فصل: ملوك العجم القائمين بالدعوة العباسية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  تغلب علي بن دبيس على الحلة وملكه إياها من أخيه محمد

ثم خرج على السلطان مسعود سنة ست وأربعين بوزاية صاحب فارس وخوزستان وبايع للسطان محمد ابن السلطان محمود وسار معهم عباس صاحب الري وملكوا كثيراً من البلاد فسار السلطان مسعود إليهم من بغداد واستخلف بها الأمير مهلهل بن أبـي العسكـر ونظـر الخادم وأشار مهلهل على السلطان مسعود عند رحيله من بغداد أن يحبس علي بن دبيس بقلعة تكريـت‏.‏ ونمـي إليـه الخبـر فهـرب فـي نفـر قليـل ومضـي إلـى بنـي أسـد فجمعهـم فسـار إلـى الحلـة فبرز إليه محمداً أخوه فهزمه علي وملك الحلة وإستهان السلطان أمره أولاً فاستفحل وضم إليه جمعاً من غلمانه وغلمان أبيه وأهل بيته وعساكرهم وكثر جمعهم فسار إليه مهلهل فيمن معه في بغداد من العسكر وضربوا عليه مصافاً وكسرهم وعادوا منهزمين إلى بغداد‏.‏ وكان أهلها يتعصبون لعلي بن دبيس فكانوا يعيطون إذا ركب مهلهل أو بعض أصحابه يا علي كله فكثر ذلك منهم بحيث إمتنع مهلهل من الركوب ويد علي فوق كل يد في أوضـاع الأمـراء بالحلـة وتصرف فيها‏.‏ وصار شحنه بغداد ومن فيها على وجل منه ووضع الخليفة الحامية على الأسوار وأرسل إلى علي يحضه على الإستقامة فأجاب بالآمال والطاعة فسكن الناس‏.‏ أخذ السلطان الحلة من يد علي وعوده إليها كـان علـي بن دبيس كثير العسف بالرعية والظلم لهم وإرتفعت شكوى الرعية به إلى السلطان مسعود سنة إثنتين وأربعين فأشكاهم وأقطع الحلة سلاركرد فسار إليها من همذان‏.‏ وجمع عسكراً من بغداد وقصد الحلة وإحتاط على أهل علي وأقام بالحلة في مماليكه وأصحابه‏.‏ ورجعـت عنـه العساكـر ولحـق علـي بـن دبيـس بالتقشكنجـر وكـان فـي إقطاعـه باللحـف متجنياً على السلطـان مسعـود فإستنجـده علـي فأنجـده وسـار معـه إلـى واسـط وسـار معهمـا الطرنطـاي صاحـب واسـط فانتزعـوا الحلـة مـن سلاركـرد ورجـع إلـى بغـداد آخـر إثنتيـن وأربعيـن وإستولى علي على الحلة‏.‏ نكبة علي بن دبيس ثم إنتقض علي السلطان مسعود سنة أربع وأربعيـن جماعـة مـن الأمـراء‏:‏ منهـم التقشكنجـر الطرنطاي وعلي بن دبيـس وبايعـوا ملـك شـاه ابـن السلطـان محمـود وسـاروا بـه إلـى العـراق وراسلوا المقتفي في الخطبة له فامتنع وجمع العساكر وحصن بغداد‏.‏ وأرسل إلى السلطان مسعود بالخبـر فشغـل عنهـم بلقـاء عمـه السلطـان سنجـر كـان سـار إليـه بالـري‏.‏ ولمـا علـم التقشكنجـر بذلـك نهـب النهـروان وقبـض علـى علي بن دبيس وهرب الطرنطاي إلى النعمانية‏.‏ ثم وصـل السلطان مسعود إلى بغداد فرحل التقشكنجر من النهروان وأطلق علي بن دبيس فسار إلى السلطان مسعود فلقيه ببغداد وإستعطفه فرضي عنه‏.‏ ثـم توفـي علـي بـن دبيـس صاحـب الحلـة عليلاً بسعد إباد وإتهم طبيبه محمد بن صالح بالإدهان فيـه فمـات بعـده بقليـل‏.‏ ثم مات السلطان مسعود آخر ملوك السلجوقية الأعاظم وبويع ملك شاه ابـن أخيـه محمـود بعهـده‏.‏ وإستبـد المقتفـي على ملوك السلجوقية بعده‏.‏ وبعث السلطان ملك شاه سلاركـرد إلـى الحلة فملكها ولحق به مسعود بلاك شحنة بغداد هرب منها عند موت السلطان مسعود وأظهر لسلاركرد الوفاق‏.‏ ثم قبض عليه وغرقه وإستبد بالحلة وبعث المقتفـي إليـه العساكر مع الوزير عون الدين بن هبيرة فبرز مسعود بلاك للقائهم فانهزم وعاد إلى الحلة فمنعه أهلها من الدخول فسار إلى تكريت وملك ابن هبيرة الحلة وبعث العساكر إلى الكوفة وواسط فملكوهـا‏.‏ ثـم جاءت عساكر السلطان ملك شاه إلى واسط وخرجت منها عساكر المقتفي إلى واسط فملكها ثم إلى الحلة كذلك‏.‏ ثم عاد إلى بغداد آخر ذي القعدة سنة سبع وأربعين‏.‏ ثم قبض الأمراء على مالك شاه سنة ثمان وأربعين وبايعوا لأخيه محمد وطلب الخطبة من المقتفـي فمنـع منهـا فسـار السلطان محمد بن محمود إلى العراق سنة إحدى وخمسين‏.‏ وإضطرب النـاس ببغداد وإهتم المقتفي بالإحتشاد وجاءته عساكر واسط‏.‏ وبعث السلطان مهلهل بن أبي العسكر إلى الحلة فملكها وحاصر السلطان محمد بغداد سنة إثنتين وخمسين وإمتنعت عليه فرجع وتوفي المقتفي سنة خمس وخمسين وبويع ابنه المستنجد وإستبد بأمره كما كان أبوه‏.‏ ومنـع خطبـة السلجوقيـة مـن بغـداد وكـان في نفسه شيء من بني أسد لإجلابهم على بغداد مع مهلهل بن أبي العسكر أيام حصار السلطان محمد لها فأمر بردن بن قماج بقتالهم وإجلائهم وكانـوا منتشرين في البطائح ولا يقدر عليهم وجمع عساكره وبعث عن ابن معروف مقدم المنتفق من أرض البصرة فجاءه في جمع كبير وحاصرهم حتى إنحسر الماء عنهم‏.‏ وأبطأ أمرهم على المستنجـد فبعـث إلـى بـردن يعاتبه وينسبه إلى موافقتهم في التشيع فجهد هو وابن معروف في قتالهم وسد مسالكهم في الماء وإستسلموا فقتل منهم أربعة آلاف ونودي عليهم بالجلاء من الحلة فافترقوا في البلاد ولم يبق منهم بالعراق من يعرف وسلمت بطائحهم وبلادهم إلى ابن معروف والمتقي وإنقرضت دولة بني مزيد والبقاء لله‏.‏

