فصل: الطبقة الأولى من العرب وهم العرب العاربة وذكر نسبهم والإلمام بملكهم ودولهم على الجملة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.برنامج بما تضمنه الكتاب من الدول في هذه الطبقات الأربع على ترتيبها والدول المعاصرين من العجم في كل طبقة منها:

فنبدأ أولا بذكر الطبقة الأولى وهم العرب العاربة ونذكر أنسابهم ومواطنهم وما كان لهم من الملك والدولة.
ثم الطبقة الثانية وهم العرب المستعربة من بني حمير بن سبا ونذكر أنسابهم وما كان لهم من الملك باليمن في التبابعة وأعقابهم ثم نرجع إلى ذكر معاصرهم من العجم وهم ملوك بابل من السريانيين ثم ملوك الموصل ونينوى من الجرامقة ثم القيط وملوكهم بمصر ثم بني إسرائيل ودولهم ببيت المقدس قبل تخريب بختنصر وبعده وبالصابئة ثم الفرس ودولهم الأولى والثانية ثم يونان ودولهم الإسكندر وقومه ثم الروم ودولهم في القياصرة وغيرهم.
ثم نرجع إلى ذكر الطبقة الثالثة وهم العرب التابعة للعرب من قضاعة وقحطان وعدنان وشعبيها العظيمين ربيعة ومضر فنبدأ بقضاعة وأنسابهم وما كان لهم من الملك البدوي في آل النعمان بالحيرة والعراق ومن زاحمهم فيها من ملوك كندة بني حجر آكل المرار ثم ما كان لهم أيضا من الملك البدوي بالشام في بني جفنة بالبلقاء والأوس والخزرج بالمدينة النبوية ثم عدنان وأنسابهم وما كان لهم من الملك بمكة في قريش ثم ما شرفهم الله به وجيل الآدميين أجمع من النبوة وذكر الهجرة والسير النبوية ثم نذكر ما أكرمهم الله به من الخلافة والملك فنترجم للخلفاء الأربعة وما كان على عصرهم من الردة والفتوحات والفتن ثم نذكر خلفاء الإسلام من بني أمية وما كان لعهدهم من أمر الخوارج ثم نذكر خلفاء الشيعة وما كان لهم من الدول في الإسلام فالأولى الدولة العظيمة لبني العباس التي انتشرت في أكثر ممالك الإسلام ثم دول العلوية المزاحمين لها بعد صدر منها دولة الأدارسة بالمغرب الأقصى ثم دولة العبيدية من الإسماعيلية بالقيروان ومصر ثم القرامطة بالبحرين ثم دعاة طبرستان والديلم ثم ما كان من هؤلاء العلوية بالحجاز ثم نذكر بني أمية المنازعين لبني العباس بالأندلس وما كان لهم من الدولة هنالك والطوائف من بعدهم ثم نرجع إلى ذكر المستبدين بالدعوة العباسية بالمغرب والنواحي وهم بنو الأغلب بأفريقية وبنو حمدان بالشام وبنو المقلد بالموصل وبنو صالح بن كلاب بحلب وبنو مروان بديار بكر وبنو أسد بالحلة وبنو زياد باليمين وبنو هود بالأندلس.
ثم نرجع إلى القائمين بالدعوة العبيدية بالنواحي وهم الصليحيون باليمن وبنو أبي الحسن الكلبي بصقلية وصنهاجة بالمغرب ثم نرجع إلى المستبدين بالدعوة العباسية من العجم في النواحي وهم بنو طولون بمصر ومن بعدهم بنو طغج وبنو الصفار بفارس وسجستان وبنو سامان فيما وراء النهر وبنو سبكتكين في غزنة وخراسان وغورية في غزنة والهند وبنو حسنويه من الكرد في خراسان ثم نرجع إلى ذكر المستبدين على الخلفاء ببغداذ من العجم وهم أهل الدولتين العظيمتين القائمتين بملك الإسلام من بعد العرب وهم بنو بويه من الديلم والسلجوقية من الترك ثم نرجع إلى ملوك السلجوقية المستبدين بالنواحي وهم بنو طغتكين بالشام وبنو قطلمش ببلاد الروم وبنو خوارزم شاه ببلاد العجم ما وراء النهر وبنو سقمان بخلاط وأرمينية وبنو أرتق بماردين وبنو زنكي بالشام وبنو أيوب بمصر والشام ثم الترك الذي ورثوا ملكهم هنالك وبنو رسول باليمن ثم نرجع إلى ذكر التتر من الترك القائمين على دولة الإسلام والماحين للخلافة العباسية ثم ما كان من دخلوهم في دين الإسلام وقيامهم بالملك بالنواحي وهم بنو هولاكو بالعراق وبنو ذوشيخان بالشمال وبنو أرتنا ببلاد الروم ومن بعد بني هولاكو بنو الشبخ حسن ببغداذ وتوريز وبنو المظفر بأصبهان وشيراز وكرمان وبعد بني أرتنا ملوك بني عثمان من التركمان ببلاد الروم وما وراءها.
