فصل: فصل بَيَانِ ما يَحْرُمُ أَكْلُهُ من أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ***


فصل بَيَانِ ما يَحْرُمُ أَكْلُهُ من أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ

وَأَمَّا بَيَانُ ما يَحْرُمُ أَكْلُهُ من أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ فَاَلَّذِي يَحْرُمُ أَكْلُهُ منه سَبْعَةٌ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَالذَّكَرُ والأنثييان ‏[‏والأنثيان‏]‏ وَالْقُبُلُ وَالْغُدَّةُ وَالْمَثَانَةُ وَالْمَرَارَةُ لِقَوْلِهِ عز شَأْنُهُ‏:‏ ‏{‏وَيُحِلُّ لهم الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عليهم الْخَبَائِثَ‏}‏ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ السَّبْعَةُ مِمَّا تَسْتَخْبِثُهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ فَكَانَتْ مُحَرَّمَةً وَرُوِيَ عن مُجَاهِدٍ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال كَرِهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشَّاةِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالْقُبُلَ وَالْغُدَّةَ وَالْمَرَارَةَ وَالْمَثَانَةَ وَالدَّمَ فَالْمُرَادُ منه كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَمَعَ بين الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ وَبَيْنَ الدَّمِ في الْكَرَاهَةِ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ مُحَرَّمٌ وَالْمَرْوِيُّ عن أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قال الدَّمُ حَرَامٌ وَأَكْرَهُ السِّتَّةَ أَطْلَقَ اسْمَ الْحَرَامِ على الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَسَمَّى ما سِوَاهُ مَكْرُوهًا لِأَنَّ الْحَرَامَ الْمُطْلَقَ ما ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَحُرْمَةُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ قد ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وهو النَّصُّ الْمُفَسَّرُ من الْكتاب الْعَزِيزِ قال اللَّهُ تَعَالَى عز شَأْنُهُ‏:‏ ‏{‏قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا‏}‏ إلَى قَوْلِهِ عز شَأْنُهُ‏:‏ ‏{‏أو دَمًا مَسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنْزِيرٍ‏}‏ وَانْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ أَيْضًا على حُرْمَتِهِ فَأَمَّا حُرْمَةُ ما سِوَاهُ من الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ فما ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ بَلْ بِالِاجْتِهَادِ أو بِظَاهِرِ الْكتاب الْعَزِيزِ الْمُحْتَمِلِ لِلتَّأْوِيلِ أو الحديث لِذَلِكَ فصل بَيْنَهُمَا في الِاسْمِ فَسَمَّى ذلك حَرَامًا وَذَا مَكْرُوهًا وَاَللَّهُ عز اسْمُهُ أَعْلَمُ‏.‏

كتاب الِاصْطِيَادِ

قد بَيَّنَّا في كتاب الذَّبَائِحِ وَالصُّيُودِ ما يُؤْكَلُ من الْحَيَوَانَاتِ وما يَحْرُمُ أَكْلُهُ منها وما يُكْرَهُ وَالْآنَ نُبَيِّنُ في كتاب الِاصْطِيَادِ ما يُبَاحُ اصْطِيَادُهُ وما لَا يُبَاحُ وَمَنْ يُبَاحُ له الِاصْطِيَادُ وَمَنْ لَا يُبَاحُ له فَقَطْ أَمَّا الْأَوَّلُ فَيُبَاحُ اصْطِيَادُ ما في الْبَحْرِ وَالْبَرِّ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ وما لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ غير أَنَّ ما يَحِلُّ أَكْلُهُ يَكُونُ اصْطِيَادُهُ لِلِانْتِفَاعِ بِلَحْمِهِ وما لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ يَكُونُ اصْطِيَادُهُ لِلِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ وَشَعْرِهِ وَعَظْمِهِ أو لِدَفْعِ أَذِيَّتِهِ إلَّا صَيْدَ الْحَرَمِ فإنه لَا يُبَاحُ اصْطِيَادُهُ إلَّا الْمُؤْذِيَ منه لِقَوْلِهِ عز شَأْنُهُ‏:‏ ‏{‏أو لم يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا‏}‏ وَقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم في صَيْدِ الْحَرَمِ في حَدِيثٍ فيه طُولٌ‏:‏ «وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ» وَخَصَّ منه الْمُؤْذِيَاتِ بِقَوْلِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَمْسٌ من الْفَوَاسِقِ يُقْتَلْنَ في الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَأَمَّا الثَّانِي فَيُبَاحُ اصْطِيَادُ ما في الْبَحْرِ لِلْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ وَلَا يُبَاحُ اصْطِيَادُ ما في الْبَرِّ لِلْمُحْرِمِ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ‏}‏ إلَى قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا‏}‏ وَالْفصل بين صَيْدِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِ ذلك من الْمَسَائِلِ بَيَّنَّاهُ في كتاب الْحَجِّ وَاَللَّهُ عز شَأْنُهُ الْمُوَفِّقُ‏.‏

كتاب التَّضْحِيَةِ

يُحْتَاجُ لِمَعْرِفَةِ مَسَائِلِ هذا الْكتاب إلَى بَيَانِ صِفَةِ التَّضْحِيَةِ وإنها ‏[‏أنها‏]‏ وَاجِبَةٌ أو لَا وَإِلَى بَيَانِ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ لو كانت وَاجِبَةً وَإِلَى بَيَانِ وَقْتِ الْوُجُوبِ وَإِلَى بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوُجُوبِ وَإِلَى بَيَانِ مَحَلِّ إقَامَةِ الْوَاجِبِ وَإِلَى بَيَانِ شَرَائِطِ جَوَازِ إقَامَةِ الْوَاجِبِ وَإِلَى بَيَانِ ما يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْعَلَ قبل التَّضْحِيَةِ وَعِنْدَهَا وَبَعْدَهَا وما يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ أو تَنْزِيهٍ أَمَّا صِفَةُ التَّضْحِيَةِ فَالتَّضْحِيَةُ نَوْعَانِ وَاجِبٌ وَتَطَوُّعٌ َالْوَاجِبُ منها أَنْوَاعٌ منها ما يَجِبُ على الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ‏.‏

وَمِنْهَا ما يَجِبُ على الْفَقِيرِ دُونَ الْغَنِيِّ وَمِنْهَا ما يَجِبُ على الْغَنِيِّ دُونَ الْفَقِيرِ أَمَّا الذي يَجِبُ على الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فَالْمَنْذُورُ بِهِ بِأَنْ قال لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ شَاةً أو بدنه أو هذه الشَّاةَ أو هذه الْبَدَنَةَ أو قال جَعَلْت هذه الشَّاةَ ضَحِيَّةً أو أُضْحِيَّةً وهو غَنِيٌّ أو فَقِيرٌ لِأَنَّ هذه قُرْبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى عز شَأْنُهُ من جِنْسِهَا إيجَابٌ وهو هَدْيُ الْمُتْعَةِ والقرآن والاحصار وَفِدَاءُ إسْمَاعِيلَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقِيلَ هذه الْقُرْبَةُ تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ التي لِلَّهِ تَعَالَى عز شَأْنُهُ من جِنْسِهَا إيجَابٌ من الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا وَالْوُجُوبُ بِسَبَبِ النَّذْرِ يَسْتَوِي فيه الْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ وَإِنْ كان الْوَاجِبُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ كَالنَّذْرِ بِالْحَجِّ أَنَّهُ يَصِحُّ من الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ جميعا‏.‏

وَأَمَّا الذي يَجِبُ على الْفَقِيرِ دُونَ الْغَنِيِّ فَالْمُشْتَرِي لِلْأُضْحِيَّةِ إذَا كان الْمُشْتَرِي فَقِيرًا بِأَنْ اشْتَرَى فَقِيرٌ شَاةً يَنْوِي أَنْ يُضَحِّيَ بها وقال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَجِبُ وهو قَوْلُ الزَّعْفَرَانِيِّ من أَصْحَابِنَا وَإِنْ كان غَنِيًّا لَا يَجِبُ عليه بِالشِّرَاءِ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أن الْإِيجَابَ من الْعَبْدِ يَسْتَدْعِي لَفْظًا يَدُلُّ على الْوُجُوبِ وَالشِّرَاءُ بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةَ لَا يَدُلُّ على الْوُجُوبِ فَلَا يَكُونُ إيجَابًا وَلِهَذَا لم ين ‏[‏يكن‏]‏ إيجَابًا من الْغَنِيِّ وَلَنَا أَنَّ الشِّرَاءَ لِلْأُضْحِيَّةِ مِمَّنْ لَا أُضْحِيَّةَ عليه يَجْرِي مَجْرَى الْإِيجَابِ وهو النَّذْرُ بِالتَّضْحِيَةِ عُرْفًا لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى لِلْأُضْحِيَّةِ مع فَقْرِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُضَحِّي فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قال جَعَلْت هذه الشَّاةَ أُضْحِيَّةً بِخِلَافِ الْغَنِيِّ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَاجِبَةٌ عليه بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً فَلَا يَكُونُ شِرَاؤُهُ لِلْأُضْحِيَّةِ إيجَابًا بَلْ يَكُونُ قصد ‏[‏قصدا‏]‏ إلَى تَفْرِيغِ ما في ذِمَّتِهِ وَلَوْ كان في مِلْكِ إنْسَانٍ شَاةٌ فَنَوَى أَنْ يُضَحِّيَ بها أو اشْتَرَى شَاةً ولم يَنْوِ الْأُضْحِيَّةَ وَقْتَ الشِّرَاءِ ثُمَّ نَوَى بَعْدَ ذلك أَنْ يُضَحِّيَ بها لَا يَجِبُ عليه سَوَاءٌ كان غَنِيًّا أو فَقِيرًا لِأَنَّ النِّيَّةَ لم تُقَارِنْ الشِّرَاءَ فَلَا تُعْتَبَرُ‏.‏

