فصل: مبدأ دولة الشيعة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  خبر ابن الحر ومقتله

كـان عبيـد اللـه بـن الحـر الجعفـي مـن خيار قومه صلاحاً وفضلاً ولما قتل عثمان حزن عليه وكان مـع معاويـة علـى علـي وكانت له زوجة بالكوفة فتزوجت لطول مغيبه‏.‏ فأقبل من الشام وخاصم زوجهـا إلـى علـي فعـدد عليـه شهـوده صفين‏.‏ فقال‏:‏ أيمنعني ذلك من عدلك‏.‏ قال‏:‏ لا‏.‏ ورد إليه امرأتـه‏.‏ فرجـع إلـى الشـام وجـاء إلـى الكوفـة بعـد مقتـل علـي ولقـي إخوانـه وتفاوضـوا فـي النكير على علـي ومعاويـة‏.‏ ولمـا قتـل الحسيـن تغيـب علـى ملحمتـه وسـأل عنـه ابـن زيـاد فلـم يـره‏.‏ ثم لقيه فأساء عذله وعرض له بالكون مع عدوه فأنكر وخرج مغضباً‏.‏ وراجع ابن زياد رأيه فيه فطلبه فلم يجـده فبعث عنه فامتنع وقال‏:‏ أبلغوه أني لا آتيه طائعاً أبداً‏.‏ وأتى منزل أحمد بن زياد الطائي فاجتمع إليه أصحابه وخرج إلى المدائن‏.‏ ومضى لمصارع الحسين وأصحابه فاستغفر لهم ولما مات يزيد ووقعت الفتنة اجتمع إليه أصحابه وخرج بنواحي المدائن ولم يعترض للقتل ولا للمال إنما كان يأخذ مال السلطان متى لقيه فيأخذ منه عطاءه وعطاء أصحابه ويرد الباقي ويأخذ لصاحب المال بما أخذ‏.‏ وحبـس المختـار امرأتـه بالكوفة وجاء فأخرجها من الحبس وأخرج كل من فيه‏.‏ وأراد المختـار أن يسطـو بـه فمنعـه إبراهيـم بـن الأشتر إلى الموصل لقتال ابن زياد‏.‏ ثم فارقه ولم يشهد معـه وشهـد مـع مصعـب قتـال المختـار وقتله‏.‏ ثم أغرى به مصعب فحبسه وشفع فيه رجال من وجـوه مذحج فشفعهم وأطلقه وأتى إليه الناس يهنؤونه فصرح بأن أحداً لا يستحق بعد الأربعة ولا يحل أن يعقد لهم بيعة في أعناقنا فليس لهم علينا من الفضل ما يستحقون به ذلك وكلهم عاص مخالف قوي الدنيا ضعيف الآخرة ونحن أصحاب الأيام مع فارس ثم لا يعرف حقنـا وفضلنا وإني قد أظهرت لهم العداوة‏.‏ وخـرج للحـرب فأغـار فبعث إليه مصعب سيف بن هانىء المرادي يعرض عليه الطاعة على أن يعطيه قطعة من بلاد فارس فأبى فسرح إليه الأبرد بن فروة الرياحي في عسكر فهزمه عبيد اللـه فبعـث إليه حريث بن زيد فهزمه فقتله فبعث إليه الحجاج حارثة الخثعمي ومسلم بن عمر فقاتلهما بنهر صرصر وهزمهما فأرسل إليه مصعب بالأمان والولاية فلم يقبل‏.‏ وأتى إلى فرس فهرب دهقانها بالمال وتبعه ابن الحر إلى عين التمر وعليه بسطام بن معلقة بن هبيرة الشيباني فقاتل عبيد الله‏.‏ ووافاهم الحجاج حارثة فهزمهما عبيد الله وأسرهما وأخذ المال الذي مع الدهقان‏.‏ وأقام بتكريت ليجبي الخراج فسرح مصعب لقتاله الأبرد بن فروة الرياحي والجون بن كعب الهمداني في ألف وأمدهم المهلب بيزيد بن المعقل في خمسمائة وقاتلهم عبيد الله يومين في ثلاثمائـة‏.‏ ثـم تحاجـزوا وقـال لأصحابـه إنـي سائـر بكـم إلـى عبـد الملك فتجهزوا ثم قال‏:‏ إني خائف أن أموت ولم أذعر مصعباً وقصد الكوفة وجاءته العساكر من كل جهة‏.‏ ولم يزل يهزمهم ويقتل منهم بنواحي الكوفة والمدائن وأقام يغير بالسواد ويجبي الخراج‏.‏ ثم لحق بعبد الملك فأكرمه وأجلسه معه على سريره وأعطاه مائة ألف درهم وقسم في أصحابه الأعطيات وسأل من عبـد الملـك أن يوجه معه عسكراً لقتال مصعب فقال‏:‏ سر بأصحابك وادع من قدرت عليه وأنا ممدك بالرجال فسار نحو الكوفة ونزل بناحية الأنبار وأذن لأصحابه في إتيان الكوفة ليخبروا أصحابه بقدومه‏.‏ وبعث الحارث بن أبي ربيعة إليه جيشاً كثيفاً فقاتلهم وتفرق عنه أصحابه وأثخنه الجراح فخاض البحر إلى سفينة فركبها حتى توسط الفرات فأشرفت خيالـة علـى السفينة وتبادروا به فقام يمشي في البحر فتعلقوا به فألقى نفسه في الماء مع بعضهم فغرقوه‏.‏ حروب الخوارج مع عبد الملك والحجاج ولما استمر عبد الملك بالكوفة بعد قتل مصعب بعث على البصرة خالد بن الله وكان المهلب يحارب الأزارقة فولاه على خراج الأهواز‏.‏ وبعث أخاه عبد العزيز بن عبد إلى قتال الخوارج ومعـه مقاتـل بـن مسمـع وأتـت الخوارج من ناحية إلى دارابجرد وبعث قطري بن الفجاءة صالح بن مخراق في تسعمائة فاستقبل عبد العزيز ليلاً على غير تعبية فانهزم‏.‏ وقتل مقاتل بن مسمع وأسرت بنت المنذر بن الجارود امرأة عبد العزيز فقتلها الخوارج‏.‏ وتغيـر عبـد العزيـز إلـى رامهرمـز‏.‏ وكتـب خالـد بالخبر إلى عبد الملك فكتب إليه على ولاية أخيه الحرب وولاية المهلب جباية الخراج وأمره بأن يسرح المهلب بحربهم‏.‏ وكتب إلى بشر بالكوفة بإمـداده بخمسـة آلـاف مع من يرضاه فإذا فرغوا من قتال الخوارج ساروا إلى الري فكانوا هنالك مسلحةً فأنفذ بشر العسكر وعليهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وكتب له عهده على الري وخرج خالد بأهل البصرة ومعه المهلب واجتمعوا بالأهواز‏.‏ وجاءت الأزارقة فأحرقـوا السفن‏.‏ ومر المهلب بعبد الرحمن بن الأشعث وأمره أن يخندق عليـه وأقامـوا كذلـك عشريـن ليلة‏.‏ ثم زحف الخوارج بالناس فهال الخوارج كثرتهم وانصرفوا‏.‏ وبعث خالد داود بن قحدم في آثارهم وانصرف إلى البصرة وكتب بالخبر إلى عبد الملك‏.‏ فكتـب إلـى أخيـه بشـر أن يبعـث أربعـة آلـاف مـن أهل الكوفة إلى فارس ويلحقوا بداود بن قحدم فـي طلـب الأزارقـة‏.‏ فبعـث بهـم بشـر بـن عتـاب ولحقـوا بـداود واتبعـوا الخـوارج حتـى أصابهـم الجهد ورجع عامتهم مشاة إلى الأهواز‏.‏ ثـم خـرج أبـو فديـك مـن بنـي قيـس بن ثعلبة فغلب على البحرين وقتل نجدة بن عامر الحنفي كما مـر‏.‏ وهـزم خالـداً فكتب إلى عبد الملك بذلك وأمر عبد الملك عمر بن عبيد الله بن معمر أن ينـدب النـاس مـن أهل الكوفة والبصرة ويسير لقتال أبي فديك‏.‏ فانتدب معه عشرة آلاف وسار بهـم وأهـل الكوفـة علـى ميمنتـه عليهـم محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله وأهل البصرة في ميسرته عليهم عمر بن موسى أخيه وهو في القلب‏.‏ وانتهوا إلى البحرين واصطفـوا للقتـال وحملوا على أبي فديك وأصحابه فكشفوا ميسرته حتى أبعدوا إلا المغيرة بن المهلب ومجاعة وعبد الرحمن وفرسان الناس فإنهم مالوا إلى أهل الكوفة بالميمنة ورجع أهل الميسرة‏.‏ وحمل أهل الميمنة على الخوارج فهزموهم واستباحوا عسكرهم وقتلوا أبا فديك وحصروا أصحابه ثم ولى عبد الملك أخاه بشراً على البصرة فسـار إليهـا وأمـره أن يبعـث المهلـب إلـى حـرب الأزارقة وأن ينتخب من أهل البصرة من أراد ويتركه ورأيه في الحرب ويمده بعسكر كثيف من أهل الكوفة مع رجل معروف بالنجدة‏.‏ فبعث المهلب لانتخاب الناس جديع بن سعيد بن قبيصة وشق على بشر ولاية المهلب من عبد الملك وأوغرت صدره‏.‏ فبعث على عسكر الكوفة عبد الرحمن بن مخنف وأغراه بالمهلب في ترك مشورته وتنغصه‏.‏ وسار المهلب إلى رامهرمز وبها الخوارج وأقبل ابن مخنف في أهل الكوفة فنزل على ميل منه بحيـث يتـراءى العسكـران‏.‏ ثـم أتاهـم نبـأ بشـر بـن مـروان وأنـه استخلـف خالـد بن عبد الله بن خالد على البصرة وخليفته على الكوفة عمر بن حريث فافترق ناس كثيرة من أهل البصرة وأهل الكوفة فنزلوا الأهـواز وكتـب إليهـم خالـد بـن عبـد الله يتهددهم فلم يلتفتوا إليه‏.‏ وأقبل أهل الكوفة إلى الكوفة وكتب إليهم عمر بن حريث بالنكير والعود إلى المهلب ومنعهم الدخول فدخلوا ليلاً إلى بيوتهم‏.‏ ثـم قدم الحجاج أميراً على العراقين سنة خمس وسبعين فخطب بالكوفة خطبته المعروفة كان منهـا‏:‏ ولقـد بلغني رفضكم المهلب وإقبالكم إلى مصركم عاصين مخالفين وأيم الله لا أجد أحداً متخلفاً عن عسكره بعد ثلاثة إلا ضربت عنقه وأنهب داره‏.‏ ثم دعا العرفاء وقـال‏:‏ ألحقـوا الناس بالمهلب وأتوني بالبراءة بموافاتهم ولا تغلقن أبواب الجسر‏.‏ ووجد عمر بن ضابىء من المتخلفين وأخبر أنه من قتلة عثمان فقتله‏.‏ فأخرج جند المهلب وازدحموا على الجسر وجاء العرفاء إلى المهلب برامهرمز فأخـذوا كتابـه بموافـاة النـاس وأمرهـم الحجـاج بمناهضـة الخـوارج فقاتلوهم شيئاً ثم انزاحوا إلى كازرون وسار المهلب وابن مخنف فنزلوا بهم‏.‏ وخندق المهلب ولم يخندق ابن مخنف وبيتهم الخوراج فوجدوا المهلب حذراً فمالوا إلى ابن مخنف فانهزم عنه أصحابه وقاتل حتى قتل‏.‏ وفي حديث أهل الكوفة أنهم لما ناهضوا الخوارج مالوا إلى المهلب واضطروه إلى معسكره وأمده عبد الرحمن بعامة عسكره وبقي في خف من الجند فمال إليه الخوارج فنزل ونزل معه الفراء وواحد وسبعون مـن أصحابـه فقتلـوا وجـاء المهلـب مـن الغـد فدفنـه وصلـى عليـه وكتـب بالخبـر إلى الحجاج فبعث على عتاب بن ورقاء وأمره بطاعة المهلب فأجـاب لذلـك وفـي نفسـه منـه شيء وعاتبه المهلب يوماً ورفع إليه القضيب فرده ابنه المغيرة عن ذلـك‏.‏ وكتـب عتـاب يشكـو المهلـب إلـى الحجـاج ويسألـه العـود وصـادف ذلـك أمـر شبيب فاستقدمه وبقي المهلب‏.‏