ثم نرجع إلى الطبقة الرابعة من المغرب وهم المستعجمة ومن له ملك بدوي منهم بالمغرب والمشرق ثم نخرج بعد ذكر ذلك إلى ذكر البرير ودولهم بالمغرب لأنهم كانوا من شرط كتابنا وهنالك نذكر برنامج دولهم والله سبحانه أعلم.

.الطبقة الأولى من العرب وهم العرب العاربة وذكر نسبهم والإلمام بملكهم ودولهم على الجملة:

هذه الأمة أقدم الأمم من بعد قوم نوح وأعظمهم قدرة وأشدهم قوة وآثارا في الأرض وأول أجيال العرب من الخليقة فيما سمعناه لأن أخبار القرون الماضية في قبلهم يمتنع اطلاعنا عليها التطاول الأحقاب ودروسها إلا ما يقصه علينا الكتاب ويؤثر عن الأنبياء بوحي الله إليهم وما سوى ذلك من الأخبار الأزلية فمنقطع الإسناد ولذلك كان المعتمد عند الإثبات في أخبارهم ما تنطق به آية القرآن في قصص بالأنبياء الأقدمين أو ما ينقله زعماء المفسرين في تفسيرها من أخبارهم وذكر دولهم وحروبهم ينقلون ذلك عن السلف من التابعين الذين أخذوا عن الصحابة أو سمعوه ممن هاجر إلى الإسلام من أحبار اليهود وعلمائهم أهل التوراة أقدم الصحف المنزلة فيما علمناه وما سوى ذلك من حطام المفسرين وأساطير القصص وكتب بدء الخليقة فلا نعول على شيء منه وإن وجد لمشاهير العلماء تأليف مثل كتاب الياقوتية للطبري والبدء للكسائي فإنما نحوا فيها منحى القصاص وجروا على أساليبهم ولم يلتزموا فيها الصحة ولا ضمنوا لنا الوثوق بها فلا ينبغي التعويل عليها وتترك وشأنها وأخبار هذا الجيل من العرب وإن لم يقع لها ذكر في التوراة إلا أن بني إسرائيل من بين أهل الكتاب أقرب إليهم عصرا وأوعى لأخبارهم فلذلك يعتمد نقل المهاجرة منهم لأخبار هذا الجيل ثم إن هذه الأمم على ما نقل كان لهم ملوك ودول.
فملوك جزيرة العرب وهي الأرض التي أحاط بها بحر الهند من جنوبها وخليج الحبشة من غربها وخليج فارس من شرقها وفيها اليمن والحجاز والشحر وحضرموت وامتد ملكهم فيها إلى الشام ومصر في شعوب منهم على ما يذكر ويقال: إنهم انتقلوا إلى جزيرة العرب من بابل لما زاحمهم فيها بنو حام فسكنوا جزيرة العرب بادية مخيمين ثم كان لكل فرقة منهم ملوك وآطام وقصور حسبما نذكره إلى أن غلب عليهم بنو يعرب بن قحطان وهؤلاء العرب العاربة شعوب كثيرة وهم عاد وثمود وطسم وجديس وأميم وعبيل وعبد ضخم وجرهم وحضرمون وحضورا والسلفات.
وسمي أهل هذا الجبل العرب العاربة إما بمعنى الرساخة في العروبية كما يقال: ليل أليل وصوم صائم أو بمعنى الفاعلة للعروبية والمبتدعة لها بما كانت أول أجيالها وقد تسمى البائدة أيضا بمعنى الهالكة لأنه لم يبق على وجه الأرض أحد من نسلهم فأما عاد وهم بنو عاد بن عوص بن إرم بن سام فكانت مواطنهم الأولى بأحقاف الرمل بين اليمن وعمان إلى حضرموت والشحر وكان أبوهم عاد فيما يقال أول من ملك من العرب وطال عمره وكثر ولده وفي التواريخ ولد له أربعة آلاف ولد ذكر لصلبه وتزوج ألف امرأة وعاش ألف سنة ومائتي سنة وقال البيهقي: إنه عاش ثلثمائة سنة وملك بعده بنوه الثلاثة شديد وبعده شداد وبعده إرم وذكر المسعودي: إن الذي ملك من بعد عاد وشداد منهم هو الذي سار في الممالك واستولى على كثير من بلاد ملك من بعد عاد وشداد منهم هو الذي سار في الممالك واستولى على كثير من بلاد الشام والهند والعراق وقال الزمخشري: إن شداد هو الذي بنى مدينة إرم صحارى عدن وشيدها بصخور الذهب وأساطين الياقوت والزبرجد يحاكي بها الجنة لما سمع وصفها طغيانا منه وعتوا ويقال: إن باني إرم هذه هو إرم بن عاد وذكر ابن سعيد عن البيهقي: أن باني ارم هو ارم بن شداد بن عاد الأكبر والصحيح أنه ليس هناك مدينة اسمها إرم وإنما هذا من خرافات القصاص وإنما ينقله ضعفاء المفسرين وإرم المذكورة في قوله تعالى: {إرم ذات العماد} القبيلة لا البلد.
