فصل: فتح جرجان وطبرستان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  مقتل موسى بن حازم

كان عبد الله بن حازم لما قتل بني تميم بخراسان وافترقوا عليه فخرج إلى نيسابور وخاف بنو تميم على ثقله بمرو فقال لابنه موسى‏:‏ اقطع نهر بلخ حتى نلتجىء إلى بعض الملوك أو إلى حصن نقيم فيه‏.‏ فسار موسى عن مرو في مائتين وعشرين فارساً واجتمع إليه شبه الأربعمائة وقوم من بني سليم وأتى قم فقاتله أهلها فظفر بهم وأصاب منهم مالاً وقطع النهر‏.‏ وسأل صاحب بخارى أن يأوي إليه فأبى وخافه وبعث إليه بصلة فسار عنه وعرض نفسه على ملوك الترك فأبوا خشية منه وأتى سمرقند فأذن له ملكها طرخون ملك الصغد في المقام فأقام وبلغه قتل أبيه عبد الله بن حازم ولم يزل مقيماً بسمرقند‏.‏ وبارز بعض أصحابه يوماً بعض الصغد فقتله فأخرجه طرخون عنه فأتى كش فنزلها ولم يطق صاحبها مدافعته واستجاش عليه بطرخون‏.‏ فخرج موسى للقائه وقد اجتمع معه سبعمائة فارس فاقتتلوا إلى الليل ودس موسى بعض أصحابه إلى طرخون يخوفه عاقبة أمره وأن كل من يأتي خراسان يطالبه بدمه‏.‏ فقال يرتحل عن كش‏.‏ قال له نعم وكف حتى ارتحل وأتى ترمذ فنزل إلى جانب حصن بها مشرف على النهر وأبى ملك ترمذ من تمليكه الحصن فأقام هنالك ولاطف الملك وتودد له وصار يتصيد معه‏.‏ وصنع له الملك يوماً طعاماً وأحضره في مائة من أصحابه ليأكلوا فلما طعموا امتنعوا من الذهاب وقال موسى‏:‏ هذا الحصن إما بيتي أو قبري وقاتلهم فقتل منهم عدة واستولى على الحصن وأخرج ملك ترمذ ولم يتعرض له ولا لأصحابه‏.‏ ولحق به جمع من أصحاب أبيه فقوي بهم وكان يغير على ما حوله‏.‏ولما ولي أمية خراسان سار لغزوه وخالفه بكير كما تقدم‏.‏ ثم بعث إليه بعد صلحه مع بكير الجيوش مع رجل من خزاعة وحاصروه‏.‏ وعاود ملك ترمذ استنصاره بالترك في جمع كثير ونزلوا عليه من جانب آخر‏.‏ وكان يقاتل العرب أول النهار والترك آخره ثلاثة أشهر‏.‏ ثم بيت الترك ليلة فهزمهم وحوى عسكرهم بما فيه من المال والسلاح ولم يهلك من أصحابه إلا ستة عشر رجلاً‏.‏ وأصبح الخزاعي والعرب وقد خافوا مثلها‏.‏ وغدا عمر بن خالد بن حصين الكلابي على موسى بن حازم وكان صاحبه فقال إنا لا نظفر إلا بمكيدة فاضربني وخلني فضربه خمسين سوطاً فلحق بالخزاعي وقال‏:‏ إن ابن حازم اتهمني بعصبيتكم وإني عين لكم فأمنه الخزاعي وأقام عنده‏.‏ ودخل عليه يوماً وهو خال فقال له لا ينبغي أن تكون بغير سلاح‏.‏ فرفع طرف فراشه وأراه سيفاً منتضى تحته فضربه عمر حتى قتله ولحق بموسى‏.‏ وتفرق الجيش واستأمن بعضهم موسى‏.‏ ولما ولي المهلب على خراسان قال لبنيه إياكم وموسى فإنه إن مات جاء على خراسان أمير من قيس‏.‏ ثم لحق به حريث وثابت ابنا قطنة الخزاعي فكانا معه‏.‏ ولما ولي يزيد أخذ أموالهما وحرمهما وقتل أخاهما للأم الحارث بن معقد فسار ثابت إلى طرخون صريخاً وكان محبباً إلى الترك فغضب له طرخون‏.‏ وجمع له نيزك وملك الصغد وأهل بخارى والصاغان فقدموا مع ثابت إلى موسى وقد اجتمع عليه فل عبد الرحمن بن عباس من هراة وفل ابن الأشعث من العراق ومن كابل‏.‏ فكان معه نحو ثمانية آلاف فقال له ثابت وحريث‏:‏ سر بنا في هذا العسكر مع الترك فنخرج يزيد من خراسان ونوليك فحذر موسى أن يغلباه على خراسان ونصحه بعض أصحابه في ذلك فقال لهما إن أخرجنا يزيد قدم عامل المدينة عبد الملك ولكنا نخرج عمال يزيد من وراء النهر ويكون لنا فأخرجوهم وانصرف طرخون والترك‏.‏ وقوي أمر العرب بترمذ وجبوا الأموال واستبد ثابت وحريث على موسى وأغراه أصابه بهما فهم بقتلهما وإذا بجموع العجم قد خرجت إليهم من الهياطلة والتبت والترك فخرج موسى فيمن معه للقتال‏.‏ ووقف ملك الترك على ما قيل في عشرة آلاف فحمل عليهم حريث بن قطنة حتى أزالهم عن موضعهم وأصيب بسهم في وجهه وتحاجزوا‏.‏ ثم بيتهم موسى فانهزموا وقتل من الترك خلق كثير ومات منهم قليل‏.‏ ومات حريث بعد يومين ورجع موسى بالظفر والغنيمة‏.‏ وقال له أصحابه قد كفينا أمر حريث فاكفنا أمر ثابت فأبى‏.‏ وبلغ ثابت بعض ما كانوا يخوضون فيه ودس محمد بن عبد الله الخزاعي عليهم على أنه من سبي الباسيان ولا يحسن العربية فاتصل بموسى وكان ينقل إلى ثابت خبر أصحابه فقال لهم ليلة قد أكثرتم علي فعلى أي وجه تقتلونه ولا أغدر به‏.‏ فقال له أخوه نوح إذا أتاك غداً عدلنا به إلى بعض الدور فقتلناه قبل أن يصل إليك‏.‏ فقال والله إنه لهلاككم وجاء الغلام إلى ثابت بالخبر فخرج من ليلته في عشرين فارساً وأصبحوا ففقدوه وفقدوا الغلام فعلموا أنه كان عيناً‏.‏ ونزل ثابت بحشود واجتمع إليه خلق كثير من العرب والعجم‏.‏ وسار إليه موسى وقاتله فحصر ثابتاً بالمدينة‏.‏ وأتاه طرخون مدد فرجع موسى إلى ترمذ‏.‏ ثم اجتمع ثابت وطرخون وأهل بخارى ونسف وأهل كش في ثمانين ألفاً‏.‏ فحاصروا موسى بترمذ حتى جهد أصحابه‏.‏ وقال يزيد بن هذيل والله لأقتلن ثابتاً أو أموت فاستأمن إليه وحذره بعض أصحابه منه فأخذ ابنيه قدامة والضحاك رهناً وأقام يزيد يتلمس غرة ثابت‏.‏ ومات ابن الزياد والقصير الخزاعي فخرج إليه ثابت يعزيه وهو بغير سلاح فضربه يزيد على رأسه وهرب‏.‏ وأخذ طرخون قدامة والضحاك ابني يزيد فقتلهما‏.‏ وهلك ثابت لسبعة أيام وقام مكانه من أصحابه ظهير وضعف أمرهم وبيتهم موسى ليلاً في ثلثمائة فبعث إليه طرخون كف أصحابك فإنا نرحل الغداة‏.‏ فرجع وارتحل طرخون والعجم جميعاً‏.‏ولما ولي المفضل خراسان بعث عثمان بن مسعود في جيش إلى موسى بن حازم وكتب إلى مدرك بن المهلب في بلخ بالمسير معه فعبر النهر في خمسة عشر ألفاً وكتب إلى رتبيل وإلى طرخون أن يكونوا مع عثمان فحاصروا موسى بن حازم فضيقوا عليه شهرين وقد خندق عثمان على معسكره‏.‏ حذر البيات‏.‏ فقال موسى لأصحابه اخرجوا بنا مستميتين واقصدوا الترك فخرجوا وخلف النضر ابن أخيه سليمان في المدينة‏.‏ وقال له‏:‏ إن أنا قتلت فملك المدينة لمدرك بن المهلب دون عثمان وجعل ثلث أصحابه بإزاء عثمان وقال لا تقاتلوه إلا إن قاتلكم‏.‏ وقصد طرخون وأصحابه وصدقوهم القتال فانهزم طرخون وأخذوا وحجزت الترك والصغد بينهم وبين الحصن فقاتلهم فعقروا فرسه وأردفه مولى له فبصر به عثمان حين وثب فعرفه فقصده وعقروا به الفرس وقتلوه وقتل خلق كثير من العرب‏.‏ وتولى قتل موسى واصل العنبري ونادى منادي عثمان بكف القتل وبالأسر وبعث النضر بن سليمان إلى مدرك بن المهلب فسلم إليه مدينة ترمذ وسلمها مدرك إلى عثمان‏.‏ وكتب المفضل إلى الحجاج بقتل موسى فلم يسره لأنه من قيس وكان قتل موسى سنة خمس وثمانين لخمس عشرة سنة من تغلبه على ترمذ‏.‏