وَأَمَّا الذي يَجِبُ على الْغَنِيِّ دُونَ الْفَقِيرِ فما يَجِبُ من غَيْرِ نَذْرٍ وَلَا شِرَاءٍ لِلْأُضْحِيَّةِ بَلْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْحَيَاةِ وَإِحْيَاءً لِمِيرَاثِ الْخَلِيلِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حين أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عز اسْمُهُ بِذَبْحِ الْكَبْشِ في هذه الْأَيَّامِ فِدَاءً عن وَلَدِهِ وَمَطِيَّةً على الصِّرَاطِ وَمَغْفِرَةً لِلذُّنُوبِ وَتَكْفِيرًا لِلْخَطَايَا على ما نَطَقَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ وَهَذَا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بن زِيَادٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن أبي يُوسُفَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ‏.‏

وَرُوِيَ عن أبي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أنها لَا تَجِبُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحُجَّةُ هذه الرِّوَايَةِ ما رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أَنَّهُ قال ثَلَاثٌ كُتِبَتْ على ولم تُكْتَبْ عَلَيْكُمْ والوتر ‏[‏الوتر‏]‏ وَالضُّحَى وَالْأَضْحَى» وَرُوِيَ‏:‏ «ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَهِيَ لَكُمْ سُنَّةٌ» وَذَكَرَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأُضْحِيَّةَ وَالسُّنَّةُ غَيْرُ الْوَاجِبِ في الْعُرْفِ وَرُوِيَ أَنَّ سَيِّدَنَا أَبَا بَكْرٍ وَسَيِّدَنَا عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَرُوِيَ عن أبي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال قد يَرُوحُ على أَلْفُ شَاةٍ وَلَا أضحى بِوَاحِدَةٍ مَخَافَةَ أَنْ يَعْتَقِدَ جَارِي أنها وَاجِبَةٌ وَلِأَنَّهَا لو كانت وَاجِبَةً لَكَانَ لَا فَرْقَ فيها بين الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ لِأَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ في الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَالِ كَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ ثُمَّ لَا تَجِبُ على الْمُسَافِرِ فَلَا تَجِبُ على الْمُقِيمِ‏.‏

وَلَنَا قَوْلُهُ عز وجل‏:‏ ‏{‏فصل لِرَبِّكَ وَانْحَرْ‏}‏ قِيلَ في التَّفْسِيرِ صَلِّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَانْحَرْ الْبُدْنَ بَعْدَهَا وَقِيلَ صَلِّ الصُّبْحَ بِجَمْعٍ وَانْحَرْ بِمِنًى وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ في حَقِّ الْعَمَلِ وَمَتَى وَجَبَ على النبي صلى الله عليه وسلم يَجِبُ على الْأُمَّةِ لِأَنَّهُ قُدْوَةٌ لِلْأُمَّةِ فَإِنْ قِيلَ قد قِيلَ في بَعْضِ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ لِقَوْلِهِ عز شَأْنُهُ‏:‏ ‏{‏وَانْحَرْ‏}‏ أَيْ ضَعْ يَدَيْكَ على نَحْرِكَ في الصَّلَاةِ وَقِيل اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ بِنَحْرِكَ في الصَّلَاةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَمْلَ على الْأَوَّلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ حَمْلُ اللَّفْظِ على فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ وَالْحَمْلُ على الثَّانِي حَمْلٌ على التَّكْرَارِ لِأَنَّ وَضْعَ الْيَدِ على النَّحْرِ من أَفْعَالِ الصَّلَاةِ عِنْدَكُمْ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَمَالُ الصَّلَاةِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ من شَرَائِطِ الصَّلَاةِ لَا وُجُودَ لِلصَّلَاةِ شَرْعًا بِدُونِهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ أَمْرًا بِهِ فَحَمْلُ قَوْلُهُ عز شَأْنُهُ‏:‏ ‏{‏وَانْحَرْ‏}‏ عليه يَكُونُ تَكْرَارًا وَالْحَمْلُ على ما قُلْنَاهُ يَكُونُ حَمْلًا على فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ فَكَانَ أَوْلَى‏.‏

وَرُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال ضَحُّوا فَإِنَّهَا سُنَّةُ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالتَّضْحِيَةِ وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عن الْقَرِينَةِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ في حَقِّ الْعَمَلِ وَرُوِيَ عنه عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قال على أَهْلِ كل بَيْتٍ في كل عَامٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ وعلى كَلِمَةُ إيجَابٍ ثُمَّ نُسِخَتْ الْعَتِيرَةُ فَثَبَتَتْ الْأَضْحَاةُ وروى عنه عليه السلام أَنَّهُ قال من لم يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا وَهَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْوَعِيدِ على تَرْكِ الْأُضْحِيَّةَ وَلَا وَعِيدَ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وقال عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ من ذَبَحَ قبل الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ أُضْحِيَّتَهُ وَمَنْ لم يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِسْمِ اللَّهِ أَمَرَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِذَبْحِ الْأُضْحِيَّةَ وَإِعَادَتِهَا إذَا ذُبِحَتْ قبل الصَّلَاةِ وَكُلُّ ذلك دَلِيلُ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ قُرْبَةٌ وَالْوُجُوبُ هو الْقُرْبَةُ في الْقُرُبَاتِ‏.‏

وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَنَقُولُ بِمُوجِبِهِ أن الْأُضْحِيَّةَ لَيْسَتْ بِمَكْتُوبَةٍ عَلَيْنَا وَلَكِنَّهَا وَاجِبَةٌ وَفَرْقُ ما بين الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ كَفَرْقِ ما بين السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ على ما عُرِفَ في أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَوْلُهُ هِيَ لكن ‏[‏لكم‏]‏ سُنَّةٌ أن ثَبَتَ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ إذْ السُّنَّةُ تنبيء عن الطَّرِيقَةِ أو السِّيرَةِ وَكُلُّ ذلك لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ سَيِّدِنَا أبي بَكْرٍ وَسَيِّدِنَا عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ لِعَدَمِ غِنَاهُمَا لَمَّا كان لَا يَفْضُلُ رِزْقُهُمَا الذي كان في بَيْتِ الْمَالِ عن كِفَايَتِهِمَا والغني شَرْطُ الْوُجُوبِ في هذا النَّوْعِ وَقَوْلُ أبي مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِلْكتاب الْكَرِيمِ وَالسُّنَّةِ مع ما أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كان عليه دَيْنٌ فَخَافَ على جَارِهِ لو ضَحَّى أَنْ يَعْتَقِدَ وُجُوبَ الْأُضْحِيَّةَ مع قِيَامِ الدَّيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوُجُوبِ الْفَرْضَ إذْ هو الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ فَخَافَ على جَارِهِ اعْتِقَادَ الْفَرْضِيَّةِ لو ضَحَّى فَصَانَ اعْتِقَادَهُ بِتَرْكِ الْأُضْحِيَّةَ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مع الِاحْتِمَالِ أو يُحْمَلُ على ما قُلْنَا تَوْفِيقًا بين الدَّلَائِلِ صِيَانَةً لها عن التَّنَاقُضِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْمُسَافِرِ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّ فيه ضَرُورَةً لَا تُوجَدُ في حَقِّ الْمُقِيمِ على ما نَذْكُرُ في بَيَانِ الشَّرَائِطِ إن شاء الله تعالى عز شَأْنُهُ‏.‏

وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ وَذَلِكَ في أَيَّامِ النَّحْرِ وهو مُوسِرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاتَيْنِ عِنْدَنَا شَاةٌ لِأَجْلِ النَّذْرِ وَشَاةٌ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً إلَّا إذَا عني بِهِ الأخبار عن الْوَاجِبِ عليه بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ وَمِنْ الْمَشَايِخِ من قال لَا يَلْزَمُهُ إلَّا التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ هذه الصِّيغَةَ حَقِيقَتُهَا لِلْإِخْبَارِ فَيَكُونُ اخبارا عَمَّا وَجَبَ عليه إيجاب ‏[‏بإيجاب‏]‏ الشَّرْعِ فَلَا يَلْزَمُهُ التَّضْحِيَةُ بِأُخْرَى وَلَنَا أَنَّ هذه الصِّيغَةَ في عُرْفِ الشَّرْعِ جُعِلَتْ إنْشَاءً كَصِيغَةِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَكِنَّهَا تَحْتَمِلُ الأخبار فَيُصَدَّقُ في حُكْمٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عز شَأْنُهُ وَلَوْ قال ذلك قبل أَيَّامِ النَّحْرِ يَلْزَمُهُ التَّضْحِيَةُ بِشَاتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَحْتَمِلُ الأخبار عن الْوَاجِبِ إذْ لَا وُجُوبَ قبل الْوَقْتِ والأخبار عن الْوَاجِب وَلَا وَاجِبَ يَكُونُ كَذِبًا فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ مُرَادًا بها‏.‏