وذكر المسعودي أن ملك عوص كان ثلثمائة وأن الذي ملك من بعده ابنه عاد بن عوص وأن جيرون بن سعد بن عاد كان من ملوكهم وأنه الذي اختط مدينة دمشق ومصرها وجمع عمد الرخام والمرمر إليها وسماها إرم ومن أبواب مدينة دمشق إلى هذا العهد باب جيرون وذكره الشعراء في معاهدها قال الشاعر:
النخل فالقصر فالحماء بينهما ** أشهى إلى القلب من أبواب جيرون

وهذا البيت في الصوت الأول من كتاب الأغاني وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق جيرون ويزيد أخوان هما ابنا سعد بن لقمان بن عاد وبهما عرف باب جيرون ونهر يزيد والصحيح أن باب جيرون إنما سمي باسم مولى من موالي سليمان عليه السلام في دولة بني إسرائيل جيرون كان ظاهرا في دولتهم.
وذكر ابن سعيد في أخبار القبط: أن شداد بن بداد بن هداد بن شداد بن عاد حارب بعضها من القبط وغلب على أسافل مصر ونزل الإسكندرية وبنى بها حينئذ مدينة مذكورة في التوراة يقال لها أون ثم هلك في حروبهم وجمع القبط إخوتهم من البربر والسودان وأخرجوا العرب من ملك مصر.
ثم لما اتصل ملك عاد وعظم طغيانهم وعتوهم انتحلوا عبادة الصنام والأوثان من الحجارة والخشب ويقال: إن ذلك لانتحالهم دين الصابئة فبعث الله إليهم أخاهم هودا وهو فيما ذكر المسعودي والطبري هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد وفي كتاب البدء لابن حبيب رباح بن حرب بن عاد وبعضهم يقول هود بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ فوعظهم وكان ملوكهم لعهده: الخلجان ولقمان بن عاد بن عاديا بن صدا بن عادفا آمن به لقمان وقومه وكفر الخلجان وامتنع هود بعشيرته من عاد وحبس الله عنهم المطر ثلاث سنين وبعثوا الوفود من قومهم إلى مكة يستسقون لهم كان في الوفد على ما قاله الطبري نعيم بن هزال بن هزيل بن عبيل بن صدا بن عاد وقيل ابن عنز منهم وحلقمة بن الخسري ومرثد بن سعد بن عنز وكان ممن آمن بهود واتبعه وكان بمكة من عاد هؤلاء: معاوية بن بكر وقومه وكانت هزيلة أخت معاوية عند نعيم بن هزال وولدت له عبيدا وعمرا وعامرا فلما وصل الوفد إلى مكة مروا بمعاوية بن بكر وابنه بكر ونزل الوفد عليه ثم تبعهم لقمان بن عاد وأقاموا عند معاوية وقومه شهرا لما بينهم من الخؤلة ومكثوا يشربون وتغنيهم الجرادتان قينتان لمعاوية بن بكر وابنه بكر ثم غنتاهم شعرا تذكرهم بأمرهم فانبعثوا ومضوا إلى الاستقساء وتخلف عنهم لقمان بن عاد ومرثد بن سعد فدعوا في استسقائهم وتضرعوا وأنشأ الله السحب ونودي بهم أن اختاروا فاختاروا سوداء من السحب وأنذروا بعذابها فمضت إلى قومهم وهلكوا كما قصه القرآن.
وفي خبر الطبري أن الوفد لما رجعوا إلى معاوية بن بكر لقيهم خبر مهلك قومهم هنالك وأن هودا بساحل البحر وأن الخلجان ملكهم قد هلك بالريح فيمن هلك وأن الريح كانت تدخل تحت الرجل فتحمله حتى تقطعوا في الجبال وتقلع الشجر وترفع البيوت حتى هلكوا أجمعون انتهى كلام الطبري.
ثم ملك لقمان ورهطه من قوم عاد واتصل لهم الملك فيما يقال ألف سنة أو يزيد وانتقل ملكه إلى ولده لقمان وذكر البخاري في تاريخه أن الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا هو هدد بن بدد بن الخلجان بن عاد بن رقيم بن عابر بن عاد الأكبر وأن المدينة بساحل برقة ولم يزل ملكهم متصلا إلى أن غلبهم عليه يعرب بن قحطان واعتصموا بجبال حضرموت إلى أن انقرضوا وقال صاحب زجار أن ملكهم عاد بن رقيم بن عابر بن عاد الأكبر هو الذي حارب يعرب بن قحطان وكان كافرا يعبد القمر وأنه كان على عهد نوح وهذا بعيد لأن بعثة هود كانت عند استفحال دولتهم أو عند مبتدئها وغلب يعرب كان عند انقراضها وكذلك هدد الذي ذكر البخاري أنه ملك برقة إنما هو حافد الخلجان الذي اعتصم آخرهم بجبل حضرموت وخبر البخاري مقدم.