  البيعة للوليد بالعهد

وكان عبد الملك يروم خلع أخيه عبد العزيز من ولاية العهد والبيعة لابنه الوليد وكان قبيصة ينهاه عن ذلك ويقول‏:‏ لعل الموت يأتيه وتدفع العار عن نفسك وجاءه روح بن زنباغ ليلة وكان عنده عظيماً ففاوضه في ذلك فقال‏:‏ لو فعلته ما انتطح فيه عنزان‏.‏ فقال نصلح إن شاء الله وأقام روح عنده ودخل عليهما قبيصة بن ذؤيب من جنح الليل وهما نائمان وكان لا يحجب عنه وإليه الخاتم والسكة فأخبره بموت عبد العزيز أخيه‏.‏ فقال روح كفانا الله ما نريد‏.‏ ثم ضم مصر إلى ابنه عبد الله بن عبد الملك وولاه عليها‏.‏ ويقال‏:‏ إن الحجاج كتب إلى عبد الملك يزين له بيعة الوليد فكتب إلى عبد العزيز إني رأيت أن يصير الأمر إلى ابن أخيك فكتب له أن تجعل الأمر له من بيعة فكتب له إني أرى في أبي بكر ما ترى في الوليد‏.‏ فكتب له عبد الملك أن يحمل خراج مصر فكتب إليه عبد العزيز إني وإياك يا أمير المؤمنين قد أشرفنا على عمر أهل بيتنا ولا ندري أينا يأتيه الموت فلا تفسد علي بقية عمري فرق له عبد الملك وتركه‏.‏ ولما بلغ الخبر بموت عبد العزيز عبد الملك أمر الناس بالبيعة لابنه الوليد وسليمان وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان‏.‏ وكان على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي فدعا الناس إلى البيعة فأجابوا وأبى سعيد بن المسيب فضربه ضرباً مبرحاً وطاف به وحبسه‏.‏ وكتب عبد الملك إلى هشام يلومه ويقول‏:‏ إن سعيداً ليس عنده شقاق ولا نفاق ولا خلاف وقد كان ابن المسيب امتنع من بيعة ابن الزبير‏.‏ فضربه جابر بن الأسود عامل المدينة لابن الزبير ستين سوطاً وكتب إليه ابن الزبير يلومه‏.‏ وقيل‏:‏ إن بيعة الوليد وسليمان كانت سنة أربع وثمانين والأول أصح‏.‏ وقيل قدم عبد العزيز على أخيه عبد الملك من مصر فلما فارقه وصاه عبد الملك فقال ابسط بشرك وألن كنفك وآثر الرفق في الأمور فهو أبلغ لك وانظر حاجبك وليكن من خير أهلك فإنه وجهك ولسانك‏.‏ ولا يقفن أحد ببابك إلا أعلمك مكانه لتكون أنت الذي تأذن له أو ترده فإذا خرجت إلى مجلسك فابدأ جلساءك بالكلام يأنسوا بك وتثبت في قلوبهم محبتك‏.‏ وإذا انتهى إليك مشكل فاستظهر عليه بالمشورة فإنها تفتح مغاليق الأمور المبهمة‏.‏ واعلم أن لك نصف الرأي ولأخيك نصفه ولن يهلك امرؤ من مشورة‏.‏ وإذا سخطت على أحد فأخر عقوبته فإنك على العقوبة بعد التوقف عنها أقدر منك على ردها بعد إصابتها‏.‏

  وفاة عبد الملك وبيعة الوليد

ثم توفي عبد الملك منتصف شوال سنة ست وثمانين وأوصى إلى بنيه فقال‏:‏ أوصيكم بتقوى الله فإنها أزين حلية وأحصن كهف ليعطف الكبير منكم على الصغير وانظروا مسلمة فاصدروا عن رأيه فإنه نابكم الذي عنه تفترون ولحيكم الذي عنه ترمون‏.‏ وأكرموا الحجاج فإنه الذي وطأ لكم المنابر ودوخ لكم البلاد وأذل لكم مغنى الأعداء‏.‏ وكونوا بني أم بررة لا تدب بينكم العقارب‏.‏ وكونوا في الحرب أحراراً فإن القتال لا يقرب منية‏.‏ وكونوا للمعروف مناراً فإن المعروف يبقى أجره وذخره وذكره وضعوا معروفكم عند ذوي الأحساب فإنه لصون له واشكر لما يؤتى إليهم منه وتعهدوا ذنوب أهل الذنوب فإن استقالوا فأقيلوا وإن عادوا فانتقموا‏.‏ ولما دفن عبد الملك قال الوليد‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون والله المستعان على مصيبتنا بموت أمير المؤمنين والحمد لله على ما أنعم علينا من الخلافة‏.‏ فكان أول من عزى نفسه وهنأها‏.‏ ثم قام عبد الله بن همام السامولي وهو يقول‏:‏ الله أعطاك التي لا فوقها وقد أراد الملحدون عوقها‏.‏ عنك ويأبى الله إلا سوقها إليك حتى قلدوك طوقها‏.‏ وبايعه ثم بايعه الناس بعده وقيل إن الوليد صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس لا مقدم لما أخره الله ولا مؤخر لما قدمه الله وقد كان من قضاء الله وسابق علمه وما كتب على أنبيائه وحملة عرشه الموت وقد صار إلى منازل الأبرار وولي هذه الأمة بالذي يحق عليه في الشدة على المذنب واللين لأهل الحق والفضل وإقامة ما أقام الله من منازل الإسلام وإعلائه من حج البيت وغزو الثغور وشن الغارة على أعداء الله فلم يكن عاجزاً ولا مفرطاً‏.‏ أيها الناس عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة فإن الشيطان مع المنفرد‏.‏ أيها الناس من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه ومن سكت مات بدائه ثم نزل‏.‏ قدم قتيبة خراسان أميراً عن الحجاج سنة ست وثمانين فعرض الجند وحث على الجهاد وسار غازياً وجعل على الحرب بمرو إياس بن عبد الله بن عمرو وعلى الخراج عثمان بن السعد وتلقاه دهاقين البلخ والطالقان وساروا معه‏.‏ ولما عبر النهر تلقاه ملك الصغانيان بهداياه‏.‏ وكان ملك أخرون وسومان يسيء جواره فدعاه إلى بلاده وسلمها إليه‏.‏ وسار قتيبة إلى أخرون وسومان وهو من طخارستان فصالحه ملكهما على فدية أداها إليه وقبضها ثم انصرف إلى مرو واستخلف على الجند أخاه صالح بن مسلم ففتح بعد رجوع قتيبة كاشان وأورشت من فرغانة ثم أخسيكت مدينة فرغانة القديمة‏.‏ وكان معه ابن يسار وأبلى في هذه الغزاة‏.‏ وقيل إن قتيبة قدم خراسان سنة خمس وثمانين وكان من ذلك السبي امرأة برمك‏.‏ وكان برمك على النوبهار فصارت لعبد الله بن مسلم أخي قتيبة فوقع عليها وعلقت منه بخالد ثم صالح أهل بلخ وأمر قتيبة برد السبي فألحق عبد الله به حملهما‏.‏ ثم ردت إلى برمك‏.‏وذكر أن ولد عبد الله بن مسلم ادعوه ورفعوا أمرهم إلى المهدي وهو بالري فقال لكم بعض قرابتهم إنكم إن استلحقتموه لا بد لكم أن تزوجوه فتركوه‏.‏ ولما صالح قتيبة ملك سومرن كتب إلى بترك طرخان صاحب باذغيس فيمن عنده من أسرى المسلمين وهددهم فبعث بهم إليه‏.‏ ثم كتب إليه يستقدمه على الأمان فخشي وتثاقل ثم قدم وصالح لأهل باذغيس على أن لا يدخلها قتيبة ثم غزا بيكنداد في مدائن بخارى إلى النهر سنة سبع وثمانين‏.‏ فلما نزل بهم استجاشوا بالصغد وبمن حولهم من الترك وساروا إليه في جموع عظيمة وأخذوا عليه الطرق‏.‏ فانقطعت الأخبار والرسل ما بينه وبين المسلمين شهرين ثم هزمهم بعض الأيام وأثخن فيهم بالقتل والأسر وجاء إلى السور ليهدمه فسألوا الصلح فصالحهم واستعمل عليهم وسار عنهم غير بعيد‏.‏ فقتلوا العامل ومن معه فرجع إليهم وهدم سورهم وقتل المقاتلة وسبى الذرية وغنم من السلاح وآنية الذهب والفضة ما لم يصيبوا مثله‏.‏ثم غزا سنة ثمان وثمانين بلد نومكثت فصالحوه وسار إلى رامسة فصالحوه أيضاً فانصرف وزحف أيضاً إليه الترك والصغد وأهل فرغانة في مائتي ألف وملكهم كوربعابور ابن أخت ملك الصين واعترضوا مقدمته وعليها أخوه عبد الرحمن فقاتلهم حتى جاء قتيبة وكان ينزل معه فأبلى مع المسلمين‏.‏ ثم انهزم الترك وجموعهم ورجع قتيبة إلى مرو ثم أمره الحجاج سنة تسع وثمانين بغزو بخارى وملكها وردان خذاه فعبر النهر من زم ولقيه الصغد وأهل كش ونسف بالمفازة وقاتلوه فهزمهم ومضى إلى بخارى فنزل عن يمين وردان ولم يظفر منه بشيء ورجع إلى مرو‏.‏كان الوليد عزل هشام بن إسماعيل المخزومي عن المدينة سنة سبع وثمانين لأربع سنين من ولايته وولى عليها عمر بن عبد العزيز فقدمها ونزل دار مروان ودعا عشرة من فقهاء المدينة فيهم الفقهاء السبعة المعروفون فجعلهم أهل مشورته لا يقطع أمراً دونهم وأمرهم أن يبلغوه الحاجات والظلامات فشكروه وجزوه خيراً ودعا له الناس‏.‏ ثم كتب إليه سنة ثمان أن يدخل حجر أمهات المؤمنين في المسجد ويشتري ما في نواحيه حتى يجعله مائتي ذراع في مثلها وقدم القبلة‏.‏ ومن أبى أن يعطيك ملكه فقومه قيمة عدل وادفع إليه الثمن واهدم عليه الملك ولك في عمر وعثمان أسوة‏.‏ فأعطاه أهل الأملاك ما أحب منها بأثمانها وبعث الوليد إلى ملك الروم أنه يريد بناء المسجد فبعث إليه ملك الروم بمائة ألف مثقال من الذهب ومائة من الفعلة وأربعين حملاً من الفسيفساء وبعث بذلك كله إلى عمر بن عبد العزيز واستكثر معهم من فعلة الشام وشرع عمر في عمارته اه‏.‏ وولى الوليد في سنة تسع وثمانين على مكة خالد بن عبد الله القسري‏.‏