  حروب الصفرية وشبيب مع الحجاج

ثم خرج صالح بن مسرح التميمي من بني امرىء القيس بن زيد مناة وكان يرى رأي الصفرية وكان عابداً ومسكنه أرض الموصل والجزيرة وله أصحاب يقرئهم القرآن والفقه وكان يأتي الكوفة ويلقى أصحابه ويعد ما يحتاج إليه‏.‏ فطلبه الحجاج فترك وجاء إلى أصحابه بالموصل ودار فدعاهم إلى الخروج وحث الناس عليه‏.‏ وجاءه كتاب شبيب بن يزيد بن نعيم الشيباني من رؤوسهم يحثه علـى مثـل ذلـك‏.‏ فكتـب إليـه فـي انتظـارك فأقـدم‏.‏ فقـدم شبيـب فـي نفـر مـن أصحابـه منهم أخوه المضاد والمحلل بن وائل اليشكري ولقيه بدارا وأجمع صالح الخـروج‏.‏ وبعـث إلـى أصحابه في صفر سنة ست وسبعين‏.‏ وأمر بالدعاء قبل القتال وخير في الدماء والأموال‏.‏ وعرضت له دواب لمحمد بن مروان بالجزيرة فأخذوها وحملوا عليها أصحابهم‏.‏ وبلـغ محمـد بـن مـروان وهـو أميـر الجزيـرة خروجهم فسرح إليهم عدي بن عدي في ألف فسار من حران وكان ناسكاً فكره حروبهم وبعث إليهم بالخروج فحبسوا الرسول‏.‏ فساروا إليه فطلعوا عليه وهو يصلي الضحى وشبيب في الميمنة وسويد بن سليم في الميسرة‏.‏ وركب عدي علـى غيـر تعبيـة فانهـزم واحتـوى الخـوارج على معسكره ومضوا إلى آمد‏.‏ وسرح محمد بن مروان خالد بن حر السلمي في ألف وخمسمائة والحارث بن جعونة العامري في مثلها وقال‏:‏ أيكما سبق فهو أمير على صاحبه‏.‏ وبعث صالـح شبيبـاً إلـى الحـارث وتوجـه هـو نحـو خالـد وقاتلوهـم أشـد القتـال‏.‏ واعتصـم أصحاب محمد بخندقهم فسارت الخوارج عنهم وقطعوا أرض الجزيرة والموصل إلى الدسكرة‏.‏ فسـرح إليهـم الحجـاج الحـارث بـن عميـرة بـن ذي الشعـار فـي ثلاثـة آلـاف مـن أهـل الكوفة فلقيهم على تخـم ما بين الموصل وصرصر والخوارج في تسعين رجلاً‏.‏ فانهزم سويد بن سليم وقتل صالح وصرع شبيب‏.‏ ثم وقف على صالح قتيلاً فنادى بالمسلمين فلاذوا به ودخلوا حصناً هنالك وهـم سبعـون‏.‏ وعاث الحارث بهم وأحرق عليهم الباب ورجع حتى يصبحهم من الغداة‏.‏ فقال لهـم شبيـب‏:‏ بايعـوا مـن شئتـم مـن أصحابكـم واخرجـوا بنا إليهم‏.‏ فبايعوه وأطفؤوا النار بالماء في اللبود وخرجوا إليه فبيتوا وسرح الحارث فحملوا على أصحابه وانهزموا نحو المدائن وحـوى شبيب عسكرهم‏.‏ وسار شبيب إلى أرض الموصل فلقي سلامة بن سنان التميمي من تميم شيبان أوخاه فضالة من أكابر الخـوارج‏.‏ وكـان خـرج قبـل صالـح فـي ثمانيـة عشـر رجـلاً ونـزل علـى مـاء لبنـي عنـزة فقتلوهـم وأتوا برؤوسهم إلى عبـد الملـك يتقربـون لـه بهـم‏.‏ فلمـا دعـا شبيـب سلامـة إلـى الخـروج شـرط عليـه أن ينتخـب ثلاثيـن فارسـاً ويسيـر بهم إلى عنزة‏.‏ فيثأر منهم بأخيه فقبل شرطه‏.‏ وسار إلى عنزة فأثخـن فيهـم وجعـل يقتـل الحلـة بعـد الحلـة‏.‏ ثـم أقبـل شبيـب إلـى داران فـي نحـو سبعيـن رجـلاً ففرت منهم طائفة من بني شيبان نحو ثلاثة آلاف فنزلوا ديراً خراباً وامتنعوا منه وسار في بعض حاجاتـه واستخلف أخاه مضاد بن يزيد بجماعة من بني شيبان في أموالهم مقيمين فقتل منهم ثلاثين شيخاً فيهم حوثرة بن أسد‏.‏ وأشرف بنو شيبان على مضاد وأصحابه وسألوا الأمان ليخرجوا إليهم ويسمعوا دعوتهم فأخرجوا وقبلوا ونزلوا إليهم واجتمعـوا بهـم‏.‏ وجـاء شبيـب فاستصوب فعلهم‏.‏ وسار بطائفة أذربيجان‏.‏ وكـان الحجـاج قـد بعـث سفيـان بن أبي العالية الخثعمي إلى طبرستان يحاصرها في ألف فارس وكتب إليه الحجاج أن يرجع‏.‏ فصالح أهل طبرستان ورجع فأقـام بالدسكـرة يطلـب المـدد‏.‏ وبعـث الحجاج أيضاً إلى الحارث بن عميرة الهمداني قاتل صالح أن يأتيه بجيش الكوفة والمدائن وإلـى سـورة بـن أبجـر التميمـي فـي خيل المناظر‏.‏ ويعجل سفيان في طلب شبيب فلحقه بخانقين فاستطردهـم وأكمـن كمينـاً لهـم مـع أخيـه واتبعـوه فـي سفـح الجبـل فخـرج عليهـم الكمين فانهزموا بغير قتـال وثبت سفيان وقاتل‏.‏ ثم حمل شبيب فانكشف ونجا إلى بابل مهرود وكتب إلى الحجاج بالخبـر وبوصـول العساكـر إلا سـورة بـن أبجـر‏.‏ فكتب الحجاج إلى سورة يتهمله ويأمره أن يتخذ من المدائن خمسمائة فارس ويسير إلى شبيب فسار‏.‏ وانتهى شبيب إلى المدائن ثم إلى الهندوان فترحـم أصحابـه هنالـك‏.‏ وبيتهـم سورة هنالك وهم حذرون فلم يصب منهم الغرة‏.‏ ورجع نحو المدائن وشبيب في اتباعه‏.‏ وخـرج ابـن أبـي عصيفير عامل المدائن فقاتلهم وهرب كثير من جنده إلى الكوفة ومضى شبيب إلـى تكريـت‏.‏ ووصـل سـورة إلـى الكوفـة بالفـل فحبسـه الحجـاج ثـم أطلقـه‏.‏ وسـرح عثمـان بـن سعيد بـن شرحبيـل الكنـدي ويلقـب الجزل في أربعة آلاف ليس فيهم من المنهزمين أحد وساروا لحرب شبيـب وأصحابـه‏.‏ وقـدم بيـن يديـه عيـاض بـن أبـي لينـة الكنـدي وجعلـوا يتبعـون شبيباً من رستاق إلـى رستـاق وهـو علـى غيـر تعبيـة والجـزل علـى التبعيـة ويخندق على نفسه متى نزل‏.‏ وطال ذلك علـى شبيـب وكـان فـي مائـة وستيـن فقسمـه علـى أربـع فـرق وثبـت الجـزل ومشايخه فلم يصب منهم فرجع عنهم‏.‏ ثم صبحهم فلم يظهر منهم بشيء‏.‏ وسار الجـزل فـي التبعيـة كمـا كـان وشبيـب يسيـر فـي أرض الخـوارج وغيرهـا يكسـب الخـراج‏.‏ وكتـب الحجاج إلى الجزل ينكر عليه البطء ويأمره بالمناهضة‏.‏ وبعث سعيد بن المجالدي على جيش الجزل فجاءهم بالهندوان ووبخهم وعجزهم‏.‏ وجاءهم الخبر بأن قد دخل قطيطيا والدهقان يصلح لهم الغداء فنهض سعيد في الناس وترك الجزل مع العسكر وقد صف بهـم خـارج الخنـدق‏.‏ وجـاء سعيد إلى قطيطيا وعلم به شبيب فأكل وتوضأ وصلى‏.‏ وخرج فحمل على سعيد وأصحابه مستعرضاً فانهزموا وثبت سعيد فقتله وسار في اتباعهم إلى الجزل فقاتلهم الجـزل حتـى وقـع بيـن القتلـى جريحـاً‏.‏ وكتـب إلـى الحجـاج بالخبـر وأقام بالمدائن‏.‏ وانتهى شبيب إلى الكرخ وعبر دجلة إليه وأرسل إلى سوق بغداد فأتاهم في يوم سوقهم واشترى منه حاجاته وسار إلى الكوفة‏.‏ فلما قرب منها بعث الحجاج سويد بن عبد الرحمن السعدي في ألفي رجل فساروا إلـى شبيـب‏.‏ وأمـر عثمـان بـن قطن فعسكر في السبخة‏.‏ وخالفه شبيب إلى أهل السبخة فقاتلوه‏.‏ وجـاء سويد في آثاره فمضى نحو الحيرة وسويد في اتباعه‏.‏ ثم رحل من الحيرة وجاء كتاب الحجاج إلى سويد يأمره باتباعه‏.‏ فمضى في إتيانه وشبيب يغير في طريقه‏.‏ وأخذ على القطقطانة ثم على قصر بني مقاتل ثم على الأنبار ثم ارتفع على أدنى أذربيجان‏.‏ ولما أبعد سـار الحجاج إلى البصرة واستعمل على الكوفة عروة بن المغيرة بن شعبة فجاءه كتاب دهقان بابل مهرود يخبره بقصد شبيب الكوفة فبعث بالكتاب إلى الحجاج‏.‏ وأقبل شبيب حتى نزل عقرقوبا ونزل وسار منها يسابق الحجاج إلى الكوفة‏.‏ وطوى الحجاج المنازل فوصل الكوفة عند العصر ووصل شبيب عند المغـرب‏.‏ فـأراح وطعمـوا ثـم ركبـوا ودخلـوا إلـى السـوق‏.‏ وضـرب شبيـب القصـر بعمـوده‏.‏ ثم اقتحموا المسجد الأعظم فقتلوا فيه من الصالحيـن ومـروا بـدار صاحـب الشرطة فدعوه إلى الأمير ونكرهم فقتلوا غلامه‏.‏ ومروا بمسجد بني ذهل فقتلوا ذهل بن الحارث وكان يطيل الصلاة فيه‏.‏ ثم خرجوا من الكوفة واستقبلهم النضر بن القعقاع بن شور الذهلي وكان ممن أقبل مع الحجاج من البصرة فتخلف عنه‏.‏ فلما رآه قال‏:‏ السلام عليك أيها الأمير فقال له شبيب‏:‏ قل أمير المؤمنين ويلك فقالها‏.‏ وأراد شبيب أن يلقنه للقرابة بينهما‏.‏ وكان النضر ناحية بيت هانىء بن قبيصة الشيباني فقال له‏:‏ يا نضر لا حكم إلا لله ففطن بهم وقال‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون وشد عليه أصحاب شبيب فقتلوه‏.‏ ونـادى منـادي الحجـاج بالكوفة يا خيل الله اركبي وهو بباب القصر وكان أول من أتاه عثمان بن قطـن بـن عبـد اللـه بـن الحسيـن ذي القصـة‏.‏ ثم جاء الناس من كل جانب فبعث الحجاج خالد بن الأسدي وزائدة بن قدامة الثقفي وأبا الضريس مولى بني تميم وعبد الأعلى بن عبد الله بن عامـر وزيـاد بـن عبـد الله العتكي في ألفين ألفين وقال‏:‏ إن كان حرب فأميركم زائدة بن قدامة‏.‏ وبعث معهم محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله من سجستان وكان عبد الملك قد ولاه عليهـا وأمر الحجاج أن يجهزه ويبعثه في آلاف من الجنود إلى عمله فجهزه وحدث أمر شبيب‏.‏ فقال له الحجاج تجاهد ويظهر اسمك ثم تمضي إلى عملك فساروا جميعاً ونزلوا أسفل الفرات‏.‏ وأخـذ شبيب نحو القادسية وجرد الحجاج ألفاً وثمانمائة من نقاوة الجند مغ ذخر بن قيس وأمره بمواقعة شبيب أينما أدركه وإن ذهب فاتركه‏.‏ فأدركه بالسلخين وعطف عليه شبيب فقاتل ذخر حتى صرع وفيه بضعة عشر جرحاً‏.‏ وانهزم أصحابه يظنون أنه قتل‏.‏ ثم أفاق من برد السحر فدخل قرية وسار إلى الكوفة‏.‏ ثم قصد شبيب وأعوانه وهم على أربعة وعشرين فرسخاً من الكوفة فقال‏:‏ إن هزمناهم فليس دون الحجاج والكوفة مانع‏.‏ وانتهى إليهم وقد تعبؤوا للحرب وعلى الميمنة زياد بن عمر العتكي وعلى الميسرة بشر بن غالب الأسدي وكل أمير بمكانه‏.‏ وعبى شبيب أصحابه ثلاثة كتائب فحمل سويد بن سليم على زياد بن عمر فانكشفوا وثبت زياد قليلاً ثم حمل الثانية فانهزمـوا وانهـزم جريحـاً عنـد المسـاء‏.‏ ثـم حملـوا علـى عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر فانهزم ولم يقاتل ولحق بزياد بن عمر وحملـت الخـوارج حتـى انتهـت إلـى محمـد بـن موسـى بـن طلحـة عنـد الغـروب فقاتلـوه وصبر لهم‏.‏ ثم حمل مضاد أخو شبيب على بشر بن غالـب فـي الميسـرة فصبـر ونـزل فـي خمسيـن رجـلاً فقاتلـوه حتـى قتلـوا وحملـت الخـوارج علـى أبي الضريس مولى بني تميم فهزموه حتى انتهى إلى أعين ثم حملوا عليـه وعلـى أعيـن فهزموهمـا إلـى زائـدة بـن قدامـة‏.‏ فلمـا انتهـوا إليـه نـادى نـزال وقاتلهـم إلى السحر ثم حمل شبيب عليه فقتله وقتل أصحابه ودخل أبو الضريس مع الفل إلى الجوسق بإزائهم‏.‏ ورفـع الخـوارج عنهـم السيـف ودعوهـم إلـى البيعـة لشبيـب عند الفجر فبايعوه وكان فيمن بايعه أبو بردة وبقي محمد بن موسى لم ينهزم فلما طلع الفجرة سمع شبيب أذانهم وعلم مكانهم فأذن وصلى ثم حمل عليهم فانهزمت طائفة منهم وثبتت أخرى وقاتل محمد حتـى قتـل‏.‏ وأخـذ الخـوارج مـا فـي العسكـر وانهـزم الذيـن بايعـوا شبيباً فلم يبق منهم أحد وجاء شبيب إلى الجوسق الـذي فيـه أعيـن وأبو الضريس فتحصنوا منه فأقام يوماً عليهم وسار عنهم وأراده أصحابه على الكوفة وإزاءهم خوخى فتركها وخرج على نفر‏.‏ وسمـع الحجـاج بذلك فظن أنه يريد المدائن وهي باب الكوفة وأكثر السواد لها فهاله ذلك وبعث عثمـان بـن قطـن أميـراً علـى المدائـن وخوخـى والأنبـار وعـزل منها عبد الله بن أبي عصيفير‏.‏ وقيل فـي مقتـل محمـد بـن موسـى غيـر هـذا وهـو أنـه كـان شهد مع عمر بن عبد الله بن معمر قتال أبي فديك فزوجه عمر ابنته وكانت أخته تحت عبد الملك فولاه سجستان فمـر بالكوفـة وقيـل للحجـاج إن جـاء إلـى هـذا أحـد ممـن تطلبـه منعـك منـه فمـره بقتـال شبيـب فـي طريقه لعل الله يريحك منه ففعل الحجاج وعدل محمد‏.‏ إلى قتال شبيب وبعث إليه شبيب بدهاء الحجاج وخديعته إيـاه وأن يعـدل عنـه فأبـى شبيبـاً فبارزه وقتله شبيب ولما انهزم الأمراء وقتل موسى بن محمد بن طلحـة دعـا الحجـاج عبـد الرحمـن بـن الأشعـث وأمـره أن ينتخـب ستـة آلـاف فـارس ويسيـر في طلب شبيـب أيـن كـان فسـار لذلـك‏.‏ ثم كتب إليه وإلى أصحابه يتهددهم إن انهزموا ومر ابن الأشعث بالمدائن وعاد الجزل من جراحته فوصاه وحفره وحمله على فرسه وكانت لا تجارى‏.‏ وسار شبيـب على دقوقا وشهرزور وابن الأشعث في اتباعه إلى أن وقف على أرض الموصل وأقام فكتب إليه الحجاج‏:‏ أما بعد فاطلب شبيباً واسلك في أثره أين سلك حتى تدركه فاقتله أو تنفيه فإنما السلطان سلطان أمير المؤمنين والجند جنده‏.‏ فجعل ابن الأشعث يتبعه وشبيب يقصد به الأرض الخشنة الغليظة وإذا دنا منه رجع يبيته فيجده علـى حـذره حتـى أتعـب الجيش وأحفى دوابهم ونزل بطن أرض الموصل ليس بينه وبين السواد إلا نهر حولايا في دادان الأعلـى مـن الـأرض خوخـى‏.‏ ونـزل عبـد الرحمـن فـي عواقيـل النهر وكانت أيام النحر وطلب شبيب الموادعـة فيهـا فأجابـه قصـداً للمطاولـة‏.‏ وكتـب عثمـان بـن قطـن بذلـك إلـى الحجاج فنكر وبعث إلى عثمان بن قطن بإمارة العسكر وأمره بالمسير وعزل عبد الرحمن بن الأشعث‏.‏ وبعث على المدائن مطرف بن المغيرة مكان ابن قطن وقدم ابن قطن على عسكر الكوفة عشية يوم التروية وناداهم إلى الحرب فاستمهلوه وأنزله عبد الرحمن بن الأشعث‏.‏ وأصبحوا إلى القتال ثالث يومهم على تعبية وفي الميمنة خالد بن نهيك بن قيس وفي الميسرة عقيل بن شداد السلولي وابن قطن في الرجالـة وعبـر إليهـم شبيـب فـي مائـة وثلاثيـن رجـلاً فوقـف فـي الميمنـة وأخـوه مضـاد فـي القلـب وسويـد بـن سليـم فـي الميسـرة وحمـل شبيـب على ميسرة عثمان بن قطن فانهزموا ونزل عقيل بن شداد فقاتل حتى قتل وقتل معه مالك بن عبد الله الهمداني‏.‏ وحمل سويد على ميمنة عثمان فهزمها وقاتل خالد بن نهيك فجاء شبيب من ورائه فقتله وتقدم عثمان إلى مضاد في القلب فاشتد القتال وحمل شبيب من وراء عثمان وعطف عليه سويد بن سليم ومضاد من القلب حتى أحاطوا بـه فقتلـوه‏.‏ وانهزمـت العساكـر ووقـع عبـد الرحمن‏.‏ بن الأشعث فأتاه ابن أبي شثبة الجعفي وهو على بغلة فأردفه ونادى في الناس باللحاق بدير أبي مريم‏.‏ ورفـع شبيـب السيـف عـن النـاس ودعاهم إلى البيعة فبايعوه ولحق ابن الأشعث بالكوفة فاختفى حتـى أمنـه الحجاج‏.‏ ومضى شبيب إلى ماه نهرادان فأقام فيه فصل الصيف فلحق به من كان للحجاج عليه تبعة‏.‏ ثم أقبـل إلـى المدائـن فـي ثمانمائـة رجـل وعليهـا مطـرف بـن المغيـرة‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى الحجاج فقـام فـي النـاس وتسخـط وتوعـد‏.‏ فقـال زهـرة بـن حويـة وهـو شيـخ كبيـر لا يستطيـع القيـام إلا معتمـداً‏.‏ أنـت تبعث الناس متقطعين فيصيبون منهم فاستنفر الناس جميعاً وابعث عليهم رجلاً شجاعـاً مجربـاً يـرى الفـرار عـاراً والصبـر مجداً وكرماً‏.‏ فقال الحجاج‏:‏ أنت ذلك الرجل‏!‏ فقال‏:‏ إنما يصلح من يحمل الدرع والرمح ويهز السيف ويثبت على الفرس ولا أطيق من هذا شيئاً وقد ضعف بصري ولكن أكون مع أمير وأشير عليه‏.‏ فقال له‏:‏ جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله أول أمرك وآخره‏.‏ ثم قال للناس‏:‏ سيروا فتجهزوا بأجمعكم فتجهزوا وكتب الحجاج إلى عبد الملك بأن شبيباً شارف المدائن يريد الكوفة وهم عاجزون عن قتاله بما هزم جندهم وقتل أمراءهم ويستمده مـن جنـد الشـام فبعـث إليـه عبـد الملـك سفيـان بـن الأبـرد الكلبي في أربعة آلاف وحبيب بن عبد الرحمن الحكمي في ألفين وذلك سنة ست وسبعين‏.‏ وكتـب الحجـاج إلى عتاب بن ورقاء الرياحي يستقدمه من عند المهلب وقد وقع بينهما كما مر فقدم عتاب وولاه على الجيش فشكر زهرة بن حوية له وقال‏:‏ رميتهم بحجرهم والله لا يرجع إليك حتى يظفر أو يقتل‏.‏ وبعث الحجاج إلى جند الشام يحذرهم البيات ويوصيهم الاحتياط وأن يأتـوا علـى عيـن التمـر‏.‏ وعسكـر عتاب بجماع أعين ثم قطع شبيب دجلة إلى المدائن وبعت إليـه مطـرف أن يأتيـه رجـال مـن وجوههـم ينظـر في دعوتهم فرجا منه وبعث إليه بغيث بن سويد في جماعـة مكثـوا عنـده أربعـاً ولـم يرجعـوا مـن مطـرف بشـيء ونـزل عتـاب الصـراة وخـرج مطـرف إلـى الجبال خوفاً أن يصل خبره مع شبيب إلى الحجاج‏.‏ فخـلا لهـم الجـو وجـاء مضـاد إلـى المدائن فعقد الجسر ونزل عتاب سوق حكم في خمسين ألفاً‏.‏ وسـار شبيـب بأصحابـه فـي ألـف رجـل فصلـى الظهـر بسابـاط وأشرف على عسكر عتاب عند المغرب وقد تخلف عنه أربعمائة من أصحابه فصلى المغرب وعبى أصحابه ستمائة سويد بن سليم في مائتيـن فـي الميسـرة والمحلـل بـن وائـل فـي مائتيـن فـي الميمنـة وهـو فـي مائتيـن فـي القلـب‏.‏ وكـان علـى ميمنـة عتـاب محمد بن عبد الرحمن بن سعيد وعلى ميسرته نعيم بن عليم وعلى الرجالة حنظلة بن الحارث اليربوعي وهو ابن عمه وهم ثلاثة صفوف بين السيوف والرماح والرماة‏.‏ ثم حرض الناس طويلاً وجلس في القلب ومعه زهرة بن مرثد وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعـث وأبـو بكـر بـن محمـد بـن أبـي جهـم العـدوي‏.‏ وأقبـل شبيب حين أضاء القمر بين العشاءين فحمـل علـى الميسـرة وفيهـا ربيعـة فانفضـوا وثبـت قبيصـة بـن والـق وعبيـد بـن الجليـس ونعيـم بـن عليم على رايتهـم حتـى قتلـوا‏.‏ ثـم حمـل شبيـب علـى عتـاب بـن ورقـاء وحمـل سويـد بـن سليـم علـى محمـد بـن سليـم فـي الميمنـة فـي تميـم وهمـدان‏.‏ واشتـد القتـال وخالـط شبيـب القلـب وانفضـوا وتركـوا عتاباً وفـر ابـن الأشعـث فـي نـاس كثيريـن وقتـل عتاب بن ورقاء وركب زهرة بن حوية فقاتل ساعة ثم طعنه عامر بن عمر الثعلبي من الخوارج ووطأته الخيل فقتله الفضل بن عامر الشيباني منهم ووقف عليه شبيب‏.‏ وتوجع له ونكر الخوارج ذلك وقالوا أتتوجع لرجل كافر فقـال أعـرف قديمه‏.‏ ثم رفع السيف عن الناس ودعا للبيعة فبايعوه وهربوا تحت ليلهم وحوى ما في العسكر وأتاه أخوه من المدائن وأقام يومين‏.‏ ثم سار نحو الكوفة ولحق سفيان بن الأبـرد وعسكـر الشـام بالحجاج فاستغنى بهم عن أهل الكوفة واشتد بهم وخطب فوبخ أهل الكوفة وعجزهم‏.‏ وجاء شبيب فنزل حمام أعين فسرح الحجاج إليه الحارث بن معاوية الثقفي في نحو ألف من الشـرط لـم يشهـدوا يـوم عتـاب فبـادر إليـه شبيـب فقتلـه وانهزم أصحابه إلى الكوفة وأخرج الحجاج مواليه فأخذوا بأفواه السكك وجاء شبيب فنزل السبخة ظاهر الكوفة وبنى فيها مسجداً وسـرح الحجـاج مولـاه أبـا الـورد فـي غلمـان لقتالـه فحمـل عليـه شبيـب وقتلـه يظنـه الحجـاج‏.‏ ثـم أخرج إليه مولاه طهمان كذلك فقتله فركب الحجاج في أهل الشام وجعل سبرة بن عبد الرحمن بن محنـف علـى أفـواه السكـك‏.‏ وقعد على كرسيه ونادى في أهل الشام وحرضهم فغضوا الأبصار وجثوا على الركب وشرعوا الرماح‏.‏ وأقبل شبيب في ثلاثة كراديس معه ومع سويد بن سليم ومع المحلل بن وائل‏.‏ وحمل سويد وبيتوا وطاعنوه حتى انصرف‏.‏ وقدم الحجاج كرسيه وحمل المحلل ثانية فكذلك وقدم الحجاج كرسيـه فثبتـوا لـه وألحقـوه بأصحابـه وسـرب شبيـب سويد بن سليم إلى أهل السكك وكان عليها عـروة بـن المغيـرة بـن شعبـة فلم يطق دفاعه‏.‏ ثم حمل شبيب فطاعنوه وردوه وانتهى الحجاج إلى مسجـده وصعـده وملـك العرصـة وقـال لـه خالـد بـن عتـاب ائـذن لـي فـي قتالهم فإني موتور فأذن له فجاءهم من ورائهم وقتل أخا شبيب وغزالة امرأته وخرق عسكرهم وحمل الحجاج عليهم فانهزمـوا‏.‏ وتخلـف شبيـب رداً لهـم فأمر الحجاج أصحابه بموادعتهم ودخل الكوفة فخطب وبشر ثـم سـرح حبيـب بـن عبـد الرحمـن الحكمـي فـي ثلاثـة آلـاف فـارس لأتباعـه وحذره بياته فانتهى في أثره إلى الأنبار وقد افترق عن شبيب كثير من أصحابه للأمان الذي نادى الحجاج به فجاءه شبيـب عنـد الغـروب وقد قسم حبيب جنده أرباعاً وتواصوا بالاستماتة فقاتلهم شبيب طائفة بعـد طائفـة‏.‏ فمـا زالـت قـدم إنسـان عـن موضعهـا إلـى آخـر الليـل‏.‏ ثـم نزل شبيب وأصحابه واشتد القتـال وكثر القتلى وسقطت الأيدي وفقئت لأعين‏.‏ وقتل من أصحاب شبيب نحو ثلاثين ومن أهل الشام نحو مائة‏.‏ وأدركهم الإعياء والفشل جميعاً‏.‏ فانصرف شبيب بأصحابه وقطع دجلة ومر في أرض خوخـى‏.‏ ثـم قطـع دجلـة أخـرى عنـد واسـط ومضـى علـى الأهـواز وفـارس إلـى كرمـان ليريح بها‏.‏ وقـد قيل في هذه الحرب غير هذا وهو أن الحجاج بعث إليه أمراء واحداً بعد واحد فقتلهم وكان منهم أعين صاحب حمام أعين وكانت غزالة امرأة شبيب نذرت أن تصلي في مسجد الكوفة ركعتين بالبقرة وآل عمران‏.‏ فجاء شبيب ودخل الكوفة ليلاً وأوفت بنذرها ثم قاتلهم الناس وخرجوا‏.‏ وقام الحجاج في الناس يستشيرهم وبرز إليه قتيبة وعذله في بعث الرعاع ينهزمون ويموت قائدهـم والـرأي أن تخـرج بنفسـك فتحالمـه خـرج مـن الغـد إلـى السبخـة وبهـا شبيب واختفى مكانه عن القوم ونصب أبا الورد مولاه تحت اللواء فحمل عليه شبيب فقتله‏.‏ ونـزل عنـد ذلـك الحجـاج وأصحابـه وجلـس علـى عبـاءة ومعه عنبسة بن سعيد‏.‏ وبينما هم على ذلـك إذ اختلـف الخـوارج وقـال مصقلـة بـن مهلهـل الضبـي لشبيـب‏:‏ مـا تقـول فـي صالح بن سرح قال‏:‏ برئت منه فبريء مصقلة منه وفارقه وشعر الحجاج باختلافهم فسرح خالد بن عتاب لقتالهم فقاتلهم في عسكرهم وقتل غزالة وبعث برأسها إلى الحجاج فأمر شبيب من اعترضه فقتل حامله وجاء به فغسله ودفنه وانصرف الخـوارج وتبعهـم خالـد‏.‏ وقتـل مضـاد أخـو شبيـب ورجـع خالـد عنهـم بعـد أن أبلـى وسـار شبيـب إلـى كرمان وكتب الحجاج إلى عبد الملك يستمده فبعـث إليـه سفيـان بـن الأبـرد الكلبـي فـي العساكر فأنفق فيهم المال وسرحه بعد انصراف الخوارج بشهرين وكتب إلى عامل البصرة وهو الحكم بن أيوب زوج ابنته أن يبعث بأربعة آلاف فارس من جند البصرة إلى سفيان فبعثهم مع زياد بن عمر العتكي فلحقه انقضاء الحرب‏.‏ وكان شبيب بعد أن استجم بكرمان أقبل راجعاً فلقـي سفيـان بالأهـواز فعبـر إليـه جسـر دجيـل وزحـف فـي ثلاثـة كراديـس فقاتلهـم أشد قتال وحملوا عليهم أكثر من ثلاثين حملة وسفيان وأهـل الشـام مستميتـون يزحفـون زحفـاً حتـى اضطـر الخوارج إلى الجسر فنزل شبيب في مائة من أصحابه وقاتل إلى المساء حتى إذا جاء الليل انصرف وجاء إلى الجسر فقدم أصحابه وهو علـى أثرهـم‏.‏ فلمـا مـر بالجسـر اضطـرب حجـر تحـت حافـر فرسـه وهـو علـى حرف السفينة فسقط فـي المـاء وغـرق وهـو يقـول‏:‏ وكـان أمر الله مفعولاً ذلك تقدير العزيز العليم‏.‏ وجاء صاحب الجسر إلـى سفيـان وهـو يريـد الانصراف بأصحابه فقال إن رجلاً من الخوارج سقط فتنادوا بينهم غرق أمير المؤمنين ومروا وتركوا عسكرهم فكبر سفيان وأصحابه وركب إلى الجسر وبعث إلى عسكرهم فحوى ما فيه وكان كثير الخيرات ثم استخرجوا شبيباً من النهر ودفنوه‏.‏

