فصل: الخبر عن دولة بني نجاح بزبيد موالي بني زياد ومبادىء أمورهم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  خروج زيادة الله إلي المشرق

ولما وصل الخبر إلى زيادة الله بوصول الشيعي إلى قمودة حمل أمواله وأثقاله ولحق بطرابلس معتزمـاً علـى الشـرق‏.‏ وأقبـل الشيعي إلى إفريقية وفي مقدمته عروبة بن يوسف وحسن بن أبي خنزير ووصل إلى رقادة في رجب سنة ست وتسعين وتلقاه أهل القيروان وبايعوا لعبيد الله المهدي كما ذكرناه في أخبارهم ودولتهم‏.‏ وأقام زيادة الله بطرابلس سبعة عشر يوماً وانصرف ومعـه إبراهيـم بن الأغلب‏.‏ وكان نمي عنه أنه أراد الاستبداد لنفسه بالقيروان بعد خروج زيادة الله فاعرض عنه واطرحه وبلغ مصر فمنعه عاملهـا عيسـى البرشـدي مـن الدخـول إلا عـن أمـر الخليفة وأنزله بظاهر البلد ثمانية أيام‏.‏ وانصـرف إلـى ابـن الفـرات وزير المقتدر يستأذن له في الدخول فأتاه كتابه بالمقام في المرقة حتى يأتيه رأي المقتدر فأقام بها سنة‏.‏ ثم جاءه كتاب المقتدر بالرجوع إلى إفريقية‏.‏ وأمر النوشزي بإمداده بالرجال والمال لاسترجاع الدعوة بإفريقية ووصل إلى فأصابته بها علة مزمنة وسقط شعره‏.‏ ويقال أنه سم وخرج إلى بيت المقدس ومات بها‏.‏ وتفرق بنو الأغلب وانقطعت أيامهم والبقاء لله وحده‏.‏ والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

