فصل: مسير المتقي إلى الموصل وعوده

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  الزعزاع

باودية ابن أيوب عدن وكانت لبني مسعود بن المكرم المقارعين لبني الزريع‏.‏ الجوة‏:‏ اختطها ملوك الزريعيين قرب عدن ونزلها بنو أيوب ثم انتقلوا إلى تعز‏.‏ حصن ذي جبلة‏:‏ من حصون مخلاف جعفر اختطه عبد الله الصليحي أخو الداعي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وانتقل إليه ابنـه المكـرم مـن حصـن صنعـاء‏.‏ وزوجـه سيـدة بنـت أحمـد المستبـدة عليـه وهـي التـي تحكمـت سنـة ثمانيـن‏.‏ ومات المكرم وقد فوض الأمر في الملك والدعوة إلى سبا بن أحمد بن المظفر الصليحي وكان في معقل اشيح وكانت تستظهر بقبيل جنب وكانـوا خامليـن في الجاهلية فظهروا بمخلاف جعفر‏.‏ ثم وصل من مصر ابن نجيب الدولة داعياً ونـزل مدينـة جند واعتضد بهمذان فحاربته السيدة بجنب وخولان إلى أن ركب البحر وغرق‏.‏ وكان يتولى أمورها المفضل بن أبي البركات بعد زوجها المكرم واستولى عليها‏.‏ التعكر‏:‏ من مخلاف جعفر كان لبني الصليحي ثم لسيدة من بعدهم ثم طلبه منها المفضل بن أبـي البركـات فسلمتـه إليـه وأقـام فيـه إلـى أن سـار إلـى زبيـد وحاصر فيها بني نجاح وطالت غيبته فثار بالتعكر جماعة من الفقهاء وقتلوا نائبه وبايعوا لإبراهيم بن زيدان منهم وهو عم عمارة الشاعر‏.‏ واستظهروا بخولان فرجع المفضل وحاصرهم كما ذكرنا ذلك من قبل‏.‏

  حصن خدد

كان لعبد الله بن يعلى الصليحي وهو من مخلاف جعفر وكان المفضل قد أدخل مـن خولـان فـي حصـون المخلـاف عـدداً كثيراً في بني بحر وبني منبه ورواح وشعب‏.‏ فلما مات المفضـل وفـي كفالتـه سيـدة كمـا مـر وثـب مسلـم بـن الـذر من خولان في حصن خدد وملكه من يد عبد الله بن يعلى الصليحي ولحق عبد الله بحصن مصدود ورشحته سيدة لمكان المفضل واستخلصته الدولة من مدينة الجند ومن اليمن بأمرها‏.‏

  حصن مصدود

من حصون مخلاف جعفر وهي خمسة‏:‏ ذو جبلة والتعكر وحصن خدد‏.‏ ولما غلبـت خولـان علـى حصـن خـدد مـن يد عبد الله الصليحي ولحق بحصن مصدود واستولى عليه منهـم زكريـا بـن شكيـر البحـري وكـان بنـو الكـردي من حمير ملوكا قبل بني الصليحي باليمن وانتزع بنـو الصليحي ملكهم وكان لهم مخلاف بحصونة ومخلاف مغافر ومخلاف الجند وحصن سمندان‏.‏ ثم استقرت لمنصور بن المفضل بن أبي البركات وباعها من بني الزريع كما مر‏.‏

  صنعاء

قاعدة التبابعة قبل الإسلام وأول مدينة اختطت باليمن وبنتها فيما يقال عاد وكانت تسمى أوال من الأولية بلغتهم‏.‏ وقصر غمدان قريب منها أحد البيوت السبعة بناه الضحاك باسم الزهرة وحجت إليه الأمم وهدمه عثمان‏.‏ وصنعاء أشهر حواضر اليمن وهي فيما يقال معتدلة وكان فيها أول المئة الرابعة بنو يعفر من التبابعة ودار ملكهم كحلان ولم يكن لها نباهة في الملك إلى أن سكنها بنو الصليحي وغلب عليهـا الزيديـة ثـم السليمانيـون مـن بعـد بنـي الصليحي‏.‏ قلعة كحلان‏:‏ من أعمال صنعاء لبني يعفر من التبابعة بناها قرب صنعاء إبراهيم وكانت له صعـدة ونجـران‏.‏ واعتصـم بنـو يعفـر بقلعـة كحلان وقال البيهقي‏:‏ سيد قلعة كحلان أسعد بن يعفر وحارب بني الرسي وبني زياد أيام أبي الجيش‏.‏ حصن الصمدان‏:‏ من أعمال صنعاء كانت فيه خزائن بني الكردي الحميريين إلى أن ملكه على الصليحـي ورد عليهـم المكـرم بعـض حصونهـم إلـى أن انقـرض أمرهم على يد ابن مهدي‏.‏ وكان لهم مخلاف جعفر الذي منه مدينة في جبلة ومعقل التعكر وهو مخلاف الجند ومخلاف معافر مقر ملكهم السمدان وهو أحصن من الدمولة‏.‏

  قلعة منهاب

من قلاع صنعاء بالجبال ملكها بنو زريع واستبد بها منهم الفضل بن علي بن راضـي بـن الداعـي محمـد بـن سبـا بـن زريـع نعته صاحب الجزيرة بالسلطان‏.‏ وقال‏:‏ كانت له قلعة منهاب وكان حياً سنة ست وثمانين وخمسمائة وصارت بعده لأخيه الأغر أبي علي‏.‏ جبـل الدبجـرة‏:‏ وهـو بقـرب صنعاء وقد اختط جعفر مولى بني زياد سلطان اليمن مخلاف جعفر فنسب إليه‏.‏ عدن لاعة‏:‏ بجانب الدبجرة أول موضع ظهرت فيه دعوة الشيعة باليمن ومنها محمد بن المفضل الداعـي‏.‏ ووصـل إليها أبو عبد الله الشيعي صاحب الدعوة بالمغرب‏.‏ وفيها قرأ على علي بن محمـد الصليحـي صبيـا وهي دار دعوة اليمن‏.‏ كان محمد بن المفضل داعياً عهد أبي الجيش بن بيجان‏:‏ ذكرها عمارة في المخاليف الجبلية وملكها نستوان بن سعيد القحطاني‏.‏

  تعمر

من أجل معاقل الجبال المطلة على تهامة ما زال حصناً للملوك وهو اليوم كرسي لبني رسـول ومعـدود فـي الأمصار‏.‏ وكان به من ملوك اليمن منصور بن المفضل بن أبي البركات وبنو المظفر وورثها عنه ابنـه منصـور ثـم باعهـا حصنـاً حصنـاً مـن الداعـي بـن المظفـر والداعـي الزريعي إلى أن بقي بيده حصن تعمر فأخذه منه بن مهدي معقل اشيح‏:‏ من أعظم حصون الجبال وفيه خزائن بني المظفر من الصليحيين صارت له بعهد المكـرم ابـن عمـه صاحـب فـي جبلـة وقلـده المستنصر الدعوة وتوفي سنة ست وثمانين وأربعمائة‏.‏ وغلب ابنه علي على معقل الملك اشيح‏.‏ وأعيا المفضل أمره إلى أن تحيل عليه وقتله بالسم وصارت حصون بني المظفر إلى بني أبي البركات‏.‏ ثم مات المفضل وخلف ابنه منصورا‏.‏ واستقل بملك أبيه بعد حين وباع جميع الحصون فباع ذا جبلة من الداعي الزريعي صاحب عدن بمائة ألف دينار وحصن صنبـر بعـد أن كـان حلـف بالطلـاق مـن زوجتـه أنـه يستبقيـه وطلق زوجته الحرة وتزوجها الزريعي وطال عمره‏.‏ ملك ابن عشرين وبقي في الملك ثمانين وأخذ منه معقل علي مهدي‏.‏

  صعدة

مملكتها تلو مملكة صنعاء وهي في شرقيها وفي هذه المملكة ثلاثة قواعد‏:‏ صعدة وجبـل تطابـة وحصن تلا وحصون أخرى وتعرف كلها ببني الرسي وقد تقدم ذكر خبره‏.‏ وأما حصـن تـلا فمنـه كان ظهور الموطىء الذي أعاد إمامة الزيدية لبني الرضا بعد أن استولى عليها بنـو سليمـان فـأوى إلـى جبـل قطابـة‏.‏ ثـم بايعـوا لأحمـد الموطـىء سنـة خمـس وأربعين وستمائة وكان فقيهـا عابـداً وحاصـره نـور الديـن بـن رسـول فـي هـذا الحصـن سنـة جمـر عليـه عسكراً للحصار‏.‏ ثم مات ابن رسول سنة ثمان وأربعين واشتغل ابنه المظفر بحصار حصن الدولة فتمكن الموطىء وملك حصون اليمن وزحف إلى صعدة وبايعه السليمانيون وإمامهم أحمد المتوكل كما مر في أخبار بني الرسي‏.‏ وأما قطابة فهو جبل شاهق مشرف على صعدة إلى أن كان ما ذكرناه‏.‏

  حران ومسـار

أمـا حـران فهـو إقليـم مـن بلـاد همـدان وحـران بطـن مـن بطونهـم كـان منهـم الصليحي‏.‏ وحصن مسار هو الذي ظهر فيه الصليحي وهي من إقليم حران‏.‏ قال البيهقي‏:‏ بلادهـم شرقيـة بجبـال اليمـن وتفرقـوا فـي الإسلـام ولـم يبـق لهـم قبيلـة وفرقـة إلا في اليمن وهو أعظم قبائل اليمن وبهم قام الموطىء وملكوا جملة من حصون الجبال ولهم بها إقليم بكيل وإقليـم حاشـد وهمـا ابنـا جشـم بـن حيـوان وأنـوق بـن همـدان‏:‏ قـال ابن حزم‏:‏ ومن بكيل وحاشد افترقت قبائـل همـدان انتهى‏.‏ ومن همدان بنو الزريع أصحاب السلطنة والدعوة في عدن والجوة ومنهم بنو يام من قبائل همدان انتهى‏.‏ ومن همدان بنو الزريع سبعة وهم الآن في نهاية من التشيع بلاد خولان‏:‏ قال البيهقي‏:‏ هي شرقية من جبال اليمن ومتصلة ببلاد همدان وهي حصـون خدد والتعكر وغيرهما‏.‏ وهم أعظم قبائل اليمن مع همدان ولهم بطون كثيرة‏.‏ وافترقوا على بلاد الإسلام ولم يبق منهم وبرية إلا باليمن‏.‏

