتَتْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ يَقَعُ فَهُمَا فَرَّقَا بين الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَقَالَا الْعَتَاقُ يَقَعُ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا هذا تَصَرُّفُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالشَّرْطِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَنْزِلُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالزَّوْجُ بَعْدَ الْمَوْتِ ليس من أَهْلِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ وَلَا الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَوْتِهَا مَحَلٌّ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عليها بِخِلَافِ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ كما في التَّدْبِيرِ وَاَللَّهُ عز وجل أعلم‏.‏

وَلَوْ قال لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ قبل مَوْتِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ بِشَهْرٍ أو قبل قُدُومِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ بِشَهْرٍ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أو قَدِمَ قبل مُضِيِّ شَهْرٍ لَا يَعْتِقُ أَبَدًا لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى شَهْرٍ مَوْصُوفٍ بِالتَّقَدُّمِ على مَوْتَيْهِمَا أو قُدُومِهِمَا ولم يُوجَدْ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ بَعْدَ ذلك لِأَنَّهُ لو تَمَّ الشَّهْرُ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا أو قُدُومِ أَحَدِهِمَا كان مَوْصُوفًا بِالتَّقَدُّمِ على مَوْتِ أَحَدِهِمَا أو قُدُومِ أَحَدِهِمَا وهو ما أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى هذا الشَّهْرِ بَلْ إلَى شَهْرٍ مَوْصُوفٍ بِالتَّقَدُّمِ على مَوْتَيْهِمَا أو قُدُومِهِمَا جميعا وَهَذَا غَيْرُ ذَاكَ وَإِنْ مَضَى شَهْرٌ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَ الْعَبْدُ وَإِنْ لم يَمُتْ الْآخَرُ يعد بِخِلَافِ ما إذَا قال أنت حُرٌّ قبل قُدُومِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ بِشَهْرٍ ثُمَّ قَدِمَ أَحَدُهُمَا لِتَمَامِ الشَّهْرِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ ما لم يَقْدُمُ الْآخَرُ‏.‏

وَوَجْهُ الْفَرْقِ على ما بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وهو أَنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا تَحَقَّقَ كَوْنُ الشَّهْرِ سَابِقًا على مَوْتِهِمَا وإذا قَدِمَ أَحَدُهُمَا لم يَتَحَقَّقْ كَوْنُ الْأَوَّلِ سَابِقًا على قُدُومِهِمَا وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ وُجُودِ قُدُومِهِمَا جميعا فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَعْتِقَ ما لم يَمُوتَا جميعا في لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ فَكَذَا في الْقُدُومِ وهو قَوْلُ عَلِيٍّ الرَّازِيّ لِأَنَّ الْعِتْقَ أُضِيفَ إلَى شَهْرٍ مَوْصُوفٍ بِالتَّقَدُّمِ على مَوْتِهِمَا أو قُدُومُهُمَا مُتَّصِلٌ بِهِمَا لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى شَهْرٍ مُتَقَدِّمٍ على مَوْتِهِمَا أو قدومها ‏[‏قدومهما‏]‏ وَمَنْ ضَرُورَةِ ذلك وُجُودُ مَوْتِهِمَا أو قُدُومِهِمَا جميعا وَعِنْدَ ثُبُوتِ التَّرَاخِي فِيمَا بين الْمَوْتَيْنِ أو الْقَدُومَيْنِ يَكُونُ الْعِتْقُ وَاقِعًا قبل مَوْتِ أَحَدِهِمَا أو قُدُومِ أَحَدِهِمَا بِشَهْرٍ وَقَبْلَ مَوْتِ الْآخَرِ أو قُدُومِ الْآخَرِ بِشَهْرٍ وَأَنَّهُ خِلَافُ ما أَضَافَ فَلَا يَقَعُ بِخِلَافِ ما إذَا قال أنت حُرٌّ قبل يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى بِشَهْرٍ حَيْثُ يَعْتِقُ كما أَهَلَّ هِلَالُ رَمَضَانَ لِأَنَّ وُجُودَ وَقْتٍ مُتَّصِفٍ بِالتَّقَدُّمِ عَلَيْهِمَا بِشَهْرٍ مُسْتَحِيلٌ وَالْعَاقِلُ لَا يَقْصِدُ بِكَلَامِهِ الْمُسْتَحِيلَ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إضَافَةَ الْعِتْقِ إلَى وَقْتٍ مَوْصُوفٍ بِالتَّقَدُّمِ على أَحَدِ الْيَوْمَيْنِ بِشَهْرٍ وَعَلَى الْآخَرِ بِمُدَّةٍ غَيْرِ مُقَدَّرَةٍ وَفِيمَا نَحْنُ فيه لَا اسْتِحَالَةَ فَيُرَاعَى عَيْنُ ما أَضَافَ إلَيْهِ وُجُوبَ الِاسْتِحَالَةِ عن هذا أَنَّ الْأَصْلَ في أَحْكَامِ الشَّرْعِ أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ عَادَةً يَلْحَقُ بِالْمُسْتَحِيلِ حَقِيقَةً وَقُدُومُ شَخْصٍ في جُزْءٍ لَا يَتَجَزَّأُ من الزَّمَانِ بِحَيْثُ لَا يَتَقَدَّمُ أَحَدُهُمَا على صَاحِبِهِ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً وَكَذَا مَوْتُ شَخْصَيْنِ على هذا الْوَجْهِ وَالْجَوَابُ في الْمُسْتَحِيلِ حَقِيقَةً وهو مَسْأَلَةُ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى هَكَذَا فَكَذَا في الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً‏.‏

