فصل: فصل بَيَانِ ما تَنْفَسِخُ بِهِ الْكتابةُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***


فصل بَيَانِ ما تَنْفَسِخُ بِهِ الْكتابةُ

وَأَمَّا بَيَانُ ما تَنْفَسِخُ بِهِ الْكتابةُ فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِالْإِقَالَةِ لِأَنَّهَا من التَّصَرُّفَاتِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلْفَسْخِ لِكَوْنِ الْمُعَاوَضَةِ فيها أَصْلًا فَتَجُوزُ إقَالَتُهَا كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ وَكَذَا تَنْفَسِخُ بِفَسْخِ الْعَبْدِ من غَيْرِ رِضَا الْمَوْلَى بِأَنْ يَقُولَ فَسَخْتُ الْمُكَاتَبَةَ أو كَسَرْتُهَا سَوَاءٌ كانت فَاسِدَةً أو صَحِيحَةً لِمَا ذَكَرْنَا أنها وَإِنْ كانت صَحِيحَةً فَإِنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ في جَانِبِ الْعَبْدِ نَظَرًا له فَيَمْلِكُ الْفَسْخَ من غَيْرِ رِضَا الْمَوْلَى وَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ من غَيْرِ رِضَا الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ في جَانِبِهِ وَهَلْ تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ أَمَّا بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَلَا تَنْفَسِخُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ إنْ كان له كَسْبٌ فيؤدي إلَى وَرَثَةِ الْمَوْلَى وَإِنْ لم يَكُنْ في يَدِهِ كَسْبٌ فَيَكْتَسِبُ وَيُؤَدِّي فَيَعْتِقُ فَكَانَ في بَقَاءِ الْعَقْدِ فَائِدَةٌ فَيَبْقَى وَإِنْ عَجَزَ عن الْكَسْبِ يَزُولُ إلَى الرِّقِّ كما لو كان الْمَوْلَى حَيًّا‏.‏

وإذا مَاتَ الْمَوْلَى فَأَدَّى الْمُكَاتَبُ مُكَاتَبَتَهُ أو بَقِيَّةً منها إلَى وَرَثَتِهِ وَعَتَقَ فَوَلَاؤُهُ يَكُونُ لِعَصَبَةِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ من الْمُعْتِقِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِمَا نَذْكُرُ في كتاب الْوَلَاءِ إن شاء الله تعالى‏.‏ وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَرُدَّ إلَى الرِّقِّ ثُمَّ كَاتَبَهُ الْوَرَثَةُ كتابةً أُخْرَى فَأَدَّى إلَيْهِمْ وَعَتَقَ فَوَلَاؤُهُ لِلْوَرَثَةِ على قَدْرِ موارثتهم ‏[‏مواريثهم‏]‏ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِإِعْتَاقِهِمْ فَكَانَ مَالُهُ مِيرَاثًا بَيْنَهُمْ إذْ الْوَلَاءُ يُورَثُ بِهِ إنْ كان لَا يُورَثُ نَفْسُهُ وإما بِمَوْتِ الْمُكَاتَبِ فَيُنْظَرُ إنْ مَاتَ عن وَفَاءٍ لَا يَنْفَسِخُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ‏.‏

وَإِنْ مَاتَ لَا عن وَفَاءٍ يَنْفَسِخْ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مَاتَ عَاجِزًا فَلَا فَائِدَةَ في بَقَاءِ الْعَقْدِ فَيَنْفَسِخُ ضَرُورَةً وَلَا يَنْفَسِخُ بِرِدَّةِ الْمَوْلَى بِأَنْ كَاتَبَ مُسْلِمٌ عَبْدَهُ ثُمَّ ارْتَدَّ الْمَوْلَى لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى حَقِيقَةً فَبِمَوْتِهِ حُكْمًا أَوْلَى أَنْ لَا يَنْفَسِخُ وَلِهَذَا لَا تَبْطُلُ سَائِرُ عُقُودِهِ بِالرِّدَّةِ كَذَا الْمُكَاتَبَةُ فَإِنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ بَدَلِ الْكتابةِ وهو مُرْتَدٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ جَازَ إقْرَارُهُ في قَوْلِهِمْ وَإِنْ قُتِلَ أو مَاتَ على الرِّدَّةِ لم يَجُزْ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ إذَا لم يُعْلَمْ إلَّا بِقَوْلِهِ بِنَاءً على أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ غَيْرُ نَافِذَةٍ عِنْدَهُ بَلْ هِيَ مَوْقُوفَةٌ وَإِنْ عُلِمَ ذلك بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ جَازَ قَبْضُهُ وَكَذَا يَجُوزُ لِلْمُرْتَدِّ أَخْذُ الدَّيْنِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ في كل ما وَلِيَهُ من التَّصَرُّفَاتِ كَذَا ذَكَرَ في الْأَصْلِ لِأَنَّ رِدَّتَهُ بِمَنْزِلَةِ عَزْلِ الْوَكِيلِ فَيَمْلِكُ قَبْضَ الدُّيُونِ التي وَجَبَتْ بِعَقْدِهِ كَالْوَكِيلِ الْمَعْزُولِ في باب الْبَيْعِ أَنَّهُ يَمْلِكُ قَبْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ الْعَزْلِ‏.‏

وَذَكَرَ في مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا يَجُوزُ قَبْضُ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ لِكَوْنِهِ من حُقُوقِ الْعَقْدِ وَحُقُوقُ هذا الْعَقْدِ وهو الْمُكَاتَبَةُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ فَلَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَأَمَّا على أَصْلِهِمَا فَإِقْرَارُهُ بِالْقَبْضِ جَائِزٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ عِنْدَهُمَا فَإِنْ لم يَقْبِضْ شيئا حتى لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَجَعَلَ الْقَاضِي مَالَهُ مِيرَاثًا بين وَرَثَتِهِ فَأَخَذُوا الْكَاتِبَةَ ثُمَّ رَجَعَ مُسْلِمًا فَوَلَاءُ الْعَبْدِ له لِأَنَّ رِدَّتَهُ مع لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ وَلَوْ دُفِعَ إلَى الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ كان الْوَلَاءُ له كَذَلِكَ هذا وَيَأْخُذُ من الْوَرَثَةِ ما قَبَضُوهُ منه إنْ وُجِدَ بِعَيْنِهِ كما في سَائِرِ أَمْلَاكِهِ التي وَجَدَهَا مع الْوَرَثَةِ بِأَعْيَانِهَا لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا قَبَضَ بِتَسْلِيطِ الْمُورِثِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَاَللَّهُ عز وجل أعلم‏.‏

كتاب الْوَلَاءِ

الْوَلَاءُ نَوْعَانِ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَوَلَاءُ مُوَالَاةٍ أَمَّا وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ فَلَا خِلَافَ في ثُبُوتِهِ شَرْعًا عَرَفْنَا ذلك بِالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَالْمَعْقُولِ أَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَهَذَا نَصٌّ وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ فَجَاءَ بِهِ إلَى رسول اللَّهِ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي اشْتَرَيْت هذا فَأَعْتَقْته فقال هو أَخُوك وَمَوْلَاك فَإِنْ شَكَرَك فَهُوَ خَيْرٌ له وَشَرٌّ لَك وَإِنْ كَفَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَك وَشَرٌّ له وَإِنْ مَاتَ ولم يَتْرُكْ وَارِثًا كُنْت أنت عَصَبَتَهُ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَهُ عَصَبَةً إذَا لم يَتْرُكْ وَارِثًا آخَرَ وَالثَّانِي أَنَّهُ جَعَلَ الْمُعْتَقَ مولى الْمُعْتِقِ بِقَوْلِهِ هو أَخُوك وَمَوْلَاك وَلَا يَكُونُ مَوْلَاهُ إلَّا وَأَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهُ له وَنَظِيرُ هذا الِاسْتِدْلَالِ اسْتِدْلَالُنَا بِقَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَاَللَّهُ خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ‏}‏ على تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ إرَادَةِ الْمَعْمُولِ من قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وما تَعْمَلُونَ‏}‏ في إثْبَاتِ خَلْقِ الْأَفْعَالِ من اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ وَخَلَقَ مَعْمُولَهُمْ وَلَا مَعْمُولَ بِدُونِ الْعَمَلِ فَيَدُلُّ على كَوْنِ مَخْلُوقَ اللَّهِ عز وجل وَقَوْلُهُ إنْ شَكَرَك فَهُوَ خَيْرٌ له لِأَنَّ الْمُعْتَقَ لَمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ عليه بِالْإِعْتَاقِ فَقَدْ وَجَبَ عليه الشُّكْرُ فإذا شَكَرَهُ فَقَدْ أَدَّى ما وَجَبَ عليه فَكَانَ خَيْرًا له‏.‏

وَقَوْلُهُ وَشَرٌّ لَك لِأَنَّهُ قد وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ من الْعِوَضِ فَأَوْجَبَ ذلك نُقْصَانًا في الثَّوَابِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ على عِوَضٍ فَكَانَ ثَوَابُهُ أَقَلَّ مِمَّنْ أَعْتَقَ ولم يَصِلْ إلَيْهِ على إعْتَاقِهِ عِوَضٌ دُنْيَوِيٌّ أَصْلًا وَرَأْسًا وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَفَرَك فَهُوَ خَيْرٌ لَك لِأَنَّ إعْتَاقَهُ إذَا خلى ‏[‏خلا‏]‏ عن عِوَضٍ دُنْيَوِيٍّ يَتَكَامَلُ ثَوَابُهُ في الْآخِرَةِ وَقَوْلُهُ وَشَرٌّ له لِأَنَّ شُكْرَ النِّعْمَةِ وَاجِبٌ عَقْلًا وَشَرْعًا فإذا لم يَشْكُرْهُ فَقَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ فَكَانَ شَرًّا له وَرُوِيَ أَنَّ مُعْتِقَ بِنْتِ حَمْزَةَ رضي اللَّهُ عنه مَاتَ وَتَرَكَ بِنْتًا فَجَعَلَ رسول اللَّهِ نِصْفَ مَالِهِ لِابْنَتِهِ وَالنِّصْفَ لِابْنَةِ حَمْزَةَ‏.‏

وَرُوِيَ عن عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودِ وَأُبَيُّ بن كَعْبٍ وَزَيْدِ بن ثَابِتٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَأُسَامَةَ بن زَيْدٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قالوا الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ فَاتِّفَاقُ هَؤُلَاءِ النُّجَبَاءِ من الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ على لَفْظٍ وَاحِدٍ بِدَلِيلِ سَمَاعِهِمْ ذلك عن رسول اللَّهِ مع ما أن هذا حُكْمٌ لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ فَالظَّاهِرُ قَوْلُ السَّمَاعِ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ هذا الحديث في أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ إن شاء الله تعالى‏.‏

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فإن الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ على ثُبُوتِ هذا الْوَلَاءِ‏.‏ وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْإِعْتَاقَ إنْعَامٌ إذْ الْمُعْتِقُ أَنْعَمَ على الْمُعْتَقِ بِإِيصَالِهِ إلَى شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ وَلِهَذَا سمى الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ مولى النِّعْمَةِ في عُرْفِ الشَّرْعِ وَكَذَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى إنْعَامًا فقال عز وجل في زَيْدٍ مولى رسول اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عليه وَأَنْعَمْتَ عليه‏}‏ قِيلَ في التَّفْسِيرِ أَنْعَمَ اللَّهُ عليه بِالْإِسْلَامِ وَأَنْعَمْت عليه بِالْإِعْتَاقِ فَجُعِلَ كَسْبُهُ عِنْدَ اسْتِغْنَائِهِ عنه لِمَوْلَاهُ شُكْرًا لِإِنْعَامِهِ السَّابِقِ وَلِهَذَا لَا يَرِثُ الْمُعْتَقُ من الْمُعْتِقِ‏.‏

وَالثَّانِي أَنَّ الْمُعْتَقَ في نُصْرَةِ الْمُعْتِقِ حَالَ حَيَاتِهِ وَلِهَذَا كان عَقْلُهُ عليه وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْصُرَهُ بِدَفْعِ الظالم ‏[‏الظلم‏]‏ عنه وَبِكَفِّهِ عن الظُّلْمِ على غَيْرِهِ فإذا جَنَى فَقَدْ قَصَّرَ في أَحَدِ نَوْعَيْ النُّصْرَةِ وهو كَفُّهُ عن الظُّلْمِ على غَيْرِهِ فَجُعِلَ عقله عليه ضَمَانًا لِلتَّقْصِيرِ فإذا مَاتَ جُعِلَ وَلَاؤُهُ لِمُعْتَقِهِ جَزَاءً لِلنُّصْرَةِ السَّابِقَةِ

وَالثَّالِثُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ كَالْإِيلَادِ من حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إحْيَاءٌ مَعْنًى فإن الْمُعْتِقَ سَبَبٌ لِحَيَاةِ الْمُعْتَقِ بِاكْتِسَابِ سَبَبِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْوِلَايَةِ التي يَمْتَازُ بها الْآدَمِيُّ عن الْبَهَائِمِ كما أَنَّ الْأَبَ سَبَبُ حَيَاةِ الْوَلَدِ بِاكْتِسَابِ سَبَبِ وُجُودِهِ عَادَةً وهو الْإِيلَادُ ثُمَّ الْإِيلَادُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ النَّسَبِ فَالْإِعْتَاقُ يَكُون سَبَبًا لِثُبُوتِ الْوَلَاءِ كَالْإِيلَادِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ وَاَللَّهُ عز وجل أعلم‏.‏

فَبَعْدَ هذا يَقَعُ الْكَلَامُ في مَوَاضِعَ في بَيَانِ سَبَبِ ثُبُوتِهِ وفي بَيَانِ شَرَائِطِ الثُّبُوتِ وفي بَيَانِ صِفَةِ الثَّابِتِ وَكَيْفِيَّتِهِ وفي بَيَانِ قَدْرِهِ وفي بَيَانِ حُكْمِهِ وفي بَيَانِ ما يَظْهَرُ له أَمَّا سَبَبُ ثُبُوتِهِ فَالْعِتْقُ سَوَاءٌ كان الْعِتْقُ حَاصِلًا بِصُنْعِهِ وهو الْإِعْتَاقُ أو ما يَجْرِي مَجْرَى الْإِعْتَاقِ شَرْعًا كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ أو بِغَيْرِ صُنْعِهِ بِأَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ وَسَوَاءً أَعْتَقَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ أو لِوَجْهِ الشَّيْطَانِ وَسَوَاءٌ أَعْتَقَهُ تَطَوُّعًا أو عن وَاجِبٍ عليه كَالْإِعْتَاقِ عن كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالْيَمِينِ وَالنَّذْرِ

وَسَوَاءٌ كان الْإِعْتَاقُ بِغَيْرِ بَدَلٍ أو بِبَدَلٍ وهو الْإِعْتَاقُ على مَالٍ وَسَوَاءٌ كان مُنَجَّزًا أو مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أو مُضَافًا إلَى وَقْتٍ وَسَوَاءٌ كان صَرِيحًا أو يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ أو كِنَايَةً أو يَجْرِي مَجْرَى الْكِنَايَةِ وَكَذَا الْعِتْقُ الْحَاصِلُ بِالتَّدْبِيرِ وَالاستيلاد‏.‏