وَكَذَلِكَ لو قال ذلك وهو مُعْسِرٌ ثُمَّ أَيْسَرَ في أَيَّامِ النَّحْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاتَيْنِ لِأَنَّهُ لم يَكُنْ وَقْتَ النَّذْرِ أُضْحِيَّةٌ وَاجِبَةٌ عليه فَلَا يَحْتَمِلُ الأخبار فَيُحْمَلُ على الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وهو الْإِنْشَاءُ فَوَجَبَ عليه أُضْحِيَّةٌ بِنَذْرِهِ وَأُخْرَى بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً لِوُجُودِ شَرْطِ الْوُجُوبِ وهو الْغِنَى وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَأُضْحِيَّةُ الْمُسَافِرِ وَالْفَقِيرِ الذي لم يُوجَدْ منه النَّذْرُ بِالتَّضْحِيَةِ وَلَا الشِّرَاءُ لِلْأُضْحِيَّةِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَشَرْطِهِ‏.‏

فصل شَرَائِطِ الْوُجُوبِ

وَأَمَّا شَرَائِطُ الْوُجُوبِ فَأَمَّا في النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَشَرَائِطُ أَهْلِيَّةِ النَّذْرِ وقد ذَكَرْنَاهَا في كتاب النَّذْرِ وَأَمَّا النَّوْعِ الثَّالِثِ فَمِنْهَا الْإِسْلَامُ فَلَا تَجِبُ على الْكَافِرِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَالْكَافِرُ ليس من أَهْلِ الْقُرَبِ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْإِسْلَامِ في جَمِيعِ الْوَقْتِ من أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ حتى لو كان كَافِرًا في أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ أَسْلَمَ في آخِرِهِ تَجِبُ عليه لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ يَفْضُلُ عن أَدَاءِ الْوَاجِبِ فَيَكْفِي في وُجُوبِهَا بَقَاءُ جُزْءٍ من الْوَقْتِ كَالصَّلَاةِ وَمِنْهَا الْحُرِّيَّةُ فَلَا تَجِبُ على الْعَبْدِ وَإِنْ كان مَأْذُونًا في التِّجَارَةِ أو مُكَاتَبًا لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ مُتَعَلِّقٌ بِمِلْكِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عليه زَكَاةٌ وَلَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا من أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ بَلْ يكتفي بِالْحُرِّيَّةِ في آخِرِ جُزْءٍ من الْوَقْتِ حتى لو أُعْتِقَ في آخِرِ الْوَقْتِ وَمَلَكَ نِصَابًا تَجِبُ عليه الْأُضْحِيَّةُ لِمَا قُلْنَا في شَرْطِ الْإِسْلَامِ‏.‏

وَمِنْهَا الْإِقَامَةُ فَلَا تَجِبُ على الْمُسَافِرِ لِأَنَّهَا لَا تَتَأَدَّى بِكُلِّ مَالٍ وَلَا في كل زَمَانٍ بَلْ بِحَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ في وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَالْمُسَافِرُ لَا يَظْفَرُ بِهِ في كل مَكَان في وَقْتِ الْأُضْحِيَّةَ فَلَوْ أَوْجَبْنَا عليه لَاحْتَاجَ إلَى حَمْلِهِ مع نَفْسِهِ وَفِيهِ من الْحَرَجِ ما لَا يَخْفَى أو احْتَاجَ إلَى تَرْكِ السَّفَرِ وَفِيهِ ضَرَرٌ فَدَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى امْتِنَاعِ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهَا بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ بَلْ جَمِيعُ الْعُمُرِ وَقْتُهَا فَكَانَ جَمِيعُ الْأَوْقَاتِ وَقْتًا لادائها فَإِنْ لم يَكُنْ في يَدِهِ شَيْءٌ لِلْحَالِ يُؤَدِّيهَا إذَا وَصَلَ إلَى الْمَالِ وَكَذَا تَتَأَدَّى بِكُلِّ مَالٍ فَإِيجَابُهَا عليه لَا يُوقِعُهُ في الْحَرَجِ وَكَذَلِكَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا تَجِبُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا كَالزَّكَاةِ وهو الصَّحِيحُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِنْ كانت تَتَوَقَّفُ بِيَوْمِ الْفِطْرِ لَكِنَّهَا تَتَأَدَّى بِكُلِّ مَالٍ فَلَا يَكُونُ في الْوُجُوبِ عليه حَرَجٌ‏.‏

وَذَكَرَ في الْأَصْلِ وقال وَلَا تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ على الْحَاجِّ وَأَرَادَ بِالْحَاجِّ الْمُسَافِرَ فَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَتَجِبُ عليهم الْأُضْحِيَّةُ وَإِنْ حَجُّوا لِمَا روي نَافِعٌ عن ابْنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما أَنَّهُ كان يَخْلُفُ لِمَنْ لم يَحُجَّ من أَهْلِهِ أَثْمَانَ الضَّحَايَا لِيُضَحُّوا عنه تَطَوُّعًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِيُضَحُّوا عن أَنْفُسِهِمْ لَا عنه فَلَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ مع الِاحْتِمَالِ وَلَا تُشْتَرَطُ الْإِقَامَةُ في جَمِيعِ الْوَقْتِ حتى لو كان مُسَافِرًا في أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ أَقَامَ في آخِرِهِ تَجِبُ عليه لِمَا بَيَّنَّا في شَرْطِ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ‏.‏

وَلَوْ كان مُقِيمًا في أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ سَافَرَ في آخِرِهِ لَا تَجِبُ عليه لِمَا ذَكَرْنَا هذا إذَا سَافَرَ قبل أَنْ يَشْتَرِيَ أُضْحِيَّةً فَإِنْ اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ ثُمَّ سَافَرَ ذَكَرَ في الْمُنْتَقَى أَنَّ له بَيْعَهَا وَلَا يضحى بها وَهَكَذَا روى عن مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَبِيعُهَا من الْمَشَايِخِ من فصل بين الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ فقال إنْ كان مُوسِرًا فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ ما أَوْجَبَ بهذا الشِّرَاءِ شيئا على نَفْسِهِ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ اسقاط الْوَاجِبِ عن نَفْسِهِ فإذا سَافَرَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا وُجُوبَ عليه فَكَانَ له أَنْ يَبِيعَهَا كما لو شَرَعَ في الْعِبَادَةِ على ظَنِّ أنها عليه ثُمَّ تَبَيَّنَ أنها لَيْسَتْ عليه أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ كان مُعْسِرًا يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ عليه وَلَا تَسْقُطَ عنه بِالسَّفَرِ لِأَنَّ هذا إيجَابٌ من الْفَقِيرِ بِمَنْزِلَةِ النَّذْرِ فَلَا يَسْقُطُ بِالسَّفَرِ كما لو شَرَعَ في التَّطَوُّعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَالْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ كَذَا هَهُنَا وَإِنْ سَافَرَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ قالوا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا وَمِنْهَا الْغِنَى لِمَا رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال‏:‏ «من وَجَدَ سَعَةً فَلْيُضَحِّ شَرَطَ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ السَّعَةَ وَهِيَ الْغِنَى وَلِأَنَّا أَوْجَبْنَاهَا بِمُطْلَقِ الْمَالِ»‏.‏

وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَسْتَغْرِقَ الْوَاجِبُ جَمِيعَ مَالِهِ فَيُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَلَا بُدَّ من اعْتِبَارِ الغني وهو أَنْ يَكُونَ في مِلْكِهِ مِائَتَا دِرْهَمٍ أو عِشْرُونَ دِينَارًا أو شَيْءٌ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ذلك سِوَى مَسْكَنِهِ وما يَتَأَثَّثُ بِهِ وَكِسْوَتِهِ وَخَادِمِهِ وَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وما لَا يستغنى عنه وهو نِصَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وقد ذَكَرْنَاهُ وما يَتَّصِلُ بِهِ من الْمَسَائِلِ في صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلَوْ كان عليه دَيْنٌ بِحَيْثُ لو صَرَفَ إلَيْهِ بَعْضَ نِصَابِهِ لَا يَنْقُصُ نِصَابُهُ لَا تَجِبُ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَلَأَنْ يَمْنَعَ وُجُوبَ الْأُضْحِيَّةَ أَوْلَى لِأَنَّ الزَّكَاةَ فَرْضٌ وَالْأُضْحِيَّةَ وَاجِبَةٌ وَالْفَرْضُ فَوْقَ الْوَاجِبِ وَكَذَا لو كان له مَالٌ غَائِبٌ لَا يَصِلُ إلَيْهِ في أَيَّامِ النَّحْرِ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ وَقْتَ غَيْبَةِ الْمَالِ حتى تَحِلَّ له الصَّدَقَةُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فانها تَجِبُ عليه لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمُرِ وَقْتُ الزَّكَاةِ وَهَذِهِ قُرْبَةٌ مُوَقَّتَةٌ فَيُعْتَبَرُ الْغِنَى في وَقْتِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا في جَمِيعِ الْوَقْتِ حتى لو كان فَقِيرًا في أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ أَيْسَرَ في آخِرِهِ يَجِبُ عليه لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ كان له مِائَتَا دِرْهَمٍ فَحَالَ عليها الْحَوْلُ فَزَكَّاهَا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ حَضَرَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ وَمَالُهُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ لَا رِوَايَةَ فيه‏.‏