  مخلاف بني وائل

مدينة هذا المخلاف شاحط وصاحبها أسعد بن وائل وبنو وائل بطن من ذي الكلاع‏.‏ وذو الكلاع من سبا تغلبوا على هذه البلاد عن مهلك الحسن بن سلامـة حتـى عادوا إلى الطاعة‏.‏ واختط مدينة الكدد على مخلاف سهام ومدينة المعقـل علـى وادي دوال ومات سنة اثنتين وأربعمائة‏.‏

  بلـاد كنـدة

وهـي مـن جبـال اليمـن ممـا يلـي حضرموت وجبال الرمل وكان لهم بها ملوك وقاعدتهم دمون ذكرها امرؤ القيس في شعره‏.‏ بلاد مذحج موالي جهات الجند من الجبال وينزلها من مذحج عنس وزبيد ومراد‏.‏ ومن عنس بإفريقيـة فرقـة وبريـة مـع ظواعـن أهلهـا ومـن زبيـد بالحجـاز بنـو حـرب بيـن مكة والمدينة‏.‏ وبنو زبيد الذين بالشام والجزيرة فهم من طيىء وليسوا من هؤلاء‏.‏ بلـاد بنـي نهـد فـي أجـواف السـروات‏.‏ وتبالـة والسـروات بيـن تهامة والجبال ونجد من اليمن والحجاز كسوأة الفرس‏.‏ وبنو نهد من قضاعة سكنوا اليمن جوار خثعم وهم كالوحوش والعامة تسميهم السرو وأكثرهم أخلاط من جبلة وخثعم‏.‏ ومن بلادهم تبالة يسكنها قوم نهر وائل ولهم بها صولة وهي التي وليها الحجاج واستحفرها فتركها‏.‏ البلاد المضافة إلى اليمن أولها الثمامة‏.‏ قال البيهقي‏:‏ هو بلد منقطع بعمله والتحقيق أنه من الحجـاز كمـا هـي نجـران من اليمن‏.‏ وكذا قال ابن حوقل وهي دونها في المملكة وأرضها تسمى العـروض لاعتراضهـا بيـن الحجـاز والبحريـن‏.‏ وفـي شرقيها البحرين وغربيها أطراف اليمن والحجاز وجنوبهـا نجـران وشمالها نجد من الحجاز‏.‏ وفي أطرافها عشرون مرحلة وهي على أربعة أميال من مكة‏.‏ وقاعدتها حجر ‏"‏ بالفتح ‏"‏‏.‏ وبلد اليمامة كانت مقرا لملـوك بنـي حنيفـة‏.‏ ثـم اتخـذ بنـو حنيفـة حجـراً وبينهمـا يـوم وليلـة وبظواهرها أحياء من بني يربوع من تميم وأحياء من بني عجل‏.‏ قال البكري‏:‏ واسمها جو وسميـت باسـم زرقـاء اليمامـة سماهـا بذلك تبع الآخر وهي في الإقليم الثاني مع مكة وبعدهما عن خط الاستواء واحد منازلها توضيح وقرقرا‏.‏ وقال الطبري‏:‏ أن رمل عالج مـن اليمامـة والشحـر وهـي مـن أرض وبـار‏.‏ وكانـت اليمامـة والطائـف لبنـي مزان بن يعفر والسكسك وغلبتهـم عليهـا طسـم وجديـس‏.‏ ثـم غلبتهـم بنـو مزان آخراً وملكوا اليمامة‏.‏ وطسم وجديس في تبعهـم وآخـر ملـوك بنـي طسـم عمليـق‏.‏ ثـم غلبـت جديـس‏.‏ ومنهم باليمامة التي سميت مدينة جو بها وأخبارها معروفة‏.‏ ثم استولى على اليمامة بعد طسم وجديس بنو حنيفة وكان منهم هودة بن علي ملك اليمامة وتتوج‏.‏ ويقال إنما كانت خرزات هودة بن علي ملك اليمامة على عهد النبوة وأسر وأسلم وثبت عند الردة‏.‏ وكان منهم مسيلمة وأخباره معروفة‏.‏ قال ابـن سعيد‏:‏ وسألت عرب البحرين وبعض مذحج لمن اليمامة اليوم فقالوا لعرب من قيس عيلان وليس لبني حنيفة بها ذكر‏.‏ بلـاد حضرمـوت‏.‏ قـال ابـن حوقـل‏:‏ هـي فـي شرقـي عـدن بقرب البحر ومدينتها صغيرة ولها أعمال عريضة وبينها وبين عمان من الجهة الأخرى رمال كثيرة تعرف بالاحقاف وكانت مواطن لعاد‏.‏ وبهـا قبر هود عليه السلام وفي وسطها جبل بشام وهي في الإقليم الأول‏.‏ وبعدها عن خط الأستواء اثنتا عشرة درجة وهي معدودة من اليمن بلد نخل وشجر ومزارع‏.‏ وأكثر أهلهـا يحكمون بأحكام علي وفاطمة ويبغضون علياً للتحكيم‏.‏ وأكبر مدينة بها الآن قلعة بشام فيها خيل الملك وكانت لعاد مع الشحر وعمان وغلبهم عليها بنو يعرب بن قحطان‏.‏ ويقال إن الذي دل عاداً على جزيرة العرب هو رقيم بن إرم كان سبق إليهـا مـع بنـي هـود فرجـع إلـى عاد ودلهم عليها وعلى دخولها بالجوار فلما دخلوا غلبوا على من فيهـا‏.‏ ثـم غلبهـم بنو يعرب بن قحطان بعد ذلك وولى على البلاد فكانت ولاية ابنه حضرموت على هذه البلاد وبه سميت الشحر من ممالك جزيرة العرب مثل الحجاز واليمن‏.‏ وكان معقلا عن حضرموت وعمان والذي يسمى الشحر قصبته ولا زرع فيـه ولا نخـل إنمـا أموالهـم الإبـل والمعـز ومعشهـم مـن اللحـوم والألبـان ومـن السمـك الصغـار ويعلفونهـا للـدواب‏.‏ وتسمـى هذه البلاد أيضاً بلاد مهرة وبها الإبل المهرية وقد يضاف الشحر ألى عمان وهو ملاصق لحضرموت وقيل هو بسائطها‏.‏ وفي هذه البلاد يوجد اللبان وفي ساحله العنبر الشحري وهو متصل في جهة الشرق‏.‏ ومن غربيها ساحل البحر الهندي الذي عليه عدن وفي شرقيها بلاد عمان وجنوبها بحر الهنـد مستطيلـة عليه وشمالها حضرموت كأنها ساحل لها ويكونان معاً لملك واحد‏.‏ وهي في الإقليم الأول وأشد حراً من حضرموت‏.‏ وكانت في القديم لعاد وسكنها بعدهم مهرة من حضرموت أو من قضاعة وهم كالوحوش في تلك الرمال ودينهم الخارجية على رأي الإباضية منهم‏.‏ وأول من نزل بالشحر من القحطانية مالك بن حمير وخرج على أخيه مالك وهو ملك بقصر كمدان فحاربه طويلا ومات مالك فولي بعده ابنه قضاعة بن مالك فلم يزل السكسك يحاربه إلـى أن قهـره واقتصـر قضاعـة على بلاد مهرة‏.‏ وملك بعده ابنه اطاب ثم مالك بن الحاف وانتقل إلى عمان وبها كان سلطانه‏.‏ قال البيهقي‏:‏ وملك مهرة بن حيدان بن الحاف بلـاد قضاعـة وحـارب عمـه مالـك بـن الحـاف صاحـب عمـان حتـى غلبهـم عليهـا وليـس لهـم اليـوم فـي غير بلادهم ذكر‏.‏ وببلاد الشحر مدينة مرياط وضفان على وزن نزال‏.‏ وضفان دار ملك التبابعة ومرياط بساحل الشحر وقد خربت هاتان المدينتان‏.‏ وكان أحمد بن محمود الحميري ولقبه الناخودة وكان تاجراً كثير المال يعبر إلى صاحب مرياط بالتجارة‏.‏ ثم استوزره ثم هلك فملك أحمد الناخودة‏.‏ ثم خربها وخرب ضفان سنة تسع عشرة وستمائة وبنى على ساحل مدينة ضفا بضم الضاد المعجمة وسماها الأحمدية باسمه وخرب القديمة لأنها لم يكن لها مرسى‏.‏ نجران‏:‏ قال صاحب الكمائم‏:‏ هي صقع منفرد عن اليمن وقال غيـره هـي مـن اليمـن‏.‏ قـال البيهقـي‏:‏ مسافتها عشرون مرحلة وهي شرقي صنعاء وشماليها وتوالي الحجاز وفيها مدينتان‏:‏ نجران وجرش متقاربتان في القدر والعادية غالبة عليها وسكانها كالأعراب وبها كعبة نجران ينبت على هيئة عمدان كعبة اليمن وكانت طائفة من العرب تحج إليها وتنهر عندها وتسمى الدير‏.‏ وبها قس بن ساعدة كان يتعبد فيها‏.‏ ونزلها من القحطانية طائفة من جرهم ثم غلبهم عليها حمير وصاروا ولاة للتبابعة‏.‏ وكـان كـل ملـك منهـم يسمى الأفعى‏:‏ وكان منهم أفعى نجران واسمه القلمس بن عمرو بن همدان بـن مالـك بـن شهـاب بـن زيـد بـن وائـل بـن حمير وكان كاهناً هو الذي حكم بين أولاد نزار لما أتوه حسبمـا هـو مذكـور‏.‏ وكـان والياً على نجران لبلقيس فبعثته إلى سليمان عليه السلام وآمن وبث ديـن اليهوديـة فـي قومـه وطـال عمـره‏.‏ ويقـال‏:‏ إن البحريـن والمسلـل كانتـا لـه‏.‏ قـال البيهقي ثم نزل نجران بنو مذحج واستولوا عليها‏.‏ ومنهم الحارث بنو كعب‏.‏ وقـال غيـره‏:‏ لمـا خرجت اليمانية في سيل العرم مروا بنجران‏.‏ فحاربتهم مذحج ومنها افترقوا‏.‏ قـال ابـن حـزم‏:‏ ونـزل فـي جـوار مذحـج بالصلـح الحـارث بـن كعـب بيـن عبـد اللـه بـن مالـك بن نصر بن الأزد‏.‏ ثم غلبوا عليها مذحجاً وصارت لهم رياستها‏.‏ ودخلت النصرانية نجران من قيمون وخبره معروف في كتب السير وانتهـت رياسـة بيـن الحـارث فيهـا إلـى بنـي الريـان‏.‏ ثـم صـارت إلـى بنـي عبـد المـدان‏.‏ وكـان يزيـد منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم على يد خالد بن الوليد ووفد مع قومه ولم يذكره ابن عبد المؤمن وهو مستدرك عليه‏.‏وابن أخيه زياد بن عبد الرحمن بن عبد المدان خال السفاح ولاه نجران واليمامة وخلـف ابنيـه محمـدا ويحيـى‏.‏ ودخلـت المائـة الرابعـة والملـك بها لبني أبي الجود بن عبد المدان واتصل فيهم‏.‏ وكان بينهم وبين الفاطميين حروب‏.‏ وربما يغلبونهم بعض الأحيان على نجران‏.‏ وكان آخرهم عبد القيس الذي أخذ علي بن مهدي الملك من يده ذكـره عمـارة وأثنـى عليـه‏.‏ واللـه سبحانـه وتعالـى أعلـم بالصواب‏.‏