  دولة بني أبي الحسن الكلبيين

بقية أخبار صقلية ودولة بني الحسن الكلبيين بها من العرب المستبدين بدعوة العبيديين وبداية أمرهم وتصاريف أحوالهم ولمـا استولـى عبيـد اللـه المهـدي علـى إفريقيـة ودانـت له وبعث العمال في نواحيها بعث على جزيرة صقليـة الحسن بن محمد بن أبي خنزير من رجالات كتامة فوصل إلى مأزر سنة سبع وتسعين فـي العساكـر فولـى أخـاه علـى كبركيـت وولى على القضاء بصقلية إسحاق بن المنهال‏.‏ثم سار سنـة ثمـان وتسعيـن فـي العساكـر إلـى ومـش فعـاث فـي نواحيهـا ورجع‏.‏ ثم شكا أهل صقلية سوء سيرته وثاروا به وحبسوه وكتبوا إلى المهدي معتذرين فقبل عذرهم وولى عليهم أحمد بن قهرب‏.‏ وبعث سرية إلى أرض قلورية فدوخوها ورجعوا بالغنائم والسبي‏.‏ ثم أرسل سنة ثلاثمائـة ابنـه عليـاً إلـى قلعة طرمين المحدثة ليتخذها حصنا لحاشيته وأمواله حذراً من ثورة أهل صقليـة فحصرهـا ابنـه ستـة أشهر‏.‏ ثم اختلف عليه العسكر فأحرقوا خيامه وأرادوا قتله فمنعه العرب ودعا هو الناس إلى المقتدر فأجابوه‏.‏ وقطع خطبة المهدي وبعث الأسطول إلى إفريقية ولقـوا أسطول المهدي وقائده الحسن بن أبي خنزير فقتلوه وأحرقوا الأسطول‏.‏ وسار أسطول بن قهـرب إلـى صفاقـس فخربوهـا وانتهـوا إلـى طرابلـس وانتهـى الخبـر إلـى القائم بن المهدي‏.‏ ثم وصلت الخلع والألوية من المقتدر إلى ابن قهرب‏.‏ ثم بعـث الجيـش فـي الأسطـول إلـى قلوريـة فعاثـوا فـي نواحيهـا ورجعـوا‏.‏ ثـم بعـث ثانيـة أسطـولا إلـى إفريقية فظفر به أسطول المهدي فانتقض أمره وعصى عليه أهل كبركيت وكاتبوا المهدي‏.‏ ثم ثار الناس بابن قهرب آخر الثلاثمائة وحبسوه وأرسلوه إلى المهـدي فأمـر بقتلـه علـى قبـر ابـن خنزيـر فـي جماعـة من خاصته‏.‏ وولى على صقلية أبا سعيد بن أحمد وبعث معه العساكر عن كتامة فركب إليها البحر فنزل في طرابنة وعصى عليه أهل صقلية بمن معه من العساكر فامتنعوا‏.‏ عليه وقاتله أهل كبركيت وأهل طرابنة فهزمهم وقتلهم‏.‏ ثم استأمن إليه أهل طرابنة فأمنهم وهدم أبوابها‏.‏ وأمره المهدي بالعفو عنهم‏.‏ ثـم ولى المهدي على صقلية سالم بن راشد وأمده سنة ثلاث عشرة بالعساكر فعبر البحر إلى أرض انكبردة فدوخها وفتحوا فيها حصوناً ورجعوا‏.‏ ثم عادوا إليها ثانية وحاصروا مدينـة ادرنت أياما ورحلوا عنها‏.‏ ولم يزل أهل صقلية يغيرون على ما بأيدي الروم من جزيرة صقلية وقلوريـة ويعيثـون فـي نواحيهـا‏.‏ وبعـث المهـدي سنـة اثنتيـن وعشريـاً جيشاً في البحر مع يعقوب بن إسحـاق فعاث في نواحي جنوة ورجعوا‏.‏ ثم بعث جيشه من قابل ففتحوا مدينة جنوة ومروا بسردانية فأحرقوا فيها مراكب وانصرفوا‏.‏ ولما كانت سنة خمس وعشرين انتقض أهل كبركيت على أميرهم سالم بن راشـد وقاتلـوا جيشـه وخـرج إليهـم سالـم بنفسـه فهزمهـم وحصرهـم واستمـد القائـم فأمده بالعساكر مع خليل بن إسحاق فلما وصل إلى صقلية شكا إليه أهلها من سالـم بـن راشـد واسترحمتـه النسـاء والصبيـان‏.‏ وجاءه أهل كبركيت وغيرها من أهل صقلية بمثل ذلك فرق لشكواهم ودس إليهم سالم بأن خليلاً إنما جاء للانتقام منهم بمن قتلوا من العساكر فعاودوا الخلاف واختط خليل مدينة على مرسى المدينة وسماها الخالصة‏.‏ وتحقق بذلك أهل كبركيت ما قـال لهـم سالـم واستعـدوا للحـرب فسـار إليهـم خليـل منتصـف سـت وعشريـن وحصرهم ثمانية أشهر يغاديهم بالقتال ويراوحهم حتى إذا جاء الشتاء إلى الخالصة واجتمع أهل صقلية على الخلاف واستمدوا ملك القسطنطينية فأمدهم بالمقاتلة والطعام‏.‏ واستمد خليل القائم فأمده بالجيش فافتتح قلعة أبي ثور وقلعة البلوط وحاصر قلعة بلاطنو إلى أن انقضت سنة سبع وعشرين فارتحل عنها وحاصر كبركيت‏.‏ ثم حبس عليها عسكراً للحصار مع أبي خلـف بـن هـارون ورحـل عنهـا وطـال حصارهـا إلـى سنـة تسـع وعشرين فهرب كثير من أهل البلد إلى بلد الروم واستأمن الباقون فكنهم على النزول عن القلعة‏.‏ ثم غدر بهم فارتاع‏.‏ لذلك سائر القلاع وأطاعوا ورجع خليل إلى إفريقية آخر سنة تسـع وعشريـن وحمـل معـه وجـوه أهـل كبركيـت فـي سفينـة وأمـر بخرقهـا فـي لجـة البحـر فغرقـوا أجمعين‏.‏ ثم ولى على صقلية عطاف الأزدي‏.‏ ثم كانت فتنة أبي يزيد وشغل القائم والمنصور يأمره قلما انقضت فتنة أبي يزيد عقد المنصور على صقلية للحسن بن أبي الحسن الكلبي من صنائعهم ووجوه قواده وكنيته أبو الغنائم وكان له في الدولة محل كبير‏.‏ وفي مدافعة أبي يزيد غناء عظيم‏.‏ وكان سبب ولايته أن أهل بليرم كانوا قد استضعفوا عطافاً واستضعفهم العدو لعجزه فوثب به أهل المدينة يوم الفطر من سنة خمس وثلاثين وتولى كبر ذلك بنو الطير منهم ونجا عطاف إلى الحصن وبعث للمنصور يعلمه ويستمده فولى الحسن بن علي على صقلية وركب البحـر إلـى مـأزر وأرسـى بهـا فلـم يلقـه أحـد منهـم‏.‏ وأتـاه في الليل جماعة من كتامة واعتذروا إليه عـن النـاس بالخـوف مـن بنـي الطيـر‏.‏ وبعـث بنـو الطيـر عيونهم عليه واستضعفوه وواعدوه أن يعودوا إليه فسبق ميعادهم ودخل المدينة ولقيه حاكم البلد وأصحاب الدواوين واضطر بنو الطير إلى لقائه وخرج إليهم كبيرهم إسماعيل ولحق به من انحرف عن بني الطير فكثـر جمعـه‏.‏ ودس إسماعيـل بعـض غلمانـه فاستغـاث بالحسن من بعض عبيده أنه أكره امرأته على الفاحشة يعتقد أن الحسن لا يعاقب مملوكه فتخشن قلوب أهل البلـد عليـه‏.‏ وفطـن الحسـن لذلـك فدعـا الرجـل وأستحلفه على دعواه وقتل عبده فسر الناس بذلك ومالـوا عـن الطيـري وأصحابـه وافتـرق جمعهم‏.‏ وضبط الحسن أمره وخشي الروم بادرته فدفعوا إليه جزية ثلاث سنين‏.‏ وبعث ملك الـروم بطريقـا فـي البحـر فـي عسكـر كبيـر إلـى صقليـة واجتمـع هـو والسردغـرس‏.‏ واستمـد الحسـن بن علي المنصور فأمده بسبعة آلاف فارس وثلاثة آلاف وخمسمائة راجل وجمع الحسن من كان عنده وسار براً وبحراً‏.‏ وثلاثة السرايا في أرض قلورية ونزل على أبراجه فحاصرها وزحف إليه الروم فصالحه على مال أخذه وزحف إلى الروم ففروا من غير حرب‏.‏ ونزل الحسن على قلعـة قيشانـة فحاصرهـا شهـراً وصالحهـم علـى مـال ورجـع إلى قلورية فعبر إلى خراجة فلقي الروم والسردغرس فهزمهم وامتلأ من غنائمهم وذلك يوم عرفة سنة أربعين وثلاثمائة‏.‏ ثم ثار إلى خراجة فحاصرها حتى هادنه ملك الروم قسطنطين‏.‏ ثم عاد إلى ربو وبنى بها مسجداً وسط المدينة وشرط على الروم أن لا يعرضوا له وأن من دخله من الأسرى أمن‏.‏ ولما توفي المنصور وملك ابنه المعز سار إليه الحسن واستخلف على صقلية ابنه أحمد وأمره المعز بفتـح القلـاع التي بقيت للروم بصقلية فغزاها وفتح طرمين وغيرها سنة إحدى وخمسين وأعيته رمطـة فحاصرهـا فجاءهـا مـن القسطنطينية أربعون ألفا مدداً‏.