وَذَكَرَ الزَّعْفَرَانِيُّ أَنَّهُ تَجِبُ عليه الْأُضْحِيَّةُ لِأَنَّ النِّصَابَ وَإِنْ انْتَقَصَ لَكِنَّهُ انْتَقَصَ بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ هِيَ قُرْبَةٌ فَيُجْعَلُ قَائِمًا تَقْدِيرًا حتى لو صَرَفَ خَمْسَةً منها إلَى النَّفَقَةِ لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ الصَّرْفِ إلَى جِهَةِ القرابة ‏[‏القربة‏]‏ فَكَانَ النِّصَابُ نَاقِصًا حَقِيقَةً وَتَقْدِيرًا فَلَا يَجِبُ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُوسِرُ شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَضَاعَتْ حتى انْتَقَصَ نِصَابُهُ وَصَارَ فَقِيرًا فَجَاءَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ فَلَيْسَ ليه أَنْ يَشْتَرِيَ شَاةً أُخْرَى لِأَنَّ النِّصَابَ نَاقِصٌ وَقْتَ الْوُجُوبِ فلم يُوجَدْ شَرْطُ الْوُجُوبِ وهو الْغِنَى فَلَوْ أَنَّهُ وَجَدَهَا وهو مُعْسِرٌ وَذَلِكَ في أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَيْسَ عليه أَنْ يُضَحِّيَ بها لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَلَوْ ضَاعَتْ ثُمَّ اشْتَرَى أُخْرَى وهو مُوسِرٌ فَضَحَّى بها ثُمَّ وَجَدَ الْأُولَى وهو مُعْسِرٌ لم يَكُنْ عليه أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ لِمَا قُلْنَا وَجَمِيعُ ما ذَكَرْنَا من الشُّرُوطِ يَسْتَوِي فيها الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ لِأَنَّ الدَّلَائِلَ لَا تَفصل بَيْنَهُمَا وَأَمَّا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ فَلَيْسَا من شَرَائِطِ الْوُجُوبِ في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ هُمَا من شَرَائِطِ الْوُجُوبِ حتى تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ في مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حتى لو ضَحَّى الْأَبُ أو الصَّبِيُّ من مَالِهِمَا لَا يُضْمَنُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُضْمَنُ وهو على الِاخْتِلَافِ الذي ذَكَرْنَا في صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْحَجِّ ذُكِرَتْ هُنَالِكَ‏.‏

وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ من قال لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ في الْأُضْحِيَّةَ أنها لَا تَجِبُ في مَالِهِمَا لِأَنَّ الْقُرْبَةَ في الْأُضْحِيَّةَ هِيَ إرَاقَةُ الدَّمِ وإنها إتْلَافٌ وَلَا سَبِيلَ إلَى إتْلَافِ مَالِ الصَّغِيرِ وَالتَّصَدُّقُ بِاللَّحْمِ تَطَوُّعٌ وَلَا يَجُوزُ ذلك في مَالِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرُ في الْعَادَةِ لَا يَقْدِرُ على أَنْ يَأْكُلَ جَمِيعَ اللَّحْمِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا سَبِيلَ لِلْوُجُوبِ رَأْسًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ على الِاخْتِلَافِ وَتَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِاللَّحْمِ لِمَا قُلْنَا لَكِنْ يَأْكُلُ منها الصَّغِيرُ وَيَدَّخِرُ له قَدْرَ حَاجَتِهِ وَيَبْتَاعُ بِالْبَاقِي ما يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ كَابْتِيَاعِ الْبَالِغِ بِجِلْدِ الْأُضْحِيَّةَ ما يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يُعْتَبَرُ حَالُهُ في الْجُنُونِ وَالْإِفَاقَةِ فَإِنْ كان مَجْنُونًا في أَيَّامِ النَّحْرِ فَهُوَ على الِاخْتِلَافِ وَإِنْ كان مُفِيقًا يَجِبُ بِلَا خِلَافٍ وَقِيلَ أن حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ كيف ما كان ومن بَلَغَ من الصِّغَارِ في أَيَّامِ النَّحْرِ وهو مُوسِرٌ يَجِبُ عليه بِإِجْمَاعٍ بين أَصْحَابِنَا لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ من الْحُرِّ في آخِرِ الْوَقْتِ لَا في أَوَّلِهِ كما لَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ وَحُرِّيَّتُهُ وَإِقَامَتُهُ في أَوَّلِ الْوَقْتِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَا يَجِبُ على الرَّجُلِ أَنْ يُضَحِّيَ عن عَبْدِهِ وَلَا عن وَلَدِهِ الْكَبِيرِ في وُجُوبِهَا عليه من مَالِهِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ رِوَايَتَانِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ‏.‏

وَذَكَرَ الْقَاضِي في شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أنها تَجِبُ في ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَفْعَلَ ذلك وَأَطْلَقَ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ما يَدُلُّ على الْوُجُوبِ فإنه قال وَيَجِبُ على الرَّجُلِ أَنْ يُضَحِّيَ عن أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَجْهُ رِوَايَةِ الْوُجُوبِ أَنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ جُزْؤُهُ فإذا وَجَبَ عليه أَنْ يُضَحِّيَ عن نَفْسِهِ فَكَذَا عن وَلَدِهِ وَلِهَذَا وَجَبَ عليه أَنْ يُؤَدِّيَ عنه صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَلِأَنَّ له على وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وِلَايَةً كَامِلَةً فَيَجِبُ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ فإنه لَا وِلَايَةَ له عليه‏.‏

وَجْهُ ظاهرة الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَجِبَ على الْإِنْسَانِ شَيْءٌ على غَيْرِهِ خُصُوصًا في الْقُرُبَاتِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ ليس لِلْإِنْسَانِ إلَّا ما سَعَى‏}‏ وَقَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ‏:‏ ‏{‏لها ما كَسَبَتْ‏}‏ وَلِهَذَا لم تَجِبْ عليه عن عَبْدِهِ وَعَنْ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ إلَّا أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ خُصَّتْ عن النُّصُوصِ فَبَقِيَتْ الْأُضْحِيَّةَ على عُمُومِهَا وَلِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ هُنَاكَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عليه وقد وُجِدَ في الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَلَيْسَ السَّبَبُ الرَّأْسَ هَهُنَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ بِدُونِهِ وَكَذَا لَا يَجِبُ بِسَبَبِ الْعَبْدِ وَأَمَّا الْوُجُوبُ عليه من مَالِهِ لِوَلَدِ وَلَدِهِ إذَا كان أَبُوهُ مَيِّتًا فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عن أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يُضَحِّيَ عنه‏.‏

قال الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هذا على رِوَايَتَيْنِ كما قالوا في صَدَقَةِ الْفِطْرِ وقد مَرَّ وَجْهُ الرِّوَايَتَيْنِ في صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَأَمَّا الْمِصْرُ فَلَيْسَ بِشَرْطِ الْوُجُوبِ فَتَجِبُ على الْمُقِيمِينَ في الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْبَوَادِي لِأَنَّ دَلَائِلَ الْوُجُوبِ لَا تُوجِبُ الْفصل وَالله أعلم‏.‏

فصل وَقْت الْوُجُوبِ

وَأَمَّا وَقْتُ الْوُجُوبِ فَأَيَّامُ النَّحْرِ فَلَا تَجِبُ قبل دُخُولِ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْوَاجِبَاتِ الموقتة لَا تَجِبُ قبل أَوْقَاتِهَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ يَوْمُ الْأَضْحَى وهو الْيَوْمُ الْعَاشِرُ من ذِي الْحِجَّةِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَذَلِكَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ من الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ من الثَّانِي عَشَرَ وقال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيَّامُ النَّحْرِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ الْعَاشِرُ من ذِي الْحِجَّةِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا رُوِيَ عن سَيِّدِنَا عُمَرَ وَسَيِّدِنَا عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وسيدنا ‏[‏وابن‏]‏ عُمَرَ وَأَنَسِ بن مَالِكٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قالوا أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ أَوَّلُهَا أَفْضَلُهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ سَمِعُوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ أَوْقَاتَ الْعِبَادَاتِ وَالْقُرُبَاتِ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالسَّمْعِ فإذا طَلَعَ الْفَجْرُ من الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَقَدْ دخل وَقْتُ الْوُجُوبِ فَتَجِبُ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ ثُمَّ لِجَوَازِ الْأَدَاءِ بَعْدَ ذلك شَرَائِطُ أُخَرُ نَذْكُرُهَا في مَوْضِعِهَا إنْ شاءا ‏[‏شاء‏]‏ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ وُجِدَتْ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا كما تَجِبُ الصَّلَاةُ بِدُخُولِ وَقْتِهَا ثُمَّ إنْ وُجِدَتْ شَرَائِطُ جَوَازِ أَدَائِهَا جَازَتْ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

