فصل: الخبر عن بني مرين وأنسابهم وشعوبهم وما تأثلوا بالمغرب من السلطان والدولة التي استعملت سائر زناتة وانتظمت كراسي الملك بالعدوتين وأولية ذلك ومصايره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن بني مرين وأنسابهم وشعوبهم وما تأثلوا بالمغرب من السلطان والدولة التي استعملت سائر زناتة وانتظمت كراسي الملك بالعدوتين وأولية ذلك ومصايره:

قد ذكرنا أن بني مرين هؤلاء من شعوب بني واسين وذكرنا نسب واسين في زناتة وذكرنا أنهم بنو مرين بن ورتاجن بن ماخوخ بن جديج بن فاتن بن يدر بن يخفت ابن عبد الله بن ورتنيص بن المعز بن إبراهيم بن سجيك بن واسين وأنهم إخوة بني يلومي ومديونة وربما يشهد بذلك جوار مواطنهم قبل الملك ما بين صا وملوية وذكرنا كيف اقتسموا الضاحية والقفر مع إخوانهم بني بادين بن محمد وكيف اتصلت فتنتهم معهم سائر أيامهم وكان الغلب أولا لبني بادين بن محمد لكثرة عددهم فإنهم كما ذكرنا خمسة بطون: بنو عبد الواد وتوجين ومصاب وبنو زردال وإخوانهم بنو راشد بن محمد وكانوا أهل تلول المغرب الأوسط دونهم وبقي هذا الحي من بني مرين بمجالات القفر من فيكيك إلى سجلماسة إلى ملوية وربما يتخطون في ظعنهم إلى بلاد الزاب ويذكر نسابتهم أن الرياسة فيهم قبل تلك العصور كانت لمحمد بن ورزين بن فكوس بن كوماط بن مرين وأنه كان لمحمد إخوة آخرون يعرفون بأمهم تنالفت وكان بنو عمه ونكاسن بن فكوس وكان لمحمد من الولد سبعة: شقيقان وهما حمامة وعسكر وأبناء علات أمهات أولاد وهم سنكمان وسكميان وسكم ووراغ وقزونت وتسمى هذه الخمسة في لسانهم تيريغين ومعناه عندهم الجماعة يزعمون أن محمدا لما هلك قام بأمره في قومه ابنه حمامة وكان الأكبر ثم من بعده أخوه عسكر وكان له من الولد ثلاثة: نكوم وأبو يكنى ويلقب المخضب وعلي ويلقب لاعدر ولما هلك قام برياسته فيهم ابنه المخضب فلم يزل أميرا عليهم إلى أن كان أمر الموحدين وزحف عبد المؤمن إلى تاشفين بن علي بن يوسف فحاصره بتلمسان وسرخ الشيخ أبا حفص في العساكر لحرب زناتة بالمغرب الأوسط وجمع له بنو بادين كلهم وبنو يلومي وبنو مرين ومغراوة ففض الموحدون جموعهم واستلحموا أكثرهم ثم راجع بنو يلومي وبنو بادين طاعتهم وأخلص بنو عبد الواد في خدمتهم ولنصيحتهم ولحق بنو مرين بالقفر فلما غلب عبد المؤمن على وهران واستولى على أموال لمتونة وبعث ذخيرتهم بتلك الغنائم إلى جبل تينملل حيث داره ومن أين كان منبعث الدعوة وبلغ الخبر إلى بني مرين بمكانهم من الزاب وشيخهم يومئذ المخضب بن عسكر فأجمع إعراضهما بقومه ولحق العير بوادي تلاغ فاحتازها من أيدي الموحدين واستنفر عبد المؤمن لاستنقاذها أولياءه من زناتة وسرحهم مع الموحدين لذلك فأبلى بنو عبد الواد فيها بلاء حسنا وكان اللقاء في فحص مسون وانكشف بنو مرين وقتل المخضب بن عسكر واكتسح بنو عبد الواد حللهم وذلك سنة أربعين وخمسماية فلحق بنو مرين بعدها بصحرائهم ومجالات قفرهم وقام بأمرهم من بعد المخضب أبو بكر ابن عمه حمامة ابن محمد إلى أن هلك فقام بأمره ابنه محيو ولم يزل مطاعا فيهم إلى أن استنفرهم المنصور لغزاة الأركة فشهدوها وأبلوا البلاء الحسن وأصابت محيو يومئذ جراحة انتقضت عليه مرجعه منها فهلك بصحراء الزاب سنة إحدى وتسعين وخمسماية.