  ملوك العجم القائمين بالدعوة العباسية

الخبر عن ملوك العجم القائمين بالدعوة العباسية في ممالك الإسلام والمستبدين على الخلفاء ونبدأ منهم أولاً بدولة أبن طولون بمصر وبداية أمرهم ومصائر أحوالهم قد تقدم لنا عند ذكر الفتوحات فتح مصر على يد عمرو بن العاص سنة عشرين من الهجرة فـي خلافـة عمـر بـن الخطـاب رضـي اللـه عنـه بإذنـه وولـاه عليها وأفتتح ما وراءها في المغرب إلى طرابلس وودان وغذامس حسبماً ذلك مذكور هنالك‏.‏ وأقام عمرو في ولايتها أيام عمر كلها‏.‏ وولي عثمان على الصعيد عبد الله بن أبي سرح وأفردها بالولاية وكان يعدو على عمرو فغضب عمرو وأبى من الرجوع إلى ولاية مصر فضمها عثمان لعبد الله بن أبي سرح وولاه عليهـا‏.‏ وكانـت فـي أيامـه غزوة الصوارى و جائت مراكب الروم من القسطنطينية في ألف مركب ونزلوا بسواحـل الإسكندريـة‏.‏ وإنتقـض أهـل القـرى ورغـب أهـل الإسكندريـة مـن عثمـان أن يمدهم بعمرو بن العاص فبعثه وزحف إليهم في العرب ومعه المقوقس في القبط وخرجوا من البحر ومعهم من إنتقض من أهل القرى ففتح الله على المسلمين وهزموا الروم إلى الإسكندرية‏.‏ وأمضى عمرو في قتلهم ورد على أهل القرى ما غنم المسلمون منهم وعذرهم بالإكراه ورجع إلـى المدينـة‏.‏ وأقـام عبـد اللـه فـي ولايتهـم وغـزا إفريقيـة وإفتتحها‏.‏ ثم غزا بلد النوبة ووضع عليهم الجزية المعروفة الباقية على الأيام وذلك سنة إحدى وثلاثين‏.‏ وثم كان من بعد ذلك يبعث معاويـة بـن خديـج فيفتـح ويثخـن إلـى أن إستملـك فتـح إفريقيـة‏.‏ ووفـد علـى عثمـان آخر أيامه عندما اهتاجـت الفتنـة وكثـر الطعن عليه من جماعة جند مصر يتعللون بالشكوى من ابن أبي سرح مع وفـد مـن الجنـد شاكيـن مـن عمالهـم بالأمصـار‏.‏ وعزلـه عثمان يسترضيهم به فكانت قضية الكتاب المنسوب إلى مروان وحصارهم عثمان بداره‏.‏ وخـرج عبـد اللـه مـن مصـر مـدداً لعثمـان فخالفـه محمـد بـن أبـي حذيفة بن عتبة بن ربيعة إلى مصر وإنتزى بها‏.‏ ورجع عبد الله من طريقه فمنعه الدخول فسار إلى عسقلان وأقام بها حتى قتل عثمـان‏.‏ ثـم سـار إلـى الرملـة وكانـت مـن مهماتـه فأقـام بهـا هربا من الفتنة حتى مات ولم يبايع علياً ولا معاويـة‏.‏ ثـم قتـل عمـرو بـن العـاص محمـد بـن أبـي حذيفـة وفـي كيفيـة قتلـه إيـاه اضطـراب‏.‏ ثـم ولي علـي علـى مصـر قيس بن سعد بن عبادة وكان ناصحاً له شديدأ على عدوه وإستماله معاوية فـي الـرد عليـه‏.‏ وأشـاع معاويـة خلـاف ذلـك عنـه فعزلـه علـي من أجل ذلك وولي بعد ذلك الأشتر النخعـي وإسمـه مالـك بـن الحـارث بـن يغـوث بـن سلمـة بـن ربيعة بن الحارث بن خزيمة بن سعد بن مالـك بـن النخـع‏.‏ وسـار إليها فمات بالقلزم قريبأ منها سنة سبع وثلاثين فولي علي مكانه محمد بن أبي بكر وكان نشأ في حجره‏.‏ ثم بعث معاوية إلى عمـرو بـن العـاص وهـو بفلسطيـن قـد إعتـزل النـاس بعـد مقتـل عثمـان وإستماله وإجتمع معه على قتال علي وولاه مصر فسار إليها بعد إنقضاء أمر صفين وأمر الحكمين‏.‏ وطلب معاوية الخلافة وقد اضطرب الأمر على محمد ابن أبي بكر وخرج عليه معاوية بن خديـج السكونـي مـع جماعـة مـن العثمانيـة بنواحـي مصـر فكاتـب عمـرو العثمانيـة وسرح الكتائب إلى مصر وفي مقدمتها معاوية بن خديج فهزموا عساكر محمد وإفترق عنه أصحابه وقتل كما هو معروف في أخباره ودخل عمرو بن العاص الفسطاط وملك مصر إلى سنـة ثلـاث وأربعيـن فتوفـي وملـك مكانـه ابنـه عبـد الله‏.‏ ثم عزله معاوية وولي أخاه عتبة بن أبي سفيـان وتوفي سنة أربـع وأربعيـن وولـي مكانـه عقبـة بـن عامـر الجهنـي ثـم عزله سنة سبع وأربعين وولي مكانه معاوية بن خديج‏.‏ ثـم إقتطـع عنـه إفريقية سنة خمسين وولي عليها عقبة بن نافع ثم جمع مصر وإفريقية لمسلمة بن مخلـد الأنصـاري فبعـث مسلمـة على إفريقية مولاه أبا المهاجر وأساء عزل عقبة كما هو معروف‏.‏ ثـم مـات معاويـة وولـي ابنـه يزيـد وإضطربـت الأمـور وبويع عبد الله بن الزبير بمكة وإنتشرت دعوته في الممالك الإسلامية فبعث على مصر عبد الرحمن بن جحدم القرشي وهو عبد الرحمن بن عقبة بن أياس بن الحارث بن عبد بن أسد بن جحدم الفهري ثم بويع مروان وإنتقض ابن الزبير وسار مروان إلى مصر فأخرج منها عبد الرحمن بن جحدم وولي عليها عمر بن سعيد الأشدق ثم بعثه للقاء مصعب بالشام وولي مكانه على مصر ابنه عبد العزيز بن مروان‏.‏ ثم هلـك سنـة خمـس وكـان مـروان قـد مات فولي مكانه ابنه عبد الله بن عبد الملك ثم عزله الوليد سنة تسع وثمانين وولي عليها مرة بن شريك بن مرثد بن الحارث العبسي ومات سنة خمس وتسعيـن فولـي الوليـد مكانـه عبـد اللـه بـن رفاعـة سنـة تسـع وتسعيـن وكـان قـد إستخلفـه عنـد موته‏.‏ ويقال بل ولي قبله أسامة بن زيد التنوخي‏.‏ ثم عزل عمر بن عبد العزيز عبد الملك بن رفاعة سنة تسع وتسعين وولي مكانه أيوب بن شرحبيـل بـن أكـرم بـن أبرهـة بـن الصبـاح الأصبحـي‏.‏ ثـم عزلـه يزيـد بـن عبـد الملـك وولي مكانه بشد بن صفوان وأقره يزيد ثم عزله هشام بن عبد الملك وولي عبد الملك ابن رفاعة وتوفي بعد خمس عشرة ليلة وإستخلف أخاه الوليد بن رفاعة‏.‏ وأقره هشام فأقام سبعة أشهر ثم عزله وولـي حنظلـة بـن صفـوان فـي المحرم سنة أربع وعشرين وأقره هشام ثم إستعفى مروان بن محمد حين ولـي فأعفـاه وولـي مكانـه حسـان بـن عتامـة بـن عبـد الرحمـن السجينـي وكـان بالشـام فإستخلـف حميـر بن نعيم الحصري بمصر‏.‏ ثم قدم ورفض ولايتها فولي مكانه حفص بن الوليد لستة عشر يوماً عن ولايته‏.‏ وبقي حفص شهرين ثم ولي مروان الحوثرة بن سهل بن العجلان الباهلي في محـرم سنـة ثمـان وعشريـن‏.‏ ثـم صـرف عنهـا فـي رجـب سنـة إحـدى وثلاثيـن وولـي المغيـرة بن عبد الله بن مسعود الفزاري‏.‏ ثم مات في جمادي سنة ست وثلاثين وإستخلف ابنه الوليد‏.‏ وولي مروان بن عبد الملك موسـى بـن نصيـر فأمـر بإتخـاذ المنابـر فـي الكـور وإنمـا كانـوا يخطبـون علـى العصـي‏.‏ ثـم قـدم مروان بن محمـد إلـى مصـر وكـان فيهـا مهلكـه كمـا هـو معـروف‏.‏ ثـم جـاءت الدولة العباسية فولي السفاح على مصـر عمـه صالـح بـن علـي سنـة أربـع وثلاثيـن ومائـة وبقيـت في ولايته يستخلف عليها فاستخلف أولاً محصـن بـن فانـي الكنـدي ثمانيـة أشهـر ثـم أبا عون عبد الملك بن يزيد مولى مناه ثمانية أشهر‏.‏ وولـي داود بـن يزيـد بـن حاتـم بـن قبيصـة محـرم سنـة أربـع وسبعين‏.‏ ثم عزله في محرم سنة خمس وسبعيـن لسنـة مـن ولايتـه وأعـاد إليهـا موسـى بـن عيسـى‏.‏ ثـم صرفـه فـي ربيع سنة ست وسبعين وولـي ابـن عمـه إبراهيـم بـن صالـح وتوفـي لثلاثـة أشهـر مـن ولايتـه وقام بالأمر بعده ابنه صالح فولي الرشيد عبد الله بن المسيب بن زهير الضبي في رمضان سنة ست وسبعين‏.‏ ثـم عزلـه بعـد الحـول وولـي هرثمـة بـن أعيـن ثـم أمـره بالمسيـر إلى إفريقية لثلاثة أشهر من ولايته سلخ ثمان وسبعين وولـي أخـاه عبيـد اللـه بـن المسيـب‏.‏ ثـم أعـاد موسـى بـن عيسـى فـي رمضـان سنـة تسـع وسبعين فاستخلـف ابنـه يحيـى‏.‏ ثـم صـرف موسـى فـي منتصـف سنـة ثمانيـن لعشـرة أشهـر مـن ولايتـه وأعيد عبيد الله بـن المهـدي‏.‏ ثـم صرفـه فـي رمضـان سنـة إحـدى وثمانيـن وأعيـد إسماعيـل بـن صالـح بن علي من العمومة فاستخلف ثم صرف في منتصف إثنتين وثمانين وأعيد لعشرة أشهر من ولايته‏.‏ وولي الليث بن الفضل من أهل أسبورد فوليها أربع سنين ونصفأ وعزل‏.‏ ثـم ولـي الرشيـد مـن قرابتـه أحمـد بـن إسماعيل بن علي منتصف سبع وثمانين فبقي عليها سنتين وشهرين‏.‏ ثم ولي مكانه عبد الله بن محمد بن الإمام إبراهيم بن محص ويعرف بابن زينب وصرفـه عنهـا آخـر شعبـان مـن سنـة تسعيـن لسنـة وشهريـن مـن ولايتـه وولـي حاتـم بـن هرثمـة بن أعين فقدم في شـوال سنـة أربـع وتسعيـن ثـم صرفـه الأميـر منتصـف خمـس وتسعيـن لسنـة وثلاثـة أشهـر مـن ولايتـه وولـي جابـر بـن الأشعث بن يحيى النعمان الطائي منتصف خمس وتسعين فأخرجه الجند منهـا سنـة سـت وتسعيـن لسنـة مـن ولايتـه‏.‏ ثـم ولـي المأمـون عليهـا عباد بن محمد بن حيان البلخي مولـي كنـدة ويكنـى أبـا نصـر‏.‏ ثـم عزلـه لسنـة ونصـف مـن ولايتـه في صفر سنة ثمان وتسعين وولي المطلـب عبـد اللـه بـن مالـك بـن الهيثـم الخزاعـي وقدمهـا مـن مكـة فـي منتصـف ربيـع الـأول‏.‏ ثـم صرفـه فـي شـوال لثمانيـة أشهـر مـن ولايتـه وولـي مـن عمومتـه العبـاس بـن موسـى بـن عيسـى فبعـث عليهـا ابنـه عبد الله ومعه الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله تعالى عنه فأقام عليها شهريـن ونصف فقتله الجند يوم النحر سنة ثمان وتسعين وولوا عليهم المطلب بن عبد الله‏.‏ ثم جرت بينه وبين السدي وبين الحكم بن يوسف مولي بني ضبة من أهل بلخ من قوم يقال لهم الزط وجـرت بينـه وبيـن أهـل المطلـب حـروب وخـرج هاربـاً إلـى مكـة بعـد سنة وثمانية أشهر من ولايتها‏.‏ ووليها السري بإجماع الجند في رمضان سنة مائتين ثم وثب به الجند بعد ستة أشهر وولوا سليمان بن غالب بن جبريل بن يحيى بن قرة العجلي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة‏.‏ وولـي عبـد اللـه بن طاهر بن الحسين مولي خزاعة فأقام عشرة‏.‏ ثم ولي المأمون عليها أخاه أبا إسحـاق الملقـب فـي خلافتـه بالمعتصـم فأقـر عبسـى الجلـودي وبعده عمير الوليد التميمي في صفر سنة أربع عشرة‏.‏ ثم قتل بعد شهرين واستخلف ابنه محمد بن عمير شهراً ثم أعاد عيسى الجلودي‏.‏ ثم جاء أبو إسحاق المعتصم إلى الفسطاط إلى الشام واستخلف عبدويه بن جبلة فـي المحـرم فاتـح خمس عشرة فأقام سنة وولي عيسى ين منصور بن موسى الخراساني الرافعي مولي بني نصر بن معاوية‏.‏ ثم قدم المأمون مصر لسنة من ولايته فسخط على عيسى بن منصور وعمر المقياس وجسراً آخر بالفسطاط وولي كندر بن عبـد اللـه بـن نصـر الصفـدي ويكنـى أبـا مالـك ورجـع إلـى العراق‏.‏ ومات كندر في ربيع سنة تسع عشرة ومائتين واستخلف ابنه المظفر‏.‏ ولما صارت الخلافة للمعتصم ولي على مصر مولاه أشناس ويكنى أبا جعفر في رجب سنة ثمان عشرة فاستخلـف عليهـا موسـى بـن أبـي العبـاس ثابـت مـن بنـي حنيفة من أهل الشاش في رمضان سنة تسـع عشـرة ومائتيـن واستخلـف ابنـه المظفـر فأقـام مستخلفًـا لأشنـاس أربـع سنيـن ونصف‏.‏ ثم عزله بعـد سنتيـن واستخلـف مالـك بـن كيـد بـن عبـد اللـه الصفـدي فقدم في ربيع سنة أربع وعشرين‏.‏ ثـم عزلـه بعـد سنتيـن واستخلـف علـي بـن يحيـى الأرمنـي وقـدم فـي ربيـع سنـة سـت وعشرين‏.‏ ثم عزلـه بعـد سنتيـن وثمانية أشهر واستخلف عيسى بن منصور الذي كان مستخلفًا للمعتصم أيام المأمون وسخطه المأمون عند قدومه مصر فقدم عيسى في محرم سنة تسع وعشرين‏.‏ ثـم مـات أشناس بعد الثلاثين وقد استخلف على مصر إيتاخ مولى المعتصم وأقيم إيتاخ مكان أشنـاس فأقـر الواثـق أتيـاخ علـى مصـر فأقـر إيتاخ عيسى بن منصور في ربيع سنة ست وثلاثين فبقـي أربعـة أشهـر‏.‏ ثـم استخلـف إيتـاخ هرثمـة بـن النضـر الجبلـي فقـدم منتصف سنة ثلاث وثلاثين وأقـام سنـة ثـم مـات سنـة أربـع وثلاثين‏.‏ وقام بأمره ابنه حاتم رضي الله تعالى عنه فاستخلف إيتـاخ علـي بـن يحيـى الأرمنـي فـي رمضـان سنـة أربـع وثلاثيـن‏.‏ ثـم صـرف إيتـاخ عـن ولايـة مصـر في محرم سنة خمس وثلاثين بعد وفاة المعتصم‏.‏ وولي المتوكل على مصر ابنه المستنصر فاستخلف عليها إسحاق بن يحيى بن معاذ الختلي وقدم في ذي القعدة من سنتـه‏.‏ وفـي أيامـه أخـرج ولـد علـي مـن مصـر إلـى العـراق‏.‏ ثـم صـرف فـي ذي القعـدة مـن سنـة ست وثلاثين واستخلف المستنصر عليها عبد الرحمن بن يحيى بن منصور بن طلحـة وريـق وهـو ابـن عـم طاهـر بـن الحسيـن وقـدم فـي ذي القعـدة سنة ست وثلاثين‏.‏ ثم صرفه واستخلف عنبسة بن إسحاق بـن عبـس بـن عبسـة مـن أهـل هـراة‏.‏ ويكنـى أبـا حاتـم فـي صفـر سنـة ثمان وثلاثين‏.‏ وفي ولايته كبس الروم دمياط يوم عرفة من سنة ثمان وثلاثين‏.‏ واستخلـف يزيـد بـن عبـد اللـه بـن دينار من مواليهم ويكنى أبا خالد‏.‏ وفي أيامه منع العلويون من ركـوب الخيـل واقتنـاء العبيـد‏.‏ ثـم ولـي المستنصـر الخلافـة في شوال سنة سبع وأربعين فأقر يزيد على ولاية مصر‏.‏ ثم صرف عنها في ربيـع سنـة ثلـاث وخمسيـن لعشـر سنيـن مـن ولايتـه‏.‏ وولـي المعتـز مكانه مزاحم بـن خاقـان بـن عزطـوج التركـي فـي ربيـع سنـة أربـع وخمسيـن وعهـد إلـى أزجـور بـن أولـغ طرخـان التركي فأقام خمسة أشهر وخر حاجًا في رمضان سنة أربع وخمسين وولي أحمد بن طولون وإستفحل بها أمره وكانت له ولبنيه بها دولة كما نذكر الآن أخبارها‏.‏

