فصل: وفاة نصير الدولة بن مروان وولاية ابنه بصير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  مقتل أبي علي بن مروان وولاية أخيه أبي منصور

كان أبو علي بن مروان قد تزوج بنت سعد الدولة بن سيف الدولة وزفت إليه من حلب وأراد البنـاء بهـا بآمـد فخـاف شيخهـا أن يفعـل بـه وبهـم مـا فعـل فـي ميافارقين فحذر أصحابه منه وأشار عليهم أن ينثروا الدنانير والدراهم إذا دخل ويقصدوا بها وجهه فيضربوه فكان كذلك‏.‏ ثـم أغفلـه وضـرب رأسه واختلط أصحابه فرمى برأسه إليهم وكر الأكراد راجين إلى ميافارقين فاستراب بهم مستحفظاً أن يملكوها عليه ومنعهم مـن الدخـول‏.‏ ثـم وصـل مهـد الدولـة أبـو منصـور بـن مـروان أخـو أبـي علـي إلـى ميافارقيـن فأمكنـه المستحفـظ مـن الدخـول فملكه ولم يكن له فيـه إلا السكـة والخطبـة ونازعـه أخـوه أبـو نصـر فأقام بها مضيقاً عليه فغلبه أبو منصور وبعثه إلى قلعـة أسعرد فأقام بها مضيقاً عليه‏.‏ وأما آمد فتغلب عليها عبد الله شيخهم أياماً وزوج ابنته مـن ابـن دمنة الذي تولي قتل أبي علي بن مروان فقتله ابن دمنة وملك آمد وبني لنفسه قصراً ملاصقاً للسور‏.‏ وأصلح أمره مع مهد الدولة بالطاعة‏.‏ وهـادى ملـك الـروم وصاحـب مصـر وغيرهما من الملوك وانتشر ذكره‏.‏

  مقتل مهد الدولة بن مروان وولاية أخيه أبي نصر

ثم إن مهد الدولة أقام بميافارقين وكان قائده شروة متحكمأ في دولته‏.‏ وكان مولى قد ولاه الشرطة‏.‏ وكان مهد الدولة يبغضه وبهم يقتله مراراً ثم يتركه من أجل شروة فاستفسد مولاه شروة على مهد الدولة لحضوره‏.‏ فلما حضر عنده قتله وذلك سنة إثنتين وأربعمائة ثم خرج على أصحابه وقرابته يقبض عليهم كأنه بأمر مهد الدولة‏.‏ ثم مضى إلى ميافارقين ففتحوا له يطنونه مهد الدولة فملكها وكتب إلى أصحاب القلاع يستدعيهم على لسان مهد الدولة وفيهم خواجـا أبـو القاسـم صاحـب أرزن الروم فسار إلى ميافارقين ولم يسلم القلعة لأحد‏.‏ وسمع في طريقـه بقتـل مهد الدولة فرجع من الطريق إلى أرزن الروم وأحضر أبا نصر بن مروان من أسعرد وجـاء بـه إلـى أبيهـم مـروان‏.‏ وكـان قـد أضـر ولزم قبر ابنه أبي علي بارزن هو وزوجته فأحضره خواجا عنده واستحلفه عند أبيه وقبر أخيه وملك أرزن‏.‏ وبعث شروة من ميافارقين إلى أسعـرد عـن أبـي نصـر بـن مـروان ففاتـه إلـى أرزن فأيقـن بانتقـاض أمره‏.‏ ثم ملك أبو نصر سائر ديار بكـر ولقـب نصيـر الدولـة ودامـت أيامـه‏.‏ وأحسـن السيـرة وقصـده العلمـاء من سائر الأفاق وكثروا عنده‏.‏ وكان ممن قصده أبو عبد الله الكازروني وعنه انتشر مذهب الشافعي بديار بكر وقصده الشعراء ومدحوه وأجزل جوائزهم‏.‏ وأقامت الثغور معه آمنة والرعية في أحسن ملكة إلى أن توفي‏.‏

