فصل: خروج ابن ماهان لحرب طاهر ومقتله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  وفي سنة إحـدى وستيـن

أجـاز عبـد الرحمـن بـن حبيـب الفهـري مـن إفريقيـة إلـى الأندلـس داعيـةً لبنـي العباس ونزل بساحل مرسية وكاتب سليمان بن يقظان عامل سرقسطة في طاعة المهدي فلم يجبـه‏.‏ وقصـد بلـاده فيمـن معـه مـن البربـر فهزمـه سليمـان وعاد إلى تدبير‏.‏ وسار إليه عبد الرحمن صاحـب الأندلـس وأحـرق السفـن فـي البحـر تضييقـاً علـى ابـن حبيـب فـي النجـاة فاعتصـم بجبـل منيـع بنواحي بلنسية فبذل عبد الرحمن فيه المال فاغتاله بعض البربر وحمل رأسه إليه فأعطاه ألف دينار وذلك سنة اثنتين وستين‏.‏ وهم عبد الرحمن صاحب الأندلس أمر ذلك لغزو الشام من الأندلـس علـى العـدوة الشمالية لأخذ ثأره فعصى عليه سليمان بن يقظان والحسين بن يحيى بن سعيد بن سعد بن عثمان الأنصاري في سرقسطة فشغلوه عما اعتزم عليه من ذلك غزوة المهدي تجهز المهدي سنة ثلاث وستين لغزو الروم وجمع الأجناد من خراسان ومن الآفاق وتوفي عمه عيسـى بـن علـي آخـر جمـادى الأخيرة بعسكره وسار من الغد ستخلف على بغداد ابنه موسى الهـادي واستصحـب هـارون ومـر فـي طريقـه بالجزيـرة والموصـل فعزل عبد الصمد بن علي وحبسه ثـم أطلقـه سنـة ست وستين‏.‏ ولما جاز ببني مسلمة بن عبد الملك ذكره عمه العباس بما فعله مسلمـة مـع جدهـم محمد بن علي وكان أعطاه مرة في اجتيازه عليه ألف دينار فأحضر المهدي ولد مسلمة ومواليه وأعطاهم عشرين ألف دينار وأجـرى عليهـم الـأرزاق وعبـر الفـرات إلـى حلب فأقام بها وبعث ابنه هارون للغزو وأجاز معه الدروب إلى جيحان مشيعاً وبعث معه عيسـى بـن موسـى وعبـد الملـك بـن صالـح والحسـن بـن قحطبـة والربيـع بـن يونـس ويحيـى بن خالد بن برمك كان إليه أمر العسكر والنفقات وحاصروا حصن سمالو أربعين يوماً ثم فتحوه بالأمان فتحوا بعده فتوحات كثيرة وعادوا إلى المهدي وقد أثخن في الزنادقة وقتل من كان في تلك الناحية منهم‏.‏ ثم قفل إلى بغداد ومر ببيت المقدس وصلى في مسجده ورجع إلى بغداد‏.‏ العهد لهارون

  وفي سنة ست وستين

أخذ المهدي البيعة لابنه هارون بعد أخيه الهادي ولقبه الرشيد‏.‏ نكبة الوزير يعقوب في داود كان أبو داود بن طهمان كاتباً لنصر بن سيار هو وأخوته وكان شيعياً وعلى رأي الزيدية‏.‏ ولما خرج يحيى بن زيد بخراسان كان يكاتبه بأخبار نصر فأقصاه نصر فلما طلب أبو مسلم بدم يحيى جاءه داود فأمنه في نفسه وأخذ ما اكتسبه من المال أيام نصر وأقام بعـد ذلـك عاطلاً‏.‏ ونشأ له ولد أهل أدب وعلم وصحبوا أولاد الحسن‏.‏ وكان داود يصحب إبراهيم بن عبـد اللـه فورثـوا ذلـك عنه ولما قتل إبراهيم طلبهم المنصور وحبس يعقوب وعليًا مع الحسن بن إبراهيـم حتـى توفـي وأطلقهمـا المهـدي بعـده مـع مـن أطلـق‏.‏ وداخلـه المهـدي فـي أمـر الحسـن لما فر من الحبس فكان ذلك سبباً لوصلته بالمهدي حتى استوزره فجمع الزيدية وولاهم شرقاً وغرباً وكثرت السعاية فيه من البطانة بذلك وبغيره وكان المهدي يقبل سعايتهم حتى يروا أنها قـد تمكنت فإذا غدا عليه تبسم وسأله‏.‏ وكان المهدي مشتهراً بالنساء فيخوض معه في ذلك وفيما يناسبه ويتغلب برضاه وسامره في بعض الليالي وجاء ليركب دابته وقد نام الغلام فلما ركب نفرت الدابة من قعقعة ردائه فسقط ورمحته فانكسر فانقطع عن المهدي وتمكن أعداؤه من السعاية حتى سخطه وأمر به فحبس وحبـس عماله وأصحابه‏.‏ ويقال بل دفع إليه علوياً ليقتله فأطلقه ونمي ذلك إلى المهدي فأرسل مـن أحضـره وقـال ليعقوب أين العلوي‏.‏ فقال قتلته فأخرجه إليه حتى رآه‏.‏ ثم حبس في المطبق ودلـي فـي بئـر فيـه‏.‏ وبقـي أيـام المهـدي والهـادي ثـم أخرج وقد عمي وسأل من الرشيد المقام بمكة فأذن له‏.‏ وقيل في سبب تغيره إنه كان ينهى المهدي عن شرب أصحابه النبيذ عنده ويكثر عليـه فـي ذلك ويقول‏:‏ أبعد الصلوات الخمس في المسجد الجامع يشرب عندك النبيذ لا والله لا مسير الهادي إلى جرجان

  وفي سنة سبع وستين

عصى وتداهر من وشرو بن ملكا طبرستان من الديلم فبعث المهدي ولي عهده موسى الهـادي وجعـل علـى جنـده محمـد بـن حميـد وعلـى حجابتـه نفيعـاً مولـى المنصـور وعلـى حرسـه عيسـى بـن ماهـان وعلـى رسائله أبان بن صدقة‏.‏ وتوفي أبان بن صدقة فبعث المهدي مكانه أبا خالد الأجرد فسار المهدي وبعث الجنود في مقدمته وأمر عليهم يزيد فحاصرهما حتى استقاما‏.‏ وعزل المهدي يحيى الحريشي عن طبرستان وما كان إليه وولى مكانـه عمـر بـن العـلاء وولـى علـى جرجـان فراشـة مولـاه ثم بعث سنة ثمان وستين يحيى الحريشي في أربعين ألفاً إلى طبرستان‏.‏ العمال بالنواحي

  وفي سنة ثلاث وستين

ولى المهدي ابنه هارون على المغرب كله وأذربيجان أرمينية وجعل كاتبه على الخراج ثابت بن موسى وعلى الرسائل يحيى بن خالد بن برمك‏.‏ وعزل زفر بن عاصم عن الجزيرة وولى مكانه عبد الله بن صالح وعزل معاذ بن مسلم عن خراسان وولى مكانـه المسيـب بـن زهيـر الضبـي وعـزل يحيـى الحريشـي عن أصبهان وولى مكانه الحكم بن سعيد وعـزل سعيـد بـن دعلـج عـن طبرستـان وولـى مكانـه عمـر بن العلاء ومهلهل بن صفوان عن جرجان وولاهـا هشـام بـن سعيد‏.‏ وكان على الحجاز واليمامة جعفر بن سليمان وعلى الكوفة إسحاق بن الصباح وعلى البحرين والبصرة وفارس والأهواز محمد بن سليمان فعزله سنة أربع وستين وولى مكانه صالح بن داود‏.‏ وكـان علـى السنـد محمـد بـن الأشعـث‏.‏

  وفي سنة خمـس وستيـن

عـزل خلـف بـن عبـد اللـه عن الري وولاها عيسى مولى جعفر وولى على البصرة روح بن حاتم وعلى البحرين وعمان والأهواز وفـارس وكرمـان النعمـان مولـى المهدي‏.‏ وعزل محمد بن الفضل عن الموصل وولى مكانه أحمد بن إسماعيل‏.‏

  وفي سنة سـت وستيـن

عـزل عبيـد اللـه بـن حسـن العنبـري عـن قضـاء البصـرة واستقضـى مكانـه خالـد بـن طليـق بـن عمـران بـن حصيـن فاستعفـى أهـل البصـرة منـه‏.‏ وولـى المهـدي على قضائه أبـا يوسـف حيـن سـار إلـى جرجـان‏.‏ واضطربـت فـي هـذه السنـة خراسـان على المسيب بن زهير فولاهـا أبـا العبـاس الفضـل بـن سليمـان الطوسـي وأضاف إليه سجستان فولى هو على سجستان سعيد بن دعلج‏.‏ وولى على المدينة إبراهيم ابن عمه وعزل منصور بن يزيد عن اليمن وولى مكانه عبد الله بن سليمان الربعي‏.‏ وكـان علـى مصـر إبراهيـم بـن صالـح وتوفـي فـي هـذه السنة عيسى بن موسى بالكوفة وهي سنة سبع وستين‏.‏ وعزل المهدي يحيى الحريشي عن طبرستان والرويان وما كان إليه وولاه عمر بن العـلاء وولـى علـى جرجان فراشة مولاه‏.‏ وحج بالناس إبراهيم ابن عمه يحيى وهو على المدينة ومات بعد قضاء الحج فولى مكانه إسحاق بن موسى بن علي وعلى اليمن سليمان بن يزيد الحارثي وعلى اليمامة عبد الله بن مصعب الزبيري وعلى البصرة محمد بن سليمان وعلى قضائها عمر بن عثمان التميمي وعلى الموصل أحمد بن إسماعيل الهاشمي‏.‏ وقتل موسى بن كعب ووقع الفساد في بادية البصرة من الأعراب بين اليمامة والبحرين وقطعوا الطرق وانتهكوا المحارم وتركوا الصلاة‏.‏ الصوائف

  وفي سنة تسع وخمسين

أغزى المهدي عمه العباس بالصائفة وعلى مقدمته الحسن الوصيف فبلغـوا أهـرة وفتحـوا مدينـة أوهـرة ورجعـوا سالميـن ولـم يصـب مـن المسلميـن أحـد‏.‏

  وفي سنة إحدى وستيـن

غزا بالصائفة يمامة بن الوليد فنزل دابق وجاشت الروم مع ميخاييل في ثمانين ألفاً ونزل عمق مرعش فقتل وسبى وغنم وحاصـر مرعـش وقتـل مـن المسلميـن عـدداً وانصـرف إلـى جيحان فكان عيسى بن علي مرابطاً بحصن مرعش فعظم ذلك على المهدي وتجهـز لغـزو الـروم‏.‏ وخرجـت الـروم سنـة اثنتين وستين إلى الحارث فهدموا أسوارها‏.‏ وغزا بالصائفة الحسن بـن قحطبـة فـي ثمانيـن ألفـاً مـن المرتزقـة فبلـغ جهـة أدرركبـه وأكثـر التحريق والتخريق ولم يفتح حصناً ولا لقي جمعاً ورجع بالناس سالماً‏.‏ وغـزا يزيـد بـن أسيـد السلمـي مـن ناحيـة قالقيـلا فغنم وسبى وفتح ثلاثة حصون‏.‏ ثم غزا المهدي بنفسـه سنـة ثلـاث وستيـن كمـا مـر‏.‏ ثـم غـزا سنـة أربـع وستيـن عبـد الكبيـر بـن عبـد الرحمـن بن زيد بـن الخطـاب مـن درب الحـارث فخـرج إليـه ميخاييـل وطـارد الأرمنـي البطريقـان فـي تسعيـن ألفًا فخام عـن لقائهـم ورجـع بالناس فغضب عليه المهدي وهم بقتله فشفع فيه وحبسه‏.‏

  وفي سنة خمس وستيـن

بعـث المهدي ابنه هارون بالصائفة وبعث معه الربيع فتوغل في بلاد الروم ولقيه عسكر نقيطا من القواميس فبارزه يزيد بـن مزيـد فهزمهـم وغلـب علـى عسكرهـم ولحقـوا بالدمشـق صاحب المسالح فحمل لهم مائتي ألف دينار واثنتين وعشرين ألف درهـم وسـار الرشيـد بعساكـره وكانـت نحـواً مـن مائة ألف فبلغ خليج قسطنطينية وعلى الروم يومئذ غسطة امرأة إليون كافلـةً لابنها منه صغيراً فجرى الصلح على الفدية وأن تقيم له الأدلاء والأسواق في الطريق لأن مدخلـه كان ضيقاً مخوفاً فأجابت لذلك‏.‏ وكان مقدار الفدية سبعين ألف دينار كل سنة ومدة الصلح ثلاث سنين وكان ما سباه المسلمون قبل الصلع خمسة آلاف رأس وستمائة رأس وقتل من الروم في وقائع هذه الغزوات أربعة وخمسون ألفاً ومن الأسرى ألفان‏.‏ ثم نقض الروم هذا الصلح سنة ثمان وستيـن ولـم يستكملـوا مدتـه بقـي منهـا أربعـة أشهـر‏.‏ وكان على الجزيرة وقنسرين علي بن سليمان فبعث يزيد بن البدر بن البطال في عسكر فغنموا وسبوا وظفروا ورجعوا‏.‏ وفاة المهدي وبيعة الهادي

