فصل: فصل أركان الصلاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***


فصل أركان الصلاة

وَأَمَّا أَرْكَانُهَا فَسِتَّةٌ منها الْقِيَامُ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مُتَرَكِّب من مَعَانٍ مُتَغَايِرَةٍ يَنْطَلِقُ اسْمُ الْمُرَكَّبِ عليها عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا كان كُلُّ مَعْنًى منها رُكْنًا لِلْمُرَكَّبِ كَأَرْكَانِ الْبَيْتِ في الْمَحْسُوسَاتِ وَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ في باب الْبَيْعِ في الْمَشْرُوعَاتِ وَكُلُّ ما يَتَغَيَّرُ الشَّيْءُ بِهِ وَلَا يَنْطَلِقُ عليه اسْمُ ذلك الشَّيْءِ كان شَرْطًا كَالشُّهُودِ في باب النِّكَاحِ فَهَذَا تَعْرِيفُ الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ بِالتَّحْدِيدِ وَأَمَّا تَعْرِيفُهُمَا بِالْعَلَامَةِ في هذا الْباب فَهُوَ أَنَّ كُلَّ ما يَدُومُ من ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ إلَى انْتِهَائِهَا كان شَرْطًا وما يَنْقَضِي ثُمَّ يُوجَدُ غَيْرُهُ فَهُوَ رُكْنٌ وقد وُجِدَ حَدُّ الرُّكْنِ وَعَلَامَتُهُ في الْقِيَامِ لِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ مع الْمَعَانِي الْأُخَرِ من الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَنْطَلِقُ عليها اسْمُ الصَّلَاةِ وَكَذَا لَا يَدُومُ من أَوَّلِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهَا بَلْ يَنْقَضِي ثُمَّ يُوجَدُ غَيْرُهُ فَكَانَ رُكْنًا وقال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ‏}‏ وَالْمُرَادُ منه الْقِيَامُ في الصَّلَاةِ وَمِنْهَا الرُّكُوعُ وَمِنْهَا السُّجُودُ لِوُجُودِ حَدِّ الرُّكْنِ وَعَلَامَتِهِ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وقال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا‏}‏ وَالْقَدْرُ الْمَفْرُوضُ من الرُّكُوعِ أَصْلُ الِانْحِنَاءِ وَالْمَيْلِ وَمِنْ السُّجُودِ أَصْلُ الْوَضْعِ فَأَمَّا الطُّمَأْنِينَةُ عَلَيْهِمَا فَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ فَرْضٌ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَلَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ تَعْدِيلَ الْأَرْكَانِ ليس بِفَرْضٍ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ فَرْضٌ وَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ ذِكْرِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَذِكْرِ سُنَنِهَا إن شاء الله تعالى‏.‏

وَاخْتُلِفَ في مَحَلِّ إقَامَةِ فَرْضِ السُّجُودِ قال أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ هو بَعْضُ الْوَجْهِ وقال زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ السُّجُودُ فَرْضٌ على الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَاحْتَجَّا بِمَا رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ على سَبْعَةِ أَعْظُمٍ وفي رواية‏:‏ على سَبْعَةِ آرَابٍ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ بِالسُّجُودِ مُطْلَقًا من غَيْرِ تَعْيِينِ عُضْوٍ ثُمَّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ على تَعْيِينِ بَعْضِ الْوَجْهِ فَلَا يَجُوزُ تَعْيِينُ غَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْكتاب بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَنَحْمِلُهُ على بَيَانِ السُّنَّةِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ في ذلك الْبَعْضِ قال أبو حَنِيفَةَ هو الْجَبْهَةُ أو الْأَنْفُ غير عَيْنٍ حتى لو وَضَعَ أَحَدَهُمَا في حَالَةِ الِاخْتِيَارِ يُجْزِيهِ غير أَنَّهُ لو وَضَعَ الْجَبْهَةَ وَحْدَهَا جَازَ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَلَوْ وَضَعَ الْأَنْفَ وَحْدَهُ يَجُوزُ مع الْكَرَاهَةِ‏.‏

وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هو الْجَبْهَةُ على التَّعْيِينِ حتى لو تَرَكَ السُّجُودَ عليها حَالَ الِاخْتِيَارِ لَا يُجْزِيهِ وَأَجْمَعُوا على أَنَّهُ لو وَضَعَ الْأَنْفَ وَحْدَهُ في حَالِ الْعُذْرِ يُجْزِيهِ وَلَا خِلَافَ في أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ هو الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا حَالَةَ الِاخْتِيَارِ احْتَجَّا بِمَا رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال مَكِّنْ جَبْهَتَكَ وَأَنْفَكَ من الْأَرْضِ أَمَرَ بِوَضْعِهِمَا جميعا إلَّا أَنَّهُ إذَا وَضَعَ الْجَبْهَةَ وَحْدَهَا وَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ لِأَنَّ الْجَبْهَةَ هِيَ الْأَصْلُ في الْباب وَالْأَنْفُ تَابِعٌ وَلَا عِبْرَةَ لِفَوَاتِ التَّابِعِ عِنْدَ وُجُودِ الْأَصْلِ وَلِأَنَّهُ أتى بِالْأَكْثَرِ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هو السُّجُودُ مُطْلَقًا عن التَّعْيِينِ ثُمَّ قام الدَّلِيلُ على تَعْيِينِ بَعْضِ الْوَجْهِ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَنَا لِإِجْمَاعِنَا على أَنَّ ما سِوَى الْوَجْهِ وما سِوَى هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ من الْوَجْهِ غَيْرُ مُرَادٍ وَالْأَنْفُ بَعْضُ الْوَجْهِ كَالْجَبْهَةِ وَلَا إجْمَاعَ على تَعْيِينِ الْجَبْهَةِ فَلَا يَجُوزُ تَعْيِينُهَا وَتَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْكتاب بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْكتاب فَنَحْمِلُهُ على بَيَانِ السُّنَّةِ احْتِرَازًا عن الرَّدِّ وَالله أعلم‏.‏

هذا إذَا كان قَادِرًا على ذلك فَأَمَّا إذَا كان عَاجِزًا عنه فَإِنْ كان عَجْزُهُ عنه بِسَبَبِ الْمَرَضِ بِأَنْ كان مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ على الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَسْقُطُ عنه لِأَنَّ الْعَاجِزَ عن الْفِعْلِ لَا يُكَلَّفُ بِهِ وَكَذَا إذَا خَافَ زِيَادَةَ الْعِلَّةِ من ذلك لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَفِيهِ أَيْضًا حَرَجٌ فإذا عَجَزَ عن الْقِيَامِ يُصَلِّي قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَإِنْ عَجَزَ عن الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ من الرُّكُوعِ فَإِنْ عَجَزَ عن الْقُعُودِ يَسْتَلْقِي ويومىء ‏[‏ويومئ‏]‏ إيمَاءً لِأَنَّ السُّقُوطَ لِمَكَانِ الْعُذْرِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْعُذْرِ وَالْأَصْلُ فيه قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ‏}‏قِيلَ الْمُرَادُ من الذِّكْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ في الْآيَةِ هو الصَّلَاةُ أَيْ صَلُّوا وَنَزَلَتْ الْآيَةُ في رُخْصَةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّهُ يُصَلِّي قامئا ‏[‏قائما‏]‏ إنْ اسْتَطَاعَ وَإِلَّا فَقَاعِدًا وَإِلَّا فَمُضْطَجِعًا كَذَا رُوِيَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَرُوِيَ عن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال مَرِضْتُ فَعَادَنِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لم تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لم تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِكَ تومىء ‏[‏تومئ‏]‏ إيمَاءً وَإِنَّمَا جُعِلَ السُّجُودُ أَخْفَضَ من الرُّكُوعِ في الْإِيمَاءِ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ أُقِيمَ مَقَامَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَحَدَهُمَا أَخْفَضُ من الْآخَرِ كَذَا الْإِيمَاءُ بِهِمَا‏.‏

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في صَلَاةِ الْمَرِيضِ إنْ لم يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ من رُكُوعِهِ وَرُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال من لم يَقْدِرْ على السُّجُودِ فَلْيَجْعَلْ سُجُودَهُ رُكُوعًا وَرُكُوعَهُ إيمَاءً وَالرُّكُوعُ أَخْفَضُ من الْإِيمَاءِ ثُمَّ ما ذَكَرْنَا من الصَّلَاةِ مُسْتَلْقِيًا جَوَابُ الْمَشْهُورِ من الرِّوَايَاتِ وَرُوِيَ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ عن الْقُعُودِ يُصَلِّي على شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وهو مَذْهَبُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَجْهُ هذا الْقَوْلِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَعَلَى جُنُوبِكُمْ‏}‏ وَقَوْلُهُ لِعِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ فَعَلَى جَنْبِكَ تومىء ‏[‏تومئ‏]‏ إيمَاءً وَلِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمَا قُلْنَا وَلِهَذَا يُوضَعُ في اللَّحْدِ هَكَذَا لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ فَأَمَّا الْمُسْتَلْقِي يَكُونُ مُسْتَقْبِلَ السَّمَاءِ وَإِنَّمَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ رِجْلَاهُ فَقَطْ وَلَنَا ما رُوِيَ عن ابْنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال في الْمَرِيضِ إنْ لم يَسْتَطِعْ قَاعِدًا فَعَلَى الْقَفَا يومىء إيمَاءً فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَاَللَّهُ أَوْلَى بِقَبُولِ الْعُذْرِ وَلِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْقِبْلَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ فَرْضٌ وَذَلِكَ في الِاسْتِلْقَاءِ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ هو تَحْرِيكُ الرَّأْسِ فإذا صلى مُسْتَلْقِيًا يَقَعُ إيمَاؤُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وإذا صلى على الْجَنْبِ يَقَعُ مُنْحَرِفًا عنها وَلَا يَجُوزُ الِانْحِرَافُ عن الْقِبْلَةِ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَخْذَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَوْلَى وَقِيلَ إنَّ الْمَرَضَ الذي كان بِعِمْرَانَ كان بَاسُورًا فَكَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَلْقِيَ على قَفَاهُ وَالْمُرَادُ من الْآيَةِ الِاضْطِجَاعُ يُقَالُ فُلَانٌ وَضَعَ جَنْبَهُ إذَا نَامَ وَإِنْ كان مُسْتَلْقِيًا وهو الْجَوَابُ عن التَّعَلُّقِ بِالْحَدِيثِ‏.‏