‏ وبعث أحمد يستمد المعز فبعث إليـه المـدد بالعساكـر والأمـوال مـع أبيـه الحسن‏.‏ وجاء مدد الروم فنزلوا بمرسى مسينة وزحفوا إلى رومطـة ومقـدم الجيـوش علـى حصارهـا الحسـن بـن عمار وابن أخي الحسن بن علي فأحاط الروم بهم‏.‏ وخرج أهل البلد إليهم وعظم الأمر على المسلمين فاستماتوا وحملوا على الروم وعقروا فرس قائدهم منويل فسقط عن فرسه وقتل جماعة من البطارقة معه‏.‏ وانهزم الروم وتتبعهم ثم فتحوا رمطة عنوة وغنموا ما فيها وركب فل الروم من صقلية وجزيرة رفق في الأسطول ناجين بأنفسهم فاتبعهم الأمير أحمد في المراكب فحرقوا مراكبهم وقتل كثير منهم وتعرف هذه الوقعة بوقعة المجاز وكانت سنة أربع وخمسين وأسر فيها ألف من عظمائهم ومائة بطريق‏.‏ وجـاءت الغنائـم والأسـارى إلـى مدينـة بليرم حاضرة صقلية وخرج الحسني للقائهم فأصابته الحمى مـن الفـرح فمـات وحزن الناس عليه وولي ابنه أحمد باتفاق أهل صقلية بعد أن ولى المعز عليهم يعيـش مولـى الحسـن فلـم ينهـض بالأمـر ووقعـت الفتنـة بيـن كتامة والقبائل وعجز عن تسكينها‏.‏ وبلغ الخبر إلى المعز فولى عليها أبا القاسم علي بن الحسن نيابة عن أخيه أحمد‏.‏ ثـم توفـي أحمـد بطرابلـس سنة تسع وخمسين واستبد بالإمارة أخوه أبو القاسم علي وكان مدلا محبـاً وسـار إليه سنة إحدى وسبعين ملك الفرنج في جموع عظيمة وحصر قلعة رمطة وملكها وأصـاب سرايـا المسلميـن‏.‏ وسـار الأميـر أبـو القاسـم فـي العساكـر مـن بليـرم يريدهم فلما قاربهم خام عـن اللقـاء ورجـع وكـان الفرنـج في الأسطول يعاينونه فبعثوا بذلك للملك بردوبل فسار في أتباعه وأدركه فاقتتلوا وقتل أبو القاسم في الحرب‏.‏ وأهم المسلمين أمرهم فاستماتوا وقاتلوا الفرنج فهزموهـم أقبـح هزيمة‏.‏ ونجا بردويل إلى خيامه برأسه وركب البحر إلى رومة‏.‏ وولى المسلمون عليهم بعد الأمير أبي القاسم ابنه جابر فرحل بالمسلمين لوقته راجعا ولم يعرج على الغنائم‏.‏ ولمـا ولـي ابـن عمـه جعفر بن محمد بن علي أبي الحسن وكان من وزراء العزيز وندمائه استقامت الأمور وحسنت الأحوال‏.‏ وكان يحـب أهـل العلـم ويجـزل الهبـات لهـم‏.‏ وتوفي سنة خمـس وسبعيـن وولـي أخـوه عبـد الله فاتبع سيرة أخيه إلى أن توفي سنة تسع وسبعين وولي ابنه ثقة الدولـة أبـو الفتـوح يوسف بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي الحسن فأنسى بجلائله وفضائله من كان قبله منهم إلى أن أصابه الفالج وعطل نصفه الأيسر سنة ثمان وثمانين‏.‏ وولي ابنه تاج الدولة جعفر بن ثقة الدولة يوسف فضبط الأمور وقام بأحسن قيام وخالف عليه أخوه علي سنة خمس وأربعمائة مع البربر والعبيد فزحف إليه جعفر فظفر به وقتله ونفى البربر والعبيد واستقامت أحواله‏.‏ ثم انقلبت حاله واختلت على يد كاتبه ووزيره حسن بن محمد الباغاني فثار عليه الناس بسببها وجاؤوا حول القصر وأخرج إليهم أبو الفتوح في محفة فتلطف بالناس وسلـم إليهم الباغاني فقتلوه وقتلوا حافده أبا رافع وخلع ابنه ابن جعفر ورحل إلى مصر وولى ابنـه ابـن جعفـر سنـة عشـرة ولقبـه بأسـد الدولـة بـن تـاج الدولـة‏.‏ ويعـرف بالأكحـل فسكن الاضطراب واستقامت الأحوال وفوض الأمور إلى ابنه ابن جعفر وجعل مقاليد الأمور بيده فأساء ابن جعفـر السيـرة وتحامل على صقلية ومال إلى أهل إفريقية‏.‏ وضج الناس وشكوا أمرهم إلى المعز صاحب القيروان وأظهروا دعوته فبعث الأسطول فيه ثلاثمائة فارس مع ولديه عبد الله وأيوب واجتمع أهل صقلية وحصروا أميرهم الأكحل وقتل وحمل رأسه إلى المعز سنة سبع عشرة وأربعمائـة‏.‏ ثم ندم أهل صقلية على ما فعلوه وثاروا بأهل إفريقية وقتلوا منهم نحوا من ثلاثمائة وأخرجوهم وولوا الصمصام أخا الأكحل فاضطربت الأمور وغلب السفلة على الأشراف‏.‏ ثم سار أهل بليرم على الصمصام وأخرجوه وقدموا عليهم ابن الثمنة من رؤس الأجناد وتلقب القـادر باللـه واستبـد بمـازر ابنـه عبـد الله قبل الصمصام وغلب ابن الثمنة على ابن الأكحل فقتله واستقل بملك الجزيرة إلى أن أخذت من يده‏.‏ ولما استبد ابن الثمنة بصقلية تزوج ميمونة بنت الجراس فتخيل له منها شيء فسقاها السم‏.‏ ثم تلافاها وأحضر الأطباء فأنعشوها وأفاقت فندم واعتذر فأظهرت له القبول‏.‏ واستأذنته في زيارة أخيها بقصريانة وأخبرت أخاها فحلف أن لا يردها ووقعت الفتنة وحشد ابن الثمنة فهزمه ابن جراس فانتصر ابن الثمنة بالروم‏.‏ وجاء القمص وجاز ابن ينقر بن خبرة ومعه سبعة من إخوته وجمع من الإفرنج ووعدهم بملك صقلية فداخل في بيع مية‏.‏ وقصد قصريانة وحكموا على مروا من المنازل وخرج ابن جراس فهزمه ورجع إلى إفريقية عمر بن خلف بن مكي فنزل تونس وولي قضاءها‏.‏ ولم يزل الروم يملكونها حتى لم يبق إلا المعاقل‏.‏ وخرج ابن الجراس بأهله وماله صلحاً سنة أربع وستيـن وأربعمائـة وتملكها رجار كلها وانقطعت كلمة الإسلام منها ودولة الكلبيين وهم عشرة ومدتهـم خمـس وتسعـون سنـة‏.‏ ومـات رجـار فـي قلعة مليطو من أرض قلورية سنة أربع وتسعين وولي ابنه رجار الثاني وطالت أيامه‏.‏ وله ألف الشريف أبو عبد الله الإدريسي كتاب نزهة المشارق في أخبار الأفاق وسماه قصار رجار علماً عليه معروفاً به في الشهرة والله مقدر الليل والنهار‏.‏ الخبر عن جزيرة اقريطش وما كان بها للمسلمين من الملك علي يد بني البلوطي إلى أن استرجعها العدو هذه الجزيرة من جزر البحر الرومي ما بين صقلية وقبرص في مقابلة الإسكندرية على يد الجاليـة أهل الربض‏.‏ وذلك أن أهل الربض الغربي من قرطبة وكان محلة متصلة بقصر الحكم بن هشام فنقموا عليه وثاروا به سنة اثنتين ومائتين فأوقع بهم الوقعة المشهورة واستلحمهم وهلم ديارهم ومساجدهم وأجلى الفل منهم إلى العدوة ونزلوا بفاس وغيرها‏.‏ وغرب آخرين إلـى الإسكندريـة فنزلـوا وافترقوا في جوانبها‏.‏ وتلاحى رجل منهم مع جزار من سوقة الإسكندرية فنادوا بالثأر واستلحموا كثيراً من أهل البلد وأخرجوا بقيتهم وامتنعوا بها وولوا عليهـم أبـا حفص عمر بن شعيب البلوطي ويعرف بأبي الفيض من أهل قرية مطروح من عمل فحص البلـوط المجـاور لقرطبة فقام برياستهم‏.‏ وكان على مصر يومئذ عبد الله بن طاهر فزحف إليهم وحصرهم بالإسكندرية فاستأمنوا له فأمنهم وبعثهم إلى جزيرة إقريطش فعمروها وأميرهم أبو حفص البلوطي‏.‏ وتداولها بنوه من بعده مدة من مائة وأربعين سنة إلى أن ملكها أريانوس بن قسطنطين ملك القسطنطينية من يد عبد العزيز بن شعيب من أعقابه سنة خمس وثلاثمائة وأخرجوا المسلميـن منهـا واللـه يعيـد الكـرة ويذهـب آثـار الكفـرة واللـه سبحانـه وتعالـى أعلـم بالصواب‏.‏