  الخبر عن دولة أحمد بن طولون بمصر وبنيه ومواليه بني طغج

وإبتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم قـال ابـن سعيـد ونقلـه مـن كتـاب ابـن الدايـة في أخبار بني طولون كان طولون أبو أحمد من الطغز غزوهـم التتـر‏.‏ حملـه نـوح بـن أسـد عامـل بخـارى إلـى المأمـون فـي وظيفتـه مـن المـال والرقيـق والبراذين‏.‏ وولـد لـه أحمـد سنـة عشريـن ومائتيني من جارية إسمها ناسم وتوفي طولون سنة أربعين ومائتين وكفله رفقاء أبيه بدار الملك حتى ثبتت مرتبته وتصرف في خدمة السلطان وإنتشر له ذكر عند الأولياء فاق به على أهل طبقته‏.‏ وشاع بين الترك صونه ودينه وأمانته على الأسرار والأموال والفروج‏.‏ وكان يستصغر عقول الأتراك ويرى أنهم ليسـوا بأهـل للرتـب‏.‏ وكـان يحـب الجهاد‏.‏ وطلب من حمد بن أحمد بن خاقان أن يسأل من عبـد اللـه الوزيـر أن يكتـب لهمـا بأرزاقهما إلى الثغر ويقيما هنالك مجاهدين‏.‏ وسار إلى طرسوس وأعجبه ما عليه أهل الحق من تغيير المنكر وأقامة الحق فأنس وعكف على طلب الحديث‏.‏ ثم رجع إلى بغداد وقد امتـلأ علمـاً ودينـاً وسياسـة‏.‏ ولمـا تنكر الأتراك للمستعين وبايعوا المعتز وآل أمر المستعين إلى الخلع والتغريب إلى واسط وكلوا بـه أحمـد بـن محمـد الواسطـي يومـه‏.‏ وكـان حسـن العشـرة فكـه المجالسة‏.‏ ولما إعتزموا على قتله بعثوا إلى أحمد بن طولون أن يمضي ذلك فتفادى منه فبعثوا سعيداً الحاجب فسمله ثم قتله ودفنه ابن طولون وعظم محله بذلك عند أهل الدولة‏.‏ إنتهى كلام ابن سعيد‏.‏ وقال ابن عبد الظاهر‏:‏ وقفت على سيرة للأخشيد قديمة عليها خط الفرغاني وفيها أن أحمد هـو ابـن النج من الأتراك كان طولون صديق أبيه ومن طبقته‏.‏ فلما مات النج رباه طولون وكفله فلمـا بلـغ مـن الحداثـة مشـي مـع الحشويـة وغـزا وتنقلـت بـه الأحـوال إلـى أن صـار معدوداً في الثقات‏.‏ وولي مصر وإستقر بها‏.‏ قال صدر الدين بن عبد الظاهر‏:‏ ولم أر ذلك لغيره من المؤرخين إنتهى‏.‏ ولما وقع إضطراب الترك ببغداد وقتل المستعين وولي المعتز وإستبد عليه الأتراك وزعيمهم يومئـذ بـاك بـاك وولـاه المعتز مصر ونظر فيمن يستخلفه عليها فوقع اختياره على أحمد بن طولون فبعثه عليها وسار معه أحمد بن محمد الواسطى ويعقوب بن إسحاق ودخلها في رمضان سنـة أربـع وخمسيـن وعلـى الخوارج بها أحمد ابن المدبر وعلى البريد سفير مولى قبيجة فأهدى له ابن المدبر ثم إستوحش منه وكاتب المعتز بأن ابن طولون يروم العصيان وكاتب صاحب البريد بمثل ذلك فسطا بسفير صاحب البريد ومات من غده‏.‏ ثـم قتـل المعتـز وولي المهتدي فقتل باك باك ورتب مكانه يارجوج وولاه مصر‏.‏ وكانت بينه وبين أحمد بن طولون مودة أكيدة فاستخلفه على مصر وأطلق يده على الإسكندرية والصعيد بعد أن كـان مقتصـراً علـى مصـر فقـط‏.‏ وجعـل إليـه الخـراج فسقطـت رتبة ابن المدبر‏.‏ ثم أعاده المعتمد فلم ينهض إلى مساماة ابن طولون ولا منازعته‏.‏ ثم كتب إليه المعتمد بضبط عيسى بن شيخ الشيباني وكان يتقلد فلسطين والأردن وتغلب على دمشـق وطمـع فـي مصـر ومنـع الحمـل‏.‏ واعترض حمل ابن المدبر وكان خمسة وسبعين حملاً من الذهب فأخذها فكتب إليه المعتمد يومئذ بولاية أعماله فادعى العجز وأنكر مال الحمل ونزع السواد وأنفذ أناجور من الحضرة في العساكر إلى دمشق سنة سبع وخمسين‏.‏ ثم خرج أحمد بن طولون إلى الإسكندرية ومعه أخوه موسى وكان يتجنى عليه ويرى أنه لم يـوف بحقـه‏.‏ وظهـر ذلك منه في خطابه فأوقع به ونفاه وحبس كاتبه إسحاق بن يعقوب واتهمه بأنه أفضى بسره إلى أخيه‏.‏ وخرج أخوه حاجاً‏.‏ وسار من هنالك إلى العراق ووصف أخاه بالجميل فحظي بذلك عند الموفق‏.‏ واستفحل أمر أحمد واستكثر من الجند وخافه أناجور بالشـام‏.‏ وكتـب الموقـف يغريـه بشأنـه وأنـه يخشـى على الشام منه‏.‏ ثم كتب الموفق إلى ابن طولون بالشخوص إلـى العـراق لتدبيـر أمـر السلطـان وأن يستخلـف علـى مصـر فشعـر ابـن طولـون بالمكيـدة فـي ذلك فبعث كاتبه أحمد بن محمـد الواسطـي إلـى يارجـوج وإلـى الوزيـر وحمـل إليهمـا الأمـوال والهدايا‏.‏ وكان يارجوج متمكنا في الدولة فسعى في أمره وأعفاه من الشخوص وأطلق ولده وحرمـه واشتـدت وطـأة ابـن طولـون وخافـه أحمـد بـن المدبـر فكتب إلى أخيه إبراهيم أن يتلطف له في الإنصراف عن مصر فورد الكتاب بتقليده خراج دمشق وفلسطين والأردن‏.‏ وصانع ابن طولـون بضياعـه التـي ملكهـا وسـار إلـى عملـه بمصـر وشيعه ابن طولون ورضي عنه‏.‏ وذلك سنة ثمان وخمسين‏.‏ وولي الوزير على الخراج من قبله‏.‏ وتقدم لإبن طولون باستحثاثه فتتابع حمل الأموال إلى المعتمد‏.‏ ثم كتب ابن طولون بأن تكون جباية الخراج له فأسعف بذلك‏.‏ وأنفذ المعتمد نفيسا الخادم بتقليده خراج مصر وضريبتها وخـراج مصـر وضريبتها وخراج الشام‏.‏ وبعث إليه نفيس الخادم ومعه صالح بـن أحمـد بـن حنبـل قاضـي الثغور ومحمد بن أحمد الجزوعي قاضي واسط شاهدين بإعفائه ما زاد على الرسم من المال والطراز‏.‏ ومات يارجوج في رمضان سنة تسع وخمسين وكان صاحب مصر ومن أقطاعه‏.‏ ويدعى له قبل ابن طولون فلما مات استقل أحمد بمصر

  فتنة ابن طولون مع الموفق

لما استأمن الزنج وتغلبوا على نواحي البصرة وهزموا العساكر بعث المعتمد إلى الموفق وكان المهتدي نفاه إلى مكة فعهد له المعتمد بعد ابنه المفوض وقسم ممالك الإسلام بينهما‏.‏ وجعل الشرق للموفق ودفعه لحرب الزنـج وجعـل الغـرب للمفـوض واستخلـف عليـه موسـى بـن بغـا واستكتـب موسـى بـن عبيـد اللـه بـن سليمـان بـن وهـب‏.‏ وأودع كتـاب عهدهمـا فـي الكعبـة‏.‏ وسار الموفق لحرب الزنج واضطرب الشرق وقعد الولاة عن الحمل‏.‏ وشكا الموفق الحاجة إلى المال‏.‏ وكـان ابـن طولون يبعث الأموال إلى المعتمد يصطنعه بذلك فأنفذ الموفق نحريرأ خادم المتوكل إلى أحمد بن طولون يستحثه لحمل الأموال والطراز والرقيق والخيل ودس إليه يعتقله‏.‏ واطلع على الكتب‏.‏ وقتل بعض القواد وعاقب آخرين‏.‏ وبعث مع نحرير ألفي ألف ومائتـي ألـف دينـار ورقيقًا وطرزأ‏.‏ جمع الرسم وبعث معه من أسلمه إلى الثقة أناجور صاحب الشام‏.‏ ولمـا فعـل ابـن طولـون بنحريـر مـا فعـل كتـب الموفـق إلـى موسى بن بغا بصرف أحمد بن طولون عن مصـر وتقليدهـا أناجـور فكتب إلى أناجور بتقليدها فعجز عن مناهضة أحمد فسار موسى بن بغا ليسلم إليه مصر وبلغ الرقة‏.‏ واستحث أحمد في الأموال فتهيأ أحمد لحربه وحصن الجزيرة معقـلاً لحربه وذخيرته‏.‏ وأقام موسى بالرقة عشرة أشهر واضطرب عليه الجند وشغبوا وطالبوه بالـأرزاق واختفـى كاتبـه موسـى بـن عبيـد اللـه بـن وهـب فرجـع وتوفي سنة أربـع وستيـن‏.‏ ثم كتب الموفق إلى ابن طولون باستقلال ما حمله من المال وعنفه وهدده فأساء ابن طولون جوابه وأن العمـل لجعفـر بـن المعتمـد ليـس لك فأحفظ ذلك الموفق وسأل من المعتمد أن يولي على الثغور من يحفظهـا وأن ابن طولون لا يؤمن عليها لقلة اهتمامه بأمرها فبعث محمد بن هارون التغلبي عامل الموصل وركب السفن فألقته الريح بشاطىء دجلة فقتله الخوارج أصحاب مساو الساري‏.‏

