فصل: الخبر عن القوط وما كان لهم من الملك بالأندلس إلى حين الفتح الإسلامي وأولية ذلك ومصايره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن القوط وما كان لهم من الملك بالأندلس إلى حين الفتح الإسلامي وأولية ذلك ومصايره:

هذه الأمة من أمم أهل الدولة العظيمة المعاصرة لدول الطبقة الثانية من العرب وقد ذكرناهم عقب اللطينيين لأن الملك صار إليهم من بينهم كما ذكرناه وسياقه الخبر عنهم أنهم كانوا يعرفون في الزمن القديم بالسيسيين نسبة إلى الأرض التي كانوا يعمرونها بالشرق فيما بين الفرس واليونان وهم في نسبهم إخوة الصين من ولد ماغوغ بن يافث وكانت لهم مع الملوك السريانيين حروب موصوفة زحف إليهم فيها مومن مالي ملك سريان فدافعوه لعهد إبراهيم الخليل عليه السلام ثم كانت لهم حروب مع الفرس عند تخريب بيت المقدس وبناء رومة ثم غلبهم الإسكندر وصاروا في ملكته واندرجوا في قبائل الروم ويونان ثم لما ضعف أمر الروم بعد الإسكندر وتغلبوا على بلاد الغريقيين ومقدونية ونبطة أيام غلبنوش بن بارايان من ملوك القياصرة وكانت بينه وبينه حروب سجال ثم غلبهم القياصرة من بعده وظفروا بهم حتى إذا انتقل القياصرة إلى القسطنطينية وفشل أمرهم برومة زحف إليها هؤلاء القوط واقتحموها عنوة فاستباحوها ثم خرجوا عنها أيام طودوشيش بن أركادش بعد حروب كثيرة وكان أميرهم لذلك العهد أنطرك كما ذكرناه ومات لعهد طودوشيش وأرادوا أن يجعل اسمه سمة الملوك برومة منهم مكان سمة قيصر فاختلف عليه أصحابه في ذلك فرجع عنه ثم صالح الرومانيين على أن يكون له ما يفتح من بلاد الأندلس لما كان أمر الرومانيين قد ضعف عن الأندلس ولحق بها ثلاث طوائف من الغريقيين فاقتسموا ملكها وهم الأبيون والشوانيون والقندلش وباسم قندلس سميت الأندلس.
وكان بالأندلس من قبلهم الأرباريون من ولد طوال بن يافث وهم إخوة الأنطاليس سكنوها من بعد الطوفان وصاروا إلى طاعة أهل رومة حتى دخل إليهم هؤلاء الطوالع من الغريقيين عندما اقتحم القوط مدينة رومة وغلبوا الأمم الذين كانوا بها من ولد طوال وقد يقال: إن هؤلاء الطوالع كلهم من ولد طوال بن يافث وليسوا من الغريقيين واقتسم هؤلاء الطوالع ملكها وكانت جليقية لقندلش ولشبونة وماردة وطليطلة ومرسية لشوانش وكانوا أشرافهم وكانت أشبيلية وقرطبة وجيان وطالعة للأبيق وأميرهم عند ريقش أخو لشيقش أربعين سنة حين زحف إليهم القوط من رومة وكان قد ولي عليهم بعد أطفانش ملك آخر منهم اسمه طشريك وقتله الرومانيون وولي مكانه منهم ماستة ثلاث سنين وزوج أخته من طودوشيش ملك الرومانيين وصالحه على أن يكون له ما يفتحه من الأندلس ثم مات وولي مكانه لزريق ثلاث عشرة سنة وهو الذي زحف إلى الأندلس وقتل ملوكها وطرد الطوائف الذين كانوا بها فأجازوا إلى طنجة وتغلبوا على بلاد البربر وصرفوا البربر الذين كانوا بالعدوة عن طاعة القسطنطين إلى طاعتهم فلم يزالوا على ذلك إلى دولة يشيتانش نحوا من ثمانين سنة ثم هلك طورديق ملك القوط بالأندلس وولي مكانه سبع عشرة سنة وانتقض عليه البسكتس إحدى طوائف القوط فزحف إليهم وردهم إلى طاعته ثم هلك.
وولي بعده الديك ثلاثا وعشرين سنة وكانت الإفرنج لعهده قد طمعوا في ملك الأندلس وأن يغلبوا عليها القوط فجمعوا لهم وملكوا على أنفسهم منهم فزحف إليهم الديك في أمم القوط إلى أن توغل في بلاد الإفرنج فغلبوه وقتلوه وعامة أصحابه وكانت القوط قبل دخولهم إلى الأندلس فرقتين كما في دولة بلنسيان بن قسطنطين من القياصرة المنتصرة وكانت إحدى الفرقتين قد أقامت بمكانها من نواحي رومة فلما بلغهم خبر الديك صاحب الأندلس منهم امتعضوا لذلك وكان أميرهم طورديك منهم فزحف إلى الإفرنج وغلبهم على ما كانوا يملكونه من الأندلس ودخل القوط الذين بالأندلس في طاعته فولى عليهم ابنه أشتريك ورجع إلى مكانه من نواحي رومة فزحف الإفرنج إلى محاربة أشتريك حتى غلبوه على طلوسة من ناحيتهم.
وهلك أشتريك بعد خمس سنين من ملكه وولي عليهم بعده بشليقش أربع سنين ثم بعده طودريق إحدى وستين سنة وقتله بعض أصحابه بأشبيلية وولي بعده أبرليق خمس سنين وبعده طودس ثلاث عشرة سنة وبعده طودشكل سنتين وبعده أيلة خمس سنين وانتقض عليه أهل قرطبة فحاربهم وتغلب عليهم وبعده طنجاد خمس عشرة سنة وبعده ليولة سنة واحدة وبعده لوبليدة ثماني عشرة سنة وانتقضت عليه الأطراف فحاربهم وسكنهم ونكر عليه النصارى تثليث أريش وراودوه على الأخذ بتوحيدهم الذين يزعمونه فأبى وحاربهم فقتل وولي ابنه زدريق ست عشرة سنة ورجع إلى توحيد النصارى بزعمهم وهو الذي بنى البلاد المنسوبة إليه بقرطبة ولما هلك ولي بعده على القوط ليوبة سنتين وبعده تبديقا عندمار سنتين وبعده شيشوط ثماني سنين وعلى عهده كان هرقل ملك قسطنطينية والشام ولعهده كانت الهجرة.
وهلك شيشوط ملك القوط وولي زدريق آخر منهم ثلاثة أشهر وبعده شتله ثلاث سنين وبعده سنشادش خمس سنين وبعده خنشوند سبع سنين وبعده وجنشوند ثلاثا وعشرين سنة ولهذه العصور ابتدأ ضعف الأحكام للقوط وبعده مانيه ثمان سنين وبعده لوري ثمان سنين وبعده إيقه ست عشرة سنة وبعده غطسة أربع عشرة سنة وهو الذي وقع من قصته مع ابنه يليان عامل طنجة ما وقع ثم بعده زدريق سنتين وهو الذي دخل عليه المسلمون وغلبوه على ملك القوط وملكوا الأندلس ولذلك العهد كان الوليد بن عبد الملك حسبما نذكره عند فتح الأندلس إن شاء الله تعالى.
هذه سياقة الخبر عن هؤلاء القوط نقلته من كلام هروشيوش وهو أصح ما رأيناه في ذلك والله سبحانه وتعالى الموفق المعين بفضله وكرمه لا رب غيره ولا مأمول إلا خيره.