  فتح السند

كان الحجاج قد ولى على ثغر السند ابن عمه محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل وجهز معه ستة آلاف مقاتل ونزل مكران فأقام بها أياماً‏.‏ ثم أتى فيريوز ففتحها ثم أرمايل‏.‏ ثم سار إلى الدبيل وكان به بد عظيم في وسط المدينة على رأسه دقل عظيم وعليه راية‏.‏ فإذا هبت الريح دارت فأطافت بالمدينة‏.‏ والبد صنم مركوز في بناء والدقل منارة عليه‏.‏ وكل ما يعبد فهو عندهم بد‏.‏ فحاصر الدبيل ورماهم بالمنجنيق فكسر الدقل فتطيروا بذلك‏.‏ ثم خرجوا إليه فهزمهم وتسنم الناس الأسوار ففتحت عنوة وأنزل فيها أربعة آلاف من المسلمين وبنى جامعها وسار عنها إلى النيروز‏.‏ وقد كانوا بعثوا إلى الحجاج وصالحوه فلقوا محمداً بالميرة وأدخلوه مدينتهم وسار عنها‏.‏ وجعل لا يمر بمدينة من مدائن السند إلا فتحها حتى بلغ نهر مهران واستعد ملك السند لمحاربته واسمه داهر بن صصة‏.‏ ثم عقد الجسر على النهر وعبر فقاتله داهر وهو على الفيل وحوله الفيلة‏.‏ ثم اشتد القتال وترجل داهر فقاتل حتى قتل وانهزم الكفار واستلحمهم المسلمون‏.‏ ولحقت امرأة داهر بمدينة رارو فساروا إليها وخافته فأحرقت نفسها وجواريها‏.‏ وملك المدينة ولحق الفل بمدينة بدهمتاباد العتيقة على فرسخين من مكان المنصورة وهي يومئذ غيضة ففتحها عنوة واستلحم من وجد بها وخربها‏.‏ ثم استولى على مدائن السند واحدة واحدة وقطع نهر ساسل إلى الملقاد فحاصرها وقطع الماء عنها فنزلوا على حكمه‏.‏ فقتل المقاتلة وسبى الذرية وقتل سدنة البلد وهم ستة آلاف‏.‏ وأصابوا في البلد ذهباً كثيراً في بيت طوله عشرة أذرع وعرضه ثمانية كانت الأموال تهدى إليه من البلدان ويحجون إليه ويحلقون شعرهم عنده ويزعمون أنه هو أيوب‏.‏ فاستكمل فتح السند وبعث من الخمس بمائة وعشرين ألف‏:‏ ألف وكانت النفقة نصفها‏.‏

  فتح الطالقان وسمرقند وغزو كش ونسف والشاش وفرغانة وصلح خوارزم

قد تقدم أن قتيبة غزا بخارى سنة تسع وثمانين وانصرف عنها ولم يظفر‏.‏ وبعث إليه الحجاج سنة تسعين يوبخه على الانصراف عنها ويأمره بالعود‏.‏ فسار إليها ومعه نيزك طرخان صاحب باذغيس وحاصرها‏.‏ واستجاش ملكها وردان أخذاه بمن حوله من الصغد والترك‏.‏ فلما جاء مددهم خرجوا إلى المسلمين وكانت الأزد في المقدمة فانهزموا حتى جازوا عسكر المسلمين ثم رجعوا وزحفت العساكر حتى ردوا الترك إلى موقفهم ثم زحف بنو تميم وقاتلوا الترك حتى خالطوهم في مواقفهم وأزالوهم عنها‏.‏ وكان بين المسلمين وبينهم نهر لم يتجاسر أحد على عبوره إلا بنو تميم فلما زالوا عن مواقفهم عبر الناس واتبعوهم وأثخنوا فيهم بالقتل وخرج خاقان وابنه وفتح الله على المسلمين وكتب بذلك إلى الحجاج‏.‏ ولما استوت الهزيمة جاء طرخون ملك الصغد ومعه فارسان ودنا من عسكر قتيبة يطلب الصلح على فدية يؤديها فأجابه قتيبة وعقد له ورجع قتيبة ومعه نيزك وقد خافه لما رأى من الفتوح فاستأذنه في الرجوع وهو بآمد فرجع يريد طخارستان وأسرع السير‏.‏ وبعث قتيبة إلى المغيرة بن عبد الله يأمره بحبسه وتبعه المغيرة فلم يدركه وأظهر نيزك الخلع ودعا لذلك الأصبهبذ ملك بلخ وباذان ملك مرو الروذ وملك الطالقان وملك الفارياب وملك الجوزجان فأجابوه وتوعدوا لغزو قتيبة‏.‏ وكتب إلى كاتب شاه يستظهر به وبعث إليه بأثقاله وأمواله واستأذنه في الإتيان إن اضطر إلى ذلك‏.‏ وكان جيفونة ملك طخارستان نيزك عنده فاستضعفه وقبض عليه وقيده خشية من خلافه وأخرج عامل قتيبة من بلده‏.‏ وبلغ قتيبة خبرهم قبل الشتاء وقد تفرق الجند فبعث أخاه عبد الرحمن بن مسلم في اثني عشر ألف إلى البروقان وقال أقم بها ولا تحدث شيئاً فإذا انقضى الشتاء تقدم إلى طخارستان وأنا قريب منك‏.‏ ولما انصرم الشتاء استقدم قتيبة الجنود من نيسابور وغيرها فقدموا فسار نحو الطالقان وكان ملكها قد دخل معهم في الخلع ففتحها وقتل من أهلها مقتلة عظيمة وصلب منهم سماطين أربعة فراسخ في مثلها واستخلف عليها أخاه محمد بن مسلم وسار إلى القاربات فخرج إليه ملكها مطيعاً‏.‏ واستعمل عليها وسار إلى ثم أتى بلخ وتلقاه أهلها بالطاعة وسار يتبع أخاه عبد الرحمن إلى شعب حمله ومضى نيزك إلى بغلان وخلف المقاتلة على فم الشعب ولا يهتدي إلى مدخل ومضايقوه يمنعونه‏.‏ ووضع أثقاله في قلعة من وراء الشعب‏.‏ وأقام قتيبة أياماً يقاتلهم على فم الشعب ولا يهتدي إلى مدخل حتى دله عليه بعض العجم هنالك على طريق سرب منه الرجال إلى القلعة فقاتلوهم وهرب من بقي منهم ومضى إلى سمنجان ثم إلى نيزك وقدم أخاه عبد الرحمن‏.‏ وارتحل نيزك إلى وادي فرغانة وبعث أثقاله وأمواله إلى كابل شاه ومضى إلى السكون فتحصن به ولم يكن له إلا مسلك واحد صعب على الدواب فحاصره قتيبة شهرين حتى جهدوا وأصابهم جهد الجدري‏.‏ وقرب فصل الشتاء فدعا قتيبة بعض خواصه ممن كان يصادق نيزك فقال‏:‏ انطلق إليه وأثن عليه بغير أمان وإن أعياك فأمنه‏.‏ وإن جئت دونه صلبتك‏.‏ فمضى الرجل وأشار علية بلقائه وأنه عازم على أن يشق هنالك فقال أخشاه فقال له لا يخلصك إلا إتيانك وتنصح له بذلك ولأنه يخشى عليه من غدر أصحابه الذين معه‏.‏ ولم يزل يفتل له في الذروة والغارب وهو يمتنع حتى قال له إنه قد أمنك‏.‏ فأشار عليه أصحابه بالقبول لعلمهم بصدقه وخرج معه نيزك ومعهم جيفونة ملك طخارستان الذي كان قيده حتى انتهوا إلى الشعب وهناك خيل أكمنه الرجل ما كان فيه وكتب إلى الحجاج يستأذنه في قتل نيزك فوافاه كتابه لأربعين يوماً بقتله فقتله وقتل معه صول طرخان خليفة جيفونة وابن أخي نيزك ومن أصحابه سبعمائة وصلبهم وبعث برأسه إلى الحجاج‏.‏ وأطلق جيفونة وبعث إلى الوليد‏.‏ثم رجع إلى مرو‏.‏ وأرسل إليه ملك الجوزجان يستأمنه فأمنه على أن يأتيه فطلب الرهن فأعطاه وقدم‏.‏ ثم رجع فمات بالطالقان وذلك سنة إحدى وتسعين‏.‏ ثم سار إلى شومان فحاصرها وقد كان ملكها طرد عامل قتيبة من عنده فبعث إليه بعد مرجعه من هذه الغزاة أن يؤدي ما كان صالح عليه فقتل الرسول فسار إليه قتيبة وبعث له صالح أخو قتيبة وكان صديقه ينصحه في مراجعة الطاعة فأبى فحاصره قتيبة ونصب عليه المجانيق فهدم الحصن وجمع الملك ما في الحصن من مال وجوهر ورمى به في بئر لا يدرك قعره ثم استمات وخرج فقاتل حتى قتل‏.‏ وأخذ قتيبة القلعة عنوة فقتل المقاتلة وسبى الذرية ثم بعث أخاه عبد الرحمن إلى الصغد وملكهم طرخون فأعطى ما كان عليه قتيبة‏.‏ وسار قتيبة إلى كش ونسف فصالحوه ورجع ولقي أخاه ببخارى وساروا إلى مرو‏.‏ ولما رجع عن الصغد حبس الصغد ملكهم طرخون لإعطائه الجزية وولوا عليهم غورك فقتل طرخون نفسه‏.‏ ثم غزا في سنة اثنتين وتسعين إلى سجستان يريد رتبيل فصالحه وانصرف‏.‏ وكان ملك خوارزم قد غلبه أخوه خراد على أمره وكان أصغر منه وعاث في الرعية وأخذ أموالهم وأهليهم فكتب إلى قتيبة يدعوه إلى أرضه ليسلمها إليه على أن يمكنه من أخيه ومن عصاه من دونهم‏.‏ فأجابه قتيبة ولم يطلع الملك أحداً من مرازبته على ذلك‏.‏ وتجهز قتيبة سنة ثلاث وتسعين وأظهر غزو الصغد فأقبل أهل خوارزم على شأنهم ولم يحتفلوا بغزوه وإذا به قد نزل هزار سب قريباً منهم‏.‏ وجاء أصحاب خوارزم شاه إليه يدعوه للقتال‏.‏ فقال ليس لنا به طاقة ولكن نصالحه على شيء نعطيه كما فعل غيرنا‏.‏ فوافقوه وسار إلى مدينة الفيد من وراء النهر وهذا حصن بلاده‏.‏ وصالحه بعشرة آلاف رأس وعين ومتاع وأن يعينه على خام جرد وقيل على مائة ألف رأس‏.‏ وبعث قتيبة أخاه عبد الرحمن إلى خام جرد وهو عدو لخوارزم شاه فقاتله وقتله عبد الرحمن وغلب على أرضه وأسر منهم أربعة آلاف فقتلهم‏.‏ وسلم قتيبة إلى خوارزم شاه أخاه ومن كان يخالفه من أمرائه فقتلهم ودفع أموالهم إلى قتيبة‏.‏ ولما قبض قتيبة أموالهم أشار عليه المحشر بن مخازم السلمي بغزو الصغد وهم آمنون على مسافة عشرة أيام‏.‏ فقال اكتم ذلك فقدم أخاه الفرسان والرماة وبعثوا بالأثقال إلى مرو وخطب قتيبة الناس وحثهم على الصغد وذكرهم الضغائن فيهم‏.‏ ثم سار فأتى الصغد بعد ثلاث من وصول أخيه فحاصرهم بسمرقند شهراً واستجاشوا ملك الشاش وأخشاد خاقان وفرغانة فانتخبوا أهل النجدة من أبناء الملوك والمرازبة والأساورة وولوا عليهم ابن خاقان وجاؤوا إلى المسلمين فانتخب قتيبة من عسكره ستمائة فارس وبعث بهم أخاه صالحاً لاعتراضهم في طريقهم فلقوهم بالليل وقاتلوهم أشد قتال فهزموهم وقتلوهم وقتلوا ابن خاقان ولم يفلت منهم إلا القليل وغنموا ما معهم ونصب قتيبة المجانيق فرماهم بها وثلم السور واشتد في قتالهم وحمل الناس عليهم إلى أن بلغوا الثلمة‏.‏ ثم صالحوه على ألفي ألف ومائتي ألف مثقال في كل عام وأن يعطوه تلك السنة ثلاثين ألف رأس وأن يمكنوه من بناء مسجد بالمدينة ويخلوها حتى يدخل فيصلي فيه‏.‏ فلما فعل ذلك ودخل المدينة أكرههم على إقامة جند فيها‏.‏ وقيل إنه شرط عليهم الأصنام وما في بيوت النار فأعطوه فأخذ الحلية وأحرق الأصنام وجمع من بقايا مساميرها وكانت ذهباً خمسين ألف مثقال‏.‏ وبعث بجارية من سبيها من ولد يزدجرد إلى الحجاج فأرسلها الحجاج إلى الوليد وولدت له يزيد‏.‏ ثم قال فورك لقتيبة انتقل عنا فانتقل وبعث إلى الحجاج بالفتح‏.‏ ثم رجع إلى مرو واستعمل على سمرقند إياس بن عبد الله على حربها وعبيد الله بن أبي عبيد الله مولى مسلم على خراجها فاستضعف أهل خوارزم إياساً وجمعوا له فبعث قتيبة عبد الله عاملاً على سمرقند وأمره أن يضرب إياساً وحبايا السطي مائة مائة ويخلعهما‏.‏ فلما قرب عبد الله من خوارزم مع المغيرة بن عبد الله فبلغهم ذلك وخشي ملكهم من أبناء الذين كان قتلهم ففر إلى بلاد الترك‏.‏ وجاء المغيرة فقتل وسبى وصالحه الباقون على الجزية ورجع إلى قتيبة فولاه على نيسابور‏.‏ ثم غزا قتيبة سنة أربع وتسعين إلى ما وراء النهر وفرض البعث على أهل بخارى وكش ونسف وخوارزم فسار منهم عشرون ألف مقاتل فبعثهم إلى الشاش‏.‏ وسار هو إلى خجندة فجمعوا له واقتتلوا مراراً كان الظفر فيها للمسلمين وفتح الجند الذين ساروا إلى مدينة الشاش وأحرقوها ورجعوا إلى قتيبة وهو على كشان مدينة فرغانة وانصرف إلى مرو‏.‏ ثم بعث الحجاج إليه جيشاً من العراق وأمره بغزو الشاش فسار لذلك وبلغه موت الحجاج فرجعوا إلى مرو‏.‏