على أَنَّ الْآيَةَ وَالْحَدِيثَ دَلِيلُنَا لِأَنَّ كُلَّ مُسْتَلْقٍ فَهُوَ مُسْتَلْقٍ على الْجَنْبِ لِأَنَّ الظَّهْرَ مُتَرَكِّبٌ من الضُّلُوعِ فَكَانَ له النِّصْفُ من الْجَنْبَيْنِ جميعا وَعَلَى ما يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ يَكُونُ على جَنْبٍ وَاحِدٍ فَكَانَ ما قُلْنَاهُ أَقْرَبَ إلَى مَعْنَى الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ فَكَانَ أَوْلَى وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَضْعِ في اللَّحْدِ لِأَنَّهُ ليس على الْمَيِّتِ في اللَّحْدِ فِعْلٌ يُوجِبُ تَوْجِيهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ لِيُوضَعَ مُسْتَلْقِيًا فَكَانَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ في الْوَضْعِ على الْجَنْبِ فَوُضِعَ كَذَلِكَ‏.‏

وَلَوْ قَدَرَ على الْقُعُودِ لَكِنْ نُزِعَ الْمَاءُ من عَيْنَيْهِ فَأُمِرَ أَنْ يَسْتَلْقِيَ أَيَّامًا على ظَهْرِهِ ونهى عن الْقُعُودِ وَالسُّجُودِ أَجْزَأَهُ أَنْ يَسْتَلْقِيَ وَيُصَلِّيَ بِالْإِيمَاءِ وقال مَالِكٌ لَا يُجْزِئُهُ وَاحْتُجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّ طَبِيبًا قال له بَعْدَمَا كُفَّ بَصَرُهُ لو صَبَرْتَ أَيَّامًا مُسْتَلْقِيًا صَحَّتْ عَيْنَاكَ فَشَاوَرَ عَائِشَةَ وَجَمَاعَةً من الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ فلم يُرَخِّصُوا له في ذلك وَقَالُوا له أَرَأَيْتَ لو مِتَّ في هذه الْأَيَّامِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِصَلَاتِكَ‏.‏

وَلَنَا إن حُرْمَةَ الْأَعْضَاء كَحُرْمَةِ النَّفْسِ وَلَوْ خَافَ على نَفْسِهِ من عَدُوٍّ أو سَبْعٍ لو قَعَدَ جَازَ له أَنْ يُصَلِّيَ بِالِاسْتِلْقَاءِ وكذا ‏[‏فكذا‏]‏ إذَا خَافَ على عَيْنَيْهِ وَتَأْوِيلُ حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ لم يَظْهَرْ لهم صِدْقُ ذلك الطَّبِيبِ فِيمَا يَدَّعِي ثُمَّ إذَا صلى الْمَرِيضُ قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ أو بِإِيمَاءٍ كَيْفَ يَقْعُدُ أَمَّا في حَالِ التَّشَهُّدِ فإنه يَجْلِسُ كما يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا في حَالِ الْقِرَاءَةِ وفي حَالِ الرُّكُوعِ رُوِيَ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْعُدُ كَيْفَ شَاءَ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ إنْ شَاءَ مُحْتَبِيًا وَإِنْ شَاءَ مُتَرَبِّعًا وَإِنْ شَاءَ على رُكْبَتَيْهِ كما في التَّشَهُّدِ‏.‏

وَرُوِيَ عن أبي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا افْتَتَحَ تَرَبَّعَ فإذا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ فَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عليها وَرُوِيَ عنه أَنَّهُ يَتَرَبَّعُ على حَالِهِ وَإِنَّمَا يُنْقَضُ ذلك إذَا أَرَادَ السَّجْدَةَ وقال زُفَرُ يَفْتَرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى في جَمِيعِ صَلَاتِهِ وَالصَّحِيحُ ما رُوِيَ عن أبي حَنِيفَةَ لِأَنَّ عُذْرَ الْمَرَضِ أَسْقَطَ عنه الْأَرْكَانَ فَلَأَنْ يُسْقِطَ عنه الهيآت ‏[‏الهيئات‏]‏ أَوْلَى وَإِنْ كان قَادِرًا على الْقِيَامِ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ وَإِنْ صلى قَائِمًا بِالْإِيمَاءِ أَجْزَأَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ له ذلك وقال زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُجْزِئهُ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا وَاحْتَجَّا بِمَا رَوَيْنَا عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال لِعِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ رضي اللَّهُ عنه فَإِنْ لم تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا عَلَّقَ الْجَوَازَ قَاعِدًا بِشَرْطِ الْعَجْزِ عن الْقِيَامِ وَلَا عَجْزَ وَلِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ مع الْقُدْرَةِ عليه كما لو كان قَادِرًا على الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ‏.‏

وَالْإِيمَاءُ حَالَةَ الْقِيَامِ مَشْرُوعٌ في الْجُمْلَةِ بِأَنْ كان الرَّجُلُ في طِينٍ وَرَدْغَةٍ رَاجِلًا أو في حَالَةِ الْخَوْفِ من الْعَدُوِّ وهو رَاجِلٌ فإنه يُصَلِّي قَائِمًا بِالْإِيمَاءِ كَذَا هَهُنَا وَلَنَا أَنَّ الْغَالِبَ إن من عَجَزَ عن الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كان عن الْقِيَامِ أَعْجَزَ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ من الْقُعُودِ إلَى الْقِيَامِ أَشَقُّ من الِانْتِقَالِ من الْقِيَامِ إلَى الرُّكُوعِ وَالْغَالِبُ مُلْحَقٌ بِالْمُتَيَقَّنِ في الْأَحْكَامِ فَصَارَ كَأَنَّهُ عَجَزَ عن الْأَمْرَيْنِ إلَّا أَنَّهُ مَتَى صلى قَائِمًا جَازَ لِأَنَّهُ تَكَلَّفَ فِعْلًا ليس عليه فَصَارَ كما لو تَكَلَّفَ الرُّكُوعَ جَازَ وَإِنْ لم يَكُنْ عليه كَذَا هَهُنَا وَلِأَنَّ السُّجُودَ أَصْلٌ وَسَائِرَ الْأَرْكَانِ كَالتَّابِعِ له وَلِهَذَا كان السُّجُودُ مُعْتَبَرًا بِدُونِ الْقِيَامِ كما في سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَلَيْسَ الْقِيَامُ مُعْتَبَرًا بِدُونِ السُّجُودِ بَلْ لم يُشْرَعْ بِدُونِهِ فإذا سَقَطَ الْأَصْلُ سَقَطَ التَّابِعُ ضَرُورَةً وَلِهَذَا سَقَطَ الرُّكُوعُ عَمَّنْ سَقَطَ عنه السُّجُودُ وَإِنْ كان قَادِرًا على الرُّكُوعِ وكان الرُّكُوعُ بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ له فَكَذَا الْقِيَامُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الرُّكُوعَ أَشَدُّ تَعْظِيمًا وَإِظْهَارًا لِذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ من الْقِيَامِ ثُمَّ لَمَّا جُعِلَ تَابِعًا له وَسَقَطَ بِسُقُوطِهِ فَالْقِيَامُ أَوْلَى إلَّا أَنَّهُ لو تَكَلَّفَ وَصَلَّى قَائِمًا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَكِنْ لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّ الْقِيَامَ بِدُونِ السُّجُودِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِخِلَافِ ما إذَا كان قَادِرًا على الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّهُ لم يَسْقُطْ عنه الْأَصْلُ فَكَذَا التَّابِعُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِهِ إنَّ الْعَجْزَ شَرْطٌ لَكِنَّهُ مَوْجُودٌ هَهُنَا نَظَرًا إلَى الْغَالِبِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْغَالِبَ هو الْعَجْزُ في هذه الْحَالَةِ وَالْقُدْرَةُ في غَايَةِ النُّدْرَةِ وَالنَّادِرُ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ ثُمَّ الْمَرِيضُ إنَّمَا يُفَارِقُ الصَّحِيحَ فِيمَا يَعْجِزُ عنه فَأَمَّا فِيمَا يَقْدِرُ عليه فَهُوَ كَالصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمُفَارَقَةَ لِلْعُذْرِ فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْعُذْرِ حتى لو صلى قبل وَقْتِهَا أو بِغَيْرِ وُضُوءٍ أو بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ عَمْدًا أو خَطَأً وهو يَقْدِرُ عليها ‏[‏عليهما‏]‏ لم يَجْزِهِ وَإِنْ عَجَزَ عنها أَوْمَأَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ فَتَسْقُطُ بِالْعَجْزِ كَالْقِيَامِ‏.‏