  ولاية أحمد بن طولون على الثغور

وكانت أمهات الثغور يومئذ أنطاكية وطرسوس والمصيصة وملطية وكان على أنطاكية محمد بن علـي بـن يحيـى الأرمنـي وعلـى طرسـوس سيمـا الطويل وإليه أمر الثغور وجاء في بعض أيامه إلى أنطاكية فمنعه الأرمني من الدخول فدس إلى أهل البلد بقتله فقتلوه وأحفظ ذلك الموفق فولي على الثغور أرجون بن أولغ طرخان التركي وأمره بالقبض علـى سيمـا الطويـل فقـام بالثغـور وأساء التصرف وحبس الأرزاق عن أهلها‏.‏ وكانت قلعة لؤلؤة من قلاع طرسـوس فـي نحـر العدو وأهم أهل طرسوس أمرها فبعثوا إلى حاميتها خمسة آلاف دينار رزقاً من عندهم فأخذها أرجون لنفسه وضاعت حاميتها وافترقوا‏.‏ وكتب الموفق إلى أحمد بن طولون بتقليد الثغور وأن يبعث عليها من قبله فبعث من قبله طحشي بن بكروان وحسنت حالهم وطلب منـه ملـك الـروم الهدنـة واستأذن في ذلك ابن طولون فمنعه وقال‏:‏ إنما حملهم على ذلك تخريبكم لقلاعهم وحصونهم فيكون في الصلح راحـة لهـم فحـاش للـه منـه وأمـره بـرم الثغـور وأرزاق الغزاة‏.‏ قـد تقـدم لنـا ولايـة أناجـور علـى دمشـق سنـة سبـع وخمسين وما وقع بينه وبين أحمد بن طولون‏.‏ ثـم توفـي أناجـور فـي شعبـان سنـة أربـع وستيـن ونصـب ابنـه علـي مكانـه‏.‏ وقـام يدبـر أمره أحمد بن بغا وعبيد الله بن يحيى بن وهب‏.‏ وسار إلى الشام مورياً بمشارفة الثغور واستخلف ابنه العبـاس علـى مصـر وضـم إليـه أحمـد بـن محمـد الواسطـي وعسكـر فـي مينـة الأصبـع وكتب إلى علي بـن أناجـور بإقامـة الميـرة للعساكر فأجاب الآمال‏.‏ وسار ابن طولون إلى الرملة وبها محمد بن أبي رافع من قبل أناجور ومدبر دولته أحمد‏.‏ هنالك منذ نفاه المهتدي فأكرمه‏.‏ ثـم سـار عـن دمشق واستخلف عليها أحمد بن دوغياش ورحل إلى حمص وبها أكبر قواد أناجور فشكت الرعية منه فعزله وولي يمتا التركي‏.‏ ثم سار إلى أنطاكية وقد امتنع بها سيما الطويل بعد أن كتب بالطاعة وأن ينصرف عنه فأبى وحاصرها وشد حصارها‏.‏ وضجر أهلهما من سيما فداخل بعضهم أحمد بن طولون ودلوه على بعض المسارب فدخلها منه فـي فاتحـة خمـس وستيـن وقتـل سيمـا الطويـل وقبـض علـى أمرائـه وكاتبـه‏.‏ ثـم سـار إلـى طرسـوس فملكهـا ودخلهـا فـي خلـق كثيـر وشـرع فـي الدخـول إلـى بلاد الروم للغزو وبينما هو يروم ذلك جاءه الخبر بانتقاض ابنه العباس الذي استخلفه بمصر فرجع وبعث عسكراً إلى الرقة وعسكراً إلى حران وكانت لمحمد بن أناشر فأخرجوه عنها وهزموه‏.‏ وبلغ الخبر إلى أخيه موسى فسار إلى حـران وكـان شجاعًـا‏.‏ وكـان مقـدم العسكر بحران بن جيعونة فأهمه أمرهم فقال له أبو الأغر من العرب‏:‏ أنا آتيك بموسى‏.‏ واختار عشرين فارسًا من الشجعان وسار إلى معسكر موسى فأكمن بعضهم ودخل بالباقين بعض الخيام فعقدت واهتاج العسكر وهرب أبو الأغر واتبعوه فخرج عليهم الكمين فهزموهم وأسر موسى وجاء به أبو الأغر إلى جيعونة قائد ابن طولون فاعتقله وعاد إلى مصر سنة ست وستين‏.‏

  الخبر عن انتقاض العباس بن أحمد بن طولون على أبيه

لما رحل أحمد بن طولون إلى الشام واستخلف ابنه العباس وكان أحمد بن الواسطي محكمًـا في الدولة‏.‏ وكان للعباس بطانة يدارسونه الأدب والنحو وأراد أن يولي بعضهم الوظائـف ولـم يكونـوا يصلحـون لهـا فمنـع الواسطـي مـن ذلك خشية الخلل في الأعمال فحمل هؤلاء البطانـة عليـه عنـد العبـاس وأغروه به‏.‏ وكتب هو إلى أحمد يشكوهم فأجابه بمداراة الأمور إلى حيـن وصولـه‏.‏ وكان محمد بن رجاء كاتب أحمد مداخلاً لإبنه العباس فكان يبعث إليه بكتب الواسطـي يتنـزل لـه فاطلـع علـى جواب أبيه عن كتبه بالمداراة فازداد خوفاً وحمل ما كان هنالك من المال والسلاح وهو ألف ألف دينار‏.‏ وتسلف من التجار مائتي ألف أخرى واحتمل أحمد بن محمد الواسطي وأيمن الأسود مقيدين وسار إلى برقة‏.‏ ورجع أحمد إلى مصر وبعث له جماعة فيهم القاضي أبو بكرة بكار بن قتيبة والصابونـي القاضـي وزيـاد المـري مولى أشهب فتلافوا به بالموعظة حتى لان‏.‏ ثم منعه بطانته وخوفوه فقال لبكار‏:‏ ناشدتك الله هل تأمنه علي فقال هو قد حلف وأنا لا أعلم فمضى على ريبته‏.‏ ورجـع القـوم إلـى أبيـه‏.‏ وسار هو إلى إفريقية يطلب ملكها وسهل عليه أصحابه أمر إبراهيم بن أحمد بن الأغلب صاحبها‏.‏ وكتب إليه بأن المعتمد قلده إفريقية وأنه أقره عليها‏.‏ وانتهى إلى المدينة لبلة فخرج عليه عامل بن الأغلب فقبض عليه ونهب البلد وقتل أهله وفضح نساءهم فاستغاثوا بالياس بن منصور كبير نفوسة ورئيس الأباضيـة وقـد كـان خاطبـه يتهـدده علـى الطاعة‏.‏ وبلغ الخبر إلى ابن الأغلب فبعث العساكر مع خادمه بلاغ وكتب إلى محمد بن قهرب عامل طرابلـس بـأن يظاهـر معـه علـى قتـال العبـاس فسـار ابـن قهـرب وناوشـه القتـال من غير مسارعة‏.‏ ثم صحبهـم اليـأس فـي إثنـي عشـر ألفًـا مـن قومه‏.‏ وجاء بلاغ الخادم من خلفه فأجفل واستبيح أمواله وذخائره وقتل أكثر من كان معه وأفلت بحاشيته‏.‏ وإنطلق أيمن الأسود من القيد ورجع إلى مصـر‏.‏ وجـاء العبـاس إلـى برقـة مهزومـأ‏.‏ وكـان قـد أطلـق أحمـد لواسطي بعد أن ضمن حزب برقة إحضاره فلما رجع أعاده إلى محبسه فهرب من الحبس ولحق بالفسطاط‏.‏ ووجد أحمد بن طولون قد سار إلى الإسكندرية عازماً على الرحيل إلى برقة فهون أمره ومنعه من الرحيل بنفسـه‏.‏ وخـرج طبارجـي وأحمـد الواسطـي فجـاؤوا بـه مقيـداً علـى بغـل وذلـك سنة سبع وستين‏.‏ وقبـض علـى كاتبـه محمـد بـن رجـاء وحبسه لما كان يطلع ابنه العباس على كتبه‏.‏ ثم ضرب ابنه وهو باك عليه وحبسه‏.‏

  خروج الصوفي والثمري بمصر

كـان أبـو عبـد الرحمـن العمـري بمصر وهو عبد الحميد بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر مقيمًا بالقاصية من الصعيد وكان البجاة يغيرون في تلك الأعمال ويعيون فيها‏.‏ وجاؤوا يوم عيد فنهبـوا وقتلـوا فخـرج هـذا العمـري غضبـاً للـه وأكمـن لهم في طريقهم ففتك بهم وسار في بلادهم حتى أعطوه الجزية واشتدت شوكته‏.‏ وزحف العلوي للقائه فهزمه العمري وذلك سنة ستين‏.‏ وكـان مـن خبـر هـذا العلـوي أنـه ظهـر بالصعيـد سنـة سبـع وخمسين وذكر أن إسمه إبراهيم بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب ويعرف بالصوفي‏.‏ فملك مدينة أسنا ونهبهـا وعـاث فـي تلـك الناحيـة‏.‏ وبعـث إليه ابن طولون جيشًا فهزمهم وأسر مقدم الجيش فقطعه فأعـاد إليـه جيشـاً آخـر وإنهـزم إلـى الواحـات‏.‏ ثـم عـاد إلـى الصعيـد سنـة تسـع وخمسين وسار‏.‏ إلى الأشمونيـن‏.‏ ثـم سار للقاء العمري وإنهزم إلى أسوان وعاث غي جهاتها‏.‏ وبعث إليه ابن طولون العسكر فهرب إلـى عيـذاب وعبـر البحـر إلـى مكـة فقبـض عليـه الوالـي بمكـة وبعـث بـه إلـى ابـن طولـون فحبسـه مـدة‏.‏ ثـم أطلقه ومات بالمدينة‏.‏ ثم بعث ابن طولون العسكر إلى العمري فلقي قائدهم وقال‏:‏ إني لم أخرج بالفساد ولا يؤذى مسلم ولا ذمي وإنما خرجت للجهاد فشاور أميرك في فأبى وناجزه الحرب فانهزم العسكر ورجعوا إلى ابن طولون فأخبروه بشأنه فقال‏:‏ هلا كنتم شاورتموني فيه فقد نصره الله عليكم ببغيكم‏.‏ ثم وثب عليه بعد مدة غلامان لـه فقتلـاه وجاءا برأسه إلى أحمد بن طولون فقتلهما‏.‏ إنتفاض برقة وفي سنة إحـدى وستيـن وثـب أهـل برقـة بعاملهـم محمـد بـن فرج الفرغاني فأخرجوه ونقضوا طاعة ابن طولون فبعث إليهم العساكر مع غلامه لؤلؤ وأمره بالملاينة فحاصرهم أياماً وهو يلين لهم حتى طمعوا فيه ونالوا من عسكره فبعث إلى أحمد بخبره فأمره بالاشتداد فشد حصارهم ونصـب عليهـم المجانيـق فاستأمنـوا ودخل البلد وقبض على جماعة من أعيانهم فضربهم وقطعهم ورجع إلى مصر واستعمل عليهم مولى من مواليه وذلك قبل خلاف العباس على أبيه‏.‏