  وفي سنة تسـع وستيـن

اعتـزم المهـدي على خلع ابنه موسى الهادي من العهد والبيعة للرشيد به وتقديمـه على الهادي وكان بجرجان فبعث إليه بذلك فاستقدمه فضرب الرسول وامتنع‏.‏ فسار إليه المهدي فلما بلغ ماسبذان توفي هنالك‏.‏ يقـال مسمومـاً مـن بعـض جواريـه ويقـال سمـت إحداهمـا الأخـرى فـي كمثـرى فغلـط وأكلها ويقال حاز صيداً فدخل وراءه إلى خربة فدق الباب ظهـره‏.‏ وكـان موتـه فـي المحـرم وصلـى عليـه ابنـه الرشيـد وبويـع ابنـه موسـى الهادي لما بلغه موت أبيه وهو مقيم بجرجان يحارب أهل طبرستان‏.‏ وكـان الرشيـد لمـا توفي المهدي والعسكر بماسبدان نادى في الناس بالعطاء تسكينًا وقسم فيهم مائتين مائتين فلما استوفوها تنادوا بالرجوع إلى بغداد وتشايعوا إليها واستيقنوا موت المهدي فأتوا باب الربيع وأحرقوه وطالبوا بالأرزاق ونقبوا السجون‏.‏ وقدم الرشيد بغداد في أثرهم فبعثت الخيزران إلى الربيع فامتنع يحيى خوفاً من غيرة الهادي وأمرت الربيع بتسكين الجند فسكنوا وكتب الهادي إلى الربيع يتهدده فاستشار يحيى في أمره وكان يثق بوده فأشار عليه بـأن يبعـث ابنـه الفضـل يعتـذر عنـه وتصحبـه الهدايـا والتحـف ففعـل ورضـي الهادي عنه وأخذت البيعة ببغداد للهادي‏.‏ وكتب الرشيد بذلك إلى الآفاق وبعث نصيراً الوصيف إلى الهادي بجرجان فركب البريد إلى بغداد فقدمها في عشرين يوماً‏.‏ فاستوزر الربيع وهلك لمدة قليلة من وزارته‏.‏ واشتد الهادي فـي طلـب الزنادقـة وقتلهـم وكـان منهـم علـي بـن يقطيـن ويعقـوب بـن الفضـل مـن ولد ربيعة بن الحارث بـن عبـد المطلـب كـان قد أقر بالزندقة عند المهدي إلا أنه كان مقسماً أن لا يقتل هاشمياً فحبسه وأوصى الهادي بقتله وبقتل ولد عمهم داود بن علي فقتلهما‏.‏ وأمـا عمالـه فكـان علـى المدينـة عمـر بـن عبـد العزيـز بـن عبيـد اللـه بـن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعلى مكة والطائف عبد الله بن قثم وعلى اليمن إبراهيم بن مسلم بن قتيبة وعلى اليمامة والبحرين سويد القائد الخراساني وعلى عمان الحسن بن سليم الحواري وعلى الكوفة موسى بن عيسى بن موسى وعلى البصرة ابن سليمان وعلى جرجان الحجاج مولى الهادي وعلى قومـس زيـاد بـن حسـان وعلـى طبرستـان والرويـان صالح بن عميرة مولى وعلى الموصل هاشم بن سعيد بن خالد وعزله الهادي لسوء سيرته وولى مكانه عبد الملك وصالح بن علي‏.‏ وأمـا الصائفـة فغزا بها في هذه السنة وهي سنة تسع وستين معيوب بن يحيى وقد كان الروم خرجـوا مـع بطريـق لهـم إلـى الحـارث فهـرب الوالـي ودخلهـا الـروم وعاثوا فيها فدخل معيوب وراءهم من عرب الراهب وبلغ مدينة أستة وغنم وسبى وعاد‏.‏ ظهور الحسين بن علي بن حسن بن حسن بن الحسن السبط ومقتله وهو الحسين بن علي بن حسن المثلث بن حسن المثنى بن الحسن السبط كان الهادي قد استعمـل علـى المدينـة عمـر بـن عبـد العزيـز كمـا مـر فأخذ يوماً الحسن بن المهدي بن محمد بن عبد اللـه بـن الحسيـن الملقـب أبـا الزفـت ومسلـم بـن جنـدب الهذلـي الشاعر وعمر بن سلام مولى العمريين علـى شـراب لهـم فضربهـم وطيـف بهـم بالمدينـة بالحبـال فـي أعناقهـم وجاء الحسين إليه فشفع فيهم وقـال‏:‏ ليـس عليهـم حـد فـإن أهـل العـراق لا يـرون بـه بأسـاً وليـس مـن الحـد أن نطيفهم فحبسهم‏.‏ ثم جاء ثانية ومعه من عمومته يحيى بن عبد الله بن الحسن صاحب الديلم بعد ذلك فكفلاه وأطلقه من الحبس‏.‏ وما زال آل أبي طالب يكفل بعضهم بعضاً ويعرضون فغاب الحسن عن العرض يومين فطلب بـه الحسيـن بـن علـي ويحيـى بـن عبـد اللـه كافليـه وأغلظ لهما فحلف يحيى أنه يأتي به من ليلته أو يدق عليه الباب يؤذنه به‏.‏ وكان بين الطالبيين ميعاد للخروج في الموسم فأعجلهم ذلك عنه وخرجـوا مـن ليلتهـم وضرب يحيى على العمري في باب داره بالسيف واقتحموا المسجد فصلوا الصبح وبايع الناس الحسين المرتضى من آل محمد على كتاب الله وسنة رسوله‏.‏ وجاء خالد اليزيدي في مائتين من الجند والعمري وابن إسحاق الأزرق ومحمد بن واقد في ناس كثيرين فقاتلوهم وهزموهم في المسجد واجتمع يحيى وإدريس بن عبد الله بن حسن فقتلاه وانهزم الباقون وافترق الناس‏.‏ وأغلـق أهـل المدينة أبوابهم وانتهب القوم من بيت المال بضعة عشر ألف دينار وقيل سبعين ألفاً واجتمعـت شيعـة بنـي العبـاس من الغد وقاتلوهم إلى الظهر وفشت الجراحات وافترقوا‏.‏ ثم قدم مبارك التركي من الغد حاجاً فقاتل مع العباسية إلى منتصف النهار وافترقوا وواعدهم مبارك الرواح إلى القتال واستغفلهم وركب رواحله راجعاً واقتتل الناس المغرب ثم افترقوا‏.‏ ويقال إن مباركاً دس إلى الحسين بذلك تجافياً عن أذية أهل البيت وطلب أن يأخذ له عذراً في ذلك بالبيـات فبيتـه الحسيـن واستطـرد لـه راجعـاً‏.‏ وأقـام الحسيـن وأصحابه بالمدينة واحداً وعشرين يوماً وكـان قـد حـج تلـك السنـة رجـال مـن بنـي العبـاس منهـم سليمـان بن المنصور ومحمد بن سليمان بن علـي والعبـاس بـن محمـد بـن علـي وموسـى وإسماعيـل أبنـاء عيسـى بـن موسى ولما بلغ خبر الحسين إلـى الهـادي كتـب إلـى محمـد بـن سليمان وولاه على حربه وكان معه رجال وسلاح وقد أغذ بهم عـن البصـرة خوف الطريق فاجتمعوا بذي طوى وقدموا مكة فحلوا من العمرة التي كانوا أحرموا بها وانضم إليهم من حج من شيعتهم ومواليهم وقوادهـم واقتتلـوا يـوم الترويـة فانهـزم الحسيـن وأصحابه وقتل كثير منهم وانصرف محمد بن سليمان وأصحابه إلى مكة ولحقهم بذي طوى رجـل مـن خراسـان بـرأس الحسيـن ينـادي مـن خلفهم بالبشارة حتى ألقى الرأس بين أيديهم مضروباً على قفاه وجبهته وجمعت رؤوس القتلى فكانت مائة ونيفاً وفيها رأس سليمان أخي المهدي بن عبد الله واختلط المنهزمون بالحاج‏.‏ وجاء الحسن بن المهدي أبو الزفت فوقف خلف محمد بن سليمان والعباس بن محمد فأخذه موسى بن عيسى وقتله وغضب محمد بن سليمان من ذلك وغضب الهادي لغضبه وقبض أمواله‏.‏ وغضب على مبارك التركي وجعله سائس الدواب فبقي كذلك حتى مات الهـادي وأفلت من المنهزمين إدريس بن عبد الله أخو المهدي فأتى مصر وعلي يريدها وأصبح مولى صالح بن المنصور وكان يتشيع لآل علي فحمله على البريد إلى المغرب ووقع بمدية وليلة من أعمال طنجة واجتمع البريد على دعوته وقتل الهادي وأصحابه بذلك وصلبه وكان لإدريس وابنه إدريس وأعقابهم حروب نذكرها بعده‏.‏ حديث الهادي في خلع الرشيد كان الهادي يبغض الرشيد بما كان المهدي أبوهما يؤثره وكان رأى في منامه أنه دفـع إليهمـا قضيبين فأورق قضيب الهادي من أعلاه وأورق قضيب الرشيد كله وتاؤل ذلك بقصر مدة الهادي وطول مدة الرشيد وحسنها‏.‏ فلما ولي الهادي أجمع خلع الرشيد والبيعة لابنه جعفر مكانه وفاوض في ذلك قواده فأجابه يزيد بن مزيد وعلي بن عيسى وعبد الله بن مالـك وحرضوا الشيعة على الرشيد لينقصوه ويقولوا لا نرضى به ونهى الهادي أن يشاور بين يديه بالحرب فاجتنبه الناس وكان يحيى بن خالد يتولى أموره فاتهمه الهادي بمداخلته وبعث إليه وتهـدده فحضـر عنـده مستميتـاً وقـال‏:‏ يـا أميـر المؤمنين أنت أمرتني بخدمته من بعد المهدي فسكن غضبه وقال له في أمر الخلع فقال يا أمير المؤمنين أنت إن حملت الناس على نكث الإيمان فيه هانت عليهم فيمن توليه وإن بايعت بعده كان ذلك أوثق للبيعة فصدقه وسكت عنه‏.‏ وعاد أولئك الذين جفلوه من القواد والشيعة فأغروه بيحيى وأنه الذي منع الرشيد من خلع نفسه فحبسه الهادي فطلب الحضور للنصيحة وقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين أتظن الناس يسلمون الخلافـة لجعفـر وهـو صبـي ويرضـون بـه لصلاتهـم وحجهـم وغزوهم وتأمن أن يسموا إليها عند ذلك أكابـر بيتك فتخرج من ولد أبيك والله لو لم يعقده المهدي لكان ينبغي أن تعقده أنت له حذراً من ذلك وإني أرى أن تعقده لأخيك فإذا بلغ ابنك أتيتك بأخيك فخلع نفسه وبايع له فقبل الهـادي قولـه وأطلقه‏.‏ ولم يقنع القواد ذلك لأنهم كانوا حذرين من الرشيد في ذلك وضيق عليه واستأذنه في الصيد فمضى إلى قصر مقاتل ونكره الهادي وأظهر خفاءه وبسط الموالي والقواد فيه ألسنتهم‏.‏ وفاة الهادي وبيعة الرشيد ثم خرج الهادي إلى حديقـة الموصـل فمـرض واشتـد مرضـه هنالـك واستقـدم العمـال شرقـاً وغرباً‏.‏ ولما ثقل تآمر القواد الذين بايعوا جعفراً في قتل يحيى بن خالد ثم أمسكوا خوفاً من الهادي‏.‏ ثم توفي الهادي في شهر ربيع الأول سنة سبعين ومائة وقيل توفي بعد أن عاد من حديقة الموصل‏.‏ ويقال‏:‏ إن أمه الخيزران وصت بعـض الجـواري عليـه فقتلتـه لأنهـا كانـت أول خلافته تستبد عليه بالأمور فعكف الناس واختلفت المواكب ووجد الهادي لذلك فكلمته يوماً فـي حاجـة فلـم يجبهـا فقالـت‏:‏ قـد ضمنتها لعبد الله بن مالك‏.‏ فغضب الهادي وشتمه وحلف لا قضيتها فقامت مغضبة فقال‏:‏ مكانك وإلا انتفيت من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بلغني أن أحداً من قوادي وخاصتي وقف ببابك لأضربن عنقه ولأقبضن ماله ما للمواكب تغدو وتروح عليك أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو بيت يصونك‏.‏ إياك‏:‏ إياك لا تفتحي بابك لمسلم ولا ذمي فانصرفت وهي لا تعقل‏.‏ ثم قال لأصحابه‏:‏ أيكم يحب أن يتحدث الرجال‏.‏ بخبر أمـه ويقـال فعلـت أم فلـان وصنعـت فقالوا لا نحب ذلك‏.‏ قال‏:‏ فما بالكم تأتون أمي فتتحدثون معها‏.‏ فيقال إنه لما جد في خلع الرشيد خافت عليه منه فلما ثقل مرضه وصت بعض الجواري فجلست على وجهه فمات وصلـى عليـه الرشيـد‏.‏ وجـاء هرثمـة بـن أعيـن إلـى الرشيـد فأخرجـه وأجلسـه للخلافـة وأحضر يحيى فاستوزره وكتب إلى الأطراف بالبيعة‏.‏ وقيل‏:‏ إن يحيى هو الذي جاءه وأخرجه فصلى على الهادي ودفنه إلى يحيى وأعطاه خاتمه وكان يحيى يصدر عن رأي الخيزران أم الرشيد‏.‏ وعزل لأول خلافته عمر بن عبد العزيز العمري عن المدينة وولى مكانه إسحاق بن سليمان وتوفـي يزيـد بـن حاتـم عامـل إفريقيـة فولـى مكانـه روح بـن حاتـم ثـم توفـي فولـى مكانـه ابنه الفضل ثم قتـل فولى هرثمة بن أعين كما يذكر في أخبار إفريقية‏.‏ وأفرد الثغور كلها عن الجزيرة وقنسرين وجعلهـا عمالـةً واحـدةً وسماهـا العواصـم وأمـره بعمـارة طرسـوس ونزلهـا النـاس‏.‏ وحـج لأول خلافته وقسم في الحرمين مالاً كثيراً‏.‏ وأغزى بالصائفة سليمان بن عبد الله البكائي وكان على مكة والطائف عبد اللـه بـن قثـم وعلـى الكوفـة عيسـى بن موسى وعلى البحرين والبصرة واليمامة وعمان والأهواز وفارس محمد بن سليمان بن علي وعلى خراسان أبو الفضل العباس بن سليمان الطوسي ثم عزله وولى مكانـه جعفـر بـن محمد بن الأشعث‏.‏ فسار إلى خراسان وبعث ابنه العباس إلى كابل فافتتحها وافتتح سابها وغنم ما كان فيها‏.‏ ثم استقدمه الرشيد فعزله وولى مكانه ابنه العباس وكان على الموصل عبد الملك بن صالح فعزله وولى مكانه إسحاق بن محمد بن فروح فبعث إليه الرشيـد أبـا حنيفـة حـرب بـن قيـس فأحضـره إلـى بغـداد وقتلـه وولـى مكان وكان على أرمينية يزيد بن مزيد بن زائدة ابن أخي معن فعزله وولى مكانه أخاه عبد الله بن المهدي‏.‏ وولى سنة إحدى وسبعين على صدقات بني تغلب روح بن صالح الهمداني فوقع بينه وبين تغلـب خلـاف وجمـع لهـم الجمـوع فبيتـوه وقتلـوه فـي جماعـة مـن أصحابـه‏.‏ وتوفي سنة ثلاث وسبعين محمـد بـن سليمـان والـي البصـرة وكـان أخـوه جعفـر كثير السعاية فيه عند الرشيد وأنه يحدث نفسه بالخلافة وأن أمواله كلها فيء من أموال المسلمين فاستصفاها الرشيد وبعث من قبضها وكان لا يعبـر عنهـا مـن المـال والمتـاع والـدواب وأحضـروا مـن العيـن فيها ستين ألف ألف دينار‏.‏ ولم يكن إلا أخوه جعفر فاحتج عليه الرشيد بإقراره أنها فيء‏.‏ وتوفي سنة أربـع وسبعيـن والـي الرشيـد إسحـاق بـن سليمـان على السند ومكران واستقضى يوسف بن أبي يوسف في حياة أبيه‏.‏

  وفي سنة خمـس وسبعيـن

عقـد لابنـه محمـد بـن زبيـدة ولاية العهد ولقبه الأمين وأخذ له البيعة وعمره خمس سنيـن بسعايـة خاله عيسى بن جعفر بن المنصور ووساطة الفضل بن يحيى وفيها عزل الرشيد العباس بن جعفر عن خراسان وولاها خاله الغطريف بن عطاء الكندي‏.‏

  خبر يحيى بن عبد الله في الديلم

وفي سنة خمـس وسبعيـن خـرج يحيـى بـن عبـد اللـه بـن حسـن أخـو المهـدي بالديلـم واشتدت شوكته وكثر جمعه وأتاه الناس من الأمصار فندب إليه الرشيد الفضل بن يحيى في خمسين ألفاً وولاه جرجان وطبرستان والري وما إليها ووصل معه الأموال‏.‏ فسار ونزل بالطالقان وكاتب يحيى وحذره وبسط أمله وكتب إلى صاحب الديلم في تسهيل أمر يحيى على أن يعطيه ألف ألف درهم فأجاب يحيى على الأمان بخط الرشيد وشهـادة الفقهـاء والقضـاة وأجلـة بنـي هاشـم ومشايخهم عن عبد الصمد منهم فكتب له الرشيد بذلك وبعثه مع الهدايا والتحف‏.‏ وقدم يحيـى مـع الفضـل فلقيـه الرشيـد بكل ما أحب وأفاض عليه العطاء وعظمت منزلة الفضل عنده‏.‏ ثم إن الرشيد حبس يحيى إلى أن هلك في حبسه‏.‏

  ولاية جعفر بن يحيي مصر

كـان موسـى بـن عيسـى قـد ولـاه الرشيـد مصـر فبلغـه أنـه عـازم على الخلع فرد أمرها إلى جعفر بن يحيى وأمره بإحضار عمر بن مهران وأن يوليه عليها وكان أحول مشوه الخلق خامل البزة يردف غلامه خلفه‏.‏ فلما ذكرت له الولاية قال على شرطية أن يكون أمري بيدي إذا صلحت البلاد انصرفـت فأجابـه إلـى ذلـك‏.‏ وسـار إلـى مصـر وأتـى مجلـس موسـى فجلـس فـي أخريات الناس حتى إذا افترقوا رفع الكتاب إلى موسى فقرأه وقال‏:‏ من يقدم أبو حفص‏.‏ فقال أنا أبو حفص فقال موسـى لعـن اللـه فرعـون حيـث قـال‏:‏ أليـس لـي ملـك مصـر ثـم سلـم لـه العمل‏.‏ فتقدم عمر إلى كاتبه أن لا يقبـل مـن الهديـة إلا مـا يدخـل فـي الكيـس فبعث الناس بهداياهم وكانوا يمطلون بالخراج‏.‏ فلما حضر النجم الأول والثاني وشكوا الضيق في الثالث أحضر الهدايا وحسبها لأربابها واستوفى خراج مصر ورجع إلى بغداد‏.‏

  الفتنة بدمشق

وفـي هـذه السنـة هاجت الفتنة بدمشق بين المضرية واليمانية ورأس المضرية أبو الهيدام عامر بن عمـارة مـن ولـد خارجـة بـن سنـان بـن أبـي حارثـة المري وكان أصل الفتنة بين القيس وبين اليمانية أن اليمانية قتلوا منهم رجلاً فاجتمعوا لثأره وكان على دمشق عبد الصمد بن علي فجمع كبار العشائر ليصلحوا بينهم فأمهلتهم اليمانيـة وبيتـوا المضريـة فقتلـوا منهـم ثلاثمائـة أو ضعفهـا فاستجاشوا بقبائل قضاعة وسليم فلم ينجدوهم وأنجدتهم قيس وساروا معهم إلى البلقـاء فقتلـوا مـن اليمانيـة ثمانمائـة وطـال الحـرب بينهـم‏.‏ وعـزل عبـد الصمـد عـن دمشق وولى مكانه إبراهيم بن صالح بـن علـي‏.‏ ثـم أصلحـوا بعـد سنيـن ووفـد إبراهيـم علـى الرشيـد وكـان هـواه مـع اليمانيـة فوقـع فـي قيـس عنـد الرشيـد واعتـذر عنهـم عبـد الواحد بن بشر استخلف إبراهيم على دمشق ابنه إسحاق فحبس جماعة من قيس وضربهم‏.‏ ثم وثبت غسان برجل من ولد قيس بن العبسي فقتلوه واستنجد أخوه بالدواقيل من حوران فأنجدوه وقتلوا من اليمانية نفراً‏.‏ ثم وثبت اليمانية بكليب بن عمر بن الجنيد بن عبد الرحمن وعنده ضيف له فقتلوهم فجاءت أم الغلام سابة إلى أبي الهيدام فقال‏:‏ انظريني حتى ترفع دماؤنـا إلى الأمير فإن نظر فيها وإلا فأمير المؤمنين ينظر فيها‏.‏ وبلغ ذلك إسحاق وحضر عنده أبو الهيدام فلم يأذن له‏.‏ ثم قتل بعض الدواقيل رجلاً من اليمانية وقتلت اليمانية رجلاً من سليـم ونهبـوا جيـران محارب وركب أبو الهيدام معهم إلى إسحاق فوعده بالنظر لهم وبعث إلى اليمانيـة يغريهـم بـه فاجتمعـوا وأتـوا إلـى بـاب الجابيـة فخرج إليهم أبو الهيدام وهزمهم واستولى على دمشق وفتق السجون‏.‏ ثم اجتمعت اليمانية واستنجدوا كلباً وغيرهم فاستمدوهـم واستجـاش أبـو الهيـدام المضريـة فجاؤوه وهو يقاتل اليمانية عند باب توما فهزمهم أربع مرات‏.‏ ثم أمره إسحاق بالكف وبعث إلـى اليمانيـة يخبرهـم بغرتـه وجاء الخبر وركب وقاتلهم فهزمهم ثم هزمهم أخرى على باب توما‏.‏ ثـم جمعـت اليمانيـة أهـل الـأردن والجولـان مـن كلب وغيرهم فأرسل من يأتيه بالخبر فأبطؤوا ودخل المدينـة فأرسـل إسحـاق مـن دلهـم علـى مكمنـه وأمرهم بالعبور إلى المدينة فبعث من أصحابه من يأتيهـم من ورائهم فانهزموا‏.‏ لما كان مستهل صفر جمع إسحاق الجنود عند قصر الحجاج وجاء أصحاب الهيدام من أراد نهب القرى التي لهم بنواحي دمشق ثم سألوا الأمان من أبي الهيدام فأمنهم وسكن الناس‏.‏ وفـرق أبـو الهيدام أصحابه وبقي في نفر يسير من أهل دمشق فطمع فيه إسحاق وسلط عليه العذافـر السكسكـي مـع الجنود فقاتلهم فانهزم العذافر وبقي الجند يحاربونه ثلاثاً‏.‏ ثم إن إسحاق قاتله في الثالثـة والجنـد فـي اثنـي عشـر ألفـاً ومعهـم اليمانيـة فخـرج أبـو الهيـدام مـن المدينـة وقاتلهـم علـى باب الجابية حتى أزالهم عنه‏.‏ ثم أغار جمع من أهل حمص على قرية لأبي الهيدام فقاتلهم أصحابـه وهزموهـم وقتلـوا منهـم خلقـاً وأحرقـوا قـرى ودياراً لليمانية في الغوطة ثم توادعوا سبعين يومـاً أو نحوهـا‏.‏ وقـدم السنـدي فـي الجنـود مـن قبـل الرشيـد وأغزتـه اليمانية بأبي الهيدام فبعث هو إليه بالطاعة فأقبل السندي إلى دمشق وإسحاق بدار الحجاج وبعث قائده في ثلاثة آلاف وأخرج إليهم أبو الهيدام ألفاً وأحجم القائد عنهم ورجع إلى السندي فصالح أبا الهيدام وأمن أهل دمشق‏.‏ وسـار أبـو الهيدام إلى حوران وأقام السندي بدمشق ثلاثاً وقدم موسى بن عيسى والياً عليها فبعث الجند يأتونه بأبي الهيدام فكبسوا داره وقاتلهم هو وابنه وعبده فانهزموا وجاء أصحابه مـن كـل جهـة وقصـد بـه بصـرى‏.‏ ثـم بعـث إليـه موسـى فسار إليه في رمضان سنة سبع وسبعين وقيل إن سبب الفتنة بدمشق أن عامل الرشيد بسجستان قتل أخاه الهيدام فخرج هو بالشام وجمع الجموع‏.‏ ثم بعـث الرشيـد أخـاً لـه ليأتيـه بـه فتحيـل حتـى قبـض عليـه وشـده وثاقـاً وأتـى بـه إلـى الرشيد فمن عليه وأطلقه‏.‏ وبعث جعفر بن يحيى سنة ثمانين إلى الشام من أجل هذه الفتن والعصبية فسكن الثائرة وأمن البلاد وعاد‏.‏