فصل كَيْفِيَّة الْوُجُوبِ

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْوُجُوبِ فَأَنْوَاعٌ منها أنها تَجِبُ في وَقْتِهَا جوابا ‏[‏وجوبا‏]‏ مُوَسَّعًا وَمَعْنَاهُ أنها تَجِبُ في جُمْلَةِ الْوَقْتِ غير عَيْنٍ كوجود ‏[‏كوجوب‏]‏ الصَّلَاةِ في وَقْتِهَا فَفِي أَيِّ وَقْتٍ ضَحَّى من عليه الْوَاجِبُ كان مُؤَدِّيًا لِلْوَاجِبِ سَوَاءٌ كان في أَوَّلِ الْوَقْتِ أو وَسَطِهِ أو آخِرِهِ كَالصَّلَاةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ ما وجوب ‏[‏وجب‏]‏ في جُزْءٍ من الْوَقْتِ غير عَيْنٍ يَتَعَيَّنُ الْجُزْءُ الذي أَدَّى فيه الْوُجُوبَ أو آخِرِ الْوَقْتِ كما في الصَّلَاةِ وهو الصَّحِيحُ من الْأَقَاوِيلِ على ما عُرِفَ في أُصُولِ الْفِقْهِ وَعَلَى هذا يُخَرَّجُ ما إذَا لم يَكُنْ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ في أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ صَارَ أَهْلًا في آخِرِهِ بِأَنْ كان كَافِرًا أو عَبْدًا أو فَقِيرًا أو مسافر ‏[‏مسافرا‏]‏ في أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ أَسْلَمَ أو أُعْتِقَ أو أَيْسَرَ أو أَقَامَ في آخِرِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عليه وَلَوْ كان أَهْلًا في أَوَّلِهِ ثُمَّ لم يَبْقَ أَهْلًا في آخِرِهِ بِأَنْ ارْتَدَّ أو أَعْسَرَ أو سَافَرَ في آخِرِهِ لَا يَجِبُ عليه‏.‏

وَلَوْ ضَحَّى في أَوَّلِ الْوَقْتِ وهو فَقِيرٌ ثُمَّ أَيْسَرَ في آخِر الْوَقْتِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْأُضْحِيَّةَ عِنْدَنَا وقال بَعْضُ مَشَايِخِنَا ليس عليه الْإِعَادَةُ وَالصَّحِيحُ هو الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَيْسَرَ في آخِرِ الْوَقْتِ تَعَيَّنَ آخِرَ الْوَقْتِ لِلْوُجُوبِ عليه وَتَبَيَّنَ أَنَّ ما أَدَّاهُ وهو فَقِيرٌ كان تَطَوُّعًا فَلَا يَنُوبُ عن الْوَاجِبِ وما رُوِيَ عن الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ في الصَّلَاةِ الْمُؤَدَّاةِ في أَوَّلِ الْوَقْتِ أنها نَفْلٌ مَانِعٌ من الْوُجُوبِ في آخِرِ الْوَقْتِ فَاسِدٌ عُرِفَ فَسَادُهُ في أُصُولِ الْفِقْهِ وَلَوْ كان ميسرا ‏[‏موسرا‏]‏ في جَمِيعِ الْوَقْتِ فلم يُضَحِّ حتى مضي الْوَقْتُ ثُمَّ صَارَ فَقِيرًا صَارَ قِيمَةُ شَاةٍ صَالِحَةٍ لِلْأُضْحِيَّةِ دَيْنًا في ذِمَّتِهِ يَتَصَدَّقُ بها مَتَى وَجَدَهَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ قد تَأَكَّدَ عليه بِآخِرِ الْوَقْتِ فَلَا يَسْقُطُ بِفَقْرِهِ بَعْدَ ذلك كَالْمُقِيمِ إذَا مَضَى عليه وَقْتُ الصَّلَاةِ ولم يُصَلِّ حتى سَافَرَ لَا يَسْقُطُ عنه شَطْرُ الصَّلَاةِ وَكَالْمَرْأَةِ إذَا مَضَى عليها وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ ثُمَّ حَاضَتْ لَا يَسْقُطُ عنها فَرْضُ الْوَقْتِ حتى يَجِبَ عليها الْقَضَاءُ إذَا طَهُرَتْ من حَيْضِهَا كَذَا هَهُنَا‏.‏

وَلَوْ مَاتَ الْمُوسِرُ في أَيَّامِ النَّحْرِ قبل أَنْ يضحى سَقَطَتْ عنه الْأُضْحِيَّةُ وفي الْحَقِيقَةِ لم تَجِبْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَ الْأَدَاءِ أو في آخِرِ الْوَقْتِ فإذا مَاتَ قبل الْأَدَاءِ مَاتَ قبل أَنْ تَجِبَ عليه كَمَنْ مَاتَ في وَقْتِ الصَّلَاةِ قبل أَنْ يُصَلِّيَهَا أَنَّهُ مَاتَ وَلَا صَلَاةَ عليه كَذَا هَهُنَا وَعَلَى هذا تُخْرِجُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عن أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُوسِرَ إذَا وُلِدَ له وَلَدٌ في آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ أَنَّهُ يَجِبُ عليه أَنْ يَذْبَحَ عنه وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا أَنَّهُ كما يَجِبُ على الْإِنْسَانِ إذَا كان مُوسِرًا أَنْ يَذْبَحَ عن نَفْسِهِ يَجِبُ عليه أَنْ يَذْبَحَ عن وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ وُلِدَ وَقْتَ تَأَكُّدِ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّهُ إذَا وُلِدَ له وَلَدٌ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ من يَوْمِ الْفِطْرِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عليه صَدَقَةُ فِطْرِهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ هُنَاكَ تَعَلَّقَ بِأَوَّلِ الْيَوْمِ فَلَا يَجِبُ بَعْدَ مُضِيِّ جُزْءٍ منه وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ‏.‏

وَعَلَى هذا يَخْرُجُ ما إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ وهو مُوسِرٌ ثُمَّ أنها مَاتَتْ أو سُرِقَتْ أو ضَلَّتْ في أَيَّامِ النَّحْرِ أَنَّهُ يَجِبُ عليه أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ أُخْرَى لِأَنَّ الْوُجُوبَ في جُمْلَةِ الْوَقْتِ والمشتري لم يَتَعَيَّنْ لِلْوُجُوبِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ وهو من أَهْلِ الْوُجُوبِ فَيَجِبُ إلَّا إذَا كان عَيَّنَهَا بِالنَّذْرِ بِأَنْ قال لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ الشَّاةِ وهو مُوسِرٌ أو مُعْسِرٌ فَهَلَكَتْ أو ضَاعَتْ أَنَّهُ تَسْقُطُ عنه التَّضْحِيَةُ بِسَبَبِ النَّذْرِ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ بِهِ مُعَيَّنٌ لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ فَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِهَلَاكِهِ كَالزَّكَاةِ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ عِنْدَنَا غير أَنَّهُ إنْ كان النَّاذِرُ مُوسِرًا تَلْزَمُهُ شَاةٌ أُخْرَى بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً لَا بِالنَّذْرِ وَإِنْ كان مُعْسِرًا فَاشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَهَلَكَتْ في أَيَّامِ النَّحْرِ أو ضَاعَتْ سَقَطَتْ عنه وَلَيْسَ عليه شَيْءٌ آخَرُ لِمَا ذَكَرْنَا إن الشِّرَاءَ من الْفَقِيرِ لِلْأُضْحِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ النَّذْرِ فإذا هَلَكَتْ فَقَدْ هَلَكَ مَحَلُّ إقَامَةِ الْوَاجِبِ فَيَسْقُطُ عنه وَلَيْسَ عليه شَيْءٌ آخَرُ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً لِفَقْدِ شَرْطِ الْوُجُوبِ وهو الْيَسَارُ‏.‏

وَلَوْ اشْتَرَى الْمُوسِرُ شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَضَلَّتْ فَاشْتَرَى شَاةً أُخْرَى لِيُضَحِّيَ بها ثُمَّ وَجَدَ الْأُولَى في الْوَقْتِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهِمَا فَإِنْ ضَحَّى بِالْأُولَى أَجْزَأهُ وَلَا تَلْزَمُهُ التَّضْحِيَةُ بِالْأُخْرَى وَلَا شَيْءَ عليه غَيْرُ ذلك سَوَاءٌ كانت قِيمَةُ الْأُولَى أَكْثَرَ من الثَّانِيَةِ أو أَقَلَّ وَالْأَصْلُ فيه ما رُوِيَ عن سَيِّدَتِنَا عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أنها سَاقَتْ هَدْيًا فَضَاعَ فَاشْتَرَتْ مَكَانَهُ آخَرَ ثُمَّ وَجَدَتْ الْأَوَّلَ فَنَحَرَتْهُمَا ثُمَّ قالت الْأَوَّلُ كان يجزيء عَنِّي فَثَبَتَ الْجَوَاز بِقَوْلِهَا وَالْفَضِيلَةُ بِفِعْلِهَا رضي اللَّهُ عنها وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ في ذِمَّتِهِ ليس إلَّا بالتضحية ‏[‏التضحية‏]‏ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ وقد ضَحَّى وَإِنْ ضَحَّى بِالثَّانِيَةِ أَجْزَأَهُ وَسَقَطَتْ عنه الْأُضْحِيَّةُ وَلَيْسَ عليه أَنْ يُضَحِّيَ بِالْأُولَى لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ بها لم تَجِبْ بِالشِّرَاءِ بَلْ كانت الْأُضْحِيَّةُ وَاجِبَةً في ذِمَّتِهِ بِمُطْلَقِ الشَّاةِ فإذا ضَحَّى بِالثَّانِيَةِ فَقَدْ أَدَّى الْوَاجِبَ بها بِخِلَافِ الْمُتَنَفِّلِ بِالْأُضْحِيَّةِ إذَا ضَحَّى بِالثَّانِيَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّضْحِيَةُ بِالْأُولَى أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ فَقَدْ وَجَبَ عليه التَّضْحِيَةُ بِالْأُولَى أَيْضًا بِعَيْنِهَا فَلَا يَسْقُطُ بِالثَّانِيَةِ بِخِلَافِ الْمُوسِرِ فإنه لَا يَجِبُ عليه التَّضْحِيَةُ بِالشَّاةِ الْمُشْتَرَاةِ بِعَيْنِهَا وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ في ذِمَّتِهِ وقد أَدَّاهُ بِالثَّانِيَةِ فَلَا تَجِبُ عليه التَّضْحِيَةُ بِالْأُولَى‏.‏