  الخبر عن دولة بني حمدان المستبدين بالدعوة العباسية

من العرب بالموصل والجزيرة والشام ومبادىء أمورهم وتصاريف أحوالهم كان بنو ثعلب بن وائل من أعظم بطون ربيعة بن نزار ولهم محل في الكثرة والعدد وكانت مواطنهـم بالجزيـرة في ديار ربيعة وكانوا على دين النصرانية في الجاهلية وصاغيتهم مع قيصر‏.‏ وحاربوا المسلمين مع غسان وهرقل أيام الفتوحات في نصارى العرب يومئذ من غسان وإياد وقضاعة وزابلة وسائر نصارى العرب‏.‏ ثم ارتحلوا مع هرقل إلى بلاد الروم ثم رجعوا إلى بلادهـم‏.‏ وفـرض عليهـم عمـر بـن الخطـاب رضـي اللـه عنه الجزية‏.‏ فقالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين لا تذلنا بيـن العـرب باسـم الجزيـة واجعلهـا صدقـة مضاعفـة ففعـل‏.‏ وكـان قائدهـم يومئذ حنظلة بن قيس بن هرير من بني مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن ثعلب وكان من رهطه عمرو بن بسطـام صاحـب السنـد أيـام بنـي أميـة‏.‏ ثـم كـان منهـم بعـد ذلـك فـي الإسلـام ثلاثة بيوت آل عمر بن الخطاب العدوي وآل هارون المغمر وآل حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن أسد‏.‏ ولم يذكر ابن حزم هؤلاء البيوت الثلاثة في بطون بني ثعلـب فـي كتـاب الجمهـرة‏.‏ ووقفـت علـى حاشيـة فـي هذا الموضـع مـن كتابـه فيهـا ذكـر هـؤلاء الثلاثـة كالاستلحـاق عليـه‏.‏ وقـال فـي بنـي حمـدان‏:‏ وقيـل إنهـم ولما فشا دين الخارجية بالجزيرة أيام مروان بن الحكم فرق جموعه ومحا آثار تلك الدعوة‏.‏ ثم ظهـر فـي الجزيـرة بعـد حيـن أثـر مـن تلـك الدعـوة‏.‏ وخـرج مسـاور بـن عبـد اللـه بـن مسـاور البجلي من السرات أيام الفتنة بعد مقتل المتوكل واستولى على أكثـر أعمـال الموصـل وجعـل دار هجرتـه الحديثـة‏.‏ وكـان علـى الموصـل يومئـذ عقبـة بـن محمـد بـن جعفـر بن محمد بن الأشعث الخزاعي الذي ولـى المنصـور جـده محمـداً علـى إفريقيـة وعليـه خـرج مسـاور‏.‏ ثـم ولـي على الموصل أيوب بن أحمد بن عمر بن الخطاب الثعلبي سنـة أربـع وخمسيـن واستخلـف عليـه ابنـه الحسـن فسـار إلـى مسـاور فـي جمـوع قومـه وفيهـم حمـدون بن الحارث فهزموا الخوارج وفرقوا جمعهم‏.‏ ثم ولي أيام المهتدي عبد الله بن سليمان بن عمران الأزدي فغلبه الخوارج وملك مساور الموصل ورجع إلى الحديثة‏.‏ ثـم انتقـض أهـل الموصـل أيـام المعتمـد سنة تسع وخمسين وأخرجو العامل وهو ابن أساتكين الهيثم بـن عبـد اللـه بـن المعتمد العدوي من بني ثعلب فامتنعوا عليه وولوا مكانه إسحاق بن أيوب من آل الخطاب فزحف ومعه حمدان بن حمدون وحاصرهـا مـدة‏.‏ ثـم كانـت فتنـة إسحـاق بـن كنداجق وانتقاضه على المعتمد واجتمع لمدافعته علي بن داود صاحب الموصل وحمدان بن حمدون وإسحاق بن أيوب فهزمهم إسحاق بن كنداجق وافترقوا فاتبع إسحاق بن أيوب إلى نصيبين ثـم إلـى آمـد‏.‏ واستجـار فيهـا بعيسـى بـن الشيـخ الشيبانـي وبعـث إلـى المعـز موسـى بـن زرارة ثم ولي المعتمد ابن كنداجق على الموصل سنة سبع وستين فاجتمع لحربه إسحاق بن أيوب وعيسى بن الشيخ وأبو العز بن زرارة وحمدان بن حمدون في ربيعـة وثعلـب فهزمهـم ابـن كنداجـق وحاصره هو ولجؤوا إلى آمد عند عيسى بن الشيخ الشيباني وحاصرهم بها وتوالت عليهم الحروب‏.‏ وهلك مساور الخارجي أثناء هذه الفتن في حربه مع العساكر سنة ثلاث وستين‏.‏ واجتمع الخوارج بعده على هارون بن عبد الله البجلي واستولى على الموصل وكثر تابعه وخرج عليه محمد بن خردان من أصحابه مغلبه على الموصل فقصد حمدان بن حمدون مستنجـداً بـه فسـار معـه ورده إلـى الموصـل ولحـق محمد بالحديثة ورجع أصحابه إلى هارون‏.‏ ثم سار هارون من الموصل إلى محمد فأوقع به وقتله وعاث في الأكراد الجلالية أصحابه وغلب على القرى والرساتيق وجعل يأخذ الزكاة والعشر‏.‏ ثم زحف بنو شيبان لقتاله سنة اثنتين وسبعيـن فاستنجـد بحمـدان بـن حمـدون وانهـزم قبل وصوله إليه‏.‏ ثم كانت الفتنة بين إسحاق بن كنداجق ويوسف بن أبي الساج وأخذ ابن أبي الساج بدعوة ابن طولون وغلب على الجزيرة والموصـل ثـم عـاد وملكهـا لابـن كنداجـق وولى عليها هارون بن سيما سنة تسع وسبعين ومائتين فطـرده أهلهـا واستنجـد ببنـي شيبـان فسـاروا معـه إلـى الموصـل واستمـد أهلهـا الخوارج وبني ثعلب فسار لإمدادهم هارون الساري وحمدان فهزمهم بنو شيبان وخـاف أهـل الموصـل مـن ابـن ولما بلغ المعتضد ممالأة حمدان بن حمدون لهارون الساري وما فعله بنو شيبان وقـد خـرج لإصلاح الجزيرة وأعطاه بنو شيبان رهنهـم علـى الطاعـة زحـف إلـى حمـدان وهزمـه فلحـق بمارديـن وترك بها ابنه الحسين‏.‏ وهرب فسار مع وصيف ونصر القسوري ومروا بدير الزعفران وبه الحسين بن حمدان فاستأمن لهم وبعثوا به إلى المعتضد‏.‏ وأمر بهدم القلعة ولقي وصيف حمـدان فهزمـه وعبـر إلـى الجانب الغربي‏.‏ ثم سار إلى معسكر المعتضد وكان إسحاق بن أيوب الثعلبـي قـد سبـق إلـى طاعـة السلطـان وهـو فـي معسكـره فقصـد خيمتـه ملقيـاً بنفسه عليه فأحصره عنـد المعتضـد فحبسـه‏.‏ ثـم سـار نصـر القسـوري فـي أتبـاع هـارون فهزم الخوارج ولحق بأذربيجان‏.‏ واستأمن آخرون إلى المعتضد ودخل هارون البرية‏.‏ ثم سار المعتضد سنة ثلاث وثمانين في طلب هارون وبعث في مقدمته وصيفاً وسوح معه الحسين بن حمدان بن يكرين واشتـرط لـه إطلاق ابنه إن جاء بهارون فاتبعه وأسره وجاء به إلى المعتضد فخلع عليه وعلى إخوتـه وطوقـه وفـك القيـود عـن حمـدان ووعده‏.‏ بإطلاقه‏.‏ ومات إسحاق بن أيوب العدوي وكان على ديار ربيعه فولى المعتضد مكانه عبد الله بن الهيثم بن عبد الله بن المعتمد‏.‏