  وفي سنة سبع وثمانين

تغلب العطاف بن سفيان الأزدي على خراسان وأهل الموصل على العامـل بهـا محمـد بـن العباس الهاشمي وقيل عبد الملك بن صالح فاجتمع عليه أربعة آلاف رجل وجبى الخراج وبقي العامل معه مغلباً إلى أن سار الرشيد إلى الموصل وهدم سورها ولحق العطاف بأرمينيـة ثـم بالرقـم فاتخذهـا وطنـاً‏.‏

  وفي سنة ثمـان وسبعيـن

ثـارت الحوفيـة بمصـر وهـم مـن قيـس وقضاعـة علـى عاملهـا إسحـاق بـن سليمـان وقاتلـوه‏.‏ وكتـب الرشيـد إلـى هرثمـة بـن أعين وكان بفلسطيـن فسـار إليهـم وأذعنـوا بالطاعـة وولـي علـى مصـر ثـم عزلـه لشهـر وولـى عبـد الملك بن صالح عليها‏.‏ كان على خراسان أيام المهدي والهادي أبو الفضل العباس بن سليمان الطوسي فعزله الرشيد وولـى علـى خراسـان جعفر بن محمد بن الأشعث الخزاعي فأبوه من النقباء من أهل مصر وقدم ابنـه العبـاس سنـة ثلـاث وسبعيـن ثـم قـدم فغـزا طخارستـان وبعـث ابنـه العبـاس إلـى كابـل في الجنود وافتتح سابهار ورجع إلى مرو‏.‏ ثم سار إلى العراق سنة ثلاث في رمضان وكان الأمين في حجره قبل أن يجعله في حجر الفضل بن يحيى‏.‏ ثـم ولـى الرشيـد ابنـه العبـاس بـن جعفـر ثـم عزلـه عنهـا فولـى خالـداً الغطريـف بـن عطـاء الكنـدي سنة خمس وسبعين على خراسان وسجستان وجرجان فقدم خليفة داود بن يزيد وبعث عامـل سجستـان‏.‏ وخـرج فـي أيامـه حصيـن الخارجـي مـن موالـي قيـس بـن ثعلبـة مـن أهـل أوق وبعث عامل سجستـان عثمـان بـن عمـارة الجيـوش إليـه فهزمهـم حسيـن وقتل منهم وسار إلى باذغيس وبوشنج وهـراة فبعـث إليـه الغطريـف اثنـي عشـر ألفـاً مـن الجنـد فهزمهـم حصيـن وقتـل منهم خلقاً ولم يزل في نواحي خراسان إلى أن قتل سنة سبع وسبعين‏.‏ وسار الفضل إلى خراسان سنة ثمان وسبعين وغزا ما وراء النهر سنة ثمانين ثم ولى الرشيد على خراسان علـي بـن عيسـى بـن ماهـان وقـدم إليـه يحيـى فأقـام بهـا عشريـن سنـة‏.‏ وخـرج عليـه فـي ولايتـه حمـزة بـن أتـرك وقصـد بوشنـج وكـان علـى هـراة عمرويـه بن يزيد الأزدي فنهض إليه في ستة آلاف فارس فهزمهم حمزة وقتل جماعة منهم ومات عمرويه في الزحام فبعث علي بن عيسى ابنه الحسن في عشرة آلاف ففض حربه فعزله وبعث ابنه الآخر عيسى فهزمه حمزة فأمده بالعساكر ورده فهزم حمزة وقتـل أصحابـه ونجـا إلـى قهستـان فـي أربعيـن‏.‏ وأثخـن عيسـى فـي الخـوارج بارق وخوين وفيمن كان يعينهم من أهل القرى حتى قتل ثلاثين ألفاً‏.‏ وخلف عبد الله بن العباس النسيقي بزرنج فجبى الأموال وسار بها ومعه الصفة ولقيه حمزة فهزمـوه وقتلـوا عامـة أصحابـه‏.‏ وسـار حمـزة فـي القـرى فقتل وسبى وكان علي قد استعمل طاهر بـن الحسيـن علـى بوشنـج فخرج إلى حمزة وقصد قرية ففر الخوارج وهم الذين يرون التحكم ولا يقاتلون والمحكمة هم الذين يقاتلون وشعارهم لا حكم إلا الله‏.‏ فكتب العقد إلى حمزة بالكف وواعدهم ثم انتفض وعاث في البلاد وكانت بينه وبين أصحاب علي حروب كثيرة‏.‏ ثم ولى الرشيد سنة اثنتين وثمانين ابنه عبد الله العهد بعد الأمين ولقبه المأمون وولاه على خراسـان ومـا يتصـل بهـا إلى همذان واستقدم عيسى بن علي من خراسان وردها إليه من قبل المأمـون‏.‏ وخـرج عليـه بنسـا أبـو الخصيـب وهـب بن عبد الله النسائي وعاث في نواحي خراسان ثم طلب الأمان فأمنه‏.‏ ثم بلغه أن حمزة الخارجي عاث بنواحي باذغيس فقصده وقتل من أصحابـه نحـواً مـن عشـرة آلـاف وبلـغ كـل مـن وراء غزنـة‏.‏ ثـم غـدر أبو الخصيب ثانيةً وغلب أبيورد ونساوطوس ونيسابور وحاصر مرو وانهزم عنها وعاد إلى سرخس ثم نهض إليه ابن ماهان سنة ست وثمانين فقتله في نسا وسبى أهله‏.‏ ثـم نمـي إلـى الرشيـد سنـة تسـع وثمانيـن أن علـي بـن عيسـى مجمـع علـى الخلـاف وأنـه قـد أساء السيرة فـي خراسان وعنفهم وكتب إليه كبراء أهلها يشكون بذلك فسار الرشيد إلى الري فأهدى له الهدايا الكثيرة والأموال ولجميع من معه من أهل بيته وولده وكتابه وقواده‏.‏ وتبين للرشيد من مناصحته خلاف ما انتهى إليه‏.‏ فرده إلى خراسـان وولـي علـى الـري وطبرستـان ودنباونـد وقومس وهمذان وبعث علي ابنه عيسى لحرب خاقان سنة ثمان وثمانين فهزمه وأسر أخوته وانتقض على علي بن عيسى رافع بن الليث بن نصر بن سيار بسمرقند وطالت حروبه معه وهلك في بعضها ابنه عيسى‏.‏ ثم إن الرشيد نقم على علي بن عيسى أموراً منها استخفافه بالناس وإهانته أعيانهم ودخل عليـه يومـاً الحسيـن بـن مصعـب والـد طاهـر فأغلـظ لـه فـي القـول وأفحش في السب والتهديد وفعل مثـل ذلـك بهشـام بـن‏.‏ فأمـا الحسيـن فلحـق بالرشيـد شاكيـاً ومستجيـراً وأمـا هشام فلزم بيته وادعى أنه بعلة الفالـج حتـى عـزل علـي‏.‏ وكـان ممـا نقـم عليـه أيضـاً أنـه لمـا قتـل ابنـه عيسـى فـي حـرب رافـع بـن الليث أخبر بعض جواريه أنة دفن في بستانه ببلخ ثلاثين ألف دينار وتحدث الجواري بذلك فشعـاع في الناس ودخلوا البستان ونهبوا المال وكان يشكو إلى الرشيد بقلة المال ويزعم أنه باع حلي نسائه‏.‏ فلمـا سمع الرشيد هذا المال استدعى هرثمة بن أعين وقال له وليتك خراسان وكتب له بخطه وقال له‏:‏ اكتم أمرك وامض كأنك مدد وبعث معه رجاء الخادم فسـار إلـى نيسابـور وولـى أصحابه فيها ثم سار إلى مرو ولقي علي بن عيسى فقبض عليه وعلى أهله وأتباعه وأخذ أموالـه فبلغـت ثمانيـن ألـف ألـف وبعـث إلـى الرشيـد مـن المتـاع وقـر خمسمائـة بعيـر وبعـث إليـه بعلي بن عيسى على بعير من غير غطاء ولا وطاء وخرج هرثمة إلى ما وراء النهر وحاصر رافع بن إيداع كتاب العهد

  وفي سنة سـت وثمانيـن

حـج الرشيـد وسـار مـن الأنبـار ومعـه أولاده الثلاثة محمد الأمين وعبد الله المأمون والقاسم وكان قد ولى الأمين العهد وولاه العراق والشام إلى آخر الغرب‏.‏ وولى المأمون العهـد بعـده وضـم إليـه مـن همـذان إلـى آخـر المشـرق وبايـع لابنـه القاسـم من بعد المأمون ولقبه المؤتمن وجعل خلعه وإثباته للمأمون‏.‏ وجعل في حجر عبد الملك صالح وضم إليه الجزيرة والثغور والعواصم‏.‏ ومـر بالمدينـة فأعطـاه فيهـا ثلاثة أعطية‏:‏ عطاء منه ومن الأمين ومن المأمون فبلغ ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار‏.‏ ثم سار إلى مكة فأعطى مثلها وأحضر الفقهاء والقضاة والقواد وكتب كتابـاً أشهـد فيـه علـى الأميـن بالوفـاء للمأمون وآخر على المأمون بالوفاء للأمين وعلق الكتابين في الكعبة وجدد عليها العهود هنالك‏.‏ ولمـا شخـص إلـى طبرستـان سنـة تسـع وثمانيـن وأقـام بهـا أشهد من حضره أن جميع ما في عسكره مـن الأمـوال والخزائـن والسلـاح والكـراع للمأمـون وجدد له البيعة عليهم وأرسل إلى بغداد فجدد له البيعة على الأمين‏.‏ أخبار البرامكة ونكبتهم قـد تقـدم لنـا أن خالد بن برمك كان من كبار الشيعة وكان له قدم راسخ في الدولة وكان يلي الولايات العظام وولاه المنصور على الموصل وعلى أذربيجان وولى ابنه يحيى علـى أرمينيـة ووكله المهدي بكفالة الرشيد فأحسن تربيته ودفع عنه أخاه الهادي أراده علـى الخلـع وتوليـة العهـد ابنـه وحبسـه الهـادي لذلـك‏.‏ فلمـا ولي الرشيد استوزر يحيى وفوض إليه أمور ملكه وكان أولاً يصدر عن رأي الخيزران أم الرشيد ثم استبد بالدولة‏.‏ ولما ماتت وكان بيتهم مشهوراً بالرجـال مـن العمومـة والقرابة وكان بنوه جعفر والفضل ومحمد قد شابهوا آباءهم في عمل الدولة واستولوا على حظ من تقريب السلطان واستخلاصه‏.‏ وكان الفضل أخاه من الرضاع أرضعت أمه الرشيد وأرضعته الخيزران وكان يخاطب يحيى يا أبـت واستوزر الفضل وجعفراً وولى جعفراً على مصر وعلى خراسان وبعثه إلى الشام عندما وقعت الفتنة بين المضرية واليمانية فسكن الأمور ورجع وولى الفضل أيضاً على مصر وعلى خراسان وبعثه لاستنزال يحيى بن عبد الله العلوي من الديلم‏.‏ ودفع المأمون لما ولاه العهد إلى كفالة جعفر بن يحيى فحسنت آثارهم في ذلك كله ثم عظم سلطانهم واستيلاؤهم علـى الدولة وكثرت السعاية فيهم‏.‏ وعظم حقد الرشيد على جعفر منهم يقال بسبب أنه دفع إليه بحيـى بـن عبـد اللـه لمـا استنزلـه أخـوه الفضل من الديلم وجعل حبسه عنده فأطلقه استبداداً على السلطـان ودالـة وأنهـى الفضـل بن الربيع ذلك إلى الرشيد فسأله فصدقه الخبر فأظهر له التصويب وحقدها عليه وكثرت السعاية فيهم فتنكر له الرشيد‏.‏ ودخـل عليـه يومـاً يحيـى بـن خالـد بغيـر إذن فنكـر ذلك منه وخاطب به طبيبه جبريل بن بختيشوع منصرفـاً بـه مـن مواجهتـه وكـان حاضـراً فقال يحيى هو عادتي يا أمير المؤمنين وإذ قد نكرت مني فسأكـون فـي الطبقة التي تجعلني فيها فاستحيى هارون وقال ما أردت ما يكره‏.‏ وكان الغلمان يقومون بباب الرشيد ليحيى إذا دخل فتقدم لهم مسـرور الخـادم بالنهـي عـن ذلـك فصـاروا يعرضـون عنـه إذا أقبل وأقاموا على ذلك زماناً‏.‏ فلما حج الرشيد سنة سبع وثمانين ورجع من حجه ونزل الأنبار أرسل مسروراً الخادم في جماعة مـن الجنـد ليـلاً فأحضـر جعفـراً ببـاب الفسطاط وأعلم الرشيد فقال ائتني برأسه فطفق جعفر يتذلل ويسأله المراجعة في أمره حتى قذفـه الرشيـد بعصـاً كانـت فـي يـده وتهـدده فخرج وأتاه برأسه وحبس الفضل من ليلته وبعث من احتياط على منازل يحيى وولده وجميع موجودهم وحبسه في منزله‏.‏ وكتب من ليلته إلى سائر النواحي بقبض أموالهم ورقيقهم وبعث من الغد بشلو جعفر وأمر أن يقسم قطعتين وينصبان على الجسر وأعفى محمد بن خالد من النكبة ولم يضيق على يحيى ولابنيه الفضل ومحمد وموسى‏.‏ ثم تجردت عنه التهمة بعبد الملك بن صالح بن علي وكانوا أصدقاء له فسعى فيه ابنه عبد الرحمن بأنه يطلب الخلافة فحبسه عنه الفضل بن الربيع ثم أحضره من الغداة وقرعه ووبخه فأنكر وحلف واعترف لحقوق الرشيد وسلفه عليه فأحضر كاتبه شاهداً عليه فكذبه عبد الملك فأحضر ابنه عبد الرحمن فقال‏:‏ هو مأمون معذور أو عاق فاجر فنهض الرشيد من مجلسه وهو يقول سأصبر حتى أعلم ما يرضي الله فيك فإنه الحكـم بينـي وبينـك‏.‏ فقـال عبـد الملـك‏:‏ رضيـت باللـه حكمـاً وبأميـر المؤمنيـن حاكمـاً فإنـه لا يؤثـر هـواه على رضا ربه‏.‏ ثم أحضره الرشيد يوماً آخر فأرعد له وأبرق وجعل عبد الملك يعدد وسائله ومقاماته في طاعته ومناصحته فقال له الرشيد لولا إبقائي على بني هاشم لقتلتك ورده إلى محبسه وكلمه عبـد اللـه بـن مالـك فيـه وشهـد لـه بنصحـه فقـال‏:‏ أطلقـه إذا قـال أمـا فـي هذا القرب فلا ولكن سهل حبسه ففعل وأجرى عليه مؤنه حتى مات الرشيد وأطلقه الأمين‏.‏ وعظم حقده على البرامكة بسبـب ذلـك فضيـق عليهـم وبعـث إلـى يحيـى يلومـه فيمـا ستـر عنـه مـن أمـر عبـد الملـك‏.‏ فقال يا أمير المؤمنين كيف يطلعني عبد الملك على ذلك وأنا كنت صاحب الدولة وهل إذا فعلت ذلك يجازيني بأكثر من فعلك أعيذك بالله أن تظن هذا الظن ألا أنه كان رجلاً متجملاً يسرني أن يكـون فـي بيتـك مثلـه فوليتـه ولا خصصتـه‏.‏ فعـاد إليـه الرسـول يقـول‏:‏ إن لـم تقـر قتلت الفضل ابنك‏.‏ فقال‏:‏‏.‏ أنت مسلط علينا فافعل ما أردت‏.‏ وجذب الرسول الفضل وأخرجه فودع أباه وسأله في الرضا عنه فقال‏:‏ رضي الله عنك‏.‏ وفـرق بينهمـا ثلاثـة أيـام ولـم يجـد عندهمـا شيئـاً فجمعهمـا واحتفـظ إبراهيـم بـن عثمـان بـن نهيـك لقتل جعفر فكان يبكيه ويبكي قومه حزناً عليهم‏.‏ ثم انتهى به إلى طلب الثأر بهم فكان يشرب النبيـذ مـع جواريه ويأخذ سيفه وينادي واجعفراه واسيداه والله لأثأرن بك ولأقتلن قاتلك فجاء ابنـه وحفـص كـان مولـاه إلـى الرشيد فأطلعاه على أمره فأحضر إبراهيم وأظهر له الندم على قتله جعفـراً والأسـف عليـه فبكـى إبراهيـم وقـال‏:‏ واللـه يا سيدي لقد أخطأت في قتله فانتهره الرشيد وأقامه‏.‏ ثم دخل عليه ابنه بعد ليال قلائل فقتله يقال بأمر الرشيد‏.‏ وكان يحيى بن خالد محبوسـاً بالكوفـة ولـم يزل بها كذلك إلى أن مات سنة تسعين ومائة ومات بعده ابنه الفضل سنة ثلاث وتسعين‏.‏ وكانت البرامكة من محاسن العالم ودولتهم من أعظم الدول وهم كانوا نكتة محاسن الملة وعنوان دولتها‏.‏ كان الرشيد على ما نقله الطبري وغيره يغزو عاماً ويحج عاماً ويصلي كـل يـوم مائـة ركعـة ويتصدق بألف درهم وإذا حج حمل معه مائة من الفقهاء ينفق عليهم وإذا لم يحج أنفق على ثلاثمائـة حـاج نفقـة شائعـة‏.‏ وكـان يتحـذى بآثار المنصور إلا في بذل المال فلم ير خليفة قبله أبذل منه للمال‏.‏ وكان إذا لم يغز غزا بالصائفة كبار أهل بيته وقواده فغزا بالصائفة سنة سبعين سليمـان بـن عبـد اللـه البكائـي وقيـل غـزا بنفسه‏.‏ وغزا بالصائفة سنة اثنتين وسبعين إسحاق بن سليمـان بـن علـي فأثخـن فـي بلـاد الـروم وغنـم وسبـى‏.‏ وغـزا فـي سنـة أربـع وسبعيـن بالصائفـة عبد الملـك بـن صالـح وقيـل أبـوه عبـد الملك فبلغ في نكاية الروم ما شاء وأصابهم برد شديد سقطت منه أيـدي الجنـد‏.‏ ثـم غـزا بالصائفـة سنـة سبـع وسبعيـن عبـد الـرزاق بـن عبـد الحميـد التغلبـي‏.‏