  إنتقاض لؤلؤ علي ابن طولون

كان ابن طولون قد ولي مولاه لؤلؤ على حلب وحمص وقنسرين وديار مضر من الجزيرة وأنزله الرقـة وكـان يتصـرف عـن أمره‏.‏ ومتى وقع في مخالفته عاقب ابن سليمان كاتب لؤلؤ فسقط لؤلؤ فـي المـال وقطـع الحمـل عـن أحمـد بن طولون‏.‏ وخاف الكاتب مغبة ذلك فحمل لؤلؤ على الخلاف وأرسـل إلـى الموفـق بعـد أن شـرط علـى المعتمـد شروطًـا أجابـه الموفق إليها‏.‏ وسار إلى الرقة وبها ابن صفوان العقيلي فحاربه وملكها منه وسلمها إلى أحمد بن مالك بن طوق‏.‏ وسار إلى الموفق فوصل إليه بمكانه من حصار صاحب الزنج وأقبل عليه واستعان به في تلك الحروب وولـاه علـى الموصـل ثم قبض عليه سنة ثلاث وسبعين وصادره على أربعمائة آلف دينار فافتقر وعاد إلى مصر آخر أيام هارون بن خمارويه فقيراً فريداً‏.‏ مسير المعتمد إلى ابن طولون وعوده عنه من الشام كان ابن طولون يداخل المعتمد في السر ويكاتبه ويشكو إليه المعتمد ما هو فيه من الحجر والتضييق عليه من أخيه الموفق والموفق بسبب ذلك ينافر ابن طولون ويسعى في إزالته عن مصر‏.‏ ولما وقع خلاف لؤلؤ على ابن طولون خاطب المعتمد وخوفه الموفق واستدعاه إلى مصـر‏.‏ وأن الجيـوش عنده لقتال الفرنج فأجابه المعتمد إلى ذلك وأراد لقاءه بجميع عساكره فمنعه أهل الرأي من أصحابه وأشاروا عليه بالعدول عن المعتمد جملة وأن أمره يؤول معه إلى أكثر مـن أمـر الموفـق مـن أجـل بطانتـه التي يؤثرها على كل أحد‏.‏ واتصلت الأخبار بأن الموفق شارف القبض على صاحب الزنج فبعث ابن طولون بعض عساكره إلى الرقة لإنتظار المعتمد واغتنم المعتمد غيبة الموفق وسار في جمادى سنة ثمان وستين ومعه جماعة من قواده فقبض عليهم وقيدهم‏.‏ وقـد كـان ساعـد بـن مخلـد وزير الموفق خاطبه في ذلك عن الموفق فأظهر طاعتهم حين صاروا إلى عمله وسار معهم إلى أول عمل أحمد بن طولون فلم يرحل معهم حين رحلوا‏.‏ ثم جلس معهم بيـن يـدي المعتمـد وعذلهـم فـي المسيـر إلـى ابـن طولـون ودخلوهـم تحـت حكمـه وحجـره‏.‏ ثـم قـام بهـم عنـد المعتمـد ليناظرهـم فـي خلـوة فلمـا دخلـوا خيمتـه قبـض عليهـم‏.‏ ثـم رجـع إلـى المعتمـد فعذلـه في الخـروج عـن دار خلافتـه وفـراق أخيـه وهـو فـي قتـال عـدوه‏.‏ ثـم رجـع بالمعتمـد والذيـن معـه حتـى أدخلهـم سـر مـن رأى‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى ابـن طولـون فقطع خطبة الموفق ومحا اسمه من الطرز فتقدم الموفـق إلـى المعتمـد بلعـن ابـن طولـون فـي دار العامـة فأمـر بلعنـه على المنابر وعزله عن مصر وفوض إليه من باب الشاتية إلـى إفريقيـا وبعـت إلـى مكـة بلعنـه فـي المواسـم فوقعـت بيـن أصحـاب ابـن طولـون وسلبوا وأمر جعفر المصريين وقرأوا الكتاب في المسجد بلعن ابن طولون‏.‏

  اضطراب الثغور ووصول أحمد في طولون إليها ووفاته

كـان عامـل أحمـد بـن طولـون علـى الثغـور طلخشـي بـن بلـذدان واسمـه خلـف وكان نازلاً بطرسوس‏.‏ وكان مازيار الخادم مولى فتح بن خاقان معه بطرسوس وارتـاب بـه طلخشـي فحبسه فوثب جماعة من أهل طرسوس واستقدموا مازيـار مـن يـده وولـوه‏.‏ وهـرب خلـف وتركوا الدعاء لإبن طولون من مصر وانتهى إلى أذنة وكاتب مازيار واستماله فامتنع واعتصم بطرسوس فرجع ابن طولون إلى حمص ثم إلى دمشق فأقام بها‏.‏ ثم رجع وحاصره في فصل الشتاء بعد أن بعث إليه يدعوه وانساح على معسكر أحمد وخيمه وكادوا يهلكون فتأخر ابن طولون إلى أذنة وخرج أهل طرسوس فنهبوا العسكر‏.‏ وطال مقام أحمد بأذنة في طلب البرد‏.‏ ثـم ثـار إلـى المصيصـة فأقـام بهـا ومـرض هنـاك‏.‏ ثـم تماسـك إلـى أنطاكيـة فاشتـد وجعه ونهاه الطبيب عن كثرة الغذاء فتناوله سراً فكثر عليه الإختلاف لأن أصل علته هيضة من لبن الجواميس‏.‏ وثقل عليه الركوب فحملوه على العجلة فبلغ الفرمار وركب من ساحـل الفسطـاط إلـى داره وحضره طبيبه فسهل عليه الأمر وأشار بالحمية فلم يداوم عليها‏.‏ وكثر الإسهال وحميت كبده من سوء الفكر فساءت أفعاله‏.‏ وضرب بكار بن قتيبة القاضي وأقامه للناس فـي الميـدان وخرق سواده وأوقع بابن هرثمة وأخذ ماله وحبسه‏.‏ وقتل سعيد بن نوفل مضروباً بالسياط‏.‏ ثم رجع أولياءه وغلمانه وعهد إلى ابنه أبي الجيش خمارويه وأوصاهم بانظاره وحسن النظر فسكنـوا إلـى ذلـك لخوفهـم مـن ابنـه أبـي العبـاس المعتقـل‏.‏ ثـم مـات سنـة سـت وسبعيـن ومائتيـن لست وعشرين سنة من إمارته‏.‏ وكان حازمًا سائساً وبني جامعه بمصرة وأنفق فيه مائة وعشرين ألـف دينـار‏.‏ وبنـي قلعـة يافـا وكـان يميـل إلـى مذهـب الشافعي رضي الله تعالى عنه‏.‏ وخلف من المال عشرة آلاف دينار ومن الموالي سبعة آلاف ومن الغلمان أربعة آلاف ومن الخيل المرتبطة مائـة ومـن الـدواب لركابـه مائتيـن وثلاثيـن‏.‏ وكـان خراج مصر لأيامه جمع ما ينضاف إليها من ضياع الأمراء لحضرة السلطان أربعة آلاف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار وعلى المارستان وأوقافه ستين ألف دينار وعلى حصن الجزيرة والجزيرة وهي المسماة لهذا العهد بقلعة الروضة ثمانين ألـف دينـار‏.‏ وخربـت بعد موته وجددها الصالح نجم الدين بن أيوب‏.‏ ثم خربت ثانية ولم يبق منها إلا أطلال دائرة وكان يتصدق في كل شهر بألف دينار ويجري على المسجونين خمسمائة دينار في كل شهر وكانت نفقة مطابخه وعلوفته ألف دينار في كل يوم‏.‏

  ولاية خمارويه بن أحمد بن طولون

ولمـا توفـي أحمـد بـن طولـون إجتمـع أهـل الدولـة وخواص الأولياء وكبيرهم أحمد بن محمد الواسطي والغالب على الدولة الحسن بن مهاجر فاتفقوا على بيعة ابنه أبي الجيش خمارويه وأحضروا ابنـه العبـاس مـن محبسـه وغزاه الواسطي وهم يبكون‏.‏ ثم قال‏:‏ بايع لأخيك فأبى فقام طبارجي وسعد الآيس من الموالي وسحبوه إلى حجرة في القصر فاعتقلوه بها وأخرج من الغد ميتاً وأخرجوا أحمد إلى مدفنه وصلى عليه ابنه أبو الجيش وواراه ورجع إلى القصر مقيماً لأمر سلطانه‏.‏

  مسير خمارويه إلى الشام وواقعته مع ابن الموفق

ولمـا توفـي أحمـد بـن طولون كان إسحاق بن كنداج عاملاً على الجزيرة والموصل وابن أبي الساج على الكوفة وقد ملك الرحبة من يد أحمد بن مالك فطمعا في ملك الشام واستأذنا الموفق فأذن لهما ووعدهما بالمدد‏.‏ وسار إسحاق إلى الرقة والثغور والعواصم فملكها من يد ابن دعاس عامل بن طولون‏.‏ واستولي إسحاق على حمص وحلب وأنطاكية ثم على دمشق‏.‏ وبعث خمارويه العساكر إلى الشام فملكوا دمشق وهرب العامل الذي انتقـض بهـا ثـم سـار العسكـر إلـى شيزر فأقام عليها قبالة إسحاق وابن أبي الساج وهما ينتظران المدد من العراق‏.‏ ثم هجم الشتاء فتفرق عسكر خمارويه في دور شيزر ووصل العسكر من العراق مع أبي العباس أحمد بن الموفق الذي صارت إليه الخلافة ولقب المعتضد فكبسوا عسكر خاوريه في دور شيرز وفتكوا فيهم ونجا الفل إلى دمشق والمعتضد في إتباعهم فارتحلوا عنها وملكها المعتضد في شعبان سنة إحدى وسبعين‏.‏ ولحق عسكر خمارويه بالرملة فأقاموا بها وكتبوا إلى خمارويه بالخبر وسار المعتضد نحوهم من دمشـق‏.‏ وبلغـه وصـول خمارويـه وكثـرة عساكـره فهـم بالعـود ومعـه أصحاب خمارويه الذين خالفـوا عليه ولحقوا به‏.‏ وكان ابن كنداج وابن أبي الساج متوحشين من المعتضد لسوء معاملته لهمـا‏.‏ والتقـى العسكـران علـى الماء الذي عليه الطواحين بالرملة فولي خمارويه منهزماً مع عصابة معه ليس لهم عربة بالحرب‏.‏ ومضي إلى مصر بعد أن أكمن مولاه سعداً الآيس في عسكر‏.‏ وجاء المعتضد فملك خيام خمارويه وسواده وهو يظن الظفر فخرج سعد الآيس من كمينه وقصـد الخيـام وظـن المعتضـد أن خمارويه قد رجع فركب وانهزم لا يلوي على شيء‏.‏ وجاء إلى دمشق فمنعوه الدخول فمضى إلى طرسوس ولما افتقد سعد الآيس خمارويه نصب أخاه أبا العشائـر لقيـادة العساكـر ووضع العطاء ووصلت البشائر إلى مصر فشر خمارويه بالظفر وخجـل مـن الهزيمة وأكثر الصدقة وأكرم الأسرى وأطلقهم‏.‏ وسارت عساكره إلى الشام فارتجعوه كله من أصحابه فأخرجوهم ولحقوا بالعراق‏.‏ وغزا بالصائفة هذه السنة مازيار صاحب الثغر وغنم وعاد ثم غزا كذلك سنة ثلاث وسبعين‏.‏