  أخبار اليمن أخبار اليمن والدول الإسلامية

التي كانت فيه للعباسيين والعبيديين وسائر ملوك العرب وإبتداء ذلك وتصاريفه على الجملة ثم تفصيل ذلك علي مدنه وممالكه واحدة بعد واحدة قد كنا قدمنا في أخبار السير النبوية كيف صار اليمن في ملكة الإسلام بدخول عامله في الدعوة الإسلامية وهو باذان عامل كسرى وأسلم معه أهل اليمن‏.‏ وأمره النبي صلى الله عليه وسلـم علـى جميـع مخاليفها وكان منزله صنعاء كرسي التبابعة‏.‏ ولما مات بعد حجة الوداع قسم النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم اليمـن علـى عمال من قبله‏.‏ وجعل صنعاء لابنه شهربان بن باذان‏.‏ وذكرنـا خبـر الأسود العنسي وكيف أخرج عمال النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن وزحف إلـى صنعـاء فملكهـا‏.‏ وقتـل شهربـان بـن باذان وتزوج إمرأته واستولى على أكثر اليمن وارتد أكثر أهله‏.‏ وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه‏.‏ وعماله وإلى من ثبت على إسلامه فداخلـوا زوجـة شهربـان بـن بـاذان التي تزوجها في أمره على‏.‏ يد ابن عمها فيروز‏.‏ وتولى كبر ذلـك قيس بن عبد يغوث المرادي فبيته هو وفيروز وذاذويه بإذن زوجته فقتلوه‏.‏ ورجع عمال النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعمالهم وذلك قبيل الوفاة‏.‏ واستبـد قيـس بصنعـاء وجمـع الفـل مـن جنـد الأسـود فولـى أبـو بكـر علـى اليمن فيروز فيمن إليه من الأبنـاء وأمـر النـاس بطاعتـه فقاتـل قيـس بـن مكشـوح وهزمـه‏.‏ ثـم ولـى أبو بكر المهاجر بن أبي أمية فقاتل أهل الردة باليمن وكذلك عكرمة بن أبي جهل وأمره أن يبدأ بالمرتدة‏.‏ ثم دعته عائشة فسـار معهـا وحضـر حـرب الجمـل‏.‏ وولـي على اليمن عبيد الله بن عباس ثم أخاه عبد الله‏.‏ ثم ولى معاوية على صنعاء فيروز الديلمي ومات سنة ثلاث وخمسين‏.‏ ثـم جعـل عبـد الملـك اليمـن فـي ولايـة الحجـاج لما بعثه لحرب ابن الزبير سنة اثنتين وسبعين‏.‏ ولما جاءت دولة بني العباس ولى السفاح على اليمن عمه داود بن علي حتى إذا توفي سنة ثلاث وثلاثيـن ولـى مكانـه محمـد بـن يزيـد بـن عبيـد اللـه بـن عبـد الملك عبد الدار‏.‏ ثم تعاقب الولاة على اليمن وكانوا ينزلون صنعاء حتى انتهت الخلافة إلى المأمون وظهرت دعاة الطالبين بالنواحي وبايـع أبـو السرايـا مـن بنـي شيبان بالعراق لمحمد بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم أخو المهـدي النفـس الزكيـة محمـد بـن عبـد الله بن حسن‏.‏ وكثر الهرج وفرق العمال في الجهات ثم قتل وبويـع محمـد بـن جعفـر الصـادق بالحجـاز‏.‏ وظهـر باليمـن إبراهيـم بـن موسـى الكاظم سنة مائتين ولم يتم أمره وكان يعرف بالجزار لسفكه الدماء‏.‏ وبعث المأمون عساكره إلى اليمن فدوخوا نواحيه وحملوا كثيراً من وجوه الناس فاستقام أمر اليمن كما نذكره‏.‏