وَيَسْتَوِي فيه صَرِيحُ التَّدْبِيرِ وَالْإِعْتَاقِ والاستيلاد وَالْكتابةِ وَالْأَصْلُ فيه قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَاءُ لِمَنْ أعتق ‏[‏أعتقه‏]‏ من غَيْرِ فصل وَعَلَى هذا إذَا أَمَرَ الْمَوْلَى غَيْرَهُ بِالْإِعْتَاقِ في حَالِ حَيَاتِهِ أو بَعْدَ وَفَاتِهِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْآمِرِ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ عنه وَلَوْ قال لِآخَرَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي على أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَ فَالْوَلَاءُ لِلْآمِرِ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ عنه اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِلْمَأْمُورِ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ عن الْمَأْمُورِ وهو قَوْلُ زُفَرَ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِعْتَاقِ عبد الْغَيْرِ عن نَفَسِهِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ بِدُونِ الْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ لِلْآمِرِ بَلْ لِلْمَأْمُورِ فَكَانَ الْعِتْقُ عنه وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ أَمْرٌ بِمَا لَا وُجُودَ لِلْفِعْلِ بِدُونِهِ كَالْأَمْرِ بِصُعُودِ السَّطْحِ يَكُونُ أَمْرًا بِنَصْبِ السُّلَّمِ وَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ يَكُونُ أَمْرًا بِالطَّهَارَةِ وَنَحْوِ ذلك وَلَا وُجُودَ لِلْعِتْقِ عن الْآمِرِ بِدُونِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فَكَانَ أَمْرُ الْمَالِكِ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ عنه بِالْبَدَلِ الْمَذْكُورِ أَمْرًا بِتَمْلِيكِهِ منه بِذَلِكَ الْبَدَلِ ثُمَّ بِإِعْتَاقِهِ عنه تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ كَأَنَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ فقال بِعْهُ مِنِّي واعتقه عَنِّي فَفَعَلَ‏.‏

وَلَوْ قال أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي ولم يذكر الْبَدَلَ فَأَعْتَقَ فَالْوَلَاءُ لِلْمَأْمُورِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْعِتْقَ عنه وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ هذا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ وَجْهُ قَوْلِهِ على نَحْوِ ما ذَكَرْنَا في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلَهُمَا الْفَرْقُ بين الْمَسْأَلَتَيْنِ وهو أَنَّهُ في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَمْكَنَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْآمِرِ بِالْبَدَلِ الْمَذْكُورِ بِمُقْتَضَى الْأَمْرِ بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّ الْمِلْكَ في الْبَيْعِ الصَّحِيحِ لَا يَقِفُ على الْقَبْضِ بَلْ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَصَارَ الْمَأْمُورُ بَائِعًا عَبْدَهُ منه بِالْبَدَلِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ مُعْتِقًا عنه بِأَمْرِهِ وَتَوْكِيلِهِ‏.‏

وَأَمَّا في الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِالتَّمْلِيكِ الثَّابِتِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ من غَيْرِ عِوَضٍ يَكُونُ هِبَةً وَالْمِلْكُ في باب الْهِبَةِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْقَبْضِ فإذا أَعْتَقَ فَقَدْ أَعْتَقَ مِلْكَ نَفَسِهِ لَا مِلْكَ الْآمِرِ فَيَقَعُ عن نَفَسِهِ فَكَانَ الْوِلَايَةُ له فَهُوَ الْفَرْقُ وَلَوْ قال أَعْتِقْ عَبْدَك ولم يَقُلْ شيء آخَرَ فَأَعْتَقَ فَالْوَلَاءُ لِلْمَأْمُورِ لِأَنَّ الْعِتْقَ عنه لِأَنَّهُ عَتَقَ عن نَفَسِهِ لَا عن الْآمِرِ لِعَدَمِ الطَّلَبِ من الْآمِرِ بِالْإِعْتَاقِ عنه وَلَوْ قال أَعْتِقْ عَبْدَك على أَلْفِ دِرْهَمٍ ولم يَقُلْ عَنِّي فَأَعْتَقَ تَوَقَّفَ على قَبُولِ الْعَبْدِ إذَا كان من أَهْلِ الْقَبُولِ فَإِنْ قَبِلَ في مَجْلِسِ عِلْمِهِ يَعْتِقْ وَيَلْزَمْهُ الْمَالُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ لم يَطْلُبْ إعْتَاقَ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا طَلَبَ إعْتَاقَ الْعَبْدِ لِلْعَبْدِ وهو فُضُولِيٌّ فيه فإذا عَتَقَ الْمَالِكُ تَوَقَّفَ إعْتَاقُهُ على إجَازَةِ الْعَبْدِ كما إذَا قال لِغَيْرِهِ بِعْ عَبْدَك هذا من فُلَانٍ على أَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ على إجَازَةِ فُلَانِ كَذَا هذا وَسَوَاءٌ كان الْمُعْتِقُ ذَكَرًا أو أُنْثَى لِوُجُودِ السَّبَبِ مِنْهُمَا وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ‏.‏

وقال ليس لِلنِّسَاءِ من الْوَلَاءِ إلَّا ما أَعْتَقْنَ الحديث وَالْمُسْتَثْنَى من الْمَنْفِيِّ مُثْبَتٌ ظَاهِرًا وَسَوَاءٌ كان الْمُعْتِقُ وَالْمُعْتَقُ مُسْلِمَيْنِ أو كَافِرَيْنِ أو كان أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ كَافِرًا لِوُجُودِ السَّبَبِ وَلِعُمُومِ الحديث حتى لو أَعْتَقَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا أو ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا فَوَلَاءُ الْمُعْتَقِ مِنْهُمَا لِلْمُعْتِقِ لِمَا قُلْنَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْإِرْثِ وهو اتِّحَادُ الْمِلَّةِ قال النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ بِشَيْءٍ وقال لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ من الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ من الْمُؤْمِنَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ ثَابِتًا لِإِنْسَانٍ وَلَا يَرِثُ بِهِ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْإِرْثِ بِهِ على ما نَذْكُرُ حتى لو أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ مِنْهُمَا قبل مَوْتِ الْمُعْتِقِ ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقِ يَرِثُ بِهِ لتحقق ‏[‏لتحقيق‏]‏ الشَّرْطِ وَكَذَا لو كان لِلذِّمِّيِّ الذي هو مُعْتِقُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ عَصَبَةٌ من الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ كان له عَمٌّ مُسْلِمٌ أو ابن عَمٍّ مُسْلِمٍ فإنه يَرِثُ الْوَلَاءَ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ وَإِنْ لم يَكُنْ له عَصَبَةٌ من الْمُسْلِمِينَ يُرَدَّ إلَى بَيْتِ الْمَالِ‏.‏

وَلَوْ كان عَبْدٌ مُسْلِمٌ بين مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ فَأَعْتَقَاهُ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ فَنِصْفُ وَلَائِهِ لِلْمُسْلِمِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ الذِّمِّيِّ من الْمُسْلِمِينَ إنْ كان له عَصَبَةُ مُسْلِمٍ وَإِنْ لم يَكُنْ يُرَدَّ إلَى بَيْتِ الْمَالِ وَلَوْ أَعْتَقَ حَرْبِيٌّ عَبْدَهُ الْحَرْبِيَّ في دَارِ الْحَرْبِ لم يَصِرْ بِذَلِكَ مَوْلَاهُ حتى لو خَرَجَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمَيْنِ لَا وَلَاءَ له وَهَذَا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِكَلَامِ الْإِعْتَاقِ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ بِالتَّخْلِيَةِ وَالْعِتْقُ الثَّابِتُ بِالتَّخْلِيَةِ لَا يُوجِبُ الْوَلَاءَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ يَصِيرُ مَوْلَاهُ وَيَكُونُ له وَلَاؤُهُ لِأَنَّ إعتاق ‏[‏إعتاقه‏]‏ بِالْقَوْلِ قد صَحَّ في دَارِ الْحَرْبِ‏.‏

وَكَذَلِكَ لو دَبَّرَهُ في دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ على هذا الِاخْتِلَافِ وَلَا خِلَافَ في أَنَّ اسْتِيلَادَهُ جَائِزٌ وَتَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ له لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَبْنَى الاستيلاد على ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ في دَارِ الْحَرْبِ وَلَوْ أَعْتَقَ مسل ‏[‏مسلم‏]‏ عَبْدًا له مُسْلِمًا أو ذِمِّيًّا في دَارِ الْحَرْبِ فَوَلَاؤُهُ له لِأَنَّ إعْتَاقَهُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا له حَرْبِيًّا في دَارِ الْحَرْبِ لَا يَصِيرُ مَوْلَاهُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِالْقَوْلِ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ بِالتَّخْلِيَةِ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ يَصِيرُ مَوْلَاهُ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ بِالْقَوْلِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ فيه مُضْطَرِبٌ حتى لو أَسْلَمَ الْعَبْدُ في دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَا مُسْلِمَيْنِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا وَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ على الْمُعْتَقِ وَلِلْمُعْتَقِ أَنْ يُوَالِيَ من شَاءَ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ يَرِثُ الْمُعْتِقُ من الْمُعْتَقِ وَلَهُ وَلَاؤُهُ إذَا خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ وَإِنْ سُبِيَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ كان مَمْلُوكًا لِلَّذِي سَبَاهُ في قَوْلِهِمْ جميعا وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا أو حُرًّا فَإِنْ كان مَمْلُوكًا كان مَحَلًّا لِلِاسْتِيلَادِ وَالتَّمَلُّكِ وَكَذَا إنْ كان حُرًّا لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ الْحُرَّ مَحَلٌّ للإستيلاد وَالتَّمَلُّكِ‏.‏

وَعَلَى هذا يَخْرُجُ ما إذَا دخل رَجُلٌ من أَهْلِ الْحَرْبِ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَإِنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ فَاشْتَرَاهُ عَبْدُهُ الْمُعْتَقُ فَأَعْتَقَهُ أن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ مولى صَاحِبِهِ حتى أن أَيَّهُمَا مَاتَ ولم يَتْرُكْ عَصَبَةً من النَّسَبِ ورثة صَاحِبُهُ لِوُجُودِ سَبَبِ الْإِرْثِ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وهو الْإِعْتَاقُ وَشَرْطُهُ وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا له ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ ثُمَّ هَرَبَ الذِّمِّيُّ الْمُعْتَقُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ وَأَسْلَمَ فَاشْتَرَاهُ الْعَبْدُ الذي كان أَعْتَقَهُ فَأَعْتَقَهُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مولى صَاحِبِهِ لِمَا قُلْنَا‏.‏

وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا أَعْتَقَتْ عَبْدًا لها ثُمَّ ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ فَاشْتَرَاهَا الذي كانت الْمَرْأَةُ أَعْتَقَتْهُ فَأَعْتَقَهَا كان الرَّجُلُ مولى الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ مَوْلَاةَ الرَّجُلِ لِوُجُودِ الْإِعْتَاقِ من كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ الْعِتْقُ كما هو سَبَبُ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ فَهُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الْعَقْلِ عليه حتى لو جَنَى الْمُعْتَقُ كان عَقْلُهُ على الْمُعْتِقِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ عليه حِفْظَهُ فإذا جَنَى فَقَدْ قَصَّرَ في الْحِفْظِ وَأَمَّا شَرْطُ ثُبُوتِهِ فَلِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ شَرَائِطُ بَعْضُهَا يَعُمُّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءَ وَلَدِ الْعَتَاقَةِ وَبَعْضُهَا يَخُصُّ وَلَاءَ وَلَدِ الْعَتَاقَةِ فَأَمَّا الذي يَعُمّهُمَا جميعا فَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْعَبْدِ الْمُعْتَقِ أو لِوَلَدِهِ عَصَبَةٌ من جِهَةِ النَّسَبِ فَإِنْ كان لَا يَرِثُهُ الْمُعْتِقُ لِأَنَّهُ يَرِثُهُ من طَرِيقِ التَّعْصِيبِ وفي الْعَصَبَاتِ يُعْتَبَرُ الْأَقْوَى فَالْأَقْوَى وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَصَبَةَ من جِهَةِ النَّسَبِ أَقْوَى فَكَانَ أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ الْوَلَاءَ وَإِنْ كان لُحْمَةً كَلُحْمَةِ النَّسَبِ كما نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ لَكِنَّهُ لَا يَكُونُ مِثْلَ حَقِيقَةِ النَّسَبِ فَكَانَ اعْتِبَارُ حَقِيقَةِ النَّسَبِ أَوْلَى فَإِنْ لم يَكُنْ له عَصَبَةٌ من جِهَةِ النَّسَبِ وَلَهُ أَصْحَابُ الْفَرَائِضِ أو ذَوُو الْأَرْحَامِ فَحُكْمُهُ يُذْكَرُ في مَوْضِعَيْنِ إن شاء الله تعالى‏.‏

وَأَمَّا الذي يَخُصُّ وَلَدَ الْعَتَاقَةِ فَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ الْأُمُّ مُعْتَقَةً فَإِنْ كانت مَمْلُوكَةً فَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عليه ما دَامَ مَمْلُوكًا سَوَاءٌ كان الْأَبُ حُرًّا أو مَمْلُوكًا لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ في الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَكَانَ مَمْلُوكًا لِمَوْلَى أُمِّهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْوَلَاءُ وَمِنْهَا أَنْ لَا تَكُونُ الْأُمُّ حُرَّةً أَصْلِيَّةً فَإِنْ كانت فَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ على وَلَدِهَا وَإِنْ كان الْأَبُ مُعْتَقًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ في الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ على أُمِّهِ فَلَا وَلَاءَ على وَلَدِهَا فَإِنْ كانت الْأُمُّ مُعْتَقَةً وَالْأَبُ مُعْتَقًا فَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأَبَ في الْوَلَاءِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأَبِ لَا لِمَوْلَى الْأُمِّ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَالْأَصْلُ في النَّسَبِ هو الْأَبُ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْأَبُ عَرَبِيًّا فَإِنْ كان الْأَبُ عَرَبِيًّا وَالْأُمُّ مَوْلَاةً لِقَوْمٍ فَالْوَلَدُ تَابِعٌ لِلْأَبِ وَلَا وَلَاءَ عليه لِأَنَّ الْوَلَاءَ أَثَرٌ من آثَارِ الرِّقِّ وَلَا رِقَّ على عَرَبِيٍّ وَلَوْ كان الْأَبُ نَبَطِيًّا وهو حُرٌّ مُسْلِمٌ لم يَعْتِقْ وَلَهُ وَلَاءُ مُوَالَاةٍ أو لم يَكُنْ فَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ في وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَبِ كما في الْعَرَبِيِّ‏.‏

وَجْهٌ قَوْلُ أبي يُوسُفَ أن النَّسَبَ يُشْبِهُ النَّسَبَ وَالنَّسَبُ إلَى الاباء وَإِنْ كان أَضْعَفَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُمَّ لو كانت من الْعَرَبِ وَالْأَبُ من الْمَوَالِي فَالْوَلَدُ يَكُون تَابِعًا لِقَوْمِ الْأَبِ وَلَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْأُمِّ لِمَوَالِيهَا لِأَجْلِ النُّصْرَةِ فَيَثْبُتُ لِلْوَلَدِ هذه النُّصْرَةُ وَلَا نُصْرَةَ له من جِهَةِ الْأَبِ لِأَنَّ من سِوَى الْعَرَبِ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالْقَبَائِلِ فَصَارَ كَمُعْتَقَةٍ تَزَوَّجْت عَبْدًا فَيَكُونُ وَلَاءُ أَوْلَادِهَا لِمَوَالِيهَا وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْأَبِ مَوْلًى عَرَبِيٌّ فَإِنْ كان لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عليه لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَرَبِيِّ لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم إنَّ مولى الْقَوْم منهم‏.‏

وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَدُ مُعْتَقًا فَإِنْ كان لَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأَبِ وَلَا لِمَوَالِي الْأُمِّ بَلْ يَكُونُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ لِأَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ صَارَ له وَلَاءُ نَفَسِهِ لِقَوْلِهِ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ في الْوَلَاءِ وَبَيَانُ هذا الْأَصْلِ يُذْكَرُ في بَيَانِ صِفَةِ الْوَلَاءِ وَأَمَّا صِفَتُهُ فَلَهُ صِفَاتٌ منها أَنَّ الْإِرْثَ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِهِ وَشَرْطِهِ من طَرِيقِ التَّعْصِيبِ وَمَعْنَى هذا الْكَلَامِ أَنَّ الْمُعْتِقَ إنَّمَا يَرِثُ بِالْوَلَاءِ مَالَ الْمُعْتَقِ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ وَيَكُونُ الْمُعْتِقُ آخِرَ عَصَبَاتِ الْمُعْتَقِ مُقَدَّمًا على ذَوِي الْأَرْحَامِ وَعَلَى أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ في اسْتِحْقَاقِ ما فَضَلَ من سِهَامِهِمْ حتى أنه لو لم يَكُنْ لِلْمُعْتَقِ وَارِثٌ أَصْلًا أو كان له ذُو الرَّحِمِ كان الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ وَإِنْ كان له أَصْحَابُ الْفَرَائِضِ فإنه يعطي فَرَائِضَهُمْ أَوَّلًا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ يعطي الْمُعْتِقَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ له وَلَا يُرَدُّ الْفَاضِلُ على أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ وَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ يُحْتَمَلُ الرَّدُّ عليه وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وهو قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ‏.‏

وَرُوِيَ عن عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ لَا يَرِثُ بِطَرِيقِ التَّعْصِيبِ وهو مُؤَخَّرٌ عن أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ في اسْتِحْقَاقِ الْفَاضِلِ وَعَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ‏}‏ فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ذُو الرَّحِمِ أَوْلَى من المعتق ‏[‏العتق‏]‏ وَجْهٌ قَوْلُ الْأَوَّلِينَ ما رَوَيْنَا عن رسول اللَّهِ أَنَّهُ جَعَلَ وَلَاءَ مولى بِنْتِ حَمْزَةَ رضي اللَّهُ عنه بَيْنَهَا وَبَيْنَ بِنْتِ مُعْتِقِهَا نِصْفَيْنِ فَقَدْ أَقَامَ رسول اللَّهِ بِنْتَ حَمْزَةَ رضي اللَّهُ عنه مَقَامَ الْعَصَبَاتِ حَيْثُ جَعَلَ النِّصْفَ الْآخَرَ لها ولم يَأْمُرْ بِرَدِّهِ على بِنْتِ الْمُعْتِقِ وَلَوْ كان الْأَمْرُ كما زَعَمُوا لَأَمَرَ بِالرَّدِّ كما في سَائِرِ الْمَوَارِيثِ إذَا لم يَكُنْ هُنَاكَ عَصَبَةٌ وقال أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فما أَبْقَتْ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ وأولي رَجُلٍ ذَكَرٍ هَهُنَا هو الْمَوْلَى وَرُوِيَ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ وهو الْمَوْلَى هَهُنَا وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فقال بَعْضُهُمْ في تَأْوِيلِهَا أَيْ ذَوُو الْأَرْحَامِ من الْعَصَبَةِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ أَيْ الْأَقْرَبُ من ذَوِي الْأَرْحَامِ من الْعَصَبَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ من الْأَبْعَدِ كَالِابْنِ مع ابْنِ الِابْنِ وَالْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ مع الْأَخِ لِأَبٍ وَنَحْوِ ذلك‏.‏

وإذا عُرِفَ هذا الْأَصْلُ فَبَيَانُهُ في مَسَائِلَ إذَا مَاتَ الْمُعْتَقُ وَتَرَكَ أُمًّا وَمَوْلًى فَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى عِنْدَ الْأَوَّلِينَ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ وَعِنْدَ الْآخَرِينَ الثُّلُثُ لِلْأُمِّ بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي رَدًّا عليها أَيْضًا وَإِنْ تَرَكَ بِنْتًا وَمَوْلًى فَلِلْبِنْتِ فَرْضُهَا وهو النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى عِنْدَ الْأَوَّلِينَ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ وَعِنْدَ الْآخَرِينَ النِّصْفُ لِلْبِنْتِ بِالْفَرْضِ وَالْبَاقِي رَدًّا عليا ‏[‏عليها‏]‏ وَلَوْ تَرَكَ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَأُمًّا ترك ‏[‏وترك‏]‏ مَوْلَاهُ فَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَلِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ فَقَدْ اسْتَغْرَقَتْ سِهَامُهُمْ الْمِيرَاثَ فلم يَبْقَ شَيْءٌ لِلْمَوْلَى وَإِنْ تَرَكَ امْرَأَةً وَمَوْلًى فَلِلْمَرْأَةِ فَرْضُهَا وهو الرُّبْعُ وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا إذَا كان الْمُعْتَقُ أَمَةً فَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَمَوْلًى فَلِلزَّوْجِ فَرْضُهُ وهو النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى أَمَّا على قَوْلِ الْأَوَّلِينَ فَلِأَنَّ الْمَوْلَى عَصَبَةٌ فَكَانَ الْبَاقِي له وَأَمَّا على قَوْلِ الْآخَرِينَ فَلِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الرَّدِّ إذْ لَا يُرَدُّ على الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فَإِنْ تَرَكَ الْمُعْتَقُ عَمَّةً وَخَالَةً وَمَوْلَاهُ فَالْمَالُ لِلْمَوْلَى في قَوْلِ الْأَوَّلِينَ لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَصَبَاتِ يُقَدَّمُ على ذَوِي الْأَرْحَامِ وفي قَوْلِ الْآخَرِينَ لِلْعَمَّةِ الثُّلُثَانِ وَلِلْخَالَةِ الثُّلُثُ لِتَقَدُّمِ ذَوِي الْأَرْحَامِ عليه وَقِسْ على هذا نَظَائِرَهُ وَعَلَى هذا يَخْرُجُ ما إذَا اشْتَرَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَتْهُ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ فَلِلِابْنَةِ النِّصْفُ وما بَقِيَ فَلِمَوْلَاتِهِ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ وَهَذَا قَوْلُ الْأَوَّلِينَ‏.‏

وَأَمَّا على قَوْلِ الْآخَرِينَ فَالْبَاقِي يُرَدُّ عليها بِالْقَرَابَةِ وإذا اشْتَرَتْ أَبَاهَا فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَلَيْسَ له عَصَبَةٌ فلإبنته النِّصْفُ بِالنَّسَبِ وما بَقِيَ فلإبنته أَيْضًا بِحَقِّ الْوَلَاءِ بِالرَّدِّ لِأَنَّهَا عَصَبَةُ الْأَبِ في الْوَلَاءِ وَعَلَى قَوْلِ الْآخَرِينَ ما بَقِيَ يُرَدُّ عليها بِالْقَرَابَةِ فَإِنْ كان الْأَبُ أَعْتَقَ عَبْدًا قبل أَنْ يَمُوتَ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ ولم يَتْرُكْ عَصَبَةً فَإِنَّهَا تَرِثُهُ لِأَنَّهُ مُعْتَقُ مُعْتِقِهَا فَكَانَ وَلَاؤُهُ لها لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس لِلنِّسَاءِ من الْوَلَاءِ إلَّا ما أَعْتَقْنَ أو أَعْتَقَ من أَعْتَقْنَ الحديث وَالِاسْتِثْنَاءُ من النَّفْيِ إثْبَاتٌ ظَاهِرًا فَإِنْ اشْتَرَتْ أُخْتَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَبَاهُمَا ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ ولم يَتْرُكْ عَصَبَةً وَتَرَكَ ابْنَتَيْهِ هَاتَيْنِ فَلِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ بِالنَّسَبِ وما بَقِيَ فَلَهُمَا أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ عِنْدَ الْأَوَّلِينَ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ لِأَنَّهُمَا عَصَبَةٌ وَعِنْدَ الْآخَرِينَ بِطَرِيقِ الرَّدِّ وَإِنْ اشْتَرَتْ إحْدَاهُمَا أباهما ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ ولم يَتْرُك عَصَبَةً وَتَرَك ابْنَتَيْهِ هَاتَيْنِ فَلِلِابْنَتَيْنِ الثُّلُثَانِ بِالنَّسَبِ وَلِلَّتِي اشْتَرَتْ الْأَبَ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي خَاصَّةً بِالْوَلَاءِ في قَوْلِ الْأَوَّلِينَ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ وفي قَوْلِ الْآخَرِينَ الْبَاقِي يُرَدُّ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فإن اشْتَرَتَا أباهما ثُمَّ إنَّ إحْدَاهُمَا وَالْأَبُ اشْتَرَيَا أَخًا لَهُمَا من الْأَبِ ثُمَّ مَاتَ الْأَب فإن الْمَال بَيْن الإبنتين وَبَيْنَ الِابْنِ‏:‏ ‏{‏لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ‏}‏ لِأَنَّهُ مَاتَ حُرًّا عن ابْن حُرّ وَعَنْ ابْنَتَيْنِ حُرَّتَيْنِ فَكَانَ الْمِيرَاث لهم بِالْقَرَابَةِ فَلَا عبيرة ‏[‏عبرة‏]‏ لِلْوَلَاءِ في ذلك فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ بَعْد ذلك فَلِأُخْتَيْهِ الثُّلُثَانِ بِالنَّسَبِ وَالثُّلُث الْبَاقِي نِصْفُهُ التي ‏[‏للتي‏]‏ اشْتَرَتْهُ مع الْأَب خَاصَّة لِأَنَّ لها نِصْف وَلَاء الْأَخ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِشِرَائِهَا وَشِرَاء الْأَب فَكَانَ وَلَاؤُهُ بَيْنهمَا وما بَقِيَ فَبَيْنهمَا نِصْفَانِ لِأَنَّهُمَا مُشْتَرَكَتَانِ في وَلَاء الْأَب فَصَارَ حِصَّة الْأَب بَيْنهمَا نِصْفَيْنِ وهو سُدُس جَمِيع الْمَال وَتَخْرُج الْمَسْأَلَة من اثْنَتَيْ عَشَرَ للاختين الثُّلُثَانِ لِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا أَرْبَعَة أَسْهُم وَنِصْف ثُلُث الْبَاقِي وَذَلِكَ سَهْمَانِ لِلَّتِي اشْتَرَتْهُ مع الْأَب بِالْوَلَاءِ وَنِصْفُ الثُّلُث بَيْنهمَا نِصْفَانِ لولاء ‏[‏بولاء‏]‏ الْأَبِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ فَصَارَ لِلَّتِي اشْتَرَتْهُ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأُخْرَى خَمْسَةُ أَسْهُمٍ وَهَذَا على قِيَاسِ قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ‏.‏

وَأَمَّا على قِيَاسِ قَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنهما إذَا مَاتَ الِابْنُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ فَلِأُخْتَيْهِ الثُّلُثَانِ بِالنَّسَبِ كما قالوا وَالثُّلُثُ الْبَاقِي يُرَدُّ عَلَيْهِمَا فَإِنْ اشْتَرَتْ إحْدَاهُمَا الْأَبَ وَاشْتَرَتْ الْأُخْرَى وَالْأَبُ أَخًا لَهُمَا ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ فَالْمَالُ بين الِابْنِ وَالِابْنَتَيْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثيين لِمَا قُلْنَا فَإِنْ مَاتَ الْأَخُ بَعْدَ ذلك فَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَانِ بِالنَّسَبِ وَنِصْفُ الثُّلُثِ الْبَاقِي لِلَّتِي اشْتَرَتْ الْأَخَ مع الْأَبِ وما بَقِيَ فَهُوَ لِلَّتِي اشْتَرَتْ الْأَبَ خَاصَّةً فَيَصِيرُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَهَذَا على قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ

وَأَمَّا على قَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنهما فَالثُّلُثُ الْبَاقِي يُرَدُّ عَلَيْهِمَا وَاَللَّهُ عز وجل أعلم‏.‏ ‏[‏الموفق‏]‏‏.‏

وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُورَثُ من الْمُعْتَقِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَكُونُ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الْمِيرَاثِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ بِنَفْسِهَا وَهُمْ الذُّكُورُ من عَصَبَتِهِ لَا الأناث وَلَا الذُّكُورُ من أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ وَالْأَصْلُ فيه قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ أَيْ لَا يُورَثُ من الْمُعْتَقِ لاجماعنا على أَنَّهُ يُورَثُ من الْمُعْتِقِ وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ لَمَّا كان سَبَبُهُ النَّسَب ثُمَّ النَّسَبُ لَا يُورَثُ نَفَسُهُ وَإِنْ كان يُورَثُ بِهِ فَكَذَا الْوَلَاءُ‏.‏

وَرَوَيْنَا عن النُّجَبَاءِ السَّبْعَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قالوا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ فَالظَّاهِرُ هو السَّمَاعُ فَإِنْ لم يَكُنْ فَقَدْ ظَهَرَتْ الْفَتْوَى بَيْنَهُمْ ولم يَظْهَرْ لهم فيها مُخَالِفٌ فَيَكُونَ إجْمَاعًا وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ أَيْ لِلْأَقْرَبِ وهو أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ إلَى الْمُعْتَقِ يُقَالُ فلأن أَكْبَرُ قَوْمِهِ إذَا كان كان أَقْرَبَهُمْ إلَى الْأَصْلِ الذي يُنْسَبُونَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا شَرْطنَا الذُّكُورَةَ في هذه الْعُصُوبَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ في الْعَصَبَةِ هُمْ الذُّكُورُ إذْ الْعَصَبَةُ عِبَارَةٌ عن الشِّدَّةِ وَالْقُوَّةِ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَبَرًا عن بَنِي يَعْقُوبَ عليهم الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ‏:‏ ‏{‏إذْ قالوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ‏}‏ أَيْ جَمَاعَةٌ أَقْوِيَاءٌ أَشِدَّاءُ قَادِرُونَ على النَّفْعِ وَالدَّفْعِ وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَشُرَيْحٍ أَنَّ الْوَلَاءَ يَجْرِي مَجْرَى الْمَالِ فَيُورَثُ من الْمُعْتِقِ كما يُورَثُ سَائِرُ أَمْوَالِهِ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَرِثُ منه الرِّجَالُ لَا النِّسَاءُ بِالنَّصِّ وهو قَوْلُ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس لِلنِّسَاءِ إلَّا ما أَعْتَقْنَ الْخَبَرَ وكان شُرَيْحٌ يقول من أَحْرَزَ شيئا في حَيَاتِهِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ‏.‏