  فتنة ابن كنداج وابن أبي الساج والخطبة لإبن طولون بالجزيرة

كان ابن أبي الساج عاملًا على قنسرين وإسحاق على الجزيرة والموصل فتنافسوا في الأعمال واستظهـر ابـن أبـي السـاج بخمارويـه وخطـب لـه بأعماله وبعث ابنه رهينة إليه فسار في عساكره بعـد أن بعـث إليـه الأمـوال وانتهـى إلى السن وعبر ابن أبي الساج الفرات ولقي إسحاق بن كنداج على الرقة فهزمه وجاز خمارويه من بعده فعبر الفرات إلى الرافقية‏.‏ ونجا إسحاق إلى ماردين وحصره ابن أبي الساج‏.‏ ثم خرج وسار إلى الموصل فصده ابن أبي الساج عنها وهزمه فعاد إلى ماردين‏.‏ واستولي ابن أبي الساج على الجزيرة والموصل وخطب في أعمالها لخمارويه ثم لنفسـه بعـده‏.‏ وبعـث العساكر مع غلامه فتح لجباية نواحي الموصل فأوقع بالشراة اليعقوبية ومكر بهم‏.‏ وعلم أصحابهم بما فعل معهم فجاؤوا إليه وهزموه واستلحموا أصحابه‏.‏ ونجا ابن أبي الساج في فل قليل‏.‏ ثـم انتفـض ابـن أبـي الساج على خماروبه سنة خمس وسبعين وذلك أن إسحاق بن كنداج سار إلى خمارويه بمصر وصار في جملته فأنتقض ابن أبي الساج‏.‏ وسار خمارويه إليه فلقيه على دمشق في المحرم فانهزم ابن أبي الساج واستبيح معسكره‏.‏ وكان وضع بحمص خزائنه فبعث خمارويه عسكراً إلى حمص فمنعوه من دخولها واستولوا على خزائنه‏.‏ ومضى ابن أبي الساج إلـى حلـب ثـم إلـى الرقـة وخماوريـه في إتباعه‏.‏ ثم فارق الرقة إلى الموصل وعبر خمارويه الفرات واحتل مدينة بلد وأقام بها وسار ابن أبي الساج إلى الحديثة‏.‏ وبعـث خمارويـه عساكـره وقـواده مـع إسحـاق بـن كنـداج فـي طلب ابن أبي الساج فعبر دجلة وأقام بتكريـت وإسحـاق فـي عشريـن ألفـاً وابـن أبـي السـاج فـي ألفيـن وأقامـوا يترامـون فـي العوتين‏.‏ ثم جمع ابـن كنـداج السفـن ليمـد الجسر للعبور فخالفهم ابن أبي الساج إلى الموصل ونزل بظاهرها فرحلوا في أتباعه فسار لقتالهم فانهزم إسحاق إلى الرقة وتبعه ابن أبي الساج‏.‏ وكتب إلى الموفق يستأذنه في عبور الفرات إلى الشام وأعمال خمارويه فأجابه بالتربص وانتظار المدد‏.‏ ولما إنهزم إسحاق سار إلى خمارويه وبعث معه العسكر ورجع فنزل على حد الفرات من أرض الشام وابن أبي الساج قبالته على حدود الرقة فعبرت طائفة من عسكر ابن كنداج لم يشعروا بهم وأوقعـوا بجمـع من عسكر ابن أبي الساج فلما رأى أن لا مانع لهم من العبور سار إلى الرقة إلى بغداد وقدم على الموفـق سنـة سـت وسبعيـن فأقـام عنـده إلـى أن ولـاه إذربيجـان فـي سنتـه واستولـى ابن كنداج على ديار ربيعة وديار مضر وأقام الخطبة فيها لخمارويه‏.‏

  عود طرسوس إلى أيالة خمارويه

قد كنا قدمنا أن مازيار الخادم ثار بطرسوس سنة سبعين وحاصره أحمد بن طولون فامتنع عليـه فلمـا ولـي خمارويـه وفـرغ مـن شواغلـه أنفـذ إلى مازيار سنة سبع وسبعين ثلاثين ألف دينار وخمسمائة ثوب وخمسمائة مطرف واصطنعه فرجع إلى طاعته وخطب له بالثغور‏.‏ ثم دخل بالصائفة سنة ثمان وسبعين وحاصروا أسكند فأصابه منها حجر منجنيق رثه ورجع إلى طرسـوس فمـات بهـا‏.‏ وقـام بأمـر طرسـوس ابـن عجيـف‏.‏ وكتـب إلـى خمارويـه فأقـره على ولايتها ثم عزلـه‏.‏ وإستعمـل مكانـه محمـد ابـن عمـه موسـى بـن طولـون‏.‏ وكان من خبره أن أباه موسى لما ملك أحمـد أخـوه مصـر تبسـط عليه بدلالة القرابة وذوي الأرحام فلم يحتمله له أحمد ورده عليه وكسر جاهه فانحرف موسى وسخط دولته‏.‏ ثـم خاطبه في بعض مجالسه بمالاً يحتمله السلطان فضربه ونفاه إلى طرسوس‏.‏ وبعث إليه بمال يتزوده فأبى من قبوله وسار إلى العراق ورجع إلى طرسوس فأقام بها إلى أن مات وترك ابنه محمـداً‏.‏ وولـاه خمارويـه وبعث إلى أميرهم راغب فأكرمه خمارويه وأنس به وطالت إقامته عنده وشاع بطرسوس أن خمارويه حبسه فاستعظم الناس ذلك وثاروا بأميرهم محمد بن موسـى وسجنـوه رهينـة فـي راغـب‏.‏ وبلغ الخبر إلى خمارويه فسرحه إلى طرسوس فلما وصلها أطلقوا أميرهـم محمد بن موسى وقد سخطهم فسار عنهم إلى بيت المقدس‏.‏ وعاد ابن عجيف إلى ولايته بدعوه خمارويه وغزا سنة ثمانين بالطائفـة ودخـل معـه بـدر الحمامـي فظفـروا وغنمـوا ورجعوا‏.‏ ثم دخل بالطائفة سنة إحدى وثمانين من طرسوس طغج بن جف الفرغاني من قبل خمارويه في عساكره طرابزون وفتح مكودية‏.‏ ولما ولي المعتضد الخلافة بعث إلى خمارويه خاطبًا قطر‏.‏ الندى ابنته وكانت أكمل نسـاء عصرها فـي الجمـال والـأداب‏.‏ وكـان متولـي خطبتهـا أمينـه الخصـي ابـن عبـد اللـه بـن الجصـاص فزوجـه خمارويه بها وبعثها مع ابن الجصاص وبعث معها من الهدايا ما لا يوصف‏.‏ وقدمت سنة تسع وسبعين فدخل بها وتمتع بجمالها وآدابها وتمكن سلطانه في مصر والشام والجزيرة إلى أن هلك‏.‏

  مقتل خمارويه وولاية ابنه جيش

كـان خمارويـه قـد سـار سنـة اثنين وثمانين إلى دمشق فأقام بها أياماً وسعى إليه بعض أهل بيته بـأن جواريه يتخذون الخصيان يفترشوهن وأراد استعلام ذلك من بعضهن فكتب إلى نائبه بمصر أن يقرر بعضهن فلما وصله الكتاب قرر بعض الجواري وضربهن‏.‏ وخـاف الخصيـان ورجـع خمارويـه مـن الشـام وبـات فـي مخدعـه فأتاه بعضهم وذبحه على فراشه في ذي الحجة سنة إثنتين وثمانين‏.‏ وهرب الذين تولوا ذلك فاجتمع القواد صبيحة ذلك اليوم وأجلسوا ابنه جيش بن خمارويه على كرسي سلطانه وأفيض العطاء فيهم وسيق الخدم الذين تولوا قتل خمارويه فقتل منهم نيف وعشرون‏.‏

  مقتل جيش بن خمارويه وولاية أخيه هارون

ولما ولي جيش كان صبياً غراً فعكف على لذاته وقرب الأحداث والسفلـة وتنكـر لكبـار الدولـة وبسـط فيهم القول وصرح لهم بالوعيد فأجمعوا على خلعه‏.‏ وكان طغج ابن جف مولي أبيه من كبار الدولة وكان عاملاً لهم على دمشق فانتقض وخلع طاعته‏.‏ وسار آخرون من القواد إلى بغداد منهم إسحاق بن كنداج وخاقان المفلحي وبدر بن جف أبو طغج وقدموا على المعتضد فخلع عليهم وأقام سائر القواد بمصر على انتقاضهم وقتل قائداً منهم‏.‏ ثم وثبوا بجيش فقتلوه ونهبوا داره ونهبوا مصر وحرقوه وبايعوا لأخيه هارون وذلـك لتسعـة أشهـر مـن ولايته‏.‏

  فتنة طرسوس وانتفاضها

وقد تقدم لنا أن راغباً مولي الموفق نزل طرسوس للجهاد فأقام بها ثم غلب عليها بعد ابن عجيف‏.‏ ولما ولي هارون بن خمارويه سنة ثلاث وثمانين ترك الدعاء له ودعا لبدر مولى المعتضد وقطع طرسوس والثغور من عمالة بني طولون‏.‏ ثم بعث هارون بن خمارويه إلى المعتضـد أن يقاطعـه علـى أعمالـه بمصر والشام بأربعمائة ألف وخمسين ألف دينار ويسلم قنسرين والعواصـم وهـي الثغـور لمعتضد فأجابه إلى ذلك‏.‏ وسار من آمد وكان قد ملكها من يد محمد بن أحمد بن الشيخ فاستخلف ابنه المكتفي عليها‏.‏ وسار سنة ست وثمانين فتسلم قنسرين والثغور من يد أصحاب هارون وجعلها مع الجزيرة في ولاية ابنه المكتفي‏.‏ ولمـا ولـي هـارون بعـد أخيـه جيـش علـى ما ولي عليه من اختلاف القواد وقوة أيديهم خشي أهل الدولـة مـن افتـراق الكلمـة ففوضـوا أمرهـا إلـى أبـي جعفـر بـن أبـان‏.‏ كان مقدماً عند أحمد وخمارويه فأصلح ما استطاع وبقي يرتق الفتق ويجبر الصدع‏.‏ ثم نظر إلى الجند الذيـن كانـوا خالفـوا بدمشـق مـع طغـج بـن جـف فبعـث إليهـم بـدراً الحمامـي والحسيـن بـن أحمد المارداني فأصلحا مورد الشام وأفردا طغج بن جف بولاية دمشق وإستعملا فـي سائـر الأعمـال ورجعـا إلـى مصـر والأمور مضطربة والقواد طوائف لا ينقاد منهم أحط إلى أن وقع ما نذكر‏.‏ زحف القرامطة إلى دمشق قد تقم لنا إبتداء أمر القرامطة وما كان منهم بالعراق والشام وأن ذكرويه بن مهداوية داعية القرامطة لما هزم بسواد الكوفة وأفنى أصحابه القتل لحق ببني القليص بن كلب بن وبرة في السماوة فبايعوه ولقبوه الشيخ وسموه يحيى وكنوه أبا القاسم‏.‏ وزعم أنه محمد بن عبد الله بن المكتـوم بـن إسماعيـل الإمـام فلقبوه المدثر وزعم أنه المشار إليه في القرآن‏.‏ ولقب غلاماً من أهله المطـوق‏.‏ وسـار مـن حمـص إلـى حمـاة ومعـرة النعمـان إلى بعلبك ثم إلى سلميه فقتل جميع من فيها حتى النساء والصبيان والبهائم‏.‏ ونهب سائر القرى من كل النواحي‏.‏ وعجز طغج بن جف وسائر جيشه وصاحبه هارون عن دفاعهم‏.‏ وتوجه أهل الشام ومصر إلى المكتفي مستغيثيـن فسـار إلـى أهـل الشـام سنـة تسعيـن ومـر بالموصـل وقـدم بيـن يديه أبا الأغر من بني حمدان في عشرة آلاف رجل‏.‏ ونزل قريبًا من حلب وكبسه القرمطي صاحب الشامة فقتل منهم جماعة ونجا أبو الأغر إلـى حلـب فـي فـل مـن أصحابـه‏.‏ وحاصـره القرمطي ثم أفرج عنه وانتهى المكتفي إلى الرقة‏.‏ وبعث محمد بن سليمان الكاتـب فـي العساكـر ومعـه الحسين من بني حمدان وبنو شيبان فناهضه في المحرم سنة إحدى وتسعيـن علـى حمـاة وانهـزم القرامطـة‏.‏ وأخـذ صاحب الشامة أسيراً فبعث به إلى الرقة وبين يديه المدثر والمطوق وتقدم المكتفي إلى بغداد ولحقه محمد بن سليمان بهم فأمر المكتفي بضربهم وقطعهم وضرب أعناقهم وحسم دائهم حتى ظهر منهم من ظهر بالبحرين‏.‏