  خبر يزيد بن المهلب وإخوته

كان الحجاج قد حبس يزيد وإخوته سنة ست وثمانين وعزل حبيب بن المهلب عن كرمان فأقاموا في محبسهم إلى سنة تسعين وبلغه أن الأكراد غلبوا على فارس فعسكر قريباً من البصرة للبعث وأخرج معه بني المهلب وجعلهم في فسطاط قريباً منه ورتب عليهم الحرس من أهل الشام‏.‏ ثم طلب منهم ستة آلاف ألف وأمر بعذابهم وبكت أختهم هند بنت المهلب زوجة الحجاج فطلقها‏.‏ ثم كف عنهم وجعل يستأدبهم وبعثوا إلى أخيهم مروان وكان على البصرة أن يعد لهم خيلاً وكان حبيب منهم يعذب بالبصرة‏.‏ فصنع يزيد للحرس طعاماً كثيراً وأمر لهم بشراب فآقاموا يتعاقرون واستغفلهم يزيد والمفضل وعبد الملك وخرجوا ولم يفطنوا لهم‏.‏ ورفع الحرس خبرهم إلى الحجاج فخشيهم على خراسان وبعث البريد إلى قتيبة ليخبرهم ليحذرهم وكان يزيد قد ركب السفن إلى البطائح واستقبلته الخيل المعدة له هناك وساروا إلى الشام على السماوة ومعهم دليل من كلب‏.‏ ونمي خبرهم فبعث إلى الوليد بذلك وقدموا إلى فلسطين فنزلوا على وهيب بن عبد الرحمن الأزدي وكان كريماً على سليمان فأخبره بحالهم وأنهم استجاروا به من الحجاج فقال ائتني بهم فقد أجرتهم‏.‏ وكتب الحجاج إلى الوليد أن بني المهلب خانوا مال الله وهربوا مني فلحقوا بسليمان فسكن ما به لأنه كان خشيهم على خراسان كما خشيهم الحجاج وكان غاضباً للمال الذي ذهبوا به‏.‏ فكتب سليمان إلى الوليد أن يزيداً عندي وقد أمنته وكان الحجاج أغرمه ستة آلاف ألف فأد نصفها وأنا أؤدي النصف‏.‏فكتب الوليد لا أؤمنه حتى تبعث به فكتب سليمان لأجيئن معه فكتب الوليد إذن لا أؤمنه‏.‏ فقال يزيد لسليمان لا يتشاءم الناس بي لكما فاكتب معي وتلطف ما أطقت فأرسله وأرسل معه ابنه أيوب وكان الوليد أمر أن يبعث مقيداً‏.‏ فقال سليمان لابنه ادخل على عمك أنت ويزيد في سلسلة‏.‏ فقال الوليد لما رأى ذلك لقد بلغنا من سليمان‏.‏ ثم دفع أيوب كتاب أبيه بالشفاعة وضمان المال عن يزيد فقرأه الوليد واستعطفه أيوب في ذمة أبيه وجواره وتكلم يزيد واعتذر فأمنه الوليد ورجع إلى سليمان وكتب الوليد إلى الحجاج بالكف عنهم فكف عن حبيب وأبي عبسة وكانا عنده وأقام يزيد عند سليمان يهدي إليه الهدايا ويصنع له الأطعمة‏.‏