وقال علي بن العزيز الجرجاني: وكان من ملوك عاد يعمر بن شداد وعبد أبهر بن معد يكرب بن شمد بن شداد بن عاد وحناد بن مياد بن شمد بن شداد وملوك آخرون أبادهم الله والبقاء لله وحده فأما عبيل وهم إخوان عاد بن عوص فيما قاله الكلبي وإخوان عوص بن إرم فيما قاله الطبري وكانت ديارهم بالحجفة بين مكة والمدينة وأهلكهم السيل وكان الذي اختط يثرب منهم هكذا قال المسعودي وقال هو يثرب بن ابائلة بن مهلهل بن عبيل وقال السهيلي إن الذي اختط يثرب من العماليق وهو يثرب بن مهلايل بن عوص بن عمليق وأما عبد ضخم بن إرم فقال الطبري كانوا يسكنون الطائف وهلكوا فيمن هلك من ذلك الجيل وقال غيره إنهم أول من كتب بالخط العربي.
وأما ثمود بنو ثمود بن إرم فكانت ديارهم بالحجر ووادي القرى فيما بين الحجاز والشام وكانوا ينحتون بيوتهم في الجبال ويقال لأن أعمارهم كان تطول فيأتي البلاء والخراب على بيوتهم فنحتوها لذلك في الصخر وهي لهذا العهد وقد مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ونهى عن دخولها كما في الصحيح وفيه إشارة إلى أنها بيوت ثمود أهل ذلك الجيل ويشهد ذلك ببطلان ما يذهب إليه القصاص ووقع مثله للمسعودي من أن أهل تلك الأجيال كانت أجسامهم مفرطة في الطول والعظم وهذه البيوت المشاهدة المنسوبة إليهم بكلام الصادق صلوات الله عليه ويشهد بأنهم في طولهم وعظم حجراتهم مثلنا سواء فلا أقدم من عاد وأجيالهم فيما بلغنا.
ويقال إن أول ملوكهم كان عابر بن إرم بن ثمود ملك عليهم مائتي سنة ثم كان من بعده جندع بن الدبيل بن إرم بن ثمود ويقال ملك نحوا من ثلثمائة سنة وفي أيامه كانت بعثة صالح عليه السلام وهو صالح بن عبيل بن أسف بن شالخ بن عبيل بن كاثر بن ثمود وكانوا أهل كفر وبغي وعبادة أوثان فدعاهم صالح إلى الدين والتوحيد قال الطبري: فلما جاءهم بذلك كفروا وطلبوا الآيات فخرج بهم إلى هضبة من الأرض فتمخضت عن الناقة ونهاهم أن يعترضوا لها بعقر أو هلكة وأخبرهم مع ذلك أنهم عاقروها ولا بد ورأس عليهم قدار بن سالف وكان صالح وصف لهم عاقر الناقة بصفة قدار هذا ولما طال النذير عليهم من صالح سئموه وهموا بقتله وكان يأوي إلى مسجد خارج ملائهم فكمن له رهط منهم تحت صخرة في طريقه ليقتلوه فانطبقت عليهم وهلكوا وحنقوا ومضوا إلى الناقة ورماها قدار بسهم في ضرعها وقتلها ولجأ فصيلها إلى الجبل فلم يدركوه وأقبل صالح وقد تخوف عليهم العذاب فلما رآه الفصيل أقبل إليه ورغا ثلاث رغاآت فأنذرهم صالح ثلاثا وفي صبح الرابعة صعقوا بصيحة من السماء تقطعت بها قلوبهم فأصبحوا جاثمين وهلك جميعهم حيث كانوا من الأرض إلا رجلا كان في الحرم منعه الله من العذاب قيل من هو يا رسول الله؟ قال: أبو رغال ويقال إن صالحا أقام عشرين سنة ينذرهم وتوفي ابن ثمان وخمسين سنة وفي الصحيح «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في غزوة تبوك بقرى ثمود فنهى عن استعمال مياههم وقال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا وأنتم باكون أن يصيبكم ما أصابهم» كلام الطبري.