  استيلاء المكتفي علي الشام ومصر وقتل هارون وشيبان ابني خمارويه

وانقراض دولة بني طولون ونبـدأ أولاً بخبـر محمد بن سليمان المتولي بتحويل دولة بني طولون كان أصله من ديار مضر من الرقة اصطنعه أحمد بن طولون وخدمه في مصر‏.‏ ثم تنكر له وعامله في جاهه وأقاربه بما أحفظه وخشي على نفسه فلحق ببغداد ولقي بها مبرة وتكرمة‏.‏ واستخدمه الخلفاء وجعلوه كاتبـاً للجيـش فمـا زال يغريهـم بملـك مصـر إلـى أن ولـي هـارون بـن خمارويـه وفشلـت دولـة بني طولون بالشـام‏.‏ وعـاث القرامطة في نواحيه وعجز هارون عن مدافعتهم ووصل صريخ أهل الشام إلى المكتفي فقام لدفع ضررهم عن المسلمين ودفع محمد بن سليمان لذلك وهو يومئذ من أعظم قـواده فسـار فـي العساكـر في مقدمته‏.‏ ثم أمره المكتفي بأتباع القرامطة وأقام بالرقة فسار حتى لقيهم وقاتلهم حتى هزمهم واستلحمهم ودفع عن الشام ضررهم ورجع بالقرمطـي صاحـب الشامـة وأصحابـه أسـرى إلى المكتفي بالرقه فرجع إلى بغداد وقتلهم هنالك وشفي نفسه ونفس المسلمين منهم‏.‏ وكان محمد بن سليمان لما تخلف عن المكتفي عند وصوله إلى بغداد فأمره بالعود وبعث معه جماعه من القواد وأمده بالأموال وبعث دميانة غلام مازيار في الأسطول وأمـره بالمسيـر إلـى سواحل مصر ودخول نهر النيل والقطع عن أهل مصر ففعل وضيق عليهم‏.‏ وسار محمد بن سليمـان والعساكـر واستولـي على الشام وما وراءه فلما قارب مصر كاتب القواد يستميلهم فجاء إليه بدر الحمامي وكان رئيسهم فكسر ذلك من شوكتهم‏.‏ تتابع إليه‏.‏ الفواد مستأمنين فبرز هـارون لقتالهـم فيمـن معـه مـن العساكـر‏.‏ وأقـام قبالتهـم واضطرب عسكره في بعض الأيام من فتنة وقعت بينهم‏.‏ واقتتلوا فركب هارون ليسكنهم فأصابته حربة من بعض المغاربة كان فيها حتفه فقام عمه شيببـن بـن أحمـد بـن طولـون بعـده بالأمـر وبـذل الأموال للجند من غير حسبان ولا تقدير ثم أباح‏.‏ نهب ما بقي منه يصطنعهم بذلك فنهبوه في ساعة واحده وتشوف إلى جمع المال فعجز عنه واضطرب وفسد تدبيره وتسايل إلى محمد بن سليمان جنده وفاوض أعيان دولته في أمره فاتفقوا على الإستئمان إلى محمد بن سليمان فبعث إليه مستأمناً فسار إليه‏.‏ ثم تبعه قواده وأصحابـه فركب محمد إلى مصر واستولى عليها وقيد بني طولون حبسهم وكانوا سبعه عشر رجلاً‏.‏ وكتب بالفتح فأمره المكتفي بأشخاص بني طولون جميعاً من مصر والشام إلى بغـداد فبعـث بهـم‏.‏ ثـم أمـر بإحـراق القطائـع التـي بناها أحمد بن طولون على شرقي مصر وكانت ميلاً في ميل فأحرقت ونهب الفسطاط‏.‏

  ولاية عيسى النوشزي على مصر وثورة الخليجي

ولما اعتزم محمد بن سليمان على الرجوع إلى بغداد وكان المكتفي قد ولاه على مصر فولي المكتفي عيسى بن محمد النواشـزي وقـدم فـي منتصـف سنـة إثنتيـن وتسعيـن‏.‏ ثـم ثـار بنواحـي مصـر إبراهيـم الخليجـي وكـان مـن قـواد بني طولون وتخلف عن محمد بن سليمان‏.‏ وكتب إلى المكتفي عيسى النوشزي بالخبر‏.‏ وكثرت جموع الخليجي وزحف إلى مصر فخرج النوشري هارباً إلى الإسكندريه وملك الخليجي مصر وبعث المكتفي العساكر مع فاتك مولي أبيه المعتضد وبدر الحمامـي وعلـى مقدمتهـم أحمد بن كيغلغ في جماعة من القواد ولقيهم الخليجي على العريش في صفـر سنـة ثلـاث وتسعيـن فهزمهم‏.‏ ثم تراجعوا وزحفوا إليه وكانت بينهم حروب فني فيها أكثر أصحابـه الخليجـي وانهـزم الباقون فظفر عسكر بغداد ونجا الخليجي إلى الفسطاط واختفى به‏.‏ ودخل قواد المكتفي المدينة وأخذوا الخليجي وحبسوه‏.‏ وكـان المكتفـي عندمـا بلغتـه هزيمـة ابـن كيغلـغ وسار ابن كيغلغ في ربيع وبرز المكتفي منه ورائهم يسيـر إلـى مصـر فجـاءه كتـاب فاتك بالخبر والحبس الخليجي فكتب المكتفي بحمله ومن معه إلى بغداد‏.‏ وبرز من تكريت فبعث فاتك بهم وحبسوا ببغداد ورجع عيسى النوشري إلى مصر في منتصـف ثلـاث وتسعيـن فلـم يـزل وليـاً عليهـا إلـى أن توفـي فـي شعبـان سنـة سبـع وتسعيـن لخمـس سنين من ولايته وشهرين وقام بأمره ابنه محمد‏.‏ وولي المقتدر على مصر أبا منصور تكين الخزري فقدمها آخر شوال من سنة سبع وتسعين وأقام والياً عليها‏.‏ واستفحلت دولة العلويين بالمغرب‏.‏ وجهز عبد الله المهدي العساكر مع ابنه أبي القاسم سنة إحـدى وثلاثمائـه فملـك برقـة فـي ذي الحجـه آخرهـا‏.‏ ثـم سـار إلـى مصر وملك الإسكندرية والفيوم وبلـغ الخبـر إلـى المقتـدر فقلـد ابنـه أبـا العباس مصر والمغرب وعمره يومئذ أربع سنين‏.‏ وهو الذي ولي الخلافة بعد ذلك ولقب الراضي ولما قلده مصر استخلف له عليها مؤنساً عليها الخادم وبعثه في العساكر إلى مصر وحاربهم فهزمهم ورجعوا إلى المغرب فأعاد عبيد الله العساكر سنـة أثنين مع قائده حامسة الكتامي‏.‏ وجاء في الأسطول فملك الإسكندرية وسار منها إلى مصر‏.‏ وجاء مؤنس الخادم في العساكر فقاتله وهزمه‏.‏ ثم كانت بينهم وقعات وانهزم أصحاب المهـدي آخراً في منتصف إثنتين وثلاثمائة وقتل منهم نحواً من سبعة آلاف ورجعوا إلى المغرب فقتل المهدي حامسة وعاد مؤنس إلى بغداد‏.‏

  ولاية ذكاء الأعور

لـم يـزل تكيـن الخـزري واليـاً علـى مصـر استخلافـاً إلـى أن صـرف آخر إثنتين وثلاثمائة فولي المقتدر مكانه أبا الحسن ذكاء الأعور وقدم منتصف صفر من سنة ثلاث فلم يزل والياً عليها إلى أن توفي سبع لأربع سنين من ولايته‏.‏ ولاية تكين الخزري ثانية لمـا صـرف المقتـدر ذكاء ولي مكانه أبا منصور تكين الخزري ولاية ثانية فقدم في شعبان سنة سبع وكان عبيد الله المهير قد جهز العساكر مع ابنه أبي القاسم ووصل إلى الإسكندرية في ربيع من سنة سبع وملكها‏.‏ ثم سار إلى مصر وملك الجزيرة والأشمونين من الصعيد وما إليه وكتـب أهـل مكـة بطاعته‏.‏ وبعث المقتدر من بغداد مؤنساً الخادم في العساكر فواقع أبا القاسم عدة وقعات وجاء الأسطول من إفريقيا إلى الإسكندرية في ثمانين مركباً مدداً لأبي القاسم وعليـه سيمـان بـن الخـادم ويعقـوب الكتامـي فسـار إليهم في أسطول طرسوس في خمسة وعشرين مركباً وفيها النفط والممد وعليها أبو اليمن فالتقت العساكر في الأساطيل في مرسى رشيد‏.‏ فظفـر أسطـول طرسوس بأسطول إفريقيا وأسر كثير منهم‏.‏ وقتل بعضهم وأطلق البعض‏.‏ وأسر سليمان الخادم فهلك في محبسه بمصر وأسر يعقوب الكتامي وحمل إلى بغداد فهرب منها إلى إفريقيا‏.‏ واتصل الحرب بين أبي القاسم ومؤنس وكان الظفر لمؤنس ووقع الغلاء والوباء في عسكر أبي القاسم ففني كثير منهم بالموت‏.‏ ووقع الموتان في الخيل فعاد العسكر إلى المغرب واتبعهم عساكر مصر حتى أبعدوا فرجعوا عنهم‏.‏ ووصل أبو القاسم إلى القيروان منتصف السنـة‏.‏ ورجـع مؤنـس إلـى بغـداد وقـدم تكيـن إلـى مصـر كمـا مر ولم يزل والياً عليها إلى أن صرف في ربيع من سنة تسع‏.‏