  مبدأ الدولة وولاية أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل

ولما ولي المكتفي عقد لأبي الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل وأعمالها وكان الأكراد الهدبانية قد عاثوا في نواحيها ومقدمهم محمد بن سلال فقاتلهم وعبر وراءهم إلى الجانب الشرقـي وقاتلهـم علـى الخـازر وقتـل مولـاه سيما ورجع‏.‏ ثم أمده الخليفة‏.‏ فسار في أثرهم سنة أربع وتسعين وقاتلهم علـى أذربيجـان وهـزم محمـد بـن سلـال بأهلـه وولـده واستباحهـم ابـن حمـدان‏.‏ ثم استأمن محمد وجاءه إلى الموصل واستأمن سائر الأكراد الحميدية واستقام أمر أبي الهيجـاء‏.‏ ثم كانت فتنة الخلع ببغداد سنة ست وتسعين وقتل الوزير العباس بن الحسن وخلع المقتدر وبويع عبد الله بن المعتز يوماً أو بعض يوم وعاد المقتدر كما مر ذلك كله في أخبار الدولة العباسية‏.‏ وكان الحسين بن حمدان على ديار ربيعة وكان ممن تولى كبر هذه الفتنة مع القواد وباشر قتل الوزير مع من قتله فهرب‏.‏ وطلبه المقتدر وبعث في طلبه القاسم بن سيما وجماعة من القواد فلـم يظفـروا بـه فكتـب إلـى أبـي الهيجـاء وهـو علـى الموصـل فسـار مـع القاسـم‏.‏ ولقيهم الحسين عند تكريت فانهزم واستأمن فأمنه المقتدر وخلع عليه وولاه أعمال قم وقاشان‏.‏ ثم رده بعد ذلك إلى ديار ربيعة‏.‏

  انتقاض أبي الهيجاء ثم الحسين بن حمدان

ولمـا كانـت سنـة تسـع وتسعيـن خالـف أبـو الهيجـاء بالموصـل إلى سنة اثنتين وثلاثمائة وكان الحسين بن حمدان على ديار ربيعة كما قدمناه فطالبه الوزير عيسى بن عيسى بحمل المال فدافعه فأمره بتسليم البلاد إلى العمال فامتنع فجهز إليه الجيش فهزمهم‏.‏ فكتب إلى مؤنس العجلي وهـو بمصـر يقاتـل عساكـر العلوية بأن يسير إلى قتال الحسين بعد فراغه من أمره فسار إليه سنة ثلاث وثلاثمائة فارتحل بأهله إلى أرمينية وترك البلاد‏.‏ وبعث مؤنس العساكر في أثره فأدركوه وقاتلوه فهزموه وأسر هو وابنه عبد الوهاب وأهله وأصحابه وعاد به إلى بغداد فأدخل على جمـل وقبـض المقتـدر يومئـذ على أبي الهيجاء وجميع بني حمدان فحبسهم جميعاً‏.‏ ثم أطلق أبا الهيجاء سنة خمس بعدها وقتل الحسن سنة ست وولى إبراهيم بن حمدان سنة سبع على ديار ربيعة وولى مكانه داود بن حمدان‏.‏

  ولاية أبي الهيجاء ثانية على الموصل ثم مقتله

ثم ولى المقتدر أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل سنة أربع عشرة فبعث ابنه فحاصـر الدولـة الحسيـن عليهـا وأقـام هـو ببغـداد‏.‏ ثـم بلغـه إفساد العرب والأكراد في نواحيها وفي نواحـي عملـه الآخـر بخراسـان‏.‏ فبعـث إلـى أبيـه ناصـر الدولة فأوقع بالعرب في الجزيرة ونكل بهم‏.‏ وجاءه في العساكر إلى تكريت فخرج ورحل بهم إلى شهرزور وأوقع بالأكراد الجلالية حتى استقامـوا على الطاعة‏.‏ ثم كان خلع المقتدر سنة سبع عشرة وثلاثمائة بأخيه القاهر‏.‏ ثم عاد ثاني يوم وأحيط بالقاهرة في قصره فتذمم بأبي الهيجاء وكان عنده يومئذ وأطال المقام يحاول على النجاة به فلم يتمكن من ذلك‏.‏ وانقض الناس على القاهر ومضى أبو الهيجاء يفتش عن بعض المنافق في القصر يتخلص منه فاتبعه جماعة وفتكوا به وقتلوه منتصف المحرم من السنة وولى المقتدر مولاه تحريراً على الموصل‏.‏

  ولاية سعيد ونصر بني حمدان علي الموصل

ثم إن أبا العلاء سعيد بن حمدان ضمن الموصل وديار ربيعة وما بيـد ناصـر الدولـة فولـاه الراضـي سنـة ثلـاث وعشريـن وسار إلى الموصل فخرج ناصر الدولة لتلقيه وخالفه أبو العلاء إلى بيته وقعد ينتظره فأنفذ ناصر الدولة جماعة من غلمانه فقتلوه‏.‏ وبلغ الخبر إلى الراضي فأعظم ذلك وأمر الوزير ابن مقلة بالمسير إلى الموصل فسار إليها‏.‏ وارتحل ناصر الدولة واتبعه الوزير إلـى جبـل السـن ورجـع عنـه وأقام بالموصل‏.‏ واحتال بعض أصحاب ابن حمدان ببغداد على ابن الوزير وبذل له عشرة آلاف دينار علـى أن يستحـث أبـاه ففعـل وكتـب إليـه بأمـور أزعجتـه فاستعمـل علـى الموصـل مـن وثـق بـه مـن أهـل الدولـة‏.‏ ورجـع إلـى بغـداد فـي منتصـف شـوال‏.‏ ورجع ناصر الدولة إلى الموصل فاستولى عليهـا وكتـب إلـى الراضـي فـي الصفـح وأن يضمـن البلـاد فأجيب إلى ذلك واستقر في ولايته‏.‏ مسير الراضي إلى الموصل وفي سنة سبع وعشرين تأخر ضمان البلاد من ناصر الدولة فغضب الراضي وسار ومدبر دولته تحكم‏.‏ وسار إلى الموصل وتقدم تحكم إلى تكريت فخـرج إليـه ناصـر الدولـة فانهـزم أصحابـه وسـار إلـى نصيبيـن وأتبعـه تحكـم فلحـق بـه‏.‏ وكتـب تحكم إلى الراضي بالفتح فسار في السفـن يريـد الموصـل‏.‏ وكـان ابـن رائـق مختفيـا ببغـداد منذ غلبه ابن البريدي على الدولة فظهر عند ذلـك واستولـى علـى بغـداد‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى الراضـي فأصعـد مـن المـاء إلى البر واستقدم تحكم من نصيبين واستعاد ناصر الدولة ديار ربيعة وهو يعلم بخبر ابن رائق‏.‏ وبعث في الصلح على تعجيل خمسمائة ألف فأجابه إلى ذلك‏.‏ وسار الراضي وتحكم إلى بغداد ولقيهم أبو جعفر محمـد بـن يحيـى بـن سريـق رسـولا مـن ابـن رائـق فـي الصلـح وعلـى أن يولـى ديار مضر‏:‏ وهيي حران والرهـا والرقـة‏.‏ وتضـاف إليهـا قنسريـن والعواصم فأجيب إلى ذلك‏.‏ وسار عن بغداد إلى ولايته ودخل الراضي وتحكم بغداد ورجع ناصر الدولة بن حمدان إلى الموصل‏.‏