  خروج المطرف بن المغيرة بن شعبة

لما ولي الحجاج الكوفة وقدمها وجد بني المغيرة صلحاء أشرافاً فاستعمل عروة على الكوفة ومطرفاً على المدائن وحمزة على همذان فكانوا أحسن العمال سيرة وأشدهم على المريب‏.‏ ولما جاء شبيب إلى المدائن نزل نهر شير ومطرف بمدينة الأبواب فقطع مطرف الجسر وبعث إلى شبيب أن يرسل إليه من يعرض عليه الدعوة فبعث إليه رجلاً من أصحابه فقالوا‏:‏ نحن ندعو إلى كتاب الله وسنة رسوله وإنا نقمنا على قومنا الاستئثار بالفيء وتعطيل الحدود والتبسـط بالجزية فقال مطرف دعوتم إلى حق جوراً ظاهراً وأنا لكم متابع فبايعوني على قتال هؤلاء الظلمة بأحداثهم وعلى الدعاء إلى الكتاب والسنة وعلى الشورى كما تركها عمر بن الخطاب حتى يولي المسلمون من يرضونه فإن العرب إذا علمت أن المراد بالشورى الرضا من وأقاموا أربعة أيام يتناظرون في ذلك ولم يتفقوا وخرجوا من عنده ثم دعا مطرف أصحابه وأخبرهـم بمـا دار بينـه وبيـن أصحاب شبيب وأن رأيه خلع عبد الملك والحجاج فوجموا من قوله وأشـاروا عليـه بالكتمـان فقـال لـه يزيـد بـن أبـي زياد مولى أبيه‏:‏ لن والله يخفى على الحجاج شيء ممـا وقـع ولـو كنـت فـي السحـاب لاستنزلـك فالنجـاء بنفسـك ووافقه أصحابه فسار عن المدائن إلى الجبـال ولمـا كـان فـي بعـض الطريق دعا أصحابه إلى الخلع والدعاء إلى الكتاب والسنة وأن يكون الأمـر شـورى فرجـع عنـه بعـض إلـى الحجاج منهم سبرة بن عبد الرحمن بن مخنف وسار مطرف ومـر بحلـوان وبهـا سويد بن عبد الرحمن السعدي مع الأكراد فاعترضوه فأوقع مطرف بهم وأثخن في الأكراد ومال همذان ذات اليمين وبها أخوه حمزة واستمده بمال وسلاح فأمده سراً‏.‏ وسار إلى قم وقاشان فبعث عماله في نواحيها وفزع إليه من كل جانب فجاءه سويد بن سرحـان الثقفـي وبكيـر بـن هـارون النخعـي مـن الـري فـي نحـو مائـة رجـل‏.‏ وكـان علـى الـري عدي بن زيـاد الإيـادي وعلـى أصبهـان البراء بن قبيصة فكتب إلى الحجاج بالخبر واستمده فأمده بالرجال وكتـب إلـى عـدي بالـري أن يجتمع مع البراء على حرب مطرف فاجتمعوا في ستة آلاف وعدي أميرهـم‏.‏ وكتب الحجاج إلى قيس بن سعد البجلي وهو على شرطة حمزة بهمذان بأن يقبض على حمزة ويتولى مكانه فجاءه في جمع من عجل وربيعة وأقرأه كتاب الحجاج فقال‏:‏ سمعاً وطاعة وقبض قيس عليه وأودعه السجن‏.‏ وسار عدي والبراء نحو مطرف فقاتلوه وانهـزم أصحابـه وقتـل يزيـد مولـى أبيـه‏.‏ وكـان صاحـب الراية وقتل من أصحابه عبد الرحمن بن عبد الله بن عفيف الأزدي وكان ناسكاً صالحاً وكان الذي تولى قتل مطرف عمر بن هبيرة الفزاري‏.‏ وبعـث عـدي أهـل البلـاد إلـى الحجـاج وأمـر بكيـر بـن هـارون وسويـد بن سرحان وكان الحجاج يقول مطرف ليس بولد للمغيرة وإنما هو ابن مصقلة الحر لأن أكثر الخوارج كانوا من ربيعة ولم يكن فيهم من قيس‏.‏