  استيلاء نصير الدولة بن مروان على الرها

كانت مدينة الرها بيد عطير وكاتبوا أبا نصر بن مروان أن يملكوه فبعث نائبه بآمد ويسمى زنك فملكها وأستشفع عطير بصالح بن مرداس صاحب حلب إلى ابن مروان فأعطاه نصف البلد ودخل إلى نصير الدولة بميافارقين فأكرمه ومضى إلى الرها فأقام بها مع زنك‏.‏ وحضر بعض الأيام مع زنك في صنيع وحضر ابن النائب الذي قتله فحمله زنك على الأخذ بثأره فاتبعـه لمـا خـرج ونـادى بالثـأر واستنفـر أهـل السـوق فقتلوه في ثلاثة نفر‏.‏ وكمن له بنو نمير خارج البلد وبعثوا من يغير منهم عليها فخرج زنك في العسكر‏.‏ ولمـا جـاوز الكميـن خرجـوا عليـه وقاتلـوه وأصابـه حجـر فمـات مـن ذلـك فاتـح ثملن عشرة وخلصت الرها لنصير الدولة‏.‏ ثم شفع صالح بن مرداس في ابن عطير وابن شبل فرد إليهما البلد إلى أن باعه ابن عطير من الروم كما يأتي‏.‏ كانـت نصيبيـن لنصيـر الدولـة بـن نصـر بـن مروان فسار إليها بدران بن المقلد في جموع بني عقيل وحاصرها فظهر على العساكر الذين بها وأمدهم نصير الدولة بعسكر آخر فبعث بدران من اعتراضهم في طريقهم وهزمهم فاحتفل ابن مروان في الإحتشاد وبعث العساكر إلى نصيبين فخرجـوا عليه فهزموه أولاً‏.‏ ثم كر عليهم ففتك وأقام يقاتلهم حتى سمع بأن أخاه قرواش وصل إلى الموصل فخشي منه وإرتحل عنها‏.‏

  دخول الغز إلى ديار بكر هؤلاء الغز من طوائف الترك

وهم الشعب الذين منهم السلجوقية وقد تقدم لنا كيف أجازوا إلـى خراسـان لمـا قبـض محمـد بن سبكتكين على أرسلان بن سلجق منهم فحبسه وما ظهر من فسادهم في خراسان وكيف أوقع بهم مسعود بن سبكتكين على أرسلان بن سلجق منهم فحبسـه ومـا ضهـر من فسادهم في خرسان وكيف أوقع بهم مسعود بن سبكتين من بعد أبيه محمـود ففـروا فـي الريـه يريدون أذربيجان واللحاق بمن تقدم منهم هنالك ويسمون العراقية بعد أن عاثـوا فـي همـذان وقزويـن وأرمينيـة‏.‏ وعـاث الآخـرون فـي أذربيجـان وقتـل هوشذان صاحب تبريز منهم جماعه‏.‏ ثم عاثوا في الأكـراد واستباحوهـم‏.‏ ثـم جاءهـم الخبـر‏.‏ بـأن نيـال إبراهيـم أخـا السلطـان طغرلبك سار إلى الري فأجفلوا منها سنة ثلاث وثلاثين ووصلوا أذربيجان واتصلت الأخبار ولمـا أجفلـوا سلـك بهـم الدليل في الجبال على الزوزن وأسهلوا إلى جزيرة ابن عمر فسار بعضهم إلى ديار بكر ونهبوا قزوين وبازدي والحسنية وبقي آخرون بالجانب الشرقي من الجزيرة وسار آخـرون إلـى الموصـل‏.‏ وكان سليمان بن نصير الدولة قيماً بها فراسلهم في الصلح على أن يسير معهـم إلـى الشام فقبلوا‏.‏ ثم صنع سليمان صنيعاً ودعاً إليه ابن غزعلي وقبض عليه وحبسه‏.‏ وأجفل الغز في كل ناحية واتبعهم عساكر نصير الدولة وقرواش والأكراد البثنوية‏.‏ ثم قصدت العـرب العـراق للمشتي وعاد الخز إلى جزيرة أبن عمر فحصروها وخربوا ديار بكر نهباً وقتلاً‏.‏ وصانعهم نصير الدولة بإطلاق منصور بن غزعلي الذي حبسه سليمان فلم يكف إطلاقه من فسادهم وساروا إلى نصيبين وسنجار والخابور ودخل قرواش الموصل كما نبهنا واتبعه طائفة منهم فكان من خبرة معهم ما قدمناه في أخباره‏.‏