وقال الجرجاني: كان من ملوكهم دوبان بن يمنع ملك الإسكندرية وموهب بن مرة بن رحيب وكان عظيم الملك وأخوه هوبيل بن مرة كذلك وفيما ذكره المفسرون أنهم أول من نحت الجبال والصخور وأنهم بنو ألفا وسبعمائة مدينة وفي هذا ما فيه ثم ذهبوا بما كسبوا ودرجوا في الغابرين وهلكوا ويقال إن من بقاياهم أهل الرس الذين كان نبيهم حنظلة بن صفوان وليس ذلك بصحيح وأهل الرس هم حضور ويأتي ذكرهم في بني فالغ بن عابر وكذلك يزعم بعض النسابة أن ثقيفا من بقايا ثمود هؤلاء وهو مردود وكان الحجاج بن يوسف إذا سمع ذلك يقول كذبوا وقال والله جل من قائل يقول وثمود فما أبقى أي أهلكهم فما أبقى أحدا منهم وأهل التوراة لا يعرفون شيئا من أخبار عاد ولا ثمود لأنهم لم يقع لهم ذكر في التوراة ولا لهود ولا لصالح عليهما السلام بل ولا لأحد من العرب العاربة لأن سياق الأخبار في التوراة عن أولئك الأمم إنما هو لمن كان في عمود النسب ما بين موسى وآدم صلوات الله عليهم وليس لأحد من آباء هؤلاء الأجيال ذكر في عمود ذلك النسب فلم يذكروا فيها.
وأما جديس وطسم فعند ابن الكلبي أن جديسا لإرم بن سام وديارهم اليمامة وهم إخوان لثمود بن كاثر ولذلك ذكرهم بعدهم وأن طسما للاوذ بن سام وديارهم بالبحرين وعند الطبري أنهما معا للاوذ وديارهم باليمامة ولهذين الاثنين خبر مشهور ينبغي سياقه عند ذكرهم قال الطبري عن هشام بن محمد الكلبي بسنده إلى ابن اسحق وغيره من علماء العرب: أن طسما وجديسا كانوا من ساكني اليمامة وهي إذ ذاك من أخصب البلاد وأعمرها وأكثرها خيرا وثمارا وحدائق وقصورا وكان ملك طسم غشوما لا ينهاه شيء عن هواه ويقال له: عملوق وكان مضرا لجديس مستذلا لهم حتى كانت البكر من جديس لا تهدى إلى زوجها حتى تدخل عليه فيفترعها وكان السبب في ذلك أن امرأة منهم كان اسمها هزيلة طلقها زوجها وأخذ ولده منها فأمر عملوق ببيعها وأخذ زوجها الخمس من ثمنها فقالت شعرا تتظلم منه فأمر أن لا تزوج منهم امرأة حتى يفترعها فقاقوا كذلك حتى تزوجت الشموس وهي عفيرة ابنة غفار بن جديس أخت الأسود فافتضها عملوق فقال الأسود بن غفار لرؤساء جديس: قد ترون ما نحن فيه من الذل والعار الذي ينبغي للكلاب أن تعافه فأطيعوني أدعوكم إلى عز الدهر فقالوا وما ذاك قال: أصنع للملك وقومه دعوة فإذا جاؤوا يعني طسما نهضنا إليهم بأسيافنا فنقتلهم فأجمعوا على ذلك ودفنوا سيوفهم في الرمل ودعوا عملوقا وقومه فلما حضروا قتلوهم فأفنوهم وقتل الأسود عملوقا وأفلت رباح بن مرة بن طسم فأتى حسان بن تبع مستغيثا فنهض حسان في حمير لإغاثته حتى كان من اليمامة على ثلاث مراحل قال لهم رباح إن لي أختا مزوجة في جديس اسمها اليمامة ليس على وجه الأرض أبصر منها وإنها لتبصر الراكب على ثلاث مراحل وأخاف أن تنظر القوم فأمر كل رجل أن يقع شجرة فيجعلها في يديه ويسير كأنه خلفها ففعلوا وبصرت بهم اليمامة فقالت لجديس: لقد سارت إليكم حمير وإني أرى رجلا من وراء شجرة بيده كتف يتعرقها أو نعل يخصفها فاستبعدوا ذلك ولم يحفلوا به وصبحهم حسان وجنوده من حمير فأبادهم وخرب حصونهم وبلادهم وهرب الأسود بن غفار إلى جبلي طيء فأقام بهما ودعا تبع باليمامة أخت رباح التي أبصرتهم فقلع عينها ويقال إنه وجد بها عروقا سودا زعمت أن ذلك من اكتحالها بالإثمد وكانت تلك البلد تسمى جو فسميت باليمامة اسم تلك المرأة.
قال أبو الفرج الأصبهاني: وكانت طيء تسكن الجرف من أرض اليمن وهي اليوم محلة مراد وهمدان وسيدهم يومئذ سامة بن لؤي بن الغوث بن طيء وكان الوادي مسبعة وهم قليل عددهم وكان يجتاز بهم بعير في زمن الخريف ويذهب في زمن الخريف ويذهب ثم يجيء من قابل ولا يعرفون مقره وكان الأزد قد خرجت أيام سيل العرم واستوحشت طيء فظغنوا على أثرهم وقالوا لسامة هذا البعير إنما يأتي من الريف والخصب لأن في بعره النوى فلما جاءهم زمن الخريف أتبعوه يسيرون لسيره حتى هبط عن الجبلين وهجموا على النخل في الشعاب وعلى المواشي وإذا هم بالأسود بن غفار في بعض تلك الشعاب فهالهم خلقه وتخوفوه ونزلوا ناحية ونفضوا الطريق فلم يروا أحدا فأمر سامة ابنه الغوث بقتل الأسود فجاء إليه فعجب من صغر خلقه وقال: من أين أقبلتم؟ قال: من اليمن وأخبره خبر البعير ثم رماه فقتله وأقامت طيء بالجبلين بعده.