وَسَوَاءٌ كانت الثَّانِيَةُ مِثْلَ الْأُولَى في الْقِيمَةِ أو فَوْقَهَا أو دُونَهَا لِمَا قُلْنَا غير أنها إنْ كانت دُونَهَا في الْقِيمَةِ يَجِبُ عليه أَنْ يَتَصَدَّقَ بِفَضْلِ ما بين الْقِيمَتَيْنِ لِأَنَّهُ بَقِيَتْ له هذه الزِّيَادَةُ سَالِمَةً من الْأُضْحِيَّةَ فَصَارَ كَاللَّبَنِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ لم يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ وَلَكِنَّهُ ضَحَّى بِالْأُولَى أَيْضًا وهو في أَيَّامِ النَّحْرِ أَجْزَأَهُ وَسَقَطَتْ عنه الصَّدَقَةُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إنَّمَا تَجِب خَلَفًا عن فَوَاتِ شَيْءٍ من شَاةِ الْأُضْحِيَّةَ فإذا أَدَّى الْأَصْلَ في وَقْتِهِ سَقَطَ عنه الْخَلَفُ‏.‏

وَأَمَّا على قَوْلِ أبي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فإنه لَا تُجْزِيهِ التَّضْحِيَةُ إلَّا بِالْأُولَى لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْأُضْحِيَّةَ كَالْوَقْفِ وَلَوْ لم يَذْبَحْ الثَّانِيَةَ حتى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ وَجَدَ الْأُولَى ذَكَرَ الْحَسَنُ بن زِيَادٍ في الْأَضَاحِيّ أَنَّ عليه أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَفْضَلِهِمَا وَلَا يَذْبَحَ وَذَكَرَ فيها أَنَّهُ قَوْلُ زُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ بن زِيَادٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لِأَنَّهُ لم يَجِبْ عليه في آخِرِ الْوَقْتِ إلَّا التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ فإذا خَرَجَ الْوَقْتُ تَحَوَّلَ الْوَاجِبُ من الإراقة إلَى التَّصَدُّقِ بِالْعَيْنِ وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ وهو مُعْسِرٌ أو كان مُوسِرًا فَانْتَقَصَ نِصَابُهُ بِشِرَاءِ الشَّاةِ ثُمَّ ضَلَّتْ فَلَا شَيْءَ عليه وَلَا يَجِبُ عليه شَيْءٌ آخَرُ أَمَّا الْمُوسِرُ فَلِفَوَاتِ شَرْطِ الْوُجُوبِ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَأَمَّا الْمُعْسِرُ فَلِهَلَاكِ مَحَلِّ إقَامَةِ الْوَاجِبِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ‏.‏

وَمِنْهَا أَنْ لَا يَقُومَ غَيْرُهَا مَقَامَهَا حتى لو تَصَدَّقَ بِعَيْنِ الشَّاةِ أو قِيمَتِهَا في الْوَقْتِ لَا يَجْزِيهِ عن الْأُضْحِيَّةَ لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بِالإراقة وَالْأَصْلُ أَنَّ الْوُجُوبَ إذ تَعَلَّقَ بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ كما في الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فإن الْوَاجِبَ أَدَاءُ جُزْءٍ من النِّصَابِ وَلَوْ أَدَّى من مَالِ آخَرَ جَازَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ ليس جزأ من النِّصَابِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بَلْ الْوَاجِبُ مُطْلَقُ الْمَالِ وقد أدى وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِنْ كان الْوَاجِبُ أَدَاءَ جُزْءٍ من النِّصَابِ لَكِنْ من حَيْثُ أنه مَالٌ لَا من حَيْثُ أنه جُزْءٌ من النِّصَابِ لِأَنَّ مَبْنَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ على التَّيْسِيرِ وَالتَّيْسِيرُ في الْوُجُوبِ من حَيْثُ أنه مَالٌ لَا من حَيْثُ أنه الْعَيْنُ وَالصُّورَةُ وَهَهُنَا الْوَاجِبُ في الْوَقْتِ إرَاقَةُ الدَّمِ شَرْعًا غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَيَقْتَصِرُ الْوُجُوبُ على مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَبِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أنها تَتَأَدَّى بِالْقِيمَةِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ مَعْلُولٌ بِمَعْنَى الْإِغْنَاءِ قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أَغْنُوهُمْ عن الْمَسْأَلَةِ في مِثْلِ هذا الْيَوْمِ وَالْإِغْنَاءُ يَحْصُلُ بإداء الْقِيمَةِ وَاَللَّهُ عز شَأْنُهُ أَعْلَمُ»‏.‏

وَمِنْهَا أن تجزىء فيها النِّيَابَةُ فَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُضَحِّيَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ فتجزىء ‏[‏فتجزئ‏]‏ فيها النِّيَابَةُ كَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَقْدِرُ على مُبَاشَرَةِ الذَّبْحِ بِنَفْسِهِ خُصُوصًا النِّسَاءَ فَلَوْ لم تَجُزْ الِاسْتِنَابَةُ لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَسَوَاءٌ كان الْمَأْذُونُ مُسْلِمًا أو كتابيًّا حتى لو أَمَرَ مُسْلِمٌ كتابيًّا أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ يَجْزِيهِ لِأَنَّ الْكتابيَّ من أَهْلِ الذَّكَاةِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ قُرْبَةٌ وَالْكَافِرُ ليس من أَهْلِ الْقُرْبَةِ لِنَفْسِهِ فَتُكْرَهُ إنَابَتُهُ في إقَامَةِ الْقُرْبَةِ لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كان الأذن نَصًّا أو دَلَالَةً حتى لو اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَجَاءَ يَوْمُ النَّحْرِ فَأَضْجَعَهَا وَشَدَّ قَوَائِمَهَا فَجَاءَ إنْسَانٌ وَذَبَحَهَا من غَيْرِ أَمْرِهِ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَنْ يَضْمَنَ الذَّابِحُ قِيمَتَهَا وهو قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ وقال الشَّافِعِيُّ يَجْزِيهِ عن الْأُضْحِيَّةَ وَيَضْمَنُ الذَّابِحُ‏.‏

أَمَّا الْكَلَامُ مع زُفَرَ فَوَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَا يَجْزِي عن صَاحِبِهَا وَيَضْمَنُ الذَّابِحُ كما لو غَصَبَ شَاةً وَذَبَحَهَا وهو وَجْهُ الشَّافِعِيِّ في وُجُوبِ الضَّمَانِ على الذَّابِحِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَاهَا لِلذَّبْحِ وَعَيَّنَهَا لِذَلِكَ فإذا ذَبَحَهَا غَيْرُهُ فَقَدْ حَصَلَ غَرَضُهُ وَأَسْقَطَ عنه مُؤْنَةَ الذَّبْحِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رضي بِذَلِكَ فَكَانَ مؤذنا ‏[‏مأذونا‏]‏ فيه دَلَالَةً فَلَا يَضْمَنُ وَيُجْزِيهِ عن الْأُضْحِيَّةَ كما لو أَذِنَ له بِذَلِكَ نَصًّا وَبِهِ تَبَيَّنَ وَهِيَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ عن الْأُضْحِيَّةَ وَيَضْمَنُ الذَّابِحُ لِأَنَّ كَوْنَ الذَّبْحِ مَأْذُونًا فيه يَمْنَعُ وُجُوبَ الضَّمَانِ كما لو نَصَّ على الأذن وَكَمَا لو بَاعَهَا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا وَلَوْ لم يَرْضَ بِهِ وَأَرَادَ الضَّمَانَ يَقَعُ عن الْمُضَحِّي وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُضَحِّيَ ما وُكِّلَ بِشِرَائِهِ بِغَيْرِ أَمْرِ مُوَكِّلِهِ ذَكَرَهُ أبو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ في الْإِمْلَاءِ فَإِنْ ضَحَّى جَازَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ أَعَانَهُ على ذلك فَوَجَدَ الْإِذْنَ منه دَلَالَةً إلَّا أَنْ يَخْتَارَ أَنْ يَضْمَنَهُ فَلَا يَجْزِي عنه وَعَلَى هذا إذَا غَلِطَ رَجُلَانِ فَذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ منها ‏[‏منهما‏]‏ أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ عن نَفْسِهِ أَنَّهُ يجزى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّتَهُ عنه اسْتِحْسَانًا وَيَأْخُذُهَا من الذَّابِحِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ رَاضِيًا بِفِعْلِ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ مَأْذُونًا فيه دَلَالَةً فَيَقَعُ الذَّبْحُ عنه وَنِيَّةُ صَاحِبِهِ تَقَعُ لَغْوًا حتى لو تَشَاحَّا وَأَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الضَّمَانَ تَقَعُ الْأُضْحِيَّةُ له وَجَازَتْ عنه لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ على ما نَذْكُرُهُ في الشَّاةِ الْمَغْصُوبَةِ إن شاء الله تعالى‏.‏