  مسير المتقي إلى الموصل وولاية ناصر الدولة إمارة الأمراء

كان ابن رائق بعد مسيره إلى ديار مضر والعواصم سار إلى الشام وملـك دمشـق مـن يـد الأخشيد ثم الرملة‏.‏ ثم لقيه الأخشيد على عريش مصر وهزمه ورجع إلى دمشق ثم اصطلحا على أن يجعلا الرملة تخماً بين الشام ومصر وذلك سنة ثمان وعشرين‏.‏ ثم توفـي الراضي سنة تسع وعشرين وولي المتقى وقتل تحكم وجاء البريدي إلى بغداد وهرب الأتراك التحكميـة إلـى الموصـل وفيهـم تـوزون وجحجـح‏.‏ ثـم لحقـوا بأبـي بكـر محمـد بـن رائق واستحثوه إلى العـراق‏.‏ وغلب بعدهم على الخلافة الأتراك الديلمية وجاء أبو الحسن البريدي من واسط فأقام ببغداد أربعة وعشرين يوماً أمير الأمراء‏.‏ ثـم شغـب عليـه الجنـد فرجـع إلـى واسـط وغلـب كورتكين‏.‏ ثم حجر المتقي وكتب إلى ابن رائق يستدعيـه فسـار مـن دمشـق فـي رمضـان سنـة تسـع وعشريـن واستخلـف عليهـا أبـا الحسن أحمد بن علـي بـن حمـدان على أن يحمل إليه مائة ألف دينار وسار ابن رائق إلى بغداد وغلب كورتكين والديلمية حبس كورتكين بدار الخلافة‏.‏ ثم شغب عليه الجند وبعث أبو عبد الله البريدي أخاه أبـا الحسـن إلـى بغـداد فـي العساكـر فغلبـوا عليهـا وهـرب المتقـي وابنـه أبـو منصـور وزاد فـي المبـرة فنثر الدراهم على ابن الخليفة وبالغ في مبرته حتى ركب للإنصراف‏.‏ وأمسـك ابـن رائـق للحديث معه فأستدعاه المتقي وخلع عليـه ولقبـه ناصـر الدولـة وجعلـه أميـر الأمـراء‏.‏ وخلـع على أخيه أبي الحسن ولقبه سيف الدولة‏.‏ وكان قتل ابن رائق لتسع بقين من رجب وولاية ناصـر الدولـة مستهـل شعبـان مـن سنـة ثمانيـن‏.‏ ثـم سـار الأخشيـدي مـن مصـر إلـى دمشـق فملكها من يد عامل ابن رائق وسار ناصر الدولة مع المتقي إلى بغداد‏.‏ ولما قتل ابن رائق وأبو الحسن البريدي على بغداد وقد سخطه العامة والخاصة فهرب جحجح إلى المتقي وأجمع توزون وأصحابه إلى الموصل واستحثوا المتقي وناصر الدولة فانجدوهم إلى بغداد‏.‏ وولى على الخراج والضياع بديار مضرة وهي الرها وحران والرقة أبا الحسـن علـي بـن خلـف بن طياب وكان عليها أبو الحسن علي أحمد بن مقاتل من قبل ابن رائق فقاتله ابـن طيـاب وقتلـه‏.‏ ولمـا قـرب المتقـي وناصـر الدولـة مـن بغـداد هـرب أبـو الحسـن بـن البريـدي إلـى واسط بعد مقامه مائة يوم وعثرة أيام ودخل المتقي بغـداد ومعـه بنـو حمـدان وقلـد تـوزون شرطة جانبي بغداد وذلك فـي شـوال مـن السنـة‏.‏ ثـم سـار بنـو حمـدان إلـى واسـط فنـزل ناصـر الدولـة بالمدائن وبعث أخاه سيف الدولة إلى قتال البريدي وقد سار من واسط إليهم فقاتلوه تحت المدائن ومعهم توزون وجحجح والأتراك فانهزموا أولاً‏.‏ ثم أمدهم ناصر الدولة بمن كان معه من المدائن فانهزم البريدي إلى واسط وعاد ناصر الدولة إلى بغداد منتصف ذي الحجة وبين يديه الأسرى من أصحاب البريدي‏.‏ وأقام سيف الدولة بموضع المعركة حتى اندملت جراحه وذهب وهنه‏.‏ ثم سار إلى واسط فلحق البريدي بالبصرة واستولى على واسط فأقام بها معتزماً على أتباع البريدي إلى البصرة واستمد أخاه ناصر الدولة في المال فلم يمده وكان للأتراك عليه استطالة وخصوصاً توزون وحجحـج ثـم جـاء أبو عبد الله الكوفي بالمال من قبل ناصر الدولة ليفرقه في الأتراك فاعترضه توزون وجحجح وأراد البطش به فأخفاه سيف الدولة عنهما ورده إلى أخيه‏.‏ ثم ثار الأتراك بسيف الدولة سلخ شعبان فهرب من معسكره إلى بغداد ونهب سواده وقتل جماعة من أصحابه‏.‏ وكان أبو عبد الله الكوفي لما وصل إلى ناصر الدولة وأخبره خبر أخيه أراد أن يسيـر إلـى الموصل فركب المتقي إليه واستمهله وعاد إلى قصره فأغذ السير إلى الموصل بعـد ثلاثـة عشـر شهـراً مـن إمارتـه‏.‏ وثـار الديلـم والأتراك ونهبوا داره‏.‏ ولما هرب سيف الدولة من معسكره بواسط عاد الأتراك إلى معسكرهم وولوا طورون أميراً وجحجح صاحب جيـش ولحـق سيـف الدولـة ببغداد منتصف رمضان بعد مسير أخيه وبلغه خبر طورون‏.‏ ثم اختلف الأتراك وقبض تورون على جحجح وسمله وسار سيف الدولة ولحق بأخيه بالموصل وولى إمارة الأمراء ببغداد‏.‏

  خبر عدل التحكمي بالرحبة

كـان عـدل هـذا مولـى تحكـم ثم صار مع ابن رائق وأصعد معه إلى الموصل‏.‏ ولما قتل ابن رائق صـار في جملة ناصر الدولة بن حمدان فبعثه مع علي بن طياب إلى ديار مضر فاستولى ابن طياب عليها وقتل نائب ابن رائق‏.‏ وكان بالرحبة من ديار مضر رجل من قبل ابن رائق يقال مسافـر يـن الحسيـن فامتنـع بهـا وجبـى خراجهـا واستولى على تلك الناحية فأرسل إليه ابن طياب عدلا التحكمي فاستولى عليها وفر مسافر عنها‏.‏ واجتمع التحكمية إلى عدل واستولى على طريـق الفـرات وبعـض الخابـور‏.‏ ثـم استنصـر مسافـر بجمـع من بني نمير وسار إلى قرقيسيا وملكها وارتجعهـا عـدل مـن يـده‏.‏ ثـم اعتـزم عملـه على ملك الخابور وانتشر أهله ببني نمير فأعرض عدل عن ذلك حينا حتى أمنوا ثم أسرى إلى فسيح سمصاب وهي من أعظم قرى خابور فقاتلها ونقـب السور وملكها ثم ملك غيرها‏.‏ وأقام في الخابور ستة أشهر وجبى الأموال وقوي جمعه واتسعت حالـه‏.‏ ثـم طمـع فـي ملـك بنـي حمـدان فسـار يريـد نصيبيـن لغيبـة سيـف الدولـة عـن الموصـل وبلـاد الجزيـرة ونكـب عـن الرحبـة وحـران لـأن يأنـس المؤنسـي كـان بها في عسكر ومعه جمع من بني نمير فحاد عنها إلى رأس عيـن ومنهـا إلـى نصيبيـن وبلـغ الخبـر إلـى أبـي عبـد اللـه الحسيـن يـن سعيـد بـن حمـدان فجمـع وسـار إليـه فلمـا التقـى الجمعـان استأمـن من أصحاب عدل إلى ابن حمدان ولم يبق معه إلا القليل فقبض عليـه وسملـه وبعـث بـه مـع ابنـه إلـى بغـداد فـي آخـر شعبـان سنـة إحـدى وثلاثيـن ومائتين‏.‏

  مسير المتقي إلى الموصل وعوده

ولمـا انصرف ناصر الدولة وسيف الدولة من المتقي من بغداد جاء تورون من واسط واستولى علـى الدولـة ثـم رجـع إلـى واسـط ووقعـت بينـه وبيـن ابـن البريـدي بالبصـرة مواصلة وصهر استوحش لها المتقي‏.‏ وكان بعض أصحاب تورون منافراً له فأكثر فيه السعاية عند المتقي والوزير ابن مقلة وخوفهما اتصال يده بابن البريدي‏.‏ وقارن ذلك اتصال ابن شير زاده بتورون ومسيره إليه بواسط فذكروا الخليفه بما فعل ابن البريدي معه في المرة الأخرى وخوفوه عاقبة أمرهم فكتب إلـى ابـن حمـدان أن ينفـذ إليـه عسكـراً يسيـر صحبتـه إليهـم فأنفـذه مـع ابـن عمـه الحسيـن بن سعيد بن حمدان ووصلوا إلى بغداد سنة اثنتين وثلاثين وخرج المتقي معهم بأهله وأعيان دولته ومعه الوزير ابن مقلة وانتهى إلى تكريت فلقيه سيف الدولة هنالك‏.‏ وجـاء ناصـر الدولـة فأصعـد المتقـي إلـى الموصـل‏.‏ ولمـا بلـغ الخبـر إلى تورون سار نحو تكريت فلقيه سيف الدولة عندها فقاتله ثلاثة أيام‏.‏ ثم هزمه تورون ونهب سواده وسواد أخيه‏.‏ وسار سيـف الدولـة إلـى الموصـل وتـورون فـي أتباعـه فخـرج ناصر الدولة والمتقي وجملته إلى نصيبين ثم إلى الرقة ولحقهم سيف الدولة إليها‏.‏ وملك تورون الموصل وبعث إليـه المتقـي يعاتبـه علـى اتصاله بابن البريدي وأنه إنما استوحش من ذلك فإن آثر رضاه واصل ابن حمدان فأجاب تـورون إلـى ذلـك وعقـد الضمـان لناصـر الدولـة علـى مـا بيـده من البلاد لثلاث سنين كل سنة بثلاثة آلاف وستمائة ألف‏.‏ وعاد تورون إلى بغداد وأقام المتقي بالرقة‏.‏ ثم أحس من ابن حمدان ضجرا به وبلغ سيف الدولة أن محمد بن نيال الترجمان أغرى المتقي بسيف الدولة وهو الذي كـان أفسـد بيـن المتقـي وتـورون فقبـض عليـه سيف الدولة وقتله وارتاب المتقي بذلك فكتب إلى تورون يستصلحه‏.‏ وكتب إلى الأخشيد محمد بن طغج صاحب مصر يستقدمه فسار إليه الأخشيـد‏.‏ ولمـا وصـل إلـى حلـب وعليهـا مـن قبـل سيـف الدولة ابن عمهم أبو عبد الله سعيد بن حمدان فرحل عنها وتخلف عنه ابن مقاتل الذي كان بدمشق مع ابن رائق‏.‏ ولـم وصـل الأخشيـد إلـى حلـب لقيـه ابـن مقاتل فأكرمه واستعمله على خراج مصر‏.‏ ثم سار إلى المتقـي بالرقـة فلقيـه منتصـف ثلـاث وثلاثيـن فبالـغ المتقي في إكرامه وبالغ هو في الأدب معه وحمل إليـه الهدايـا والـى وزيـره وحاشيته وسأله المسير إلى مصر أو الشام فأبى فأشار عليه أن لا يرجع إلـى تـورون فأبى‏.‏ وأشار على ابن مقلة أن يسير معه إلى مصر ليحكمه في دولته وخوفه من تورون فلم يعمل وجاءهم رسل تورون في الصلح وأنهم استحلفوه للخليفة والوزير فانحدر المتقـي إلـى بغـداد آخـر المحـرم وعـاد الأخشيد إلى مصر‏.‏ ولما وصل المتقي إلى هيت لقيه تورون فقبـل الـأرض ورأى أنـه تحلل عن يمينه بتلك الطاعة‏.‏ ثم وكل به وسمل المتقي ورجع إلى بغداد فبايـع للمستكفـي‏.‏ ولمـا ارتحل المتقي عن الرقة ولى عليها ناصر الدولة ابن عمه أبا عبد الله بن سعيد بن حمدان وعلى طريق الفرات وديار مضر وقنسرين وجند والعواصم وحمص‏.‏ فلما وصل إلى الرقة طمع أهلها فيه فقاتلهم وظفر بهم ورجع إلى حلب وقد كان ولى على هذه البلاد قبله أبا بكر محمد بن علي بن مقاتل‏.‏