  وفي سنة ثمان وسبعين

زفر بن عاصم‏.‏ وغزا سنة إحدى وثمانين بنفسه فافتتح حصن الصفصاف وأغزى عبد الملك بن صالح فبلغ أنقرة وافتتح مطمورة‏.‏ وكان الفداء بين المسلمين والروم وهو أول فداء في دولة بني العباس وتولـاه القاسـم بـن الرشيـد وأخـرج لـه من طرسوس الخادم الوالي عليها وهو أبو سليمان فرج فنزل المدامـس علـى اثنـي عشـر فرسخـاً وحضـر العلمـاء والأعيـان وخلـق مـن أهل الثغور وثلاثون ألفاً من الجند المرتزقة فحضروا هنالك وجاء الروم بالأسرى ففودي بهم من كان لهم من الأسرى وكان أسـرى المسلميـن ثلاثة آلاف وسبعمائة‏.‏ وغزا بالصائفة سنة اثنتين وثمانين عبد الرحمن بن عبد الملـك بن صالح دقشوسوس مدينة أصحاب الكهف وبلغهم أن الروم سلوا ملكهم قسطنطين بن إليون وملكوه أمه ربى وتلقب عطشة فأثخنوا في البلاد ورجعوا‏.‏

  وفي سنة ثلـاث وثمانيـن

حملـت ابنـة خاقـان ملـك الخـزر إلى الفضل بن يحيى فماتت ببردعة ورجع من كان معها فأخبروا أباها أنها قتلت غيلة فتجهز إلى بلاد الإسلام وخرج من باب الأبواب وسبـى أكثـر مـن مائـة ألـف فـارس وفعلـوا مـا لـم يسمـع بمثلـه فولى الرشيد يزيد بن مزيد أمر أرمينية مضافة إلى أذربيجان وأمره بالنهوض إليهم وأنزل خزيمة بن خازم بنصيبين رداً لهم‏.‏ وقيل إن سبـب خروجهـم أن سعيد بن مسلم قتل الهجيم السلمي فدخل ابنه إلى الخزر مستجيشاً بهم على سعيد ودخلوا أرمينية وهرب سعيد والخزر ورجعوا‏.‏

  وفي سنة سبع وثمانين

غزا بالصائفة القاسم بن الرشيد وجعله قرباناً لله وولاه العواصم‏.‏ فأناخ على قرة وضيق عليها وبعث عليها ابن جعفر بن الأشعث فحاصر حصن سنان حتى جهد أهله وفاس الروم بثلاثمائة وعشرين أسيراً من المسلمين على أن يرحل عنهم فأجابهم وتم بينهم الصلح ورحل عنهم‏.‏ وكان ملك الروم يومئذ ابن زيني وقد تقدم ذكره فخلعه الروم وملكوا نيقفور وكان على ديوان خراجهم ومات زيني بعد خمسة أشهر‏.‏ ولما ملك نيقفور كتب إلى الرشيـد بمـا استفـزه فسـار إلـى بلـاد الـروم غازيًـا‏.‏ ونـزل هرقـل وأثخـن فـي بلادهـم حتى سأل نيقفور الصلح ثم نقض العهد وكان البرد شديد الكلب وظن نيقفورأن ذلك يمنعه مـن الرجـوع فلـم يمنعه ورجع حتى أثخن في بلاده ثم خرج من أرضهم‏.‏ وغزا بالصائفة سنة ثمان وثمانين إبراهيم بن جبريل ودخل مـن درب الصفصـاف فخـرج إليـه نيقفـور ملـك الـروم وانهـزم وقتـل مـن عسكـره نحـواً مـن أربعيـن ألفـاً‏.‏ وفـي هـذه السنـة رابط القاسم بن الرشيـد أبـق‏.‏

  وفي سنة تسـع وثمانيـن

كتـب الرشيـد وهـو بالـري كتـب الأمـان لشرويـن أبـي قـارن ونـدا هرمز جـد مازيـار مرزبـان خستـان صاحـب الديلـم وبعـث بالكتـب مـع حسيـن الخـادم إلـى طبرستان فقدم خستان ووندا هرمز فأكرمهمـا الرشيـد وأحسـن إليهمـا‏.‏ وضمـن ونـدا هرمـز وشروين صاحبي طبرستان وذكرا كيف توجه الهادي لهما وحاصرهما‏.‏

  وفي سنة سـت وثمانيـن

كـان فـداء بيـن المسلميـن حتـى لـم يبـق بـأرض الـروم مسلـم إلا فـودي وفي سنة تسعيـن سـار الرشيـد إلـى بلـاد الروم بسبب ما قدمناه من غدر نيقفور في مائة وخمسة وثلاثين ألفـاً مـن المرتزقـة سـوى الأتبـاع والمتطوعـة ومن ليس له ذكر في الديوان‏.‏ واستخلف المأمون بالرقة وفـوض إليه الأمور وكتب إلى الآفاق بذلك‏.‏ فنزل على هرقل فحاصرها ثلاثين يوماً وافتتحها وسبـى أهلهـا وغنـم مـا فيهـا وبعـث داود بـن عيسـى بـن موسى في سبعين ألفاً غازياً في أرضهم ففتح الله عليه وخرب ونهب ما شاء‏.‏ وفتح شراحيل بن معن بـن زائـدة حصـن الصقالبـة وديسة‏.‏ وافتتح يزيد بن مخلد حصن الصفصاف وقونية‏.‏ وأناخ عبد الله بن مالك على حصن ذي الكلاع‏.‏ واستعمل الرشيد حميد بن معيوب على الأساطيل ممن بسواحل الشام ومصر إلى قبرس فهزم وخـرق وسبـى مـن أهلهـا نحواً من سبعة عشر ألفاً وجاء بهم إلى الواقعة فبايعوا بها‏.‏ وبلغ فداء أسقف قبرس ألفي دينار‏.‏ ثم سار الرشيد إلى حلوانة فنزل بها وحاصرها‏.‏ ثم رحل عنها وخلف عليها عقبة بن جعفر‏.‏ وبعث يقفور بالخراج والجزية عن رأسه أربعة دنانير وعن ابنه ديناريـن وعـن بطارقتـه كذلـك‏.‏ وبعـث يقفـور فـي جاريـة مـن بنـي هرقلـة وكـان خطبهـا ابنـه فبعـث بهـا إليـه‏.‏ ونقض في هذه السنة قبرس فغزاهم معيوب بن يحيى فأثخن فيهم وسباهم‏.‏ ولما رجع الرشيد من غزاته خرجت الروم إلى عين زربة والكنيسة السوداء وأغاروا ورجعوا فاستنقذ أهل المصيصة ما حملوه من الغنائم‏.‏ وفيها غزا يزيد بن مخلد الهبيري أرض الروم في عشـرة آلـاف فأخـذت الـروم عليـه المضايـق فانهـزم وقتـل فـي خمسيـن مـن أصحابـه علـى مرحلتيـن مـن طرسـوس‏.‏ واستعمـل الرشيـد علـى الصائفـة هرثمة بن أعين قبل أن يوليه خراسان وضم إليه ثلاثين ألفاً من أهل خراسان وأخرجه إلى الصائفة وسار بالعساكر الإسلامية في أثره ورتب بدرب الحارث عبد الله بن مالك وبمرعش سعيـد بن مسلم بن قتيبة‏.‏ وأغارت الروم عليه فأصابوا من المسلمين وانصرفوا ولم يتحرك من مكانه‏.‏ وبعث الرشيد محمد بن زيد بن مزيد إلى طرسوس وأقام هو بدرب الحارث وأمر قـواده بهـدم الكنائـس فـي جميـع الثغـور‏.‏ وأخـذ أهـل الذمـة بمخالفـة زي المسلميـن فـي ملبوسهـم‏.‏ وأمر هرثمـة ببنـاء هرطـوس وتولـى ذلـك فخـرج الخـادم بأمـر الرشيـد وبعث إليها جنداً من خراسان ثلاثة أيـام وأشخـص إليهـم ألفـاً مـن أهـل المصيصـة وألفـاً مـن أنطاكيـة فتـم بناؤهـا سنـة اثنتيـن وتسعيـن‏.‏ وفي هـذه السنـة تحركـت الخرميـة بناحيـة أذربيجـان فبعـث إليهـم عبـد اللـه بـن مالـك فـي عشـرة آلـاف فقتل وسبى وأسر ووافاه بقرماسين فأمره بقتل الأسرى وبيع السبي‏.‏ وفيها استعمل الرشيد على الثغور ثابت بن مالك الخزاعي فافتتح مطمورة وكان الفداء على يديه بالبرذون ثم كان الفداء الثاني وكان عدة أسرى المسلمين فيه ألفين وخمسمائة‏.‏

  الولاية على النواحي

كـان علـى إفريقية مزيد بن حاتم كما قدمناه ومات سنة إحدى وسبعين بعد أن استخلف ابنه داود فبعـث الرشيـد علـى إفريقيـة أخاه روح بن حاتم فاستقدمه من فلسطين وبعثه إلى إفريقية‏.‏ وعزل أبا هريرة محمد بـن فـروج عـن الجزيـرة وقتلـه وولـى مكانـه

  وفي سنة سـت وسبعيـن

ولـى الرشيـد على الموصل الحكم بن سليمان وقد كان خرج الفضل الخارجي بنواحي نصيبين وغنم وسار إلى داريا وآمد وأرزق وخلاط فقفل لذلك ورجع إلى نصيبين فأتى الموصل وخرج إليه الفضل في عساكرها فهزمهم على الزاب‏.‏ ثم عادوا لقتاله فقتل الفضل وأصحابه‏.‏

  وفي سنة ست وسبعيـن

مـات روح بـن حاتـم بإفريقيـة واستخلـف حبيـب بـن نصـر المهلبـي فسـار الفضـل إلى الرشيد فولـاه علـى إفريقيـة وعـاد إليهـا فاضطـرب عليه الخراسانية من جند إفريقية ولم يرضوه فولى مكانه هرثمـة بـن أعيـن وبعـث في العسكر فسكن الاضطراب ورأى ما بإفريقية من الاختلاف فاستعفى الرشيد من ولايتها فأعفاه وقدم إلى العراق بعد سنتين ونصف من مغيبه‏.‏ وفي هذه ولى الفضل بن يحيى على مصر مكان أخيه جعفر مضافاً إلى ما بيده من الري وسجستـان وغيرهمـا ثـم عزله عن مصر وولى عليها إسحاق بن سليمان فثارت به الجوقية من مصر وهم جموع من قيس وقضاعة فأمده بهرثمة بن أعين فأذعنوا وولاه عليهم شهراً ثم عزله وولى عبد الملك بـن صالـح مكانـه وفيهـا فـوض أمـر دولتـه إلـى يحيـى بـن خالـد‏.‏

  وفي سنة ثمانيـن

بعـث جعفر بن يحيى إلى الشام في القواد والعساكر ومعه السلاح والأموال والعصبية التي كانت بها فسكن الفتنة ورجع فولاه خراسان وسجستان فاستعمل عليها عيسى بن جعفر وولى جعفر بن يحيى المريس‏.‏ وقدم هرثمة بن أعين من إفريقية فاستخلفه جعفر على الحرد وعـزل الفضـل بـن يحيـى عـن طبرستان والرويان وولاها عبد الله بن خازم وولى على الجزيرة سعيد بن مسلم وولى على الموصل يحيى بن سعيد الحرشي فأساء السيرة وطالبهم بخراج سنين ماضية فانجلا أكثر أهل البلـد وعزلـه الرشيـد وولـى عليهـا يحيـى بـن خالـد‏.‏

  وفي سنة إحـدى وثمانيـن

ولـى علـى إفريقيـة محمـد بن مقاتل بن حكيم العكي وكان أبوه من قـواد الشيعـة ومحمـد رضيـع الرشيـد وتلـاده فلمـا استعفى هرثمة ولاه مكانه واضطربت عليه إفريقية وكان إبراهيم بن الأغلب بها والياً على الـزاب وكـان جنـد إفريقيـة يرجعـون إليـه فأعانـه وحمـل النـاس علـى طاعتـه بعـد أن أخرجـوه فكرهـوا ولايـة محمـد بن مقاتل وحملوا إبراهيم بن الأغلب على أن كتب إلى الرشيد يطلب ولاية إفريقية على أن يترك المائة ألف دينار التي كانت تحمل من مصل معونة إلى والي إفريقية ويحمل هـو كـل سنـة أربعيـن‏.‏ ألف دينار‏.‏ فاستشار الرشيد بطانته فأشار هرثمة بإبراهيم بن الأغلب وولاه الرشيد في محرم سنة أربعة وثمانين فضبط الأمور وقبض على المؤمنين وبعث بهم إلى الرشيد فسكنت البلاد‏.‏ وابتنى مدينة بقرب القيروان سماها العباسية وانتقل إليها بأهله وخاصته وحشمه وصار ملك إفريقيـة فـي عقبـه كمـا يذكـر فـي أخبارهـا إلـى أن غلبهـم عليهـا الشيعـة العبيديـون وكان يزيد بن مزيد علـى أذربيجـان فولـاه الرشيـد سنة ثمان وثمانين على أرمينية مضافة إليها وولى خزيمة بن خازم علـى نصيبـن‏.‏ وولـى الرشيـد سنـة أربـع وثمانيـن علـى اليمن ومكة حماداً البربري وعلى السند داود بـن يزيـد بـن حاتـم وعلـى الجبـل يحيـى الحرشي وعلى طبرستان مهرويه الزاي وقتله أهل طبرستان سنة خمس وثمانين فولى مكانه عبد الله بن سعيد الحرشي‏.‏ وفيها توفي يزيد بن زائدة الشيطاني ببردعة وكان على أذربيجان وأرمينية فولى مكانه ابنه أسد بن يزيد بن حاتـم‏.‏

  وفي سنة تسـع وثمانيـن

سـار الرشيـد إلـى الـري وولـى علـى طبرستـان والـري ودنباونـد وقـوس وهمـذان عبـد الملـك بـن مالـك‏.‏

  وفي سنة تسعيـن

ولـى علـى الموصـل خالـد بن يزيد بن حاتم وقد تقدم لنا ولاية هرثمة على سليمان ونكبة علي بن عيسى‏.‏

  وفي سنة إحدى وتسعيـن

ظفـر حمـاد البربـري بهيصيـم اليمانـي وجـاء بـه إلـى الرشيـد فقتلـه وولـى فـي هـذه السنة على الموصل محمد بن الفضل بن سليمان وكان على مكة الفضل بن العباس أخي المنصور والسفاح‏.‏ خلع رافع بن الليث بما وراء النهر كان رافع بن نصر بن سيار من عظماء الجند فيما وراء النهر وكان يحيى بن الأشعث قد تـزوج ببعض النساء المشهورات الجمال وتسرى عليها وأكثر ضرارها وتشوقت إلى التخلص منه فـدس إليهـا رافـع بـن الليـث بـأن تحاول من يشهد عليها بالكفر لتخلص منه وتحل للأزواج ثم ترجع وتتوب فكان وتزوجها‏.‏ وشكا يحيى بن الأشعث إلى الرشيد وأطلعه على جل الأمر فكتب إلـى علـي بـن عيسى أن يفرق بينهما ويقيم الحد على رافع ويطوف به في سمرقند مقيداً على حمار ليكون عظة لغيره ففعل ذلك ولم يجده رافع وحبس بسمرقند فهرب من الحبس ولحق بعلـي بـن عيسـى فـي بلـخ فهـم بضـرب عنقـه فشفـع فيـه ابنه عيسى فأمره بالانصراف إلى سمرقند فرجـع إليهـا ووثـب بعاملهـا فقتلـه وملكهـا وذلـك سنـة تسعين‏.‏ فبعث علي لحربه ابنه عيسى فلقيه رافـع وهزمـه وقتلـه فخـرج علـي بـن عيسـى لقتلـه وسار من بلخ إلى مرو مخافة عليها من رافع بن الليث‏.‏ثم كانت نكبة علي بن عيسى وولاية هرثمة بن أعين على خراسان وكان مع رافع بن الليث جماعـة مـن القـواد ففارقـوه إلى هرثمة‏.‏ منهم عجيف بن عنبسة وغيره‏.‏ وحاصر هرثمة رافع بن الليـث في سمرقند وضايقه واستقدم طاهر بن الحسين من خراسان فحضر عنده وعاث حمزة الخارجي في نواحي خراسان لخلائها من الجند وحمل إليه عمال هراة وسجستان الأموال‏.‏ ثم خـرج عبـد الرحمـن إلـى نيسابـور سنـة أربـع وتسعين وجمع نحواً من عشرين ألفاً وسار حمزة فهزمه وقتل من أصحابه خلقاً وأتبعه إلى هراة حتى كتب المأمون إليه ورده عن ذلك‏.‏ وكانت سنة ثلاث وتسعين بين هرثمة وبين أصحاب رافع وقعة كان الظفر فيها لهرثمة وأسر بشراً أخا رافع وبعث به إلى الرشيد وافتتح بخارى‏.‏ وكان الرشيد قد سار من الرقة بعد مرجعه من الصائفة التي بنى فيها طرسوس على اعتزام خراسان لشأن رافع وكان قد أصابه المرض‏.‏ فاستخلف على الرقة ابنه القاسم وضم إليه خزيمة بن خازم وجاء إلى بغداد‏.‏ ثم سـار منهـا إلـى خراسـان فـي شعبـان سنـة اثنتيـن وتسعيـن واستخلـف عليهـا ابنـه الأميـن وأمـر المأمـون بالمقام معه فأشار عليه الفضل بن سهل بأن يطلب المسير مع الرشيد وحذره البقاء مع الأمين فأسعفه الرشيد بذلك وسار معه‏.‏