  اختلاف الأزارقة

قـد تقـدم لنـا مقـام المهلـب فـي قتـال الأزارقـة على سابور بعد مسير عتاب عنه إلى الحجاج وأنه أقام في قتالهم سنة‏.‏ وكانت كرمان لهم وفارس للمهلب فانقطع عنهم الممد وضاقت حالهم فتأخروا إلى كرمان وتبعهم المهلب ونزل خيررفت مدينة كرمان وقاتلهم حتى أزالهم عنهـا‏.‏ وبعث الحجاج العمال على نواحيها وكتب إليه عبد الملك بتسويغ للمهلب معونة له على الحرب وبعـث الحجـاج إلـى المهلـب البـراء بن قبيصة يستحثه لقتال الخوارج فسار وقاتلهم والبراء مشرف عليه من ربوة واشتد قتاله وجاء البراء من الليل فتعجب‏.‏ لقتاله وانصرف إلى الحجاج وأنهى غـدر المهلـب وقاتلهـم ثمانيـة عشـر شهـراً لا يقدر منهم على شيء‏.‏ ثم وقع الاختلاف بينهم فقيل في سببه إن المقعطر الضبي وكان عاملاً لقطري على بعض نواحي كرمان قتل بعض الخوارج فطلبـوا القود منه فمنعه قطري وقال‏:‏ تأول فأخطأ وهو من ذوي السابقة فاختلفوا وقيل بل كان رجل في عسكرهم يصنع النصول مسمومة فيرمي بها أصحاب المهلب فكتب المهلب كتاباً مع رجل وامرأة أن يلتقيه في عسكرهم وفيه وصلت نصالك وقد أنفذت إليك ألف درهم‏.‏ فلما وقف على الكتاب سأل الصانع فأنكر فقتله فأنكر عليه عبد ربه الكبير واختلفوا‏.‏ وقيل بعث المهلب نصرانياً وأمره بالسجود لقطري فقتله بعض الخوارج وولوا عبد ربه الكبير وخلعـوا قطريـاً فبقـي فـي نحـو الخمسيـن منهـم وأقامـوا يقتتلون شهراً ثم لحق قطري بطبرستان وأقام عبد ربه بكرمان وقاتلهم المهلـب وحاصرهـم بخيررفـت‏.‏ ولمـا طـال عليهـم الحصـار خرجـوا بأموالهـم وحريمهـم وهـو يقاتلهـم حتى أثخن فيهم‏.‏ ثم دخل خيررفت وسار في أتباعهم فلحقهم علـى أربعـة فراسـخ فقاتلهـم هـو وأصحابـه حتـى أعيـوا وكـف عنهـم‏.‏ ثم استمات الخوارج ورجعوا فقاتلـوه حتـى يئس من نفسه‏.‏ ثم نصره الله عليهم وهزمهم وقتل منهم نحواً من أربعة آلاف كان منهم عبد ربه الكبير ولم ينج منهم إلا القليل‏.‏ وبعـث المهلب المبشر إلى الحجاج فأخبر‏.‏ وسأله عن بني المهلب فأثنى عليهم واحداً واحداً‏.‏ قال فأيهم كان أنجد قال كانوا كالحلقة المفرغة لا يعـرف طرفهـا فاستحسـن قولـه وكتـب إلـى المهلـب يشكـره ويأمره أن يولي على كرمان من يراه وينزل حامية ويقدم عليه فولى عليها ابنه يزيد وقـدم علـى الحجـاج فاحتفـل لقدومه وأجلسه إلى جانبه وقال‏:‏ يا أهل العراق أنتم عبيد المهلب‏.‏ وسرح سفيان بن الأبرد الكلبي فـي جيـش عظيـم نحـو طبرستـان لطلـب قطـري وعبيـدة بـن هلـال ومـن معهـم مـن الخـوارج‏.‏ والتقـوا هنالـك بإسحـاق بـن محمـد بن الأشعث في أهل الكوفة واجتمعا على طلبهم فلقوهم في شعب من شعاب طبرستان وقاتلوهم فافترقوا عن قطري ووقع عن دابته فتدهده إلى أسفل الشعب ومر به علج فاستقاه على أن يعطيه سلاحه‏.‏ فعمد إلى أعلى الشعـب وحـدر عليـه حجـراً مـن فـوق الشعـب فأصابـه في رأسه فأوهنه ونادى بالناس فجاء في أولهـم نفـر مـن أهل الكوفة فقتلوه منهم سورة بن أبجر التميمي وجعفر بن عبد الرحمن بن مخنف والسياح بن محمد بن الأشعث وحمل رأسه أبو الجهم إلى إسحق بن محمد فبعث به الحجاج وبعثه الحجاج إلى عبد الملك‏.‏ وركب سفيان فأحاط بالخوارج وحاصرهـم حتـى أكلـوا دوابهـم ثـم خرجـوا إليـه واستماتـوا فقتلهم أجمعين وبعث برؤوسهم إلى الحجاج ودخل دنباوند وطبرستان فكان هناك حتى عزله الحجاج قبل دير الجماجم قال بعض العلماء‏:‏ وانقرضـت الأزارقـة بعـد قطـري وعبيـدة آخـر رؤسائهم وأول رؤسائهم نافع بن الأزرق واتصل أمرهم بضعاً وعشرين سنة إلى أن افترقوا كما ذكرناه سنة سبع وسبعين فلم تظهر لهم جماعة إلى رأس المائة‏.‏ خروج شوذب خـرج شـوذب هـذا أيـام عمـر بـن عبد العزيز على رأس المائة واسمه بسطام وهو من بني يشكر‏.‏ فخـرج فـي مائتـي رجـل وسـار فـي خوخـى وعامـل الكوفة يومئذ عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيـد بـن الخطـاب‏.‏ فكتـب إليـه عمـران أن لا يعرض لهم حتى يقتلوا أو يفسدوا فيوجه إليهم الجند مع صليب حازم فبعث عبد الحميد بن جرير بن عبد الله البجلي في ألفين فأقام بإزائه لا يحركـه‏.‏ وكتـب عمـر إلـى شـوذب‏:‏ بلغنـي أنـك خرجـت غضبـاً لله ولرسوله وكنت أولى بذلك مني فهلم إلي أناظرك فإن كان الحق معنا دخلت مع الناس وإن كان الحق معك نظرنا في أمرك‏.‏ فبعث إليه عاصماً الحبشي مولى بني شيبان من بني يشكر فقدما عليه بخاصر فسألهما‏:‏ ما أخرجكـم ومـا الـذي نقمتم‏.‏ فقال عاصم ما نقمنا سيرتك إنك لتتحرى العدل والإحسان فأخبرنا عن قيامك بهذا الأمر مشورة من الناس أم غلبت عليه‏:‏ قال عمر ما سألته وما غلبت عليه‏.‏ وعهد إلي رجل قبلي فقمت ولم ينكر أحد ومذهبكم الرضا لكل من عدل وإن أنا خالفت قـالا‏:‏ فقـد خالفـت أعمـال أهـل بيتـك وسميتهـا مظالم فتبرأ منهم والعنهم‏.‏ فقال عمر‏:‏ أنتم تريدون الآخـرة وقـد أخطأتـم طريقهـا وإن اللـه لـم يشـرع اللعـن‏.‏ وقد قال إبراهيم‏:‏ ومن عصاني فإنك غفور رحيـم‏.‏ وقـال‏:‏ أولئـك الذيـن هـدى اللـه فبهداهـم اقتـده‏.‏ وبقي تسمية أعمالهم مظالم ذماً ولو كان لعن أهل الذنوب فريضة لوجب عليكم لعن فرعون أنتم لا تلعنونه وهو أخبث الخلق فكيف ألعـن أنـا أهـل بيتـي وهـم مصلـون صائمـون ولـم يكفـروا بظلمهـم لـأن النبـي صلى الله عليه وسلم دعا إلى الإيمان والشريعة فمن عمل بها قبل منه ومن أحدث حدثاً فرض عليه الحد‏.‏ فقـالا‏:‏ فـإن النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم دعـا إلـى التوحيـد والإقرار بما نزل عليه‏.‏ فقال عمر ليس أحد ينكر ما نزل عليه ولا يقول لا أعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن القوم أسرفـوا علـى أنفسهـم‏.‏ قـال عاصـم‏:‏ فابـرأ منهـم ورد أحكامهـم قـال عمر‏:‏ أتعلمان أن أبا بكر سبى أهل الردة وأن عمر ردها بالفدية ولم يبرأ من أبي بكر وأنتم لا تبرؤون من واحد منهما قال‏:‏ فأهـل النهروان خرج أهل الكوفة منهم فلم يقتتلوا ولا استعرضوا وخرج أهل البصرة فقتلوا عبد اللـه بـن حبـاب وجاريـة حامـلاً ولـم يتبـرأ مـن لـم يقتـل ممـن قتـل واستعـرض ولا أنتم تتبرؤون من واحد منهما وكيف ينفعكم ذلك مع علمكم باختلاف أعمالكم‏.‏ ولا يسعني أنا البراءة من أهل بيتي والدين واحد‏.‏ فاتقوا الله ولا تقبلوا المردود وتردوا المقبول وقد أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من شهد شهادة الإسلام وعصم ماله ودمه وأنتم تقتلونه ويأمـن عندكـم سائـر الأديـان وتحرمون دماءهم وأموالهم‏.‏ فقال اليشكري‏:‏ من استأمن على قوم وأموالهم فعدل فيها ثم صيرها بعده إلى رجل غير مأمون أتراه أدى الحق الذي لزمه فكيف تسلم هذا الأمر بعدك إلى يزيد مع علمك أنه لا يعدل فيه‏.‏ فقال‏:‏ إنما ولاه غيري والمسلمون أولى بذلك بعدي‏.‏ قال‏:‏ فهو حق ممن فعله وولاه قال انظرانـي ثلاثـاً‏.‏ ثـم جـاءه عاصـم فرجـع عـن رأي الخـوارج وقـال له اليشكري اعرض عليهم ما قلت واسمع حجتهم‏.‏ وأقام عاصم عند عمر وأمر له بالعطاء وتوفي عمر لأيام قلائل ومحمد بن جرير ينتظر عود الرسل‏.‏ ولما مات عمر كتب عبد الحميد إلى محمد بن جرير بمناجزة شوذب قبل أن يصل إليهم عمر فقالـت الخـوارج‏:‏ مـا خالـف هـؤلاء ميعادهـم إلا وقد مات الرجل الصالح‏.‏ واقتتلوا فانهزم محمد بن جريـر واتبعـه الخوارج إلى الكوفة ورجعوا وقدم على شوذب صاحباه أخبراه بموت عمر وسرح يزيد تميم بن الحباب في ألفين فهزمه أصحابه ثم بعث إليهم الشجاع بن وادع في ألفين فقتلوه وهزمـوه بعـد أن قتـل منهـم هدبـة ابـن عـم وبقـي الخـوارج بمكانهـم‏.‏ وجـاء مسلمـة إلى الكوفة فأرسل سعيـد بـن عمـرو الحرشـي فـي عسكر آلاف فاستماتت الخوارج وكشفوا العساكر مراراً ثم حملوا وقتل شوذب وأصحابه ولم يبق منهم أحد وضعف أمر الخوارج على ظهور أيام هشام سنة عشريـن ومايـة بهلـول بـن بشـر بـن شيبـان وبلغـت كنـارة‏.‏ وكـان لمـا عـزم علـى الخـوارج حج ولقي بمكة من كان على رأيه فأبعدوا إلى قرية من قرى الموصل واجتمعوا بها وهم أربعون وأمروا عليهم البهلـول وأخفـوا أنفسهـم بأنهـم قدمـوا مـن عنـد هشـام‏.‏ ومـروا بقريـة كان بهلول ابتاع منها خلاً فوجده خمراً وأبى البائع من رده واستعدى عليه عامل القرية فقال‏:‏ الخمر خير منك ومن قومك فقتلوه وأظهـروا أمرهـم وقصـدوا خالـداً القسـري بواسـط وتعللـوا عليه بأنه يهدم المساجد ويبني الكنائس ويولي المجرد على المسلمين‏.‏ وجـاء الخبـر إلـى خالـد فتوجـه مـن واسـط إلـى الحيـرة وكـان بهـا جنـد مـن بنـي العيـن نحـو ستمائـة بعثـوا مـدداً لعامل الهند فبعثهم خالد مع مقدمهم لقتال بهلول وأصحابه وضم إليهم مائتين من الشرط والتقوا على الفرات فقتل مقدمهم وانهزموا إلى الكوفة‏.‏ وبعث خالد عابداً الشيباني من بني حوشـب بـن يزيـد بـن رويـم فلقيـه بين الموصل والكوفة فهزمهم إلى الكوفة وارتحل يريد الموصل ثم بدا له وسار يريد هشاماً بالشام وبعث من العراق وعامل الجزيرة جنداً وبعث هشام جنداً فاجتمعـوا بيـن الجزيـرة والموصـل وهم في عشرين ألفاً وبهلول في سبعين فقاتلوا واستماتوا وصرع بهلـول وسأله أصحابه العهد فعهد إلى دعامة الشيباني ثم إلى عمر اليشكري من بعده‏.‏ ومات ثم خرج على خالد بعد ذلك بسنتين الغفري صاحب الأشهب وبهذا كان يعرف فبعث إليه السمط بن مسلم البجلي في أربعة آلاف فالتقوا بناحية الفرات فانهزمت الخوارج ولقيهم عبيد أهل الكوفة وغوغاؤهم فرموهم بالحجارة حتى قتلوهم‏.‏ ثم خرج وزير السختياني على خالد بالحيرة فقتل وأحرق القرى فوجه إليه خالد جنداً فقتلوا أصحابه وأثخن بالجراح وأتى به خالد فوعظه فأعجبه وعظه فأعفاه من القتل‏.‏ وكان يسامره بالليـل وسعـى بخالـد إلـى هشام وأنه أخذ حرورياً يستحق القتل فجعله سميراً فكتب إليه هشام بقتله فقتله‏.‏ ثـم خـرج بعـد ذلـك النصـارى بن شبيب بإفريقية فمضى وندم خالد فطلبه فلم يرجع وأتى جبل وبهـا نفـر من اللات بن ثعلبة فأخبرهم وقال إنما أردت التوصل إليه لأقتله بفلان من قعدة الصفرية كـان خالـد قتلـه صبـراً‏.‏ ثـم خـرج معـه ثلاثـون منهـم فوجـه إليهم خالد جنداً فلقوهم بناحية المناذر فاقتتلوا فقتل الصحارى وأصحابه أجمعون‏.‏ ورد أمر الخوارج بعد ذلك مرة فلما وقعت الفتن أيام هشام بالعراق والشام وشغل مروان بمن انتقـض عليـه فخـرج بـأرض كفريمونـا سعيـد بـن بهـدل الشيبانـي فـي مائتيـن مـن أهـل الجزيرة وكان على رأي الحرورية وخرج بسطام البهسي في مثل عدتهم من ربيعة وكان مخالفاً لرأيه فبعث إليه سعيـد بـن بهـدل قائـده الخبيـري فـي مائـة وخمسيـن فبيتهـم وقتل بسطاماً ومن معه ولم ينج منهم إلا أربعـة عشـر رجـلاً‏.‏ ثـم مضـى سعيـد بـن بهدل نحو العراق فمات هنالك واستخلف الضحاك بن قيس الشيباني فبايعه السراة وأتى أرض الموصل وشهرزور‏.‏ وإجتمع إليه من الصفرية أربعة آلاف أو يزيدون‏.‏ وولـى مروان على العراق النضر بن سعيد الجريشي وعزل به عبد الله بن عمر بن عبد العزيز فامتنع عبد الله بالحيرة وسار إليه النضر وتحاربا أشهراً‏.‏ وكانت الصفرية مع النضر عصبة لمروان لطلبـه بـدم الوليـد وأمـه قيسيـة وكانـت اليمنيـة مـع ابـن عمـر عصبيـة لدخولهـم فـي قتـل الوليـد بمـا فعله مع خالد القسري فلما علم الضحاك والخوارج باختلافهم أقبل إلى العـراق سنـة سبـع وعشرين وزحف إليهم فتراسل ابن عمر والنضر وتعاقدا واجتمعا لقتاله بالكوفة وكل واحد منهما يصلي بأصحابه وابن عمر أمير على وإسماعيل أخو خالد القسري وغيرهم من الوجوه‏.‏ فلحـق ابـن عمـر بواسـط واستولـى الضحـاك علـى الكوفـة وعـادت الحـرب بين ابن عمر والنضر‏.‏ ثم زحف إليهما الضحاك فاتفقا وقالا حتى ضرستهما الحرب ولحق منصور بن جمهور بالضحاك والخوارج وبايعهم ثم صالحهم ابن عمر ليشغلوا مروان عنه وخرج إليهم وصلى خلف الضحاك وبايعه‏.‏ وكـان معـه سليمـان بن هشام وصل إلية هارباً من حمص لما انتقض بها وعليه‏.‏ عليها مروان فلحق بابن عمر وبايع معه الضحاك وصار معه وحرضها على مروان‏.‏ إنما لحق بالضحاك وهو يحاصر نضيراً وتزوج أخت شيبان الحروري‏.‏ فرجع الضحاك إلى الكوفة وسار منها إلى الموصـل بعـد عشرين شهراً من حصار واسط بعد أن دخل أهل الموصل وعليهم القطرن أم أكمه من بني شيبان عامل لمروان فأدخلهم أهل البلد وقاتلهم القطرن فقتل ومن معه وبلغ الخبر إلى مـروان وهـو يحاصـر حمـص فكتـب إلـى ابنه عبد الله أن يسير إلى‏.‏ يمانع الضحاك عن توسط الجزيرة فسار في ثمانيـة آلـاف فـارس والضحـاك فـي مائـة ألـف وحاصـره بنصيبيـن‏.‏ ثـم سـار مـروان بـن محمـد إليـه فالتقيـا عنـد كفريموتـا مـن نواحـي مارديـن فقاتلـه عامة يومه إلى الليل وترجل الضحاك في نحـو ستـة آلـاف وقاتلـوا حتـى قتلـوا عـن آخرهـم وعثـر علـى الضحـاك فـي القتلـى فبعـث مـروان برأسه إلى الجزيرة وأصبح الخوارج فبايعوا الخبيري قائد الضحاك وعاودوا الحرب مع مروان فهزموه وانتهوا إلى خيامه فقطعوا أطنابهم وجلس الخبيري على فرشه والجانحان ثابتان وعلى الميمنة عبـد اللـه بـن مـروان وعلى الميسرة إسحاق بن مسلم العقيلي فلما انكشفت قفة الخوارج أحاطوا بهم في مخيم مروان فقتلوهم جميعاً والخبيري معهم ورجع مروان من نحو ستة أميال‏.‏ وانصرف الخوارج وبايعوا شيبان الحروري وهو شيبان بن عبد العزيز اليشكري ويكنى أبا الدلفاء‏.‏ وقاتلهم مروان بعد ذلك بالكراديس وأبطل الصف من يومئذ وأقام في قتالهم أياماً وانصـرف عـن شيبـان كثيـر منهـم وارتحلـوا إلـى الموصـل بإشـارة سليمـان بـن هشام وعسكروا شرقي دجلة وعقدوا الجسور واتبعهم مروان فقاتلهم لتسعة أشهر وقتل الطائفتين خلق كثير‏.‏ وأسر ابـن أخ لسليمـان بـن هشـام اسمـه أميـة بـن معاويـة فقطعـه ثـم ضـرب عنقـه‏.‏ وكتـب مـروان إلـى يزيد بن عمـر بـن هبيـرة وهـو بمرقيسية يأمره بالسير إلى العراق وولاه عليها وعلى الكوفة يومئذ المثنى بن عمـران العائـذي مـن قريـش خليفـة للخوارج فلقي ابن هبيرة بعين التمر فاقتتلوا وانهزمت الخوارج‏.‏ ثم تجمعوا له بالنخيلة ظاهر الكوفة فهزمهم ثم تجمعوا بالبصرة فأرسل شيبان إليهم عبيدة بن سوار في خيل عظيمة فهزمهم ابن هبيرة وقتل عبيدة واستباح عسكرهم واستولى على العراق‏.‏ وكـان منصـور بـن جمهـور مـع الخوارج فمضى إلى الماهين وغلب عليها وعلى الجبل جميعاً وسار ابن هبيرة إلى واسط فحبس ابن عمر وكان سليمان بن حبيب عامل ابن عمر على الأهواز فبعث ابن هبيرة إليه نباتة بن حنظلة وبعث هو داود بن حاتم والتقيا على دجلة فانهزم داود وقتـل‏.‏ وكتب مروان إلى ابن هبيرة أن يبعث إليه عامر بن ضبابة المزني فبعثه في ثمانية آلاف وبعـث شيبان لاعتراضه الجون بن كلاب الخارجي في جمع فانهزم عامر وتحصن بالسند وجعل مروان يمده بالجنود وكان منصور بن جمهور بالجبل يمد شيبان بالأموال‏.‏ ثم كثرت جموع عامر فخـرج إلى الجون والخوارج الذين يحاصرونه فهزمهم وقتل الجون وسار قاصداً الخوارج بالموصل فارتحـل شيبـان عنهـا وقـدم عامـر علـى مـروان فبعثـه فـي اتبـاع شيبان فمر على الجبل وخرج على بيضاء فارس وبها يومئذ عامر بن عبد الله بن حطوبة بن جعفر في جموع كثيرة‏.‏ فسار ابن معاوية إلى كرمان وقاتله عامل فهزمه ولحق بهراة وسار عامر بمن معه فلقي شيبان والخوارج بخير رفت فهزمهم واستباح عسكرهم ومضى شيبان إلى سجستان فهلك بها سنة ثلاثين ومائة‏.‏ وقيل بل كان قتال مروان وشيبان على الموصل شهراً‏.‏ ثم انهزم شيبان ولحق بفارس وعامر بن صراة في أتباعه ثم سار شيبان إلى جزيرة ابن كاوان وأقام بها‏.‏ ولمـا ولـي السفـاح بعـث حارثـة بـن خزيمـة لحرب الخوارج هنالك لموجدة وجدها عليه فأشير عليه ببعثـه لذلـك‏.‏ فسـار فـي عسكـر إلـى البصـرة وركـب السفـن إلى جزيرة ابن كاوان وبعث فضالة بن نعيم النهيلي في خمسمائة فانهزم شيبان إلى عمان وقاتل هناك وقتله جلندي بن مسعود بن جعفـر بـن جلنـدي ومـن معـه سنـة أربـع وثلاثيـن‏.‏ وركـب سليمـان بـن هشـام السفـن بأهلـه ومواليـه إلى الهند بعد مسير شيبان إلى جزيرة ابن كاوان حتى إذا بويع السفاح قدم عليه وأنشده سديف البيتين المعروفين وهما‏:‏ لا يغرنـك مـا تـرى مـن رجال إن بين الضلوع داء دويا فقتلـه السفـاح وانصـرف مروان بعد مسير شيبان إلى الموصل إلى منزله بحران فلم يزل بها حتى سـار إلـى الـزاب‏.‏ ومضـى شيبان بعد سلمة إلى خراسان والفتنة بها يومئذ بين نصر بن سيار والكرمانـي والحـارث بـن شريح وقد ظهر أبو مسلم بالدعوة العباسية فكان له من الحوادث معهم ما ذكرناه واجتمع مع علي بن الكرماني على قتال نصر بن سيار‏.‏ فلما صالح الكرماني أبا مسلـم كمـا مـر وفـارق شيبـان تنحـى شيبـان عـن عمر لعلمه أنه لا يقاومه ثم هرب نصر بن سيار إلى سرخس واستقام أمر أبي مسلم بخراسان فأرسل إلى شيبان إلى البيعة ويأذنه بالحرب واستجـاش بالكرمانـي فأبـى‏.‏ فسـار إلـى سرخس واجتمع كثير من بكر بن وائل وأرسل إليه أبو مسلم في الموادعة فحبـس الرسـل فكتـب أبـو مسـام إلـى بسـام بـن إبراهيـم مولـى بنـي ليـث بالمسيـر إلـى شيبـان فسـار إليـه فهزمـه وقتـل فـي عـدة بكـر بـن وائـل ويقـال إن خزيمـة بـن حـازم حضـر مـع بسام في ذلك‏.‏