أَلَا تَرَى أنها سَقَطَتْ في حَقِّ الْأُمِّيِّ وَكَذَا إذَا صلى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ مُتَعَمِّدًا لِذَلِكَ لم يُجْزِهِ وَإِنْ كان ذلك خَطَأً منه أَجْزَأَهُ بِأَنْ اشْتَبَهَتْ عليه الْقِبْلَةُ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ من يَسْأَلُهُ عنها فَتَحَرَّى وَصَلَّى ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ كما في حَقِّ الصَّحِيحِ وَإِنْ كان وَجْهُ الْمَرِيضِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وهو لَا يَجِدُ من يُحَوِّلُ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا يَقْدِرُ على ذلك بِنَفْسِهِ يُصَلِّي كَذَلِكَ لِأَنَّهُ ليس في وُسْعِهِ إلَّا ذلك وَهَلْ يُعِيدُهَا إذَا برىء رُوِيَ عن مُحَمَّدِ بن مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ أَنَّهُ يُعِيدُهَا وَأَمَّا في ظَاهِرِ الْجَوَابِ فَلَا إعَادَةَ عليه لِأَنَّ الْعَجْزَ عن تَحْصِيلِ الشَّرَائِطِ لَا يَكُونُ فَوْقَ الْعَجْزِ عن تَحْصِيلِ الْأَرْكَانِ وَثَمَّةَ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ فَهَهُنَا أَوْلَى وَلَوْ كان بِجَبْهَتِهِ جُرْحٌ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ على الْجَبْهَةِ لم يُجْزِهِ الْإِيمَاءُ وَعَلَيْهِ السُّجُودُ على الْأَنْفِ لِأَنَّ الْأَنْفَ مَسْجِدٌ كَالْجَبْهَةِ خُصُوصًا عِنْدَ الضَّرُورَةِ على ما مَرَّ وهو قَادِرٌ على السُّجُودِ عليه فَلَا يُجْزِئُهُ الْإِيمَاءُ وَلَوْ عَجَزَ عن الْإِيمَاءِ وهو تَحْرِيكُ الرَّأْسِ فَلَا شَيْءَ عليه عِنْدَنَا‏.‏

وقال زُفَرُ يومىء بِالْحَاجِبَيْنِ أَوَّلًا فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْعَيْنَيْنِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ وقال الْحَسَنُ بن زِيَادٍ يومىء بِعَيْنَيْهِ وَبِحَاجِبَيْهِ وَلَا يومىء بِقَلْبِهِ وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الصَّلَاةَ فَرْضٌ دَائِمٌ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْعَجْزِ فما عَجَزَ عنه يَسْقُطُ وما قَدَرَ عليه يَلْزَمُهُ بِقَدْرِهِ فإذا قَدَرَ بِالْحَاجِبَيْنِ كان الْإِيمَاءُ بِهِمَا أَوْلَى لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ إلَى الرَّأْسِ فَإِنْ عَجَزَ الْآنَ يومىء بِعَيْنَيْهِ لِأَنَّهُمَا من الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ وَجَمِيعُ الْبَدَنِ ذُو حَظٍّ من هذه الْعِبَادَةِ فكذا الْعَيْنَانِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْقَلْبِ لِأَنَّهُ في الْجُمْلَةِ ذُو حَظٍّ من هذه الْعِبَادَةِ وهو النِّيَّةُ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطُ صِحَّتِهَا فَعِنْدَ الْعَجْزِ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ الْحَسَنِ أَنَّ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ تُؤَدَّى بِالْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ فَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَلَيْسَ بِذِي حَظٍّ من أَرْكَانِهَا بَلْ هو ذُو حَظٍّ من الشَّرْطِ وهو النِّيَّةُ وَهِيَ قَائِمَةٌ أَيْضًا عِنْدَ الْإِيمَاءِ فَلَا يُؤَدَّى بِهِ الْأَرْكَانُ وَالشَّرْطُ جميعا‏.‏

وَلَنَا ما رُوِيَ عن ابْنِ عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في الْمَرِيضِ إنْ لم يَسْتَطِعْ قَاعِدًا فَعَلَى الْقَفَا يومىء إيمَاءً فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَاَللَّهُ أَوْلَى بِقَبُولِ الْعُذْرِ أَخْبَرَ النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَعْذُورٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى في هذه الْحَالَةِ فَلَوْ كان عليه الْإِيمَاءُ بِمَا ذَكَرْتُمْ لَمَا كان مَعْذُورًا وَلِأَنَّ الْإِيمَاءَ ليس بِصَلَاةٍ حَقِيقَةٍ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّنَفُّلُ بِهِ في حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَلَوْ كان صَلَاةً لَجَازَ كما لو تَنَفَّلَ قَاعِدًا إلَّا أَنَّهُ أُقِيمَ مَقَامَ الصَّلَاةِ بِالشَّرْعِ وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِالْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ فَلَا يُقَامُ غَيْرُهُ مُقَامَهُ ثُمَّ إذَا سَقَطَتْ عنه الصَّلَاةُ بِحُكْمِ الْعَجْزِ فَإِنْ مَاتَ من ذلك الْمَرَضِ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عليه لِأَنَّهُ لم يُدْرِكْ وَقْتَ الْقَضَاءِ وَأَمَّا إذَا برأ وصح فَإِنْ كان الْمَتْرُوكُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أو أَقَلَّ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كان أَكْثَرَ من ذلك فقال بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ أَيْضًا لِأَنَّ ذلك لَا يُعْجِزُهُ عن فَهْمِ الْخِطَابِ فَوَجَبَتْ عليه الصَّلَاةُ فَيُؤَاخَذُ بِقَضَائِهَا بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ لِأَنَّهُ يُعْجِزُهُ عن فَهْمِ الْخِطَابِ فَيَمْنَعُ الْوُجُوبَ عليه وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْفَوَائِتَ دَخَلَتْ في حَدِّ التَّكْرَارِ وقد فَاتَتْ لَا بِتَضْيِيعِهِ الْقُدْرَةَ بِقَصْدِهِ فَلَوْ وَجَبَ عليه قَضَاؤُهَا لَوَقَعَ في الْحَرَجِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَالَ لَا يَخْتَلِفُ بين الْعِلْمِ والجهل لِأَنَّ مَعْنَى الْحَرَجِ لَا يَخْتَلِفُ وَلِهَذَا سَقَطَتْ عن الْحَائِضِ وَإِنْ لم يَكُنْ الْحَيْضُ يُعْجِزُهَا عن فَهْمِ الْخِطَابِ وَعَلَى هذا إذَا أُغْمِيَ عليه يَوْمًا وَلَيْلَةً أو أَقَلَّ ثُمَّ أَفَاقَ قَضَى ما فَاتَهُ وَإِنْ كان أَكْثَرَ من يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا قَضَاءَ عليه عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا‏.‏ قال بِشْرٌ الْإِغْمَاءُ ليس بِمُسْقِطٍ حتى يَلْزَمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ الْإِغْمَاءِ وقال الشَّافِعِيُّ الْإِغْمَاءُ يُسْقِطُ إذَا اسْتَوْعَبَ وَقْتَ صَلَاةٍ كامل ‏[‏كاملا‏]‏ وَتُذْكَرُ هذه الْمَسَائِلُ في مَوْضِعٍ آخَرَ عِنْدَ بَيَانِ ما يُقْضَى من الصَّلَاةِ التي فَاتَتْ عن وَقْتِهَا وما لَا يُقْضَى منها إن شاء الله تعالى‏.‏

وَلَوْ شَرَعَ في الصَّلَاةِ قَاعِدًا وهو مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ وَقَدَرَ على الْقِيَامِ فَإِنْ كان شُرُوعُهُ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ بنى في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُف اسْتِحْسَانًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْتَقْبِلُ قِيَاسًا بِنَاءً على أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ الْقَائِمَ لَا يَقْتَدِي بِالْقَاعِدِ فَكَذَا لَا يَبْنِي آخر ‏[‏أول‏]‏ صَلَاتِهِ على أولها ‏[‏آخرها‏]‏ في حَقِّ نَفْسِهِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فَيَجُوزُ الْبِنَاءُ وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي في مَوْضِعِهَا وَإِنْ كان شُرُوعُهُ بِالْإِيمَاءِ يَسْتَقْبِلُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَبْنِي لِأَنَّ من أَصْلِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الرَّاكِعِ السَّاجِدِ بالمومىء ‏[‏بالمومئ‏]‏ فَيَجُوزُ الْبِنَاءُ وَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فَلَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ على ما يُذْكَرُ وَأَمَّا الصَّحِيحُ إذَا شَرَعَ في الصَّلَاةِ ثُمَّ عَرَضَ له مَرَضٌ بَنَى على صَلَاتِهِ على حَسَبِ إمْكَانِهِ قَاعِدًا أو مُسْتَلْقِيًا في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا صَارَ إلَى الْإِيمَاءِ يَسْتَقْبِلُ لِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ مُخْتَلِفَانِ فِعْلًا فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُمَا بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ كَالظُّهْرِ مع الْعَصْرِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ بِنَاءَ آخِرِ الصَّلَاةِ على أَوَّلِ الصَّلَاةِ بِمَنْزِلَةِ بِنَاءِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي على صَلَاةِ الْإِمَامِ وَثَمَّةَ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ المومىء ‏[‏المومئ‏]‏ بِالصَّحِيحِ لِمَا يُذْكَرُ فَيَجُوزُ الْبِنَاءُ هَهُنَا وَلِأَنَّهُ لو بَنَى لَصَارَ مُؤَدِّيًا بَعْضَ الصَّلَاةِ كَامِلًا وَبَعْضَهَا نَاقِصًا وَلَوْ اسْتَقْبَلَ لَأَدَّى الْكُلَّ نَاقِصًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى‏.‏