وَاحْتَجَّا بِمَا رُوِيَ عن الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قالوا من أَحْرَزَ الْمَالَ أَحْرَزَ الْوَلَاءَ فَقَدْ أَنْزَلُوهُ مَنْزِلَةَ الْمَالِ فَدَلَّ على أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَالِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ من أَحْرَزَ الْمَالَ أَحْرَزَ الْوَلَاءَ أَيْ من أَحْرَزَ الْمَالَ من عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ يوم مَوْتِ الْمُعْتَقِ أَحْرَزَ الْوَلَاءَ أَيْضًا بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُحْرِزُ الْمَالَ وَلَا تُحْرِزُ الْوَلَاءَ بِالْإِجْمَاعِ وَبِالْحَدِيثِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْعُ الْعَصَبَاتِ وَبِهِ نَقُولُ وَلِأَنَّ في الْحَمْلِ على ما قُلْنَا عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَهُوَ أَوْلَى ثُمَّ بَيَانُ هذا في الْأَصْلِ في مَسَائِلَ في رَجُلٍ أَعْتَقَ عَبْدًا له ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ وَتَرَكَ ابْنًا ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ فَوَلَاؤُهُ لِابْنِ الْمُعْتِقِ لِصُلْبِهِ لَا لِابْنِ ابْنِهِ لِأَنَّهُ الْأَكْبَرُ إذْ هو أَقْرَبُ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ بِنَفْسِهَا وَالْأَصْلُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُسْتَحِقِّ عَصَبَةً يوم مَوْتِ الْمُعْتِقِ لَا يوم مَوْتِ الْمُعْتَقِ وَيُعْتَبَرُ له الْكِبَرُ من حَيْثُ الْقُرْبُ لَا من حَيْثُ السِّنُّ أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ قد يَكُونُ أَكْبَرَ سِنًّا من عَمِّهِ الذي هو ابن الْمُعْتِقِ وَهَذَا على قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا على قَوْلِ إبْرَاهِيمَ وَشُرَيْحٌ فَالْمَالُ بين ابْنِ الْمُعْتِقِ وَبَيْنَ ابْنِ ابْنِهِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْمِيرَاثِ عِنْدَهُمَا فَكَمَا مَاتَ الْمُعْتَقُ فَقَدْ وِرْثَاهُ جميعا فَانْتَقَلَ الْوَلَاءُ إلَيْهِمَا ثُمَّ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى وَلَدِهِ كما في مِيرَاثِ الْمَالِ فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ الْبَاقِي وَتَرَكَ ابْنًا ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ فَالْوَلَاءُ بين ابْنِ هذا الْمَيِّتِ وَبَيْنَ ابْنِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ نِصْفَيْنِ بِلَا خِلَافٍ‏.‏

أَمَّا على قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ فَلِاسْتِوَائِهِمَا في الْعُصُوبَةِ وَأَمَّا على قَوْل إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَشُرَيْحٍ فَلِانْتِقَالِ نَصِيبِ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى وَلَده وَلَوْ كان الْأَوَّل حين مَاتَ تَرَكَ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ الْبَاقِي وَتَرَك ابْنًا وَاحِدًا ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ فَالْوَلَاءُ بين ابْنِ هذا وَابْنَيْ الْأَوَّلِ يَكُونُ ثَلَاثًا عِنْدَنَا لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ في الْعُصُوبَةِ وَعِنْدَهُمَا الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ النِّصْفُ لِابْنِ هذا وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بين ابْنَيْ الْأَوَّلِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَجْعَلَانِ لِكُلِّ وَلَدٍ وَاحِدٍ حِصَّةَ أبيه فَإِنْ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ فَمَاتَ الْبَنُونَ وَتَرَكَ أَحَدُهُمْ ابْنًا وَاحِدًا وَتَرَكَ الْآخَرُ خَمْسَةَ بَنِينَ وَتَرَكَ الثَّالِثُ عَشْرَةَ بَنِينَ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ وَتَرَكَ مَالًا فَمَالُهُ بين أَوْلَادِ الْبَنِينَ بِالسَّوِيَّةِ على عَدَدِ الرؤوس في قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِاسْتِوَائِهِمْ في الْعُصُوبَةِ وَالْقُرْبِ من الْمُعْتَقِ وَعَلَى قَوْلِ إبْرَاهِيمَ وَشُرَيْحٍ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ثُلُثٌ لِابْنِ الِابْنِ الْوَاحِدِ وَالثُّلُثُ الْآخَرُ بين الْخَمْسَةِ بَنِي الِابْنِ وَالثُّلُثُ الْآخَرُ بين الْعَشَرَةِ بَنِي الِابْنِ فَتَصِحُّ فَرِيضَتُهُمْ من ثَلَاثِينَ سَهْمًا لِابْنِ الِابْنِ الْوَاحِدِ عَشْرَةٌ وَعَشْرَةٌ بين بَنِي الِابْنِ الْآخَرِ على خَمْسَةٍ وَعَشْرَةٌ بين بَنِي الِابْنِ الْآخَرِ وهو الثَّالِثُ على عَشْرَةٍ وَلَوْ أَعْتَقَ رَجُلٌ هو وَابْنُهُ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا شَرِيكُهُ في الْإِعْتَاقِ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ فَنِصْفُ الْوَلَاءِ لِابْنِهِ الذي هو شَرِيكُ أبيه خَاصَّةً لِأَنَّهُ شَرِيكُهُ في الْإِعْتَاقِ وَالنِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّ ذلك حِصَّةُ أبيه فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ فَيَصِيرُ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا على أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِلِابْنِ الذي كان شَرِيكَ أبيه وَالرُّبْعُ لِلْآخَرِ فَإِنْ مَاتَ شَرِيكُ أبيه قبل الْعَبْدِ وَتَرَكَ ابْنًا ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ فَلِابْنِ الِابْنِ نِصْفُ الْوَلَاءِ الذي كان لِأَبِيهِ خَاصَّةً وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلِابْنِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ الكبير ‏[‏الكبر‏]‏ من عَصَبَةِ الْأَبِ فَكَانَ أَحَقَّ بِنَصِيبِهِ من الْوَلَاءِ فَيَصِيرُ نِصْفُ الْوَلَاءِ لِلْعَمِّ وَنِصْفُهُ لِابْنِ أَخِيهِ‏.‏

فَإِنْ مَاتَ الْعَمُّ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ فَنِصْفُ الْوَلَاءِ لِابْنِ شَرِيكِ أبيه خَاصَّةً وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِي عَمِّهِ أَثْلَاثًا لِكُلِّ وَاحِدٍ منهم الثُّلُثُ فَيَصِيرُ لِابْنِ شَرِيكِ أبيه الثُّلُثَانِ وَيَصِيرُ لِابْنَيْ عَمِّهِ الثُّلُثُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ ابْنًا وَأَبًا ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ فَالْوَلَاءُ لِلِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ لَا لِلْأَبِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ سُدُسَا الْوَلَاءِ لِلْأَبِ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وهو قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وشريح ‏[‏وشريك‏]‏ وَهَذَا على أَصْلِهِمَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُمَا يُنْزِلَانِ الْوَلَاءَ مَنْزِلَةَ الْمِيرَاثِ وَالْحُكْمُ في الْمِيرَاثِ هذا وَإِنَّمَا الْمُشْكِلُ قَوْلُ أبي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ ما يَتْرُكهُ الْمُعْتِقُ بَعْدَ مَوْتِهِ مَحَلَّ الْإِرْثِ بَلْ يَجْعَلُهُ لِعَصَبَةِ الْمُعْتِقِ بِنَفْسِهَا وَالْأَبُ لَا عُصُوبَةَ له مع الِابْنِ بَلْ هو صَاحِبُ فَرِيضَةٍ كما في مِيرَاثِ الْمَالِ فَكَانَ الِابْنُ هو الْعَصَبَةُ فَكَانَ الْوَلَاءُ له فَإِنْ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ أَبًا وَثَلَاثَةَ أخوة مُتَفَرِّقِينَ أَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخًا لِأَبٍ وَأَخًا لِأُمٍّ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ فَالْوَلَاءُ لِلْأَبِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ الْعَصَبَةُ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ فَالْوَلَاءُ لِلْأَخِ من الْأَبِ وَالْأُمِّ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ إلَى الْمُعْتِقِ فَإِنْ مَاتَ الْأَخُ من الْأَبِ وَالْأُمِّ وَتَرَكَ ابْنًا فإن الْوَلَاءَ يَرْجِعُ إلَى الْأَخِ لِأَبٍ لِأَنَّهُ الكبير ‏[‏الكبر‏]‏‏.‏

فَإِنْ مَاتَ الْأَخُ من الْأَبِ وَتَرَكَ ابْنًا فإن الْوَلَاءَ يَرْجِعُ إلَى ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ فَإِنْ مَاتَ ابن الْأَخِ من الْأَبِ وَالْأُمِّ وَتَرَكَ ابْنًا فإن الْوَلَاءَ يَرْجِعُ إلَى ابْنِ الْأَخِ من الْأَبِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ فَإِنْ مَاتَ ابن الْأَخِ من الْأَبِ وَتَرَكَ ابْنًا فإن الْوَلَاءَ يَرْجِعُ إلَى ابْنِ ابْنِ الْأَخِ من الْأَبِ وَالْأُمِّ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَلَا يَرِثُ الْأَخُ من الْأُمِّ وَلَا أَحَدَ من ذَوِي الْأَرْحَامِ شيئا من الْوَلَاءِ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ َلَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ جَدَّهُ أَبَا أبيه وَأَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أو لِأَبِيهِ فَالْوَلَاءُ لِلْجَدِّ لَا لِلْأَخِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْوَلَاءُ بين الْجَدِّ وَالْأَخِ نصفين ‏[‏نصفان‏]‏ بِنَاءً على أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لِلْأَخِ مع الْجَدِّ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُوَرِّثَانِ الْأَخَ مع الْجَدِّ بِالتَّعْصِيبِ فَإِنْ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ ابْنًا وَبِنْتًا ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ فَالْوَلَاءُ لِلِابْنِ لَا لِلْبِنْتِ لِأَنَّ الِابْنَ هو الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ لَا الْبِنْتُ وَلِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم ليس لِلنِّسَاءِ من الْوَلَاءِ إلَّا ما أَعْتَقْنَ أو أَعْتَقَ من أَعْتَقْنَ أو كَاتَبْنَ أو كَاتَبَ من كَاتَبْنَ ولم يُوجَدْ هَهُنَا الْمُسْتَثْنَى فَبَقِيَ اسْتِحْقَاقُهَا الْوَلَاءَ على أَصْلِ النَّفْيِ‏.‏

وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فيه أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَرِثْنَ بِالْوَلَاءِ إلَّا ما أَعْتَقْنَ أو أَعْتَقَ من أَعْتَقْنَ أو كَاتَبْنَ أو كَاتَبَ من كَاتَبْنَ أو دَبَّرْنَ أو دَبَّرَ من دَبَّرْنَ وَأَوْلَادُهُمْ وَأَوْلَادُ أَوْلَادِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا إذَا كَانُوا من امْرَأَةٍ مُعْتَقَةٍ أو ما جَرَّ مُعْتِقُهُنَّ من الْوَلَاءِ إلَيْهِنَّ وَبَيَانُ هذه الْجُمْلَةِ امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا لهما ‏[‏لها‏]‏ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ وَلَا وَارِثَ له فَوَلَاؤُهُ لِلْمَرْأَةِ لِقَوْلِهِ خَاصَّةً في النِّسَاءِ ليس لِلنِّسَاءِ من الْوَلَاءِ إلَّا ما أَعْتَقْنَ وَهَذَا مُعْتَقُهَا وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَمَنْ تَعُمُّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فَلَوْ أَنَّ مُعْتِقَهَا أَعْتَقَ عَبْدًا له ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْأَسْفَلُ ولم يَتْرُكْ وَارِثًا فولاءه ‏[‏فولاؤه‏]‏ لِمَوْلَاهُ الذي أَعْتَقَهُ وَلَا يَرِثُ مَوْلَاهُ منه شيئا لِأَنَّهُ مُعْتِقُ مَوْلَاهُ وَلَيْسَ بِمُعْتَقِهَا حَقِيقَةً بَلْ مُعْتِقِ مُعْتِقِهَا فَكَانَ إثْبَاتُ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ حَقِيقَةً أَوْلَى فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْأَعْلَى ولم يَتْرُكْ عَصَبَةً ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْأَسْفَلُ فَوَلَاؤُهُ لِلْمَرْأَةِ الْمُعْتَقَةِ لِأَنَّهُ مُعْتِقُ مُعْتِقِهَا فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ أو أَعْتَقَ من أَعْتَقْنَ وَلَوْ تَرَكَ الْعَبْدُ الْأَعْلَى عَصَبَةً فما له لِعَصَبَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ شَرْطَ الأرث بِالْوَلَاءِ أَنْ لَا يَكُونُ لَلْمُعْتِقِ عَصَبَةٌ من النَّسَبِ وَكَذَلِكَ لو أَنَّ الْمُعْتِقَ الثَّانِي أَعْتَقَ ثَالِثًا وَالثَّالِثَ أَعْتَقَ رَابِعًا فَمِيرَاثُهُمْ كلهم إذَا مَاتُوا لها إذَا لم يُخْلِفْ من مَاتَ منهم مَوْلًى أَقْرَبَ إلَيْهِ منها وَلَا عَصَبَةً وَلَوْ كَاتَبَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدًا لها فَأَدَّى فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ فَوَلَاؤُهُ لها لِقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم أو كَاتَبْنَ‏.‏

وَكَذَا لو كان الْعَبْدُ الْمُكَاتَبُ كَاتَبَ عَبْدًا له من اكسابه فَأَدَّى الْأَسْفَلُ أَوَّلًا فَعَتَقَ كان وَلَاؤُهُ لها لِأَنَّ الْأَعْلَى ليس من أَهْلِ الْوَلَاءِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ بَعْدُ وَكَذَا إذَا أَدَّيَا جميعا مَعًا فَعَتَقَا فَوَلَاؤُهُمَا لها لِقَوْلِهِ أو كَاتَبَ من كَاتَبْنَ وَكَذَا إذَا دَبَّرَتْ امْرَأَةٌ عَبْدًا لها فَمَاتَتْ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ كان وَلَاؤُهَا منها حتى يَكُونَ لِلذُّكُورِ من عَصَبَتِهَا وَكَذَا إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ حتى عَتَقَ الْمُدَبَّرُ بِمَوْتِهَا فَدَبَّرَ عَبْدًا له فَوَلَاؤُهُ يَكُونُ لِعَصَبَتِهَا وَكَذَا وَلَاءُ أَوْلَادِهَا وَوَلَاءُ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ الَّذِينَ وُلِدُوا من امْرَأَةٍ مُعْتَقَةٍ يَكُونُ لها لِأَنَّ وَلَاءَهُمْ يَثْبُتُ لِآبَائِهِمْ وَوَلَاءُ آبَائِهِمْ لها كَذَا وَلَاءُ أَوْلَادِهِمْ امْرَأَةٌ زَوَّجَتْ عَبْدَهَا بِمَوْلَاةِ قَوْمٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَوَلَاءُ الْوَلَدِ يَكُونُ لِمَوْلَى أُمِّهِ وَلَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ منه شَيْءٌ وَهَذَا مِمَّا لَا يُشَكُّ فيه لِأَنَّ أَبَا الْوَلَدِ ليس بِمُعْتَقٍ بَلْ هو عَبْدٌ مَمْلُوكٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ بِدُونِ الْعِتْقِ فَلَوْ أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا جَرَّ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَى مَوْلَاتِهِ حتى لو مَاتَ الْوَلَدُ وَلَا وَارِثَ له كان مَالُهُ لِأَبِيهِ فَإِنْ لم يَكُنْ له أَبٌ فَإِنْ كان مَاتَ فَوَلَاؤُهُ لِلْمَرْأَةِ التي أَعْتَقَتْ أَبَاهُ هذا تَفْسِيرُ جَرّ مَوَالِيَ النِّسَاءِ الْوَلَاءَ إلَيْهِنَّ وَاَللَّهُ عز وجل أعلم‏.‏

امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا لها ثُمَّ مَاتَتْ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ فَوَلَاءُ مُعْتَقَهَا لِوَلَدِهَا الذُّكُورِ إنْ كَانُوا من عَصَبَتِهَا وَعَقْلُهُ عليهم أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانُوا من غَيْرِ عَصَبَتِهَا فَوَلَاءُ مُعْتَقَهَا لِوَلَدِهَا الذُّكُورِ الَّذِينَ هُمْ من غَيْرِ عَصَبَتِهَا وَعَقْلُهُ على سَائِرِ عَصَبَتِهَا دُونَ وَلَدِهَا فَإِنْ القرض ‏[‏انقرض‏]‏ وَلَدُهَا وَخَلَّفُوا عَصَبَةً لهم لَيْسُوا من قَوْمِ الْمَرْأَةِ الْمُعْتِقَةِ وَلَهَا عَصَبَةٌ كان لِعَصَبَتِهَا دُونَ عَصَبَةِ ابْنِهَا لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْكِبَرِ وَأَنَّهُ لَا يُورَثُ وَكَذَلِكَ ما رُوِيَ عن عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال يَرْجِعُ الْوَلَاءُ إلَى عَصَبَتِهَا إذَا انْقَطَعَ وَلَدُهَا الذُّكُورُ وهو قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وإذا لم يَكُنْ لها عَصَبَةٌ من نَسَبٍ وكان لها موالي ‏[‏موال‏]‏ أَعْتَقُوهَا فَالْوَلَاءُ لِمَوَالِيهَا وكان شُرَيْحٌ يَجْعَلُ الْوَلَاءَ بَعْدَ بَنِيهَا لِعَصَبَةِ الْبَنِينَ دُونَ عَصَبَتِهَا لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْوَلَاءَ مِيرَاثًا كَالْمَالِ وَبَيَانُ هذه الْجُمْلَةِ امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ ابنها ‏[‏ابنا‏]‏ وَأَخًا لها ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ فَمَالُهُ لِابْنِهَا لَا لِأَخِيهَا بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ مَاتَ ابْنُهَا وَتَرَكَ أَخًا له وَأَبَاهُ فإن الْوَلَاءَ لِلْخَالِ دُونَ الْأَبِ لِأَنَّ الْخَالَ أَخٌ الْمُعْتِقَةِ وهو عَصَبَتُهَا وَالْأَبُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْتِقَةِ وَعَلَى قَوْلِ شُرَيْحٍ الْوَلَاءُ الذي لِلْأَخِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْأَبِ لَا لِلْخَالِ لِأَنَّ الْأَبَ عَصَبَةُ الِابْنِ‏.‏

وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ الِابْنُ وَتَرَكَ أَخًا لِأَبٍ أو عَمًّا أو جَدًّا من قِبَلِ أبيه أو تَرَكَ ابني عَمٍّ أو تَرَكَ مَوَالِيَ أبيه فَهَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ وَالْوَلَاءُ يَرْجِعُ إلَى عَصَبَةِ الْأُمِّ الْأَقْرَبُ منهم فَالْأَقْرَبُ إنْ كان لها بَنُو عَمٍّ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ وَإِنْ لم يَكُنْ وكان لها موالي ‏[‏موال‏]‏ أَعْتَقُوهَا يَرْجِعُ الْوَلَاءُ إلَيْهِمْ وفي قَوْلِ شُرَيْحٍ لَا يَرْجِعُ الْوَلَاءُ وَيَمْضِي على جِهَتِهِ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ أبي لَيْلَى أن للولاء ‏[‏الولاء‏]‏ لِلذُّكُورِ من وَلَدِهَا وَالْعَقْلُ عليهم أَيْضًا دُونَ سَائِرِ عَصَبَةِ الْمُعْتِقَةِ وَقَالَا كما يَرِثُونَهُ كَذَلِكَ يَعْقِلُونَ عنه لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ‏.‏

وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِمَا أَنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ رضي اللَّهُ عنهما اخْتَصَمَا إلَى عُمَرَ رضي اللَّهُ عنه في وَلَاءِ مولى صَفِيَّةَ بِنْتِ عبد الْمُطَّلِبِ فقال الزُّبَيْرُ هِيَ أُمِّي فَأَنَا أَرِثُهَا ولى وَلَاؤُهَا وقال عَلِيٌّ هِيَ عمتى وأنا عَصَبَتُهَا وأنا أَعْقِلُ عنها فَلِي وَلَاؤُهَا فَقَضَى عُمَرُ رضي اللَّهُ عنه بِالْوَلَاءِ لِلزُّبَيْرِ وَبِالْعَقْلِ على عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه وَالْمَعْنَى فيه أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمِيرَاثِ بِالْعُصُوبَةِ وَالِابْنُ في ذلك مُقَدَّمٌ على الْأَخِ وَابْنِ الْعَمِّ وَأَمَّا الْعَقْلُ فَبِالتَّنَاصُرِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الدِّيوَانِ يَتَعَاقَلُونَ بِالتَّنَاصُرِ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمْ وَلَا عُصُوبَةَ وَالتَّنَاصُرُ لها وَلِمَوْلَاهَا بِقَوْمِ أَبِيهَا لَا بابنِهَا كَذَلِكَ كان الْعَقْلُ عليهم وَاعْتِبَارُ الْعَقْلِ بِالْمِيرَاثِ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ الْعَقْلَ ليس يَتْبَعُ الْمِيرَاثَ لَا مَحَالَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَرِثُهُ وَلَدُهُ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَأَخَوَاتُهُ وَلَوْ جَنَى جِنَايَةً لها عَقْلٌ كان عَقْلُهَا على عَصَبَتِهِ دُونَ وَلَدِهِ وَأَخَوَاتِهِ وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَةً له ثُمَّ غَرِقَا جميعا وَلَا يَدْرِي أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا لم يَرِثْ الْمَوْلَى منها وكان مِيرَاثُهُ لِعَصَبَةِ الْمَوْلَى إنْ لم يَكُنْ لها وَارِثٌ‏.‏

وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْغَرْقَى وَالْهَدْمَى لَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عِنْدَنَا وهو قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ لِأَنَّ كُلَّ أَمْرَيْنِ حَادِثَيْنِ لَا يُعْرَفُ تَارِيخُهُمَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا وَالْمَسْأَلَةُ تُعْرَفُ في كتاب الْفَرَائِضِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَازِمٌ حتى لَا يَقْدِرَ الْمُعْتِقُ على إبْطَالِهِ حتى لو أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَائِبَةً بِأَنْ أَعْتَقَهُ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ سَائِبَةً لَا وِلَايَةَ له عليه كان شَرْطُهُ بَاطِلًا وَوَلَاؤُهُ له عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وقال مَالِكٌ وَلَاؤُهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِقَوْلِهِ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَكَذَا لَا يَمْلِكُ نَقْلَهُ إلَى غَيْرِهِ حتى لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ

وَهِبَتُهُ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ وَالْوَصِيَّةُ وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وقال بَعْضُهُمْ يَمْلِكُ نَقْلَهُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ أَنَّ أَسْمَاءَ رضي اللَّهُ عنها أَعْتَقَتْ عَبْدًا فَوَهَبَتْ الْوَلَاءَ لِابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنهما وَلَنَا قَوْلُهُ الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلِأَنَّ مَحَلَّ هذه التَّصَرُّفَاتِ الْمَالُ وَالْوَلَاءُ ليس بِمَالٍ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالنَّسَبِ وَأَمَّا ما رُوِيَ عن أَسْمَاءَ رضي اللَّهُ عنها فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَهَبَتْ له ما اسْتَحَقَّتْ بِالْوَلَاءِ وهو الْمَالُ فَرَوَاهُ الرَّاوِي وَلَاءً لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا بِالْوَلَاءِ أو يُحْمَلُ على هذا تَوْفِيقًا بين الدَّلَائِلِ‏.‏

وَكَذَا إذَا بَاعَ عَبْدًا وَشَرَطَ على الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهُ له فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لَلْمُشْتَرِي إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لم يَصِحَّ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ له لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها لَمَّا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ شَرَطَ عليها أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهَا لِمَوَالِيهَا فَخَطَبَ رسول اللَّهِ وقال في خُطْبَتِهِ ما بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ في كتاب اللَّهِ تَعَالَى كُلُّ شَرْطٍ ليس في كتاب اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كان مِائَةَ شَرْطٍ وَهَلْ يَحْتَمِلُ للولاء ‏[‏الولاء‏]‏ التَّحَوُّلَ من مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ يُنْظَرُ فيه إنْ ثَبَتَ بِإِيقَاعِ الْعِتْقِ فيه لَا يَتَحَوَّلُ أَبَدًا لِقَوْلِهِ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ أَلَزِمَ الْوَلَاءُ الْمُعْتِقَ وَإِنْ ثَبَتَ بِحُصُولِ الْعِتْقِ لِغَيْرِهِ تَبَعًا يَتَحَوَّلُ إذَا قام دَلِيلُ التَّحَوُّلِ‏.‏

وَبَيَانُ هذه الْجُمْلَةِ عِنْدَ تَزَوُّجِ أَمَةٍ لِقَوْمٍ فَوَلَدَتْ منه وَلَدًا فَأَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا وَوَلَدَهَا أو كانت حُبْلَى بِهِ حين أَعْتَقَهَا أو أَعْتَقَهَا فَوَلَدَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ لَأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ أو كانت مُعْتَدَّةً من طَلَاقٍ أو مَوْتٍ فَوَلَدَتْ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ من يَوْمِ الْمَوْتِ أو الطَّلَاقِ وقد أَعْتَقَ الْأَبَ رَجُلٌ آخَرُ كان وَلَاءُ الْوَلَدِ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ مع أُمِّهِ وَلَا يَتَحَوَّلُ إلَى مولى أبيه وَإِنْ أُعْتِقَ أَبُوهُ بَعْدَ ذلك لِأَنَّهُ لَمَّا أَعْتَقَهُمَا فَقَدْ ثَبَتَ وَلَاءُ الْوَلَدِ بِإِيقَاعِ الْعِتْقِ فيه فَلَا يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ وَكَذَا إذَا أَعْتَقَهَا وَهِيَ حُبْلَى لِمَا قُلْنَا وَكَذَا إذَا أَعْتَقَهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ من وَقْتِ الاعتاق لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِكَوْنِهِ في الْبَطْنِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّ الْوَلَدَ لا يُولَدُ لِأَقَلَّ من سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَثْبُتُ وَلَاؤُهُ بِالْإِعْتَاقِ فَلَا يَتَحَوَّلُ‏.‏

وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا يَتَحَوَّلُ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ لِأَنَّا لم نَعْلَمْ يَقِينًا أَنَّهُ كان في الْبَطْنِ وَقْتَ إعْتَاقِ الْأُمِّ فَيُجْعَلَ كَأَنَّهَا حَبِلَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ فَيَكُونَ حُرًّا تَبَعًا لِلْأُمِّ وَيَثْبُتَ له الْوَلَاءُ من مَوَالِي أُمِّهِ على جِهَةِ التَّبَعِيَّةِ وَوَلَاءُ الْوَلَدِ إذَا ثَبَتَ لِمَوَالِي الْأُمِّ على وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ يَتَحَوَّلُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ إذَا أُعْتِقَ الْأَبُ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عز وجل وإذا كانت الْأُمُّ مُعْتَدَّةً من طَلَاقٍ أو مَوْتٍ فإن نَسَبَ الْوَلَدِ يَثْبُتُ إلَى سَنَتَيْنِ لِأَنَّ الْوَطْءَ كان حَرَامًا فَيُجْعَلُ مُدَّةَ الْحَمْلِ سَنَتَيْنِ وَيُحْكَمُ بِكَوْنِ الْوَلَدِ في الْبَطْنِ يوم الْإِعْتَاقِ فإذا حَكَمْنَا بِوُجُودِهِ يوم الْإِعْتَاقِ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِالْإِعْتَاقِ فَلَا يَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِ وإذا كانت الْمُعْتَقَةُ تَحْتَ مَمْلُوكٍ فَوَلَدَتْ عَتَقَ الْوَلَدُ بِعِتْقِهَا لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ في الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَإِنْ أُعْتِقَ أَبُوهُ جَرَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَى مَوْلَاهُ هَكَذَا رُوِيَ عن عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال إذَا كانت الْحُرَّةُ تَحْتَ مَمْلُوكٍ فَوَلَدَتْ عَتَقَ الْوَلَدُ بِعِتْقِهَا فإذا أُعْتِقَ أَبُوهُ جَرَّ الْوَلَاءَ‏.‏

وَعَنْ الزُّبَيْرِ بن الْعَوَّامِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ أَبْصَرَ فِتْيَةً لَعْسَاءَ أَعْجَبَهُ ظُرْفُهُمْ وَأُمُّهُمْ مَوْلَاةٌ لِرَافِعِ بن خَدِيجٍ رضي اللَّهُ عنه وَأَبُوهُمْ عَبْدٌ لِبَعْضِ الْحُرْقَةِ من جُهَيْنَةَ أو لِبَعْضِ أَشْجَعَ فَاشْتَرَى الزُّبَيْرُ أَبَاهُمْ فاعتقه ثُمَّ قال انْتَسِبُوا إلَيَّ وقال رَافِعٌ بَلْ هُمْ مَوَالِيَّ فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنه في وَلَاءِ الْوَلَدِ فَقَضَى بِوَلَائِهِمْ لِلزُّبَيْرِ يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ جَرَّ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى مَوْلَاهُمْ وهو الزُّبَيْرُ حين أَعْتَقَهُ الزُّبَيْرُ وكان ذلك بِمَحْضَرٍ من الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ ولم يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عليه فَيَكُونَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ الْأَصْلَ في الْوَلَاءِ هو الْأَبُ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ وَالْأَبُ هو الْأَصْلُ في النَّسَبِ حتى يُنْسَبُ الْوَلَدُ إلَى الْأَبِ وَلَا يُنْسَبُ إلَى الْأُمِّ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ النسب ‏[‏النسبة‏]‏ إلَى الْأَبِ وَكَذَا في اعْتِبَارِ الْوَلَاءِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ جَانِبُ الْأُمِّ عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاعْتِبَارِ من جَانِبِ الْأَبِ بِأَنْ لم يَكُنْ من أَهْلِ الْوَلَاءِ وَلَا تَعَذُّرَ هَهُنَا فَيُعْتَبَرَ جَانِبُهُ وَلِأَنَّ الْإِرْثَ بِالْوَلَاءِ من طَرِيقِ الْعُصُوبَةِ وَالتَّعْصِيبُ من قِبَلِ الْأَبِ أَقْوَى فَكَانَ أَوْلَى‏.‏

وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ عَبْدًا ولم يَعْتِقْ كان وَلَاءُ وَلَدِهِ لِمَوَالِي الْأُمِّ أَبَدًا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ جَانِبِ الْأَبِ وَأَمَّا الْجَدُّ فَهَلْ يَجُرُّ وَلَاءَ الْحَافِدِ بِأَنْ كان لِلْأَبِ الذي هو عَبْدٌ أَبٌ عَبْدٌ وهو جَدُّ الصَّبِيِّ فَأُعْتِقَ الْجَدُّ وَالْأَبُ عَبْدٌ على حَالِهِ قال عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ لَا يَجُرُّ وَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْجَدِّ وَوَلَاءُ أَوْلَادِ ابْنِهِ الْعَبْدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ لَا لِمَوَالِي الْجَدِّ وقال الشَّعْبِيُّ يَجُرُّ وَيَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْجَدِّ وَجْهُ قَوْلِهِ أن الْجَدَّ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ في الْوِلَايَةِ فإن الْأَبَ إذَا كان عَبْدًا تَتَحَوَّلُ الْوِلَايَةُ إلَى الْجَدِّ فَكَذَا يَقُومُ مَقَامَهُ في جَرِّ الْوَلَاءِ وَالْإِسْلَامِ وَلَنَا أَنَّ الْأَبَ‏.‏

فَاصِلٌ بين الِابْنِ وَالْجَدِّ فَلَا يَكُونُ الِابْنُ تَابِعًا له في الْوَلَاءِ وَالْإِسْلَامِ ولأن الْجَدَّ لو جَرَّ الْوَلَاءَ لَكَانَ لَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي الْأُمِّ رَأْسًا إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَصْلَهُ يَكُونُ حُرًّا أَمَّا من الْجَدِّ أَيْ لِأَبِيهِ أو من قِبَلِهِ من الْأَجْدَادِ إلَى آدَمَ فلما ثَبَتَ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي الْأُمِّ في الْجُمْلَةِ ثَبَتَ أَنَّ الْجَدَّ لَا يَجُرُّ وَكَذَا لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْجَدِّ لِأَنَّهُ لو صَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ لَصَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ جَدِّ الْجَدِّ وَلَكَانَ الناس كلهم مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِ آدَمَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِرْقَاقُ أَحَدٍ وَالْمَعْلُومُ بِخِلَافِهِ فَثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ بِجَعْلِ الْوَلَدِ تَابِعًا لِلْجَدِّ في الْوَلَاءِ بَاطِلٌ وَأَمَّا بَيَانُ قَدْرِهِ فَالْوَلَاءُ يَثْبُتُ بِقَدْرِ الْعِتْقِ لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِهِ الْعِتْقُ وَالْحُكْمُ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ السَّبَبِ وَبَيَانُهُ في الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بين اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وهو مُوسِرٌ أو مُعْسِرٌ وقد ذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فيه في كتاب الْعَتَاقِ بِنَاءً على تجزي ‏[‏تجزؤ‏]‏ الْعِتْقِ وَعَدَمِ تجزيه ‏[‏تجزئه‏]‏ وَالله أعلم‏.‏

وَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِ الْوَلَاءِ فَلَهُ أَحْكَامٌ منها الْمِيرَاثُ وهو أَنْ يَرِثَ الْمُعْتِقُ مَالَ الْمُعْتَقِ لِمَا ذَكَرْنَا من الْأَدِلَّةِ وَيَرِثُ مَالَ أَوْلَادِهِ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِ الْإِرْثِ وهو ما ذَكَرْنَا وَمِنْهَا تَحَمُّلُ الْعَقْلِ لِلتَّقْصِيرِ في النُّصْرَةِ وَالْحِفْظِ‏.‏ وَمِنْهَا وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَصَبَاتِ ثُمَّ إذَا وَرِثَ الْمُعْتِقُ مَالَ الْمُعْتَقِ فَإِنْ كان المعتق ‏[‏العتق‏]‏ مَعْلُومًا يُدْفَعْ إلَيْهِ وَإِنْ لم يُعْلَمْ تَوَقَّفَ الْوَلَاءُ كما إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ كان قد أَعْتَقَهُ قبل أَنْ يَبِيعَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ إذَا جَحَدَ الْبَائِعُ ذلك فَإِنْ صَدَّقَهُ بَعْدَ ذلك لَزِمَهُ الْوَلَاءُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ على الْمُشْتَرِي‏.‏

وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ وَرَثَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَمَّا حُرِّيَّةُ الْعَبْدِ فإن إعْتَاقَ الْبَائِعِ إنْ لم يَثْبُتْ في حَقِّ الْبَائِعِ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي لِتَكْذِيبِ الْبَائِعِ إيَّاهُ فَقَدْ ثَبَتَ في حَقِّهِ لِأَنَّهُ في إقْرَارِهِ على نَفْسِهِ مُصَدَّقٌ إنْ لم يُصَدَّقْ على غَيْرِهِ فَيَثْبُتُ إعْتَاقُ الْبَائِعِ حَقَّهُ فَيَثْبُتُ حُرِّيَّةُ الْعَبْدِ في حَقِّهِ لَكِنْ ليس له أَنْ يَرْجِعَ بِالثَّمَنِ على الْبَائِعِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْإِعْتَاقِ لم يَنْفُذْ في حَقِّهِ لِتَكْذِيبِهِ إيَّاهُ فلم يَثْبُتْ عِتْقُ الْعَبْدِ في حَقِّهِ‏.‏

وَأَمَّا كَوْنُ الْوَلَاءِ مَوْقُوفًا فَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ منه الْإِقْرَارُ بِإِعْتَاقِ الْعَبْدِ عن نَفْسِهِ وَلَا يُمْكِنُ ءثباته ‏[‏إثباته‏]‏ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي لم يَنْفُذْ عليه فلم يَكُنْ الْعِتْقُ مَعْلُومًا فَبَقِيَ وَلَاءُ الْعَبْدِ مَوْقُوفًا على تَصْدِيقِ الْبَائِعِ له وَوَرَثَتِهِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ لَزِمَهُ الْوَلَاءُ لِوُجُودِ الْإِعْتَاقِ منه بِإِقْرَارِهِ وَلَزِمَهُ رَدُّ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ حُرًّا وَكَذَا إذَا مَاتَ الْبَائِعُ فَصَدَّقَهُ وَرَثَةُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ وَرَثَتَهُ قَامُوا مَقَامَ الْمَيِّتِ فَصَارَ تَصْدِيقُهُمْ كَتَصْدِيقِ الْمَيِّتِ هذا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِإِعْتَاقِ الْبَائِعِ فإنه أَقَرَّ بِتَدْبِيرِهِ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ فَمَاتَ الْبَائِعُ عَتَقَ الْعَبْدُ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي بِالتَّدْبِيرِ من الْبَائِعِ إقْرَارٌ منه بِإِعْتَاقِهِ الْعَبْدَ بَعْدَ مَوْتِهِ فإذا مَاتَ نَفَذَ إقْرَارُهُ في حَقِّهِ إنْ لم يَنْفُذْ في حَقِّ الْبَائِعِ لِمَا قُلْنَا فَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّةِ الْعَبْدِ على الْمُشْتَرِي وَوَلَاؤُهُ يَكُونُ مَوْقُوفًا لِمَا قُلْنَا إلَّا إذَا صَدَّقَهُ وَرَثَةُ الْبَائِعِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَلْزَمُ الْوَلَاءُ الْبَائِعَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تلزمه ‏[‏يلزمه‏]‏ في هذا وفي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ وَلَاءَ الْمَيِّتِ لم يَثْبُتْ فَالْوَرَثَةُ بِالتَّصْدِيقِ يُرِيدُونَ إثْبَاتَ وَلَاءٍ لم يَثْبُتْ فَلَا يَمْلِكُونَ ذلك كما لَا يَمْلِكُونَ إثْبَاتَ النَّسَبِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ تَصْدِيقَهُمْ إقْرَارٌ منهم بِمَا يَمْلِكُونَ إنْشَاءَ سَبَبِهِ في الْحَالِ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ إعْتَاقَ الْعَبْدِ لِلْحَالِ فَكَانَ إقْرَارًا على أَنْفُسِهِمْ بِثُبُوتِ الْوَلَاءِ لهم في الْحَقِيقَةِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُمْ في حَقِّ أَنْفُسِهِمْ بِثُبُوتِ الْوَلَاءِ‏.‏

وَكَذَلِكَ أَمَةٌ بين رَجُلَيْنِ شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أنها أُمُّ وَلَدٍ من صَاحِبِهِ وَصَاحِبُهُ يُنْكِرُ فإذا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ وَوَلَاؤُهَا مَوْقُوفٌ أَمَّا الْعِتْقُ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدِ مِنْهُمَا أَقَرَّ على صَاحِبِهِ بِعِتْقِهَا عِنْدَ مَوْتِ صَاحِبِهِ فَيَصِحُّ إقْرَارُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا في حَقِّ نَفْسِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهَا مَوْقُوفًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفَى الْوَلَاءَ عن نَفْسِهِ وَأَلْحَقَهُ بِصَاحِبِهِ فَانْتَفَى عن نَفْسِهِ ولم يَلْحَقْ بِصَاحِبِهِ فَبَقِيَ مَوْقُوفًا وَكَذَلِكَ عَبْدٌ بين رَجُلَيْنِ قال كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ إنَّك قد أَعْتَقْت هذا الْعَبْدَ وَجَحَدَ الْآخَرُ فَالْعَبْدُ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ حتى لو مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا لم يَرِثْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَيُوقَفُ في بَيْتِ الْمَالِ إلَى أَنْ يُصَدِّقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ لِمَا قُلْنَا‏.‏

وَعَلَى هذا مَسَائِلُ ثُمَّ كُلُّ وَلَاءٍ مَوْقُوفٌ فَمِيرَاثُهُ يُوقَفُ في بَيْتِ الْمَالِ وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ على نَفْسِهِ لَا يَعْقِلُ عنه بَيْتُ الْمَالِ وَإِنَّمَا يُوقَفُ مِيرَاثُهُ بِبَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ وَلَاءَهُ مَوْقُوفٌ لَا يُعْرَفُ لِمَنْ هو فَكَانَ مِيرَاثُهُ مَوْقُوفًا أَيْضًا لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ فَيُوقَفُ في بَيْتِ الْمَالِ كَاللُّقْطَةِ وَأَمَّا جِنَايَتُهُ فَإِنَّمَا لَا تُتَحَمَّلُ عنه بِبَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ له عَاقِلَةً غير بَيْتِ الْمَالِ وهو نَفْسُهُ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ عَقْلِهِ على بَيْتِ الْمَالِ وَيَصِيرُ هو عَاقِلَةَ نَفَسِهِ في هذه الْحَالَةِ لِجَهَالَةِ مَوْلَاهُ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فإنه لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا أَحَدُهُمَا وهو غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيُوضَعُ في بَيْتِ الْمَالِ ضَرُورَةً وَهَذَا بِخِلَافِ اللَّقِيطِ أنه يَرِثُهُ بَيْتُ الْمَالِ وَيَعْقِلُ عنه أَيْضًا لِأَنَّ هَهُنَا ولاؤه ‏[‏ولاءه‏]‏ كان ثَابِتًا من إنْسَانٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ الْعَقْلُ على بَيْتِ الْمَالِ إذَا لم يَكُنْ له وَلَاءٌ ثَابِتٌ إلَّا أَنَّ مِيرَاثَهُ يُوضَعُ في بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ وَلَا يَثْبُتُ وَلَاءُ اللَّقِيطِ من أَحَدٍ فَكَانَ عَقْلُهُ على بَيْتِ الْمَالِ كما أَنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَاَللَّهُ عز وجل أعلم‏.‏

وَأَمَّا بَيَانُ ما يَظْهَرُ بِهِ الْوَلَاءُ فَالْوَلَاءُ يَظْهَرُ بِالْبَيِّنَةِ مَرَّةً وَبِالْإِقْرَارِ أُخْرَى أَمَّا الْبَيِّنَةُ فَنَحْوُ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ أَنَّهُ وَارِثُهُ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَيَشْهَدُ له شَاهِدَانِ أَنَّ هذا الْحَيَّ أَعْتَقَ هذا الْحَيَّ أو أَعْتَقَ هذا الْمَيِّتَ وهو يَمْلِكُهُ وهو وَارِثُهُ وَلَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا غَيْرَهُ جَازَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا شَهَادَةً مُفَسَّرَةً لَا جَهَالَةَ فيها فَقُبِلَتْ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ مَوْلَاهُ وَأَنَّهُ وَارِثُهُ لَا وَارِثَ له غَيْرُهُ لم تَجُزْ الشَّهَادَةُ حتى يُفَسَّرَ الْوَلَاءُ لِأَنَّ الْوَلَاءَ يَخْتَلِفُ قد يَكُونُ وَلَاءَ عَتَاقَةٍ وقد يَكُونُ وَلَاءَ مُوَالَاةٍ وَأَحْكَامُهَا تَخْتَلِفُ فما لم يُفَسَّرْ كان مَجْهُولًا فَلَا يُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عليه وَكَذَلِكَ لو شَهِدُوا أَنَّ الْمَيِّتَ مَوْلَاهُ مولى الْعَتَاقَةِ أَيْضًا لم يَجُزْ لِأَنَّ مولى الْعَتَاقَةِ نَوْعَانِ أَعْلَى وَأَسْفَل وَاسْمُ الْمَوْلَى يُسْتَعْمَلُ في كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا على السَّوَاءِ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إلَّا بِالْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ وَلَاءَهُ بِالْعِتْقِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً جُعِلَ مِيرَاثُهُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا في سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وهو الدَّعْوَى وَالْحَجَّةُ فَيَسْتَوِيَانِ في الِاسْتِحْقَاقِ وَلَوْ وَقَّتَا وَقْتًا فَالسَّابِقُ وَقْتًا أَوْلَى لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْعِتْقَ في وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فيه صَاحِبُهُ وكان الثَّانِي مُسْتَحِقًّا عليه وَلَوْ كان هذا في وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ كان صَاحِبُ الْوَقْتِ الْآخَرِ أَوْلَى لِأَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَالْفَسْخَ فَكَانَ عَقْدُ الثَّانِي نَقْضًا لِلْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ شُهُودُ صَاحِبِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ كان قد عَقَلَ عنه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَأَشْبَهَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَإِنْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وهو يَمْلِكُهُ لَا يَعْلَمُونَ له وَارِثًا سِوَاهُ فَقَضَى له الْقَاضِي بِمِيرَاثِهِ وَوَلَائِهِ ثُمَّ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ على مِثْلِ ذلك لم يُقْبَلْ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ اشْتَرَى من الْأَوَّلِ قبل أَنْ يُعْتِقَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ وهو يَمْلِكُهُ فَيَبْطُلُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِقَضِيَّةٍ فإنه لَا يَسْمَعُ ما يُنَافِيهَا إلَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ كان بَاطِلًا وإذا لم يَشْهَدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ من الْأَوَّلِ قبل أَنْ يُعْتِقَهُ ثُمَّ يَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ فَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ من الثَّانِي إلَّا إذَا قَامَتْ على الشِّرَاءِ من الْأَوَّلِ قبل أَنْ يُعْتِقَهُ فَيُقْبَلُ وَيَقْضِي الثاني ‏[‏للثاني‏]‏ وَيَبْطُلُ قَضَاؤُهُ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَعْتَقَ ما لَا يَمْلِكُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا وَصَحَّ الثَّانِي‏.‏

وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَنَحْوُ أَنْ يُقِرَّ رَجُلٌ أَنَّهُ مَوْلًى لِفُلَانٍ مولى عَتَاقَةٍ من فَوْقُ أو تَحْتُ وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ وهو مَوْلَاهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عنه قَوْمُهُ لِأَنَّ الْوَلَاءَ سَبَبٌ يُتَوَارَثُ بِهِ فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ كَالنَّسَبِ وَالنِّكَاحِ فَإِنْ كان له أَوْلَادٌ كِبَارٌ فَأَنْكَرُوا ذلك وَقَالُوا أَبُونَا مولى الْعَتَاقَةِ لِفُلَانٍ آخَرَ فَالْأَبُ مُصَدَّقٌ على نَفَسِهِ وَأَوْلَادُهُ مُصَدَّقُونَ على أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَبِ على الْأَوْلَادِ الْكِبَارِ فَلَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ عليهم وَيَصِحُّ إقْرَارُهُمْ على أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّ لهم وِلَايَةً على أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ كان الْأَوْلَادُ صِغَارًا كان الْأَبُ مُصَدَّقًا لِأَنَّهُ له وِلَايَةٌ على أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو عَقَدَ مع إنْسَانٍ عَقْدَ الْوَلَاءِ تَبِعَهُ أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ الْأُمُّ وَنَفَتْ وَلَاءَهُ لم يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهَا وَيُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْأَبِ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا كان حَيًّا كانت الْوِلَايَةُ له وَالْوَلَاءُ يُشْبِهُ النَّسَبَ وَالنَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ وَكَذَلِكَ إنْ قالت هُمْ وَلَدِي من غَيْرِك لم تُصَدَّقْ لِأَنَّهُمْ في يَدِ الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ فَلَا تُصَدَّقُ الْأُمُّ أَنَّهُمْ لِغَيْرِهِ فَإِنْ قالت وَلَدْته بَعْدَ عِتْقِي بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مولى الْمَوَالِي وقال الزَّوْجُ وَلَدْتِيهِ بَعْدَ عِتْقِك بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْوَلَدَ ظَهَرَ في حَالٍ يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأَبِ وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِي أنها وَلَدَتْ في حَالٍ يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأُمِّ فَكَانَ الْحَالُ شَاهِدًا لِلزَّوْجِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَنَظِيرُ هذا الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ إذَا اخْتَلَفَا‏.‏

فقال أَحَدُهُمَا كان النِّكَاحُ قبل سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْوَلَدُ من الزَّوْجِ وقال الْآخَرُ كان النِّكَاحُ مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الذي يَدَّعِي أَنَّ النِّكَاحَ قبل سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الْوَلَدَ ظَهَرَ في حَالِ إثْبَاتِ النَّسَبِ من الزَّوْجِ وهو حَالُ قِيَامِ النِّكَاحِ وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ في الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّوَارُثِ فَيَسْتَوِي فيه الصِّحَّةُ وَالْمَرَضُ كَالنَّسَبِ وَالنِّكَاحِ وَلَوْ قال أعتقي ‏[‏أعتقني‏]‏ فُلَانٌ أو فُلَانٌ وَادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا على صَاحِبِهِ فَهَذَا الْإِقْرَارُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَجْهُولٍ فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ ذلك لِأَحَدِهِمَا أو لِغَيْرِهِ أَنَّهُ مَوْلَاهُ جَازَ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ وَقَعَ بَاطِلًا لِجَهَالَةِ الْمُقَرِّ له وَالْوَلَاءُ لَا يَثْبُتُ من الْمَجْهُولِ كَالنَّسَبِ فَبَطَلَ وَالْتَحَقَ بِالْعَدَمِ فَبَعْدَ ذلك له أَنْ يُقِرَّ لِمَنْ شَاءَ وَاَللَّهُ عز وجل أعلم‏.‏

فصل وَلَاء الْمُوَالَاةِ

وَأَمَّا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ فَالْكَلَامُ فيه في مَوَاضِعَ في بَيَانِ ثُبُوتِهِ شَرْعًا وفي بَيَانِ سَبَبِ الثُّبُوتِ وفي بَيَانِ شَرَائِطِ الثُّبُوتِ وفي بَيَانِ صِفَةِ السَّبَبِ وفي بَيَانِ حُكْمِهِ وفي بَيَانِ صِفَةِ الْحُكْمِ وفي بَيَانِ ما يَظْهَرُ بِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ اُخْتُلِفَ في ثُبُوتِ هذا الْوَلَاءِ قال أَصْحَابُنَا أنه ثَابِتٌ وَيَقَعُ بِهِ التَّوَارُثُ وهو قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وهو قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وقال زَيْدُ بن ثَابِتٍ رضي اللَّهُ عنه أنه يُورَثُ بِهِ وَيُوضَعُ في بَيْتِ الْمَالِ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ‏.‏

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أن في عَقْدِ الْوَلَاءِ إبْطَالَ حَقِّ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ لِلْعَاقِدِ وَارِثٌ كان وَرَثَتُهُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عنه فَقَامُوا مَقَامَ الْوَرَثَةِ الْمُعَيَّنِينَ وَكَمَا لَا يَقْدِرُ على إبْطَالِ حَقِّهِمْ لَا يَقْدِرُ على إبْطَالِ حَقِّ من قام مَقَامَهُمْ وَلِهَذَا قَالَا إذَا أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ لِإِنْسَانٍ وَلَا وَارِثَ له لم يَصِحَّ لِأَنَّهُ إذَا لم يَكُنْ له وَارِثٌ مُعَيَّنٌ كان وَارِثُهُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّهِمْ كَذَا هذا وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا بِالْكتاب وَالسَّنَةِ وَالْمَعْقُولِ‏.‏

أَمَّا الْكتاب الْكَرِيمُ فَقَوْلُهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ‏}‏ وَالْمُرَادُ من النَّصِيبِ الْمِيرَاثُ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَضَافَ النَّصِيبَ إلَيْهِمْ فَيَدُلُّ على قِيَامِ حَقٍّ لهم مُقَدَّرٍ في التَّرِكَةِ وهو الْمِيرَاثُ لِأَنَّ هذا مَعْطُوفٌ على قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ‏}‏ لَكِنْ عِنْدَ عَدَمِ ذَوِي الْأَرْحَامِ عَرَفْنَاهُ بِقَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏وأولو ‏[‏وأولوا‏]‏ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ في كتاب اللَّهِ‏}‏ وَأَمَّا السُّنَّةُ فما رُوِيَ عن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَمَّنْ أَسْلَمَ على يَدَيْ رَجُلٍ وَوَالَاهُ فقال هو أَحَقُّ الناس بِهِ مَحْيَاهُ وَمَمَاتَهُ أَيْ حَالَ حَيَاتِهِ وَحَالَ مَوْتِهِ أَرَادَ بِهِ مَحْيَاهُ في الْعَقْلِ وَمَمَاتَهُ في الْمِيرَاثِ‏.‏

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ إنَّمَا يَرِثُ بِوَلَاءِ الْإِيمَانِ فَقَطْ لِأَنَّهُ بَيْتُ مَالِ الْمُؤْمِنِينَ قال اللَّهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ‏}‏ وَلِلْمَوْلَى هذا الْوَلَاءُ وَوَلَاءُ الْمُعَاقَدَةِ فَكَانَ أَوْلَى من عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ مولى الْعَتَاقَةِ أَوْلَى من بَيْتِ الْمَالِ لِلتَّسَاوِي في وَلَاءِ الْإِيمَانِ وَالتَّرْجِيحُ لِوَلَاءِ الْعِتْقِ كَذَا هذا إلَّا أَنَّ مولى الْمُوَالَاةِ يَتَأَخَّرُ عن سَائِرٍ الْأَقَارِبِ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ يَتَقَدَّمُ على ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّ الْوَلَاءَ بِالرَّحِمِ فَوْقَ الْوَلَاءِ بِالْعَقْدِ فَيُخَلَّفُ عن ذَوِي الْأَرْحَامِ وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ بِمَا تَقَدَّمَ من النِّعْمَةِ بِالْإِعْتَاقِ الذي هو إحْيَاءُ وَإِيلَادُ مَعْنًى الحق بِالتَّعْصِيبِ من حَيْثُ الْمَعْنَى وَلِذَلِكَ قال الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمَا أن جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَرَثَتُهُ فَلَا يَقْدِرُ على إبْطَالِ حَقِّهِمْ بِالْعَقْدِ فَنَقُولُ إنَّمَا يَصِيرُونَ وَرَثَتَهُ إذَا مَاتَ قبل الْمُعَاقَدَةِ فَأَمَّا بَعْدَ الْمُعَاقَدَةِ فَلَا وَالدَّلِيلُ على بُطْلَانِ هذا الْكَلَامِ أَنَّهُ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِالثُّلُثِ وَلَوْ كان كَذَلِكَ لَمَا صَحَّتْ لِكَوْنِهَا وَصِيَّةً لِلْوَارِثِ وَأَمَّا سَبَبُ ثُبُوتِهِ فَالْعَقْدُ وهو الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وهو أَنْ يَقُولَ الذي أَسْلَمَ على يَدِ إنْسَانٍ له أو لِغَيْرِهِ أنت مَوْلَايَ تَرِثُنِي إذَا مِتّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْت فَيَقُولَ قَبِلْت سَوَاءٌ قال ذلك لِلَّذِي أَسْلَمَ على يَدَيْهِ أو لِآخَرَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْإِرْثَ وَالْعَقْلَ في الْعَقْدِ‏.‏

وَلَوْ أَسْلَمَ على يَدِ رَجُلٍ ولم يُوَالِهِ وَوَالَى غَيْرَهُ فَهُوَ مَوْلًى لِلَّذِي وَالَاهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَ عَطَاءٍ هو مَوْلًى لِلَّذِي أَسْلَمَ على يَدِهِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِقَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ‏}‏ جَعَلَ الْوَلَاءَ لِلْعَاقِدِ وَكَذَا لم يُنْقَلْ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَثْبَتُوا الْوَلَاءَ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ وَكُلُّ الناس كَانُوا يُسْلِمُونَ على عَهْدِ رسول اللَّهِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وكان لَا يقول أَحَدٌ لِمَنْ أَسْلَمَ على يَدِ أَحَدٍ أَنَّهُ ليس له أَنْ يُوَالِيَ غير الذي أَسْلَمَ على يَدِهِ فَثَبَتَ أَنَّ نَفْسَ الْإِسْلَامِ على يَدِ رَجُلٍ ليس سَبَبًا لِثُبُوتِ الْوَلَاءِ له بَلْ السَّبَبُ هو الْعَقْدُ فما لم يُوجَدْ لَا يَثْبُتُ الْإِرْثُ وَالْعَقْلُ‏.‏

وَأَمَّا شَرَائِطُ الْعَقْدِ فَمِنْهَا عَقْلُ الْعَاقِدِ إذْ لَا صِحَّةَ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِدُونِ الْعَقْلِ وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَهُوَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ في جَانِبِ الْإِيجَابِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْإِيجَابُ من الصَّبِيِّ وَإِنْ كان عَاقِلًا حتى لو أَسْلَمَ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ على يَدِ رَجُلٍ وَالَاهُ لم يَجُزْ وَإِنْ أَذِنَ أَبُوهُ الْكَافِرُ بِذَلِكَ لِأَنَّ هذا عَقْدٌ وَعُقُودُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إنَّمَا يَقِفُ على إذْنِ وَلِيِّهِ وَلَا وِلَايَةَ لِلْأَبِ الْكَافِرِ على وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ فَكَانَ إذْنُهُ وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ سَائِرُ عُقُودِهِ بِإِذْنِهِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَذَا عقود ‏[‏عقد‏]‏ الْمُوَالَاةِ وَأَمَّا من جَانِبِ الْقَبُولِ فَهُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ حتى لو وَالَى بَالِغٌ صَبِيًّا فَقَبِلَ الصَّبِيُّ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا على إجَازَةِ أبيه أو وَصِيِّهِ فَإِنْ أَجَازَ جَازَ لِأَنَّ هذا نَوْعُ عَقْدٍ فَكَانَ قَبُولُ الصَّبِيِّ فيه بِمَنْزِلَةِ قَبُولِهِ في سَائِرِ الْعُقُودِ فَيَجُوزُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَوَصِيِّهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَلِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ أَنْ يَقْبَلَا عنه كما في الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ‏.‏

وَكَذَلِكَ لو وَالَى رَجُلٌ عَبْدًا فَقَبِلَ الْعَبْدُ وَقَفَ على إجَازَةِ الْمَوْلَى فإذا أَجَازَ جَازَ إلَّا أَنَّ في الْعَبْدِ إذَا أَجَازَ الْمَوْلَى فَالْوَلَاءُ من الْمَوْلَى وفي الصَّبِيِّ إذَا أَجَازَ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ من الصَّبِيِّ وَإِنَّمَا كان كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شيئا فَوَقَعَ قَبُولُهُ لِمَوْلَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو اشْتَرَى شيئا كان المشتري لِمَوْلَاهُ فَأَمَّا الصَّبِيُّ فَهُوَ من أَهْلِ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو اشْتَرَى شيئا كان المشتري له وَلَوْ وَالَى رَجُلٌ مُكَاتَبًا جَازَ وكان مَوْلًى لِمَوْلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ قَبُولَ الْمُكَاتَبِ صَحِيحٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ فَجَازَ قَبُولُهُ إلَّا أَنَّ الْوَلَاءَ يَكُونُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ ليس من أَهْلِ الْوَلَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لو كَاتَبَ عَبْدًا فَأَدَّى وَعَتَقَ كان الْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فإنه من أَهْلِ الْوَلَاءِ أَلَا يرى أَنَّ الْأَبَ لو كَاتَبَ عَبْدَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَأَدَّى فَعَتَقَ ثَبَتَ الْوَلَاءُ من الِابْنِ‏.‏

وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ هذا الْعَقْدِ فَيَصِحُّ فَتَجُوزُ مُوَالَاةُ الذِّمِّيِّ الذِّمِّيَّ وَالذِّمِّيِّ الْمُسْلِمَ وَالْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَلَوْ أَوْصَى ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ أو لِمُسْلِمٍ أو مُسْلِمٌ لِذِمِّيٍّ بِالْمَالِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ كَذَا الْمُوَالَاةُ وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا وَالَى ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْأَسْفَلُ جَازَ لِمَا قُلْنَا وَكَذَا الذُّكُورَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَتَجُوزُ مُوَالَاةُ الرَّجُلِ امْرَأَةً وَالْمَرْأَةِ رَجُلًا وَكَذَا دَارُ الْإِسْلَامِ حتى لو أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ فَوَالَى مُسْلِمًا في دَارِ الْإِسْلَام أو في دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ مَوْلَاهُ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ عَقْدٌ من الْعُقُودِ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَبِدَارِ الْإِسْلَامِ وَبِدَارِ الْحَرْبِ وَاَللَّهُ عز وجل أعلم‏.‏

وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْعَاقِدِ وَارِثٌ وهو أَنْ لَا يَكُونَ له من أَقَارِبِهِ من يَرِثُهُ فَإِنْ كان لم يَصِحَّ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ أَقْوَى من الْعَقْدِ وَلِقَوْلِهِ عز وجل‏:‏ ‏{‏وأولو ‏[‏وأولوا‏]‏ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ في كتاب اللَّهِ‏}‏ وَإِنْ كان له زَوْجٌ أو زَوْجَةٌ يَصِحُّ الْعَقْدُ وتعطي نَصِيبُهَا وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ من الْعَرَبِ حتى لو وَالَى عَرَبِيٌّ رَجُلًا من غَيْرِ قَبِيلَتِهِ لم يَكُنْ مَوْلَاهُ وَلَكِنْ يُنْسَبُ إلَى عَشِيرَتِهِ وَهُمْ يَعْقِلُونَ عنه لِأَنَّ جَوَازَ الْمُوَالَاةِ لِلتَّنَاصُرِ وَالْعَرَبُ يَتَنَاصَرُونَ بِالْقَبَائِلِ وَإِنَّمَا تَجُوزُ مُوَالَاةُ الْعَجَمِ لِأَنَّهُمْ ليس لهم قَبِيلَةٌ فَيَتَنَاصَرُونَ بها فَتَجُوزُ مُوَالَاتُهُمْ لِأَجْلِ التَّنَاصُرِ‏.‏