  خبر أبي حمزة وطالب وإسحاق

كان اسم أبي حمزة الخارجي المختار بن عوف الأزدي البصري وكان من الخوارج الإباضية وكان يوافي مكة كل موسم يدعو إلى خلاف مروان وجاء عبد الله بن يحيى المعروف بطالب الحـق سنـة ثمـان وعشريـن وهـو مـن حضرموت فقال له انطلق معي فإني مطاع في قومي‏.‏ فانطلق معه إلى حضرموت وبايعه على الخلافة‏.‏ وبعثه عبد الله سنة تسع وعشرين مع بلخ بن عقبة الأزدي في سبعمائة فقدموا مكة وحكمـوا بالموقـف وعامـل المدينـة يومئـذ عبـد الواحـد بـن سليمان بن عبد الملك فطلبهم في الموادعة حتى ينقضي الموسم‏.‏ وأقام للناس حجهم ونزل بمنى وبعث إلى أبي حمزة عبيد الله بن حسن بن الحسن ومحمد بن عبـد اللـه بـن عمـر بـن عثمـان وعبـد الرحمـن بـن القاسـم بـن محمد وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصـم بن عمر بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن في أمثالهم‏.‏ فكشر في وجه العلوي والعثماني وانبسـط إلـى البكـري والعمـري وقـال لهمـا مـا خرجنـا إلا بسيـرة أبويكما فقال له عبيد الله بن حسن ما جئنا للتفضيل بين آبائنا وإنما جئنا برسالة من الأمير وربيعة يخبرك بها‏.‏ ثـم أحكمـوا معـه الموادعـة إلـى مدتهـا ونفر عبد الواحد في النفر الأول فمضى إلى المدينة وضرب علـى أهلهـا البعـث وزادهـم في العطاء عشرة وبعث عليهم عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن عثمان فانتهوا إلى فديك‏.‏ وجاءتهم رسل أبي حمزة يسألونهم التجافي عن حربهم وأن يخلوا بينهـم وبيـن عدوهـم‏.‏ فلمـا نزلـوا قديـد وكانـوا مترفيـن ليسـوا بأصحاب حرب فطلع عليهم أصحاب أبـي حمـزة مـن الغيـاض فأثخنـوا فيهم وكان قتلاهم نحو سبعمائة من قريش‏.‏ وبلغ الخبر إلى عبد الواحد فلحق بالشام‏.‏ ودخل أبو حمزة المدينة منتصف صفر سنة ثلاثين وخطب على المنبر وأعلـن بدعوته ووعظ وذكر ورد مقالات من عابهم وسفه رأيهم وأحسن السيرة في أهل المدينة واستمالهـم حتـى سمعـوه يقـول‏:‏ مـن زنـا فهـو كافـر ومـن سرق فهو كافر وأقام ثلاثة أشهر ثم ودعهم وسار نحو الشام‏.‏ وكان مروان قد سرح إليهم عبد الملك بن محمد بن عطية بن هوازن في أربعة آلاف ليقاتل الخوارج حتى يبلغ اليمن فلقي أبا حمزة في وادي القرى فانهزمت الخوارج وقتل أبو حمزة ولحق فلهـم بالمدينـة‏.‏ وسـار عطيـة فـي أثرهـم إلـى المدينـة فأقـام بهـا شهـراً‏.‏ ثـم سـار إلـى اليمـن واستخلـف علـى المدينـة الوليـد ابـن أخيـه عـروة وعلـى مكة رجلاً من أهل الشام‏.‏ وبلغ عبد الله طالب الحق مسيره إليه وهو بصنعاء فخرج للقائه واقتتلوا وقتل طالب الحق وسار ابن عطية إلى صنعاء وملكها وجاء كتاب مروان بإقامة الحج بالناس فسار في اثني عشر رجلاً ومعه أربعون ألف دينـار وخلـف ثقلـه بصنعـاء ونـزل الحـرف فاعترضـه ابـن حمايـة المرادي في جمع وقال له ولأصحابه‏:‏ أنتـم لصـوص فاستظهروا بعهد مروان فكذبوه وقاتلهم فقتلوه‏.‏ وركد ريح الخوارج من يومئذ إلى أن ظهرت الدولة العباسية وبويع المنصور بعد السفاح‏.‏ فخـرج سنـة سبـع وثلاثيـن بالجزيـرة ملبـد بن حرملة الشيباني فسارت إليه روابط الجزيرة في ألف فـارس فهزمهم وقاد منهم‏.‏ ثم سار إليه يزيد بن حاتم المهلبي ومهلل بن صفوان مولى المنصور ثم نزار من قواد خراسان ثم زياد بن مسكان ثم صالح بن صبيح فهزمهم كلهم واحدا بعد واحـد وقتل منهم‏.‏ ثم سار إليه حميد بن قحطبة وهو عامل الجزيرة فهزمه وتحصن حميد منه فبعـث المنصـور عبـد العزيـز بـن عبد الرحمن أخا عبد الجبار في الجيوش ومعه زياد بن مسكان فأكمـن لـه الملبـد وقاتلهم ثم خرج الكعبين فانهزم عبد العزيز وقتل عامة أصحابه فبعث المنصور حـازم بـن خزيمـة فـي ثمانيـة آلـاف مـن أهـل خراسـان فسـار إلـى الموصـل وعبـر إليه الملبد دجلة فقاتله فانهزم أهل الميمنة وأهل الميسرة من أصحـاب حـازم وترجـل حـازم وأصحابـه وترجـل ملبـد كذلك‏.‏ وأمـر حازم أصحابه فنضحوهم بالنبل واشتد القتال وتزاحفت الميمنة والميسرة ورشقوهم فقتل ملبـد فـي ثمانمائـة ممـن ترجـل معه وثلاثمائة قبل أن يترجل وتبعهم فضالة صاحب الميمنة فقتل منهم زهـاء مائـة وخمسيـن‏.‏ ثـم خـرج سنـة ثمـان وأربعين أيام المنصور بنواحي الموصل حسان بن مخالد بـن مالـك بـن الأجـدع الهمدانـي أخـو مسـروق‏.‏ وكـان علـى الموصل الصفر بن يجدة وليها بعد حرب ابـن عبـد اللـه فسـار إليهـم فهزمـوه إلـى الدجلـة‏.‏ وسـار حسـان إلـى العمـال ثم إلى البحر وركب إلى السنـد وقاتـل وكاتـب الخوارج بعمان يدعوهم ويستأذنهم في اللحاق بهم فأبوا وعاد إلى الموصل فخرج إليه الصفر بن الحسن بن صالح بن جنادة الهمذاني وهلال فقتل هلالاً واستبقى ابن الحسن فاتهمه بعض أصحابه بالعصبية وفارقوه‏.‏ وقد كان حسـان أمـه مـن الخـوارج وخالـه حفـص بـن أشتـم مـن فقهائهـم‏.‏ ولمـا بلغ المنصور خروجه قال خارجي من همذان فقيل له إنه ابن أخت حفص بن أشتم قال من هناك وإنما أنكر المنصور ذلك لأن عامة همذان شيعة‏.‏ وعزم المنصور على الفتك بأهل الموصل فإنهم عاهدوه على أنهم إن خرجوا فقد فلت ديارهم وأموالهـم وأحضـر أبـا حنيفـة وابـن أبـي ليلـى بـن شبرمـة واستفتاهـم فتلطفـوا له في العفو فأشار إلى أبـي حنيفـة فقـال‏:‏ أباحـوا مـا لا يملكـون كمـا لو أباحت امرأة فزوجها بغير عقد شرعي فكف عن أهل الموصل‏.‏ ثم خرج أيام المهدي بخراسان يوسف بن إبراهيم المعروف بالبرة واجتمع بشركس فبعث إليه المهدي يزيد بن مزيد الشيباني ابن أخي معن فاقتتلوا قتالاً شديداً وأسره يزيد وبعث به إلى المهدي موثقاً وحمل من النهروان على بعير وحول وجهه إلى ذنبه كذلك فدخلوا إلى الرصافة وقطعوا ثم صلبوا‏.‏ وكان حروباً متعوداً فغلب على بوشنج ومرو الروذ والطالقان والجوزجان وكان على بوشنج مصعب بن زريق جد طاهر بن الحسين فهرب منه وكان من أصحابه معاذ الفارياني وقبض معـه‏.‏ ثـم خـرج معـه أيـام المهـدي بالجزيـرة حمـزة بـن مالـك‏.‏ الخزاعـي سنة تسع وستين وهزم منصور بن زياد وصاحب الخراج وقوي أمره ثم اغتاله بعض أصحابه فقتله‏.‏ ثـم خـرج آخـر أيـام المهـدي بـأرض الموصـل خارجـي مـن بنـي تميـم اسمـه ياسيـن يميـل إلى مقاتلة صالح بن مسرح فهزم عسكر الموصل وغلب على أكثر ديار ربيعة والجزيرة فبعث إليها المهدي القائد أبا هريرة محمـد بـن مـروخ وهزيمـة بـن أعيـن مولـى بنـي ضبـة فحاربـاه حتـى قتـل فـي عـدة مـن أصحابـه وانهـزم الباقـون‏.‏ ثـم خـرج بالجزيـرة أيـام الرشيـد سنـة ثمان وسبعين الوليد بن طريف من بني تغلب وقتـل إبراهيـم بـن خالـد بـن خزيمـة بنصيبيـن ثـم دخل أرمينية وحاصر خلاط عشرين يوماً وافتدوا بثلاثيـن ألفـاً ثـم سـار إلـى أذربيجـان ثـم إلـى حلـوان وأرض السـواد وعبـر إلـى غـرب دجلـة وعـاث فـي أرض الجزيـرة فبعـث إليـه الرشيـد يزيـد بـن مزيـد بـن زائـدة الشيبانـي وهـو ابن أخي معن في العساكر فمكث يقاتله وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد فأغروا به الرشيد وأنه أبقى على الوليد برجم وائل‏.‏ فكتـب إليـه الرشيـد يتهـدده فناجـزه يزيـد الحـرب فـي رمضـان سنـة تسـع وسبعيـن وقاتلهـم قتـالاً شديداً فقتل الوليد وجيء برأسه‏.‏ ثم أصبحـت أختـه مستلئمـة للحـرب فخـرج إليهـا يزيـد وضربهـا علـى رأسهـا بالرمـح وقـال لها‏:‏ أعدي فقد فضحت العشيرة فاستحيت وانصرفت وهي تقول في رثائه الأبيات المشهورة التي منها‏:‏ فتىً لا يحب الزاد إلا من التقى ولا المـال إلا مـن قنـاً وسيـوف وانقرضت كلمة هؤلاء بالعراق والشام فلم يخرج بعد ذلك إلا شذاذ متفرقون يستلحمهم الولاة بالنواحي إلا ما كان من خوارج البربر بأفريقية فإن دعوة الخارجية فشت فيهم من لدن مسيرة الظفري سنة ثلاث وعشرين ومائة‏.‏ ثم فشت دعوة الإباضية والصفرية منهم في هوارة ولماية ونفزة ومغيلة وفي مغراوة وبني يفرن من زناتة حسبما يذكر في أخبار البربر لسي رستم من الخـوارج بالمغـرب دولة في تاهرت من الغرب الأوسط نذكرها في أخبار البربر أيضاً‏.‏ ثم سار بإفريقيـة منهـم علـى دولـة العبيدييـن خلفـاء لقيـروان أبـو يزيـد بـن مخلـد المغربي وكانت له معهم حروب وأخبار نذكرها في موضعها‏.‏ ثـم لـم يـزل أمرهـم فـي تناقـص إلـى أن اضمحلـت ديانتهـم وافترقت جماعتهم وبقيت آثار نحلتهم في أعقاب البربر الذين دانوا بها أول الأمر‏.‏ ففي بلاد زناتة بالصحراء منها أثر باق لهذا العهد في قصـور ربع وواديه وفي مغراوة من شعوب زناتة يسمون الراهبية نسبة إلى عبد الله بن وهب الراهبـي أول مـن بويـع منهم أيام علي بن أبي طالب‏.‏ وهم في قصور هنالك مظهرين‏.‏ لبدعتهم لبعدهم عن مقال أهل السنة والجماعة‏.‏ وكذلك في جبال طرابلس وزناتة أثر باق من تلك النحلة يدين بها أولئك البربر في المجاورة لهم مثل ذلك‏.‏ وتطير إلينا هذا العهد من تلك البلاد دواوين ومجلدات من كلامهم في فقه الدين وتمهيد عقائده وفروعه مباينة لمناحي السنة وطرقها بالكلية إلا أنها ضاربة بسهم في إجادة التأليف والترتيب وبناء الفروع على أصولهم الفاسدة‏.‏ وكان بنواحي البحرين وعمان إلى بلاد حضرموت وشرقي اليمن ونواحي الموصل آثار تفشي وعـروق فـي كـل دولـة إلـى أن خـرج علـي بـن مهـدي مـن خولـان باليمـن ودعـا إلـى هـذه النحلـة‏.‏ وغلب يومئذ من كان من الملوك باليمن واستلحم بني الصليحي القائمين بدعوة العبيديين من الشيعة وغلبوهـم على ما كان بأيديهم من ممالك اليمن واستولوا أيضاً على زبيد ونواحيها من يد موالي بنـي نجـاح ومولـى ابـن زيـاد كمـا نذكـر ذلـك كلـه فـي أخبارهم إن شاء الله سبحانه وتعالى فلتصفح فـي أماكنها‏.‏ ويقال‏:‏ إن باليمن لهذا العهد شيعة من هذه الدعوة ببلاد حضرموت والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء‏.‏

  الدولة الإسلامية بعد افتراق الخلافة

م يـزل أمـر الإسلـام جميعاً دولةً واحدةً أيام الخلفاء الأربعة وبني أمية من بعدهم لاجتماع عصبية العـرب‏.‏ ثـم ظهـر مـن بعـد ذلـك أمـر الشيعـة وهـم الدعـاة لأهـل البيـت فغلب دعاة بني العباس على الأمـر واستقلـوا بخلافة الملك ولحق الفل من بني أمية بالأندلس فقام بأمرهم فيها من كان هنالك مـن مواليهم ومن هرب فلم يدخلوا في دعوة بني العباس وانقسمت لذلك دولة الإسلام بدولتين لافتـراق عصبيـة العـرب‏.‏ ثـم ظهـر دعـاة أهـل البيـت بالمغـرب والعـراق مـن العلوية ونازعوا خلفاء بني العباس واستولوا على القاصية من النواحي كالأدارسة بالمغرب الأقصـى والعبيديـن بالقيـروان ومصر والقرامطة بالبحرين والدواعي بطبرستان والديلم والأطروش فيها من بعده‏.‏ وانقسمت دولة الإسلام بذلك دولاً متفرقة نذكرهـا واحـدة بعـد واحـدة‏.‏ ونبـدأ منهـا أولاً بذكـر الشيعـة ومبادىء دولهم وكيـف انساقـت إلـى العباسيـة ومـن بعدهـم إلـى آخـر دولهـم‏.‏ ثـم نرجـع إلـى دولـة بنـي أمية بالأندلس‏.‏ ثم نرجع إلى دولة الدعاة للدولة العباسية في النواحي من العرب والعجم كما ذكرناه في برنامج الكتاب والله الموفق الصواب‏.‏

  مبدأ دولة الشيعة

اعلم أن مبدأ هذه الدولة أن أهل البيت لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يرون أنهـم أحـق بالأمر وأن الخلافة لرجالهم دون من سواهم من قريش‏.‏ وفي الصحيح أن العباس قال لعلـي فـي وجـع رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم الـذي توفـي فيـه اذهب بنا إليه نسأله فيمن هذا الأمر إن كان فينا علمنا ذلك وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا‏.‏ فقال علي إن منعناها لا يعطيناهـا النـاس بعـده‏.‏ وفـي الصحيـح أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الـذي توفـي فيـه‏:‏ هلمـوا أكتـب لكـم كتابـاً لـن تضلـوا بعـده أبـداً فاختلفـوا عنـده فـي ذلـك وتنازعـوا ولـم يتـم الكتـاب‏.‏ وكـان ابـن عبـاس يقـول‏:‏ إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلـم وبيـن ذلـك الكتـاب لاختلافهـم ولغطهـم حتـى لقـد ذهـب كثيـر مـن الشيعة إلى أن النبي صلى اللـه عليـه وسلـم أوصى في مرضه ذلك لعلي ولم يصح ذلك من وجه يعول عليه‏.‏ وقد أنكرت هذه الوصية عائشة وكفى بإنكارها‏.‏ وبقي ذلك معروفاً من أهل البيت وأشياعهم‏.‏ وفيما نقله أهل الآثار أن عمـر قـال يومـاً لابـن العبـاس‏:‏ إن قومكـم يعنـي قريشـاً مـا أرادوا أن يجمعـوا لكـم يعنـي بنـي هاشـم بيـن النبـوة والخلافة فتحموا عليهم وأن ابن عباس نكر ذلك وطلب مـن عمـر إذنـه فـي الكلـام فتكلـم بمـا عصـب لـه‏.‏ وظهـر مـن محاورتهمـا أنهم كانوا يعلمون أن في نفوس أهـل البيـت شيئـاً مـن أمـر الخلافـة والعـدول عنهـم بهـا‏.‏ وفـي قصـة الشـورى‏:‏ أن جماعة من الصحابة كانـوا يتشيعـون لعلي ويرون استحقاقه على غيره ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك وأسفوا لـه‏:‏ مثـل الزبيـر ومعـه عمـار بـن ياسـر والمقداد بن الأسود وغيرهم‏.‏ إلا أن القوم لرسوخ قدمهم في الدين وحرصهم على الإلفة لم يزيدوا في ذلك على النجوى بالتأفف والأسف‏.‏ ثم لما فشا التكبر على عثمان والطعن في الآفاق كان عبد الله بن سبأ ويعرف السوداء من أشد الناس خوضاً في التشنيع لعلي بما لا يرضاه من الطعن على عثمان وعلى الجماعة في العدول إليه عن علي وأنه ولي بغير حق فأخرجه عبد الله بن عامر من البصرة ولحق بمصر‏.‏ فاجتمع إليه جماعة من أمثاله جنحوا إلى الغلو في ذلك وانتحال المذاهب الفاسدة فيه‏:‏ مثل خالد بن ملجم وسوذان بن حمدان وكنانة بن بشر وغيرهم‏.‏ ثـم كانـت بيعـة علـي وفتنـة الجمـل وصفيـن وانحـراف الخـوارج عنه بما أنكروا عليه من التحكيم في الديـن‏.‏ وتمحضـت شيعتـه للاستماتـة معـه فـي حـرب معاوية مع علي ابنه الحسن وخرج عن الأمر لمعاوية فسخط ذلك شيعة علي منه وأقاموا يتناجون في السر باستحقاق أهل البيت والميل إليهم وسخطوا من الحسن ما كان منه وكتبوا إلى الحسين بالدعاء له فامتنع وأوعدهم إلى هلاك معاوية‏.‏ فسـاروا إلـى محمـد بـن الحنفيـة وبايعـوه فـي السـر علـى طلـب الخلافـة متـى أمكنـه وولـى على كل بلد رجلاً وأقاموا على ومعاوية يكف بسياسته من غربهم ويقتلع الداء إذا تعين له منهم كما فعل بن عدي وأصحابه ويروض من شماس أهل البيت ويسامحهم في دعوى تقدمهم واستحقاقهم‏.‏ ولا يهيج أحداً منهم بالتثريب عليه في ذلك‏.‏ إلى أن مات وولي يزيد وكان من خروج الحسين وقتله ما هو معروف فكانت من أشنع الوقائع فـي الإسلـام‏.‏ عظمـت بهـا الشحنـاء وتوغـل الشيعـة فـي شأنهـم وعظـم النكيـر والطعـن علـى من تولى ذلـك أو قعـد عنـه‏.‏ ثـم تلاومـوا علـى مـا أضاعـوه مـن أمـر الحسيـن وأنهم دعوه ثم لم ينصروه فندموا ورأوا أن لا كفـارة فـي ذلـك إلا الاستماتـة دون ثـأره وسمـوا أنفسهـم التوابيـن‏.‏ وخرجـوا لذلك يقدمهم سليمان بن صرد الخزاعي ومعه جماعة من خيار أصحاب علي‏.‏ وكان ابن زياد قد انتقض عليه العراق ولحق بالشام وجمع وزرينج قاصد العراق فزحفوا إليه وقاتلوه حتى قتل سليمـان وكثيـر مـن أصحابـه كمـا ذكرنـا فـي خبـره وذلك سنة خمس وستين‏.‏ ثم خرج المختار بن أبـي عبيـد ودعـا لمحمـد بـن الحنفيـة كمـا قدمناه في خبره وفشا التعصب لأهل البيت في الخاصة والعامة بما خرج عن حدود الحق واختلفت مذاهب الشيعة فيمن هو أحق بالأمر من أهل البيت وبايعت كل طائفة لصاحبها سراً ورسخ الملك لبني أمية‏.‏ وطوى هؤلاء الشيعة قلوبهم على عقائدهم فيها وتستروا بها مع تعدد فرقهم وكثرة اختلافهم كمـا ذكرنـاه عنـد نقـل مذاهبهـم فـي فصـل الإمامـة مـن الكتـاب الـأول‏.‏ ونشأ زيد بن علي بن الحسين وقـرأ علـى واصـل بـن عطـاء إمـام المعتزلـة فـي وقتـه وكـان واصـل متردداً في إصابة علي في حرب صفيـن والجمـل فنقـل ذلـك عنـه‏.‏ وكـان أخـوه محمـد الباقـر يعذلـه فـي الأخذ عمن يرى سخطية جده وكـان زيـد أيضـاً مع قوله بأفضلية علي على أصحابه يرى أن بيعة الشيخين صحيحة وأن إقامة المفضول جائزة خلاف ما عليه الشيعة ويرى أنهما لم يظلما علياً‏.‏ ثـم دعتـه الحـال إلى الخروج بالكوفة سنة إحدى وعشرين ومائة‏:‏ واجتمع له عامة الشيعة ورجع عنـه بعضهـم لمـا سمعـوه يثنـي علـى الشيخيـن وأنهمـا لـم يظلمـا عليـاً‏.‏ وقالـوا لـم يظلمـك هـؤلاء ورفضوا دعوتـه فسمـوا الرافضـة مـن أجل ذلك‏.‏ ثم قاتل يوسف بن عمر فقتله يوسف وبعث برأسه إلى هشـام وصلـب شلـوه بالكناسـة ولحـق ابنـه يحيـى بخراسـان فأقام بها‏.‏ ثم دعته شيعته إلى الخروج فخرج هنالك سنة خمس وعشرين وسرح إليه نصر بن سيار العساكر مع سالم بن أحور المازني فقتلوه وبعث برأسه إلى الوليد وصلب شلوه بالجوزجان وانقرض شأن الزيدية‏.‏ وأقام الشيعـة علـى شأنهـم وانتظـار أمرهـم والدعـاء لهـم فـي النواحي يدعون على الأحجال للرضا من آل محمد ولا يصرحون بمن يدعون له حذراً عليه من أهل الدولة‏.‏ وكان شيعة محمد بن الحنفية أكثر شيعة أهل البيت وكانوا يرون أن الأمر بعد محمد بن الحنفية لابنه أبي هشام عبد الله‏.‏ وكـان كثيـراً مـا يغـدو علـى سليمـان بن عبد الملك فمر في بعض أسفاره محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بمنزله بالحميمة من أعمال البلقاء فنزل عليه وأدركه المرض عنده فمات وأوصى لـه بالأمـر‏.‏ وقـد كـان أعلـم شيعتـه بالعـراق وخراسان أن الأمر صائر إلى ولده محمد بن علي هذا فلمـا مـات قصدت الشيعة محمد بن علي وبايعوه سراً وبعث الدعاة منهم إلى الآفاق على رأس مائة من الهجرة أيام عمر بن عبد العزيز وأجابه عامة أهل خراسان‏.‏ وبعث عليهم النقبـاء وتداول أمرهم هنالك‏.‏ وتوفي محمد سنة أربع وعشرين وعهد لابنه إبراهيم وأوصى الدعاة بذلـك وكانـوا يسمونـه الإمـام‏.‏ ثم بعث أبو مسلم إلى أهل دعوته بخراسان ليقوم فيهم بأمره فهلك وكتـب إليهـم بولايتـه‏.‏ ثـم قبـض مـروان بـن محمـد علـى إبراهيـم الإمـام وحبسه بخراسان فهلك هنالك لسنـة‏.‏ وملـك أبـو مسلـم خراسـان وزحف إلى العراق فملكها كما ذكرنا ذلك كله من قبل وغلبوا بني أمية على أمرهم وانقرضت دولتهم‏.‏