وذكر الطبري عن غير ابن اسحق أن تبع الذي أوقع بجديس هو والد حسان هذا وهو ثبان أسعد أبو كرب بن ملكي كرب ويأتي ذكره في ملوك اليمن إن شاء الله تعالى انتهى كلام الطبري.
وقال غيره إن حسان بن تبع لما سار بحمير إلى طسم بعث على مقدمته إليه عبد كلال بن منوب بن حجر بن ذي رعين من أقيال حمير فسلك بهم رباح بن مرة الرمل وكانت الزرقاء أخت رباح ناكحا في طسم وتسمى عنزة واليمامة وكانت تبصر على البعد فأنذرتهم فلم يقبلوا وصبح عبد بن كلال جديسا إلى آخر القصة وبقيت اليمامة بعد طسم يبابا لا يأكل ثمرها إلا عوافي الطير والسباع حتى نزلها بنو حنيفة وكانوا بعثوا رائدهم عبيد بن ثعلبة الحنفي يرتاد لهم في البلاد فلما أكل من ذلك الثمر قال إن هذا الطعام! وحجر بعصاه على موضع قصبة اليمامة فسميت حجرا واستوطنها بنو حنيفة وبها صبحهم الإسلام كما يأتي في أخبارهم إن شاء الله تعالى وأما العمالقة فهم بنو عمليق بن لاوذ وبهم بضرب المثل في الطول والجثمان قال الطبري: عمليق أبو العمالقة كلهم أمم تفرقت في البلاد فكان أهل المشرق وأهل عمان والبحرين وأهل الحجاز منهم وكانت الفراعنة بمصر منهم وكانت الجبابرة بالشام الذين يقال لهم الكنعانيون منهم وكان الذين بالبحرين وعمان والمدينة يسمون جاسم وكان بالمدينة من جاسم هؤلاء بنو لف وبنو سعد بن هزال وبنو مطر وبنو الأرزق وكان بنجد منهم بديل وراحل وغفار بالحجاز منهم إلى تيما بنو الأرقم ويسكنون مع ذلك نجدا وكان ملكهم يسمى الأرقم قال: وكان بالطائف بنو عبد ضخم بن عاد الأول انتهى.
وقال ابن سعيد فيما نقله عن كتب التواريخ التي اطلع عليها في خزانة الكتب بدار الخلافة من بغداد قال: كانت موطن العمالقة تهامة من أرض الحجاز فنزلوها أيام خروجهم من العراق أمام النمادرة من بني حام ولم يزالوا كذلك إلى أن جاء إسمعيل صلوات الله عليه وآمن به من آمن منهم وتطرد لهم الملك إلى أن كان منهم السميدع بن لاوذ بن عمليق وفي أيامه خرجت العمالقة من الحرم أخرجتهم جرهم من قبائل قحطان فتفرقوا ونزل بمكان المدينة منهم بنو عبيل بن مهلايل بن عوص بن عمليق فعرفت به ونزل أرض أيلة ابن هومر بن عمليق واتصل ملكها في ولده وكان السميدع سمة لمن ملك منهم إلى أن كان آخرهم السميدع بن هومر الذي قتله يوشع لما زحف بنو إسرائيل إلى الشام بعد موسى صلوات الله عليه فكان معظم حروبهم مع هؤلاء العمالقة هنالك فغلبه يوشع وأسره وملك أريحا قاعدة الشام وهي قرب بيت المقدس ومكانها معروف لهذا العهد ثم بعث من بني إسرائيل بعثا إلى الحجاز فملكوه وانتزعوا من أيدي العمالقة ملوكه ونزعوا يثرب وبلادها وخبير ومن بقاياهم يهود قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع وسائر يهود الحجاز على ما نذكره ثم كان لهم ملك بعد ذلك في دولة الروم وملكوا أذينة بن السميدع على مشارف الشام والجزيرة من ثغورهم وأنزلوهم في التخوم ما بينهم وبين فارس وهذا الملك أذينة ابن السميدع هو الذي ذكره الشارع في قوله:
أزال أذينة عن ملكه ** وأخرج عن أهله ذا يزن

وكان من بعده حسان بن أذينة ومن بعده طرف بن حسان بن بدياه نسبة إلى أمه وبعده عمرو بن مطرف وكان بينه وبين جذيمة الأبرش حروب وقتله جذيمة واستولى على ملكهم وكان آخرا من العمالقة كما نذكر ذلك في موضعه.