  ولاية خالد القسري علي مكة وإخراج سعيد بن جبير عنها ومقتله

ولما كان في سنة ثلاث وتسعين كتب عمر بن عبد العزيز إلى الوليد يقص عليه أفعال الحجاج بالعراق وما هم فيه من ظلمه وعدوانه فبلغ بذلك الحجاج فكتب إلى الوليد‏:‏ إن كثيراً من المراق وأهل الشقاق قد انجلوا عن العراق ولحقوا بالمدينة ومكة ومنعهم عمر وأصابه من ذلك وهن‏.‏ فولى الوليد على مكة خالد بن عبد الله القسري وعثمان بن حيان بإشارة الحجاج وعزل عمر عن الحجاز وذلك في شعبان من السنة‏.‏ ولما قدم خالد مكة أخرج من كان بها من أهل العراق كرهاً وتهدد من أنزل عراقياً أو أجره داراً وكانوا أيام عمر بن عبد العزيز يلجأ إلى مكة والمدينة كل من خاف الحجاج فيأمن‏.‏ وكان منهم سعيد بن جبير هارباً من الحجاج وكان قد جعله على عطاء الجند الذين وجههم مع عبد الرحمن بن الأشعث إلى قتال رتبيل‏.‏ فلما خرج عبد الرحمن كان سعيد فيمن خلع فكان معه إلى أن هزم وسار إلى بلاد رتبيل فلحق سعيد بأصبهان وكتب الحجاج فيه إلى عماملها فتحرج من ذلك ودس إلى سعيد فسار إلى أذربيجان‏.‏ ثم طال عليه المقام فخرج إلى مكة فكان بها مع ناس أمثاله من طلبة الحجاج يستخفون بأسمائهم‏.‏ فلما قدم خالد بن عبد الله مكة أمره الوليد بحمل أهل العراق إلى الحجاج فأخذ سعيد بن جبير ومجاهداً وطلق بن حبيب وبعث بهم إلى الحجاج فمات طلق في الطريق وجيء بالآخرين إلى الكوفة وأدخلا على الحجاج‏.‏ فلما رأى سعيداً شتم خالداً القسري على إرساله وقال‏:‏ لقد كنت أعرف أنه بمكة وأعرف البيت الذي كان فيه ثم أقبل على سعيد وقال‏:‏ ألم أشركك في أمانتي‏.‏ ألم أستعملك‏.‏ ثم تفعل يعدد أياديه عنده‏.‏ فقال‏:‏ بلى قال‏:‏ فما أخرجك على قتالي أنا امرؤ من المسلمين أخطىء مرة وأصيب أخرى‏.‏ ثم استمر في محاورته فقال‏:‏ إنما كانت بيعـة فـي عنقـي فغضـب الحجـاج وقـال‏:‏ ألـم آخـذ بيعتك لعبد الملك بمكة بعد مقتل ابن الزبير ثم جـددت لـه البيعـة بالكوفـة فأخـذت بيعتـك ثانيـاً قـال‏:‏ بلـى قـال‏:‏ فنكثـت بيعتيـن لأميـر المؤمنيـن وتوفـي بواحدة للفاعل ابن الفاعل والله لأقتلنك‏.‏ فقال‏:‏ إني لسعيد كما سمتني أمي فضربت عنقه فهلـل رأسـه ثلاثـاً أفصـح منهـا بمرة‏.‏ ويقال إن عقل الحجاج التبس يومئذ وجعل يقول قيودنا قيودنا فظنوها قيود سعيد بن جبير فأخذوها من رجليه وقطعوا عليها ساقيه وكان إذا نام يرى سعيد بن جبير في منامه آخـذاً بمجامـع ثوبـه يقـول‏:‏ يـا عـدو اللـه فيـم قتلتنـي فينتبـه مرعوبـاً يقـول مـا لـي ولسعيد بن جبير‏.‏

  وفاة الحجاج

وتوفـي الحجـاج فـي شـوال سنـة خمس وتسعين لعشرين سنة من ولايته العراق ولما حضرته الوفاة استخلف على ولايته ابنه عبد الله وعلى حرب الكوفة والبصرة يزيد بن أبي كبشة وعلى خراجهمـا يزيـد بـن أبـي مسلـم فأقرهـم الوليـد بعـد وفاتـه‏.‏ وكتـب إلـى قتيبـة بن مسلم بخراسان‏:‏ قد عرف أمير المؤمنين بلاءك وجهدك وجهادك أعداء المسلمين وأمير المؤمنين رافعك وصانع بك الـذي تحـب فأتمـم مغازيـك وانتظر ثواب ربك ولا تغيب عن أمير المؤمنين كتبك حتى كأني أنظر إلى بلادك والثغر الذي أنت فيه ولم يغير الوليد أحداً من عمال الحجاج‏.‏

  أخبار محمد بن القاسم بالسند

كـان محمـد بـن القاسم بالملتان وأتاه خبر وفاة الحجاج هنالك فرجع إلى الدور والثغور وكان قد فتحها ثم جهزه الناس إلى السلماس مع حبيب فأعطوا الطاعة وسالمه أهل شرست وهي مغـزى أهـل البصـرة وأهلهـا يقطعـون فـي البحـر‏.‏ ثم سار في العسكر إلى فخرج إليه دوهر فقاتله محمـد وهزمـه وقتلـه ونـزل أهـل المدينـة علـى حكمـه فقتـل وسبـا‏.‏ ولـم يزل عاملاً على السند إلى أن ولـي سليمـان بـن عبـد الملـك فعزلـه وولـى يزيـد بـن أبـي كبشـة السكسكـي علـى السنـد مكانه‏.‏ فقيده يزيد وبعث به إلى العراق فحبسه صالح بن عبد الرحمن بواسط وعذبه في رجال من قرابة الحجـاج على قتلهم‏.‏ وكان الحجاج قتل أخاه آدم على رأي الخوارج‏.‏ ومات يزيد بن أبي كبشة لثمان عشرة ليلة من مقدمه‏.‏فولى سليمان على السند حبيب بن المهلب فقدمها وقد رجع ملوك السند إلى ممالكهم ورجع حبشة بن داهر إلى برهماباذ فنزل حبيب على شاطىء مهران وأعطاه أهل الروم الطاعـة وحارب فظفر ثم أسلم الملوك لما كتب عمر بن عبد العزيز إلى الإسلام على أن يملكهم وهم أسـوة المسلميـن فيمـا لهـم وعليهـم فأسلـم حبشـة والملـوك وتسمـوا بأسمـاء العرب وكان عمر بن مسلم الباهلـي عامـل عمـر علـى ذلـك الثغـر فغـزا بعـض الهنـد وظفـر‏.‏ ثـم ولـى الجنيـد بـن عبد الرحمن على السنـد أيـام هشـام بـن عبـد الملـك فأتـى شـط مهـران‏.‏ ومنعـه حبشة بن داهر العبور وقال‏:‏ إني قد أعملت وولاني الرجل الصالح ولست آمنك فأعطاه الرهـن ثـم ردهـا حبشـة وكفـر وحـارب فحاربه الجنيد في السفن وأسره ثم قتله‏.‏وهرب صصة بن داهر إلى العراق شاكياً لغدر الجنيد فلم يزل يؤنسه حتى جاءه فقتله‏.‏ ثم غـزا الجنيـد المكيـرج مـن آخر الهند وكانوا انقضوا فاتخذ كباشاً زاحفة ثم صك بها سور المدينة فثلمهـا ودخـل فقتـل وسبـى وغنـم وبعـث العمال إلى المرمد والمعدل ودهج وبعث جيشاً إلى أرين فأغاروا عليها وأحرقوا ربضها وحصل عنده سوى ما حمل أربعون ألف ألف وحمل مثلهـا وولـى تميـم بـن زيـد الضبـي فضعـف ووهـن ومـات قريباً من الدبيل‏.‏ وفي أيامه خرج المسلمون عن بلـاد الهنـد وتركـوا مراكزهـم‏.‏ ثم ولي الحكم ابن سوام الكلبي وقد كفر أهل الهند إلا أهل قصة فبنـى مدينـة سماها المحفوظة وجعلها مأوى المسلمين‏.‏ وكان معه عمر بن محمد بن القاسم وكان يفوض إليه عظائم الأمور وأغزاه عن المحفوظة‏.‏ فلما قدم وقد ظهر أمره فبنى مدينة وسماها المنصورة وهي التي كان أمراء السند ينزلونها واستخلص ما كان غلب عليه العدو ورضي الناس بولايته‏.‏ ثم قتل الحكم وضعفت الدولة الأموية عن الهند وتأتي أخبار السند في دولة المأمون‏.‏ فتح مدينة كاشغر أجمـع قتيبـة لغزو مدينة كاشغر سنة ست وتسعين وهي أدنى مدائن الصين فسار لذلك وحمل مع الناس عيالاتهم ليضعها بسمرقند وعبر النهر وجعل على المجاز مسلحة يمنعون الراجع من العساكر إلا بإذنه‏.‏ وبعث مقدمة إلى كاشغر فغنموا وسبوا وختم أعناق السبي وأوغل حتى قـارب الصيـن‏.‏ فكتـب إليـه ملـك الصيـن يستدعـي مـن أشـراف العـرب مـن يخبره عنهم وعن دينهم‏.‏ فانتخـب قتيبـة عشـرة مـن العـرب كـان منهم هبيرة بن شمرج الكتابي وأمر لهم بعدة حسنة ومتاع من الخز والوشي وخيول أربعة وقال لهم أعلموه أني حالف إني لا أنصرف حتى أطأ بلادهم وأختم ملوكهم وأجبي خراجهم‏.‏ ولما قدموا على ملك الصين دعاهم في اليوم الأول فدخلوا وعليهم الغلائل والأردية وقـد تطيبـوا ولبسـوا النعـال فلـم يكلمهـم الملـك ولا أحـد ممـن حضـره وقالوا بعد انصرافهم هؤلاء نسوان‏.‏ فلبسوا الوشي والمطارف وعمائم الخز وغدوا عليه فلم يكلمهـم وقالـوا هـذه أقـرب إلـى هيئـة الرجال‏.‏ ثم دعاهم الثالثة فلبسوا أسلاحهم وعلى رؤوسهم البيضـات والمغافـر وتوشحـوا السيـوف واعتقلـوا الرمـاح ونكبـوا القسـي فهالهـم منظرهم‏.‏ ثم انصرفـوا وركبـوا فتطـاردوا فعجـب القـوم منهـم‏.‏ ثـم دعـا زعيمهـم هبيرة بن شمرج فسأله لم خالفوا في زيهم فقال‏:‏ أما الأول فإنا نساء في أهلنا وأما الثاني فزينا عند أمرائنا وأما الثالث فزينا لعدونا‏.‏ فاستحسن ذلك ثم قال له‏:‏ قد رأيتم عظم ملكي وأنه ليس أحد يمنعكم مني وقد عرفـت قلتكـم فقولـوا لصاحبكـم ينصـرف وإلا بعثـت مـن يهلككـم‏.‏ فقال هبيرة كيف نكون في قلة وأول خيلنـا فـي بلـادك وآخرهـا فـي منابـت الزيتـون وأما القتل فلسنا نكرهه ولا نخافه ولنا آجال إذا حضرت فلن نتعداها وقد حلف صاحبنا أنه لا ينصرف حتى يطأ أرضكم ويختم ملوككم ويأخذ جزيتكم‏.‏ قال الملك فإنا نخرجه من يمينه نبعث له بتراب من أرضنا فيطؤه ويقبض أبناءنا فيختمهم وبهدية ترضيه ثم أجازهم فأحسن‏.‏ وقدموا على قتيبة فقبل الجزية ووطىء التراب وختم الغلمان وردهم ثم انصرف من غداته‏.‏ وأوفد هبيرة إلى الوليد وبلغه وهو في الفرات موت الوليد‏.‏