  استيلاء سيف الدولة علي حلب وحمص

ولما ارتحل المتقي من الرقة وانصرف الأخشيد إلى الشام بقي يأنس المؤنسي بحلب فقصـده سيـف الدولـة وملكهـا مـن يـده‏.‏ ثـم سـار إلـى حمص فلقيه بها كافور مولى الأخشيد فهزمه سيف الدولـة وسـار إلى دمشق فامتنعوا عليه فرجع‏.‏ وجاء الأخشيد من مصر إلى الشام وسار في أتباع سيف الدولة فاصطفا بقنسرين ثم تحاجزوا ورجع سيف الدولة إلى الجزيرة والأخشيد إلـى دمشـق‏.‏ ثـم سـار سيـف الدولة إلى حلب فملكها وسارت عساكر الروم إليها فقاتلهم وظفر بهـم‏.‏ ثـم بلـغ ناصـر الدولـة بـن حمدان ما فعله تورون من سمل المتقي وبيعة المستكفي فامتنع من حمل المال وهرب إليه غلمان تورون فاستخدمهم ونقض الشـرط فـي ذلـك‏.‏ وخـرج تـورون والمستكفـي قاصديـن الموصـل وتـرددت الرسـل بينهمـا فـي الصلـح فتـم ذلـك آخـر سنة ثلاث وثلاثين‏.‏ وعاد المستكفي وتورون إلى بغداد فتوفي تورون أثر عوده وولى الأمور بعده ابنه شيرزاده واستعمل على واسط قائداً وعلى تكريت آخر فأما الذي على واسط فكاتب معز الدولة ابن بويه واستقدمه فقدم بغداد واستولى على الدولة فخلع المستكفـي وبايـع للمطيـع‏.‏ وأمـا الفتنة بين ابن حمدان وابن بويه ولما خلع معز الدولة بن بويه المستكفي عند استيلائه على بغداد امتعض ناصر الدولة بن حمدان لذلك وسار من الموصل إلى العراق‏.‏ وبعث معز الدولة بن بويه قواده فالتقى الجمعان بعكبرا واقتتلوا وخرج معز الدولة مع المطيع إلى عكبرا وكان ابن شيرزاده ببغداد وأقام بها ولحـق بناصر الدولة بن حمدان‏.‏ وجاء بعساكره إلى بغداد فنزلوا بالجانب الغربي وناصر الدولة بالجانـب الشرقي ووقع الغلاء في معسكر معز الدولة والخليفة لانقطاع الميرة‏.‏ وبقي عسكر ابن حمـدان فـي رخـاء مـن العيـش لاتصال الميرة من الموصل‏.‏ واستعان ابن شيرزاده بالعامة والعيارين على حرب معز الدولة والديلم وضاق الأمر بمعز الدولة حتى اعتزم على الرجوع إلى الأهواز‏.‏ ثم أمر أصحابه بالعبور من قطربال بأعلى دجلة وتسابق أصحاب ناصر الدولة إلى مدافعتهم ومنعهم وبقي في خف من الناس فأجاز إليه شجعان الديلم من أقرب الأماكن فهزموه وملك معز الدولة الجانب الشرقي وأعاد المطيع إلى داره في محرم سنة خمس وثلاثين‏.‏ ورجع ناصر الدولـة إلـى عكبـرا‏.‏ وأرسـل فـي الصلـح فوقـف الأتـراك التورونيـة الذيـن معـه علـى خبـر رسالتـه فهموا بقتله فأغذ السير إلى الموصل ومعه ابن شيرزاده وأحكم الصلح مع معز الدولة‏.‏ استيلاء سيف الدولة على دمشق وفي سنة خمـس وثلاثيـن وثلاثمائـة توفـي الأخشيـد أبـو بكر محمد بن طغج صاحب مصر والشام فنصب للأمر بعده ابنه أبو القاسم أنوجور واستولى عليه كافور الأسود وخادم أبيه وسار بهما إلى مصر وجاء سيف الدولة إلى دمشق فملكها وارتاب به أهلها فاستدعوا كافـوراً فجاءهـم وخرج سيف الدولة إلى حلب ثم أتبعوه فعبر إلى الجزيرة وأقام أنوجور على حلب‏.‏ ثم اتفقوا واصطلحوا وعاد أنوجور إلى مصر وسيف الدولة إلى حلب وأقام كافور بدمشق قليلاً‏.‏ ثـم عـاد إلـى مصـر واستعمـل علـى دمشـق بـدراً الأخشيـد ويعـرف ببديـر‏.‏ ثـم عزلـه بعـد سنـة وولى أبا المظفر طغج‏.‏

  الفتنة بين ناصر الدولة ابن حمدان وبين تكين والأتراك

كان مع ناصر الدولة جماعة من الأتراك أصحاب تورون فروا إليـه كمـا قدمنـا فلمـا وقعـت المراسلة بينه وبين معز الدولة في الصلح ثاروا به وهرب منهم وعبر إلى الجانب الغربي ونزل الموصـل واستجـار القرامطـة فأجـاروه وبعثوا معه إلى مأمنه وفي جملته ابن شيرزاد فقبض ناصر الدولة عليه واجتمع الأتراك بعده فقدموا عليهم تكين الشيرازي وقبضوا على من تخلف من أصحاب ناصر الدولة وأتبعوه إلى الموصل فسار عنها إلى نصيبين ودخل الأتراك الموصـل‏.‏ وبعث ناصر الدولة إلـى معـز الدولـة يستصرخـه فبعـث إليـه بالجيـوش مـع وزيـره أبـي جعفـر الصيمـري‏.‏ وخـرج الأتـراك مـن الموصـل فـي أتبـاع ناصر الدولة إلى نصيبين فمضى إلى سنجار ثم إلـى الحديثـة ثـم إلـى السـن وهـم فـي أتباعـه‏.‏ وبقـي هنالـك العساكـر فقاتلوا الأتراك وهزموهم وسيق قائدهـم تكيـن إلى ناصر الدولة فسلمه لوقته ثم حبسه وسار مع الصيمري إلى الموصل فأعطاه ابن شيرزاد وارتحل به إلى بغداد‏.‏

  انتفاض جمان بالرحبة ومهلكه

كـان جمـان هـذا مـن أصحـاب تـورون وسـار إلـى ناصـر الدولـة بن حمدان فلما كان في محاربة معز الدولة ببغداد استراب بمن معه من الديلم وجمعهم على جمان هذا وأخرجه إلى الرحبة والياً فعظم أمره‏.‏ وانتقض سنة ست وثلاثين على ناصر الدولة وحدثته نفسه بالتغلب على ديار مضر فسار إلى الرقة وحاصرها سبعة عشر يوما وانهزم عنها‏.‏ ووثب أهل الرحبة بأصحابه وعماله فقتلوهم لسوء سيرتهم‏.‏ وجاء من الرقة فأثخن فيهم وبعث ناصر الدولة بن حمدان حاجبـه بـاروخ مع عسكر فاقتتلوا على الفرات وانهزم جمان فغرق في الفرات واستأمن أصحابه إلى باروخ فأمنهم ورجع إلى ناصر الدولة‏.‏ فتنة ناصر الدولة مع معز الدولة ثم وقعت الفتنة بين ناصر الدولة بن حمدان ومعز الدولة بن بويه وسار إليه معز الدولة من بغداد سنة سبع وثلاثين فسار هو من الموصل إلى نصيبين وملك معز الدولة الموصل فظلم الرعايا وأخذ أموالهم وأجمع الاستيلاء على بلاد ابن حمدان كلها فجاءه الخبـر بـأن عساكـر خراسان قصدت جرجان والري‏.‏ وبعث أخوه ركن الدولة يستمده فصالح ناصر الدولة عن الموصل والجزيرة والشام على ثمانية آلاف ألف درهم كل سنة وعلى أن يخطب له ولأخويـه عماد الدولة لركن الدولة وعاد إلى بغداد في ذي الحجة آخر سبع وثلاثين‏.‏