ومن هؤلاء العمالقة فيما يزعمون عمالقة مصر وأن بعض ملوك القبط استنصر بملك العمالقة بالشام لعهده واسمه الوليد بن دومغ ويقال ثوران بن أراشة بن فادان بن عمرو بن عملاق فجاء معه ملك مصر واستعبد القبط قال الجرجاني ومن ثم ملك العماليق مصر ويقال أن منهم فرعون إبراهيم وهو سنان بن الأشل بن عبيد بن عولج بن عمليق وفرعون يوسف أيضا منهم وهو الريان بن الوليد بن فوران وفرعون موسى كذلك وهو الوليد بن مصعب بن أبي أهوان بن الهلوان ويقال أنه قابوس بن مصعب بن معاوية بن نمير بن السلواس بن فاران وكان الذي ملك مصر بعد الريان بن الوليد طاشم بن معدان كلام الجرجاني وقال غيره: الريان فرعون يوسف وهو الذي تسميه القبط نقراوش وأن وزيره كان أطفير وهو العزيز وأنه آمن بيوسف وأن أرض الفيوم كانت مغايض للماء فدبرها يوسف بالوحي والحكمة حتى صارت أعز الديار المصرية وملك بعده ابنه دارم بن الريان وبعده ابنه معدانوس فاستعبد بني إسرائيل قال الكلبي: ويذكر القبط أنه فرعون موسى وذكر أهل الأثر أنه الوليد بن مصعب وأنه كان نجارا من غير بيت الملك فاستولى إلى أن ولي حرس السلطان ثم غلب عليه ثم استبد بعده وعليه انقرض أمر العمالقة ولما غرق في اتباع موسى صلوات الله عليه رجع الملك إلى القبط فولوا من بيت ملكهم دلوكة العجوز كما نذكره في أخبارهم إن شاء الله تعالى وأما بنو إسرائيل فليس عندهم ذكر لعمالقة الحجاز وعندهم أن عمالقة الشام من ولد عملاق بن أليفاذ - بتفخيم الفاء - ابن عيصو أو عيصاب أو العيص بن إسحق بن إبراهيم عليه السلام وفراعنة مصر منهم على الرأيين وأما الكنعانيون الذين ذكر الطبري أنهم العمالقة فهم عند الإسرائيلين من كنعان ابن حام وكانوا قد انتشروا ببلاد الشام وملكوها وكان معهم فيها بنو عيصو المذكورون ويقال لهم بنو يدوم ومن أيديهم جميعا ابتزها بنو اسرائيل عند المجي أيام يوشع بن نون ولذلك تزعم زناتة المغرب أنهم من هؤلاء العمالقة وليس بصحيح وأما أميم فهم إخوان عملاق بن لاوذ قال السهيلي: يقال بفتح الهمزة وكسر الميم وبضم الهمزة وفتح الميم وهو أكثر ووجدت بخط بعض المشاهير أميم بتشديد الميم ويذكر أنهم أول من بنى البنيان واتخذ البيوت والأطام من الحجارة وسقفوا بالخشب وكان ديارهم فيما يقال أرض فارس ولذلك زعم بعض نسابة الفرس أنهم من أميم وأن كيومرث الذين ينسبون إليه هو ابن أميم بن لاوذ وليس بصحيح وكان من شعوبهم وبار بن أميم نزلوا رمل عالج بين اليمامة والشحر وسالت عليهم الريح فهلكوا.
وأما العرب البايدة من بني أرفخشذ بن يقطن بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ فهم جرهم وعبادة أوثان وبعث إليهم نبي منهم إسمه شعيب بن ذي مهرع فكذبوه وهلكوا كما هلك غيرهم من الأمم وأما جرهم فكانت ديارهم باليمن وكانوا يتكلمون بالعبرانية وقال البيهقي: إن يعرب بن قحطان لما غلب عادا على اليمن وملكه من أيديهم ولى إخوته على الأقاليم وولى جرهم على الحجاز وولى بلاد عاد الأولى وهي الشحر عاد بن قحطان فعرفت به وولى جرهم على الحجاز وولى بلاد عاد الأولى وهي الشحر عاد بن قحطان فعرفت به وولى عمان يقطن بن قحطان انتهى كلام البيهقي وقيل إنما نزلت جرهم الحجاز ثم بني قطور بن كركر بن عملاق لقحط أصاب اليمن فلم يزالوا بمكة إلى أن كان شأن إسمعيل عليه السلام ونبوته فآمنوا به وقاموا بأمره وورثوا ولاية البيت عنه حتى غلبتهم عليه خزاعة وكنانة فخرجت جرهم من مكة ورجعوا إلى ديارهم باليمن إلى أن هلكوا.