  دعوة زياد بالدعوة العباسية

ولما وفد وجوه أهل اليمن على المأمون كان فيهم محمد زياد ولد عبد الله بن أبي سفيان فاستعطف المأمون وضمن له حياطة اليمن من العلويين فوصله وولاه على اليمن وقدمها سنة ثلـاث ومائتيـن‏.‏ وفتـح تهامـة اليمـن وهـي البلد التي على ساحل البحر الغربي‏.‏ واختط بها مدينة زبيد ونزلها وأصارها كرسياً لتلك المملكة‏.‏ وولى على الجبال مولاه جعفراً وفتح تهامة بعد حروب من العرب‏.‏ واشترط على عرب تهامة أن لا يركبوا الخيل واستولى على اليمن أجمع‏.‏ ودخلـت فـي طاعتـه أعمـال حضرمـوت والشحر وديار كندة وصار في مرتبة التبابعة‏.‏ وكان في صنعاء قاعدة اليمن بنو جعفر من حميـر بقيـة الملـوك التبابعـة استبـدوا بهـا مقيميـن بالدعـوة العباسية ولهم مع صنعاء سحان ونجران وجرش‏.‏ وكان أخوهم أسعد بن يعفر ثم أخوه قد دخلـوا فـي طاعـة ابـن زيـاد وولـي بعـده ابنه إبراهيم ثم ابنه زياد بن إبراهيم ثم أخوه أبو الجيش إسحاق بن إبراهيم‏.‏ وطالت مدته إلى أن أسن وبلغ الثمانين‏.‏ وقال عمارة‏:‏ ملك ثمانين سنة باليمـن وحضرمـوت والجزائـر البحريـة‏.‏ ولما بلغه قتل المتوكل وخلع المستعين واستبداد الموالي على الخلفاء مع ارتفاع اليمن ركب بالمظلة شأن سلاطين العجم المستبدين‏.‏ وفـي أيامـه خـرج باليمـن يحيـى بـن الحسيـن بـن القاسم الرسي بن إبراهيم بن طباطبا بدعوة الزيدية جـاء بهـا مـن السنـد وكـان جـده القاسـم قد فر إلى السند بعد خروج أخيه محمد مع أبي السرايا ومهلكـه كمـا مـر فلحـق القاسـم بالسنـد وأعقب بها الحسين ثم ابنه يحيى باليمن سنة ثمان وثمانين ونـزل صعـدة وأظهـر دعـوة الزيديـة وزحف إلى صنعاء فملكها من يد أسعد بن يعفر ثم استردها منه بنو أسعد ورجع إلى صعدة‏.‏ وكان شيعته يسمونه الإمام وعقبه الآن بها‏.‏ وقد تقدم خبرهم‏.‏ فـي أيـام أبـي الجيـش بـن زيـاد أيضـا ظهرت دعوة العبيديين باليمن فأقام بها محمد بن الفضل بعدن لاعـة وجبـال اليمـن إلـى جبـال المديحـرة سنـة أربعيـن وثلاثمائـة‏.‏ وبقـي لـه باليمـن مـن السرجـة إلـى عدن عشرون مرحلة ومن مخلافة إلى صنعاء خمس مراحل‏.‏ ولما غلبه محمد بن الفضل بهذه الدعوة امتنـع أصحـاب الأطـراف عليـه مثـل بنـي أسعد بن يعفر بصنعاء وسليمان بن طرف بعثر والإمام الرسي بصعدة فسلك معهـم طريـق المهادنـة‏.‏ ثـم هلـك أبـو الجيـش سنـة إحـدى وسبعيـن وثلاثمائـة بعـد أن اتسعت جبايته وعظم ملكه‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ رأيت مبلغ جبابته وهو ألف ألف مكررة مرتين وثلاثمائة ألف وستة وستون ألفا من الدنانير العشرية ما عدا ضرائبه على مراكب السند وعلى العنبر الواصل بباب المندب وعدن أبين وعلـى مغائـص اللؤلـؤ وعلـى جزيـرة دهلـك ومـن بعضهـا وصائـف‏.‏ وكانـت ملـوك الحبشة من وراء البحر يهادونه ويخطبون مواصلته‏.‏ ولما مات خلف صبياً صغيراً اسمه عبد اللـه وقيـل إبراهيـم وقيـل زيـاد وكفلتـه أختـه ومولـاه رشيـد الحبشـي واستبـد عليهـم إلـى أن انقرضـت دولتهـم سنـة سبـع وأربعمائـة‏.‏ ثـم هلـك هـذا الطفـل فولوا طفلا آخر من بني زياد أصغر منـه‏.‏ وقـال ابـن سعيـد‏:‏ لـم يعـرف عمـارة اسمـه لتوالـي الحجبـة عليـه ويعنـي عمـارة مـؤرخ اليمن وقيل هذا الطفل الأخير اسمه إبراهيم وكفلته عمته ومرجان من موالي الحسن بن سلامة‏.‏ واستبد بأمرهم ودولتهـم وكـان لـه موليـان اسـم أحدهمـا قيـس والآخـر نجـاح فجعـل الطفـل المملـك فـي كفالتـه وأنزلـه معه بزبيد‏.‏ وولى نجاحا على سائر الأعمال خارج زبيد ومنها الكرارة واللجـم‏.‏ وكـان يؤثـر قيسـاً علـى نجـاح ووقـع بينهمـا تنافر ورفع لقيس أن عمة الطفل تميل إلى نجاح وتكاتبه دونه فقبض عليها بإذن مولاه مرجان ودفنها حيـة واستبـد وركـب بالمظلـة وضـرب السكة‏.‏ وانتقض نجاح لذلك فزحف في العساكر وبرز قيـس للقائـه فكانـت بينهمـا حـروب ووقائع انهزم قيس آخرها وقتل في خمسة آلاف من عسكره‏.‏ وملك نجاح زبيد سنة عشر وأربعمائة‏.‏ ودفن قيساً ومولاه مرجاناً مكان الطفل والعمة واستبـد وضـرب السكـة باسمـه‏.‏ وكاتـب ديـوان الخلافـة ببغـداد فعقـد لـه علـى اليمـن‏.‏ ولـم يـزل مالكا لتهامة قاهرا لأهل الجبال وانتزع الجبـال كلهـا مـن مولـاه الحسـن بن سلامة‏.‏ ولم تزل الملوك تتقي صولته إلى أن قتله علي الصليحي القائـم بدعوة العبيديين على يد جارية بعث بها إليه سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة فقام بالأمر الخبر عن بني الصليحي القائمين بدعوة العبيديين باليمن كان القاضي محمد بن علي الهمداني ثم الصليحي رئيس حران من بلاد همذان وينتسب في بني يام ونشأ له ولد اسمه علي وكان صاحب الدعوة يومئذ عامر بن عبد الله الزوايي نسبة إلـى زوايـة مـن قـرى حـران ويقـال إنـه كـان عنـده كتـاب الجفر من ذخائر أبيهم بزعمهم فزعوا أن علي ابـن القاضـي محمـد مذكـور فيـه فقـرأ علـى علـي عامل الداعي وأخذ عنه‏.‏ ولما توشم فيه الأهليه أراه مكـان اسمـه فـي الجفـر وأوصافـه‏.‏ وقـال لأبيـه القاضـي احتفـظ بابنـك فيملـك جميـع اليمن‏.‏ ونشأ فقيهاً صالحاً وجعل يحج بالناس على طريق الطائف والسروات خمس عشرة سنة فطار ذكره وعظمـت شهرته وألقى على ألسنة الناس أنه سلطان اليمن ومات الداعي عامر الزواي فأوصى له بكتبه وعهد إليه بالدعوة‏.