  مسير الروم إلى بلد ابن مروان ثم فتح الرها

ولما كانت الدعوة العلوية قد إنتشرت في الشام والجزيرة وكان سبب ذلك أن وثابـا النميـري صاحب حران والرقة يخطب لهم فلما ولي الوزيري للعلويين على الشام بعث إلى ابن مروان بالتهديد وأنه يسير إلى بلاده فاستمد ابن مروان قرواش صاحب الموصل وشبيب بن وثاب صاحـب الرقـة ودعاهمـا إلـى الموافقـة وقطـع الدعـوة العلويـة فأجابـوه وخطبـوا للقائم وقطعوا الخطبـة للمستنصـر وذلـك سنة ثلاثين فقام الوزيري في ركائبه وتهددهم وأعاد ابن وثاب خطبة العلوية بحران في ذي الحجة آخر السنة‏.‏

  مقتل سليمان بن نصير الدولة كان نصير الدولة

قد ولي ابنه سليمان ويكنى أبا حـرب الأمـور وكـان يحـاوره فـي الجزيـرة بشرموشك بن المحلي زعيم الأكراد في حصون له هنالك منيعة ووقعت بينهما منافرة‏.‏ ثم استمالـه سليمـان ومكـر بـه‏.‏ وكان الأمير أبو طاهر البثنوي صاحب قلعة فنك وغيرها وهو ابن أخت نصير الدولة وكان صديقأ لسليمان فكان مما استماله به موشك أن زوجه بابنة أبـي طاهـر فاطمـأن موشـك إلـى سليمـان وسـار إلـى غـزو الروم بأرمينية‏.‏ وأمدة نصر الدولة بن مروان بالعساكر والهدايا وقد كان خطب له من قبل ذلك وأطاعه فشفع عنده في موشك فقتله سليمان وقال لطغرلبك أنه مات‏.‏ وشكر له أبو طاهر حيث كان صهره واتخذها ذريعة إلى قتلـه فخافـه سليمـان وتبـرأ إليـه مما وقع فأظهر القبول ولي الإجتماع ونزل من حصنه فنك لذلك‏.‏ وخـرج سليمـان إليـه فـي قلـة مـن أصحابـه فقتلـه عبيـد اللـه وأدرك مـن ثـار أبيـه‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى نصيـر الدولة فبادر بابنه نصير وبعث معه العساكر لحماية الجزيرة وسمع قريش بن بدران صاحب الموصـل فطمع في ملك جزيرة ابن عمر فسار إليها وإستمال الأكراد الحسنية والبثنوية واجتمعوا على قتال نصير بن مروان‏.‏ فأحسن المدافعة عن بلده وقاتلهم وجرح قريش جراحاً عديدة ورجع إلى الموصل وأقام نصير بن مروان بالجزيرة والأكراد على خلافه‏.‏

  مسير طغرلبك إلى ديار بكر

ولما انصرف طغرلبـك مـن الموصـل وملكهـا وفـر قريـش عنهـا‏.‏ ثـم عـاود الطاعـة سنـة ثمـان وأربعين فسار طغرلبك بعدها إلى ديار بكر وحاصر جزيرة ابن عمر‏.‏ وكان ابن مروان في خدمته وهداياه مترادفه عليه ي مسيرة إلى الموصل وعوده‏.‏ فبعث إليه بالمال مفاده عن الجزيرة ويذكـر مـا هـو بصـدده مـن الجهـاد وحماية الثغر فأفرج عنه طغرلبك وسار إلى سنجار كما ذكرناه في أخبار قريش‏.‏

  وفاة نصير الدولة بن مروان وولاية ابنه بصير

وفي سنة ثلاث وخمسين توفي نصير الدولة أحمد بن مروان الكردي صاحب ديار بكر وكان لقبه القادر بالله‏.‏ ومات لإثنتين وخمسين سنة من ولايته‏.‏ وكان قد عظم استيلاؤه وتوفرت أمواله وحسن في عمارة الثغور وضبطها أثره وكان يهادي السلطان طغرلبك بالهدايا العظيمة ومنها حبل الياقوت الذي كان لبني بويه إشتراه من أبي منصور بن جلال الدولة وأرسل معه مائة ألف دينار فحسنت حالة عنده وكان يناغي عظماء الملوك في الترف فيشتري الجارية بخمسمائة دينار وأكثر‏.‏ واجتمع عنده منهن للأفتراش والإستخدام أزيد من ألف واقتني من الأواني والآلات ما تزيد قيمته على مائتي ألف دينار‏.‏ وجمع في عصمته بنات الملوك وأرسل طباخين إلى الديار المصريه وأنفق عيهم جملة حتى تعلموا الطبخ هنالك‏.‏ ووفـد عليـه أبـو القاسم بن المغربي من أهل الدولة العلوية بمصر وفخر الدولة بن جهير من الدولـة العباسيـة فأقبل عليهمـا واستوزرهمـا‏.‏ ووفـد عليـه الشعـراء فوصلهـم وقصـده العلمـاء فحمـدوا عنـده مقامهم ولما توفي كان الظفر فيهـا لنصـر واستقـر بميافارقيـن ومضـى أخـوه سعيـد إلـى آمـد فملكها واستقر الحال بينهما على ذلك‏.‏