وَلَوْ رُفِعَ إلَى وَجْهِ الْمَرِيضِ وِسَادَةٌ أو شَيْءٌ فَسَجَدَ عليه من غَيْرِ أَنْ يومىء لم يَجُزْ لِأَنَّ الْفَرْضَ في حَقِّهِ الْإِيمَاءُ ولم يُوجَدْ وَيُكْرَهُ أَنْ يُفْعَلَ هذا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مَرِيضٍ يَعُودُهُ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي كَذَلِكَ فقال إنْ قَدَرْتَ أَنْ تَسْجُدَ على الْأَرْضِ فَاسْجُدْ وَإِلَّا فَأَوْمِ بِرَأْسِكَ وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ دخل على أَخِيهِ يَعُودُهُ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي وَيُرْفَعُ إلَيْهِ عُودٌ فَيَسْجُدُ عليه فَنَزَعَ ذلك من يَدِ من كان في يَدِهِ وقال هذا شَيْءٌ عَرَضَ لَكُمْ الشَّيْطَانُ أَوْمِ لِسُجُودِك وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما رَأَى ذلك من مَرِيضٍ فقال أَتَتَّخِذُونَ مع اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى فَإِنْ فَعَلَ ذلك يُنْظَرْ إنْ كان يَخْفِضُ رَأْسَهُ لِلرُّكُوعِ شيئا ثُمَّ لِلسُّجُودِ ثُمَّ يُلْزَقُ بِجَبِينِهِ يَجُوزُ لِوُجُودِ الْإِيمَاءِ لَا لِلسُّجُودِ على ذلك الشَّيْءِ فَإِنْ كانت الْوِسَادَةُ مَوْضُوعَةً على الْأَرْضِ وكان يَسْجُدُ عليها جَازَتْ صَلَاتُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كانت تَسْجُدُ على مِرْفَقَةٍ مَوْضُوعَةٍ بين يَدَيْهَا لِرَمَدٍ بها ولم يَمْنَعْهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وَكَذَلِكَ الصَّحِيحُ إذَا كان على الرَّاحِلَةِ وهو خَارِجُ الْمِصْرِ وَبِهِ عُذْرٌ مَانِعٌ من النُّزُولِ عن الدَّابَّةِ من خَوْفِ الْعَدُوِّ أو السَّبُعِ أو كان في طِينٍ أو رَدْغَةٍ يُصَلِّي الْفَرْضَ على الدَّابَّةِ قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ من غَيْرِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ لِأَنَّ عِنْدَ اعْتِرَاضِ هذه الْأَعْذَارِ عَجَزَ عن تَحْصِيلِ هذه الْأَرْكَانِ من الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَصَارَ كما لو عَجَزَ بِسَبَبِ الْمَرَضِ ويومىء ‏[‏ويومئ‏]‏ إيمَاءً لِمَا رُوِيَ في حديث جَابِرٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يومىء على رَاحِلَتِهِ وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ من الرُّكُوعِ لِمَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ على الدَّابَّةِ بِجَمَاعَةٍ سَوَاءٌ تَقَدَّمَهُمْ الْإِمَامُ أو تَوَسَّطَهُمْ في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عن مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قال استحسن أَنْ يَجُوزَ اقْتِدَاؤُهُمْ بِالْإِمَامِ إذَا كانت دَوَابُّهُمْ بِالْقُرْبِ من دَابَّةِ الْإِمَامِ على وَجْهٍ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ فُرْجَةٌ إلَّا بِقَدْرِ الصَّفِّ بِالْقِيَاسِ على الصَّلَاةِ على الْأَرْضِ‏.‏ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمَكَانِ من شَرَائِطِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ لِيَثْبُتَ اتِّحَادُ الصَّلَاتَيْنِ تَقْدِيرًا بِوَاسِطَةِ اتِّحَادِ الْمَكَانِ وَهَذَا مُمْكِنٌ على الْأَرْضِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ جُعِلَ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ شَرْعًا وَكَذَا في الصَّحْرَاءِ تُجْعَلُ الْفُرُجُ التي بين الصُّفُوفِ مَكَانَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا تُشْغَلُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَيْضًا فَصَارَ الْمَكَانُ مُتَّحِدًا وَلَا يُمْكِنُ على الدَّابَّةِ لِأَنَّهُمْ يُصَلُّونَ عليها بِالْإِيمَاءِ من غَيْرِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ فلم تَكُنْ الْفُرَجُ إلى ‏[‏التي‏]‏ بين الصُّفُوفِ وَالدَّوَابِّ مَكَانَ الصَّلَاةِ فَلَا يَثْبُتُ اتِّحَادُ الْمَكَانِ تَقْدِيرًا فَفَاتَ شَرْطُ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فلم يَصِحَّ وَلَكِنْ تَجُوزُ صَلَاةُ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ حتى لو كَانَا على دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ في مَحْمَلٍ وَاحِدٍ أو في شِقَّيْ مَحْمَلٍ وَاحِدٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في شِقٍّ على حِدَةٍ فَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ جَازَ لِاتِّحَادِ الْمَكَانِ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ على أَيِّ دَابَّةٍ كانت سَوَاءٌ كانت مَأْكُولَةَ اللَّحْمِ أو غير مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلى على حِمَارِهِ وَبَعِيرِهِ وَلَوْ كان على سَرْجِهِ قَذَرٌ جَازَتْ صَلَاتُهُ كَذَا ذُكِرَ في الْأَصْلِ‏.‏

وَعَنْ أبي حَفْصٍ الْبُخَارِيِّ وَمُحَمَّدِ بن مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ أَنَّهُ إذَا كانت النَّجَاسَةُ في مَوْضِعِ الْجُلُوسِ أو في مَوْضِعٍ الرِّكَابَيْنِ أَكْثَرَ من قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالصَّلَاةِ على الْأَرْضِ وَأَوَّلَا الْعُذْرُ الْمَذْكُورُ في الْأَصْلِ بِالْعُرْفِ وَعِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا تَجُوزُ كما ذكر ‏[‏ذكرنا‏]‏ في الْأَصْلِ لِتَعْلِيلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله تعالى وهو قَوْلُهُ وَالدَّابَّةُ أَشَدُّ من ذلك وهو يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ما في بَطْنِهَا من النَّجَاسَاتِ أَكْثَرُ من هذا ثُمَّ إذَا لم يُمْنَعْ الْجَوَازُ فَهَذَا أَوْلَى وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْأَرْكَانِ الْأَصْلِيَّةِ بِالصَّلَاةِ عليها من الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مع أَنَّ الْأَرْكَانَ أَقْوَى من الشَّرَائِطِ فَلَأَنْ يَسْقُطَ شَرْطُ طَهَارَةِ الْمَكَانِ أَوْلَى وَلِأَنَّ طَهَارَةَ الْمَكَانِ إنَّمَا تُشْتَرَطُ لِأَدَاءِ الْأَرْكَانِ عليه وهو لَا يُؤَدِّي على مَوْضِعِ سَرْجِهِ وَرِكَابَيْهِ هَهُنَا رُكْنًا لِيَشْتَرِطَ طَهَارَتَهَا إنَّمَا الذي يُوجَدُ منه الْإِيمَاءُ وهو إشَارَةٌ في الْهَوَاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ له طَهَارَةُ مَوْضِعِ السَّرْجِ وَالرِّكَابَيْنِ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ على الدَّابَّةِ لِخَوْفِ الْعَدُوِّ كيف ما كانت الدَّابَّةُ وَاقِفَةً أو سَائِرَةً لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى السَّيْرِ فَأَمَّا لِعُذْرِ الطِّينِ وَالرَّدْغَةِ فَلَا يَجُوزُ إذَا كانت الدَّابَّةُ سَائِرَةً لِأَنَّ السَّيْرَ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ في الْأَصْلِ فَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ ولم تُوجَدْ وَلَوْ اسْتَطَاعَ النُّزُولَ ولم يَقْدِرْ على الْقُعُودِ لِلطِّينِ وَالرَّدْغَةِ يَنْزِلُ ويومىء ‏[‏ويومئ‏]‏ قَائِمًا على الْأَرْضِ وَإِنْ قَدَرَ على الْقُعُودِ ولم يَقْدِرْ على السُّجُودِ يَنْزِلُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَالله الموفق‏.‏ وَعَلَى هذا يَخْرُجُ الصَّلَاةُ في السَّفِينَةِ إذَا صلى فيها قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ أنه يَجُوزَ إذَا كان عَاجِزًا عن الْقِيَامِ وَالسَّفِينَةُ جَارِيَةٌ وَلَوْ قام يَدُورُ رَأْسُهُ وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ في الصَّلَاةِ في السَّفِينَةِ أَنَّ السَّفِينَةَ لَا تَخْلُو إما إنْ كانت وَاقِفَةً أو سَائِرَةً فَإِنْ كانت وَاقِفَةً في الْمَاءِ أو كانت مُسْتَقِرَّةً على الْأَرْضِ جَازَتْ الصَّلَاةُ فيها وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ منها لِأَنَّهَا إذَا اسْتَقَرَّتْ كان حُكْمُهَا حُكْمَ الْأَرْضِ وَلَا تَجُوزُ إلَّا قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ على تَحْصِيلِ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ وَإِنْ كانت مَرْبُوطَةً غير مُسْتَقِرَّةٍ على الْأَرْضِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ منها لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فيها قَاعِدًا لِأَنَّهَا إذَا لم تَكُنْ مُسْتَقِرَّةً على الْأَرْضِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّابَّةِ وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْفَرْضِ على الدَّابَّةِ مع إمْكَانِ النُّزُولِ كَذَا هذا وَإِنْ كانت سَائِرَةً فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ إلَى الشَّطِّ يُسْتَحَبُّ له الْخُرُوجُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَخَافُ دَوَرَانَ الرَّأْسِ في السَّفِينَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْقُعُودِ وهو آمِنٌ عن الدَّوْرَانِ في الشَّطِّ فَإِنْ لم يَخْرُجْ وَصَلَّى فيها قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَجْزَأَهُ لِمَا رُوِيَ عن ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قال صلى بِنَا أَنَسٌ رضي اللَّهُ عنه في السَّفِينَةِ قُعُودًا وَلَوْ شِئْنَا لَخَرَجْنَا إلَى الْحَدِّ وَلِأَنَّ السَّفِينَةَ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ لِأَنَّ سَيْرَهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مُنَافِيًا لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فإن سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهِ وإذا دَارَتْ السَّفِينَةُ وهو يُصَلِّي يَتَوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ حَيْثُ دَارَتْ لِأَنَّهُ قَادِرٌ على تَحْصِيلِ هذا الشَّرْطِ من غَيْرِ تَعَذُّرٍ فَيَجِبُ عليه تَحْصِيلُهُ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ فإن هُنَاكَ لَا إمْكَانَ وَأَمَّا إذَا صلى فيها قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَإِنْ كان عَاجِزًا عن الْقِيَامِ بِأَنْ كان يَعْلَمُ أَنَّهُ يَدُورُ رَأْسُهُ لو قام‏.‏