  وفاة الرشيد وبيعة الأمين

ولمـا سـار الرشيـد عـن بغـداد إلـى خراسـان بلـغ جرجـان فـي صفـر سنـة ثلـاث وتسعيـن وقـد اشتدت عليـه فبعـث ابنـه المأمـون إلـى مـرو ومعـه جماعـة مـن القـواد‏:‏ عبـد اللـه بـن مالك يحيى بن معاذ وأسد بـن خزيمـة والعبـاس بـن جعفـر بـن محمـد بـن الأشعـث والسـدي والحريشـي ونعيم بن خازم‏.‏ ثم سار الرشيـد إلـى موسـى واشتـد به الوجع وضعف عن الحركة وثقل فأرجف الناس بموته وبلغه ذلك فأراد الركوب ليراه الناس فلم يطق النهوض فقال ردوني‏.‏ ووصل إليه وهو بطوس بشير أخو رافـع أسيـراً بعـث بـه هرثمـه بـن أعين فأحضره وقال‏:‏ لو لم يبق من أجلي إلا حركة شفتي بكلمة لقلت اقتلوه‏.‏ ثم أمر قصاباً ففصل أعضاءه ثم أغمي عليه وافترق الناس‏.‏ ولما يئس من نفسه أمر بقبره فحفر في الدار التي كان فيها وأنزل فيه قوماً قرؤوا فيه القرآن حتـى ختمـوه وهـو فـي محفـة علـى شفيـره ينظـر إليـه وينـادي واسوأتـاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مات وصلى عليه ابنه صالح وحضر وفاته الفضل بن الربيع وإسماعيل بن صبيح ومسرور وحسين ورشيد وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة أو تزيد وترك في بيت المـال تسعمائة ألف ألف دينار‏.‏ ولما مات الرشيد بويع الأمين في العسكر صبيحة يومه والمأمون يومئذ بمرو وكتب حمويه مولى المهـدي صاحب البريد إلى نائبه ببغداد وهو سلام أبو مسلم يعلمه بوفاة الرشيد وهنأه بالخلافة فكان أول من فعل ذلك‏.‏ وكتب صالح إلى أخيه الأمين مع رجاء الخادم بوفاة الرشيد وبعث معه بالخاتم والبردة والقضيب فانتقل الأمين من قصره بالخلد إلى قصر الخلافة‏.‏ وصلى بالناس الجمعة وخطب ثم نعى الرشيد وعزى نفسه والناس وبايعته جملـة أهلـه ووكـل سليمـان بـن المنصور وهم عم أبيه وأمه بأخذ البيعة على القواد وغيرهم ووكل السندي بأخذ البيعة على النـاس سواهم وفرق في الجند ببغداد رزق سنين‏.‏ وقدمت أمه زبيدة من الرقة فلقيها الأمين بالأنبار في جمع من بغداد من الوجوه وكان معها خزائن الرشيد وكان قد كتب إلى معسكر الرشيد وهو حي مع بكر بن المعتمر لما اشتدت علة الرشيد وإلى المأمون بأخذ البيعة لهما وللمؤتمن أخيهما وإلى أخيه صالح بالقدوم بالعسكر والخزائن والأموال برأي الفضل‏.‏ وإلى الفضل بالاحتفـاظ علـى مـا معـه مـن الحرم والأموال وأقر كل واحد على عمله كصاحب الشرطة والحرس والحجابة‏.‏ وكـان الرشيـد قـد سمـع بوصـول بكـر بالكتـاب فدعاه ليستخرجها منه فجحدها فضربه وحبسه‏.‏ ثم مات الرشيد وأحضره الفضل فدفعها إليه ولما قرؤوا الكتاب تشاوروا في اللحاق بالأمين وارتحـل الفضـل بالنـاس لهواهـم في وطنهم وتركوا عهود المأمون‏.‏ فجمع المأمون من كان عنده من قواد أبيه وهم عبد الله بن مالك ويحيى بن معاذ وشبيب بن حميد بن قحطبة والعلاء مولى الرشيد - وكان على حجابته -‏.‏ والعباس بن المسيب بن زهيـر - وكـان علـى شرطتـه - وأيـوب بـن أبـي سميـر - وهـو علـى كتابتـه - وعبـد الرحمـن بـن عبد الملك بن صالح وذو الرياستين الفضل بن سهـل - وهو أخصهم به وأحظاهم عنده - فأشار بعضهم أن يركب في أثرهم ويردهم ومنعه الفضل من ذلك وقال‏:‏ أخشى عليك منهم ولكن تكتب وترسل رسولك إليهم تذكرهم البيعة والوفاء وتحذرهم الحنث فبعث سهل بن صاعد ونوفلاً الخادم بكتابه إليهم بنيسابور فقـرأ الفضل كتابه وقال‏:‏ أنا واحد من الجند‏.‏ وشد عبد الرحمن برجليه على سهل ليطعنه بالرمح وقال‏:‏ لو كان صاحبك حاضراً لوضعته فيه وسب المأمون وانصرفوا ورجع سهل ونوفل بالخبر إلى المأمون فقال له الفضل بن سهل‏:‏ هـؤلاء أعـداء استرحـت منهم وأنت بخراسان وقد خرج بها المقنع وبعده يوسف البر فتضعضعـت لهما الدولة ببغداد وأنت رأيت عند خروج رافع بن الليث كيف كان الحال وأنت اليـوم نـازل فـي أخوالـك وبيعتـك فـي أعناقهـم فاصبـر وأنـا أضمـن لـك الخلافـة فقـال المأمـون‏:‏ قـد فعلـت وجعلـت الأمـر إليـك فقال‏:‏ إن عبد الله بن مالك والقواد أنفع لك مني لشهرتهم وقوتهم وأنا خادم لمن يقوم بأمرك منهم حتى ترى رأيك‏.‏ وجاءهم الفضل في منازلهم وعرض عليهم البيعة للمأمون فمنهم من امتنع ومنهم من طرده فرجع إلى المأمون وأخبره فقال‏:‏ قم أنت بالأمر‏.‏ وأشار عليه الفضل أن يبعث على الفقهاء ويدعوهـم إلى الحق والعمل به وإحياء السنة ورد المظالم ويعقد على الصفوف ففعل جميع ذلك وأكـرم القـواد وكـان يقول للتميمي نقيمك مقام موسى بن كعب وللربعي مكان أبي داود وخالد بن ووضـع عـن خراسـان ربـع الخـراج فاغتبط به أهلها وقالوا‏:‏ ابن أختنا وابن عم نبينا وأقام المأمون يتولـى مـا كـان بيـده مـن خراسـان والـري وأهـدى إلـى الأمين وكتب إليه وعظمه‏.‏ ثم إن الأمين عزل لأول ولايته أخاه القاسم المؤتمن عن الجزيرة واستعمل عليها خزيمة بن خازم وأقر المؤتمن على قنسريـن والعواصـم‏.‏ وكـان على مكة داود بن عيسى بن موسى بن محمد وعلى حمص إسحاق بـن سليمـان فخالـف عليـه أهـل حمـص وانتقـل عنهم إلى سلمية فعزله الأمين وولى مكانه عبد الله بن سعيد الحرشي فقتل عدة منهم وحبس عدة وأضـرم النـار فـي نواحيهـا وسألـوا الأمـان فأجابهم‏.‏ ثم انتقضوا فقتل عدة منهم ثم ولى عليهم إبراهيم بن العباس‏.‏ أخبار رافع وملوك الروم فـي سنة ثلاث وتسعين دخل هرثمة بن أعين سمرقند وملكها وقام بها ومعه طاهر بن الحسين فاستجاش رافع بالترك فأتوه وقوي بهم ثم انصرفوا وضعف أمره وبلغه الحسن سيرة المأمون فطلب الأمان وحضر عند المأمون فأكرمه‏.‏ ثم هدم هرثمة على المأمون فولاه الحرس وأنكر الأميـن ذلـك كلـه‏.‏ وفـي هـذه السنـة قتـل نيقفـور ملـك الـروم في حزب برجان لسبع سنين من ملكه وملك بعده ابنه استبراق وكان جريحاً فمات لشهرين وملك بعده صهره على أخته ميخاييل بن جرجيـس ووثب عليه الروم سنة أربع وتسعين بعد اثنتين من ملكه فهرب وترهب وولوا بعده إليون القائد‏.‏

  الفتنة بين الأمين والمأمون

ولمـا قدم الفضل بن الربيع على الأمين ونكث عهد المأمون خشي غائلته فأجمع قطع علائقه من الأمـور وأعـرى الأميـن بخلعـه والبيعـة للعهـد لابنـه موسـى ووافقـه فـي ذلـك علـي بن عيسى بن ماهان والسندي وغيرهما ممن يخشى المأمون‏.‏ وخالفهم خزيمة بن خازم وأخوه عبـد اللـه وناشـدوا الأمين في الكف عن ذلك وأن لا يحمل الناس على نكث العهود فيطرقهم لنكث عهده‏.‏ ولج الأميـن فـي ذلـك وبلغـه أن المأمـون عـزل العبـاس بن عبد الله بن مالك عن الري وأنه ولى هرثمة بن أعين على الحرس وأن رافع بن الليث استأمن له فأمنه وسار في جملته فكتب إلى العمال بالدعـاء لموسـى ابنـه بعـد الدعـاء للمأمـون والمؤتمـن فبلـغ ذلك المأمون فأسقط اسم الأمين من الطرد وقطع البريد عنه‏.‏ وأرسل الأمين إليه العباس بن موسى بن عيسى وخاله عيسى بن جعفر بن المنصور وصالحاً صاحب الموصل ومحمد بن عيسى بن نهيك يطلب منه تقديم ابنه موسى عليه في العهد ويستقدمه‏.‏ فلما قدموا على المأمون استشار كبراء خراسان فقالوا‏:‏ إنما بيعتنا لك على أن لا تخرج من خراسان فأحضر الوفد وأعلمهم بامتناعه مما جاؤوا فيه‏.‏ واستعمل الفضل بن سهل العباس بن موسى ليكون عيناً لهم عند الأمين ففعل وكانت كتبه تأتيهم بالأخبار‏.‏ ولما رجع الوفد عاودوه بطلب بعض كور خراسان وأن يكون له بخراسان صاحب بريد يكاتبه فامتنع المأمون من ذلك وأوعد إلى قعوده بالري ونواحيها يضبط الطرق وينقذها من غوائل الكتـب والعيون وهو مع ذلك يتخوف عاقبة الخلاف‏.‏ وكان خاقان ملك التبت قد التوى عليه وجيفونة فارق الطاعة وملوك الترك منعـوا الضريبـة فخشي المأمون ذلك وحفظ عليه الأمر بأن يولي خاقان وجيفونة بلادهما ويوادع ملك كابل ويتـرك الضريبـة لملـوك التـرك الآخريـن‏.‏ وقـال له بعد ذلك‏:‏ ثم اضرب الخيل بالخيل والرجال بالرجال فـإن ظفـرت وإلا لحقـت بخاقـان مستجيـراً فقبـل إشارتـه وفعلهـا وكتب إلى الأمين يخادعه بأنه عامله علـى هـذا الثغـر الذي أمره الرشيد بلزومه وأن مقامه به أشد عناءً ويطلب إعفاءه من الشخوص إليـه فعلـم الأميـن أنـه لا يتابعه على مراده فخلعه وبايع لولده في أوائل سنة خمس وتسعين وسماه الناطق بالحق وقطع ذكر المأمون والمؤتمن من المنابر وجعل ولده موسى في حجر علـي بـن عيسى وعلى شرطته محمد بن عيسى بن نهيك وعلى حرسه أخوه عيسى وعلى رسائله وكـان يدعـى لـه علـى المنابـر ولابنـه الآخـر عبـد الله ولقبه القائم بالحق وأرسل إلى الكعبة من جاء بكتابي العهد للأمين والمأمون اللذين وضعهما الرشيد هنالك وسارت الكتب من ذلـك إلـى المأمون ببغداد من عيونه بها فقال المأمون‏:‏ هذه أمور أخبر الرائي عنها وكفاني أنا أن أكون مع الحـق وبعـث الفضل بن سهل إلى جند الري بالأقوات والإحسان وجمع إليهم من كان بأطرافهم‏.‏ ثـم بعـث علـى الـري طاهـر بـن الحسيـن بـن مصعـب بـن زريـق أسعـد الخزاعـي أبـا العبـاس أميراً وضم إليـه القـواد والأجنـاد فنزلهـا ووضع المسالح والمراصد وبعث الأمين عصمة بن حماد بن سالم إلى همذان في ألف رجل وأمره أن يقيم بهمذان ويبعث مقدمته إلى ساوة‏.‏