‏ثم حج بالناس سنة ثمان وعشريـن وأربعمائـة علـى عادتـه واجتمع بجماعة من قومه همدان كانوا معه فدعاهم إلى النصرة والقيام معه فأجابوه وبايعوه وكانـوا ستيـن رجـلا مـن رجالات قومهم فلما عادوا قام في مسار وهو حصن بذروة جبل حمام وحصن ذلك الحصن ولم يزل أمره ينمى‏.‏ وكتب إلى المستنصر صاحب مصر يسأله الإذن في إظهار الدعوة فأذن له وأظهرها وملك اليمن كله‏.‏ ونزل صنعاء واختط بها القصور وأسكن عنده ملـوك اليمـن الذيـن غلـب عليهـم وهزم بني طـرف ملـوك عثـر وتهامـة وأعمـل الحيلـة فـي قتـل نجـاح مولـى بنـي زيـاد ملـك زبيـد حتـى تـم له ذلك على يد جارية أهداها إليه كما ذكرناه سنة اثنتين وخمسين‏.‏ ثم سار إلى مكة بأمر المستنصر صاحب مصر ليمحو منهـا الدعـوة العباسيـة والإمـارة الحسنيـة‏.‏ واستخلـف علـى صنعـاء ابنـه المكـرم أحمـد وحمـل معه زوجته أسماء بنت شهاب قد سباها سعيد بن نجاح ليلة البيـات فكتبـت إلـى ابنهـا المكـرم إنـي حبلـى مـن العبد الأحول فأدركني قبل أن أضع وإلا فهو العار الـذي لا يمحـوه الدهـر فسـار المكـرم مـن صنعـاء سنـة خمس وسبعين في ثلاثة آلاف ولقي الحبشة فـي عشريـن ألفـا فهزمهـم‏.‏ ولحـق سعيـد بـن نجـاح بجزيـرة دهلـك‏.‏ ودخـل المكـرم إلـى أمـه وهي جالسة بالطاق الذي عنده رأس الصليحي وأخيه فأنزلهما ودفنهما ورفع السيف‏.‏ وولى خاله أسعد بن شهاب على أعمال تهامة كما كان وأنزله بزبيد منها وارتحل بأمه إلى صنعاء وكانت تدبر ملكه‏.‏ ثم جمع أسعد بن شهاب أموال تهامة وبعث بها مع وزيره أحمد بن سالم ففرقتها أسماء على وفود العرب‏.‏ ثم هلكت أسماء سنة سبع وسبعين وخرجت زبيد من يد المكرم واستردها سعيـد بـن نجـاح سنـة تسـع وسبعيـن‏.‏ ثـم انتقـل المكـرم إلـى ذي جبلـة سنـة ثمانيـن وولى على صنعاء عمران بن الفضل الهمداني فاستبد بهـا وتوارثهـا عقبـه وتسمـى ابنـه أحمـد باسـم السلطـان واشتهـر بـه وبعده ابنه حاتم بن أحمد وليس بعده بصنعاء من له ذكر حتى ملكها بنو سليمان لما غلبهم الهواشم على مكة كما مر في أخبارهم‏.‏ ولما انتقل المكرم إلى ذي جبلة وهي مدينة اختطها عبد الله بن محمد الصليحي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وكان انتقاله بإشارة زوجه سيدة بنت أحمد التي صار إليها تدبير ملكه بعـد أمـه أسمـاء فنزلهـا وبنـى فيهـا دار العـز وتحيـل على قتل سعيد بن نجاح فتم له كما نذكر في أخبـار ابـن نجـاح‏.‏ وكـان مشغـولا بلذاتـه محجوبـاً بزوجتـه‏.‏ ولمـا حضرتـه الوفـاة سنـة أربـع وثمانيـن عهد إلى ابن عمه المنصور بن أحمد المظفر بن علي الصليحي صاحب معقل أشيح وأقام بمعقله وسيدة بنت أحمد بذي جبلة وخطبهما المنصور سبا وامتنعت منه فحاصرها بذي جبلة وجاءها أخوها لأمها سليمان بن عامر وأخبرها أن المستنصر زوجك منه وأبلغها أمره بذلك وتـلا عليهـا‏:‏ ‏"‏ ومـا كـان لمؤمـن ولا مؤمنـة إذا قضـى اللـه ورسولـه أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ‏"‏ وأن أمير المؤمنين زوجك من الداعي المنصور أبي حمير سبا بن أحمد بن المظفر على مائة ألف دينار وخمسين ألفا من أصناف التحف واللطائف فانعقد النكاح وسار إليها من معقل أشيح إلى ذي جبلة‏.‏ ودخل إليها بدار العز ويقال أنها شبهت بجارية من جواريها فقامت على رأسه ليلها كله وهو لا يرفع الطرف إليها حتى أصبح فرجع إلى معقله‏.‏ وأقامت هي بذي جبلة وكان المتولي عليها المفضل بن أبي البركات مـن بنـي نـام رهـط الصليحـي واستدعـى عشيرتـه جنيـا‏.‏ وأنزلهـم عنـده بـذي جبلـة فكـان يسطـو بهـم وكانـت سيـدة تأتي التعكر في الصيف وبه ذخائرها وخزائنها فإذا جاء الشتاء رجعت إلى ذي جبلة‏.‏ ثم انفرد المفضل لقتال نجاح فرتب في حصن التعكر فقيها يلقب بالجمل مع جماعة من الفقهاء أحدهم إبراهيم بن زيد بن عمر عمارة الشاعـر فبايعـوا الجمـل علـى أن يمحـو الدعـوة الإماميـة فرجـع المفضـل مـن طريقـه وحاصرهـم وجـاءت خولان لنصرتهم وضايقهم المفضل وهلك في حصارهم سنة أربع وخمسمائة فجاءت بعده الحرة سيدة وأنزلتهم على عهد فنزلوا ووفت لهم به وكفلت عقب المفضل وولده وصار معقل التعكر في يد عمران بن الذر الخولاني وأخيه سليمان‏.‏ واستولى عمران على الحرة سيدة مكان المفضل‏.‏ ولما ماتـت استبـد عمـران وأخـوه بحصـن التعكر واستولى منصور بن المفضل بن أبي البركات على في جبلة حتى باعه من الداعي الذريعي صاحب عدن كما يأتي واعتصم بمعقل أشيح الذي كان للداعي المنصور سبا بن أحمد‏.‏ وذلك أن المنصور توفي سنة ست وثمانين وأربعمائة واختلف أولاده من بعده‏.‏ وغلب ابنه علي منهم على المعقل وكان ينازع المفضل بن أبي البركات والحرة سيدة وأعياهما أمره فتحيـل المفضل بسم أودعه سفرجلا أهداه إليه فمات منه واستولى بنو أبي البركات على بني المظفـر فـي أشيـح وحصونـه‏.‏ ثـم بـاع حصـن فـي جبلـة مـن الداعـي الزريعـي صاحـب عـدن بمائـة ألف دينـار‏.‏ ولـم يـزل يبيـع معاقلـه حصنـاً حصنـاً حتـى لـم يبـق لـه غيـر معقـل تعـز أخنـه منـه علـي بـن مهدي بعد أن ملك ثمانين سنة وبلغ من العمر مائة سنة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب‏.‏