  غزوات سيف الدولة

كـان أمـر الثغـور راجعـاً إلـى سيـف الدولـة بـن حمـدان ووقـع الفـداء سنـة خمـس وثلاثيـن في ألفين من الأسـرى علـى يـد نصـر النملـي ودخل الروم سنة اثنتين وثلاثين مدينة واسرغين ونهبوها وسبوها وأقاموا بها ثلاثاً وهـم فـي ثمانيـن ألفـاً مـع الدمستـق‏.‏ ثـم سـار سيـف الدولـة سنـة سبـع وثلاثيـن غازيـاً إلى بلاد الروم فقاتلوه وهزموه‏.‏ ونزل الروم على مرعش فأخذوها وأوقعوا بأهل طرسوس‏.‏ ثم دخـل سنـة ثمـان وثلاثيـن وتوغـل فـي بلـاد الـروم وفتح حصوناً كثيرة وغنم وسبا‏.‏ ولما قفل أخذت الـروم عليـه المضايـق وأثخنـوا فـي المسلميـن قتـلا وأسـراً واستـردوا مـا غنمـوه‏.‏ ونجـا سيـف الدولة في فل قليل‏.‏ ثم ملك الروم سنة إحدى وأربعين مدينة سروج واستباحوها‏.‏ ثـم دخـل سيـف الدولـة سنـة ثلـاث وأربعين إلى بلاد الروم فأثخن فيها وغنم وقتل قسطنطين بن الدمستق فيمن قتل فجمع الدمشق عساكر الروم والروس وبلغار وقصـد الثغـور فسـار إليـه سيف الدولة بن حمدان والتقوا عند الحارث فانهزم الروم واستباحهم المسلمون قتلا وأسراً وأسر صهر الدمستق وبعض أسباطه وكثير من بطارقته ورجع سيف الدولة بالظفر والغنيمة ثـم دخـل بلاد الروم النصرانية ثم رجع إلى أذنة وأقام بها حتى جاءه نائبه على طرسوس فخلع عليه وعاد إلى حلب‏.‏ وامتعض الروم لذلك فرجعوا إلى بلادهم‏.‏ ثـم غـزا الـروم طرسوس والرها وعاثوا في نواحيها سبياً وأسراً ورجعوا‏.‏ ثم غزا سيف الدولة بلـاد الـروم سنـة ست وأربعين وأثخن فيها وفتح عدة حصون وامتلأت أيدي عسكره من الغنائم والسبي وانتهى إلى أسروشنة ورجع وقد أخذت الروم عليه المضايق فقال له أهل طرسوس‏:‏ ارجع معنا فإن الدروب التي دخلت منها قد ملكها الروم عليك فلم يرجع إليهم وكان معجباً برأيـه فظهـر الـروم عليـه فـي الـدرب واستـردوا مـا أخـذوا منهـم ونجـا فـي فـل قليل يناهزون الثلاثمائة‏.‏ ثم دخل سنة خمسين قائد من موالي سيف الدولة إلى بلاد الروم من ناحية ميافارقين فغنم وسبا وخرج سالماً‏.‏

  الفتنة بين ناصر الدولة ومعز الدولة بن بويه

قد تقدم لنا ما وقع من الصلح بين ناصر الدولة وبين معز الدولة بن بويه وطالبه في المال فانتقض‏.‏ وسار إليه معز الدولة إلى الموصل منتصف السنة وملكها وفارقها ناصر الدولة إلى نصيبين وحمل نوابه ومن يعرف وجوه المال وحمايته وأنزلهم في قلاعه مثل الزعفراني وكواشي ودس إلى العرب بقطع الميرة عن عسكر معز الدولة فضاقت عليهم الأقوات فرحل معز الدولة إلى نصيبين لما بها من الغرت السلطانية واستخلف سبكتكين الحاجب الكبير على الموصل‏.‏ وبلغه في طريقه أن أبا الرجاء وعبد الله ابني ناصر الدولة مقيمان بسنجار فقصدهما فهربا وخلفا أثقالهما وانتهب العسكر خيامهما‏.‏ ثم عادا إلى معسكر معز الدولة وهم غازون فنالوا منهـم ورجعـوا إلـى سنجار‏.‏ وسار معز الدولة إلى نصيبين ففارقها ناصر الدولة إلى ميافارقين واستأمن كثير من أصحابه إلى معز الدولة فسار ناصر الدولة إلى أخيه سيف الدولة بحلب فقام بخدمته وباشرها بنفسه‏.‏ وأرسل إلى معز الدولة في الصلح بينه وبين أخيه فامتنع معز الدولـة مـن قبـول ناصـر الدولـة لانتقاضـه وإخلافـه فضمن سيف الدولة البلاد بألفي ألف وتسعمائـة ألـف درهـم وأطلـق معـز الدولـة أسـرى أصحابهـم‏.‏ وتـم ذلـك فـي محـرم سنة ثمان وأربعين ورجع معز الدولة إلى العراق وناصر الدولة إلى الموصل‏.‏

  استيلاء الروم على عين زربة

ثم علي مدينة حلب وفـي المحـرم مـن سنـة إحـدى وخمسين نزل الدمستق في جموع الروم على عين زربة وملك الجبل المطل عليها وضيق عليها حصارها ونصب عليها المنجنيقات‏.‏ وشرع في النقب فاستأمنوا ودخل المدينة‏.‏ ثم ندم على تأمينهم لما رأى من اختلال أحوالهم فنادى فيهم أن يخرجوا بجميع أهاليهـم إلـى المسجـد فمـات منهـم فـي الأبـواب بكـض الزحـام خلـق ومات آخرون في الطرقات وقتل مـن وجـدوا آخـر النهـار‏.‏ واستولـى الروم على أموالهم وأمتعتهم وهدموا سور المدينة وفتحوا في نواحي عين زربة أربعة وخمسين حصناً ورحل الدمستق بعد عشرين يوماً بنية العود وخلف بجيشـه بقيساريـة‏.‏ وكـان ابـن الزيـات صاحب طرسوس قد قطع الخطبة لسيف الدولة بن حمدان واعترضه الدمستق في بعض مذاهبه فأوقع به وقتل أخاه وأعاد أهل البلد الخطبة لسيف الدولة وألقى ابن الزيات نفسه في النهر فغرق‏.‏ ثـم رجـع الدمستـق إلـى الثغـور وأغـذ السيـر إلـى مدينـة حلـب وأعجـل سيـف الدولـة عـن الاحتشاد فقاتله في خف من أصحابه فانهزم سيف الدولـة واستلحـم آل حمـدان واستولـى الدمستق على ما في داره خارج حلب من خزائن الأموال والسلاح‏.‏ وخرب الـدار وحصـر المدينة وأحس أهل حلب مدافعته فتأخر إلى جبل حيوش‏.‏ ثم انطلقت أيدي الدعار بالبلد على النهـب وقاتلهـم النـاس علـى متاعهـم وخربـت الأسـوار لخلوهـا مـن الحاميـة فجـاء الـروم ودخلوهـا عليهـم‏.‏ وبـادر الأسـرى الذيـن كانـوا فـي حلب وأثخنوا في الناس وسبي من البلد بضعة عشر ألفاً ما بين صبي وصبية‏.‏ واحتمل الروم ما قدروا عليه وأحرقوا الباقي‏.‏ ولجأ المسلمون إلى قصبة البلد فامتنعوا بها وتقدم ابن أخت الملك إلى القلعة يحاصرهـا فرمـي بحجـر منجنيـق فمـات‏.‏ وقتـل الدمستـق بـه مـن كان معه من أسرى المسلمين وكانوا ألفاً ومائتين‏.‏ وارتحل الدمستق عنهم ولم يعرض لسواد حلب‏.‏ وأمرهم بالعمارة على أنه يعود ابن عمه عن قريـب فخيـب اللـه ظنـه‏.‏ وأعـاد سيـف الدولـة عين زربة وأصلح أسوارها وغزا حاجبه مع أهل طرسـوس إلـى بلـاد الـروم فأثخنوا فيها ورجعوا فجاء الروم إلى حصن سبة فملكوه وملكوا أيضاً حصـن دلوكـة وثلاثـة حصـون مجـاورة لهـم‏.‏ ثـم سـار نجـا غلـام سيف الدولة إلى حصن زياد فلقيهم جمـع مـن الـروم فانهـزم الـروم وأسـر منهـم خمسمائة رجل‏.‏ وفي السنة أسر أبو فراس بن سعيد بن حمدان وكان عاملا على منبج‏.‏ وفيها سار جيش من الروم في البحر إلى جزيرة اقريطش وبعـث إليهـم المعـز بالمـدد فأسـر الـروم وانهـزم مـن بقـي منهـم‏.‏ ثـم ثـار الـروم فـي اثنتيـن وخمسيـن بعدهـا بملكهم فقتلوه وملكوا غيره وصار ابن السميسرة دمستقاً‏.‏

  انتقاض أهل حران

كان سيف الدولة قد ولى هبة الله ابن أخيه ناصر الدولة غيرها من ديار مضر فساء أثره فيهم وطرح الأمتعة على التجار وبالغ في الظلم فانتظروا به غيبته عند عمه سيف الدولة وثاروا بعماله ونوابه فطردوهم فسار هبة الله إليهم وحاصرهم شهريـن وأفحـش فـي القتـل فيهم‏.‏ ثم سار سيف الدولة فراجعوا الطاعة وداخلوا هبة الله وأفحش في القتل واستقاموا‏.‏

  انتقاض هبة الله

وفي هذه السنة بعث سيف الدولة الصوائف إلى بلاد الروم فدخل أهل طرسوس من درب ومولاه نجا من درب وأقام هو ببعض الدروب لأنه كان أصابه الفالج قبل ذلك بسنتين فكان يعاني منه شدة إذا عاوده وجعه‏.‏ توغل أهله طرسوس في غزوتهم وبلغوا قونية عادوا فعاد سيـف الدولـة إلـى حلـب واشتد وجعه فأرجف الناس بموته فوثب هبة الله ابن أخيه وقتل ابن دنجـا النصرانـي مـن غلمـان سيـف الدولة‏.‏ ولما تيقن حياة عمه رحل إلى حران وامتنع بها وبعث سيـف الدولـة غلامـه فجـاء إلـى حـران فـي طلبـه فلحـق هبـة اللـه بأبيـه بالموصـل ونـزل نجـا علـى حران آخر شوال من سنة اثنتين وخمسين وصادر أهلها على ألف ألف درهم وأخذها منهم في خمسة أيام بالضرب والنكال وباعوا فيها ذخائرهم حتى أملقوا وصاروا إلى ميافارقين ونزلها شاغرة فتسلط العيارون على أهلها‏.‏ ولما فعل نجا بأهل حران ما فعل واستولى على أموالهم فقوي بها وبطر وسار إلى ميافارقين وقصـد بلـاد أرمينيـة‏.‏ وكـان قـد استولـى علـى أكثرهـا رجـل فـي العـراق يعـرف بأبـي الـورد فغلبـه نجا علـى ما ملك منها وأخذ قلاعه وبلاده فملك خلاط وملاذكرد وأخذ كثيراً من أموال أبي الورد وقتلـه ثـم انتقـض علـى سيـف الدولـة‏.‏ واتفـق أن معـز الدولـة ابـن بويـه استولـى على الموصل ونصيبين فكاتبه نجا يعده المساعدة على بني حمدان‏.‏ ثم صالحه ناصر الدولة ورجع إلى بغداد فسار سيـف الدولـة إلـى نجا فهرب منه بين يديه واستولى على جميع البلاد التي ملكها من أبي الورد واستأمـن إليـه نجـا وأخـوه وأصحابـه فأمنهـم وأعـاد نجـا إلـى مرتبتـه‏.‏ ثـم وثـب عليـه غلمانه وقتلوه في داره بميافارقين في ربيع سنة ثلاث وخمسين‏.‏