  وفاة نصير الدولة وولاية ابنه منصور

ثـم توفـي نظـام الديـن نصـر بـن نصيـر الدولـة فـي ذي الحجة سنة إثنتين وسبعين وولي ابنه منصور ودبر دولته ابن الأنباري ولم يزل في ملكه إلى أن قدم ابن جهير وملك البلاد من يده‏.‏

  مسير ابن جهير إلى ديار بكر

كان فخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن جهير من أهل الموصل واستخدم لجارية قرواش ثـم لأخيـه بركـة وسـار عنـه بالعوائد إلى ملك الروم‏.‏ ثم استخدم لقريش بن بدران وأراد حبسه فاستجار ببعض بني عقيـل ومضـى إلـى حلـب فـوزر لمعـز الدولـة أبـي ثمـال بـن صالـح‏.‏ ثـم مضـى إلـى عطيـة ولحق منها بنصير الدولة بن مروان وإستوزره وأصلح حال دولته‏.‏ ولما توفي سنة ثلاث وخمسيـن دبـر أمـر ابنـه نصـر القائـم بعـده‏.‏ ثم هرب إلى بغداد سنة أربع وخمسين استدعى منها للـوزارة فـوزر بعـد محمـد بـن منصـور بـن دؤاد‏.‏ ثـم تـداول العـزل والولاة مرات هو وابنه عميد الملك واستخدم لنظام الملك والسلطان طغرلبك‏.‏ وكان شفع عند الخليفة فلما عزل ابنه آخراً بعث عنه السلطان ونظام الملك وعن ابنه وجميع أقاربه وسار إليه بأصفهان ولقاه مبرة وتكريماً‏.‏ وبعثـه فـي العساكـر لفتح ديار بكر وأخذها من يد بني مروان وأعطاه الآلات وأذن له أن يخطب لنفسه بعد السلطان وينقش اسمه على السكة فسار لذلك سنة ست وسبعين‏.‏

  استيلاء ابن جهير على أمد

قد ذكرنا مسير فخر الدولة بن جهير في العساكر إلى ديار بكر ثم أمده السلطان سنة سبع وسبعيـن بأرتـق بـن أكسـك فـي العساكـر‏.‏ واستنجـد نصـر بـن مـروان شرف الدولة مسلم بن قريش على أن يعطيه آمد فأنجده وسار لمظاهرته فأقصر فخر الدولة بن جهير عن حربهم عصبة للعـرب‏.‏ وخالفـه أرتق وسار في الترك إليهم وهزمهم ولحق مسلم بآمد وحاصره بها فبذل المال لأرتق‏.‏ وخلص من أمره ولحق بالرقة وسار ابن جهير إلى ميافارقين فرجع عنه منصور بن مزيد وابنه صدقة ومن معهما من العرب‏.‏ وسـار فخـر الدولـة المعـروف بالقـرم فنـزل عليهـا وشدد حصارها ونزل يوماً بعض الحامية من السور وأخلى مكانه فوقف فيه بعـض العامـة ونادى بشعار السلطان وإتبعه سائر الحامية بالسور‏.‏ وبعثوا إلى زعيم الرؤسـاء ابـن جهيـر فركب إليهم وملك البلد وذلك سنة ثمان وسبعين‏.‏ ونصب أهل البلد بيوت النصارى الذين كانوا يستخدمون لبني مروان في الجبايات‏.‏ وإنتقموا منهم والله أعلم‏.‏