وَذَكَرَ هِشَامٌ عن أبي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ في نَوَادِرِهِ في رَجُلَيْنِ اشْتَرَيَا أُضْحِيَتَيْنِ فَذَبَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ غَلَطًا عن نَفْسِهِ وَأَكَلَهَا قال يجزيء ‏[‏يجزي‏]‏ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في قَوْلِ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلِنَا وَيُحَلِّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فَإِنْ تَشَاحَّا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ قِيمَةَ شَاتِهِ فَإِنْ كان قد انْقَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ يَتَصَدَّقْ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ أَمَّا جَوَازُ إحْلَالِهِمَا فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُطْعِمَهَا لِصَاحِبِهِ ابْتِدَاءً قبل الْأَكْلِ فَيَجُوزُ أَنْ يُحَلِّلَهُ بَعْدَ الْأَكْلِ وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ لِأَنَّ من أَتْلَفَ لَحْمَ الْأُضْحِيَّةَ يَضْمَنُ وَيَتَصَدَّقُ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تدل ‏[‏بدل‏]‏ عن اللَّحْمِ فَصَارَ كما لو بَاعَهُ قال وَسَأَلْت أَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عن الْبَقَرَةِ إذَا ذَبَحَهَا سَبْعَةٌ في الْأُضْحِيَّةَ أَيَقْتَسِمُونَ لَحْمَهَا جُزَافًا أو وَزْنًا قال بَلْ وَزْنًا قال قُلْت فَإِنْ اقْتَسَمُوهَا مُجَازَفَةً وَحَلَّلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قال أَكْرَهُ ذلك قال قُلْت فما تَقُولُ في رَجُلٍ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ فَرَجَحَ أَحَدُهُمَا فَحَلَّلَ صَاحِبُهُ الرُّجْحَانَ قال هذا جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَا يُقْسَمُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وهو الدِّرْهَمُ الصَّحِيحُ‏.‏

أَمَّا عَدَمُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ مُجَازَفَةً فَلِأَنَّ فيها مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَاللَّحْمُ من الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مُجَازَفَةً كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ التَّحْلِيلِ فَلِأَنَّ الرِّبَوِيَّ لَا يَحْتَمِلُ الْحِلَّ بِالتَّحْلِيلِ وَلِأَنَّهُ في مَعْنَى الْهِبَةِ وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لَا تَصِحُّ بِخِلَافِ ما إذَا رَجَحَ الْوَزْنُ وَمِنْهَا أنها تُقْضَى إذَا فَاتَتْ عن وَقْتِهَا وَالْكَلَامُ فيه في مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا في بَيَانِ أنها مَضْمُونَةٌ بِالْقَضَاءِ في الْجُمْلَةِ وَالثَّانِي في بَيَانِ ما تُقْضَى بِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ وُجُوبَهَا في الْوَقْتِ أما لِحَقِّ الْعُبُودِيَّةِ أو لِحَقِّ شُكْرِ النِّعْمَةِ أو لِتَكْفِيرِ الْخَطَايَا لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ وَالْقُرُبَاتِ إنَّمَا تَجِبُ لِهَذِهِ الْمَعَانِي وَهَذَا لَا يُوجِبُ الِاخْتِصَاصَ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَكَانَ الْأَصْلُ فيها أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً في جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَعَلَى الدَّوَامِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ إلَّا أَنَّ الْأَدَاءَ في السَّنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً في وَقْتٍ مَخْصُوصٍ أُقِيمَ مَقَامَ الْأَدَاءِ في جَمِيعِ السَّنَةِ تَيْسِيرًا على الْعِبَادِ فَضْلًا من اللَّهِ عز وجل وَرَحْمَةً كما أقيام ‏[‏أقيم‏]‏ صَوْمُ شَهْرٍ في السَّنَةِ مَقَامَ جَمِيعِ السَّنَةِ وَأُقِيمَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ في يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَقَامَ الصَّلَاةِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ فإذا لم يُؤَدِّ في الْوَقْتِ بَقِيَ الْوُجُوبُ في غَيْرِهِ لِقِيَامِ الْمَعْنَى الذي له وَجَبَتْ في الْوَقْتِ‏.‏

وَأَمَّا الثَّانِي فَنَقُولُ أنها لَا تُقْضَى بِالإراقة لِأَنَّ الإراقة لَا تُعْقَلُ قُرْبَةً وَإِنَّمَا جُعِلَتْ قُرْبَةً بِالشَّرْعِ في وَقْتٍ مَخْصُوصٍ فَاقْتَصَرَ كَوْنُهَا قُرْبَةً على الْوَقْتِ الْمَخْصُوصِ فَلَا تُقْضَى بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ ثُمَّ قَضَاؤُهَا قد يَكُونُ بِالتَّصَدُّقِ بِعَيْنِ الشَّاةِ حَيَّةً وقد يَكُونُ بِالتَّصَدُّقِ بِقِيمَةِ الشَّاةِ فَإِنْ كان أَوْجَبَ التَّضْحِيَةَ على نَفْسِهِ بِشَاةٍ بِعَيْنِهَا فلم يُضَحِّهَا حتى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ يَتَصَدَّقْ بِعَيْنِهَا حَيَّةً لِأَنَّ الْأَصْلَ في الْأَمْوَالِ التَّقَرُّبُ بِالتَّصَدُّقِ بها لَا بِالْإِتْلَافِ وهو الإراقة إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ إلَى الإراقة مُقَيَّدًا في وَقْتٍ مَخْصُوصٍ حتى يَحِلَّ تَنَاوُلُ لَحْمِهِ لِلْمَالِكِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ لِكَوْنِ الناس أَضْيَافَ اللَّهِ عز شَأْنُهُ في هذا الْوَقْتِ فإذا مَضَى الْوَقْتُ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ وهو التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الشَّاةِ سَوَاءٌ كان مُوسِرًا أو مُعْسِرًا لِمَا قُلْنَا وَكَذَلِكَ الْمُعْسِرُ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِيُضَحِّيَ بها فلم يُضَحِّ حتى مَضَى الْوَقْتُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لِلْأُضْحِيَّةِ من الْفَقِيرِ كَالنَّذْرِ بِالتَّضْحِيَةِ وَأَمَّا الْمُوسِرُ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ‏.‏

وَمِنْ الْمَشَايِخِ من قال هذا الْجَوَابُ في الْمُعْسِرِ لِأَنَّ الشَّاةَ الْمُشْتَرَاةَ لِلْأُضْحِيَّةِ من الْمُعْسِرِ تَتَعَيَّنُ لِلْأُضْحِيَّةِ فَأَمَّا من الْمُوسِرِ فَلَا تَتَعَيَّنُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ له التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ أُخْرَى في الْوَقْتِ مع بَقَاءِ الْأُولَى وَتَسْقُطُ عنه الْأُضْحِيَّةُ وَالصَّحِيحُ أنها تَتَعَيَّنُ من الْمُوسِرِ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ بين أَصْحَابِنَا فإن مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ عَقِيبَ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَوْلُنَا وَوَجْهُهُ أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ قَارَنَتْ الْفِعْلَ وهو الشِّرَاءُ فَأَوْجَبَتْ تَعْيِينَ الْمُشْتَرِي لِلْأُضْحِيَّةِ إلَّا أَنَّ تَعْيِينَهُ لِلْأُضْحِيَّةِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّضْحِيَةِ بِغَيْرِهَا كَتَعْيِينِ النِّصَابِ لِأَدَاءِ الزَّكَاةِ منه لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الْأَدَاءِ بِغَيْرِهِ وَتَسْقُطُ عنه الزَّكَاةُ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُتَعَيَّنَ لَا يُزَاحِمُهُ غَيْرُهُ فإذا ضَحَّى بِغَيْرِهِ أو أَدَّى الزَّكَاةَ من غَيْرِ النِّصَابِ لم يَبْقَ الْأَوَّلُ مُتَعَيَّنًا فَكَانَتْ الشَّاةُ مُتَعَيَّنَةٌ لِلتَّضْحِيَةِ ما لم يُضَحِّ بِغَيْرِهَا كَالزَّكَاةِ وَإِنْ كان لم يُوجِبْ على نَفْسِهِ وَلَا اشْتَرَى وهو مُوسِرٌ حتى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ شَاةٍ تَجُوزُ في الْأُضْحِيَّةَ لِأَنَّهُ إذَا لم يُوجِبْ ولم يَشْتَرِ لم يَتَعَيَّنْ شَيْءٌ لِلْأُضْحِيَّةِ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عليه إرَاقَةُ دَمِ شَاةٍ فإذا مَضَى الْوَقْتُ قبل أَنْ يَذْبَحَ وَلَا سَبِيلَ إلَى التَّقَرُّبِ بِالإراقة بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لِمَا قُلْنَا انْتَقَلَ الْوَاجِبُ من الإراقة وَالْعَيْنِ أَيْضًا لِعَدَمِ التَّعْيِينِ إلَى الْقِيمَةِ وهو قِيمَةُ شَاةٍ يَجُوزُ ذَبْحُهَا في الْأُضْحِيَّةَ‏.‏