  مسير معز الدولة إلى الموصل وحروبه مع ناصر الدولة

كان الصلح قد استقر بين ناصر الدولة ومعز الدولة على ألف ألف درهم في كل سنة‏.‏ ثم طلـب ناصـر الدولـة دخـول ولـده أبـي ثعلـب المظفـر فـي اليمن على زيادة بذلها وامتنع سيف الدولة من ذلك وسار إلى الموصل منتصف سنة ثلاث وخمسين‏.‏ ولحق ناصر الدولة بنصيبين وملك معـز الدولـة الموصـل وسـار عنهـا فـي أتبـاع ناصـر الدولـة بعد أن استخلف على الموصل في الجباية والحرب فلم يثبت ناصر الدولة وفارق نصيبين وملكها معز الدولة‏.‏ وخالفه أبو ثعلـب إلـى الموصل وعاث في نواحيها وهزمه قواد معز الدولة بالموصل فسكنت نفس معز الدولة‏.‏ وأقام ببرقعيد يترقب أخباره وخالف ناصر الدولة إلى الموصل فأوقع بأصحابه وقتلهم وأسر قواده واستولى على مخلفه من المال والسلاح‏.‏ وحمل ذلك كله إلي قلعة كواشي‏.‏ وبلغ الخبر إلى معز الدولـة فلحـق بالنـواب وأعيـا معـز الدولـة أمرهـم‏.‏ ثم أرسلوا إليه في الصلح فأجاب وعقد لناصر الدولة على الموصل وديار ربيعة وجميع أعماله بمقرها المعلوم وعلى أن يطلق الأسـرى الذيـن عنده من أصحاب معز الدولة إلى بغداد‏.‏

  حصار المصيصة وطرسوس واستيلاء الروم عليها

وفي سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة خرج الدمستق في جموع الـروم فنـازل المصيصـة وشـدد حصارها وأحرق رساتيقها وبلغ إلى نقب السور فدافعه أهلها أشد مدافعتهم‏.‏ ثم رحل إلى أذنة وطرسوس وطال عيشه في نواحيها وأكثر القتل في المسلمين وغلت الأسعار في البلاد وقلت الأقوات‏.‏ وعاود سيف الدولة مرض فمنعه من النهوض إليهم وجاء من خراسان خمسة آلاف رجل غزاة فبلغوا إلى سيف الدولة فارتحل بسببهم للمدافعة فوجد الروم انصرفوا ففرق هؤلاء الغزاة في الثغور من أجل الغلاء وكان الروم قد انصرفوا بعد خمسة عشر يوماً‏.‏ وبعث الدمستق إلى أهل المصيصة وأذنة وطرسوس يتهددهم بالعود ويأمرهم بالرحيل من البلاد‏.‏ ثـم عـاد إليهـم وحاصـر طرسـوس فقاتلهـم أشـد قتـال وأسـروا بطريقـاً مـن بطارقتـه وسقط الدمستـق إلى أهل المصيصة ورجعوا إلى بلادهم‏.‏ ثم سار يعفور ملك الروم من القسطنطينية سنة أربع وخمسين إلى الثغور وبنى بقيسارية مدينة ونزلها وجهز عليها العساكر وبعث أهل المصيصة وطرسوس في الصلح فامتنع وسار بنفسه إلى المصيصة فدخلها عنوة واستباحها ونقـل أهلهـا إلـى بلـاد الـروم وكانـوا نحـواً مـن مائتـي ألـف‏.‏ ثـم سار إلى طرطوس واستنزل أهلها على الأمان وعلى أن يحملوا من أموالهم وسلاحهم ما قدروا عليه وبعث معهم حامية مـن الـروم يبلغونهـم أنطاكيـة وأخـذ فـي عمـارة طرسـوس وتحصينهـا وجلـب الميـرة إليهـا‏.‏ ثـم عاد إلى القسطنطينية وأراد الدمشق بن شمسيق أن يقصد سيف الدولة في ميافارقين ومنعه الملك من ذلك‏.‏

  انتقاض أهل أنطاكية وحمص

ولمـا استولـى الـروم علـى طرطـوس لحـق الرشيـق النعيمـي مـن قوادهـم وأولـي الرأي فيهم بإنطاكية في عدد وقوة فاتصل به ابن أبي الاهوازي من الجباة بإنطاكية وحسن له العصيان وأراه أن سيف الدولـة بميافارقيـن عاجـز عـن العـود إلـى الشام بما هو فيه من الزمانة وأعانه بما كان عنده من مال الجبـاة فأجمـع رشيـق الانتقـاض وملـك أنطاكيـة وسـار إلـى حلـب وبهـا عرقوبـة وجـاء الخبر إلى سيف الدولة بأن رشيقاً أجمع الإنتقاض ونجا ابن الأهوازي إلى أنطاكية فأقام في إمارتها رجلا من الديلم اسمه وزير ولقبه الأمير وأوهم أنه علوي وتسمى هو بالأشاد وأساء السيرة في أهل أنطاكية وقصدهم عرقوبة من حلب فهزموه‏.‏ ثم جاء سيف الدولة من ميافارقين إلى حلب وخرج إلى أنطاكية وقاتل وزيراً وابن الأهوازي أياما‏.‏ وجيء بهمـا إليـه أسيريـن فقتـل وزيـراً وحبـس ابـن الأهـوازي أيامـاً وقتلـه وصلـح أمـر أنطاكية‏.‏ ثم ثار بحمص مروان القرمطي كان من متابعة القرامطة وكان يتقلد السواحل لسيف الدولـة فلمـا تمكـن ثـار بحمـص فملكهـا وملـك غيرهـا في غيبة سيف الدولة بميافيارقين وبعث إليه عرقوبـة مولاه بدراً بالعساكر فكانت بينهما عدة حروب أصيب فيها مروان بسهم فأثبت وبقي أيامـاً يجـود بنفسـه والقتـال بيـن أصحابـه وبيـن بدر وأسر بدر في بعض تلك الحروب فقتله مروان وعاش بعده أياماً ثم مات وصلح أمرهم‏.‏

  خروج الروم إلى الثغور واستيلاؤهم على دارا

وفي سنة خمس وخمسين خرجت جموع الروم إلى الثغور فحاصروا آمد ونالوا من أهلها قتلا وأسراً فامتنعت عليهم فانصرفوا إلى دارا قريباً من ميافارقين فأخذوهـا وهـرب النـاس إلـى نصيبيـن وسيـف الدولـة يومئـذ بها فهم بالهروب وبعث عن العرب ليخرج معهم ثم انصرف الروم وأقام هو بمكانه وساروا إلى أنطاكية فحاصروها مدة وعاثوا في جهاتها فامتنعت فعاد الروم إلى طرسوس‏.‏

  وفاة سيف الدولة ومحبس أخيه ناصر الدولة

وفـي صفـر مـن سنـة خمـس وخمسيـن توفـي سيـف الدولـة أبـو الحسـن علـي بـن أبـي الهيجـاء عبـد الله بن حمـدان بحلـب وحمـل إلـى ميافارقيـن فدفـن بهـا وولـي مكانـه بعـده ابنـه أبـو المعالـي شريـف‏.‏ ثـم فـي جمادى الأولى منها حبس ناصر الدولة أخوه بقلعة الموصل حبسه ابنه أبو ثعلب فضل الله الغضنفر‏.‏ وكان كبير ولده وكان سبب ذلك أنه كبر وساءت أخلاقه وخالف أولاده وأصحابه فـي المصالح وضيق عليهم فضجروا منه ولما بلغهم معز الدولة بن بويه اعتزم أولاده على قصد العراق فنهاهم ناصر الدولة وقال لهم‏:‏ اصبروا حتى ينفق بختيار ما خلف أبوه معز الدولة من الذخيـرة فتظفـروا بـه وإلا استظهـر عليكـم وظفر بكم فلجوا في ذلك ووثب به أبو ثعلب بموافقة البطانة وحبسه بالقلعة ووكل بخدمته‏.‏ وخالفه بعض إخوته في ذلك واضطرب أمره واضطر إلى مداراة بختيار بن معز الدولة وأرسل له في تجديد الضمان ليحتج به على إخوته فضمنه بألفي ألف درهم في كل سنة‏.‏ ولما مات سيف الدولة كما ذكرناه ولي بعده ابنه أبو المعالي شريف وكان سيف الدولة قد ولـى أبـا فـراس بـن أبـي العـلاء سعـد بـن حمـدان عندمـا خلصـه مـن الأسـر الـذي أسـره الـروم في منبج فاستفداه في الفداء الذي بينه وبين الروم سنة خمس وخمسين وولاه على حمص‏.‏ فلما مات سيـف الدولـة استوحـش مـن أبـي المعالـي بعـده ففـارق حمـص ونـزل فـي صدد قرية في طرف البرية قريبـاً مـن حمص فجمع أبو المعالي الأعراب من بني كلاب وغيرهم وبعثهم مع عرقوبة في طلبه فجاء إلى صدد واستأمن له أصحاب أبي فراس وكان في جملتهم فأمر به عرقوبـة فقتـل واحتمل رأسه إلى أبي المعالي وكان أبو فراس خاله‏.‏