و‏[‏وعن‏]‏ ‏(‏عجز‏)‏ عن الْخُرُوجِ إلَى الشَّطِّ أَيْضًا يُجْزِئُهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ تَسْقُطُ بِعُذْرِ الْعَجْزِ وَإِنْ كان قَادِرًا على الْقُعُودِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ فصلى بِالْإِيمَاءِ لَا يُجْزِئُهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ وَأَمَّا إذَا كان قَادِرًا على الْقِيَامِ أو على الْخُرُوجِ إلَى الشَّطِّ فصلى قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَجْزَأَهُ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وقد أَسَاءَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يُجْزِئُهُ وَاحْتَجَّا بِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم فَإِنْ لم تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا وَهَذَا مُسْتَطِيعٌ لِلْقِيَامِ‏.‏

وَرُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ جَعْفَرَ بن أبي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنه إلَى الْحَبَشَةِ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ في السَّفِينَةِ قَائِمًا إلَّا أَنْ يَخَافَ الْغَرَقَ وَلِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ في الصَّلَاةِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِعُذْرٍ ولم يُوجَدْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ما رَوَيْنَا من حديث أَنَسٍ رضي اللَّهُ عنه وَذَكَرَ الْحَسَنُ بن زِيَادٍ في كتابهِ بِإِسْنَادِهِ عن سُوَيْد بن غَفَلَةَ أَنَّهُ قال سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما عن الصَّلَاةِ في السَّفِينَةِ فَقَالَا إنْ كانت جَارِيَةً يُصَلِّي قَاعِدًا وَإِنْ كانت رَاسِيَةً يُصَلِّي قَائِمًا من غَيْرِ فصل بين ما إذَا قَدَرَ على الْقِيَامِ أو لَا وَلِأَنَّ سَيْرَ السَّفِينَةِ سَبَبٌ لِدَوَرَانِ الرَّأْسِ غَالِبًا وَالسَّبَبَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُسَبِّبِ إذَا كان في الْوُقُوفِ على الْمُسَبِّبِ حَرَجٌ أو كان الْمُسَبِّبُ بِحَالٍ يَكُونُ عَدَمُهُ مع وُجُودِ السَّبَبِ في غَايَةِ النُّدْرَةِ فيلحق ‏[‏فألحقوا‏]‏ النَّادِرَ بِالْعَدَمِ وَلِهَذَا أَقَامَ أبو حَنِيفَةَ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ مَقَامَ خُرُوجِ الْمَذْيِ لِمَا أَنَّ عَدَمَ الْخُرُوجَ عِنْدَ ذلك نَادِرٌ وَلَا عِبْرَةَ بِالنَّادِرِ وَهَهُنَا عَدَمُ دَوْرَانِ الرَّأْسِ في غَايَةِ النُّدْرَةِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ وَصَارَ كَالرَّاكِبِ على الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْقِيَامُ لِتَعَذُّرِ الْقِيَامِ عليها غَالِبًا كَذَا هذا وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ على النَّدْبِ دُونَ الْوُجُوبِ فَإِنْ صَلَّوْا في السَّفِينَةِ بِجَمَاعَةٍ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ في سَفِينَةٍ أُخْرَى فَإِنْ كانت السَّفِينَتَانِ مَقْرُونَتَيْنِ جَازَ لِأَنَّهُمَا بِالِاقْتِرَانِ صَارَتَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَا في سَفِينَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ كَذَا هذا وَإِنْ كَانَتَا مُنْفصلتَيْنِ لم يَجُزْ لِأَنَّ تَخَلُّلَ ما بَيْنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ النَّهْرِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ كان الْإِمَامُ في سَفِينَةٍ وَالْمُقْتَدُونَ على الْحَدِّ وَالسَّفِينَةُ وَاقِفَةٌ فَإِنْ كان بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ طَرِيقٌ أو مِقْدَارُ نَهْرٍ عَظِيمٍ لم يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُمْ بِهِ لِأَنَّ الطَّرِيقَ وَمِثْلَ هذا النَّهْرِ يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ لِمَا بَيَّنَّا في مَوْضِعِهِ وَمَنْ وَقَفَ على سَطْحِ السَّفِينَةِ يَقْتَدِي بِالْإِمَامِ في السَّفِينَةِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَامَ الْإِمَامِ لِأَنَّ السَّفِينَةَ كَالْبَيْتِ وَاقْتِدَاءَ الْوَاقِفِ على السَّطْحِ بِمَنْ هو في الْبَيْتِ صَحِيحٌ إذَا لم يَكُنْ أَمَامَ الْإِمَامِ وَلَا يَخْفَى عليه حَالُهُ كَذَا هَهُنَا‏.‏

وَمِنْهَا الْقِرَاءَةُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِوُجُودِ حَدِّ الرُّكْنِ وَعَلَامَتِهِ وَهُمَا ما بَيَّنَّا وقال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فاقرؤوا ‏[‏فاقرءوا‏]‏ ما تَيَسَّرَ من الْقُرْآنِ‏}‏ وَالْمُرَادُ منه في حَالِ الصَّلَاةِ وَالْكَلَام في الْقِرَاءَةِ في الْأَصْلِ يَقَعُ في ثَلَاثِ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا في بَيَانِ فَرْضِيَّةِ أَصْلِ الْقِرَاءَةِ وَالثَّانِي في بَيَانِ مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالثَّالِثُ في بَيَانِ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ‏.‏

أما الْأَوَّلُ فَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ في الصَّلَاةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَ أبي بَكْرٍ الْأَصَمِّ وَسُفْيَانَ بن عُيَيْنَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ بِنَاءً على أَنَّ الصَّلَاةَ عِنْدَهُمَا اسْمٌ لِلْأَفْعَالِ لَا لِلْأَذْكَارِ حتى قَالَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ في الصَّلَاةِ من غَيْرِ تَكْبِيرٍ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَقِيمُوا الصَّلَاةَ‏}‏ مُجْمَلٌ بَيَّنَهُ النبي صلى الله عليه وسلم بِفِعْلِهِ ثُمَّ قال صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَالْمَرْئِيُّ هو الْأَفْعَالُ دُونَ الْأَقْوَالِ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ اسْمًا لِلْأَفْعَالِ وَلِهَذَا تَسْقُطُ الصلاة عن الْعَاجِزِ عن الْأَفْعَالِ وَإِنْ كان قَادِرًا على الْأَذْكَارِ وَلَوْ كان على الْقَلْبِ لَا يَسْقُطُ وهو الْأَخْرَسُ‏.‏

وَلَنَا قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فاقرؤوا ‏[‏فاقرءوا‏]‏ ما تَيَسَّرَ من الْقُرْآنِ‏}‏ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَقَوْلُ النبي صلى الله عليه وسلم لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَالرُّؤْيَةُ أُضِيفَتْ إلَى ذَاتِهِ لَا إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَقْتَضِي كَوْنَ الصَّلَاةِ مَرْئِيَّةً وفي كَوْنِ الْأَعْرَاضِ مَرْئِيَّةً اخْتِلَافٌ بين أَهْلِ الْكَلَامِ مع اتِّفَاقِهِمْ على أنها جَائِزَةُ الرُّؤْيَةِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ جَائِزُ الرُّؤْيَةِ يُعْرَفُ ذلك في مَسَائِلِ الْكَلَامِ‏.‏

على أَنَّا نَجْمَعُ بين الدَّلَائِلِ فَنُثْبِتُ فَرْضِيَّةَ الْأَقْوَالِ بِمَا ذَكَرْنَا وَفَرْضِيَّةَ الْأَفْعَالِ بهذا الحديث وَسُقُوطُ الصَّلَاةِ عن الْعَاجِزِ عن الْأَفْعَالِ لِكَوْنِ الْأَفْعَالِ أَكْثَرَ من الْأَقْوَالِ فَمَنْ عَجَزَ عنها فَقَدْ عَجَزَ عن الْأَكْثَرِ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ َكَذَا الْقِرَاءَةُ فَرْض في الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ قال لَا قِرَاءَةَ في الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِظَاهِرِ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ أَيْ ليس فيها قِرَاءَةٌ إذْ الْأَعْجَمُ اسْمٌ لِمَنْ لَا يَنْطِقُ وَلَنَا ما تَلَوْنَا من الْكتاب وَرَوَيْنَا من السُّنَّةِ وفي الْباب نَصٌّ خَاصٌّ وهو ما رُوِيَ عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي اللَّهُ عنه وَأَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيَّيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يَقْرَأُ في صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ في الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكتاب وَسُورَةٍ وفي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكتاب لَا غَيْرُ وما رُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما فَقَدْ صَحَّ رُجُوعُهُ عنه فإنه روى أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ وقال أَقْرَأُ خَلْفَ إمَامِي فقال أَمَّا في صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَنَعَمْ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ قال الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مَعْنَاهُ لَا تَسْمَعُ فيها قِرَاءَةً وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَهَذَا إذَا كان إمَامًا أو مُنْفَرِدًا فَأَمَّا الْمُقْتَدِي فَلَا قِرَاءَةَ عليه عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكتاب في كل صَلَاةٍ يُخَافِتُ فيها بِالْقِرَاءَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَهُ في الصَّلَاةِ التي يُجْهَرُ فيها بِالْقِرَاءَةِ قَوْلَانِ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ صَلَاةً على حِدَةٍ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ في الصَّلَاةِ فَلَا تَسْقُطُ بِالِاقْتِدَاءِ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وإذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا له وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏ أَمْرٌ بِالِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعُ وَإِنْ لم يَكُنْ مُمْكِنًا عِنْدَ الْمُخَافَتَةِ بِالْقِرَاءَةِ فَالْإِنْصَاتُ مُمْكِنٌ فَيَجِبُ بِظَاهِرِ النَّصِّ‏.‏