  خروج ابن ماهان لحرب طاهر ومقتله

ثـم جهـز الأميـن علـي بـن عيسـى بـن ماهـان إلى خراسان لحرب المأمون يقال في دس بذلك الفضل بـن سهـل العيـن لـه عنـد الفضـل بـن الربيـع فأشـار بـه عليهـم لمـا فـي نفـوس أهـل خراسـان من النفرة عن ابن ماهان فجـدوا فـي حربـه‏.‏ ويقـال حـرض أهـل خراسـان علـى الكتـب إلـى ابـن ماهـان ومخادعتـه إن جاء‏.‏ فأمره الأمين بالمسير وأقطعه نهاوند وهمذان وقم وأصبهـان وسائـر كـور الجبـل حربـاً وخراجاً وحكمه في الخزائن وأعطاه الأموال وجهز معه خمسين ألف فارس‏.‏ وكتب إلى أبي دلـف القاسم بن عيسى بن إدريس العجلي وهلال بن عبد الله الحضرمي في الانضمام وركب إلـى بـاب زبيـدة ليودعهـا فأوصتـه بالمأمـون بغايـة مـا يكون أن يوصى به وأنه بمنزلة ابنها في الشفقة والموصلة وناولته قيداً من فضة وقالت له‏:‏ إن سار إليك فقيده به مع المبالغة في البر والأدب معه‏.‏ ثـم سـار علـي بـن عيسى من بغداد في شعبان وركب الأمين يشيعه في القواد والجنود ولم ير عسكر مثل عسكره‏.‏ ولقي السفر بالسابلة فأخبـروه أن طاهـراً بالـري يعـرض أصحابـه وهـو مستعـد للقتـال‏.‏ وكتـب إلـى ملـوك الديلـم وطبرستـان يعدهم ويمنيهم وأهدى لهم التيجان والأسورة على أن يقطعوا الطرق عن خراسان فأجابوا ونزل أول بلاد الري فأشار عليه أصحابه بإذكاء العيون والطلائع والتحصن بالخندق فقال‏:‏ مثل طاهر لا يستعد له وهو إما أن يتحصن بالري فيثب إليه أهلها وأما أن يفر إذا قربت منه خيلنا‏.‏ ولما كان مـن الـري علـى عشـرة فراسـخ استشار أصحاب طاهر في لقائه فمالوا إلى التحصن بالري فقال‏:‏ أخاف أن يثب بنا أهلها‏.‏ وخرج فعسكر على خمسة فراسخ منها في أقل من أربعة آلاف فارس‏.‏ وأشـار عليـه أحمـد بـن هشـام كبيـر جنـد خراسان أن ينادي بخلع الأمين وبيعة المأمون لئلا يخادعه علي بن عيسى بطاعة الأمين وأنه عامله ففعل وقال علي لأصحابه‏:‏ بادروهم فإنهم قليل ولا يصبرون على حد السيوف وطعن الرماح وأحكم تعبية جنده وقدم بين يديه عشر رايات مع كل راية ألف رجل وبين كل رايتين غلوة سهم ليقاتلوا نوباً‏.‏ وعبى طاهر أصحابه كراديس وحرضهم وأوصاهم وهرب من أصحاب طاهر جماعة فجلدهم علي وأهانهم فأقصر الباقون وجدوا في قتاله‏.‏وأشـار أحمـد بـن هشـام علـى طاهـر بأن يرفع كتاب البيعة على رمح ويذكر علي بن عيسى بها نكثه‏.‏ ثم اشتد القتال وحملت ميمنة علي فانهزمت ميسرة طاهر وكذلك ميسرته على ميمنة طاهر فأزالوها واعتمد طاهر القلب فهزموهم ورجعت المجنبتان منهزمةً وانتهت الهزيمة إلى علـي وهـو ينـادي بأصحابـه‏.‏ فرمـاه رجـل مـن أصحـاب طاهـر بسهم فقتله وجاء برأسه إلى طاهر وحمـل شلـوه علـى خشبـة والقـي فـي بئـر بأمر طاهر‏.‏ وأعتق طاهر جميع غلمانه شكراً لله وتمت الهزيمة‏.‏ واتبعهم أصحاب طاهر فرسخين وأقفوهم فيها اثنتي عشرة مرة يقتلونهم في كلها ويأسرونهم حتى جن الليل بينهم‏.‏ ورجع طاهر إلى الـري وكتـب إلـى الفضـل‏:‏ كتابـي إلـى أميـر المؤمنيـن ورأس علـي بيـن يـدي وخاتمـه فـي إصبعي وجنده متصرفون تحت أمري والسلام‏.‏ وورد الكتاب على البريد في ثلاثة أيام فدخل الفضل على المأمون وهنأه بالفتح ودخل الناس فسلموا عليه بالخلافة ووصل رأس علي بعدها بيومين وطيـف بـه فـي خراسـان ووصـل الخبـر إلـى الأميـن بمقتـل علـي وهزيمـة العسكـر فأحضـر الفضـل بـن الربيـع وكيـل المأمـون ببغـداد وهـو نوفـل الخـادم فقبض ما بيده من ضياعه وغلاته وخمسين ألف ألف درهم كان الرشيد وصاه بها وندم الأمين على فعله وسعت الجند والقواد في طلب الأرزاق فهم عبد الله بن حاتم بقتالهم فمنعه الأمين وفرق فيهم أموالاً‏.‏ مسير ابن جبلة إلى طاهر ومقتله ولما قتل علي بن عيسى بعث الأمين عبد الرحمن بن الأنباري في عشرين ألف فارس إلى همذان وولاه عليها وعلى كل ما يفتحه من بلاد خراسـان وأمـده بالمـال فسـار إلـى همـذان وحصنها وجاءه طاهر فبرز إليه ولقيه فهزمه طاهر إلى البلد‏.‏ ثم خرج عبد الرحمن ثانية فانهزم إلى المدينة وحاصره طاهر حتى ضجر منه أهل المدينة وطلب الأمان من طاهر وخرج من همذان‏.‏ وكان طاهر عند نزوله عليها قد خشي من صاحب قزوين أن يأتيه من ورائه فجهز العسكر على همذان‏.‏ وسار إلى قزوين في ألف فارس ففر عاملها وملكها‏.‏ ثم ملك همـذان وسائـر أعمـال الجبـل وأقـام عبـد الرحمـن بـن جبلـة فـي أمانـه‏.‏ ثـم أصـاب منه بعض الأيام غرة فركب وهجم عليه في عسكر فقاتله طاهر أشد القتال حتى انهزم أصحابه وقتل ولحق فلهم بعبـد اللـه وأحمـد ابنـي الحريشـي فـي عسكـر عظيـم بعثهمـا الأميـن مـدداً لعبـد الرحمن فانهزموا جميعاً إلى بغداد‏.‏ وأقبل طاهر نحو البلاد وحده وأخذه إلى حلوان فخندق بها وجمع أصحابه‏.‏ بيعة المأمون وأمر المأمون عندها بأن يخطب له على المنابر ويخاطب بأمير المؤمنين وعقد للفضل بن سهل على المشرق كله من جبل همذان إلى البيت طولاً ومرت بحر فارس إلى بحر الديلم وجرجان عرضـاً وحمـل لـه عمالـه ثلاثـة آلـاف ألـف درهـم‏.‏ وعقـد لـه لـواء ذا شعبتيـن ولقبـه ذا الرياستين يحني الحرب والعلم وحمل اللواء علي بن هشام وحمل العلم نعيم بن خازم وولى أخاه الحسن بن سهل ديوان الخراج‏.‏ ظهور السفياني هـو علـي بـن عبـد اللـه بـن خالـد بـن يزيـد بـن معاويـة ويلقـب أبا العميطر لأنه زعم أنها كنية الحردون فلقبوه بها وكانت أمه نفيسة بنت عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب وكان يقول‏:‏ أنا ابن شيخي صفين يعني علياً ومعاوية‏.‏ وكان من بقايا بني أمية بالشام‏.‏ وكان من أهل العلم والروايـة فادعـى لنفسـه بالخلافـة آخـر سنة خمس وتسعين‏.‏ وأعانه الخطاب بن وجه العلس مولى بنـي أمية كان متغلباً على صيدا فملك دمشق من يد سليمان بن المنصور وكان أكثر أصحابه من كلب‏.‏ وكتب إلى محمد بن صالح بن بيهس يدعوه ويتهدده فأعرض عنه‏.‏ وقصـد السفيانـي القيسيـة فاستجاشـوا بمحمد بن صالح فجاءهم في ثلاثمائة فارس من الصبات ومواليـه‏.‏ وبعـث السفيانـي يزيـد بـن هشـام للقائهـم فـي اثنـي عشر ألفاً فانهزم يزيد وقتل من أصحابه ألفـان وأسـر ثلاثـة آلـاف أطلقهـم ابـن بيهـس وحلقهـم‏.‏ ثـم جمـع جمعـاً مـع ابنـه القاسـم وخرجـوا إلى ابن بيهس فانهزموا وقتل القاسم وبعث برأسه إلى الأمين‏.‏ ثم جمع جمعاً آخر وخرجوا مع مولاه المعتمر فانهزموا وقتل المعتمر فوهن أمر السفياني وطمعت فيه قيس‏.‏ ثم إن ابن بيهس مرض فجمع رؤساء بني نميـر وأوصاهـم بيعـة مسلمـة بـن يعقـوب بـن علـي بـن محمـد بـن سعـد بـن مسلمـة بـن عبـد الملـك بالخلافـة‏.‏ وقـال لهـم‏:‏ تولـوه وكيدوا به السفياني فإنكم لا تتقون بأهل بيته‏.‏ وعاد ابن بيهس إلـى حـوران واجتمعـت علـى مسلمـة فبايعـوه فقتـل منهـم وجمـع مواليـه‏.‏ ودخـل علـى السفياني فقيده وحبس رؤساء بني أمية وأدنى القيسية وجعلهم بطانةً‏.‏ وأفاق ابن بيهس من مرضـه فجـاء إلـى دمشـق وحاصرهـا وسلمهـا لـه القيسيـة فـي محـرم سنـة ثمـان وتسعيـن وهـرب مسلمة والسفياني إلى المزة وملك ابن بيهس دمشق إلى أن قدم عبد الله بن طاهر دمشق وسار إلى مصر ثم عاد إليها فاحتمل ابن بيهس معه إلى العراق ومات بها‏.‏ ولمـا قتـل عبـد الرحمن بن جبلة أرسل الفضل بن الربيع إلى أسد بن يزيد بن مزيد ودعاه لحرب طاهر بعد أن ولي الأمين الخلافة وشكر لأسد فضل الطاعة والنصيحة وشده البأس ويمن التقية‏.‏ وطلب منه أرزاق الجند من المال لسنة وألف فرس تحمل من معه بعد إزاحته عللهم بالأموال وأن لا يطلب بحسبان ما يفتتح‏.‏ فقال‏:‏ قد أشططت ولا بد من مناظرة أمير المؤمنين‏.‏ ثم ركب ودخل على الأمين فأمر بحبسه وقيل إنه طلب ولدي المأمون كانا عند أمهما ابنة الهادي ببغداد بحملهما معه فإن أطاعه المأمون وإلا قتلهما فغضـب الأميـن لذلـك وحبسـه واستدعـى عبـد اللـه بـن حميـد بـن قحطبـة فاشتـط كذلـك فاستدعـى أحمـد بـن مزيـد واعتـذر لـه عـن حبس أسد وبعثه لحرب طاهر وأمر الفضل بأن يجهز له عشرين ألف فارس وشفع في أسد بن أخيه فأطلقه‏.‏ ثم سار وسار معه عبد الله بن حميد بن قحطبة في عشرين ألفاً أخرى وانتهوا إلى حلوان وأقاموا وطاهر بموضعه ودس المرجفين في عسكرهم بأن العطاء والمنع ببغداد والجند يقبضون أرزاقهـم‏.‏ حتـى مشى الجند بعضهم إلى بعض واختلفوا واقتتلوا ورجعوا من غير لقاء‏.‏ وتقدم طاهـر فنـزل حلـوان وجـاءه هرثمـة فـي جيـش من عند المأمون ومعه كتاب بأن يسلم إلى هرثمة ما ملكه من المدن ويتقدم إلى الأهواز ففعل ذلك‏.‏ قـد تقـدم لنـا حبـس عبـد الملـك بـن صالـح إلـى أن مـات الرشيد وأخرجه الأمين ولما كان أمر طاهر جاء عبد الملك إلى الأمين وأشار عليه بأن يقدم أهل الشام لحربه فهم أجرأ من أهل العراق وأعظم نكايةً في العدو وضمن طاعتهم بذلك فولاه الأمين أهل لشام والجزيرة وقر له بالمال والرجال واستحثه‏.‏ فسار إلى الرقة وكاتب أهل الشام فتسالموا إليـه فأكرمهـم وخلـع عليهـم وكثـرت جموعـه‏.‏ ثـم مـرض واشتـد مرضـه ووقعت فتنة في عسكره بين الخراسانيين وأهل الشام بسبب دابة أخذت لبعضهم في وقعة سليمان بن أبي جعفر وعرفها عند بعض أهل الشام فاقتتلـوا وأرسـل إليهـم عبـد الملـك بالقتل فلم يقتلوا وأكثر القتل وأظهر عبد الملك النصرة للشاميين وانتقض الحسين بن علي للخراسانيين وتنادى الناس بالرجوع إلى بلادهم فمضى أهل حمص وقبائل كلب فانهزم أهل الشام وأقام عبد الملك بن صالح بالرقة توفي بها‏.‏

  خلع الأمين وإعادته

ولمـا مـات عبـد الملـك بـن صالـح نـادى الحسيـن بـن علـي في الجند بالرحيل إلى بغداد وقدمها فلقيه القواد ووجوه الناس ودخل منزله واستدعاه الأمين من جوف الليل فامتنع وأصبح فوافى باب الجسـر وأغراهـم بخلـع الأميـن وحذرهـم من نكثه‏.‏ ثم أمرهم بعبور الجسر فعبروا ولقيه أصحاب الأمين فانهزموا‏.‏ وذلك منتصف رجب سنة ست وأخذ البيعة للمأمـون مـن الغـد‏.‏ ووثـب العبـاس بـن عيسـى بن موسى بالأمين فأخرجه من قصر الخلد وحبسه بقصر المنصور ومعه أمه زبيـدة فلمـا كـان مـن الغـد طلـب النـاس أرزاقهـم مـن الحسيـن وماج بعضهم في بعض وقام محمد بن أبي خالد فنكر استبداد الحسين بخلع الأمين وليس بذي منزلة ولا حسب ولا نسب ولا غنائم‏.‏ وقـال أسـد الحربـي‏:‏ قـد ذهـب أقـوام بخلع الأمين فاذهبوا أنتم بفكه يا معشر الحربية فرجع الناس على أنفسهم باللائمة وقالوا‏:‏ ما قتل قوم خليفتهم إلا سلط الله عليهم السيف‏.‏ ثم نهضوا إلى الحسيـن وتبعهـم أهـل الـأرض فقاتلـوه قتـالاً شديداً وأسروه‏.‏ ودخل أسد الحربي إلى الأمين وكسر قيوده وأجلسه على أريكته وأمرهم الأمين بلبس السلاح فانتهبه الغوغاء وجيء بالحسين إليه أسيراً فاعتذر إليه وأطلقهم وأمر بجمع الجند والمسير إلى طاهر وخلع عليه ما وراء بابه‏.‏ ووقـف النـاس يهنئونـه ببـاب الجسـر حتـى إذا خـف عنـه النـاس قطـع الجسـر وهـرب وركـب الجنـد في طلبـه وأدركـوه علـى فرسخ من بغداد وقتلوه وجاؤوا برأسه إلى الإمين واختفى الفضل بن الربيع عند ذلك فلم يوقف له على خبر‏.‏

  استيلاء طاهر علي البلاد

ولمـا جـاء كتـاب المأمون بالمسير إلى الأهواز قدم إليها الحسين بن عمر الرستمي وسار في أثره وأتتـه عيونـه بـأن محمـد بن يزيد بن حاتم قد توجه من قبل الأمين في جند ليحمي الأهواز من أصحـاب طاهـر فبعـث من أصحابه محمد بن طالوت ومحمد بن العلاء والعباس بن بخارا أخذاه مدداً للرستمي‏.‏ ثم أمدهم بقريش بن شبل‏.‏ ثم سار بنفسه حتى كان قريباً منهم وأشرفوا على محمد بن يزيد بعسكر مكرم وقد أشار إليه أصحابه بالرجوع إلى الأهواز والتحصن بها حتى تأتيه قومه الأزد من البصرة فرجع وأمر طاهر قريش بن شبل باتباعه قبل أن يتحصن بالأهواز فخرج لذلك وفاته محمد بن يزيد إلى الأهواز وجاء على أثره فاقتتلوا قتالاً شديداً‏.‏ وفر أصحاب محمد واستمات هو ومواليه حتى قتلوا‏.‏ وملـك طاهـر الأهـواز وولـى علـى اليمامـة والبحريـن وعمـان‏.‏ ثم سار إلى واسط وبها السندي بن يحيى الحرشي والهيثم بن شعبة خليفة خزيمة بن حازم فهربا عنها وملكها طاهر وبعث قائدًا مـن قواده إلى الكوفة وبها العباس بن الهادي فخلع الأمين وبايع للمأمون وكتب بذلك إلى طاهر وكذلـك فعـل المنصـور بـن المهـدي بالبصرة و المطلب بن عبد الله بن مالك بالموصل وأقرهم طاهر على أعمالهم‏.‏ وبعث الحارث بن هشام وداود بن موسى إلى قصر ابن هبيرة وأقام بجرجابا‏.‏ ولما بلغ الخبر بذلـك إلـى الأميـن بعـث محمـد بـن سليمـان القائـد ومحمـد بـن حمـاد البربـري إلـى قصـر ابـن هبيـرة فقاتلهـم الحارث وداود قتالاً شديداً وهزموهم إلى بغداد وبعث الأمين أيضاً الفضل بن موسى على الكوفة فبعث إليه طاهر بن العلاء في جيش فلقيه في طريقه فأراد مسالمته بطاعة المأمون كياداً ثم قاتله فانهزم إلى بغداد‏.‏ ثم سار طاهر إلى المدائن وعليها البرمكي والممد متصل له كل يوم فقدم قريش بن شبل فلما أشرف عليهم وأخذ البرمكي في التعبية فكانت لا تتم له فأطلق سبيل الناس وركب بعضهم بعضاً نحو بغداد وملك طاهر المدائن ونواحيهـا ثـم نـزل صرصر وعقد بها أسراً‏.‏