  الخبر عن دولة بني نجاح بزبيد موالي بني زياد ومبادىء أمورهم

وتصاريف أحوالهم ولمـا استولـى الصليحـي علـى زبيـد مـن يـد كهلـان بعد أن أهلكه بالسم على يد الجارية التي بعثها إليـه سنـة اثنتيـن وخمسيـن وأربعمائـة كمـا مـر‏.‏ وكـان لنجـاح ثلاثـة مـن الولـد معـارك وسعيد وجياش‏:‏ فقتـل معـارك نفسـه ولحق سعيد وجياش بجزيرة دهلك وأقاما هنالك يتعلمان القرآن والآداب‏.‏ ثم رجع سعيد إلى زبيد مغاضبا لأخيه جياش واختفى بها في نفق احتفره تحت الأرض ثم استقدم أخاه جياشا فقدم وأقاما هنالك في الإختفاء ثم أن المستنصر العبيدي الخليفة بمصر قطع دعوته بمكة محمد بن جعفر أميرها من الهواشم فكتب إلى الصليحي يأمره بقتاله وحمله علـى إقامة الدعوة العلوية بمكة فسار علي الصليحي لذلك من صنعاء وظهر سعيد وأخوه من الإختفاء وبلغ خبرهم الصليحي فبعث عسكراً نحواً من خمسة آلاف فارس وأمرهم بقتلهما‏.‏ وقـد كـان سعيـد وجيـاش خالفـا العسكـر وسـارا في أتباع الصليحي وهو في عساكره فبيتوه في اللجم وهو متوجه إلى مكة فانتقض عسكره وقتل‏.‏ وتولى قتله جياش بيده سنة ثلاث وسبعين‏.‏ ثـم قتـل عبـد اللـه الصليحي أخا علي في مائة وسبعين من بني الصليحي وأسر زوجته أسماء بنـت عمـه شهـاب في مائة وخمس وثلاثين من ملوك القحطانيين الذين غلبوا باليمن‏.‏ وبعث إلى العسكر الذين ساروا لقتل سعيد وجياش فأمنهم واستخدمهم ورحل إلى زبيد وعليها أسعد بـن شهـاب أخـو زوجـة الصليحـي ففر أسعد إلى صنعاء ودخل سعيد إلى زبيد وأسماء زوجة الصليحي أمامه في هودج ورأس الصليحـي وأخيـه عنـد هودجهـا‏.‏ وأنزلهـا بدارهـا ونصـب الرأسين قبالة طاقها في الدار‏.‏ وامتلأت القلوب منه رعباً وتلقب نصير الدولة وتغلب ولاة الحصـون علـى مـا بأيديهـم‏.‏ ودس المكـرم بـن الصليحـي بـن سعيـد بـن نجـاح بصنعـاء علـى لسان بعض أهـل الثغـور وضمـن لـه الظفر فجاء سعيد لذلك في عشرين ألفا من الحبشة‏.‏ وسار إليه المكرم مـن صنعـاء وهزمـه وحـال بينـه وبيـن زبيـد فهرب إلى جزيرة دهلك ودخل المكرم زبيد وجاء إلى أمه وهي جالسة بالطاق وعندها رأس الصليحي وأخيه فأنزلهما ودفنهما‏.‏ وولى على زبيد خاله أسعد سنة سبع وتسعين‏.‏ وكتـب المكـرم إلى عبد الله بن يعفر صاحب حصن الشعر بأن يغري سعيداً بالمكرم وانتزاع ذي جبلة من يده لاشتغاله بلذاته واستيلاء زوجه سيدة بنت أحمد عليه‏.‏ وأنه بلخ فتمت الحيلة فسـار سعيـد فـي ثلاثيـن ألفـا من الحبشة وأكمن له المكرم تحت حصن الشعر فثاروا به هنالك‏.‏ وانهزمت عساكره وقتل ونصب رأسـه عنـد الطـاق الـذي كـان فيهـا رأس الصليحـي بزبيـد‏.‏ واستولـي عليهـا المكـرم وانقطـع منهـا ملك الحبشة‏.‏ وهرب جياش ومعه وزير أخيه خلف بن أبي الظاهر المرواني ودخلا عدن متنكرين‏.‏ ثم لحقا بالهند وأقاما بها ستة أشهر ولقيـا هنالـك كاهناً جاء من سمرقند فبشرهما بما يكون فرجعا إلى اليمن وتقدم خلف الوزير إلى زبيد وأشاع موت جياش واستأمن لنفسه ولحق جياش فأقاما هنالك مختفيين وعلى زبيد يومئـذ أسعد بن شهاب خال المكرم ومعه علي بن القم وزير المكرم وكان حنقا على المكرم ودولته فداخله الوزير خلف ولاعب ابنه الحسين الشطرنج‏.‏ ثم انتقل إلى ملاعبة أبيه فاغتبط به وأطلعه على رأيه في الدولة وكان يتشيع لآل نجاح‏.‏ وانتمى بعض الأيام وهو يلاعب فسمعه علي بن القم واستكشـف أمـره فكشـف لـه القنـاع واستحلفه وجياش أثناء ذلك يجمع أشياعه من الحبشة وينفق فيهم الأموال حتى اجتمع له خمسـة آلـاف فثـار بهـم فـي زبيـد سنـة اثنتيـن وثمانيـن ونـزل دار الإمارة ومن على أسعد بن شهاب وأطلقـه لزمانة كانت به وبقي ملكاً على زبيد يخطب للعباسيين والصليحيون يخطبون للعبيديين والمكرم يبعث العرب للغارة على زبيد ابنه الفاتك صبياً لم يحتلم وعبروا ملكه‏.‏ وجاء عنه إبراهيم لقتاله وبرزوا له فثار عبد الواحد بالبلد وبعث منصور إلى الفضل بن أبي البركات صاحـب التعكـر فجـاء لنصـره مضمـرا بـه ثـم بلغـه انتقاض أهل التعكر عليه فرجع ولم يزل منصور في ملكه بزبيد إلى أن وزر له أبو منصور عبيد الله فقتله مسموماً سنة سبع عشرة وخمسمائة‏.‏ ونصب فاتكاً ابنه طفلا صغيراً‏.‏ واستبد عليه وقام بضبط الملك وهان عليه التعرض لآل نجاح حتى هربت منه أم فاتك هذا وسكنت خارج المدينة وكان قرماً شجاعاً وله وقائع مع الأعداء‏.‏ وحاربه ابن نجيب داعي العلوية فامتنع عليه وهو الذي شيد المدارس للفقهاء بزبيد واعتنـى بالحـاج‏.‏ ثـم راود مفـارك بنت جياش ولم تجد بداً من إسعافه فأمكنته حتى إذا قضى وطره مسحت ذكره بمنديل مسموم فنثر لحمه‏.‏ وذلك سنة أربع وعشرين وخمسمائة‏.‏ وقام بأمر فاتك بعده زريق من موالي نجاح‏.‏ قال عمارة‏:‏ كان شجاعاً فاتكاً قرماً وكان من موالـي أم فاتـك المختصيـن بهـا‏.‏ قـال عمـارة‏:‏ وفي سنة إحدى وخمسمائة توفي فاتك بن المنصور وولي بعده ابن عمه وسميه فاتك بن محمد بن فاتك وسـرور قائـم بوزارتـه وتدبيـر دولتـه ومحاربة أعدائه‏.‏ وكان يلازم المسجد إلى أن دس عليه علي بن مهدي الخارجي من قتله في المسجد وهو يصلي العصر يوم الجمعة ثاني عشر صفر سنة إحدى وخمسين‏.‏ وثار السلطان بالقاتل فقتل جماعة من أهل المسجد ثم قتل واضطرب موالي نجاح بالدولة وثار عليهم ابن مهدي الخارجـي وحاربهـم مـراراً وحاصرهـم طويـلاً واستعانـوا بالشريـف المنصـور أحمـد بـن حمـزة السليمانـي وكـان يملـك صعدة فأغاثهم على أن يملكوه ويقتلوا سيدهم فاتك بن محمد فقتلوه سنة ثلاث وخمسين وملكوا عليهم الشريف أحمد فعجز عن مقاومة ابن مهدي وفر تحت الليل وملكها علي بن مهدي سنة أربع وخمسين وانقرض أمر آل نجاح والملك لله الخبر عن دولة بني الزريع بعدن من دعاة العبيديين باليمن وأولية أمرهم ومصائرهم وعدن هذه من أمنع مدائن اليمن وهي على ضفة البحر الهندي‏.‏ وما زالت بلد تجارة من عهد التبابعة وأكثر بنائهم بالأخصاص ولذلك يطرقها تجار الحرير كثيراً وكانت صدر الإسلام دار ملك لبني معن ينتسبون إلى معن بن زائدة وملكوها من أيام المأمون وامتنعوا على بني زياد وقنعوا منهم بالخطبة والسكة‏.‏ ولما استولى الداعي علي بن محمد الصليحي رعى لهم ذمـام العروبيـة وقرر عليهم ضريبة يعطونها‏.‏ ثم أخرجهم منها ابنه أحمد المكرم وولى عليها بني المكـرم مـن عشيـرة جسـم بن يام من همذان وكانوا أقرب عشائره إليه فأقامت في ولايتهم زمناً‏.‏ ثم حدثت بينهم الفتنة وانقسموا إلى فئتين بني مسعود بن المكرم وبني الزريع بن العباس بن المكرم‏.‏ وغلب بنو الزريع بعد حروب عظيمة‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وأول مذكور منهم الداعي بن أبي السعود بن الزريع أول من اجتمع له الملك بعد بني الصليحي وورثه عنه بنوه وحاربه ابن عمه علي بن أبي الغارات بن مسعود بن المكرم صاحب الزعازع فاستولى على عدن من يده بعد مقاساة ونفقات في الأعراب‏.‏ ومات بعد فتحها بسبعة أشهر سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة‏.‏ وولي ابنه الأغر وكان مقيما بحصن الدملوة المعقل الذي لا يرام وامتنع عليه بعده ابن بلاد بن الزريع من مواليه وخشي محمد بن سبا على نفسه ففر إلى منمور بن المفضل من ملوك الجبال الصليحيين بذي جبلة‏.‏ ثـم مـات الأغـر قريبـاً فبعـث بلـال عـن محمد بن سبا فوصل إلى عدن وكان التقليد جاء من مصر باسم الأغر فكتب مكانه محمد بن سبا وكان في نعوته الداعي المعظم المتوج المكنى بسيف أميـر المؤمنيـن فوقعـت كلهـا عليهـا وزوجه بلال بنته ومكنه من الأموال التي كانت في خزائنه‏.‏ ثم مات بلال عن مال عظيم وورثه محمد بن سبا وأنفقه في سبيل الكرم والمروءات‏.‏ واشترى حصن ذي جبلة من منصور بن المفضل بن أبي البركات كما ذكرناه‏.‏ واستولى عليه وهو دار ملـك الصليحييـن وتـزوج سيـدة بنـت عبد الله الصليحي‏.‏ وتوفي سنة ثمان وأربعين‏.‏ وولي ابنه عمـران بـن محمـد بـن سبا‏.‏ وكان ياسر بن بلال يدبر دولته‏.‏ وتوفي سنة ستين وخمسمائة وترك ولدين صغيرين وهما وهما محمد وأبو السعود فحبسهما ياسر بن بلال فـي القصـر واستبـد بالأمر‏.‏ وكان ياسر محمد كثير العطية للشعراء‏.‏ وممن وفد عليه ومدحه ابن قلاقس شاعر الإسكندرية ومن قصائده في مدحه‏:‏ سافـر إذا حاولت قدرا سار الهلال فصار بدراً‏.‏ وهو آخر ملوك الزريعيين‏.‏ ولما دخل سيف الدولة أخو صلاح الدين إلى اليمن سنة ست وستين وستمائة واستولى عليها جاء إلى عدن فملكها وقبض على ياسر بن بلال وانقطعت دولـة بنـي زريـع‏.‏ وصـار اليمـن للمعـز وفيـه ولاتهـم بنـو أيـوب كمـا نذكـر فـي أخبارهم‏.‏ وكانت مدينة الحديدة قرب عدن اختطفها ملوك الزريعيين فلما جاءت دولة بني أيوب تركوها ونزلوا تعز من الجبال كما يأتي ذكره‏.‏