وأما حضرموت فمعدودون في العرب العاربة لقرب أزمانهم وليسوا من العرب البايدة لأنهم باقون في الأجيال المتأخرة إلا أن يقال أن جمهورهم قد ذهب من بعد عصورهم الأولى واندرجوا في كندة وصاروا من عدادهم فهم بهذا الاعتبار قد هلكوا وبادوا والله أعلم وقال علي بن عبد العزيز إنه كان فيهم ملوك التبابعة في علو الصيت ونهاية الذكر قال وذكر جماعة من العلماء أن أول من انبسط ملكه منهم وارتفع ذكره عمرو الأشنب بن ربيعة بن يرام بن حضرموت ثم خلفه ابنه نمر الأزج فملك مائة سنة وقاتل العمالقة ثم ملك كريب ذوكراب ثم نمر الأزج مائة وثلاثا وثلاثين سنة وهلك إخوته في ملكه ثم ملك مرثد ذو مروان بن كريب مائة وأربعين سنة وكان يسكن مأرب ثم تحول إلى حضرموت ثم ملك علقمة ذو قيعان ابن مرثد ذي مروان بحضرموت ثلاث سنة ثم ملك ذو عيل بن ذي قيعان عشر سنين وسكن صنعاء وغزا الصين فقتل ملكها وأخذ سيفه ذا النور ثم ملك ذو عيل بن ذي عيل بحضرموت عشر سنين ولما شخص سنان ذو ألم لغزو الصين تحول ذو عيل إلى صنعاء واشتدت وطأته وكان أول من غزا الروم من ملوك اليمن وأول من أدخل والديباج إلى اليمن ثم ملك بدعات بن ذي عيل بحضرموت أربع سنين ثم ملك بدعيل بن بدعات وبني حصونا وخلف آثارا ثم ملك بديع ذو عيل ثم ملك حماد بن بدعيل بحضرموت فأنشأ حصنه المعقرب وغزا فارس في عهد سابور ذي الأكتاف وخرب وسبى ودام ملكه ثمانين سنة وكان أول من اتخذ الحجاب من ملوكهم ثم ملك يشرح ذو الملك بن ودب بن ذي حماد بن عاد من بلاد حضرموت مائة سنة وكان أول من رتب الرواتب وأقام الحرس والروابط ثم ملك منعم بن ذي الملك دثار بن جذيمة بن منعم ثم يشرح بن جذيمة بن منعم ثم نمر بن بشرح ثم ساجن المسمى ابن نمر وفي أيامه تغلبت الحبشة على اليمن.
هذه قبائل هذا الجيل من العرب العاربة وما كانوا عليه من الكثرة والملك إلى أن انقرضوا وأزال الله من أمرهم بالقحطانية كما نحن ذاكروه ولم نغفل منهم إلا من لم يصلنا ذمره من خيره والله وارث الأرض ومن عليها.
وأما جرهم فقال له ابن سعيد: إنهم أمتان أمة على عهد عاد وأمة من ولد جرهم بن قحطان ولما ملك يعرب بن قحطان اليمن ملك أخوه جرهم الحجاز ثم ملك من بعده ابنه عبد يا ليل ثم بعده ابنه عبد المدان بن جرهم ثم ابنه نفيلة بن عبد المدان ثم ابنة عبد المسيح بن نفيلة ثم ابنه مضاض بن عبد المسيح ثم ابنه الحرس ثم ملك من بعده جرهم بن عبد يا ليل ثم بعده ابنه عمرو بن الحرث ثم أخوه يشير بن الحرث ثم مضاض بن عمرو بن مضاض قال وهذه الأمة الثانية هم الذين بعث إليهم إسمعيل عليه السلام وتزوج فيهم انتهى.
وأما بنو سبا بن يقطن فلم يبيدوا وكان لهم بعد تلك الأجيال البائدة أجيال باليمن منهم حمير وكهلان وملوك التبابعة وهم أهل الطبقة الثانية وفي مسند الإمام أحمد: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل هو فروة بن مسيك المرادي عن سبا أرجل هو أو امرأة أم أرض؟ فقال به رجل ولد عشرة فسكن اليمن منهم ستة والشام أربعة فأما اليمانيون فمذ حج وكندة والأزد والأشعر وأنمار وحمير وأما الشاميون فلخم وجذام وعاملة وغسان وثبت أن أباهم قحطان كان يتكلم بالعربية ولقنها عن الأجيال قبله فكانت لغة بينه ولذلك سموا العرب المستعربة ولم يكن في آباء قحطان من لدن نوح عليه السلام إليه من يتكلم بالعربية وكذلك كان أخوه فالغ وبنوه إنما يتكلمون بالعجمية إلى أن جاء إسماعيل بن إبراهيم صلوات الله عليهما فتعلم العربية من جرهم فكانت لغة نبيه وهم أهل الطبقة الثالثة المسلمون بالعرب التابعة للعرب فلنذكر هذا النسب لينتظم أجياله مع الأجيال السابقة واللاحقة ونستوفي أنساب الأمم منها.