  وفاة الوليد وبيعة سليمان

ثـم توفـي الوليـد فـي منتصـف جمـادى الأخيرة من سنة ست وتسعين وصلى عليه عمر بن عبد العزيز وكان من أفضل خلفاء بني أمية وبنى المساجد الثلاثة‏.‏ مسجد المدينة ومسجد القدس ومسجد دمشق‏.‏ ولمـا أراد بنـاء مسجـد دمشـق كانـت فـي موضعـه كنيسـة فهدمهـا وبناهـا مسجـداً‏.‏ وشكوا ذلك لعمر بن عبد العزيز فقال‏:‏ نرد عليكم كنيستكم ونهم كنيسة توما فإنها خارج المدينة مما فتح عنوة ونبنيها مسجداً فتركوا ذلك‏.‏ وفتح في ولايته الأندلس وكاشغر والهند وكان يتخذ الضياع وكان متواضعًا يمر بالبقال فيسأله بكم حزمة البقل ويسعر عليه‏.‏ وكان يختم القرآن في ثلـاث وفـي رمضـان فـي يوميـن وكـان أراد أن يخلـع أخـاه سليمـان وبايـع لولـده عبـد العزيـز فأبـى سليمـان فكتـب إلى عماله ودعا الناس إلى ذلك فلم يجبه إلا الحجاج وقتيبة وبعض خواصه‏.‏ واستقدم سليمان ثم استبطأه فأجمع السير إليه ليخلعه فمرت دون ذلك‏.‏ ولما مات بويـع سليمـان مـن يومـه وهـو بالرملـة فعـزل عثمان بن حيان من المدينة آخر رمضان وولى عليها أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعزل ولاة الحجاج عن العراق فولى يزيد بن المهلب على المصريـن وعـزل عنهمـا يزيـد بن أبي مسلم‏.‏ فبعث يزيد أخاه زياداً على عمان وأمر سليمان يزيد بـن المهلـب بنكبـة آل أبـي العقيـل قـوم الحجـاج وبني أبيه وبسط أصناف العذاب عليهم فولى على ذلك عبد الملك بن المهلب‏.‏