  بيعة الحجاز للمأمون

ولما أخذ الأمين كتب العهد من مكة وأمر داود بن عيسـى وكـان علـى مكـة والمدينـة بخلـع المأمون قام في الناس ونكر نقض العهد وذكرهم ما أخذ الرشيد عليهم من الميثاق لابنيه في المسجد الحرام أن يكونوا على الظالم وأن محمداً بدأ بالظلم والنكث وخلع أخويه وبايع لطفل صغير رضيع وأخذ الكتابين من الكعبة فحرقهما ظلماً ثم دعا إلى خلعة والبيعـة للمأمـون فأجابوه ونادى بذلك في شعاب مكة وخطبهم‏.‏ وكتب إلى ابنه سليمان بالمدينة بمثل ذلك ففعلـه وذلـك في رجب سنة ست وتسعين‏.‏ وسار من مكة على البصرة وفارس وكرمان إلى المأمون وأخبره فسر بذلك وولاه مكانه وأضاف إليه ولاية عك‏.‏ وأعطاه خمسمائة ألف درهم وسير معه ابن أخيه العباس بن موسى بن عيسى بن موسى على الموسم ويزيد بن جرير بن مزيد بن خالد القسري في جند كثيف عاملاً على اليمن ومروا بطاهر وهو محاصر بغداد فأكرمهم وأقام يريد اليمن فبايعوه للمأمون وأطاعوه‏.‏ حصار بغداد واستيلاء طاهر عليها ومقتل الأمين ولمـا اتصلـت بالأمين هذه الأحوال وقتل الحسين بن علي بن عيسى شمر لحرب طاهر واستعد لـه‏.‏ وعقـد فـي شعبـان سنـة سـت وتسعيـن وأربعمائـة شتـى وأمـر عليهـم علـي بـن محمد بن عيسى بن نهيك وأمرهم بالمسير إلى هرثمة فساروا إليه والتقوا بنواحي النهروان في رمضان فانهزموا وأسر قائدهم علي بن محمد فبعث به هرثمة إلى المأمون وترك النهروان وأقام طاهر بصرصر والجيوش تتعاقب من قبل الأمين فيهزمها ثم بذل الأمين الأموال ليستفسد بها عساكرهم فسار إليه من عسكر طاهر نحو من خمسة آلاف ففرق فيهم الأموال وقود جماعةً من الحربية ودس إلـى رؤسـاء الجنـد في عسكر طاهر ورغبهم فشغبوا على طاهر وسار كثير منهم إلى الأمين وانضمـوا إلـى قـواد الحربيـة وقـواد بغداد وساروا إلى صرصر‏.‏ فعبى أصحابه كراديس وحرضهم ووعدهم‏.‏ ثم تقدم فقاتلهم ملياً من النهار وانهزم أصحاب الأمين وغنم أصحاب طاهر عسكرهم‏.‏ ولما وصلـوا إلـى الأميـن فـرق فيهـم الأمـوال وقـود منهـم جماعـةً ولم يعط المنهزمين شيئاً ودس إليهم طاهر واستمالهـم فشغبـوا علـى الأميـن‏.‏ فأمـر هـؤلاء المحدثيـن بقتالهم وطاهر يراسلهم وقد أخذ رهائنهم علـى الطاعـة وأعطاهـم الأمـوال‏.‏ فسار فنزل باب الأنبار بقواده وأصحابه واستأمن إليه كثير من جند الأمين وثارت العامة وفتقت السجون ووثب الشطار علـى الأخيـار‏.‏ ونـزل زهيـر بـن مسيب الضبي من ناحية ونصب المجانيق والعرادات وحفر الخنادق‏.‏ ونزل هرثمة بناحية أخرى وفعل مثل ذلك‏.‏ ونـزر عبيد الله بن الوضاح بالشماسية ونزل طاهر بباب الأنبار فضيق على الأمين بمنزله ونفد مـا كـان بيـد الأميـن مـن الأمـوال وأمـر ببيـع ما في الخزائن من الأمتعة‏.‏ وضرب آنية الذهب والفضة ليفرقهـا في الجند وأحرق الحديثة فمات بها خلق واستأمن سعيد بن مالك بن قادم إلى طاهر فولاه الأسواق وشاطىء دجلة وأمره بحفر الخنادق وبنـاء الحيطـان وكـل مـا غلـب عليـه مـن الدروب وأمده بالرجال والأموال‏.‏ ووكل الأمين بقصر صالح وقصر سليمان بن المنصور إلى دجلـة بعـض قواده فألح في إحراق الدور والرمي بالمجانيق وفعل طاهر مثل ذلك‏.‏ وكثر الخراب ببغـداد وصـار طاهـر يخنـدق علـى مـا يمكنه من النواحي ويقاتل من لم يجبه وقبض ضياع من لم يخرج إليه من بني هاشم والقواد وعجز الأجناد عن القتال‏.‏ وقام به الباعة والعيارون وكانوا ينهبون أموال الناس‏.‏ واستأمن إليه القائد الموكل بقصر صالح فأمنـه وسلـم إليـه مـا كـان بيـده مـن تلك الناحية في جمادى الأخيرة من سنة سبع‏.‏ واستأمن إليه محمد بن عيسى صاحب الشرطة فوهن الأمين‏.‏ واجتمع العيارون والباعة والأجناد وقاتلوا أصحاب طاهر في قصر صالح وقتلوا منهم خلقاً وكاتب طاهر القواد بالأمان وبيعة المأمون فأجابه بنو قحطبة كلهم ويحيى بن علي بن ماهان ومحمد بن أبي العباس الطائي وغيرهم‏.‏ وفشـل الأميـن وفـوض الأمـر إلـى محمـد بـن عيسـى بـن نهيـك وإلـى الحسـن الهـرش ومعهـم الغوغـاء يتولـون أمر تلك الفتنة‏.‏ وأجفل الناس في بغداد وافترقوا في البلاد‏.‏ ولمـا وقـع بطاهـر فـي قصـر صالح ما وقع بأصحابه شرع في هدم المباني وتخريبها ثم قطع الميرة عنهـم وصـرف السفـن التي تحمل فيها إلى الفرات‏.‏ فغلت الأسعار وضاق الحصار واشتد كلب العيارين فهزموا عبيد الله بن الوضاح وغلبوه على الشماسية‏.‏ وجاء هرثمة ليعينه فهزموه أيضاً وأسـروه ثـم خلصـه أصحابه‏.‏ وعقد طاهر جسراً فوق الشماسية وعبر إليهم وقتلهم أشد قتال فردهـم علـى أعقابهـم وقاتـل منهـم بشـراً كثيراً‏.‏ وعاد ابن الوضاح إلى مركزه وأحرق منازل الأمين بالخيزرانية وكانت النفقة فيها بلغت عشرين ألف درهم وأيقن الأمين بالهلاك وفر منه عبد الله بن خازم بن خزيمة إلى المدائن لأنه اتهمه وحمل عليه السفلة والغوغاء‏.‏ ويقال بل كاتبه طاهر وقبض ضياعه فخرج عن الأمين وقصد الهرش ومن معه جزيرة العباس من نواحي بغداد فقاتلهم بعض أصحاب طاهر وهزموهم وغرق منهم خلق كثير‏.‏ وضجر الأميـن وضعـف أمره وسار المؤتمن بن الرشيد إلى المأمون فولاه جرجان وكاتب طاهر خزيمة بن حـازم ومحمـد بـن علـي بـن موسـى بـن ماهـان وأدخلهمـا فـي خلع الأمين فأجاباه ووثبا آخر محرم من سنـة ثمـان وتسعيـن فقطعـا جسر دجلة وخلع الأمين وبعث إلى هرثمة وكان بإزائهما فسار إليهما من ناحيته ودخل عسكر المهدي وملكة‏.‏ وقدم طاهر من الغد إلى المدينة والكرخ فقاتلهـم وهزمهم وملكها عنوةً ونادى بالأمان ووضع الجند بسوق الكرخ وقصر الوضاح وأحاط بمدينة المنصـور وقصـر زبيـدة وقصـر الخلـد مـن بـاب الجسـر إلـى باب البصرة وشاطىء الصراة إلى مصبها في دجلة ونصب عليها المجانيق‏.‏ واعتصـم الأميـن فـي أمه وولده بمدينة المنصور واشتد عليه الحصار وثبت معه حاتم بن الصقر والحرشـي والأفارقـة‏.‏ وافتـرق عامـة الجنـود والخصيان والجواري في الطرق وجاء محمد بن حاتم بـن الصقـر ومحمـد بـن إبراهيـم بـن الأغلـب الإفريقـي إلـى الأميـن وقـالا لـه‏:‏ بقـي من خيلك سبعة آلاف فرس نختار سبعة آلاف ونجعلهم عليها ونخرج على بعض الأبواب ولا يشعر بنا أحد ونلحق بالجزيرة والشام فيكون ملك جديد وربما مال إليك الناس ويحدث الله أمراً‏.‏ فاعتزم على ذلك وبلـغ الخبـر إلـى طاهر فكتب إلى سليمان بن المنصور ومحمد بن عيسى بن نهيك والسندي بن شاهـك يتهددهـم إن لـم يصرفـوه عـن ذلـك الـرأي‏.‏ فدخلـوا علـى الأميـن وحـذروه من ابن الصقر وابن الأغلب أن يجعل نفسه في أيديهم فيتقربوا به إلى طاهر وأشاروا عليه بطلب الأمان على يد هرثمة بن أعين والخروج إليه وخالفهم إليه ابن الصقر وابن الأغلب‏.‏ وقالوا له‏:‏ إذا ملت إلى الخوارج فطاهر خير لك من هرثمة فأبى وتطير من طاهر وأرسل إلى هرثمـة يستأمنـه‏.‏ فأجابـه أنـه يقاتـل فـي أمانـة المأمـون مـن دونـه وبلغ ذلك طاهراً فعظم عليه أن يكون الفتح لهرثمة واجتمع هـو وقـواده لهرثمـة وقـواده فـي منـزل خزيمـة بـن حـازم وحضـر سليمـان والسنـدي وابـن نهيـك وأخبـروا طاهـراً أنـه لا يخـرج إليه أبداً وأنه يخرج إلى هرثمة ويدفع إليه الخاتم والقضيب والبردة وهو الخلافة فرضي‏.‏ ثم جاءه الهرش وأسر إليه أنهم يخادعونه وأنهم يحملونها مع الأمين إلى هرثمة فغضب وأعد رجـالاً حـول قصـور الأميـن‏.‏ وبعـث إليـه هرثمـة لخمـس بقيـن مـن محـرم سنة ثمان وتسعين بأن يتربص ليلـة لأنـه رأى أولئـك الرجـال بالشـط فقـال‏:‏ قـد افتـرق عنـي النـاس ولا يمكننـي المقـام لئلا يدخل علي طاهـر فيقتلنـي‏.‏ ثـم ودع ابنيـه وبكـى وخرج إلى الشط وركب حراقة هرثمة‏.‏ وجعل هرثمة يقبل يديه ورجليه وآمر بالحراقة أن تدفع وإذا بأصحاب طاهر في الزواريق فشدوا عليها ونقبوها ورموهم بالآجر والنشاب فلم يرجعوا ودخل الماء إلى الحراقة فغرقت‏.‏ قال أحمد بن سالم صاحب المظالم‏:‏ فسقط الأمين وهرثمة وسقطنا فتعلق الملاح بشعر هرثمة وأخرجـه وشق الأمين ثيابه‏.‏ قال‏:‏ وخرجت إلى الشط فحملت إلى طاهر فسألني عن نفسي فانتسبـت وعن الأمين فقلت غرق فحملت إلى بيت وحبست فيه حتى أعطيتهم مالاً فاديتهم بـه علـى نفسـي‏.‏ فبعـد ساعـة مـن الليـل فتحـوا علـي البـاب وأدخلـوا علي الأمين عريان في سراويل وعمامة وعلى كتفه خرقة فاسترجعت وبكيت‏.‏ ثم عرفني فقال‏:‏ ضمني إليك فإني أجد وحشة شديدة فضممته وقلبه يخفق فقال‏:‏ يا أحمد ما فعل أخي فقلت حي‏.‏ قال‏:‏ قبح الله بريدهم كان يقول قد مات يريد بذلك العذر عن محاربته فقلت‏:‏ بل قبح الله وزراءك فقال‏:‏ تراهم يفون لي بالأمان قلت‏:‏ نعم إن شاء الله‏.‏ ثـم دخـل محمـد بـن حميـد الطاهـري فاستثبتنـا حتى عرفه وانصرف ثم دخل علينا منتصف الليل قـوم مـن العجـم منتضين سيوفهم فدافع عن نفسه قليلاً‏.‏ ثم ذبحوه ومضوا برأسه إلى طاهر ثم جـاؤوا مـن السحـر فأخذوا جثته‏.‏ ونصب طاهر الرأس حتى رآه الناس ثم بعث به إلى المأمون مـع ابـن عمـه محمـد بـن الحسـن بن مصعب ومعه الخاتم والبردة والقضيب وكتب معه بالفتح‏.‏ فلما رآه المأمون سجد‏.‏ ولما قتل الأمين نادى طاهر بالأمان ودخل المدينة يوم الجمعة فصلى بالناس وخطب للمأمون وذم الأمين ووكل بحفظ القصور الخلافية وأخرج زبيدة أم الأمين وابنيه موسى وعبد الله إلى بلاد الزاب الأعلى‏.‏ ثم أمر بحمل الولدين إلى المأمون وندم الجند على قتله‏.‏ وطالبوا طاهراً بالأمـوال فارتـاب بجنـد بغـداد وبجنـده أنهـم تواطؤوا عليه وثاروا به لخمس من قتل الأمين‏.‏ فهرب إلى عقرقوبا ومعه جماعة من القواد‏.‏ ثم تعبى لقتالهم فجاؤوا واعتذروا وأحالوا على السفهاء والأحداث فصفح عنهم وتوعدهم أن يعودوا لمثلها وأعطاهم أربعة أشهر واعتذر إليه مشيخة بغـداد وحلفـوا أنهـم لـم يدخلـوا الجنـد فـي شـيء مـن ذلـك فقبـل منهـم ووضعت أهل الحرب أوزارها واستوسق الأمر للمأمون في سائر الأعمال والممالك‏.‏ ثـم خـرج الحسـن الهـرش فـي جماعـة مـن السفلـة واتبعـه كثيـر مـن بـوادي الأعـراب ودعا إلى الرضا من آل محمـد وأتـى النيـل فجبـى الأموال ونهب القرى‏.‏ وولى المأمون الحسن بن سهل أخا الفضل على ما افتتحه طاهر من كور الجبل والعراق وفارس والأهواز والحجاز واليمن فقدم سنة تسعة وتسعيـن وفـرق العمـال وولـى طاهـراً علـى الجزيـرة والموصل والشام والمغرب وأمره أن يسير إلى قتال نصـر بـن شبيـب وأمـر هرثمـة بالمسيـر إلى خراسان وكان نصر بن شبيب من بني عقيل بن كعب بـن ربيعـة بـن عامر في كيسوم شمالي حلب وكان له ميل إلى الأمين‏.‏ فلما قتل أظهر الوفاء له بالبيعة وغلب على ما جاوره من البلاد وملك سميساط واجتمع عليه خلق كثير من الأعراب وعبر إلى شرقي العراق وحصر حران‏.‏ وسأل منه شيعة الطالبيين أن يبايعوا لبعض آل علي لما رأوه من بني العباس ورجالهم وأهل دولتهـم وقـال‏:‏ واللـه لا أبايـع أولـاد السوداوات فيقول‏:‏ إنه خلقني ورزقني‏.‏ قالوا‏:‏ فبعض بني أمية قـال‏:‏ قـد أدبـر أمرهـم والمدبر لا يقبل ولو سلم علي رجل مدبر لأعداني بإدباره وإنما هواي في بنـي العبـاس وإنمـا حاربتهـم لتقديمهـم العجـم علـى العـرب‏.‏ ولمـا سار إليه طاهر نزل الرقة وأقام بها وكتـب إليـه يدعـوه إلـى الطاعـة وتـرك الخلاف فلم يجبه وجاء الخبر إلى طاهر في الرقة بوفاة أبيه الحسين بن زريق بن مصعب بخراسان وأن المأمون حضر جنازته‏.‏ ونزل الفضل قبره وجاءه كتاب المأمون يعزيه فيه‏.‏ وبعد قتل الأمين كانت الوقعة بالموصل بين اليمانية والنزارية وكان علي بن الحسن الهمداني متغلبـاً علـى الموصـل فعسف بالنزارية وسار عثمان بن نعيم البرجمي إلى ديار مصر وشكا إلى أحيائهـم واستنفرهـم فسـار معـه مـن مصـر عشرون ألفاً وأرسل إليهم علي بن الحسن بالرجوع إلى ما يريدون فأبى عثمان فخرج علي في أربعة آلاف فهزمهم وأثخن فيهم وعاد إلى البلد‏.‏

  ظهور ابن طباطبا العلوي

لما بعث المأمون الحسن بن سهل إلـى العـراق وولـاه علـى مـا كـان افتتحـه طاهـر مـن البلـاد والأعمال تحدث الناس أن الفضل بن سهل غلب على المأمون واستبد عليه وحجبه عن أهل بيته وقواده فغضب بنو هاشم ووجوه الناس واجترؤوا على الحسن بن سهل وهاجت الفتنة‏.‏ وكـان أبـو السرايـا السـري بـن منصـور ويذكـر أنـه مـن بنـي شيبـان مـن ولـد هانـىء بـن قبيصـة بـن هانىء بـن مسعـود وقيـل مـن بنـي تميـم بالجزيـرة وطلـب فعبر إلى شرقي الفرات وأقام هناك يخيف السابلة ثم لحق بيزيد بـن مزيـد بأرمينيـة فـي ثلاثيـن فارسـاً فقـوده وقاتـل معـه الحرميـة وأسـر منهـم وأخـذ منهـم غلامه أبا الشوك‏.‏ ومـات يزيـد بـن مزيـد فكـان مـع ابنـه أسـد وعـزل أسـد فسار إلى أحمد بن مزيد‏.‏ ولما بعث الأمين أحمد بن مزيد لحرب هرثمـة بعثـه طليعـة إلـى عسكـره فاستمالـه هرثمـة فمـال إليـه ولحـق بـه وقصـد بنـي شيبـان مـع الجزيـرة واستخـرج لهـم الـأرزاق مـن هرثمـة واجتمع إليه أزيد من ألفي فارس‏.‏ فلما قتل الأميـن تعصـى هرثمـة عـن أرزاقهـم فغضـب واستـأذن فـي الحـج فـأذن لـه وأعطـاه عشرين ألف درهم ففرقهـا فـي أصحابـه ومضـى وأوصاهـم باتباعه فاجتمع له منهم نحو مائتين وسار إلى عين التمر فأخذوا عاملها وقسموا ماله ولقوا عاملاً آخر بمال موفور على ثلاثة أنفار فاقتسموه‏.‏ وأرسل هرثمة عسكراً خلفه فهزمهم ودخل البرية‏.‏ ولحق به مـن تخلـف مـن أصحابـه فكثـر جمعـه وسـار نحـو دقوقـا وعليها أبو ضرغامة في سبعمائة فارس فخرج وقاتله فهزمه ورجع إلى القصـر فحاصـره أبـو السرايـا حتـى نـزل علـى الأمـان وأخـذ أموالـه‏.‏ وسار إلى الأنبار وعليها إبراهيم الشروي مولى المنصور فقتله وأخذ ما فيها وعاد إليها عند إدراك الغلال فافتتحها‏.‏ ثم قصد الرقة ومر بطوق بن مالك الثعلبي فاستجاشه على قيس فأقام عنده أربعة أشهر يقاتل قيساً بعصبية ربيعة حتى انقادت قيس إلى طوق‏.‏ وسـار أبـو السرايـا إلـى الرقـة فلقـي محمـد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي وتلقب أبوه إبراهيم طباطبـا فدعـاه إلـى الخـروج وأنفـذ إلـى الكوفـة فدخلاهـا وبايعهـم أهلهـا على بيعة الرضا من آل محمد ونهب أبو السرايا قصر العباس بن موسى بـن عيسـى وأخـذ ما فيه من الأموال والجواهر مما لا يحصى وذلك منتصف جمادى الأخيرة سنة تسعة وتسعين وقيل إن أبا السرايا مطله هرثمة بأرزاق أصحابه فغضب ومضى إلى الكوفة فبايع ابن طباطبا‏.‏ ولما ملك الكوفة هرع إليه الناس والأعراب من النواحي فبايعوه وكان عليها سليمان بن المنصور من قبل الحسن بن سهل فبعث إليه زهير بن المسيب الضبي في عشرة آلاف وخرج إليه ابن طباطبا وأبو السرايا فهزموه واستباحوا عسكره وأصبح محمد بن طباطبا مـن الغـد ميتًـا فنصـب أبو السرايا مكانه غلاماً من العلوية وهو محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين واستبد عليه‏.‏ ورجع زهير إلى قصر ابن هبيرة فأقام به وبعث الحسن بن سهل عبدوس بن محمد بن خالد المـروروذي فـي أربعة آلاف فلقيه أبو السرايا منتصف رجب وقتله ولم يفلت من أصحابه أحد كانوا بين قتيل وأسير وضرب أبو السرايا الدراهم بالكوفة وبعث جيوشاً إلى البصرة وواسط وولـى علـى البصـرة العبـاس بـن محمـد بـن عيسـى بـن محمـد الجعفـري وعلـى مكة الحسين الأفطس بن الحسين بن علي زين العابدين وجعل إليه الموسم‏.‏ وعلى اليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر الصادق وعلى فارس إسماعيل بن موسى بن جعفر الصادق وعلى الأهواز زيد بن موسى الصادق فسار إلى البصرة وأخرج عنها العباس بن محمد بن داود بن الحسن المثنى إلى المدائن وأمره أن يأتي بغداد من الجانب الشرقي ففعل‏.‏ وكـان بواسـط عبـد اللـه بـن سعـد الخرشي من قبل الحسن بن سهل ففر أمامهم وبعث الحسن بن سهـل إلـى هرثمـة يستدعيـه لحـرب أبـي السرايـا وكـان قد سار إلى خراسان مغاضباً له فرجع بعد امتناع وسار إلى الكوفة في شعبان‏.‏ وبعث الحسن إلى المدائن وواسط علي بن أبي سعيد وأبلـغ الخبـر أبـا السرايـا وهـو بقصـر ابـن هبيـرة فوجـه جيشـاً إلـى المدائـن فملكوهـا فـي رمضـان‏.‏ وتقـدم فنزل نهر صرصر وعسكر هرثمة بإزائه غدوة‏.‏ وسار علي بن أبي سعيد في سؤال المدائن فحاصـر بهـا أصحـاب أبـي السرايـا ورجـع هـو مـن نهـر صرصر إلى قصر ابن هبيرة وهرثمة وأتباعه ثم حصره وقتل جماعة من أصحابه فانحاز إلى الكوفة ووثب الطالبيون على دور بني العباس وشيعتهم فنهبوها وخربوها وأخرجوهم واستخرجوا ودائعهم عند الناس وكان على مكة داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي فلما بلغه قدوم حسين الأفطس جمع شيعة بني العباس‏.‏ وكان مسرور الكبير قد حج في مائة فارس فتعبى للحرب ودعا داود إلى حربهم فقال‏:‏ لا أستحـل ذلـك في الحرم وخرج إلى العراق وتبعه مسرور‏.‏ وكان حسين الأفطس بسرف يخاف دخـول مكـة فبلغـه الخبـر أن مكـة قـد خلـت مـن بنـي العبـاس فدخـل فـي عشـرة أنفـس وطاف وسعى ووقف بعرفة ليلاً وأتم الحج‏.‏ وأقام هرثمة بنواحي الكوفة يحاصرها واستدعى منصور بن المهـدي وكاتـب رؤسـاء الكوفـة وسـار علـي بـن سعيـد مـن المدائـن إلى واسط فملكها ثم توجه إلى البصرة واشتد الحصار على أبي السرايا بالكوفة فهرب عنها في ثمانمائة فارس ومعه صاحبه ودخلها هرثمة منتصف محرم فأقام بها يوماً وولى عليها غسان صاحب الحرس بخراسان وعاد وقصـد أبـو السرايـا القادسيـة وسـار منهـا إلى السوس ولقي بخراسان مالاً حمل من الأهواز فقسمه في أصحابه‏.‏ وكان على الأهواز الحسن بن علي المأموني فخرج إليه فقاتله فهزمه وافترق أصحابـه وجـاء إلى المعتزلة برأس عين من جلولاء ومعه صاحبه محمد وغلامه أبو الشوك فظفر بهـم حمـاداً الكندغـوش وجـاء بهـم إلـى الحسـن بـن سهل في النهروان فقتل أبا السرايا وبعث برأسه إلى المأمون وبصاحبه محمد معه ونصب شلوه على جسر بغداد‏.‏ وسار علي بن أبي سعيد إلى البصرة فملكها من يد زيد بن موسى بن جعفر الصادق وكان يسمى زيد النار لكثرة ما أحرق من دور العباسيين وشيعتهم فاستأمن إليه زيد فأمنه وأخذه وبعث الجيوش إلى مكة والمدينة واليمن لقتال من بها من العلويين وكان إبراهيم بن موسى بن جعفـر بمكـة فلمـا بلغـه خبـر أبي السرايا ومقتله ولى وسار إلى اليمن وبها إسحاق بن موسى بن عيسـى فهـرب إلـى مكـة واستولـى إبراهيـم على اليمن وكان يسمى الجزار لكثرة قتله وفتكه‏.‏ ثم بعث رجلاً من ولد عقيل بن أبي طالب إلى مكة ليحج بالناس وقد جاء لذلك أبو الحسن المعتصـم فـي جماعـة مـن القـواد فيهـم حدويـة بـن علـي بـن عيسـى بـن ماهـان واليـاً علـى اليمن من قبل الحسن بن سهل فخام العقيلي عن لقائهم واعترض قافلة الكسوة فأخذها ونهب أموال التجار ودخل الحجاج إلى مكة عراة فبعث الخلودي من القواد فصبحهم وهزمهم وأسر منهم وتفقد أموال التجار وكسوة الكعبة وطيبها وضرب الأسراء عشرة أسواط لكل واحد وأطلقهم وحج المعتصم بالناس‏.‏