وَكَذَا لو قال أنت حُرٌّ قبل قُدُومِ فُلَانٍ وَمَوْتِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أو قَدِمَ أَحَدُهُمَا قبل مُضِيِّ الشَّهْرِ لَا يَعْتِقُ أَبَدًا لِمَا قُلْنَا وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لِتَمَامِ الشَّهْرِ لَا يَعْتِقُ حتى يَقْدُمَ الْآخَرُ وَإِنْ قَدِمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ عَتَقَ وَلَا يُنْتَظَرُ مَوْتُ الْآخَرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَدَلُّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَوْتَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَالْقُدُومُ مَوْهُومُ الْوُجُودِ وَلَوْ قال أنت حُرٌّ السَّاعَةَ إنْ كان في عِلْمِ اللَّهِ عز وجل أَنَّ فُلَانًا يَقْدُمُ إلَى شَهْرٍ فَهَذَا وَقَوْلُهُ قبل قُدُومِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بهذا عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى الْأَزَلِيُّ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ عز وجل وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ ظُهُورَ هذا الْقُدُومِ الْمَعْلُومِ لنا وقد يَظْهَرُ لنا وقد لَا يَظْهَرُ فَكَانَ شَرْطًا فَيُقْتَصَرُ الْعِتْقُ على حالة ‏[‏حال‏]‏ وُجُودِ الشَّرْطِ كما في سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ بِشُرُوطِهَا وَاَللَّهُ عز وجل أعلم‏.‏

وَلَوْ قال أنت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَكَاتَبَهُ في نِصْفِ الشَّهْرِ ثُمَّ مَاتَ لِتَمَامِ الشَّهْرِ فَإِنْ كان اسْتَوْفَى بَدَلَ الْكتابةِ ثُمَّ مَاتَ لِتَمَامِ الشَّهْرِ كان الْعِتْقُ حَاصِلًا بِجِهَةِ الْكتابةِ وَإِنْ كان لم يَسْتَوْفِ بَعْدُ بَدَلَ الْكتابةِ عَتَقَ بِالْإِعْتَاقِ السَّابِقِ وَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْكتابةِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَهَذَا يَدُلُّ على أَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ عِنْدَهُ وقال أبو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ أنه تَبْطُلُ الْكتابةُ من الْأَصْلِ سَوَاءٌ كان اسْتَوْفَى بَدَلَ الْكتابةِ أو لم يَسْتَوْفِ وهو قِيَاسُ قَوْلِ من يقول بِثُبُوتِ الْعِتْقِ من طَرِيقِ الظُّهُورِ الْمَحْضِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ من أَوَّلِ الشَّهْرِ فَيَتَبَيَّنَ أَنَّ الْكتابةَ لم تَصِحَّ وقد ذَكَرْنَا تَصْحِيحَ ما ذُكِرَ في الْكتاب وهو الْعِتْقُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَلَا نُعِيدُهُ وَعِنْدَهُمَا إنْ اسْتَوْفَى بَدَلَ الْكتابةِ فَالْأَمْرُ مَاضٍ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُمَا يَثْبُتُ مُقْتَصِرًا على حَالِ الْمَوْتِ وهو حُرٌّ في هذه الْحَالَةِ لِوُصُولِهِ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِسَبَبِ الْكتابةِ عِنْدَ أَدَاءِ الْبَدَلِ وَإِنْ كان لم يَسْتَوْفِ بَعْدُ بَدَلَ الْكتابةِ فَإِنْ كان الْعَبْدُ يَخْرُجُ من الثُّلُثِ عَتَقَ من جَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ لم يَكُنْ له مَالٌ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ بِالتَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ لِأَنَّ عِتْقَهُ عُلِّقَ بِمَوْتٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ قد يُوجَدُ على تِلْكَ الصِّفَةِ وقد لَا يُوجَدُ وَيَسْعَى في الْأَقَلِّ من ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَمِنْ جَمِيعِ بَدَلِ الْكتابةِ عِنْدَ أبي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْعَى في الْأَقَلِّ من ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكتابةِ وَمِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ‏.‏

وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ من دَبَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ كَاتَبَهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ له غَيْرُهُ يَعْتِقُ ثُلُثُهُ مَجَّانًا بِالتَّدْبِيرِ ثُمَّ يَسْعَى في الْأَقَلِّ من ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَمِنْ جَمِيعِ بَدَلِ الْكتابةِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ في الْأَقَلِّ من ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَمِنْ ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكتابةِ فَهَذَا على ذَاكَ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ يُخَيَّرُ بين أَنْ يَسْعَى في هذا وَبَيْنَ أَنْ يَسْعَى في ذَاكَ وَعِنْدَهُمَا يَسْعَى في الْأَقَلِّ منها بِدُونِ التَّخْيِيرِ ثُمَّ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ في مَسْأَلَةِ الْكتابةِ يَعْتَبِرُ صِحَّةَ الْمَالِكِ وَمَرَضِهِ في أَوَّلِ الشَّهْرِ هَكَذَا ذَكَرَ في النَّوَادِرِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُعْتَقًا من ذلك الْوَقْتِ وَقِيلَ هذا هو الْحِيلَةُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُدَبِّرَ عَبْدَهُ وَيَعْتِقَ من جَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ كان لَا يَخْرُجُ من الثُّلُثِ بِأَنْ يَقُولَ أنت حُرٌّ قبل مَوْتِي بِشَهْرٍ أو شَهْرَيْنِ أو ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أو ما شَاءَ من الْمُدَّةِ لِيَعْتِقَ من ذلك الْوَقْتِ وهو فيه صَحِيحٌ فَيَعْتِقُ من جَمِيعِ الْمَالِ وَعِنْدَهُمَا كَيْفَ ما كان يُعْتَبَرُ عِتْقُهُ من الثُّلُثِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عِنْدَهُمَا مُعْتَقًا بَعْدَ الْمَوْتِ وَاَللَّهُ عز وجل الْمُسْتَعَانُ‏.‏

وَأَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى وَقْتَيْنِ فَالْأَصْلُ فيه أَنَّ الْمُضَافَ إلَى وَقْتَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ آخِرِهِمَا وَالْمُضَافُ إلَى أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ غَيْرُ عَيْنٍ فَيَنْزِلُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَالْمُعَلَّقُ بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ غَيْرُ عَيْنٍ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا وَلَوْ جَمَعَ بين فِعْلٍ وَوَقْتٍ يَعْتَبِرُ فيه الْفِعْلَ وَيَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِهِ في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وروى عن أبي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا أَيُّهُمَا كان‏.‏ وَبَيَانُ هذه الْجُمْلَةِ إذَا قال لِعَبْدِهِ أنت حُرٌّ الْيَوْمَ وَغَدًا يُعْتَقُ في الْيَوْمِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْوَقْتَيْنِ جميعا ظَرْفًا لِلْعِتْقِ فَلَوْ تَوَقَّفَ وُقُوعُهُ على أَحَدِهِمَا لَكَانَ الظَّرْفُ وَاحِدًا لِوَقْتَيْنِ لَا كِلَاهُمَا وَأَنَّهُ إيقَاعُ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ لَا على الْوَجْهِ الذي أَوْقَعَهُ وَلَوْ قال أنت حُرٌّ الْيَوْمَ غَدًا أُعْتِقَ في الْيَوْمِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِعْتَاقَ إلَى الْيَوْمِ ثُمَّ وَصَفَ الْيَوْمَ بِأَنَّهُ غَدٌ وَأَنَّهُ مُحَالٌ وَيَبْطُلُ وَصْفُهُ وَبَقِيَتْ الْإِضَافَةُ إلَى الْيَوْمِ وَلَوْ قال أنت حُرٌّ غَدًا الْيَوِمَ يُعْتَقُ في الْغَدِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الْغَدِ وَوَصَفَ الْغَدَ بِالْيَوْمِ وهو مُحَالٌ فلم يَصِحَّ وَصْفُهُ وَبَقِيَتْ إضَافَتُهُ للمعتق ‏[‏العتق‏]‏ إلَى الْغَدِ فَيُعْتَقُ في الْغَدِ وَلَوْ قال أنت حُرٌّ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فما لم يُقْدِمَا جميعا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطَيْنِ فَلَا يَنْزِلُ إلَّا عِنْدَ آخِرِهِمَا إذْ لو نَزَلَ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا لَبَطَلَ التَّعْلِيقُ بِهِمَا وَلَكَانَ ذلك تَعْلِيقًا بِأَحَدِهِمَا وهو عَلَّقَ بِهِمَا جميعا لَا بِأَحَدِهِمَا‏.‏