  مقتل قتيبة بن مسلم

ولمـا ولي سليمان خافه قتيبة لما قدمناه من موافقته الوليد على خلعه فخشي أن يولي يزيد بن المهلب خراسان فأجمع خلعه وكتب إليه لئن لم تقرني على ما كنت عليه وتؤمني لأخلعنك ولأملأنها عليك خيلاً ورجلاً فأمنه وكتب له العهد على خراسان‏.‏ وبعث إليه رسوله بذلك فبعـث الرسـول وهـو بحلوان أنه قد خلع وكان هو بعد بعثة كتاب إلى سليمان قد اشتد وجله وأشار عليه أخوه عبد الله بالمعاجلة فدعا الناس إلى الخلع وذكرهم بوائقه وسوء ولاية من تقدمـه فلـم يجبـه أحـد فغضـب وشتمهـم وعدد مثالبهم قبيلة قبيلة فأثنى على نفسه بالأب والبلد والمعشر‏.‏ فغضب الناس وكرهوا خلع سليمان وأجمعوا على خلع قتيبة وخلافه‏.‏ وعذل قتيبة أصحابه فيما كان منه فقال‏:‏ لما لم تجيبوني غضبت فلم أدر ماقلت‏.‏وجـاء الـأزد إلى حضين بن المنذر ‏"‏ بالضاد المعجمة ‏"‏ فقالوا‏:‏ كيف ترى هذا يدعو إلى فساد الدين ويشتمنا فعرف مغزاهم فقال‏:‏ إن مضر بخراسان كثير وتميم أكثرهم وهـم شوكتهـا ولا يرضون بغيرهم فيصيبوا قتيبة ولا أرى لها إلا وكيعاً‏.‏ وكان وكيع موثقاً من قتيبة بعزله وولاية ضـرار بـن حصيـن الضبـي مكانـه‏.‏ وقـال حيـان النبطـي مولـى بنـي شيبـان ليـس لهـا غيـر وكيـع ومشـى النـاس بعضهـم إلـى بعـض سـراً وتولى كبر ذلك حيان‏.‏ ونمي خبره إلى قتيبة فأمر بقتله إذا دخل عليه وتنصح بعض خدم قتيبة بذلك إلى حيان فلما دعاه تمارض واجتمع الناس إلى وكيع وبايعـوه‏.‏ فمـن أهـل البصرة والعالية من المقاتلة تسعة آلاف ومن بكر سبعة آلاف رئيسهم حضين بن المنذر ومن تميم عشرة آلاف عليم ابن زخر ومن الموالي سبعة آلاف عليهم حيان النبطي وقيل من الديلم وسمي نبطياً للكنته‏.‏ وشرط على وكيع أن يحول له الجانب الشرقي من نهر بلخ فقبل وفشا الخبر وبلغ قتيبة فدس ضـرار بـن حيـان الضبـي إلـى وكيـع فبايعـه وجـاء إلـى قتيبة بالخبر فأرسل قتيبة إلى وكيع فاعتذر بالمـرض فقال لصاحب شرطته ائتني به وإن أبى ائتني برأسه فلما جاء وكيع ركب ونادى في الناس فأتوه أرسالاً‏.‏ واجتمع إلى قتيبة أهل بيته وخواصه وثقاته وبنو عمه وأمر فنودي في النـاس قبيلـةً قبيلـةً وأجابـوه بالجفـوة‏.‏ يقـول أيـن بنو فلان فيقولون حيث وضعتهم فنادى بأذكركم الله والرحم فقالوا أنت قطعتها فنادى لكم العتبى فقالوا لا إنا لنا الله إذاً‏.‏ فدعا ببرذون ليركبه فمنعـه ورمحـه فعـاد إلـى سريـره‏.‏ وجـاء حيـان النبطـي فـي العجـم فأمـره عبـد اللـه أخـو قتيبـة أن يحمل على القوم فاعتذر وقال لابنه إذا لقيتني حولت قلنسوتي فمل بالأعاجم إلى وكيع ثم حولها وسار بهم ورمى صالح أخو قتيبة بسهم فحمل إلى أخيه‏.‏ ثم تهايج الناس وجاء إلى عبد الرحمـن أخـي قتيبـة الغوغـاء ونحوهـم فأحرقـوا آرياً فيه إبل قتيبة ودوابه ثم زحفوا به حتى بلغوا فسطاطـه فقطعـوا أطنابـه وجـرح جراحـات كثيرة‏.‏ ثم قطعوا رأسه وقتل معه إخوته عبد الرحمن وعبـد اللـه وصالـح وحصيـن وعبـد الكريم ومسلم وابنه كثير وقيل قتل عبد الكريم بقزوين فكان عدة من قتل من أهله أحد عشر رجلاً ونجا أخوه عمر مع أخواله من تميم‏.‏ ثم صعد وكيع المنبر وأنشد الشعر في الثناء على نفسه وفعله والذم من قتيبة ووعد‏.‏ بحسن السيرة وطلب رأس قتيبة وخاتمه من الأزد وهددهم عليه فجاؤوا به فبعثه إلى سليمان ووفى وكيع لحيان النبطي بما ضمن له‏.‏ كان يزيد بن المهلب لما ولاه سليمان العراق على الحرب والصلاة والخراج استكـره أن يحيـف على الناس في الخراج فتلحقه المذمة كما لحقت الحجاج ويخرب العراق وإن قصر عن ذلك لم يقبل منه‏.‏ فرغب من سليمان أن يعفيه من الخراج وأشار عليه بصالح بن عبد الرحمن مولى تميم‏.‏ فولاه سليمان الخراج وبعثـه قبـل يزيـد‏.‏ فلمـا جـاء صالـح إلـى يزيـد ضيـق عليـه صالـح وكـان يزيـد يطعم على ألف خوان‏.‏ فاستكثرها صالح فقال اكتب ثمنها علي وغير ذلك‏.‏ وضجر يزيد‏.‏ وجـاء خبـر خراسـان ومقتـل قتيبـة فطمع يزيد في ولايتها ودس عبد الله بن الأهتم على سليمان أن يوليه خراسان ولا يشعر بطلبته بذلك وسيره على البريد فقال له سليمان إن يزيد كتب إلي يذكر عملك بالعراق فقال نعم بها ولدت وبها نشأت‏.‏ ثـم استشـاره فيمـن يوليـه خراسـان‏.‏ ولم يزل سليمان يذكر الناس وهو يردهم ثم حذره من وكيع وغدره قال‏:‏ فسم أنت قال شريطة الكمال الإجازة ممن أشير به وإذا علم بكره ذلك‏.‏ ثم قال هو يزيد بن المهلب فقال سليمان العراق أحب إليه فقال ابن الأهتم‏:‏ قد علمت ولكن نكرهه فيستخلف على العراق ويسير إلى خراسان فكتب عهد يزيد على خراسان وبعثه مع ابن الأهتم‏.‏ فلما جاءه بعث ابنه مخاداً على خراسان وبعثه مـع ابـن الأهتـم‏.‏ ثـم سـار بعـده واستخلف على واسط الجراح بن عبد الله الحكمي وعلى البصرة ابن عبد الله بن هلـال الكلابـي وعلـى الكوفـة حرملـة بن عبد اللخمي‏.‏ ثم عزله لأشهر بشير بن حيان النهدي فكانت قيس تطلـب بثـأر قتيبـة وتزعـم أنـه لـم يخلـع‏.‏ فأوصـى سليمـان يزيـد أن أقامـت قيـس بينـة أنـه لـم يخلـع أن يقيده من وكيع‏.‏الصوائف أخبار الصوائف وحصار قسطنطينية كانت الصوائف تعطلت من الشام منذ وفاة معاوية وحدوث الفتن واشتدت الفتن أيام عبـد الملك اجتمعت الروم واستجاشوا على أهل الشام فصالح عبد الملك صاحـب قسطنطينيـة على أن يؤدي إليه كل يوم جمعة ألف دينار خشية منه على المسلمين ونظراً لهم وذلك سنة سبعين لعشر سنين من وفاة معاوية‏.‏ ثم لما قتل مصعب وسكنت الفتنة بعث الجيوش سنة إحـدى وسبعيـن فـي الصائفـة‏.‏ فدخـل فافتتـح قيساريـة ثـم ولـى علـى الجزيـرة وأرمينيـة أخـاه محمـد بـن مروان سنة ثلاث وسبعين فدخل في الصائفة إلى بلاد الروم فهزمهم‏.‏ ودخل عثمان بن الوليد مـن ناحيـة أرمينيـة فـي أربعـة آلـاف ولقيـه الـروم فـي ستيـن ألفاً فهزمهم وأثخن فيهم بالقتل والأسر‏.‏ ثم غزا محمد بن مروان سنة أربع وسبعيـن فبلـغ أنبوليـة وغـزا فـي السنـة بعدهـا فـي الصائفـة مـن طريـق مرعـش فـدوخ بلادهـم وخـرج الروم في السنة بعدها إلى العتيق فغزاهم من ناحية مرعش ثانية ثـم غزاهـم سنـة سـت وسبعيـن مـن ناحيـة ملطيـة ودخـل فـي الصائفة سنة سبع وسبعين الوليد بن عبد الملك فأثخن فيهم ورجع‏.‏وجاء الروم سنة تسع وسبعين فأصابوا من أهل أنطاكية وظفروا بهم فبعث عبد الملك سنة إحـدى وثمانيـن ابنـه عبيـد اللـه بالعسكـر ففتـح قاليقـلا‏.‏ ثـم غـزا محمد بن مروان سنة اثنتين وثمانين أرمينية وهزمهم فسألوه الصلح فصالحهم وولى عليهم أبا شيخ بن عبد الله فغدروه وقتلوه فغزاهم سنة خمس وثمانين‏.‏ وصاف فيها وشتى ثم غزا مسلمة بن عبد الملك أرض الروم ودوخهـا ورجـع وعـاد إليهـا سنـة سبع وثمانين‏.‏ فأثخن فيهم بناحية المصيصة وفتح حصوناً كثيرة منها حصن بولق والأحزم وبولس وقمقيم‏.‏ وقتل من المستقربة ألف مقاتل وسبى أهاليهم‏.‏ ثم غـزا بلـاد الروم سنة تسع وثمانين مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد فافتتح مسلمة حصن سورية وافتتح أردولية ولقي جمعاً من الروم فهزمهم‏.‏وقيل‏:‏ إن مسلمة قصد عمورية فلقي بها جمعاً من الروم فهزمهم وافتتح هرقلة وقمولية وغزا العباس الصائفة من ناحية البلد بدون‏.‏ وغزا مسلمة بن عبد الملك الترك سنة تسع وثمانين من ناحية أذربيحان ففتح حصوناً ومدائن هناك‏.‏ ثم غزا سنة تسعين ففتح الحصون الخمس التي وفـي سنـة إحـدى وتسعيـن غـزا عبـد العزيـز بن الوليد في الصائفة مع مسلمة بن عبد الملك وكان الوليد قد ولى مسلمة على الجزيرة وأرمينية وعزل عمه محمد بن مروان عنها فغزا الترك من ناحية أذربيجان حتى الباب وفتح مدائن وحصوناً ثم غزا سنة اثنتين وتسعين بعدها ففتح ثلاثـة حصـون وجـلا أهـل سرسنـة إلـى بلـاد الـروم ثم غزا العباس بن الوليد سنة ثلاث بعدها بلاد الروم ففتح سبيطلة وغزا مروان بن الوليد فبلغ حنجرة‏.‏ وغزا مسلمة ففتح ماشية وحصن الحديـد وغزالـة مـن ناحيـة ملطيـة‏.‏ وغـزا العبـاس بـن الوليـد سنة أربع وتسعين ففتح أنطاكية‏.‏ وغزا عبـد العزيـز بـن الوليـد ففتـح غزالـة وبلـغ الوليـد بن هشام المعيطي مروج الحمام ويزيد بن أبي كبشة أرض سورية‏.‏ وفـي سنـة خمـس وتسعين غزا العباس الروم ففتح هرقلة‏.‏ وفي سنة سبع وتسعين غزا مسلمة أرض الرضاخية وفتح الحصن الذي فتحه الرصاع وغزا عمر بن هبيرة أرض الروم في البحر فشتـى بهـا وبعـث سليمـان بـن عبـد الملـك الجيـوش إلى القسطنطينية وبعث ابنه داود على الصائفة ففتح حصن المراة وفي سنة ثمان وتسعين مات ملك الروم فجاء ألقون إلى سليمان فأخبره وضمن له فتح الروم وسار سليمان إلى وابق وبعث الجيوش مع أخيه مسلمة ولما دنا مـن القسطنطينية أمر أهل المعسكر أن يحمل كل واحد مدين مدين من الطعام ويلقوه في معسكرهم فصار أمثال الجبال واتخذ البيوت من الخشب‏.‏ وأمر النـاس بالزراعـة وصـاف وشتـى وهـم يأكلون من زراعتهم وطعامهم الذي استاقوه مدخراً‏.‏ثم جهد أهل القسطنطينية الحصار وسألوا الصلح على الجزية ديناراً على الرأس فلم يقبـل مسلمة وبعث الروم إلى ألقون إن صرفت عنا المسلمين ملكناك فقال لمسلمة لو أحرقت هذا الزرع علم الروم أنك قصدتهم بالقتال فنأخذهم باليد وهم الآن يظنون مع بقاء الزرع أنـك تطاولهم فأحرق الزرع فقوي الروم وغدر ألقون وأصبح محارباً وأصاب النـاس الجـوع فأكلـوا الدواب والجلود وأصول الشجر والورق وسليمان مقيم بوابق وحال الشتاء بينهم وبينه فلـم يقـدر أن يمدهـم حتـى مات‏.‏ وأغارت برجان على مسلمة وهو في قلة فهزمهم وفتح مدينتهم‏.‏ وغزا في هذه السنة الوليد بن هشام فأثخن في بلاد الروم‏.‏وغزا داود بن سليمان سنة ثمان وتسعين ففتح حصن المراة مما يلي ملطية‏.‏ وفي سنة تسع وتسعيـن بعث عمر بن عبد العزيز مسلمة وهو بأرض الروم وأمده بالنفول بالمسلمين وبعث إليه بالخيـل والـدواب وحـث النـاس علـى معونتهـم‏.‏ ثـم أمـر عمـر بـن عبـد العزيـز أهل طريدة بالجلاء عنها إلـى ملطيـة وخربهـا‏.‏ وكـان عبـد اللـه بـن عبـد الملـك قد أسكنها المسلمين وفرض على أهل الجزيرة مسلحـةً تكـون عندهـم إلـى فصل الشتاء وكانت متوغلة في أرض الروم فخربها عمر وولى على ملطيـة جعونـة بـن الحـارث مـن بنـي عامـر بـن صعصعـة‏.‏ وأغزى عمر سنة مائة من الهجرة بالصائفة الوليد بن هشام المعيطي وعمر بن قيس الكندي‏.‏