  الخبر عن بني العباس من دول الإسلام

في هذه الطبقة الثالثة للعرب وأولية أمرهم وإنشاء دولتهم والإلمام بنكت أخبارهم وعيون أحاديثهم هذه الدولة من دولة الشيعة كما ذكرناه وفرقها منهم يعرفون بالكيسانية وهم القائلون بإمامـة محمـد بـن علـي بـن الحنفيـة بعـد علـي ثـم بعـده إلـى ابنـه أبـي هشـام عبـد اللـه‏.‏ ثـم بعـده إلـى محمـد بن علي بن عبـد اللـه بـن عبـاس بوصيتـه كمـا ذكرنـا‏.‏ ثـم بعـده إلـى ابنـه إبراهيـم الإمـام ابـن محمـد ثـم بعـده إلـى أخيـه أبـي العبـاس السفاح وهو عبد الله بن الحارثية‏.‏ هكذا مساقها عند هؤلاء الكيسانية ويسمـون أيضـا الحرماقيـة نسبـة إلى أبي مسلم لأنه كان يلقب بحرماق‏.‏ ولبني العباس أيضاً شيعة يسمون الراوندية من أهل خراسان يزعمون أن أحق الناس بالإمامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو العباس لأنه وارثه وعاصبه لقوله وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله‏.‏ وإن الناس منعوه من ذلك وظلموه إلى أن رده الله إلى ولده ويذهبون إلى البراءة من الشيخين وعثمـان ويجيـزون بيعـة علـي لـأن العبـاس قـال لـه يـا ابـن أخـي هلم أبايعك فلا يختلف عليك اثنان‏.‏ ولقـول داود بـن علـي عـم الخليفـة العباسـي علـى منبـر الكوفـة يـوم بويع السفاح‏:‏ يا أهل الكوفة إنه لم يقـم فيكـم إمـام بعـد رسـول الله صلى الله عليه وسلم إلا علي بن أبي طالب وهذا القائم فيكم يعني السفاح‏.‏

  دولة السفاح

قد تقدم لنا كيف كان أصل هذه الدعوة وظهورها بخراسان على يد أبي مسلم ثم استيلاء شيعتهـم علـى خراسـان والعـراق ثم بيعة السفاح بالكوفة سنة ثلاث وثلاثين ومائة ثم قتل مروان بـن محمـد وانقراض الدولة الأموية‏.‏ ثم خرج بعض أشياعهم وقوادهم وانتقضوا على أبي العباس السفاح وكان أول من انتقض حبيب بن مرة المري من قواد مروان وكان بخولان والبلقاء خاف علـى نفسـه وقومـه فخلـع وبيـض ومعنـاه لبـس البيـاض ونصـب الرايـات البيـض مخالفـة لشعـار العباسية في ذلك‏.‏ وتابعته قيس ومن يليهم والسفاح يومئذ بالحيرة بلغه أن أبا الورد مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي انتقض بقنسرين وكان من قواد مروان‏.‏ ولما انهزم مروان وقدم عليه عبد الله بن علي بايعه ودخل في دعوة العباسية وكان ولد مسلمة بن عبد الملك مجاورين له ببالس والناعورة فعبث بهم وبنسائهم القائد الذي جاءهم من قبل عبد الله بن علي‏.‏ وشكوا ذلك إلى أبي الورد فقتل القائد وخلع معه أهل قنسرين وكاتبوا أهل حمص في الخلاف وقدموا عليهم أبا محمد عبد الله بن يزيد بن معاوية وقالوا هو السفياني الذي يذكر‏.‏ ولما بلغ ذلك عبد الله بن علي وادع حبيـب بـن مـرة وسـار إلـى أبـي الـورد بقنسريـن ومـر بدمشق فخلف بها أبا غانم عبد الحميد بن ربعي الطائي في أربعة آلاف فارس مع حرمه وأثقاله وسار إلى حمص فبلغه أن أهل دمشق خلعوا وبيضوا وقام فيهم بذلك عثمان بن عبد الأعلـى بـن سراقـة الأزدي‏.‏ وأنهم هزموا أبا غانم وعسكره وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وانتهبوا ما خلف عندهم فأعرض عن ذلك وسار للقاء السفياني وأبي داود وقدم أخاه عبد الصمد في عشرة آلاف فكشف ورجع إلى أخيه عبد الله منهزماً‏.‏ فزحف عبد الله في جماعة القواد ولقيهـم بمـرج الأحـزم وهـم في أربعين ألفاًً فانهزموا وثبت أبو الورد في خمسمائة من قومه فقتلوا جميعاً‏.‏ وهرب أبو محمد إلى ترمذ وراجع أهل قنسرين طاعة العباسية ورجع عبد الله بن علي إلى قتال أهل دمشق ومن معهم‏.‏ فهرب عثمان بن سواقة ودخل أهل دمشق في الدعوة وبايعوا لعبـد اللـه بـن علـي‏.‏ ولـم يـزل أبـو محمـد السفيانـي بـأرض الحجـاز متغيبـاً إلـى أيام المنصور فقتله زياد بـن عبـد اللـه الحارثـي عامـل الحجـاز يومئـذ وبعـث برأسـه إلـى المنصـور مـع ابنيـن له أسيرين فأطلقهما المنصور‏.‏ ثم خلع أهل الجزيرة وبيضوا وكان السفاح قد بعث إليهم ثلاثة آلاف من جنده مع موسى بن كعـب من قواده وأنزلهم بحران وكان إسحاق بن مسلم العقيلي عامل مروان على أرمينية‏.‏ فلما بلغته هزيمة مروان سار عنها واجتمع إليه أهـل الجزيـرة وحاصـروا موسـى بـن كعـب بحـران شهرين فبعث السفاح أخاه أبا جعفـر إليهـم وكـان محاصـراً لابـن هبيـرة بواسـط فسـار لقتـال إسحاق بن مسلم ومر بقرقيسيا والرقة وأهلهما قد خلعوا وبيضوا‏.‏ وسار نحو حران فأجفل إسحاق بن مسلم عنها ودخل الرها وبعث أخاه بكار بن مسلم إلى قبائل ربيعة بنواحي ماردين ورئيسهم يومئذ برمكة من الحرورية فصمد إليهم أبو جعفر فهزمهم وقتل برمكة في المعركة وانصرف بكار إلى أخيه إسحاق فخلفه بالرها وسار إلى شمشاط بمعظم عسكره‏.‏ وجـاء عبـد اللـه بن علي فحاصره ثم جاء أبو جعفر فحاصروه سبعة أشهر وهو يقول‏:‏ لا أخلع البيعة من عنقي حتى أتيقن موت صاحبها‏.‏ ثم تيقن موت مروان فطلب الأمـان واستأذنـوا السفاح فأمرهم بتأمينه وخرج إسحاق إلى أبي جعفر فكان من مآثر أصحابه‏.‏ واستقام أهل الجزيرة والشام وولى السفاح أخاه أبو جعفر على الجزيرة وأرمينية وأذربيجان فلم يزل عليها حتى استخلف‏.‏

  حصار ابن هبيرة بواسط ومقتله

ثم تقدم لنا هزيمة يزيد بن هبيرة أمام الحسن بن قحطبة وتحصنه بواسط وكان جويرة وبعض أصحابـه أشـاروا عليـه بعـد الهزيمـة اللحـاق بالكوفـة فأبى‏.‏ وأشار عليه يحيى بن حصين باللحاق بمروان وخوفه عاقبة الحصار فأبى خشية على نفسه من مروان واعتصم بواسط‏.‏ وبعث أبو مسلمة الحسن بن قحطبة فـي العسكـر لحصـاره وعلـى ميمنتـه ابنـه داود فانهـزم أهـل الشـام واضطـروا إلـى دجلـة وغـرق منهـم كثير‏.‏ ثم تحاجزوا ودخل ابن هبيرة المدينة وخرج لقتالهم ثانية بعـد سبعـة أيـام فانهـزم كذلـك ومكثوا أياماً لا يقتتلون إلا رمياً‏.‏ وبلغ ابن هبيرة أن أبا أمية الثعلبي قـد سود فحبسه فغضبت لذلك ربيعة ومعن بن زائدة وحبسوا ثلاثة نفر من فزارة رهناً في أبـي أميـة‏.‏ واعتـزل معـن وعبـد اللـه بـن عبـد الرحمـن بـن بشيـر العجلـي فيمـن معهما فخلى ابن هبيرة سبيل أبي أمية وصالحهم وعادوا إلى اتفاقهم‏.‏ ثـم قـدم علـى الحسـن بن قحطبة من ناحية سجستان أبو نصر مالك بن الهيثم فأوفد غيلان بن عبد الله الخزاعي على السفاح يخبره بقدوم أبي نصر وكان غيلان واجداً على الحسن فرغب من السفاح أن يبعث عليهم رجلاً من أهل بيته‏.‏ فبعث أخاه أبا جعفر وكتب إلى الحسن‏:‏ العسكر لك والقواد قوادك ولكن أحببت أن يكون أخي حاضراً فأحسن طاعته ومؤازرته‏.‏ وقـدم أبـو جعفـر فأنزلـه الحسـن فـي خيمتـه وجعـل علـى حرسـه عثمـان بن نهيك‏.‏ ثم تقدم مالك بن الهيثـم لقتـال أهـل الشـام وابـن هبيـرة‏.‏ فخرجـوا لقتالـه وأكمنـوا معـن بـن زائـدة وأبا يحيى الجرافي‏.‏ ثم استطردوا لابن الهيثم وانهزموا للخنادق‏.‏ فخرج عليهم معن وأبو يحيـى فقاتلوهـم إلـى الليـل وتحاجزوا وأقاموا بعد ذلك أياماً‏.‏ ثم خرج أهـل واسـط مـع معـن ومحمـد بـن نباتـة فهزمهـم أصحـاب الحسـن إلـى دجلـة فتساقطـوا فيها‏.‏ وجاء مالك بن الهيثم فوجد ابنه قتيلاً في المعركة فحمل على أهل واسط حتى أدخلهم المدينة‏.‏ وكان مالك يملأ السفن حطباً ويضرمها ناراً فتحرق ما تمر به فيأمر ابن هبيرة بأن تجر بالكلاليب ومكثوا كذلك أحد عشر شهراً‏.‏ وجاء إسماعيل بن عبد الله القسري إلى ابن هبيرة بقتل مروان وفشلت اليمانية عن القتال معهـم وتبعهم الفزارية فلم يقاتل معه إلا الصعاليك‏.‏ وبعث ابن هبيرة إلى محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى بأن يبايع له فأبطأ عنه جوابه وكاتب السفاح اليمانية من أصحاب ابن هبيرة وأطمعهـم‏.‏ فخـرج إليـه زيـاد بـن صالـح وزيـاد بـن عبيـد اللـه الحرثيـان ووعـدا ابـن هبيرة أن يصلحا له جهـة السفـاح ولـم يفعـلا‏.‏ وتـردد الشعـراء بيـن أبـي جعفـر وابـن هبيـرة فـي الصلـح وأن يكتب له كتاب أمان على ما اختاره ابن هبيرة وشاور فيه العلماء أربعين يوماً حتى رضيه وأنفذه إلى أبي جعفر فأنفذه إلى السفاح وأمر بإمضائه وكان لا يقطع أمراً دون أبي مسلم‏.‏ فكتب إليه يحيى بـن هبيـرة قـد خرج بعد الأمان إلى أبي جعفر في ألف وثلاثمائة فلقيه الحاجب سلام بن سليم فأنزله وأجلسه على وسادة وأطاف بحجرة أبي جعفر عشرة آلاف من أهل خراسان‏.‏ ثم أذن لابن هبيرة فدخل على المنصور وحادثه وخرج عنه ومكث يأتيه يوماً ويغبه يوماً‏.‏ ثم أغـرى أبـا جعفـر أصحابـه بأنـه يأتـي فـي خمسمائـة فـارس وثلاثمائـة راجـل فيهتـز لـه العسكـر‏.‏ فأمـر أبو جعفر أن يأتي في حاشيته فقط‏.‏ فكان يأتي في ثلاثيـن ثـم آخـراً فـي ثلاثـة‏.‏ ثـم ألـح السفـاح علـى أبـي جعفـر فـي قتلـه وهـو يراجعـه للأمـان الـذي كتب له حتى كتب إليه السفاح‏:‏ والله لتقتلنه أو لأبعثن مـن يخرجـه مـن حجرتـك فيقتلـه‏.‏ فبعث أبو جعفر إلى وجوه القيسية والمضرية وقد أعد لهم ابن نهيك في مائة من الخراسانية في بعض حجره‏.‏ وجاء القوم في اثنين وعشرين رجلاً يقدمهم محمد بن نباتة وجويرة بن سهيل فدعاهم سلام الحاجـب رجليـن رجليـن وعثمـان ابـن نهيك يقيدهما إلى أن استكملهم وبعث أبو جعفر لحازم بن خزيمـة والهيثـم بـن شعبـة فـي مائـة إلـى ابـن هبيـرة فقالوا نريد حمل المال فدلهم حاجبه على الخزائن فأقاموا عندها الرجال وأقبلوا نحوه فقام حاجبه في وجوههم‏.‏ فضربه الهيثم فصرعه وقاتل ابنـه داود فقتـل فـي جماعـة مـن مواليـه‏.‏ ثـم قتـل ابـن هبيـرة آخراً وحملت رؤوسهم إلى أبي جعفر‏.‏ ونادى بالأمان للناس إلا الحكم بن عبد الملك أبي بشر وخالد بن مسلمة المخزومي وعمر بن در فهرب الحكم وأمن أبو جعفر خالداً فلم يجز السفاح أمانة وقتله واستأمن زياد بن عبيد الله لابن در فأمنه‏.‏

  مقتل أبي مسلمة بن الخلال وسليمان بن كثير

قد تقدم لنا ما كان من أبي مسلمة الخلال في أمر أبي العباس السفاح واتهام الشيعة في أمره وتغير السفاح عليـه وهـو بعكـوة أعيـن ظاهـر الكوفـة‏.‏ ثـم تحـول إلـى مدينـة الهاشميـة ونـزل قصرهـا وهـو يتنكـر لأبـي مسلمـة وكتـب إلـى أبـي مسلـم ببغيتـه وبرأيه فيه فكتب إليه أبو مسلم بقتله‏.‏ وقال له داود بـن علـي‏:‏ لا تفعـل‏.‏ فيحتـج بهـا أبـو مسلـم عليـك والذيـن معك أصحابه وهم له أطوع‏.‏ ولكن اكتـب إليـه يبعـث من يقتله ففعل‏.‏ وبعث أبو مسلم مرار بن أنس الضبي فقتله‏.‏ فلما قدم نادى السفـاح بالرضـا عـن أبـي مسلمـة ودعـا بـه وخلـع عليه‏.‏ ثم دخل عنده ليلة أخرى فسهر عامة ليله ثم انصرف إلى منزله فاعترضه مرار بن أنس وأصحابه فقتلوه وقالوا قتله الخوارج‏.‏ وصلى عليه من الغد يحيى أخو السفاح وكان يسمى وزير آل محمد وأبو مسلم أمير آل محمد‏.‏ وبلغ الخبـر إلى أبي مسلم وسرح سليمان بن كثير بالنكير لذلك فقتله أبو مسلم وبعث على فارس محمد بن الأشعث وأمره أن يقتل ابن أبي مسلمة ففعل‏.‏