وَلَوْ قال أنت حُرٌّ الْيَوْمَ أو غَدًا يُعْتَقُ في الْغَدِ لِأَنَّهُ جَعَلَ أَحَدَ الْوَقْتَيْنِ ظَرْفًا فَلَوْ عَتَقَ في الْيَوْمِ لَكَانَ الْوَقْتَانِ جميعا ظَرْفًا وَهَذَا خِلَافُ تَصَرُّفِهِ وَلَوْ قال أنت حُرٌّ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أو غَدًا فَإِنْ قَدِمَ فُلَانٌ قبل مجىء ‏[‏مجيء‏]‏ الْغَدِ عَتَقَ وَإِنْ جاء الْغَدُ قبل قُدُومِ فُلَانٍ لَا يُعْتَقُ ما لم يَقْدُمْ في جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عن أبي يُوسُفَ أَنَّ أَيَّهُمَا سَبَقَ مجيؤه ‏[‏مجيئه‏]‏ يُعْتَقُ عِنْدَ مَجِيئِهِ وَالْأَصْلُ فيه أَنَّهُ ذَكَرَ شَرْطًا وَوَقْتًا في تَصَرُّفٍ وَاحِدٍ وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِمَا بين التَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ وَبَيْنَ الْإِضَافَةِ إلَى وَقْتٍ من التَّنَافِي فَلَا بُدَّ من اعْتِبَارِ أَحَدِهِمَا وَتَرْجِيحِهِ على الْآخَرِ فَأَبُو يُوسُفَ رَجَّحَ جَانِبَ الشَّرْطِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا وَالظَّرْفُ قد يَصْلُحُ شَرْطًا فَكَانَ الرُّجْحَانُ لِجَانِبِ الشَّرْطِ فَاعْتَبَرَهُ تَعْلِيقًا بِأَحَدِ الشَّرْطَيْنِ فَيَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ أَوَّلِهِمَا أنهما ‏[‏أيهما‏]‏ كان كما إذَا نَصَّ على ذلك وَنَحْنُ رَجَّحْنَا السَّابِقَ مِنْهُمَا في اعْتِبَارِ التَّعْلِيقِ وَالْإِضَافَةِ فَإِنْ كان الْفِعْلُ هو السَّابِقُ يَعْتَبِرُ التَّصَرُّفَ تَعْلِيقًا وَاعْتِبَارُهُ تَعْلِيقًا يَقْتَضِي نُزُولَ الْعِتْقِ عِنْدَ أَوَّلِ الشَّرْطَيْنِ كما إذَا عَلَّقَهُ بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ نَصًّا وَإِنْ كان الْوَقْتُ هو السَّابِقُ يَعْتَبِرُ إضَافَتَهُ وَاعْتِبَارُهَا يَقْتَضِي نُزُولَ الْعِتْقِ عِنْدَ آخِرِ الْوَقْتَيْنِ كما إذَا أَضَافَ إلَى آخِرِ الْوَقْتَيْنِ نَصًّا وَاَللَّهُ عز وجل أعلم‏.‏