وكان من رياسة عبد الحق ابنه من بعده وبقائها في عقبه ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن إمارة عبد الحق بن محيو المستقرة في بنيه وإمارة ابنه عثمان من بعده ثم أخيه محمد بن عبد الحق بعدهما وما كان فيها من الأحداث:

لما هلك محيو بن أبي بكر بن حمامة من جراحته كما قلناه وكان له من الولد عبد الحق ووسناف ويحياتن وكان عبد الحق أكبرهم فقام بأمر بني مرين وكان خير أمير عليهم قياما بمصالحهم وتعففا عما في أيديهم وتقويما لهم على الجادة ونظرا في العواقب واستمرت أيامهم ولما هلك الناصر رابع خلفاء الموحدين بالمغرب سنة عشر وستماية مرجعه من غزاة العقاب وقام بأمر الموحدين من بعده ابنه يوسف المستنصر نصبه الموحدون للأمر غلاما لم يبلغ الحلم وشغلته أحوال الصبا وجنونه عن القيام بالسياسة وتدبير الملك فأضاع الحزم وأغفل الأمور وتواكل الموحدون بما أرخى لهم من طيل الدالة عليه ونفس عن مخنقهم من قبضة الاستبداد والقهر فضاعت الثغور وضعفت الحامية وتهاونوا بأمرهم وفشلت ريحهم وكان هذا الحي لذلك العهد بمجالات القفار من فيكيك إلى صا وملوية كما قدمناه من شأنهم وكانوا يطرقون في صعودهم إلى التلول والأرياف منذ أول دولة الموحدين وما قبلها جهات كرسيف إلى وطاط ويأنسون بمن هنالك من بقايا زناتة الأول: مثل مكناسة بجبال تازى وبني يرنيان من مغراوة الموطنين قصور وطاط من أعالي ملوية فيتقلبون بتلك الجهات عام المربع والمصيف وينحدرون إلى مشاتيهم بما امتاروه من الحبوب لأقواتهم فما رأوا من اختلال بلاد المغرب ما رأوا انتهزوا فيها الفرصة وتخطوا إليها القفر ودخلوا ثناياه وتفرقوا في جهاته وأرجفوا بخيلهم وركابهم على ساكنه واكتسحوا بالغارة والنهب عامة بسائطهم ولجأت الرعايا إلى معتصماتهم ومعاقلهم وكثر شاكيهم وأظلم الجو بينهم وبين السلطان والدولة فآذنوهم بالحرب وأجمعوا لغزوهم وقطع دابرهم وأغرى الخليفة المستنصر عظيم الموحدين أبا علي بن وانودين بجميع العساكر والحشود من مراكش وسرحه إلى السيد أبي إبراهيم ابن أمير الموحدين يوسف بن عبد المؤمن بمكانه من إمارة فارس وأوعز إليه أن يخرج لغزو بني مرين وأمره أن يثخن ولا يستبقي واتصل الخبر ببني مرين وهم في جهات الريف وبلاد بطوبة فتركوا أثقاهلهم بحصن تازوطا وصمدوا إليهم والتقى الجمعان بوادى نكور فكان الظهور لبني مرين والدبرة على الموحدين وامتلأت الأيدي من أسلابهم وأمتعتهم ورجعوا إلى تازى وفاس عراة يخصفون عليهم من ورق النبات المعروف عند أهل المغرب بالمشغلة يوارون به سؤاتهم لكثرة الخصب عامئذ واعتمار الفدن بالزرع وأصناف الباقلا حتى لقد سميت الواقعة يومئذ بعام المشغلة.
وصمد بنو مرين بعدها إلى تازى ففلوا حاميتها أخرى ثم اختلفت بنو محمد رؤساءهم وانتبذ عنهم من عشائرهم بنو عسكر بن محمد لمنافسة وجدوها في أنفسهم من استقلال بني عمهم حمامة بن محمد بالرياسة دونهم بعد أن كان أومض عندهم منها في عسكر وابنه المخضب إيماض من أخلف بارقه فحالفوا عبد الحق أميرهم وقومه إلى مظاهرة أولياء الموحدين وحامية المغرب من قبائل رياح الموطنين بالهبط وازغار لحديث عهدهم بالتوحش والعز منذ إنزال المنصور إياهم بذلك القطر من أفريقية فتحيزوا إليهم وكاثروهم على قومهم وصمدوا جميعا للقاء بني مرين سنة أربع عشرة وستمائة ودارت بينهم حرب تولى الصبر مقامها وهلك فيها أميرهم عبد الحق وكبير بنيه إدريس وتذامر لمهلكها بنو مرين وجلى تلك الحومة حمامة بن يصليتن من بني عسكر والأمير ابن محيو السكمي فانكشفت رياح آخرا وقتل منهم أبطال وولى بنو مرين عليهم بعد مهلك عبد الحق ابنه عثمان تلو