  عمال السفاح

ولما استقام الأمر للسفاح ولى على الكوفة والسواد عمه داود بن علي ثم عزله وولاه على الحجـاز واليمن واليمامة وولى مكانه على الكوفة عيسى ابن أخيه موسى بن محمد‏.‏ ثم توفي داود سنة ثلاث وثلاثين فولى مكانه على الحجاز واليمامة خالد بن زياد بن عبيد الله وعلى اليمن محمد بن يزيد بن عبيد الله بن عبد‏.‏ وولى السفاح على البصرة سفيان بن معاوية المهلبي ثم عزله وولى مكانه عمه سليمان بن علي وأضاف إليه كور دجلة والبحرين وعمان‏.‏ وولـى عمـه إسماعيـل بـن علي الأهواز وعمه عبد الله بن علي على الشام وأبا عون عبد الملك بـن يزيـد علـى مصـر‏.‏ وأبـا مسلـم علـى خراسـان وبرمـك علـى ديـوان الخراج‏.‏ وولى عمه عيسى بن علـي علـى فـارس فسبقـه إليهـا محمـد بـن الأشعـث مـن قبـل أبـي مسلم‏.‏ فلما قدم عليه عيسى هم محمد بقتله وقال‏:‏ أمرني أبو مسلم أن أقتل من جاءني بولاية من غيره‏.‏ ثم أقصر عن قتله وأستحلفه بأيمان لا مخارج لها أن لا يعلو منبراً ما عاش ولا يتقلد سيفاً إلا في جهـاد فوفـى عيسى بذلك بقية عمره‏.‏ واستعمل بعده على فارس عمه إسماعيل بن علي واستعمل على الموصل محمد بن صـول فطرده أهلها وقالوا‏:‏ بل علينا تولى خثعم وكانوا منحرفين عن بني العباس فاستعمل السفاح عليهم أخـاه يحيـى وبعثـه فـي اثنـي عشـر ألفـاً فنـزل قصـر الإمـارة وقتـل منهـم اثنـي عشـر رجـلاً فثـاروا به وحمل السلاح فنودي فيهم بالأمان لمن دخل المسجد الجامع فتسايل الناس عليه وقد أقام الرجال على أبوابه فقتلوا كل من دخل‏.‏ يقال قتل أحد عشر ألفاً ممن لبث وما لا يحصى من غيرهم‏.‏ وسمع صياح النساء بالليل فأمر من الغد بقتل النساء والصبيان واستباحهـم ثلاثـة أيام‏.‏ وكان في عسكره أربعة آلاف من الزنوج فعاثوا في النساء‏.‏ وركب في اليوم الرابع وبين يديه الحـراب والسيـوف فاعترضتـه امـرأة وأخـذت بعنـان دابتـه وقالـت لـه‏:‏ ألسـت مـن بني هاشم‏.‏ ألست ابن عم الرسول أما تعلم أن المؤمنات المسلمات ينكحهن الزنوج‏.‏ فأمسك عنها وجمع الزنج عن الغد للعطاء وأمر بهم فقتلوا عن آخرهم‏.‏ وبلغ السفاح سوء أمره في أهل الموصل فعزله وولى مكانه إسماعيل بن علي وولى يحيى مكان إسماعيل بالأهواز وفارس‏.‏ وملـك الـروم ملطيـة وقالقيـلا‏.‏

  وفي سنة ثلـاث وثلاثيـن

أقبـل قسطنطيـن ملـك الـروم فحصر ملطية والفتن يومئذ بالجزيرة وعاملهـا يومئـذ موسـى بـن كعـب بـن أسـان‏.‏ فلـم يـزل حاصرهم حتى نزلوا على الأمان وانتقلوا إلى بلاد الجزيرة وحملوا ما قدروا عليه‏.‏ وخـرب الـروم ملطيـة وسـاروا عنهـا إلـى مـرج الحصـى وأرسل قسطنطين العساكر إلى قالقيلا من نواحي ماردين مع قائده كوشان الأرمني فحصرها وداخل بعض الأرمن من أهل المدينة فنقبوا له السور فاقتحم البلد من ذلك النقب واستباها‏.‏ الثوار بالنواحي كان المثنى بن يزيد بن عمر بن هبيرة قد ولاه أبو علي اليمامة فلما قتل يزيد أبوه امتنع هو باليمامـة فبعـث إليـه زيـاد بـن عبيد المدن بالعساكر من المدينة مع إبراهيم بن حبان السلمي فقتله وقتـل أصحابـه وذلـك سنـة ثلـاث وثلاثيـن‏.‏ وفيهـا خـرج شريك ابن شيخ إسحاراً على أبي مسلم ونقـض أفعالـه واجتمـع إليـه أكثـر مـن ثلاثيـن ألفـاً فبعـث إليـه أبو مسلم زياد بن صالح الخزاعي فقاتله وقتله‏.‏ وفيها توجه أبو داود وخالد بن إبراهيم إلى الختل فتحصن ملكهم ابن السبيل منهما ومنعه الدهاقين فحاصره أبو داود حتى جهد الحصار فخرج من حصنه مع الدهاقين ولحق بفرغانـة‏.‏ ثـم سـار منهـا إلـى بلـد الصيـن وأخـذ أبـو داود مـن ظفـر بـه فـي الحصـن فبعـث بهـم إلى أبي مسلم‏.‏ وفيها الفتنة بين أخشيد فرغانة وملك الشاش واستمد الأخشيد ملك الصين فأمده بمائة ألف مقاتـل وحصـروا ملك الشاش حتى نزلوا على حكم ملك الصين فلم يعرض له ولا لقومه بسوء‏.‏ وبعث أبو مسلم زياد بن صالح لاعتراضهم فلقيهم على نهر الطرار فظفر بهم وقتل منهم نحواً من خمسين ألفاً وأسر نحواً من عشرين ألفاً ولحق بهم بالصين وذلك في ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثيـن‏.‏ ثـم انتقـض بسـام بـن إبراهيـم بـن بسـام مـن فرسـان أهـل خراسـان وسـار مـن عسكـر السفاح وجماعـة علـى رأيـه سـراً إلـى المدائـن فبعـث السفـاح فـي أثرهـم خـازم بـن خزيمـة فقاتلهـم وقتل أكثرهم واستباحهم وبلغ ماه وانصرف فمر بذات المطامير وبها أخوال السفاح من بني عبد المدان في نحو سبعين من قرابتهم ومواليهم‏.‏ وقيل له‏:‏ إن المغيرة من أصحاب بسام عندهم فسألهم عنه فقالوا‏:‏ مر بنا مجتازاً فهددهم إن لم يأخذه فأغلظوا له في القول فقتلهم أجمعين ونهب أموالهم وهدم دورهم وغضبت اليمانية لذلـك ودخـل بهم زياد بن عبيد الله الحارثي على السفاح وشكوا إليه ما فعل بهم فهم بقتله‏.‏ وبلغ ذلك موسى بن كعب وأبا الجهم بن عطية فدخلا على السفاح وذكراه سابقة الشيعة وطاعتهـم وأنهـم آثروكـم على الأقارب والأولاد وقتلوا من خالفكم فإن كان لا بد من قتله فابعثه لوجه من الوجوه فإن قتل هو الذي تريد وإن ظفر فلك‏.‏ بعثه إلى الخوارج الذين بجزيرة ابن كاوان من عمان مع شيبـان بـن عبـد العزيـز اليشكـري فبعـث معـه سبعمائـة رجـل فحملهـم سليمـان بـن علـي مـن البصـرة فـي السفن وقد انضم إليه من أهله وعشيرته ومواليه وعدة من بني تميـم مـن البصـرة فلمـا أرسـوا بجزيـرة ابـن كـاوان قـدم خـازم فضلـة بن نعيم المنشلي في خمسمائة إلى شيبـان فانهـزم هـو وأصحابه وكانوا صفرية وركبوا إلى عمان فقاتلهم الجلندي في الإباضية فقتل شيبان ومن معه كما مر وشيبان هذا غير شيبان بن سلمة الذي قتل بخراسان فربما يشتبهان‏.‏ ثم ركب خازم البحر إلى ساحل عمان فنزل وقاتل الجلندي أياماً أمر خازم أصحابه في آخرها أن يجعلوا على أطراف أسنتهم المشاقة ويدوروها بالنفط ويشعلوها بالنيران ويرموهـا في بيوت القوم وكانت من خشب‏.‏ فلما اضطرمت فيها النار شغلوا بأهليهم وأولادهم عن القتل فحمل عليهم خازم وأصحابه فاستحملوهم‏.‏ وقتل الجلندي وعشرة آلاف فبعث خازم برؤوسهم إلى البصرة فبعثها سليمان إلى السفاح فندم‏.‏ ثم غزا خالد بن إبراهيم أهل كش فقتل الأخشيد ملكها وهو مطيع واستباحهم وأخذ من الأوانـي الصينيـة المنقوشـة المذهبـة ومـن الديبـاج والسـروج ومتاع الصين وظرفه ما لم ير مثله وحمله إلـى أبـي مسلـم بسمرقنـد‏.‏ وقتـل عدة من دهاقين كش وملك طازان أخا الأخشيد على كش‏.‏ ورجـع أبـو مسلـم إلـى مـرو بعـد أن فتـك فـي الصغـد وبخـارى وأمـر ببنـاء سـور سمرقنـد‏.‏ واستخلـف زيـاد بـن صالـح علـى بخـارى وسمرقنـد ورجـع أبـو داود إلـى بلـخ‏.‏ ثـم بلـغ السفـاح انتقاض منصور بن جمهور بالسند فبعث صاحـب شرطتـه موسـى بـن كعـب واستخلـف مكانـه علـى الشرطـة المسيب بن زهير‏.‏ وسار موسى لقتال ابن جمهور فلقيه بتخوم الهند وهو في نحو اثني عشر ألفاً فانهزم ومات عطشاً في الرمال‏.‏ ورحل عامله على السند بعياله وثقلته فدخل بهم بلاد الخزر‏.‏ ثم انتقض سنة خمس وثلاثين زياد بن صالح وراء النهر‏.‏ فسار أبو مسلم إليه من مرو وبعث أبو داود خالـد بـن إبراهيـم نصـر بـن راشـد إلـى ترمذ ليمنعها من زياد فلما وصل إليها خرج عليه ناس من الطالقـان فقتلـوه فبعـث مكانـه عيسـى بـن ماهان فسمع قتلة نصر فقتلهم‏.‏ وسار أبو مسلم فانتهى إلـى آمـد ومعـه سبـاع بـن النعمـان الـأزدي وكان السفاح قد دس معه إلى زياد بن صالح الأزدي أن ينتهـز فرصـة فـي أبـي مسلـم فيقتلـه‏.‏ ونمـى الخبـر إلى أبي مسلم فحبس سباعاً بآمد وسار عنها وأمر عامله بقتله‏.‏ ولقيه قواد زياد في طريقه وقد خلعوا زياداًً فدخل أبو مسلم بخارى ونجا زيـاد إلـى دهقـان هنـاك فقتله وحمل رأسه إلى أبى مسلم‏.‏ وكتب أبو مسلم إلى أبي داود فقتله وكـان قـد شغـل بأهـل الطالقـان فرجـع إلى كش وبعث عيسى بن ماهان إلى بسام فلم يظفر منها بشيء وبعث إلى بعض أصحاب أبي مسلم يعيب أبا داود وعيسى فضربه وحبسـه‏.‏ ثـم أخرجه فوثب عليه الجند فقتلوه ورجع أبو مسلم إلى مرو‏.‏ حج أبي جعفر وأبي مسلم

  وفي سنة سـت وثلاثيـن

استـأذن أبـو مسلـم السفـاح فـي القـدوم عليـه للحـج وكـان منـذ ولـي خراسـان لم يفارقها فأذن له في القدوم مع خمسمائة من الجند فكتب إليه أبو مسلم أني قد عاديت النـاس ولسـت آمـن علـى نفسـي فـأذن لـه فـي ألـف وقال إن طريق مكة لا تحتمل العسكر فسار في ثمانيـة آلـاف فرقهـم مـا بيـن نيسابـور والـري وخلـف أموالـه وخزائنـه بالـري وقـدم في ألف وخرج القواد بأمـر السفـاح لتلقيـه فدخـل على السفاح وأكرمه وأعظمه‏.‏ واستأذن في الحج فأذن له وقال‏:‏ لولا أن أبـا جعفـر يريـد الحـج لاستعملتـك علـى الموسـم‏.‏ فأنزلـه بقريـة وكـان قـد كتـب إلـى أبـي جعفـر أن أبا مسلـم استأذننـي فـي الحـج وأذنـت لـه وهـو يريـد ولايـة الموسم فاسألني أنت في الحج فلا تطمع أن يتقدمك وأذن له فقدم الأنبار‏.‏ وكان ما بين أبي جعفر وأبي مسلم متباعداً من حيث بعث السفاح أبا جعفر إلى خراسان ليأخذ البيعة له ولأبي جعفر من بعده ويولي أبا مسلم على خراسان فاستخلى أبو مسلم بأبي جعفر‏.‏ فلما قدم ألان أبو جعفر السفاح بقتله وأذن له فيه ثـم نـدم وكفـه عـن ذلـك وسـار أبـو جعفـر إلـى الحج ومعه أبو مسلم واستعمل على حران مقاتل بن حكيم العكي‏.‏ موت السفاح وبيعة المنصور كـان أبـو العبـاس قـد تحـول مـن الحيـرة إلـى الأنبـار فـي ذي الحجـة سنـة أربع وثلاثين فأقام بها سنتين ثـم توفـي فـي ذي الحجـة سنـة سـت وثلاثيـن لثلـاث عشـرة ليلـة خلـت منـه ولأربـع سنيـن وثمانيـة أشهـر من لدن بويع وصلى عليه عمه عيسى ودفن بالأنبار‏.‏ وكان وزيره أبو الجهم بن عطية وكان قبـل موتـه قـد عهـد بالخلافـة لأخيـه أبي جعفر ومن بعده لعيسى ابن أخيهما موسى وجعل العهد في ثـوب وختمـه بخواتيمـه وخواتيـم أهـل بيتـه ودفعـه إلـى عيسـى‏.‏ ولمـا توفـي السفـاح وكـان أبـو جعفـر بمكـة فأخـذ البيعة على الناس عيسى بن موسى وكتب إليه بالخبر فجزع واستدعى أبا مسلم وكـان متأخـراً عنـه فأقـرأه الكتـاب فبكى واسترجع وسكن أبا جعفر عن الجزع فقال‏:‏ أخاف شر عبـد اللـه بـن علـي قـال‏:‏ أنا أكفيكه وعامة جنده أهل خراسان وهم أطوع لي منه فسري عنه‏.‏ وبايـع لـه أبـو مسلـم والنـاس وأقبلا حتى قدما الكوفة‏.‏ ويقال‏:‏ إن أبا مسلم كان متقدماً على أبي جعفر فإن الخبر قد أتاه قبله فكتب أبو مسلم إليه يعزيه ويهنيه بالخلافة وبعد يومين كتب له ببيعته‏.‏ وقدم أبو جعفر الكوفة سنة سبع وثلاثين وسار منها إلى الأنبار فسلم إليه عيسى بيوت الأموال والدواوين واستقام أمر أبي جعفر‏.‏