وَأَمَّا الذي هو من الْعَرَبِ فَلَهُ قَبِيلَةٌ يَنْصُرُونَهُ وَالنُّصْرَةُ بِالْقَبِيلَةِ أَقْوَى فَلَا يَصِيرُ مَوْلًى وَلِهَذَا لم يَثْبُتْ عليه وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ وَكَذَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لم يَثْبُتْ عليه وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ مع أَنَّهُ أَقْوَى فَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ أَوْلَى وَكَذَا لو وَالَتْ امْرَأَةٌ من الْعَرَبِ رَجُلًا من غَيْرِ قَبِيلَتِهَا لِمَا بَيَّنَّا وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ من مَوَالِي الْعَرَبِ لِأَنَّ مَوْلَاهُمْ منهم لِقَوْلِهِ وأن مولى الْقَوْمِ منهم وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مُعْتَقَ أَحَدٍ فَإِنْ كان لَا يَصِحُّ منه عَقْدُ الْمُوَالَاةِ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ أَقْوَى من وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَلَا يَجُوزُ رَفْعُ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ قد عَقَلَ عنه بَيْتُ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَقَلَ عنه بَيْتُ الْمَالِ فَقَدْ صَارَ وَلَاؤُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ تَحْوِيلُهُ إلَى وَاحِدٍ منهم بِعَيْنِهِ فَإِنْ كان قد عَقَلَ عنه لم يَجُزْ أَبَدًا لِأَنَّهُ سَوَاءٌ كان عَاقَدَ غَيْرَهُ فَعَقَلَ عنه أو عَقَلَ عنه بَيْتُ الْمَالِ حتى لو مَاتَ فإن مِيرَاثَهُ لِمَنْ عَاقَدَهُ أَوَّلًا فَعَقَلَ عنه أو لِبَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَاقَدَ غَيْرَهُ فَعَقَلَ عنه فَقَدْ تَأَكَّدَ عَقْدُهُ وَلَزِمَ وَخَرَجَ عن احْتِمَالِ النَّقْضِ وَالْفَسْخِ لِمَا يُذْكَرُ فَلَا يَصِحُّ مُعَاقَدَتُهُ غَيْرَهُ‏.‏

وَكَذَا إذَا عَقَلَ عن الذي يُوَالِيهِ وَإِنْ كان عَاقَدَ غَيْرَهُ ولم يَعْقِلْ عنه جَازَ عَقْدُهُ مع آخَرَ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ بِدُونِ الْعَقْلِ غَيْرُ لَازِمٍ فَكَانَ إقْدَامُهُ على الثَّانِي فَسْخًا لِلْأَوَّلِ وَأَمَّا صِفَةُ الْعَقْدِ فَهُوَ أَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ حتى لو وَالَى رَجُلًا كان له أَنْ يَتَحَوَّلَ عنه بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَمْلِكُ بِهِ شيء فلم يَكُنْ لَازِمًا كَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَالْوَصِيَّةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ فَكَذَا عَقْدُ الْمُوَالَاةِ إلَّا إذَا عَقَلَ عنه لِأَنَّهُ إذَا عَقَلَ عنه فَقَدْ تَأَكَّدَ الْعَقْلُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وفي التَّحَوُّلِ بِهِ إلَى غَيْرِهِ فَسْخُ قَضَائِهِ فَلَا يَمْلِكُ فَسْخَ الْقَضَاءِ وَكَذَا له أَنْ يَفْسَخَهُ صَرِيحًا قبل أَنْ يَعْقِلَ عنه لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ غَيْرِ لَازِمٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ من الْعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ كَسَائِرِ الْعُقُودِ التي هِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَلِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ يَجُوزُ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ يَجُوزُ لِلْآخَرِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْقَابِلَةِ لِلْفَسْخِ وهاهنا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ وهو الْقَابِلُ فَكَذَا الْآخَرُ إلَّا أَنَّهُ ليس له أَنْ يَفْسَخَهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْآخَرِ أَيْ بِعِلْمِهِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْآخَرِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ مَقْصُورًا من غَيْرِ عِلْمِهِ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ مَقْصُورًا من غَيْرِ عِلْمِهِ‏.‏

إلَّا أَنْ يُوَالِيَ الْأَسْفَلُ آخَرَ فَيَكُونُ ذلك نَقْضًا دَلَالَةً وَإِنْ لم يَحْضُرْ صَاحِبُهُ أو انْتِقَاضًا ضَرُورَةً لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مُوَالَاةَ غَيْرِهِ إلَّا بِانْفِسَاخِ الْأَوَّلِ فَيَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ دَلَالَةً وَضَرُورَةً وقد يَثْبُتُ الشَّيْءُ دَلَالَةً أو ضَرُورَةً وَإِنْ كان لَا يَثْبُتُ قَصْدًا كَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ عَزَلَهُ وَالْوَكِيلُ غَائِبٌ لم يَعْلَمْ بِهِ لم يَصِحَّ عَزْلُهُ وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدَ أو أَعْتَقَهُ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ عَلِمَ أو لم يَعْلَمْ كَذَا هذا وَالله الموفق‏.‏

وَأَمَّا حُكْمُ الْعَقْدِ فَالْعَقْلُ في حَالِ الْحَيَاةِ وَالْإِرْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ وهو أَنَّ الْمَوْلَى الْأَعْلَى يَعْقِلُ عنه في حَالِ حَيَاتِهِ وَيَرِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَرِثُ الْأَعْلَى من الْأَسْفَلِ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَا من الدَّلَائِلِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَيَرِثُ الْأَسْفَلُ من الْأَعْلَى أَيْضًا إذَا شَرَطَا ذلك في الْمُعَاقَدَةِ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ أَنَّ هُنَاكَ يَرِثُ الْأَعْلَى من الْأَسْفَلِ وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ من الْأَعْلَى لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ هُنَاكَ وُجِدَ من الْأَعْلَى لَا من الْأَسْفَلِ وهو الْعِتْقُ وَالسَّبَبُ هَهُنَا الْعَقْدُ وقد شُرِطَ فيه التَّوَارُثُ من الْجَانِبَيْنِ فَيُعْتَبَرُ ذلك لقوله الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ وَكَمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْوَلَاءِ في الرِّجَالِ يَثْبُتُ في أَوْلَادِهِمْ الصِّغَارِ تَبَعًا لهم حتى لو وَالَى إنْسَانًا وَلَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ صَارُوا مَوَالِيَ لِلَّذِي وَالَاهُ الْأَبُ‏.‏

وَكَذَا إذَا وَالَى إنْسَانًا ثُمَّ وُلِدَ له أَوْلَادٌ دَخَلُوا في وَلَاءِ الْأَبِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَلِأَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةٌ على وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَيَنْفُذُ عَقَدُهُ عليه وَلَا يَصِيرُ أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ مَوَالِيَ بِمُوَالَاةِ الْأَبِ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ وَالْوِلَايَةِ بِالْبُلُوغِ حتى لو وَالَى الْأَبُ إنْسَانًا وَلَهُ ابْنٌ كَبِيرٌ فَوَالَى رَجُلًا آخَرَ فَوَلَاؤُهُ له لَا لِمَوْلَى أبيه وَلَوْ كَبِرَ بَعْضُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ فَأَرَادَ التَّحَوُّلَ عنه إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ كان الْمَوْلَى قد عَقَلَ عنه أو عن أبيه أو عن أَحَدِ أخوته لم يَكُنْ له أَنْ يَتَحَوَّلَ وَإِنْ لم يَكُنْ عَقَلَ عن أَحَدٍ منهم كان له ذلك أَمَّا جَوَازُ التَّحَوُّلِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَقْلِ فَلِأَنَّهُ لو كان كَبِيرًا وَقْتَ عَقْدِ الْأَبِ لَجَازَ له التَّحَوُّلُ وَكَذَا إذَا كَبِرَ في الْعَقْدِ لِأَنَّ الْمَانِعَ من السِّرَايَةِ في الْحَالَيْنِ وَاحِدٌ وهو عَدَمُ التَّبَعِيَّةِ وَالْوِلَايَةِ‏.‏

وَأَمَّا عَدَمُ الْجَوَازِ عِنْدَ الْعَقْلِ فَلِمَا ذَكَرْنَا من اتِّصَالِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ وفي التَّحَوُّلِ فَسْخُهُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَيَلْزَمَ ضَرُورَةً وَلَوْ عَاقَدَتْ امْرَأَةٌ عَقْدَ الْوَلَاءِ وَلَهَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ لَا يَصِيرُونَ مَوَالِيَ لِلَّذِي وَالَتْهُ أُمُّهُمْ وَلَا تُشْبِهُ الْأُمُّ في هذا الْباب الْأَبَ لِأَنَّهُ ليس لِلْمَرْأَةِ وِلَايَةٌ على أَوْلَادِهَا الصِّغَارِ أَلَا تَرَى أنها لَا تَشْتَرِي لهم وَلَا تَبِيعُ عليهم وَلِلْأَبِ أَنْ يَفْعَلَ ذلك وَذَكَرَ الْقَاضِي في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ الْخِلَافَ في الْمَسْأَلَةِ فقال يَثْبُتُ حُكْمُ وَلَائِهَا في أَوْلَادِهَا الصِّغَارِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ وَلَوْ وَالَى رَجُلٌ رَجُلًا ثُمَّ وُلِدَ من امْرَأَةٍ قد وَالَتْ رَجُلًا فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوْلَى الْأَبِ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ وَلَاءَانِ وَلَاءُ الْأَبِ وَوَلَاءُ الْأُمِّ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْأَبِ لِأَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةً عليهم وَلَا وِلَايَةَ لِلْأُمِّ‏.‏

أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَعْقِدَ على وَلَدِهِ عَقْدَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَلَيْسَ لِلْأُمِّ ذلك فَكَذَا عَقْدُ الْوَلَاءِ وَكَذَا لو وَالَتْ وَهِيَ حُبْلَى وَلَا يُشْبِهُ هذا وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لِأَنَّ في وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ إذَا أَعْتَقَهَا وَهِيَ حُبْلَى يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِالْعِتْقِ وَالْعِتْقُ يَثْبُتُ في الْوَلَدِ كما يَثْبُتُ في الْأُمِّ فَكَانَ لِلْوَلَدِ وَلَاءُ نَفَسِهِ لِكَوْنِهِ أَصْلًا في الْعِتْقِ فَأَمَّا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ فَبِالْعَقْدِ وَعَقْدُهَا لَا يَجُوزُ على ما في بَطْنِهَا فلم يَصِرْ الْوَلَدُ أَصْلًا في الْوَلَاءِ فَكَانَ تَبَعًا لِلْأَبِ في الْوَلَاءِ كما في الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى‏.‏

وَكَذَلِكَ لو كان لَهُمَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ فَوَالَتْ الْأُمُّ إنْسَانًا ثُمَّ وَالَى الْأَبُ آخَرَ فَوَلَاءُ الْأَوْلَادِ لِمَوَالِي الْأَبِ لِمَا قُلْنَا ذِمِّيَّةٌ أَسْلَمَتْ فَوَالَتْ رَجُلًا وَلَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ من ذِمِّيٍّ لم يَكُنْ وَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوْلَاهَا في قَوْلِ أبي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وفي قِيَاسِ قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ يَكُونُ وَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوْلَاهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَتَاقَةِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْأُمَّ لَا وِلَايَةَ لها على الْوَلَدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لها أَنْ تَعْقِدَ على وَلَدِهَا عَقْدَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فَكَذَلِكَ عَقْدُ الْوَلَاءِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا وِلَايَةَ له على وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ فَتَعَذَّرَ إثْبَاتُ الْوَلَاءِ من الْأَبِ وَالْوَلَاءُ إذَا تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ من جِهَةِ الْأَبِ يَثْبُتُ من جِهَةِ الْأُمِّ كما إذَا كان الْأَبُ عَبْدًا وَكَمَا في وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ إذَا كان الْأَبُ عَبْدًا وَلَوْ قَدِمَ حَرْبِيٌّ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ وَوَالَى رَجُلًا ثُمَّ سُبِيَ ابْنُهُ فَأُعْتِقَ لم يَجُزْ وَلَاءُ الْأَبِ وَإِنْ سُبِيَ أَبُوهُ فَأُعْتِقَ جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى مَوْلَاهُ لِأَنَّ الِابْنَ يَتْبَعُ الْأَبَ في الْوَلَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا فَأَمَّا الْأَبُ فَلَا يَتْبَعُ الِابْنَ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يُنْسَبُ الِابْنُ إلَى أبيه فَإِنْ كان ابن الِابْنِ أَسْلَمَ وَوَالَى رَجُلًا لم يَجُرَّ الْجَدُّ وَلَاءَهُ‏.‏

وَذَكَرَ في الْأَصْلِ وقال لِأَنَّ الْجَدَّ لَا يَجُرُّ الْوَلَاءَ إلَّا أَنْ يَجُرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ فَيَجُرُّ بِجَرِّهِ وَلَاءَ ابْنِهِ وَلَاءَهُ وقال الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَجْهُ هذه الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْأَسْفَلُ مُوَالِيًا وَالْأَوْسَطُ حَرْبِيًّا وَالْجَدُّ مُعْتِقًا فَلَا يَجُرُّ وَلَاءَ الْأَسْفَلِ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْأَوْسَطُ وَيُوَالِيَ فَيَجُرُّ الْجَدُّ وَلَاءَهُ وَوَلَاءَ الْأَسْفَلِ يجر ‏[‏بجر‏]‏ وَلَائِهِ وَلَوْ أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ أو ذِمِّيٌّ على يَدَيْ رَجُلٍ وَوَالَاهُ ثُمَّ أَسْلَمَ ابْنُهُ الْكَبِيرُ على يَدَيْ رَجُلٍ آخَرَ وَوَالَاهُ كان كُلُّ وَاحِدِ مِنْهُمَا مولى لِلَّذِي وَالَاهُ وَلَا يُجَرُّ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ وَلَيْسَ هذا كَالْعَتَاقِ أَنَّهُ إذَا أُعْتِقَ أَبُوهُ جَرَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ هَهُنَا وَلَاءَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَبَتَ بِالْعَقْدِ وَعَقْدُ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجُوزُ على نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ على غَيْرِهِ وَهُنَاكَ وَلَاءُ الْوَلَدِ ثَبَتَ بِالْعَقْدِ وَوَلَاءُ الْأَبِ ثَبَتَ بِالْعِتْقِ وَوَلَاءُ الْعِتْقِ أَقْوَى من وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ فَيَسْتَتْبِعُ الْأَقْوَى الْأَضْعَفَ وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ لِأَنَّ وَلَاءَ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ليس أَقْوَى من وَلَاءِ صَاحِبِهِ لِثُبُوتٍ كل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ فَهُوَ الْفَرْقُ‏.‏