وَعَنْ أُبَيِّ بن كَعْبٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال لَمَّا نَزَلَتْ هذه الْآيَةُ تَرَكُوا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ وأمامهم كان رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كان بِأَمْرِهِ وقال في حَدِيثٍ مَشْهُورٍ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عليه فإذا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وإذا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا الْحَدِيثُ أَمْرٌ بِالسُّكُوتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَعِنْدَنَا لَا صَلَاةَ بِدُونِ قِرَاءَةٍ أَصْلًا وَصَلَاةُ الْمُقْتَدِي لَيْسَتْ صلاة ‏[‏بصلاة‏]‏ بِدُونِ قِرَاءَةٍ أَصْلًا بَلْ هِيَ صَلَاةٌ بِقِرَاءَةٍ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ على أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لِلْمُقْتَدِي قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان له إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ له قِرَاءَةٌ‏.‏

ثُمَّ الْمَفْرُوضُ هو أَصْلُ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا من غَيْرِ تَعْيِينٍ فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ عَيْنًا في الْأُولَيَيْنِ فَلَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ وَلَكِنَّهَا وَاجِبَةٌ على ما يُذْكَرُ في بَيَانِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا بَيَانُ مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ فَمَحَلُّهَا الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ عَيْنًا في الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ هو الصَّحِيحُ من مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وقال بَعْضُهُمْ رَكْعَتَانِ منها غَيْرُ عَيْنٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ وَأَشَارَ في الْأَصْلِ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فإنه قال إذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ في الْأُولَيَيْنِ يَقْضِيهَا في الْأُخْرَيَيْنِ فَقَدْ جَعَلَ الْقِرَاءَةَ في الْأُخْرَيَيْنِ قَضَاءً عن الْأُولَيَيْنِ فَدَلَّ أَنَّ مَحَلَّهَا الْأُولَيَانِ عَيْنًا وقال الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ الْمَفْرُوضُ هو الْقِرَاءَةُ في رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وقال مَالِكٌ في ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وقال الشَّافِعِيُّ في كل رَكْعَةٍ احْتَجَّ الْحَسَنُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فاقرؤوا ‏[‏فاقرءوا‏]‏ ما تَيَسَّرَ من الْقُرْآنِ‏}‏ وَالْأَمْرُ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فإذا قَرَأَ في رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَدْ امْتَثَلَ أَمْرَ الشَّرْعِ وقال النبي صلى الله عليه وسلم لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ أَثْبَتَ الصَّلَاةَ بِقِرَاءَةٍ وقد وُجِدَتْ الْقِرَاءَةُ في رَكْعَةٍ فَثَبَتَتْ الصَّلَاةُ ضَرُورَةً‏.‏

وَبِهَذَا يَحْتَجُّ الشَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّهُ يقول اسْمُ الصَّلَاةِ يَنْطَلِقُ على كل رَكْعَةٍ فَلَا تَجُوزُ كُلُّ رَكْعَةٍ إلَّا بِقِرَاءَةٍ لِقَوْلِهِ لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ في كل رَكْعَةٍ فَرْضٌ في النَّفْلِ فَفِي الْفَرْضِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْوَى وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ من أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ثُمَّ سَائِرُ الْأَرْكَانِ من الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَرْضٌ في كل رَكْعَةٍ فَكَذَا الْقِرَاءَةُ وَبِهَذَا يَحْتَجُّ مَالِكٌ إلَّا أَنَّهُ يقول الْقِرَاءَةُ في الْأَكْثَرِ أقيم ‏[‏أقيمت‏]‏ مَقَامَ الْقِرَاءَةِ في الْكُلِّ تَيْسِيرًا‏.‏

وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ فإن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه تَرَكَ الْقِرَاءَةَ في الْمَغْرِبِ في إحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَقَضَاهَا في الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ وَجَهَرَ وَعُثْمَانُ رضي اللَّهُ عنه تَرَكَ الْقِرَاءَةَ في الْأُولَيَيْنِ من صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَقَضَاهَا في الْأُخْرَيَيْنِ وَجَهَرَ وَعَلِيٌّ وابن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنهما كَانَا يَقُولَانِ الْمُصَلِّي بِالْخِيَارِ في الْأُخْرَيَيْنِ إنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ وَسَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها عن قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ في الْأُخْرَيَيْنِ فقالت لِيَكُنْ على وَجْهِ الثَّنَاءِ ولم يُرْوَ عن غَيْرِهِمْ خِلَافُ ذلك فَيَكُونُ ذلك إجْمَاعًا وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ في الْأُخْرَيَيْنِ ذِكْرٌ يُخَافِتُ بها على كل حَالٍ فَلَا تَكُونُ فَرْضًا كَثَنَاءِ الِافْتِتَاحِ هذا لِأَنَّ مَبْنَى الْأَرْكَانِ على الشُّهْرَةِ وَالظُّهُورِ وَلَوْ كانت الْقِرَاءَةُ في الْأُخْرَيَيْنِ فَرْضًا لَمَا خَالَفَتْ الْأُخْرَيَانِ الْأُولَيَيْنِ في الصِّفَةِ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَأَمَّا الْآيَةُ فَنَحْنُ ما عَرَفْنَا فَرْضِيَّةَ الْقِرَاءَةِ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ بل بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ على ما ذَكَرْنَاهُ وَالثَّانِي إنا ما عَرَفْنَا فَرْضِيَّتَهَا بِنَصِّ الْأَمْرِ بَلْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ تَكْرَارٌ لِلْأُولَى وَالتَّكْرَارُ في الْأَفْعَالِ إعَادَةٌ مِثْلُ الْأَوَّلِ فَيَقْتَضِي إعَادَةَ الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ الشَّفْعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ ليس بِتَكْرَارِ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ بَلْ هو زِيَادَةٌ عليه قالت عَائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها الصَّلَاةُ في الْأَصْلِ رَكْعَتَانِ زِيدَتْ في الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ في السَّفَرِ وَالزِّيَادَةُ على الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مثله وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الشَّفْعَانِ في وَصْفِ الْقِرَاءَةِ من حَيْثُ الْجَهْرُ وَالْإِخْفَاءُ وفي قَدْرِهَا وهو قِرَاءَةُ السُّورَةِ فلم يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال على أَنَّ في الْكتاب وَالسُّنَّةِ بَيَانَ فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ وَلَيْسَ فِيهِمَا بَيَانُ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ وقد خَرَجَ فِعْلُ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ على مِقْدَارٍ فَيُجْعَلُ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْكتاب وَالسُّنَّةِ بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ من التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ على حِدَةٍ حتى أَنَّ فَسَادَ الشَّفْعِ الثَّانِي لَا يُوجِبُ فَسَادَ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْفَرْضِ وَالله أعلم‏.‏وَأَمَّا في الْأُخْرَيَيْنِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكتاب وَلَوْ سَبَّحَ في كل رَكْعَةٍ ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ مَكَانَ فَاتِحَةِ الْكتاب أو سَكَتَ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَلَا يَكُونُ مُسِيئًا إنْ كان عَامِدًا وَلَا سَهْوَ عليه إنْ كان سَاهِيًا كَذَا رَوَى أبو يُوسُفَ عن أبي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بين قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالسُّكُوتِ وَهَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وهو قَوْلُ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وروى الْحَسَنُ عن أبي حَنِيفَةَ في غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ عَامِدًا كان مُسِيئًا وَإِنْ كان سَاهِيًا فَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا رَوَيْنَا عن عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ إنَّ الْمُصَلِّيَ بِالْخِيَارِ في الْأُخْرَيَيْنِ إنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ وَهَذَا باب لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ فَالْمَرْوِيُّ عنهما كَالْمَرْوِيِّ عن النبي صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا بَيَانُ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فَالْكَلَامُ فيه يَقَعُ في ثلاث مَوَاضِعَ أَحَدُهَا في بَيَانِ الْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ الذي يَتَعَلَّقُ بِهِ أَصْلُ الْجَوَازِ وَالثَّانِي في بَيَانِ الْقَدْرِ الذي يَخْرُجُ بِهِ عن حَدِّ الْكَرَاهَةِ وَالثَّالِثُ في بَيَانِ الْقَدْرِ الْمُسْتَحَبِّ أَمَّا الْكَلَامُ فِيمَا يُسْتَحَبُّ من الْقِرَاءَةِ وَفِيمَا يُكْرَهُ فَنَذْكُرُهُ في مَوْضِعِهِ وَهَهُنَا نَذْكُرُ الْقَدْرَ الذي يَتَعَلَّقُ بِهِ أَصْلُ الْجَوَاز‏.‏