  بيعة محمد في جعفر بمكة

هو محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ويلقب الديباجة وكان عالماً زاهداً ويروي عن أبيه وكان الناس يكتبون عنه‏.‏ ولما ملك‏.‏ الحسين الأفطس مكة كما ذكرناه عـاث فيهـا ونـزع كسـوة الكعبة وكساها بأخرى من الغد أنفذها أبو السرايا من الكوفة وتتبع ودائع بني العباس وجعلها ذريعةً لأخذ أموال الناس فخرجوا من مكة‏.‏ وقلع أصحابه شبابيك الحرم وقلـع مـا علـى الأساطيـن مـن الذهب واستخرج ما كان في الكعبة من المال فقسمه في أصحابه وساء أثره في الناس‏.‏ فلمـا قتل أبو السرايا تنكروا له فخشي على نفسه فجاء إلى محمد بن جعفر ليبايع له بالخلافة فلـم يـزل بـه هـو وابنـه حسـن وإستعانـا عليـه بابنـه علـي حتى بايعوه ودعوه بأمير المؤمنين‏.‏ واستبد عليه ابنه علي وابن الأفطس بأسوأ مما كان قبل وأفحشوا في الزنا واللواط واغتصاب النساء والصبيـان فاجتمع الناس على خلع محمد بن جعفر أو يرد إليهم ابن القاضي كان مغتصباً ببيت ابنه علي فاستأمنهم حتى ركب إلى بيت ابنه وسلم إليهم الغلام‏.‏ وجاء إسحاق بن موسى بن عيسى من اليمن فاجتمع الناس وخندقوا مكة وقاتلهم إسحاق وامتنعـوا عليـه فسـار نحـو العراق ولقي الجند الذين بعثهم هرثمة إلى مكة مع الجلودي ورجاء بن جميـل وهو ابن عم الحسين بن سهل‏.‏ فرجع بهم وقاتل الطالبيين فهزمهم وافترقوا واستأمن إليه محمـد بن جعفر فأمنه وملك مكة وسار محمد بن جعفر إلى الجحفة ثم إلى بلاد جهينة فجمع وقاتـل هـارون بـن المسيـب والي المدينة فانهزم محمد وفقئت عينه وقتل خلق من أصحابه ورجع إلـى موضعه‏.‏ ولما انقضى الموسم استأمن الجلودي ورجاء بن جميل فأمناه ودخل مكة وخطب واعتذر عما فعله بأنه بلغه موت المأمون ثم صح أنه حي وخلع نفسه وسار إلى الحسن والي المأمون بمرو فلم يزل عنده إلى أن سار المأمون إلى العراق فمات بجرجان في طريقه‏.‏

  مقتل هرثمة

لما فرغ هرثمة من أبي السرايا رجع وكان الحسن بن سهل بالمدائن فلم يعرج عليه وسار إلى عقرقوبـا إلـى النهـروان قاصـداً خراسـان ولقيتـه كتـب المأمون متلاحقةً أن يرجع إلى الشام والحجـاز فأبـى إلا لقـاءه دالـة عليـه بما سبق له من نصحه له ولآبائه‏.‏ وكان قصد أن يطلع المأمون على حال الفضل بن سهل في طيه الأخبار عنه وما عند الناس من القلق بذلك وباستبداده عليه ومقامه بخراسان وعلم الفضل بذلك فأغرى به المأمون وألقى إليه أنه سلط أبا السرايا وهو من جنده وقد خالف كتبك وجاء معانداً سيء القالة وإن سومح في ذلك اجترأ غيره فسخطـه المأمـون وبقي في انتظاره ولما بلغ مرو قرع طبوله يسمعها لئلا يطوى خبره عن المأمون وسأل المأمون عنها فقيل هرثمة أقبل يرعد ويبرق‏.‏ فاستدعاه وقال هرثمة‏:‏ مالأت العلويين وأبا السرايا ولو شئت إهلاكهم جميعاً لفعلت فذهب يعتذر فلم يمهله وأمر فربس بطنه وشدخ أنفه وسحب إلى السجن ثم دس إليه من قتله‏.‏

  انتقاض بغداد علي الحسن بن سهيل

ولمـا بلـغ خبـر هرثمـة إلـى العـراق كتـب الحسـن بـن سهل إلى علي بن هشام والي بغداد من قبله أن يتعلل على الجند الحربية والبغداديين في أرزاقهم لأنه كان بلغه عنهم قبل مسير هرثمة أنهم عازمـون علـى خلعـه وطـرد عمالـه وولـوا عليهـم إسحـاق بـن الهـادي خليفة المأمون‏.‏ فلم يزل الحسين يتلطـف إليهـم ويكاتبهـم حتـى اختلفـوا فأنـزل علـي بـن هشـام ومحمد بن أبي خالد في أحد جانبيها وكان زيد بن موسى بن جعفر قد أخذه علي بن أبي سعيد من البصرة وحبسه كما ذكرناه قبـل فهـرب مـن محبسـه وخـرج بناحية الأنبار ومعه أخ لأبي السرايا‏.‏ ثم تلاشى أمره وأخذوا إلى إلـى علـي بـن هشـام‏.‏ ثـم جـاء خبـر هرثمـة وقـد انتقـض محمـد بـن أبـي خالـد علـى علـي بن هشام بما كان يستحق به وغضب يوماً مع زهير بن المسيب فقنعه بالسوط فسار إلى الحربية ونصب لهـم الحـرب وانهـزم علـي بـن هشـام إلى صرصر‏.‏ وقيل إن ابن هشام أقام الحد على عبد الله بن علي بن عيسى فغضب الحربية وأخرجوه‏.‏ واتصل ذلك بالحسن بن سهـل وهـو بالمدائـن كمـا قلنـاه فانهـزم إلـى واسـط أول سنـة إحـدى ومائتيـن والفضـل بـن الربيـع وقـد ظهـر مـن اختفائه من لدن الأمين‏.‏ وجاء عيسى بن محمد بن أبي خالـد مـن الرقـة مـن عنـد طاهـر فاجتمع هو وأبوه على قتال الحسن وهزموا كل من تعرض للقائهم من أصحابه‏.‏ وكان زهير بن المسيب عاملاً للحسن على جوخي من السواد وكان يكاتب بغداد فركب إليه محمد بن أبي خالد وأخذه أسيراً وانتهب ماله وحبسه ببغداد عند ابنه جعفر‏.‏ ثـم تقـدم إلـى واسـط وبعثـه ابنـه هـارون إلـى النيـل فهـزم نائـب الحسن بها إلى الكوفة فلحق بواسط ورجـع هـارون إلـى أبيـه وتقـدم نحـو واسط فسار الحسن عنها‏.‏ وأقام الفضل بن الربيع مختفياً بها واستأمن لمحمد وبعثه إلى بغداد‏.‏ وسار إلى الحسن على البقية ولقيتهم عساكر الحسن وقواده وانهزم محمد وأصحابه وتبعهم الحسن إلى تمام الصلح ثم لحقوا بجرجايا‏.‏ ووجه محمد ابن ابنه هـارون إلـى فأقـام بهـا‏.‏ وسـار محمـد ابـن ابنـه أبـو رتيـل وهـو جريـح إلى بغداد فمات بها ودفن في داره سـراً ومحمـد أبـو رتيـل إلـى زهيـر بـن المسيـب فقتلـه مـن ليلتـه‏.‏ وقـام خزيمـة بـن خـازم بأمـر بغداد وبعـث إلى عيسى بن محمد بأن يتولى حرب الحسن مكان أبيه وبلغ الحسن موت محمد فبعث عسكره إلى هارون بالنيل فغلبوا وانتهبوها ولحق هارون بالمدائن‏.‏ ثم اجتمع أهل بغداد وأرادوا منصور بن المهدي على الخلافة فأبى فجعلـوه خليفـة للمأمـون ببغـداد والعـراق انحرافـاً عـن الحسـن بـن سهل‏.‏ وقيل‏:‏ إن الحسن لما ساعد أهل بغداد عيسى بن محمـد بـن أبـي خالد على حربه خام عنه فلاطفه ووعده بالمصاهرة ومائة ألف دينار والأمان له ولأهل بيته ولأهل بغداد وولاية النواحي فقبل وطلب خط المأمون بذلـك وكتـب إلـى أهـل بغداد‏:‏ إني شغلت بالحرب عن جباية الخراج فولوا رجلاً من بني هاشم فولوا المنصور بن المهدي‏:‏ وأحصى عيسى أهل عسكره فكانوا مائة ألف وخمسة وعشرين ألفاً‏.‏ وبعث منصور غسـان بن الفرج إلى ناحية الكوفة فغزاه حميد الطوسي من قواد الحسن بن سهل وأخذ أسيراً ونـزل النيـل فبعـث منصـور بـن محمـد يقطيـن فـي العساكـر إلـى حميد فلقيه حميد بكوثى فهزمه وقتل أمر المطوعة ولما كثر الهرج ببغداد وامتدت أيدي الدعاوي بأذاية الناس في أموالهم وأفشى المناكير فيهم وتعذر ذلك فخرجوا إلى القرى فانتهبوهـا‏.‏ واستعـدى النـاس أهـل الأمـر فلـم يغـدوا عليهـم فتمشـى الصلحـاء مـن عمـل ريـظ وكـل بينهـم ورأوا أنهم في كل درب قليلون بالنسبة إلى خيارهم فاعتزموا على مدافعتهم واشتد خالد المدريوش من أهل بغداد فدعا جيرانه وأهل محلته إلى الأمـر بالمعـروف وللنهـي عـن المنكـر من غير أن يغيروا على السطان‏.‏ فشد على من كان عندهم من ادعار وحبسهم ورفعهم إلى السلطان وتعدى ذلك إلى غير محلته‏.‏ ثم قام بعده سهل بن سلامة الأنصاري من الحريشية من أهل خراسان ويكنى أبا حاتم فدعا إلـى مثـل ذلـك وإلـى العمـل بالكتـاب والسنـة وعلـق في عنقه مصحفاً وعبر على العامة وعلى أهل الدولـة فبايعـوه علـى ذلـك وعلـى قتـال مـن خالـف‏.‏ وبلـغ خبرهمـا إلـى منصـور بـن المهدي وعيسى بن محمد بن أبي خالد فنكروا ذلك لأن أكثر الدعار كانوا يشايعونهم على أمرهم فدخلوا بغداد بعد أن عقد عليه الصلح مع الحسن بن سهل على الأمان له ولأهل بغداد وانتظروا كتـاب المأمون ورضي أهل البلد بذلك فسهل عليهم المدريوش وسهل‏.‏ ولما بلغ أهل بغداد أن المأمون قد بايع بالعهد لعلي بن موسـى الكاظـم ولقبـه الرضـا مـن آل محمد وأمر الجند بطرح السواد ولبس الخضرة وكتب بذلك إلى الآفاق وكتب الحسن بن سهل إلـى عيسـى بـن محمـد بـن أبـي خالـد ببغـداد يعلمـه بذلـك فـي رمضـان مـن سنـة إحدى ومائتين وأمره أن يأخـذ مـن عنده من الجند وبني هاشم بذلك فأجاب بعض وامتنع بعض وكبر عليهم إخراج الخلاقـة مـن بنـي العبـاس‏.‏ وتولـى كبـر ذلـك منصـور وإبراهيـم ابنا المهدي وشايعهم عليه المطلب بن عبـد اللـه بـن مالـك والسـدي ونصر الوصيف وصالح صاحب المصلى ومنعوا يوم الجمعة من نادى في الناس بخلع المأمون والبيعة لإبراهيم بن المهدي ومن بعده لإسحاق بن الهادي‏.‏ ثـم بايعـوه فـي المحـرم سنـة اثنتيـن ومائتين ولقبوه المبارك ووعد الجند بأرزاق ستة أشهر واستولى على الكوفة والسواد وخرج فعسكر بالمدائن وولى بها على الجانب الغربي العباس بن الهادي وعلـى الجانـب الشرقـي إسحـاق بـن الهادي‏.‏ وكان بقصر ابن هبيرة حميد بن عبد الحميد عاملاً للحسـن بـن سهـل ومعـه القـواد سعيـد بن الساجور وأبو البط وغسان بن الفرج ومحمد بن إبراهيم بـن الأغلـب كانـوا منحرفيـن عـن حميـد فدخلـوا إبراهيـم بـن الهـادي فـي أن يهلكـوه فـي قصـر ابن هبيرة وشعر بذلك الحسن بن سهل فاستقدم حميداً وخلا لهم الجو منه فبعث إبراهيم بن المهدي عيسى بن محمد بن أبي خالد وملك قصر ابن هييرة وانتهب عسكر حميد ولحق به ابنه بجواريه‏.‏ ثـم عـاد إلـى الكوفـة فاستعمـل عليها العباس بن موسى الكاظم وأمره أن يدعو لأخيه فامتنع غلاة الشيعـة مـن إجابتـه وقالـوا لا حاجـة إلينـا بذكـر المأمون وقعدوا عنه‏.‏ وبعث إبراهيم بن المهدي من القواد سعيداً وأبا البط لقتاله فسرح إليهم العباس بن عمه وهو علي بن محمد الديباجة فانهزم ونـزل سعيـد وأبو البط الحيرة ثم تقدموا لقتال أهل الكوفة وقاتلهم شيعة بني العباس ومواليهم‏.‏ ثـم سألـوا الأمـان للعبـاس وخرجوا من داره‏.‏ ثم قاتل أصحابه أصحاب سعيد فهزموهم وأحرقوا دور عيسى بن موسى وبلغ الخبر إلى سعيد بالحيرة بأن العباس قد نقض ورجع عن الأمان فركـب وجـاء إلـى الكوفة وقتل من ظفر به ولقيه أهله فاعتذروا إليه بأن هذا فعل الغوغاء وأن العباس باق على عهده‏.‏ ودخل سعيد وأبو البط ونادوا بالأمان وولوا على الكوفة الفضل بن محمد بن الصباح الكندي ثـم عزلـوه وولـوا مكانـه غسان بن الفرج فقتل أخا السرايا‏.‏ ثم عزلوه وولوا الهول ابن أخي سعيد القائد وقدم حميد بن عبد الحميد لحربهم بالكوفة فهرب الهول وبعث إبراهيم بن المهدي بن عيسى بن محمد بن أبي خالد لحصار الحسن بواسط على طريق النيل‏.‏ وكـان للحسـن متحصنـاً بالمدينـة فسرح أصحابه لقتالهم فانهزموا وغنم عسكرهم ورجع عيسى إلى بغداد فقاتل سهل بن سلامة للمطوع حتى غلبه على منزله فاختفى في غمار النظار وأخذوه بعد ليال وأتوا به إسحاق فقال‏:‏ كل ما كنت أدعو إليه باطل‏.‏ فقالوا‏:‏ اخرج فأعلـم النـاس بذلـك فخـرج وقـال‏:‏ قـد كنـت أدعوكـم إلـى الكتـاب والسنـة ولـم أزل علـى ذلك فضربوه وقيـدوه وبعثـوا بـه إلى إبراهيم المهدي فضربه وحبسه وظهر أنه قتل في محبسه خفيةً لسنة من قيامه‏.‏ ثم أطلقه فاختفى إلى أن انقرض أمر إبراهيم‏.‏ وزحـف حميد بن عبد الحميد سنة ثلاث ومائتين إلى قتال إبراهيم بن المهدي وأصحابه وكان عيسى بن محمد بن أبي خالد هو المتولي لقتالهم بأمر إبراهيم فداخلهم في الغدر بإبراهيم وصار يتعلل عليه في المدافعة عنه ونمي ذلك إلى إبراهيم بن هارون أخي عيسى فتنكر له ونـادى عيسـى فـي الناس بمسالمة حميد فاستدعاه إبراهيم وعاتبه بذلك فأنكر واعتذر فأمر به فضرب وحبس عدة من قواده وأفلت العباس خليفته فمشى بعض الناس إلى بعض ووافقوا العباس على خلع إبراهيم وطردوا عامله من الجسر والكرخ‏.‏ وثار الرعاع والغوغاء‏.‏ وكتب العباس إلى حميد يستقدمه ليسلم إليه بغداد ونزل صرصر وخرج إليه العباس والقواد وتواعـدوا لخلع إبراهيم على أن يدفع لهم العطاء وبلغ الخبر إلى إبراهيم فأخرج عيسى وأخوته وسأله قتال حميد فامتنع‏.‏ ودخل حميد فصلى الجمعة وخطب للمأمون وشرع في العطاء ثم قطعـه عنهـم فغضـب الجنـد‏.‏ وعـاود إبراهيـم سؤال عيسى في قتال حميد ومدافعته فقاتل قليلاً وارتحـل حميـد فنـزل فـي وسـط المدينـة وتسلـل أصحـاب إبراهيم إلى المدائن فملكوها وقاتل بقيتهم حميـد وكـان الفضـل بـن الربيـع مـع إبراهيم فتحول إلى حميد وكاتب المطلب بن عبد الله بن مالك بـأن يسلمـوه إليـه‏.‏ وكـان سعيـد بـن الساحـور والبـط وغيرهـم مـن القـواد يكاتبـون علي بن هشام بمثل ذلـك‏.‏ ولمـا علـم إبراهيـم بمـا اجتمعـوا عليـه أقبل على مداراتهم إلى أن جن الليل‏.‏ ثم تسرب في البلد واختفى منتصف ذي الحجة من سنة ثلاث وبلغ الخبر إلى حميد وعلي بن هشام فأقبلوا إلى دار إبراهيم فلم يجدوه وذلك لسنتين من بيعته‏.‏ وأقام علي بن هشام على شرقي بغداد وحميد على غربيها وأظهر سهل بن سلامة ما كان يدعو إليه فقربه حميد ووصله‏.‏