وَلَوْ صَارَ فَقِيرًا بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ لَا يَسْقُطُ عنه التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الشَّاةِ أو بِقِيمَتِهَا لِأَنَّهُ إذَا مَضَى الْوَقْتُ صَارَ ذلك دَيْنًا في ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ عنه لِفَقْرِهِ بَعْدَ ذلك وَلَوْ وَجَبَ عليه التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الشَّاةِ فلم يَتَصَدَّقْ وَلَكِنْ ذَبَحَهَا يَتَصَدَّقُ وَيُجْزِيهِ ذلك إنْ لم يُنْقِصْهَا الذَّبْحُ وَإِنْ نَقَصَهَا يَتَصَدَّقْ بِاللَّحْمِ وَقِيمَةِ النُّقْصَانِ وَلَا يَحِلُّ له أَنْ يَأْكُلَ منها وَإِنْ أَكَلَ منها شيئا غَرِمَ قِيمَتَهُ وَيَتَصَدَّقُ بها لِمَا يُذْكَرُ في مَوْضِعِهِ وَكَذَلِكَ لو أَوْجَبَ على نَفْسِهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بها لَا يَأْكُلُ منها إذَا ذَبَحَهَا بَعْدَ وَقْتِهَا أو في وَقْتِهَا فَهُوَ سَوَاءٌ‏.‏

وَمَنْ وَجَبَتْ عليه الْأُضْحِيَّةُ فلم يُضَحِّ حتى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يُتَصَدَّقَ عنه بِقِيمَةِ شَاةٍ من ثُلُثِ مَالِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى الْوَقْتُ فَقَدْ وَجَبَ عليه التَّصَدُّقُ بِقِيمَةِ شَاةٍ فَيَحْتَاجُ إلَى تخليصه ‏[‏تخليص‏]‏ نَفْسِهِ عن عُهْدَةِ الْوَاجِبِ وَالْوَصِيَّةُ طَرِيقُ التَّخْلِيصِ فَيَجِبُ عليه أَنْ يُوصِيَ كما في الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذلك‏.‏

وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يضحي عنه ولم يُسَمِّ شَاةً وَلَا بَقَرَةً وَلَا غير ذلك ولم يُبَيِّنْ الثَّمَنَ أَيْضًا جَازَ وَيَقَعُ على الشَّاةِ بِخِلَافِ ما إذَا وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُضَحِّيَ عنه ولم يُسَمِّ شيئا وَلَا ثَمَنًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَحْتَمِلُ من الْجَهَالَةِ شيئا لَا تَحْتَمِلُهُ الْوَكَالَةُ فإن الْوَصِيَّةَ بِالْمَجْهُولِ وَلِلْمَجْهُولِ تَصِحُّ وَلَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ له شَاةً بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَيُضَحِّيَ عنه إنْ مَاتَ فَمَاتَ وَثُلُثُهُ أَقَلُّ من ذلك فإنه يُضَحِّي عنه بِمَا يَبْلُغُ الثُّلُثَ على قِيَاسِ الْحَجِّ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عنه بِمِائَةٍ وَثُلُثُهُ أَقَلُّ من مِائَةٍ فإنه يَحُجُّ بِمِائَةٍ بِخِلَافِ الْعِتْقِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُعْتَقَ عنه عَبْدٌ بِمِائَةٍ وَثُلُثُهُ أَقَلُّ أن عِنْدَ أبي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَعِنْدَهُمَا يُعْتَقُ عنه بِمَا بَقِيَ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمَالٍ مُقَدَّرٍ فِيمَا هو قُرْبَةٌ فَتُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا أَمْكَنَ كما في الْحَجِّ‏.‏

وَوَجْهُ الْفَرْقِ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَصْرِفَ الْوَصِيَّةِ في الْعِتْقِ هو الْعَبْدُ فَكَأَنَّهُ أَوْصَى بِعَبْدٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ وهو أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ مِائَةً فإذا اشْتَرَى بِأَقَلَّ كان هذا غير ما أَوْصَى بِهِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالْأُضْحِيَّةَ فإن الْمَصْرِفَ ثَمَّةَ هو اللَّهُ عز شَأْنُهُ فَسَوَاءٌ كان قِيمَةُ الشَّاةِ أَقَلَّ أو مِثْلَ ما أَوْصَى بِهِ يَكُون الْمَصْرِفُ وَاحِدًا وَالْمَقْصُودُ بِالْكُلِّ وَاحِدٌ وهو الْقُرْبَةُ وَذَلِكَ حَاصِلٌ فَيَجُوزُ وَمِنْهَا أَنَّ وُجُوبَهَا نَسَخَ كُلَّ دَمٍ كان قَبْلَهَا من الْعَقِيقَةِ وَالرَّجَبِيَّةِ وَالْعَتِيرَةِ كَذَا حَكَى أبو بَكْرٍ الْكَيْسَانِيُّ عن مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قال قد كانت في الْجَاهِلِيَّةِ ذَبَائِحُ يَذْبَحُونَهَا ومنها الْعَقِيقَةُ كانت في الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ فَعَلَهَا الْمُسْلِمُونَ في أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَنَسَخَهَا ذَبْحُ الْأُضْحِيَّةَ فَمَنْ شَاءَ فَعَلَ وَمِنْ شَاءَ لم يَفْعَلْ وَمِنْهَا شَاةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا في رَجَبٍ تدعي الرَّجَبِيَّةُ كان أَهْلُ الْبَيْتِ يَذْبَحُونَ الشَّاةَ فَيَأْكُلُونَ وَيَطْبُخُونَ وَيَطْعَمُونَ فَنَسَخَهَا ذَبْحُ الْأُضْحِيَّةَ‏.‏

وَمِنْهَا الْعَتِيرَةُ كان الرَّجُلُ إذَا وَلَدَتْ له النَّاقَةُ أو الشَّاةُ ذَبَحَ أَوَّلَ وَلَدٍ تَلِدُهُ فَأَكَلَ وَأَطْعَمَ قال مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هذا كُلُّهُ كان يُفْعَلُ في الْجَاهِلِيَّةِ فَنَسَخَهُ ذَبْحُ الْأُضْحِيَّةَ وَقِيلَ في تَفْسِيرِ الْعَتِيرَةِ كان الرَّجُلُ من الْعَرَبِ إذَا نَذَرَ نَذْرًا أَنَّهُ إذَا كان كَذَا أو بَلَغَ شَاةَ كَذَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ من كل عشرة ‏[‏عشر‏]‏ منها كَذَا في رَجَبٍ وَالْعَقِيقَةُ الذَّبِيحَةُ التي تُذْبَحُ عن الْمَوْلُودِ يوم أُسْبُوعِهِ وَإِنَّمَا عَرَفْنَا انْتِسَاخَ هذه الدِّمَاءِ بِمَا رُوِيَ عن سَيِّدَتِنَا عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أنها قالت نَسَخَ صَوْمُ رَمَضَانَ كُلَّ صَوْمٍ كان قَبْلَهُ وَنَسَخَتْ الْأُضْحِيَّةُ كُلَّ ذَبْحٍ كان قَبْلَهَا وَنَسَخَ غُسْلُ الْجَنَابَةِ كُلَّ غُسْلٍ كان قَبْلَهُ وَالظَّاهِرُ أنها قالت ذلك سَمَاعًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ انْتِسَاخَ الْحُكْمِ مِمَّا لَا يُدْرَكُ بِالِاجْتِهَادِ وَمِنْهُمْ من رَوَى هذا الحديث مَرْفُوعًا إلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَنَسَخَتْ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ كانت قَبْلَهَا وَكَذَا قال أَهْلُ التَّأْوِيلِ في قَوْلِهِ عز شَأْنُهُ‏:‏ ‏{‏أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بين يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لم تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ‏}‏ إنَّ ما أُمِرُوا بِهِ من تَقْدِيمِ على النَّجْوَى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نُسِخَ بِقَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا الزَّكَاةَ‏}‏‏.‏

وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ في الْعَقِيقَةِ فَمَنْ شَاءَ فَعَلَ وَمَنْ شَاءَ لم يَفْعَلْ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى الْإِبَاحَةِ فَيَمْنَعُ كَوْنَهُ سُنَّةً وَذَكَرَ في الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا يَعُقُّ عن الْغُلَامِ وَلَا عن الْجَارِيَةِ وَأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْكَرَاهَةِ لِأَنَّ الْعَقِيقَةَ كانت فَضْلًا وَمَتَى نُسِخَ الْفَضْلُ لَا يَبْقَى إلَّا الْكَرَاهَةُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ فَإِنَّهُمَا كَانَا من الْفَرَائِضِ لَا من الْفَضَائِلِ فإذا نُسِخَتْ مِنْهُمَا الْفَرْضِيَّةُ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ بِهِمَا وقال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْعَقِيقَةُ سُنَّةٌ عن الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ‏.‏

وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَقَّ عن الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رضي اللَّهُ عنهما كَبْشًا كَبْشًا وَإِنَّا نَقُولُ أنها كانت ثُمَّ نُسِخَتْ بِدَمِ الْأُضْحِيَّةَ بِحَدِيثِ سَيِّدَتِنَا عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها وَكَذَا رُوِيَ عن سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قال نَسَخَتْ الْأُضْحِيَّةَ كُلَّ دَمٍ كان قَبْلَهَا وَالْعَقِيقَةُ كانت قَبْلَهَا كَالْعَتِيرَةِ وَرُوِيَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن الْعَقِيقَةِ فقال إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْعُقُوقَ من شَاءَ فَلْيَعُقَّ عن الْغُلَامِ شَاتَيْنِ وَعَنْ الجارة ‏[‏الجارية‏]‏ شَاةً وَهَذَا يَنْفِي كَوْنَ الْعَقِيقَةِ سُنَّةً لِأَنَّهُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَّقَ الْعَقَّ بِالْمَشِيئَةِ وَهَذَا إمارة الْإِبَاحَةِ وَاَللَّهُ عز شَأْنُهُ أَعْلَمُ‏.‏