وَعَنْ أبي حَنِيفَةَ فيه ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَدَّرَ أَدْنَى الْمَفْرُوضِ بِالْآيَةِ التَّامَّةِ طَوِيلَةً كانت أو قَصِيرَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مُدْهَامَّتَانِ‏}‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ نَظَرَ‏}‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ‏}‏ وفي رواية‏:‏ الْفَرْضُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بَلْ هو على أَدْنَى ما يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ سَوَاءٌ كانت آيَةً أو ما دُونَهَا بَعْدَ أَنْ قَرَأَهَا على قَصْدِ الْقِرَاءَةِ وفي رواية‏:‏ قُدِّرَ الْفَرْضُ بِآيَةٍ طَوِيلَةٍ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآيَةِ الدَّيْنِ أو ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ وَبِهِ أَخَذَ أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فاقرؤوا ‏[‏فاقرءوا‏]‏ ما تَيَسَّرَ من الْقُرْآنِ‏}‏ فَهُمَا يَعْتَبِرَانِ الْعُرْفَ وَيَقُولَانِ مُطْلَقُ الْكَلَامِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَأَدْنَى ما يُسَمَّى الْمَرْءُ بِهِ قَارِئًا في الْعُرْفِ أَنْ يَقْرَأَ آيَةً طَوِيلَةً أو ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارٍ وأبو حَنِيفَةَ يَحْتَجُّ بِالْآيَةِ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَمْرٌ بِمُطْلَقِ الْقِرَاءَةِ وَقِرَاءَةُ آيَةٍ قَصِيرَةٍ قِرَاءَةٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ أَمْرٌ بِقِرَاءَةِ ما تَيَسَّرَ من الْقُرْآنِ وَعَسَى لَا يَتَيَسَّرُ إلَّا هذا الْقَدْرُ وما قَالَهُ أبو حَنِيفَةَ أَقْيَسُ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مَأْخُوذَةٌ من الْقُرْآنِ أَيْ الْجَمْعِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ السُّوَرَ فَيَضُمُّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَيُقَالُ قَرَأْتُ الشَّيْءَ قُرْآنًا أَيْ جَمَعْتُهُ فَكُلُّ شَيْءٍ جَمَعْتُهُ فَقَدْ قَرَأْتُهُ وقد حَصَلَ مَعْنَى الْجَمْعِ بهذا الْقَدْرِ لِاجْتِمَاعِ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ عِنْدَ التَّكَلُّمِ وَكَذَا الْعُرْفُ ثَابِتٌ فإن الْآيَةَ التَّامَّةَ أَدْنَى ما يَنْطَلِقُ عليه اسْمُ الْقُرْآنِ في الْعُرْفِ فَأَمَّا ما دُونَ الْآيَةِ فَقَدْ يُقْرَأُ لَا على سَبِيلِ الْقُرْآنِ فَيُقَالُ بِسْمِ اللَّهِ أو الْحَمْدُ لِلَّهِ أو سُبْحَانَ اللَّهِ فَلِذَلِكَ قَدَّرْنَا بِالْآيَةِ التَّامَّةِ‏.‏

على أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِتَسْمِيَتِهِ قَارِئًا في الْعُرْفِ لِأَنَّ هذا أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فلايعتبر فيه عُرْفُ الناس وقد قَرَّرَ الْقُدُورِيُّ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى وَهِيَ إن الْمَفْرُوضَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وقال الْمَفْرُوضُ مُطْلَقُ الْقِرَاءَةِ من غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَلِهَذَا يَحْرُمُ ما دُونَ الْآيَةِ على الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ إلَّا أَنَّهُ قد يَقْرَأُ لَا على قَصْدِ الْقُرْآنِ وَذَا لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ فإن الْآيَةَ التَّامَّةَ قد تُقْرَأُ لَا على قَصْدِ الْقُرْآنِ في الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ قد تُذْكَرُ لِافْتِتَاحِ الْأَعْمَالِ لَا لِقَصْدِ الْقُرْآنِ وَهِيَ آيَةٌ تَامَّةٌ وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا قَرَأَ على قَصْدِ الْقُرْآنِ فَيَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْجَوَازُ وَلَا يُعْتَبَرُ فيه الْعُرْفُ لِمَا بَيَّنَّا ثُمَّ الْجَوَازُ كما يَثْبُتُ بِالْقِرَاءَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ يَثْبُتُ بِالْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كان يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أو لَا يُحْسِنُ وقال أبو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ كان يُحْسِنُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كان لَا يُحْسِنُ يَجُوزُ وقال الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ أَحْسَنَ أو لم يُحْسِنْ وإذا لم يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ يُسَبِّحُ وَيُهَلِّلُ عِنْدَهُ وَلَا يَقْرَأُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فاقرؤوا ‏[‏فاقرءوا‏]‏ ما تَيَسَّرَ من الْقُرْآنِ‏}‏ أَمَرَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ في الصَّلَاةِ فَهُمْ قالوا إنَّ الْقُرْآنَ هو الْمُنَزَّلُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ قال اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا‏}‏ فَلَا يَكُونُ الْفَارِسِيُّ قُرْآنًا فَلَا يَخْرُجُ بِهِ عن عُهْدَةِ الْأَمْرِ وَلِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ وَالْإِعْجَازُ من حَيْثُ اللَّفْظُ يَزُولُ بِزَوَالِ النَّظْمِ الْعَرَبِيِّ فَلَا يَكُونُ الْفَارِسِيُّ قُرْآنًا لِانْعِدَامِ الْإِعْجَازِ وَلِهَذَا لم تُحَرَّمْ قِرَاءَتُهُ على الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ‏.‏

إلَّا إنه إذَا لم يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ فَقَدْ عَجَزَ عن مُرَاعَاةِ لَفْظِهِ فَيَجِبُ عليه مُرَاعَاةُ مَعْنَاهُ لِيَكُونَ التَّكْلِيفُ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله تعالى هذا ليس بِقُرْآنٍ فَلَا يُؤْمَرُ بِقِرَاءَتِهِ وأبو حَنِيفَةَ يقول إنَّ الْوَاجِبَ في الصَّلَاةِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ من حَيْثُ هو لَفْظٌ دَالٌّ على كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى الذي هو صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِهِ لِمَا يَتَضَمَّنُ من الْعِبَرِ وَالْمَوَاعِظِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالثَّنَاءِ وَالتَّعْظِيمِ لَا من حَيْثُ هو لَفْظٌ عَرَبِيٌّ وَمَعْنَى الدَّلَالَةِ عليه لَا يَخْتَلِفُ بين لَفْظٍ وَلَفْظٍ قال اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏إنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى‏}‏ وَمَعْلُومٌ إنه ما كان في كُتُبِهِمْ بهذا اللَّفْظِ بَلْ بهذا الْمَعْنَى وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ الْقُرْآنَ هو الْمُنَزَّلُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ فَالْجَوَابُ عنه من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا إن كَوْنَ الْعَرَبِيَّةِ قُرْآنًا لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهَا قُرْآنًا وَلَيْسَ في الْآيَةِ نَفْيُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَرَبِيَّةَ سُمِّيَتْ قُرْآنًا لِكَوْنِهَا دَلِيلًا على ما هو الْقُرْآن وَهِيَ الصِّفَةُ التي هِيَ حَقِيقَةُ الْكَلَامِ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ على إرَادَةِ تِلْكَ الصِّفَةِ دُونَ الْعِبَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ وَمَعْنَى الدَّلَالَةِ يُوجَدُ في الْفَارِسِيَّةِ فَجَازَ تَسْمِيَتُهَا قُرْآنًا دَلَّ عليه قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا‏}‏ أَخْبَرَ سبحانه وتعالى أَنَّهُ لو عَبَّرَ عنه بِلِسَانِ الْعَجَمِ كان قُرْآنًا وَالثَّانِي إنْ كان لَا يُسَمَّى غَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ قُرْآنًا لَكِنَّ قِرَاءَةَ الْعَرَبِيَّةَ ما وَجَبَتْ لِأَنَّهَا تُسَمَّى قُرْآنًا بَلْ لِكَوْنِهَا دَلِيلًا على ما هو الْقُرْآنُ الذي هو صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِاَللَّهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لو قَرَأَ عَرَبِيَّةً لَا يَتَأَدَّى بها كَلَامُ اللَّهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَضْلًا من أَنْ تَكُونَ قُرْآنًا وَاجِبًا وَمَعْنَى الدَّلَالَةِ لَا يَخْتَلِفُ فَلَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ وَالدَّلِيل على أَنَّ عِنْدَهُمَا تُفْتَرَضُ الْقِرَاءَةُ بِالْفَارِسِيَّةِ على غَيْرِ الْقَادِرِ على الْعَرَبِيَّةِ وَعُذْرُهُمَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِالْقُرْآنِ وأنه قُرْآنٌ عِنْدَهُمَا بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ‏.‏