  انتقاض عبد الله بن علي وهزيمته

كان عبد الله بن علي قدم على السفاح قبل موته فبعثه إلى الصائفة في جنود أهل الشام وخراسان فانتهى إلى دلوك ولم يدر حتى جاءه كتاب عيسى بن موسى بوفاة السفاح وأخذ البيعـة لأبي جعفر وله من بعده كما عهد به السفاح فجمع عبد الله الناس وقرأ عليهم الكتاب وأعلمهم أن السفاح حين أراد أن يبعث الجنود إلى حران تكاسل بنو أبيه عنها فقال لهم‏:‏ من انتدب منكم فهو ولي عهدي فلم ينتدب غيري وشهد له أبو غانم الطائي وخفاف المروزي وغيرهما من القواد وبايعوه وفيهم حميد بن حكيم بـن قحطبـة وغيـره مـن خراسـان والشـام والجزيرة‏.‏ ثم سار عبد الله حتى نزل حران وحاصر مقاتل بن حكيم العكي أربعين يوماً وخشـي مـن أهـل خراسـان فقتـل منهـم جماعـة وولى حميد بن قحطبة على حلب وكتب معه إلى عاملها زفر بن عاصم بقتله فقرأ الكتاب في طريقه وسار إلى العراق‏.‏ وجاء أبو جعفر من الحج فبعث أبا مسلم لقتال عبد الله ولحقه حميد بن قحطبة نازعاً عن عبـد اللـه فسـار معـه وجعـل علـى مقدمتـه مالـك بن الهيثم الخزاعي‏.‏ ولما بلغ عبد الله خبر إقباله وهـو علـى حـران بـذل الأمـان لمقاتـل بـن حكيـم ومـن معه وملك حران‏.‏ ثم بعث مقاتلاً بكتابه إلى عثمـان بـن عبـد الأعلـى فلمـا قـرأ الكتـاب قتلـه وحبس ابنيه حتى إذا هزم عبد الله قتلهما‏.‏ وأمر المنصـور محمـد بن صول وهو على أذربيجان أن يأتي عبد الله بن علي ليمكر به فجاء وقال‏:‏ إنـي سمعـت السفاح يقول‏:‏ الخليفة بعدي عمي عبد الله فشعر بمكيدته وقتله وهو جد إبراهيم بن العباس الصولي الكاتب‏.‏ ثم أقبل عبد الله بن علي حتى نزل نصيبين وخندق عليه وقدم أبو مسلم فيمن معه‏.‏ وكان المنصـور قـد كتـب إلى الحسن بن قحطبة عامله على أرمينية بأن يوافي أبا مسلم‏.‏ فقدم عليه بالموصـل وسـار معـه‏.‏ ونـزل أبـو مسلـم ناحيـة نصيبيـن وكتـب إلـى عبـد اللـه أني قد وليت الشام ولم أؤمر بقتالك فقال أهل الشام لعبد الله سر بنا إلى الشام لنمنع نساءنا وأبناءنا‏.‏ فقال لهم عبد اللـه‏:‏ مـا يريـد إلا قتالنـا وإنمـا قصد المكر بنا فأبوا إلا الشام فارتحل بهم إلى الشام ونزل أبو مسلم فـي موضـع معسكره وغور ما حوله من المياه فوقف أصحاب عبد الله بكار بن مسلم العقيلي وعلـى ميسرتـه حبيـب بـن سويـد الأسـدي وعلـى الخيـل عبـد الصمـد بن علي أخو عبد الله وعلى ثـم حمـل أصحـاب عبد الله على عسكر أبي مسلم فأزالوهم عن مواضعهم وحمل عبد الصمد فقتـل منهـم ثمانيـة عشـر رجـلاً‏.‏ ثـم حمـل عليهـم ثانيـة فأزالـوا صفهـم‏.‏ ثـم نـادى منـادي أبـي مسلـم في أهـل خراسـان فتراجعوا‏.‏ وكان يجلس إذا لقي الناس على عريش ينظر منه إلى الحومة فإن رأى خللاً أرسل بسده‏.‏ فلا تزال رسله تختلف بينه وبين الناس حتى ينصرفوا‏.‏ فلما كان يوم الأربعاء لسبع خلون من جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين اقتتلوا وأمر أبو مسلم الحسن بن قحطبة أن يضم إلى الميسرة وينزل في الميمنة حماة أصحابه فانضم أهل الشام من الميسرة إلى الميمنة كما أمرهم وأمر أبو مسلم أهل القلب فحطموهم وركبهم أصحاب أبي مسلم‏.‏ فانهـزم أصحـاب عبـد اللـه فقـال لابـن سراقـة‏.‏ مـا تـرى قال الصبر إلى أن تموت فالفرار فيكم بمثلك قبيح‏.‏ قال بل آتي العراق فأنا معك فانهزموا وحوى أبو مسلم عسكرهم‏.‏ وكتب بذلك إلى المنصور ومضى عبد الله وعبد الصمد‏.‏ فقدم عبد الصمد الكوفة فاستأمن له عيسى بن موسـى وأمنـه المنصـور‏.‏ وقيـل بـل أقـام بالرصافـة حتى قدمها جمهور بن مروان العجلي في خيول أرسلها المنصور فبعث به موثقاً مـع أبـي الخطيـب فأطلقـه المنصـور‏.‏ وأمـا عبـد اللـه فقـدم البصـرة وأقـام عنـد أخيه سليمان متوارياً حتى طلبه وأشخص إليه‏.‏ ثم إن أبا مسلم أمن الناس بعد الهزيمة وأمر بالكف عنهم كان أبو مسلم لما حج مع المنصور يؤيد نفسه عليه ويتقـدم بالإحسان للوفود وإصلاح الطريق والمياه وكان الذكر له وكان الأعراب يقولون‏:‏ هذا المكذوب عليـه‏.‏ ولما صدروا عن الموسم تقدم أبو مسلم ولقيه الخبر بوفاة السفاح فبعث إلى أبي جعفر يعزيـه ولـم يهنئـه بالخلافـة ولا رجـع إليـه ولا أقام ينتظره‏.‏ فغضب أبو جعفر وكتب إليه وأغلظ في العتـاب فكتـب يهنئـه بالخلافـة ويقـدم إلى فدعا عيسى بن موسى إلى أن يبايع له فأبى وقدم أبو جعفر وقد خلع عبيد الله بن علي فسرح أبا مسلم لقتاله فهزمه كما مر وجمع الغنائم من عسكره‏.‏ فبعث المنصور مولاه أبا الخصيب لجمعها فغضب أبو مسلم وقال‏:‏ أنا أعين على الدعاء فكيف أخون الأموال وهم بقتل الخصيب ثم خلى عنه‏.‏ وخشي المنصور أن يمضي إلى خراسان فكتب إليه بولاية مصر والشام فازداد نفاراً وخرج من الجزيرة يريد خراسان وسار المنصور إلى المدائـن وكتـب إليـه يستقدمـه فأجابـه بالامتنـاع والمسك بالطاعة عن بعد والتهديد بالخلع إن طلب منه سوى ذلك فكتب إليه المنصور ينكر عليه هذا الشرط وأنه لا يحسن طاعة‏.‏ وبعث إليه عيسى بن موسى برسالة يؤنسه ويسليه وقيـل‏:‏ بـل كتـب إليـه أبـو مسلـم يعـرض لـه بالخلع وأنه قد تاب إلى الله مما جناه من القيام بدعوتهم وأخـذ أبـو مسلـم طريـق حلـوان وأمـر المنصـور عمـه عيسـى ومشيخـة بنـي هاشـم بالكتاب على أبي مسلم يحرضونه على التمسك بالطاعة ويحذرونه عاقبة البغي ويأمرونه بالمراجعة‏.‏ وبعث الكتب مع مولاه أبي حميد المروروذي وأمره بملاينته والخضوع له بالقول حتى ييأس منه فإذا يئس يخبره بقسم أمير المؤمنين لأوكلت أمرك إلى غيري ولو خضت البحر خضته وراءك ولـو اقتحمـت النـار لاقتحمتهـا حتـى أقتلـك وأمـوت‏.‏ فأوصـل أبـو حميـد الكتـب وتلطـف لـه في القول ما شاء واحتج عليه بما كان منه في التحريض على طاعتهم فاستشار أبو مسلم مالك بن الهيثم فأبى له من الإصغاء إلى هذا القول وقال‏:‏ والله لئن أتيته ليقتلنك‏.‏ ثم بعث إلى نيزك صاحب الري يستشيره فأبى له من ذلك وأشار عليه بنزول الري وخراسان من ورائه فيكون أمكن لسلطانه‏.‏ فأجاب أبا حميد بالامتناع فلما يئس منه أبلغه مقالة المنصور فوجم طويلاً ورعـب مـن ذلـك القـول وأكبـره‏.‏ وكـان المنصـور قـد كتب إلى عامل أبي مسلم بخراسان يرعبه في الانحـراف عنـه بولايـة خراسـان فأجاب سراً وكتب إلى أبي مسلم يحذره الخلاف والمعصية فزاده ذلـك رعبـاً وقـال لأبـي حميـد قبـل انصرافـه‏:‏ قد كنت عزمت على المضي إلى خراسان ثم رأيت أن أوجه أبا إسحاق إلى أمير المؤمنين يأتيني برايته فإني أثق به‏.‏ ولما قدم أبو إسحاق تلقاه بنو هاشم وأهل الدولة بكل ما يجب وداخله المنصور في صرف أبي مسلم عن وجهة خراسان ووعده بولايتها فرجع إليه وأشار عليه بلقاء المنصور فاعتزم علـى ذلـك‏.‏ واستخلـف مالـك بـن الهيثـم علـى عسكره بحلوان وسار فقدم المدائن في ثلاثة آلاف وخشي أبو أيوب وزير المنصور أن يحدث منه عند قدومه فتك فدعا بعض إخوانه وأشار عليـه بـأن يأتـي أبـا مسلـم ويتوسـل به إلى المنصور في ولاية كسكر ليصيب فيها مالاً عظيماً وأن يشرك أخاه في ذلك فإن أمير المؤمنين عازم أن يوليه ما يوري به ويريح نفسه‏.‏ واستأذن له المنصـور فـي لقـاء أبـي مسلـم فـأذن لـه فلقـي مسلم وتوسل إليه وأخبره الخبر فطابت نفسه وذهب عنه الحزن‏.‏ ولما قرب أمر الناس بتلقيه ثم دخل على المنصور فقبل يده وانصرف ليريح ليلته ودعا المنصور من الغد حاجبه عثمان بن نهيك وأربعة من الحرس منهم شبيب بن رواح وابن حنفية حرب بن قيس وأجلسهم خلف الرواق وأمرهم بقتل أبي مسلم إذا صفق بيديه‏.‏ واستدعـى أبا مسلم فلما دخل سأله عن سيفين أصابهما لعمه عبد الله بن علي وكان متقلداً بأحدهما فقال هذا أحدهما فقال أرني فانتضاه أبو مسلم وناوله إياه فأخذ يقلبه بيده ويهزه‏.‏ ثم وضعه تحت فراشه وأقبل يعاتبه فقال‏:‏ كتبت إلى السفاح تنهاه عن الموات كأنك تعلمه قال ظننت أنه لا يحل ثم اقتديت بكتاب السفاح وعلمت أنكم معدن العلم‏.‏ قـال‏:‏ فتوركك عني بطريق مكة قال كرهت مزاحمتك على المال قال فامتناعك من الرجوع إلي حيـن بلغـك مـوت السفـاح أو الإقامـة حتـى ألحقـك قـال طلبـت الرفـق بالناس والمبادرة إلى الكوفة قال فجارية عبد الله بن علي أردت أن تتخذها لنفسك قال لا إنما وكلت بها من يحفظها‏.‏ قـال‏:‏ فمراغمتـك ومسيـرك إلـى خراسان قال‏:‏ خشيت منك فقلت آتي خراساني وأكتب بعذري فأذهـب مـا فـي نفسـك منـي قـال‏:‏ فالمـال الـذي جمعتـه بحـران قـال‏:‏ أنفقتـه فـي الجنديـة تقويـة لكـم‏.‏ قال ألسـت الكاتـب إلـي تبـدأ بنفسـك وتخطـب آسيـة بنـت علـي وتزعـم أنـك ابـن سليـط بن عبد الله بن عباس لقد ارتقيت لا أم لك مرتقىً صعباً‏.‏ ثـم قـال له‏:‏ وما الذي دعاك إلى قتل سليمان بن كثير مع أثره في دعوتنا وهو أحد نقبائنا من قبـل أن ندخلـك فـي هـذا الأمـر قـال‏:‏ أراد الخلافـة فقتلتـه‏.‏ ثـم قال أبو مسلم‏:‏ كيف يقال هذا بعد بلائي وما كان مني قال يا ابن الخبيثة لو كانت أمة مكانك لأغنت إنما ذلك بدولتنا وربحنا‏.‏ وأكب أبو مسلم يقبل يده ويعتذر فازداد المنصور غضباً‏.‏ ثم قال أبو مسلم دع هذا فقد أصبحت لا أخاف إلا الله‏.‏ فشتمه المنصور وصفق بيديه فخرج الحرس‏.‏ وضربه عثمان بن نهيك فقطع حمائل سيفه‏.‏ فقال استبقني لعدوك فقال لا أبقاني الله إذاً وأي عدو أعدى منك وأخذه الحرس بسيوفهم حتى قتلوه وذلك لخمس بقين من شعبان سنة سبع وثلاثين‏.‏ وخرج الوزير أبو الجهم فصرف الناس وقال الأمير قائل عند أمير المؤمنين فانصرفوا وأمر لهم بالجوائز وأعطى إسحاق مائة ألف‏.‏ ودخل عيسى بن موسى على المنصور فسأل عنه وأخذ فـي الثنـاء علـى طاعته وبلائه وذكر رأي الإمام إبراهيم فيه‏.‏ فقال المنصور‏:‏ والله ما أعلم على وجـه الـأرض عدواً أعدى لكم منه هو ذا في البساط‏.‏ فاسترجع عيسى فأنكر عليه المنصور وقـال‏:‏ وهـل كـان لكم ملك معه ثم دعا جعفر بن حنظلة واستشاره في أمر أبي مسلم فأشار بقتلـه فقـال لـه المنصـور وفقـك اللـه ثـم نظـر إليـه قتيـلاً فقـال لـه يـا أمير المؤمنين عد خلافتك من هذا اليـوم‏.‏ ثـم دعـا أبـا إسحاق عن متابعة أبي مسلم وقال تكلم بما أردت وأخرجه قتيلاً‏.‏ فسجد أبو إسحاق ثم رفع رأسه يقول‏:‏ الحمد لله أميت هو ولله ما جئته قط إلا تكفنت وتحنطت ورفع ثيابه وأراه كفنه وحنوطه‏.‏ فرحمه وقال له استقبل طاعتك واحمد الله الذي أراحك‏.‏ وكتب المنصور بعد قتل أبي مسلم إلى أبي نصر بن الهيثم على لسان أبي مسلم يأمره بحمل أثقالـه وقـد كـان أبـو مسلم أوصاه إن جاءك كتاب بخاتمي تاماً فاعلم أني لم أكتبه فلما رآه كذلك فطـن وانحـدر إلـى همـذان يريـد خراسان فكتب له المنصور بولاية شهرزور وكتب إلى زهير بن التركـي بهمـذان بحبسـه‏.‏ فمر أبو نصر بهمذان وخادعه زهير ودعاه إلى طعامه وحبسه‏.‏ وجاء كتاب العهد بشهرزور لأبي نصر فأطلقه زهير ثم جاءه بعد ذلك الكتاب بقتله فقال جاءني كتاب عهده فخليت سبيله‏.‏ وقـدم أبـو نصـر علـى المنصـور فعذلـه فـي إشارتـه على أبي مسلم بخراسان فقال نعم استنصحني فنصحـت لـه‏.‏ وإن استنصحنـي أميـر المؤمنيـن نصحـت وشكـرت واستعملـه علـى الموصل‏.‏ وخطب أبو جعفر الناس بعد قتل أبي مسلم وانسهم وافترق أصحابه وخرج منهم بخراسان رجـل اسمـه سنبـاد ويسمـى فيـروز أصبهبـد وتبعـه أكثـر الجبال يطلبون بدم أبي مسلم وغلب على نيسابـور والـري وأخـذ الخزائـن أبـي مسلـم التـي خلفهـا بالـري حيـن شخـص إلـى السفـاح‏.‏ وسبـى الحرم ونهب الأموال ولم يعرض إلى التجار‏.‏ وكان يظهر أنه قاصد إلى الكعبة يهدمها فسرح إليه المنصور جمهور بن حرار العجلي والتقوا على طرق المفازة بين همذان والري فقاتلهم وهزمهم وقتل منهم نحواً من ستين ألفاً سبى ذراريهم ونساءهم‏.‏ ولحق سنباد بطبرستان فقتله بعض عمال صاحبها وأخذ ما معه‏.‏ وكتب إلى المنصور بذلك فكتـب إليـه المنصـور في الأموال فأنكرها فسرح إليه الجنود فهرب إلى الديلم‏.‏ ثم إن جمهور بن مرار لما حوى ما في عسكر سنباد ولم يبعث به خاف من المنصور فخلع واعتصم بالري فسرح إليه محمد بن الأشعث في الجيوش فخرج من الري إلى أصبهان فملكها وملك محمد الـري‏.‏ ثـم اقتتلـوا وانهـزم جمهـور فلحـق بأذربيجـان وقتلـه بعـض أصحابه وحملوا رأسه إلى المنصور وذلك سنة ثمان وثلاثين‏.‏ حبس عبد الله بن علي كـان عبـد اللـه بـن علـي بعـد هزيمتـه أمـام أبـي مسلم لحق بالبصرة ونزل على أخيه سليمان‏.‏ ثم إن المنصور عزل سليمان سنة تسع وثلاثين فاختفى عبد الله وأصحابه فكتب المنصـور إلـى سليمـان وأخيـه عيسـى بأمـان عبد الله وقواده ومواليه وأشخاصهم إلى المنصور منهما فشخصـوا‏.‏ ولمـا قدمـا عليـه فـأذن لهمـا فأعلمـاه بحضـور عبـد الله واستأذناه له فشغلهما بالحديـث وأمـر بحبسـه فـي مكـان قـد هيـىء لـه فـي القصـر فلمـا خـرج سليمـان وعيسـى لـم يجـد عبد الله فعلما أنه قد حبس وأن ذمتهما قد أخفرت فرجعا إلى المنصور فحبسا عنـه‏.‏ وتـوزع أصحاب عبد الله بين الحبس والقتل وبعث ببعضهم إلى أبي داود خالد بن إبراهيم بخراسان فقتلهـم بهـا‏.‏ ولم يزل عبد الله محبوساً حتى عهد المنصور إلى المهدي سنة تسع وأربعين وأمر موسى بن عيسى فجعله بعد المهدي ودفع إليه عبد الله وأمره بقتله وخرج حاجاً‏.‏ وسار عيسـى كاتبـه يونـس بـن فـروة فـي قتـل عبـد اللـه بـن علـي فقـال‏:‏ لا تفعـل فإنـه يقتلـك بـه وإن طلبـه منـك فـلا تـرده إليه سراً فلما قفل المنصور من الحج دس على أعمامه من يحرضهم على الشفاعة في أخيهم عبد الله فشفعهم وقال لعيسى‏:‏ جئنا به فقال قتلته كما أمرتني‏.‏ فأنكر المنصور وقال خذوه بأخيكم فخرجوا به ليقتلوه حتى اجتمع الناس واشتهر الأمر فجاء به وقال هوذا حي سوي فجعله المنصور في بيت أساسه ملح وأجرى عليه الماء فسقط ومات‏.‏ كان هؤلاء القوم من أهل خراسان ومن أتبـاع أبـي مسلـم يقولـون بالتناسـخ والحلـول وأن روح آدم فـي عثمـان بـن نهيـك وأن اللـه حـل فـي المنصـور وجبريـل فـي الهيثـم بـن معاوية‏.‏ فحبس المنصور نحـواً مـن مائتيـن منهم فغضب الباقون واجتمعوا وحملوا بينهم نعشاً كأنهم في جنازة وجاؤوا إلى السجـن فرمـوا بالنعـش وأخرجـوا أصحابهـم وحملوا على الناس في ستمائة رجل‏.‏ وقصدوا قصر المنصور وخرج المنصور من القصر ماشياً‏.‏ وجاء معن بن زائدة الشيباني وكان مستخفياً من المنصور لقتاله مع ابن هبيرة وقد اشتد طلب المنصور له فحضر عنده هـذا اليـوم متلثمـاً وترجـل وأبلـى‏.‏ ثـم جـاء إلـى المنصـور ولجـام بغلتـه فـي يـد الربيـع حاجبـه وقـال‏:‏ تنـح ذا أنـا أحق بهدا اللجام في هذا الوقت وأعظم فنازل وقاتل حتى ظفر بالراوندية‏.‏ ثم سأله فانتسب فأمنه واصطنعه‏.‏ وجاء أبو نصر مالك بن الهيثم ووقف على باب المنصور وقال‏:‏ أنا اليوم بواب ثم قاتلهم أهل السوق وفتح باب المدينة ودخل الناس وحمل عليهم خازم بن خزيمة والهيثم بن شعبة حتى قتلوهـم عـن آخرهـم‏.‏ وأصـاب عثمـان بـن نهيك في الحومة سهم فمات منه بعد أيام وجعل على الحبس بعده أخاه عيسى ثم بعده أبا العباس الطوسي وذلك كله بالهاشمية‏.‏ ثم أحضر معناً ورفع منزلته وأثنى عليه بما كان منه في ذلك اليوم مع عمه عيسى فقال معن‏:‏ والله يا أمير المؤمنين لقد جئت إلى الحكومة وجلاً حتى رأيت شدتك فحملني ذلك على ما رأيت مني وقيل‏:‏ إنه كان مختفياً عند أبي الخصيب حاجب المنصور وأنه جاء يوم الراوندية فاستأذن أبو الخصيب وشاوره المنصور فأشار ببث المال في الناس وأبى المنصور إلا الركوب إليهم بنفسه فخرج بين يديه وأبلى حتى قتلوا ثم تغيب فاستدناه وأمنه وولاه على اليمن‏.‏