  أخبار ابن مهدي الخارجي وبنيه وذكر دولتهم باليمن وبدايتها وانقراضها

هذا الرجل من أهل العثر من سواحل زبيد وهو علي بن مهدي الحميري‏.‏ كان أبوه مهدي معروفاً بالصلاح والدين‏.‏ ونشأ ابنه على طريقته فاعتزل ونسك‏.‏ ثم حج ولقي علماء العراق وأخذ الوعظ من وعاظهم وعاد إلى اليمن واعتزل ولزم الوعظ‏.‏ وكان حافظاً فصيحاً ويخبر بحوادث أحواله فيصدق فمال إليه الناس واغتبطوا به وصار يتردد للحج سنة إحدى وستين ويعـظ النـاس فـي البـوادي‏.‏ فـإذا حضـر الموسم ركب على نجيب له ووعظ الناس‏.‏ ولما استولت أم فاتك على بني جياش أيام ابنها فاتك بن منصور أحسنت فيه المعتقد وأطلقت له ولقرابته وأصهاره خرجهم فحسنت أحوالهم وأثروا وركبوا الخيول‏.‏ وكان يقول في وعظه‏:‏ دنا الوقت يشير إلى وقت ظهوره‏.‏ واشتهر ذلك عنه وكانت أم فاتك تصل أهل الدولة عنه فلما ماتت سنـة خمـس وأربعيـن جـاءه أهـل الجبال وحالفوه علي النصرة‏.‏ وخرج من تهامة سنة ثمان وثلاثين وقصد الكودا فانهزم وعاد إلى الجبال وأقام إلى سنة إحدى وأربعين ثم أعادته الحرة أم فاتك إلى وطنه وماتت سنة خمس وأربعين فخرج إلى هوازن ونزل ببطن منهم يقال له حيوان في حصـن يسمـى الشـرف وهـو حصـن صعـب ليـس يرتقـى على مسيرة يوم من سفح الجبل في طريقه أوعـار فـي واد ضيـق عقبـة كؤد‏.‏ وأصحابه سماهم الأنصار وسمى كل من صعد معه من تهامة المهاجرين‏.‏ وأمر للأنصار رجلا اسمه سبا وللمهاجرين آخر اسمه شيخ الإسلام واسمه النوبة‏.‏ واحتجب عمن سواهما‏.‏ وجعل يشن الغارات على أرض تهامة وأعانه على ذلك خراب النواحي بزبيد فأخـرب سابلتهـا ونواحيهـا وانتهـى إلـى حصـن الداثـر علـى نصـف مرحلـة من زبيد وأعمل الحيل في قتـل مسـرور مدبـر الدولـة فقتـل كمـا مـر وأقـام يخيـف زبيد بالزحوف‏.‏ قال عمارة‏:‏ زاحفها سبعين زحفاً وحاصرها طويلاً واستمد الشريف أحمد بن حمزة السليماني صاحب صعدة فأمدهم وشرط عليهم قتل سيدهم فاتك فقتلوه سنة ثلاث وخمسين‏.‏ وملك عليهم الشريف ثم عجز وهرب عنهم‏.‏ واستولى علي بن مهدي عليها في رجب سنة أربع وخمسين ومات لثلاثة أشهر من ولايته‏.‏ وكان يخطب له بالإمام المهدي أمير المؤمنين‏.‏ وقامع الكفرة والملحدين وكان على رأي الخوارج يتبـرأ مـن علـي وعثمـان ويكفـر بالذنـوب ولـه قواعد وقواميس في مذهبه يطول ذكرها‏.‏ وكان يقتل على شرب الخمر‏.‏ قال عمارة‏:‏ كان يقتل من خالفه من أهل القبلة ويبيح نساءهم وأولادهم وكانوا يعتقدون فيه العصمة وكانت أموالهم تحت يده ينفقها عليهم في مؤنهم ولا يملكون معه مالاً ولا فرساً ولا سلاحاً‏.‏ وكان يقتل المنهزم من أصحابه ويقتل الزاني وشارب الخمر وسامع الغناء ويقتل من تأخر عن صلاة الجماعة ومن تأخر عن وعظه يوم الإثنين والخميس‏.‏ وكان حنفيـا في الفروع‏.‏ ولما توفي تولى بعده ابنه عبد النبي وخرج من زبيد واستولى على اليمن أجمـع وبـه يومئـذ خمـس وعشـرون دولـة فاستولـى علـى جميعهـا ولـم يبـق لـه سوى عدن ففرض عليها الجزية‏.‏ ولما دخل شمس الدولة تورشاه بن أيوب أخـو صلـاح الديـن سنـة سـت وستيـن وخمسمائـة واستولـى علـى الدولـة التـي كانـت باليمـن فقبـض علـى عبـد النبـي وامتحنـه وأخذ منه أموالا عظيمة وحملـه إلـى عـدن فاستولى عليها‏.‏ ثم نزل زبيد واتخذها كرسياً لملكه‏.‏ ثم استوخمها وسارفي الجبـال ومعـه الأطبـاء يتخير مكاناً صحيح الهواء ليتخذ فيه سكناه فوقع اختيارهم على مكان تعز فاختط به المدينة ونزلها‏.‏ وبقيت كرسياً لملكه وبنيه ومواليهم بني رسول كما نذكر في أخبارهم‏.‏ وبانقراض دولة بني المهدي انقرض ملك العرب من اليمن وصار للغز ومواليهم‏.‏ قواعد اليمن ولنذكر الأن طرفاً من الكلام على قواعد اليمن ومدنه واحدة واحدة كما أشار إليه ابن سعيد‏:‏ اليمن‏:‏ من جزيرة العرب يشتمل على كراسي سبعة للملك تهامة والجبال وفي تهامة مملكتان‏:‏ مملكـة زبيـد ومملكـة عـدن‏.‏ ومعنى تهامة ما انخفض من بلاد اليمن مع ساحل البحر من البرين من جهة الحجاز إلى آخر أعمال عدن دورة البحر الهندي‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وجزيرة العرب في الإقليم الأول ويحيط بها البحر الهندي من جنوبها وبحر السويس من غربها وبحر فارس من شرقها‏.‏ وكانت اليمن قديما للتبابعة وهـي أخصـب مـن الحجـاز وأكثـر أهلهـا القحطانيـة وفيهـا من عرب وائل‏.‏ وملكها لهذا العهد لبني رسول موالي بني أيوب ودار ملكهم تعز بعد أن نزلوا الحرة أولا‏:‏ وبصعدة من اليمن أئمـة الزيديـة وبزبيـد وهـي مملكة اليمن شمالها الحجاز وجنوبها البحر الهندي وغربها بحر السويس اختطها محمد بن زياد أيام المأمون سنة أربع ومائتين وهي مدينة مسورة تدخلها عين جارية تحلها الملوك‏.‏ وعليها غيطـان يسكنونهـا أيـام الغلـة‏.‏ وهـي الـآن من ممالك بني رسول وبها كان ملك بني زياد ومواليهم‏.‏ ثم غلب بنو الصليحي وقد مر خبرهم‏.‏ عثـر وحلـى والسرجة‏:‏ من أعمال زبيد في شمالها وتعرف بأعمال ابن طرف مسيرة سبعة أيام فـي يوميـن مـن السرجـة إلـى حلـى ومكـة ثمانية أيام‏.‏ وعثر هي منبر الملك وهي على البحر وكان سليمان بن طرف ممتنعاً بها على أبي الجيش ابن زياد‏.‏ وكان مبلغ ارتفاعه خمسمائة‏.‏ ألف دينـار ثـم دخـل فـي طاعتـه وخطـب له وحمل المال‏.‏ ثم صارت هذه المملكة للسليمانيين من بني الحسـن مـن أمـراء مكـة حيـن طردهم الهواشم عن مكة‏.‏ وكان غالب بن يحيى منهم يؤدي الأتاوة لصاحب زبيد وبه استعان محمد مفلح الفاتكي من سرور‏.‏ ثم هلك بعدها‏.‏ ثم عيسى بن حمـزة مـن بنيـه‏.‏ ولمـا ملـك الغـز اليمـن أخـذ يحيـى أخـو عيسـى أسيـراً وسيـق إلـى العراق فحاول عليه عيسـى فتخلصـه من الأسر‏.‏ ورجع إلى اليمن فقتل أخاه عيسى وولي مكانه المهجم من أعمال زبيـد علـى ثلاثـة مراحل عليها وعربها من العسيرة من حكم وجغفر قبيلتين منهم‏.‏ ويجلب منها الزنجبيل‏.‏

  السرير

آخر أعمال تهامة من اليمـن وهـي علـى البحـر دون سـور وبيوتهـا أخصـاص وملكهـا الزرائب‏:‏ من الأعمال الشمالية من زبيد وكانت لابن طرف واجتمع له فيها عشرون ألفا من الحبشة الذين معه جميعاً‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ في أعمـال زبيـد والأعمـال التـي فـي الطريـق الوسطـى بيـن البحـر والجبـال‏.‏ وهـي فـي خـط زبيـد فـي شماليهـا وهـي الجـادة إلـى مكة‏.‏ قال عمارة‏:‏ هي الجادة السلطانيـة منهـا إلـى البحـر يوم أو دونه‏.‏ وكذلك إلى الجبال‏.‏ ويجتمع الطريقان الوسطى والساحلية في السرير ويفترقان‏.‏

  عدن

من ممالك اليمن في جوف زبيد وهي كرسي عملها وهي على ضفة البحر الهندي‏.‏ وكانت بلد تجارة منذ أيام التبابعة وبعدها عن خط الاستواء ثلاث عشرة درجة ولا تنبت زرعاً ولا شجراً ومعاشهم السمك وهي ركاب الهند مـن اليمـن وأول ملكهـا لبنـي معـن بـن زائـدة استقامـوا لبنـي زياد وأعطوهم الأتاوة‏.‏ ولما ملك الصليحيون أقرهم الداعي‏.‏ ثم أخرجهم ابنه أحمد المكرم وولاها بني المكرم من جشم بن يام رهطه بهمدان وصفا الملك فيها لبني الزريع منهم وقنع منهم بالأتاوة حتى ملكها من أيديهم شمس الدولة بن أيوب كما تقدم‏.‏ عدن أبين‏:‏ من بينات المدن وهي إلى جهة الشحر‏.‏