دُونَ الْمَعْنَى فإذا زَالَ اللَّفْظُ لم يَكُنْ الْمَعْنَى قُرْآنًا فَلَا مَعْنَى لِلْإِيجَابِ وَمَعَ ذلك وَجَبَ فَدَلَّ أَنَّ الصَّحِيحَ ما ذَهَبَ إلَيْهِ أبو حَنِيفَةَ وَلِأَنَّ غير الْعَرَبِيَّةِ إذَا لم يَكُنْ قُرْآنًا لم يَكُنْ من كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ من كَلَامِ الناس وهو يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَالْقَوْلُ بِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِمَا هو مُفْسِدٌ غَيْرُ سَدِيدٍ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ الْإِعْجَازَ من حَيْثُ اللَّفْظُ لَا يَحْصُلُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَنَعَمْ لَكِنَّ قِرَاءَةَ ما هو مُعْجِزُ النَّظْمِ عِنْدَهُ ليس بِشَرْطٍ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ وَرَدَ بِمُطْلَقِ الْقِرَاءَةِ لَا بِقِرَاءَةِ ما هو مُعْجِزٌ وَلِهَذَا جَوَّزَ قِرَاءَةَ آيَةٍ قَصِيرَةٍ وَإِنْ لم تَكُنْ هِيَ مُعْجِزَةً ما لم تَبْلُغْ ثَلَاثَ آيَاتٍ وَفصل الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ مَمْنُوعٌ وَلَوْ قَرَأَ شيئا من التَّوْرَاةِ أو الْإِنْجِيلِ أو الزَّبُورِ في الصَّلَاةِ إنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّفٍ يَجُوزُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ لم يَتَيَقَّنْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عن تَحْرِيفِهِمْ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عن مَوَاضِعِهِ‏}‏ فَيُحْتَمَلُ إن الْمَقْرُوءَ مُحَرَّفٌ فَيَكُونُ من كَلَامِ الناس فَلَا يُحْكَمُ بِالْجَوَازِ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ وَعَلَى هذا الْخِلَافِ إذَا تَشَهَّدَ أو خَطَبَ يوم الْجُمُعَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَلَوْ أَمَّنَ بِالْفَارِسِيَّةِ أو سَمَّى عِنْدَ الذَّبْحِ بِالْفَارِسِيَّةِ أو لَبَّى عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْفَارِسِيَّةِ أو بِأَيِّ لِسَانٍ كان يَجُوزُ ِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ أَذَّنَ بِالْفَارِسِيَّةِ قِيلَ إنَّهُ على هذا الْخِلَافِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الْإِعْلَامُ حتى لو وَقَعَ بِهِ الْإِعْلَامُ يَجُوزُ وَالله أعلم‏.‏

وَمِنْهَا الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وقال مَالِكٌ أنها سُنَّةٌ وَجْهُ قَوْلِهِ إن اسْمَ الصَّلَاةِ لَا يَتَوَقَّفُ عليها أَلَا تَرَى إن من حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَقَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ يَحْنَثُ وَإِنْ لم يَقْعُدْ وَلَنَا ما رُوِيَ عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال لِلْأَعْرَابِيِّ الذي عَلَّمَهُ الصَّلَاةَ إذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ من آخِرِ السَّجْدَةِ وَقَعَدْتَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ عَلَّقَ تَمَامَ الصَّلَاةِ بِالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَأَرَادَ بِهِ تَمَامَ الْفَرَائِضِ إذْ لم يَتِمَّ أَصْلُ الْعِبَادَةِ بَعْدُ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا تَمَامَ قَبْلَهَا إذْ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عُدِمَ قبل وُجُودِ الشَّرْطِ وَرُوِيَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قام إلَى الْخَامِسَةِ فَسُبِّحَ بِهِ فَرَجَعَ وَلَوْ لم يَكُنْ فَرْضًا لَمَا رَجَعَ كما في الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَلِأَنَّ حَدَّ الرُّكْنِ مَوْجُودٌ فيها وهو ما ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا لم يَتَوَقَّفْ عليها اسْمُ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ من الْأَرْكَانِ الْأَصْلِيَّةِ التي تَتَرَكَّبُ منها الصَّلَاةُ على ما ذَكَرْنَا في أول الْكتاب لَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ من فَرَائِضِ الصَّلَاةِ ثُمَّ الْقَدْرُ الْمَفْرُوضُ من الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ هو قَدْرُ التَّشَهُّدِ حتى لو انْصَرَفَ قبل أَنْ يَجْلِسَ هذا الْقَدْرَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِمَا رُوِيَ عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ رضي اللَّهُ عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال إذَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ من السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ عَلَّقَ تَمَامَ الصَّلَاةِ بِالْقَعْدَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَدَلَّ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِهِ وَالله أعلم‏.‏

وَمِنْهَا الِانْتِقَالُ من رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الرُّكْنِ فَكَانَ في مَعْنَى الرُّكْنِ فَهَذِهِ السِّتَّةُ أَرْكَانُ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأُوَلَ من الْأَرْكَانِ الْأَصْلِيَّةِ دُونَ الْبَاقِيَتَيْنِ وقال بَعْضُهُمْ الْقَعْدَةُ من الْأَرْكَانِ الْأَصْلِيَّةِ أَيْضًا وَإِلَيْهِ مَالَ عِصَامُ بن يُوسُفَ وَوَجْهُهُ أنها فَرْضٌ تَنْعَدِمُ الصَّلَاةُ بِانْعِدَامِهَا كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَالصَّحِيحُ أنها لَيْسَتْ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ لِأَنَّ اسْمَ الصَّلَاةِ يَنْطَلِقُ على الْمُتَرَكِّبِ من الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ بِدُونِ الْقُعُودِ وَلِهَذَا يَتَوَجَّهُ النَّهْيُ عن الصَّلَاةِ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتَ غُرُوبِهَا وَوَقْتَ الزَّوَالِ وَلِهَذَا لو حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَقَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِالسَّجْدَةِ يَحْنَثُ وَإِنْ لم تُوجَدْ الْقَعْدَةُ وَلَوْ أتى بِمَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَا يَحْنَثُ وَلِأَنَّ الْقَعْدَةَ بِنَفْسِهَا غَيْرُ صَالِحَةٍ لِلْخِدْمَةِ لِأَنَّهَا من باب الِاسْتِرَاحَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ فَتَمَكَّنَ الْخَلَلُ في كَوْنِهَا رُكْنًا أَصْلِيًّا فلم تَكُنْ هِيَ من الْأَرْكَانِ الْأَصْلِيَّةِ لِلصَّلَاةِ وَإِنْ كانت من فُرُوضِهَا حتى لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا وَيُشْتَرَطُ لها ما يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ وأما التَّحْرِيمَةُ فَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ من أَصْحَابِنَا بَلْ هِيَ شَرْطٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رُكْنٌ وهو قَوْلُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا وَإِلَيْهِ مَالَ عِصَامُ بن يُوسُفَ وَعَلَى هذا الْخِلَافِ الْإِحْرَامُ في باب الْحَجِّ أَنَّهُ شَرْطٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ رُكْنٌ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ بِنَاءُ النَّفْلِ على الْفَرْضِ بِأَنْ يُحْرِمَ لِلْفَرْضِ وَيَفْرُغَ منه وَيَشْرَعَ في النَّفْلِ قبل التَّسْلِيمِ من غَيْرِ تَحْرِيمَةٍ جَدِيدَةٍ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ وَوَجْهُ الْبِنَاءِ على هذا الْأَصْلِ أَنَّ التَّحْرِيمَةَ لَمَّا كانت شَرْطًا جَازَ أَنْ يَتَأَدَّى النَّفَلُ بِتَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ كما يَتَأَدَّى بِطَهَارَةٍ وَقَعَتْ لِلْفَرْضِ وَعِنْدَهُ لَمَّا كانت رُكْنًا وقد انْقَضَى الْفَرْضُ بِأَرْكَانِهِ فَتَنْقَضِي التَّحْرِيمَةُ أَيْضًا وَجْهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ حَدَّ الرُّكْنِ مَوْجُودٌ فيها وهو ما ذَكَرْنَا وَكَذَا وُجِدَتْ عَلَامَةُ الْأَرْكَانِ فيها لِأَنَّهَا لَا تَدُومُ بَلْ تَنْقَضِي وَالدَّلِيلُ عليه أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا ما يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ بِخِلَافِ الشُّرُوطِ‏.‏

وَلَنَا قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فصلى‏}‏ عَطَفَ الصَّلَاةَ على الذِّكْرِ الذي هو التَّحْرِيمَةُ بِحَرْفِ التَّعْقِيبِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْآيَةِ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مُقْتَضَى الْعَطْفِ بِحَرْفِ التَّعْقِيبِ أَنْ تُوجَدَ الصَّلَاةُ عَقِيبَ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ كانت التَّحْرِيمَةُ رُكْنًا لَكَانَتْ الصَّلَاةُ مَوْجُودَةً عِنْدَ الذِّكْر لِاسْتِحَالَةِ انْعِدَامِ الشَّيْءِ في حَالِ وُجُودِ رُكْنِهِ وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ‏.‏ وَالثَّانِي أَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بين الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عليه وَلَوْ كانت التَّحْرِيمَةُ رُكْنًا لَا تتحقق ‏[‏يتحقق‏]‏ الْمُغَايَرَةُ لِأَنَّهَا تَكُونُ بَعْضَ الصَّلَاةِ وَبَعْضُ الشَّيْءِ ليس غَيْرُهُ إنْ لم يَكُنْ عَيْنَهُ وَكَذَا الْمَوْجُودُ فيها حَدَّ الشَّرْطِ لَا حَدُّ الرُّكْنِ فإنه يَعْتَبِرُ الصَّلَاةَ بها وَلَا يَنْطَلِقُ اسْمُ الصَّلَاةِ عليها مع سَائِرِ الشَّرَائِطِ فَكَانَتْ شَرْطًا وَكَذَا عَلَامَةُ الشُّرُوطِ فيها مَوْجُودَةٌ فَإِنَّهَا بَاقِيَةٌ بِبَقَاءِ حُكْمِهَا وهو وُجُوبُ الِانْزِجَارِ عن مَحْظُورَاتِ الصَّلَاةِ‏.‏

على أَنَّ الْعَلَامَةَ إذَا خَالَفَتْ الْحَدَّ لَا يَبْطُلُ بِهِ الْحَدُّ بَلْ يَظْهَرُ أَنَّ الْعَلَامَةَ كَاذِبَةٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ يُشْتَرَطُ لها ما يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ فَمَمْنُوعٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذلك لها بَلْ لِلْقِيَامِ الْمُتَّصِلِ بها وَالْقِيَامُ رُكْنٌ حتى أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ لَمَّا لم يَكُنْ مُتَّصِلًا بِالرُّكْنِ جَوَّزْنَا تَقْدِيمَهُ على الْوَقْتِ‏.‏