  ولاية أحمد بن كيغلغ

ولـاه المقتدر بعد هلال بن بدر فقدم في جمادى وصرف لخمسة أشهر من ولايته وأعيد تكين المـرة الثالثـة فقـدم فـي عاشوراء سنة ثلاث عشرة وأقام والياً عليها تسع سنين إلى أن توفي في منتصـف ربيـع الـأول سنـة إحـدى وعشريـن‏.‏ وفـي أيامـه جـدد المقتدر عهد لأبنه أبي العباس على بلـاد المغـرب ومصر والشام واستخلف له مؤنساً وذلك سنة ثمان عشرة‏.‏ وقال ابن الأثير‏:‏ وفي سنة إحدى وعشرين توفي تكين الخزري بمصر فولي عليها مكانه ابنه محمد وبعث له القاهر بالخلع وثار به الجند فظفر بهم إنتهى‏.‏ ولاية أحمد بن كيغلغ الثانية ولـاه القاهـر في شوال سنة إحدى وعشرين بعد أن كان ولي محمد بن طغج وهو عامل دمشق وصرفه لشهر من ولايته قبل أن يتسلم العمل ورده إلى أحمد بن كيغلغ كما قلناه‏.‏ فقدم مصر فـي رجب سنة إثنتين وعشرين‏.‏ ثم عزل آخر رمضان من سنة ثلاث وعشرين وولي الراضي الخليفـة بأن يدعى على المنبر باسمه ويزاد في ألقابه الأخشيد فقام بولاية مصر أحسن قيام ثم إنتزع الشام من يده كما يذكر‏.‏ استيلاء ابن رائق على الشام من يد الأخشيد كـان محمد بن رائق أمير الأمراء ببغداد وقد مر ذكره‏.‏ ثم نازعه مولاه تحكم وولي مكانه سنة سـت وعشريـن‏.‏ وهـرب ابـن رائـق ثـم استتـر ببغـداد واستولـي عليهـا ورجـع الخليفـة مـن تكريت بعد أن كـان قـدم تحكـم‏.‏ ثـم كتـب إليـه واستـرده وقد عقد الصلح مع ناصر الدولة بن حمدان من قبل أن يسمـع بخبـر ابـن رائـق‏.‏ ثم عادوا جميعاً وراسلهم أبي رائق مع أبي جعفر محمد بن يحيى بن شيـرزاد فـي الصلـح فأجيـب وقلـده الراضـي طريـق الفرات وديار مصر التي هي حران والرها وما جاورهما وجند قنسرين والعواصم فسار إليها واستقر بها‏.‏ ثـم طمحـت نفسـه سنـة ثمـان وعشرين إلى ملك الشام فسار إلى مدينة حمص فملكها وكان على دمشق بدر بن عبد الله مولى الأخشيد ويلقب بتدبير فملكها ابن رائق من يده وسار إلى الرملة يريد مصر‏.‏ وبرز الأخشيـد مـن مصـر فالتقـوا بالعريـش وأكمـن الأخشيـد ثـم إلتقيـا فانهـزم الأخشيـد أولاً وملـك أصحـاب ابـن رائـق سـواده ونزلـوا خيامهـم‏.‏ ثـم خرج عليهم كمين الأخشيد فانهزموا ونجا ابن رائق إلى دمشـق فـي فـل مـن أصحابـه فبعـث إليـه الأخشـد أبـا نصيـر بـن طغـج فـي العسكـر فبـرز إليهـم ابـن رائـق وهزمهـم وقتـل أبـو نصـر فـي المعركـة فبعـث ابـن رائـق شلـوه إلى مصر مع ابنه مزاحم بن محمد بن رائق وكتب إليه بالعزاء والإعتذار وأن مزاحمأ في فدائه فخلع عليه ورده إلى أبيه‏.‏ وتم الصلح بينهما على أن تكون الشام لإبن رائق ومصر للأخشيد والتخم بينهما للرملة‏.‏ وحمل الأخشيـد وبقـي في عمالة ابن رائق إلى أن قتل تحكم والبريدي‏.‏ وعاد ابن رائق من الشام إلى بغـداد فاستدعـاه المتقـي وصار أمير الأمراء بها فإسخلف على الشام أبا الحسن علي بن محمد بن مقاتل‏.‏ ولما وصل إلى بغداد قاتله كورتكين القائم بالدولة فظفر به وحبسه وقاتل عنه أصحابـه مـن الديلـم‏.‏ وزحـف إليهـم البريـدي مـن واسـط سنـة ثلاثيـن فانهزم المتقي وابن رائق وسار إلى الموصل‏.‏ وكان المتقي قد استنجد ناصر الدولة بن حمدان فبعث إليه أخاه سيف الدولة ولقيه المتقي بتكريت ورجع معه إلى الموصل وقتل ناصر الدولة بن محمد بن رائق ووالي إمارة الأمـراء للمتقـي‏.‏ فلمـا سمـع الأخشيـد بمقتـل ابـن رائـق سـار إلـى دمشـق ثـم استولـي يوسـف بعـد ذلك عليها سنة إثنتين وثلاثين‏.‏ وولي ناصر الدولة بن حمـدان فـي ربيـع سنـة إثنيـن وثلاثيـن علـى أعمـال ابـن رائـق كلهـا‏:‏ وهـي طريـق الفـرات وديار مصر وجند قنسرين والعواصم وحمص أبا بكر محمد علي بـن مقاتـل وأنفـده إليهـا مـن الموصـل فـي جماعـة مـن القـواد‏.‏ ثـم ولـي بعـده فـي رجـب ابـن عمـه أبـا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان على تلك الأعمال وامتنع أهل الكوفة من طاعته فظفر بهم وملكهـا‏.‏ وسـار إلـى حلـب وكـان المتقـي قـد سار إلى الموصل سنة إحدى وثلاثين مغاضباً لأمير الأمراء تورون فأقام بالموصل عند بني حمدان‏.‏ ثم سار إلى الرقـة فأقـام بهـا وكتـب إلـى الأخشيد يشكو إليه ويستقدمه فأتاهما النصر‏.‏ ومر بحلب فخرج عنها الحسين بن سعيد بن حمـدان وتخلـف عنـه أبـو بكـر بـن مقاتـل للقاء الأخشيد فأكرمه واستعمله على خراج مصر‏.‏ وولي على حلب يأنس المؤنسي‏.‏ وسار الأخشيد من حلب إلى الرقة في محرم سنة ثلاث وثلاثين وأهدى له ولوزيره الحسين بن مقله وحاشيته وأشار عليه بالمسيـر إلـى مصـر والشـام ليقـوم بخدمته فأبى فخوفه من تورون وأن يلزم الرقة‏.‏ وكان قد أنفذ رسله إلى تورون في الصلح وجاؤوه بالإجابة فلم يعرج على شيء من إشارته‏.‏ وسار إلى بغداد وانصرف الأخشيد إلى مصر وكان سيف الدوله بالرقة معهم فسار إلى حلب وملكها ثم سار إلى حمص‏.‏ وبعث الأخشيـد عساكـره إليهـا مـع كافـور مولـاه فلقيهـم سيـف الدولـة إلـى قنسرين والتقيا هنالك وتحاربـا‏.‏ ثـم إفترقـا علـى منعـة وعاد الأخشيد إلى دمشق وسيف الدولة إلى حلب وذلك سنة ثلاث وثلاثين‏.‏ وسارت الروم إلى حلب وقاتلهم سيف الدولة فظفر بهم‏.‏

  وفاة الأخشيد وولاية ابنه أنوجور واستبداد كافور عليه

واستيلاء سيف الدولة على دمشق ثم توفي الأخشيد أبو بكر بن طغج بدمشق سنة أربع وثلاثين وقيل خمس وولي مكانه أبو القاسم أنوجور وكان صغيراً فاستبد عليه كافور وسار من دمشق إلى مصر فخالفه سيف الدولـة فسـار إلـى حلـب وزخـف أنوجـور فـي العساكـر إليـه فعبر سيف الدولة إلى الجزيرة وحاصر أنوجور حلب أيامأ‏.‏ ثم وقع الصالح بينهما وعاد سيف الدولة إلى حلب وأنوجور إلى مصر ومضى كافور إلى دمشق وولي عليها بدرأ الأخشيدي المعروف بتدبير فرجع إلى مصر فأقام بدربها سنة ثم عزل عنها وولي أبو المظفر طغج وقبض على تدبير‏.‏

  وفاة أنوجور ووفاة أخيه علي واستبداد كافور عليه

ثـم علت سن أبي القاسم أنوجور ورام الأستبداد بأمره وإزالة كافور فشعر به وقتله فيما قيل مسموماً سنة ونصب أخاه عليه للأمر في كفالته وتحت استبداده إلى أن هلك‏.‏

  وفاة علي بن الأخشيد وولاية كافور

ثم توفي علي بن الأخشيد سنة خمس وخمسين‏.‏ فأعلن كافور بالإستبداد بالأمر دون بني الأخشيد وركب بالمظلة‏.‏ وكتب له المطيع بعهده على مصر والشام والحرمين وكناه العالي بالله فيم يقبل الكنية واستوزر أبا الفضل جعفر بن الفرات‏.‏ وكان من أعاظم الملوك جواداً ممدوحاً سيوساً كثير الخشية لله والخوف منه‏.‏ وكان يداري المعز صاحب المغرب ويهاديه وصاحب بغداد وصاحب اليمن وكان يجلس للمظالم في كل سبت إلى أن هلك‏.‏

  وفاة كافور وولاية أحمد بن علي بن الأخشيد

ثم توفي كافور منتصف سبع وخمسين لعشره سنين وثلاثة أشهر من استبداده منها سنتان وأربعـه أشهـر مستقلاً من قبل المطيع وكان أسود شديد السواد واشتراه الأخشيد بثمانية عشر دينـاراً‏.‏ ولمـا هلـك إجتمـع أهـل الدولـة وولوا أحمد بن علي بن الأخشيد وكنيته أبو الفوارس وقام بتدبير أمره الحسن بن عمه عبد الله بن طغج وعلى العساكر شمول مولي جده وعلى الأموال جعفر بن الفضل واستوزر كاتبه جابر الرياحـي‏.‏ ثـم أطلـق ابـن الفـرات بشفاعـة ابـن مسلـم مسير جوهر إلى مصر وانقراض دولة بني طغج ولمـا فرغ المعز لدين الله من شواغل المغرب بعث قائده جوهر الصقلي الكاتب إلى مصر وجهزه في العساكر وأزاح عللها‏.‏ وسار جوهر من القيروان إلى مصر ومر ببرقة وبها أفلح مولي المعز فلقيه وترجل له فملك الإسكندرية ثم الجيزة‏.‏ ثم أجاز إلى مصر وحاصرها وبها أحمد بن علـي بـن الأخشيـد وأهـل دولتـه‏.‏ ثـم إفتتحهـا سنـة ثمـان وخمسيـن وقتـل أبـا الفـوارس وبعث بضائعهم وأموالهم إلى القيروان صحبة الوفد من مشيخة مصر وقضاتها وعلمائها‏.‏ وانقرضت دولة بني طغـج وأذن سنـة تسـع وخمسيـن فـي جامـع ابـن طولـون بحـي علـي خيـر العمـل‏.‏ وتحولـت الدعـوة بمصر للعلويـة واختـط جوهـر مدينـة القاهـرة في موضع العسكر وسير جعفر بن فلاح الكتامي إلى الشام فغلب القرامطة عليه كما تقدم ذلك في أخبارهم‏.‏

  الخبر عن دولة بني مروان بديار بكر بعد بني حمدان

ومباديء أمورهم وتصاريف أحوالهم كـان حـق هذه الدولة أن نصل ذكرها بدولة بني حمدان كما فعلنا في دولة بني المقلد بالموصل وبنـي صالح بن مرداس بحلب لأن هذه الدول الثلاث إنما نشأت وتفرعت عن دولتهم إلا أن بني مروان هؤلاء ليسوا من العرب وإنما هم من الأكراد فأخرنا دولتهم حتى ننسقها مع العجم‏.‏ ثم أخرناها عن دولة بني طولـون لـأن دولـة بنـي طولـون متقدمـة عنهـا فـي الزمـن بكثيـر‏.‏ فلنشـرع الـآن فـي الخبـر عـن دولـة بنـي مـروان‏.‏ وقـد كـان تقـدم لنـا خبـر بـاد الكـردي وإسمـه الحسيـن بـن دوشك وكنيته أبو شجاع وإنه خال أبي علي بن مروان الكردي وأنه تغلب على الموصل وعلى ديار بكر ونـازع فيهـا الديلـم‏.‏ ثـم غلبـوه عليهـا وأقـام بجبـال الأكـراد‏.‏ ثـم مات عضد الدولة شرف الدولة‏.‏ ثم جـاء أبـو طاهـر إبراهيـم وأبـو عبـد اللـه الحسن إلى الموصل فملكاها ثم حدثت الفتنة بينهما وبين الديلم وطمع باد في ملك الموصل وهو بديار بكر فسار إلى الموصل فغلبه ابنا ناصر الدولة وقتـل فـي المعركـة وقـد مـر الخبـر عـن ذلك كله‏.‏ فلما قتل خلص ابن أخته أبو علي بن مروان من المعركة ولحق بحصن كيفا وبه أهل باد وذخيرته وهو من أمنع المعاقل فتحيل في دخوله بأن خالـه أرسلـه واستولـي عليـه وتـزوج امـرأة خالـه‏.‏ ثم سار في ديار بكر فملك جميع ما كان لخاله بـاد‏.‏ وزحـف إليـه ابنـا حمدان وهو يحاصر ميافارقين فهزمهما‏.‏ ثم رجعا إليه وهو يحاصر آمد فهزمهمـا ثانيـاً وانقـرض أمرهمـا مـن الموصـل وملـك أبـو علـي بـن مـروان ديـار بكر وضبطها وإستطـال عليـه أهـل ميافارقيـن وكـان شيخهـا أبـو الأصغـر فتركهـم يـوم العيـد حتى أصحروا وكبسهم بالصحـراء وأخـذ أبـا الأصغـر فألقـاه مـن السـور ونهـب الأكـراد عامـة البلـد وأغلـق أبـو علـي الأبواب دونهم ومنعهم من الدخول فذهبوا كل مذهب وذلك كله سنة ثمانين وثلاثمائة‏.‏