إدريس وشهرته بينهم أدرغال ومعناه برطانتهم الأعور وكان لعبد الحق من الولد عشرة تسعة ذكور وأختهم ورتطليم: فإدريس وعبد الله ورحو لامرأة من بني علي اسمها سوط النساء وعثمان ومحمد لامرأة من بني ونكاسن إسمها النوار بنت تصاليت وأبو بكر لامرأة من بني تنالفت وهي تاغزونت بنت أبي بكر بن حفص وزيان لامرأة من بني ورتاجن وأبو عياد لامرأة من بني وللوى إحدى بطون عبد الواد اسمها أم الفرج ويعقوب لأم المجن بنت محلى من بطوية وكان أكبرهم إدريس الهالك مع أبيه عبد الحق فقام بأمر بني مرين من بعد عبد الحق ابنه عثمان بايعه لوقته حمامة بن يصليتن ولمير بن محيو ومن إليهما من مشيخة قومها واتبعوا منهزمة رياح وأثخنوا فيهم وثار عثمان بأبيه وأخيه حتى شفا نفسه منهم ولاذوا بالسلم فسالمهم على أتاوة يؤدونها إليه وإلى قومه كل سنة ثم استشرى من بعد ذلك داء بني مرين واعضل خطبهم وكثر الثوار بالمغرب وامتنع عامة الرعايا عن المغرم وفسدت السابلة واعتصم الأمراء والعمال من السلطان فن دونه بالأمصار والمدن وغلبوا أولئك على الضاحية وتقلص ظل الحكام عن البدو جملة وافتقد بنو مرين الحامية دون الوطن والدفاع فمدوا إلى البلاد يدا وسار بهم أميرهم أبو سعيد عثمان بن عبد الحق في نواحي المغرب يتقرى مسالكه وشعوبه ويضع المغارم على أهله حتى دخل أكثرهم في أمره فبايعه من الظواعن الشاوية والقبائل الآهلة: هوارة وزكارة ثم تسول ومكناسة ثم بطوبة وقشتالة ثم سدراتة وبهلولة ومديونة ففرض عليهم الخراج وألزمهم المغارم وفرق فيهم العمال ثم فرض على أمصار المغرب مثل فاس وتازى ومكناسة وقصر كتامة ضريبة معلومة يؤدونها إليه على رأس كل حول على أن يكف الغارة عنهم ويصلح سابلتهم ثم غزا ظواعن زناتة سنة عشرين وستمائة وأثخن فيهم حتى اذعنوا وقبض أيديهم عما امتدت إليه من الفساد والنهب وعطف بعدها على رياح أهل أزغار والهبط وأثار به بأبيه فأثخن فيهم وأبادهم ولم يزل دأبه ذلك إلى أن هلك باغتيال علجة سنة سبع وثلاثين وستمائة.
وقام بأمر بني مرين من بعده أخوه محمد بن عبد الحق فتقبل سنن أخيه في تدويخ بلاد المغرب وأخذ الضريبة من أمصاره وجباية المغارم والوضائع من ظواعنه وبدوه وسائر رعاياه وبعث الرشيد أبا محمد بن وانودين لحربهم وعقد له على مكناسة فدخلها وأجحف بأهلها فى المغارم ثم نزل بنو مرين بمتيجة وغيرها من ضواحيها فنادى في عساكره وخرج إليهم فدارت بينهم حرب شديدة هلك فيها خلق من الجانبين وبارز محمد بن إدريس بن عبد الحق قائدا من الروم واختلفا ضربتين هلك العلج بإحداهما وانجرح محمد في وجهه بالأخرى واندمل جرحه فصار أثر في وجهه لقب من أجله أبا ضربة ثم شد بنو مرين كل الموحدين فانكشفوا ورجع ابن وانودين إلى مكناسة مفلولا وبقي بنو عبد المؤمن أثناء ذلك في مرض من الأيام وتثاقل عن الحماية ثم أومضت دولتهم آخرا إيماض الخمود وذلك أنه لما هلك الرشيد بن المأمون سنة أربعين وستماية وولي أخوه علي وتلقب بالسعيد وبايعه أهل المغرب انصرفت عزائمه إلى غزو بني مرين وقطع أطماعهم عما سمت إليه من تملك الوطن فأغزى عسكر الموحدين لقتالهم ومنهم قبائل العرب والمصامدة وجموع الروم فنهضوا سنة اثنتين وأربعين وستمائة في جيش كثيف يناهز عشرين ألفا فيما زعموا وزحف إليهم بنو مرين بوادي ياباش وصبر الفريقان وهلك الأمير محمد بن عبد الحق في الجولة بيد زعيم من زعماء الروم وانكشفت بنو مرين واتبعهم الموحدون ودخلوا تحت الليل فلحقوا بجبال غياثة من نواحي تازى واعتصموا بها أياما ثم خرجوا إلى بلاد الصحراء وولوا عليهم أبا يحيى بن عبد الحق فقام بأمرهم على ما نذكره إن شاء الله تعالى.