وَأَمَّا الذي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرُّكْنِ فَهُوَ ما ذَكَرْنَا في الطَّلَاقِ وهو أَنْ يَكُونَ الرُّكْنُ عَارِيًّا عن الِاسْتِثْنَاءِ رَأْسًا كَيْفَمَا كان الِاسْتِثْنَاءُ وَضْعِيًّا كان أو عُرْفِيًّا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَالْكَلَامُ في الِاسْتِثْنَاءِ في الْعَتَاقِ وَبَيَانِ أَنْوَاعِهِ وَمَاهِيَّةِ كل نَوْعٍ وَشَرَائِطِ صِحَّتِهِ على نَحْوِ الْكَلَامِ في باب الطَّلَاقِ وقد ذَكَرْنَا ذلك كُلَّهُ في كتاب الطَّلَاقِ وَلَا يَخْتَلِفَانِ إلَّا في شَيْءٍ وَاحِدٍ وهو أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْعَدَدِ في الطَّلَاقِ وَلَا يُتَصَوَّرُ في الْعَتَاقِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ذُو عَدَدٍ فَيُتَصَوَّرُ فيه اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْعَدَدِ وَالْعِتْقُ لَا عَدَدَ له فَلَا يُتَصَوَّرُ فيه اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْعَدَدِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ الْمَلْفُوظَةِ نحو أَنْ يَقُولَ لِعَبِيدِهِ أَنْتُمْ أَحْرَارٌ إلَّا سَالِمًا لِأَنَّ نَصَّ الِاسْتِثْنَاءِ مع نَصِّ الْمُسْتَثْنَى منه تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي وَلَوْ اسْتَثْنَى عِتْقَ بَعْضِ الْعَبْدِ يَصِحُّ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا بِنَاءً على أَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءُ الْبَعْضِ من الْكُلِّ فَيَصِحُّ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ من الْكُلِّ فَلَا يَصِحُّ‏.‏

وَذَكَرَ ابن سِمَاعَةَ في نَوَادِرِهِ عن مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قال غُلَامَايَ حُرَّانِ سَالِمٌ وَبَرِيعٌ إلَّا بَرِيعًا أَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ ذَكَرَ جُمْلَةً ثُمَّ فصلهَا بِقَوْلِهِ سَالِمٌ وَبَرِيعٌ فَانْصَرَفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجُمْلَةِ الملفوظة ‏[‏الملفوظ‏]‏ بها فَكَانَ اسْتِثْنَاءُ الْبَعْضِ من الْجُمْلَةِ المفوظة ‏[‏الملفوظة‏]‏ فَصَحَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ما إذَا قال سَالِمٌ حُرٌّ وَبَرِيعٌ إلَّا سَالِمًا لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ كان هذا اسْتِثْنَاءً عن كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَكَانَ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ من الْكُلِّ فَلَا يَصِحُّ وَلَوْ قال أنت حُرٌّ وَحُرٌّ إن شاء الله تعالى‏.‏ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ‏.‏ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أن هذا كَلَامٌ وَاحِدٌ مَعْطُوفٌ بَعْضُهُ على بَعْضٍ بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَلَا يَقَعُ بِهِ الْفصل بين الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى منه كما لو قال أنت حُرٌّ لِلَّهِ إن شاء الله تعالى‏.‏

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أن قَوْلَهُ حُرٌّ وَحُرٌّ لَغْوٌ لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ فَكَانَ فَاصِلًا بِمَنْزِلَةِ السُّكُوتِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أنت حُرٌّ لِلَّهِ إن شاء الله تعالى‏.‏ لأن قوله لله تَعَالَى ليس بِلَغْوٍ فَلَا يَكُونُ فَاصِلًا وَرَوَى ابن سِمَاعَةَ في نَوَادِرِهِ عن مُحَمَّدٍ في رَجُلٍ له خَمْسَةٌ من الرَّقِيقِ فقال عَشْرَةٌ من مَمَالِيكِي إلَّا وَاحِدًا أَحْرَارٌ أَنَّهُ يُعْتِقُ الْخَمْسَةَ جميعا لِأَنَّهُ لَمَّا قال عَشْرَةٌ من مَمَالِيكِي أَحْرَارٌ إلَّا وَاحِدًا فَقَدْ اسْتَثْنَى الْوَاحِدَ من الْعَشَرَةِ وَالِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي فَصَارَ كَأَنَّهُ قال تِسْعَةٌ من مَمَالِيكِي أَحْرَارٌ وَلَهُ خَمْسَةٌ وَلَوْ قال ذلك عَتَقُوا جميعا كَذَا هذا‏.‏

وَلَوْ قال مَمَالِيكِي الْعَشَرَةُ أَحْرَارٌ إلَّا وَاحِدًا عَتَقَ منهم أَرْبَعَةً لِأَنَّ هذا رَجُلٌ ذَكَرَ مَمَالِيكَهُ وَغَلَطَ في عَدَدِهِمْ بِقَوْلِهِ الْعَشَرَةُ فَيَلْغُو هذا الْقَوْلُ وَيَبْقَى قَوْلُهُ مَمَالِيكِي أَحْرَارٌ إلَّا وَاحِدًا وَلَوْ قال ذلك وَلَهُ خَمْسَةُ مَمَالِيكَ يُعْتِقُ أَرْبَعَةً منهم كَذَا هذا وَاَللَّهُ عز وجل أعلم‏.‏