  فتح جرجان وطبرستان

كان يزيد بن المهلب يريد فتحهما لما أنهما كانتا للكفار وتوسطتا بين فارس وخراسان ولـم يصبهما الفتح وكان يقول وهو في جوار سليمان بالشام إذا قصت عليه أخبار قتيبة وما يفعله بخراسان وما وراء النهر ما فعلت جرجان التي قطعت الطريق وأفسـدت يوسـس ونيسابـور وليسـت هـذه الفتـوح بشـيء والشـأن فـي جرجـان‏.‏ فلما ولاه سليمان خراسان سار إليها في مائة ألف من أهل العراق والشام وخراسان سوى الموالي والمتطوعة ولم تكن جرجان يومئذ مدينة إنما هي جبال ومخارم يقوم الرجل على باب منها فيمنعه‏.‏ فابتدأ بقهستان فحاصرها وبها طائفـة مـن التـرك فكانوا يخرجون فيقاتلون وينهزمون في كل يوم ويدخلون حصنهم‏.‏ ولم يزل على ذلـك حتـى بعـث إليـه دهقـان بتستـاذن يسـأل في الصلح ويسلم المدينة وما فيها فصالحه وأخذ ما فيها من الأموال والكنوز والسبي ما لا يحصى وقتل أربعة عشر ألفاً من التـرك وكتـب إلـى سليمان بذلك‏.‏ثم سار إلى جرجان وكان سعيد بن العاصي قد صالحهم على الجزية مائة ألف في السنة فكانوا أحياناً يجبون مائة وأحياناً مائتين وأحياناً ثلثمائة وربما أعطوا ذلك وربما منعوا ثم كفروا ولم خراجاً ولم يأت جرجان بعد سعيد أحد ومنعوا الطريق إلى خراسان على فكان الناس يسلكـون علـى فـارس وسلماس‏.‏ ثم فتح قتيبة طريق قومس وبقي أمر جرجان حتى جاء يزيد فصالحوه‏.‏ ولما فتح يزيد قهستان وجرجان طمع في طبرستان فاستعمل عبد الله بن معمر اليشكري على ساسان وقهستان وخلف معه أربعة آلاف فارس وسار إلى أدنى جرجان من جهة طبرستان ونزل بآمد‏.‏ ونسا راشد بن عمر في أربعة آلاف ودخل بلاط طبرستان فسأل صاحبها الأصبهبذ في الصلح وأن يخرج من طبرستان‏.‏ فأبى يزيد ورجا أن يفتحها ووجه أخاه عيينة من وجه وابنه خالد بن زيد من وجه وإذا اجتمعا فعيينة على الناس‏.‏ واستجاش الأصبهبذ أهـل جيلـان والديلم والتقوا فانهـزم المشركـون واتبعهـم المسلمـون إلـى الشعـب وصعـد المشركـون فـي الجبـل فامتنعوا على المسلمين وصعد أبو عيينة بمن معه خلفهم فهزمهم المشركون في الوعر فكفوا‏.‏ وكاتب الأصبهبذ أهل جرجان ومقدمهم المرزبان أن يبيتوا للمسلمين عندهم ليقطعوا المادة عن يزيد والطرق بينه وبين جرجان ووعدهم بالمكافأة على ذلك‏.‏ فساروا بالمسلمين وهم غارون وقتل عبد الله بن معمر وجميع من معه ولم ينج أحد‏.‏ وكتبوا إلى الأصبهبذ بأخذ المضايق والطرق وبلغ ذلك يزيد وأصحابه فعظم عليهم وهالهم وفزع يزيد إلى حيان النبطي وكان قد غرمـه مائتـي ألـف درهـم بسبـب أنـه كتـب إلـى ابنـه مخلـد كتابـاً فبـدأ بنفسـه فقـال لـه لا يمنعـك ما كان منـي إليـك مـن نصيحـة المسلميـن وقـد علمـت مـا جـاء من جرجان فاعمل في الصلح‏.‏ فأتى حيان الأصبهبذ ومت إليه بنسب العجم وتنصل له وفتل له في الذروة والغارب حتى صالحه على سبعمائة ألف درهم وأربعمائة وقر زعفران أو قيمته من العين وأربعمائة رجل على يد كل رجـل منهـم ترس وطيلسان وجام من فضة وخرقة حرير وكسوة فأرسل يزيد لقبض ذلك ورجع اه‏.‏وقيـل فـي سبـب مسيـر يزيد إلى جرجان أن صولاً التركي كان على قهستان والبحيرة جزيرة في البحر على خمسة فراسخ من قهستان وهما من جرجان مما يلي خوارزم وكان يغيـر علـى فيـروز بـن فولفـول مرزبـان جرجـان‏.‏ وأشـار فيـروز بنصيـب مـن بلاده فسار فيروز إلى يزيد هارباً منه وأخذ صول جرجان وأشار فيروز على يزيد أن يكتب إلى الأصبهبذ وبرغبه في العطاء إن هو حبس صولاً بجرجان حتى يحاصر بها ليكون ذلك وسيلة إلى معاكسته وخروجه عن جرجـان فيتمكـن يزيـد منـه‏.‏ فكتـب إلـى الأصبهبـذ وبعـث بالكتـاب إلـى صول فخرج من جينه إلى البحيرة‏.‏ وبلغ يزيد الخبر فسار إلى جرجان ومعه فيروز واستخلف على خراسان ابنه مخلداً وعلى سمرقند وكش ونسف وبخارى ابنه معاوية وعلى طخارستان ابن قبيصة بن المهلب وأتـى جرجـان فلـم يمنعـه دونها أحد ودخلها‏.‏ ثم سار منها إلى البحيرة وحصر صولاً بها شهراً حتى سأل الصلح على نفسه وماله وثلثمائة ويسلم إليه البحيرة فأجابه يزيد وخرج صول عن البحيـرة وقتل يزيد من الأتراك أربعة عشر ألفاً وأمر إدريس بن حنظلة العمي أن يحصي ما في البحريـة ليعطي الجند فلم يقدر وكان فيها من الحنطة والشعير والأرز والسمسم والعسل شيء كثير ومن والذهب والفضة كذلك‏.‏ ولما صالح يزيد أصبهبذ طبرستان كما قدمناه سار إلى جرجـان عاهـد اللـه إن ظفـر بهم ليطحنن القمح على سائل دمائهم ويأكل منه‏.‏ فحاصرهم سبعه أشهـر وهـم يخرجـون إليـه فيقاتلونـه ويرجعـون وكانـوا متمنعيـن فـي الجبل والأوعار‏.‏ وقصد رجل من عجـم خراسـان فأتبـع بخلاً في الجبل وانتهى إلى معسكرهم وعرف الطريق إليه ودل الأدلة على معالمه وأتى يزيد فأخبره‏.‏ فانتخب ثلثمائة رجل مع ابنه خالد وضم إليه جهم بن ذخر وبعثه وذلك الرجل يدل به وواعده أن يناهضهم العصر من الغداة‏.‏ ولما كان الغد وقت الظهر أحرق يزيـد كـل حطـب عنـده حتـى اضطرمت النيران ونظر العدو إلى النار فهالهم وحاملوا للقتال آمنين خلفهم فناشبهم يزيد إلى العصر وإذا بالتكبير من ورائهم فهربوا إلى حصنهم واتبعهم المسلمون فأعطـوا مـا بأيديهـم ونزلـوا علـى حكـم يزيـد‏.‏ فقتـل المقاتل وسبى الذرية وقاد منهم اثني عشر ألفاً إلى وادي جرجان ومكن أهل الثأر منهم حتى استلحموهم‏.‏ وجرى الماء على الدم وعليه الأرحاء فطحن وخبز وأكل وقتل منهم أربعين ألفاً‏.‏ وبنى مدينة جرجان ولم تكن بنيت قبل ورجـع إلـى خراسـان وولـى علـى جرجـان جهـم بـن ذخر الجعفي ولما قتل مقاتلهم صلبهم فرسخين عن يمين الطريق ويساره‏.‏

  وفاة سليمان وبيعة عمر بن عبد العزيز

ثـم توفي سليمان بدابق من أرض قنسرين من سنة تسع وتسعين في صفر منها وقد كان في مرضه أراد أن يعهد إلى ولده داود ثم استصغره وقال له كاتبه رجاء بن حيوة ابنك غائب عنـك بقسطنطيينة ولا يعرف حياته من موته فعمل إلى عمر بن عبد العزيز وقال له‏:‏ إني والله لأعلـم أنهـا تكـون فتنـة ولا يتركونه أبداً يلي عليهم إلا أن أجعل أحدهم بعده وكان عبد الملك قد جعـل ذلـك لـه وكتـب بعد البسملة‏:‏ هذا كتاب من عبد الله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيـز‏:‏ إني قد وليتك الخلافة بعدي ومن بعدك يزيد بن عبد الملك فاسمعوا له وأطيعوا واتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم وختم الكتاب‏.‏ثم أمر كعب بن جابر العبسي صاحب الشرطة أن يجمع أهل بيته وأمر رجاء بن حيوة أن يدفع لهم كتابه وقال‏:‏ أخبرهم أنه كتابي فليبايعوا من وليت فيه فبايعوه رجلاً رجلاً وتفرقوا‏.‏ وأتـى عمـر إلى رجاء يستعمله ويناشده الله والمودة يستعفي من ذلك فأبى‏.‏ وجاءه هشام أيضاً يستعمله ليطلب حقه في الأمر فأبى فانصرف أسفاً أن يخرج من بني عبد الملك‏.‏ ثم مات سليمان وجمع رجاء أهل بيته فقرأ عليهم الكتاب‏.‏ فلما ذكر عمر قال هشام‏:‏ والله لا نبايعه أبـداً‏.‏ فقـال لـه رجـاء‏:‏ واللـه نضـرب عنقك‏.‏ فقام أسفاً يجر رجليه حتى جاء إلى عمر بن عبد العزيز وقد أجلسه رجاء على المنبر وهو يسترجع لما أخطأه فبايعه واتبعـه الباقـون‏.‏ ودفـن سليمان وصلى عليه عمر بن عبد العزيز والوليد كان غائباً عن موت سليمان ولم يعلم بيعة عمـر فعقـد لـواءً ودعا لنفسه وجاء إلى دمشق‏.‏ ثم بلغه عهد سليمان فجاء إلى عمر واعتذر إليه وقال‏:‏ بلغني أن سليمان لم يعهد فخفت على الأموال أن تنهب فقال عمر‏:‏ لو قمت بالأمر لقعـدت فـي بيتي ولم أنازعك فقال عبد العزيز‏:‏ والله لا أحب لهذا الأمر غيرك وأول ما بدأ به عمـر لمـا استقـرت البيعـة أنه رد ما كان لفاطمة بنت عبد الملك زوجته من المال والحلي والجوهر إلـى بيـت المـال‏.‏ وقـال‏:‏ لا أجتمع أنا وأنت وهو في بيت واحد فردته جميعه‏.‏ ولما ولي أخواها يزيـد مـن بعـد رده عليهـا فأبت وقالت‏:‏ ما كنت أعطيه حياً أعطيه ميتاً ففرقه يزيد على أهله‏.‏ وكان بنو أمية يسبون علياً فكتب عمر إلى الآفاق بترك ذلك وكتب إلى مسلمة وهو بأرض الروم يأمره بالقفول بالمسلمين‏.‏