  استيلاء ابن جهير على ميافارقين وجزيرة ابن عمر وإنقراض دولة بني مروان

كـان فخـر الدولة بن جهير لما بعث ابنه إلى آمد سار هو إلى ميافارقين وأقام على حصارها منـذ سنـة سبـع وسبعيـن‏.‏ وجـاءه سعـد الدولـة وكوهراييـن مدداً واشتد الحصار وإنثلم السور في تعـض الأيـام فنـادى أهلهـا بشعار ملك شاه‏.‏ ودخل فخر الدولة وملك البلد واستولى على أموال بنـي مـروان وذخائرهـم وبعثهـا إلـى السلطـان ملك شاه مع ابنه زعيم الرؤساء فوصل أصفهان في شوال سنة ثمان وسبعين‏.‏ وسار فخر الدولة وكوهرايين إلى بغداد وكان قد بعث عسكراً لحصار جزيرة ابن عمر فحصروها وثار بها أهل بيت من أعيانها يعرفون ببني رهان وفتحوا باباً صغيراً للبلد كان منفذاً للرجالة وأدخلوا العسكر منه وملكوه بدعوة السلطان ملك شاه‏.‏ وانقرضـت دولـة بنـي مروان ولحق منصور بن نظام الدين نصر بن نصير الدولة بالجزيرة وأقام في آيالـة الغـز‏.‏ ثـم قبـض عليه جكرمش وحبسه بدار يهودي فمات بها سنة تسع وثمانين والبقاء لله

  الخبر عن دولة بني الصفار ملوك سجستان المتغلبين علي خراسان

ومبادىء أمورهم وتصاريف أحوالهم كان أهل هذه الدولة قوماً اجتمعـوا بنواحـي سجستـان ونسبـوا لقتـال الخـوارج الشـراة بتلـك الناحية عندما اضطربت الدولة ببغداد لقتل المتوكل وسمو أنفسهم المتطوعة‏.‏ وكان إجتماعهم علـى صالـح بـن نصيـر الكنانـي ويقال له صالح المتطوعي وصحبه جماعة منهم‏:‏ درهم بن الحسن ويعقـوب بـن الليث الصفار وغلبوا على سجستان وملكوها‏.‏ ثم سار إليهم طاهر بن عبد الله أمير خراسان وغلبهم عليها وأخرجهم منها‏.‏ ثم هلك صالح أثر ذلك وقام بأمره في المتطوعة درهم بن الحسن فكثر أتباعه‏.‏ وكان يعقوب بن الليث قائـده وكـان درهـم مضعفـاً فتحيـل صاحب خراسان عليه حتى ظفر به وبعثه إلى بغداد فحبس بها واجتمع المتطوعة على يعقـوب بـن الليـث قائـده وكـان درهـم يكاتـب المعتـز يسألـه ولايتهـا وأن يقلـده حـرب الخـوارج فكتب له بذلك‏.‏ وأحسن الغناء في حرب الشراة وتجاوزه إلى سائر أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏ ثم سار من سجستان إلى خراسان سنة ثلاث وخمسين ومائتين وعلى الأنبار ابن أوس فجمع لمحاربة يعقوب وسار إليهم في التعبية فاقتتلوا وإنهزم ابن أوس وملك استيلاء يعقوب الصفار على كرمان ثم على فارس وعودها كان على فارس علي بن الحسن بن شبل وكتب إلى المعتز يطلب كرمان ويذكر عجز ابن طاهر عنها‏.‏ وكان قد أبطأ عن حرب الخوارج فكتب له المعتز بولاية كرمان وكتب ليعقوب الصفـار أيضـأ بولايتهـا بقصـد التضريـب بينهما لتتمحص طاعتهما أو طاعة حدهما‏.‏ فأرسل علي بـن الحسيـن مـن فـارس علـى كرمـان طـوق بـن المفلـس مـن أصحابـه سبـق إليها يعقوب وملكها‏.‏ وجاء يعقوب فأقام قريباً منها شهرين يترقب خروج طوق إليه ثم إرتحل إلى سجستان ووضع طوق أوزار الحرب وأقبل على اللهو واتصل ذلك بيعقوب في طريقه فكر راجعأ وأغذ السير ودخل كرمـان وحبـس طوقاً‏.‏ وبلغ الخبر إلى علي بن الحسين وهو شيراز فجمع عسكره ونزل مضيق شيراز‏.‏ وأقبل يعقوب حتى نزل قبالته والمضيق متوعر بين جبل ونهر ضيق المسلك بينهما فاقتحـم يعقـوب النهر بأصحابه وأجاز إلى علي بن الحسين وأصحابه فانهزموا‏.‏ وأخذ علي بن الحسين أسيراً واستولى على سواده ودخل شيراز وملكها وجبي الخراج وذلك سنة خمس وخمسين‏.‏ وقيـل قـد وقـع بينهما بعد عبور النهر حروب شديدة وانهزم آخرها علي وكان عسكره نحواً من خمسـة عشـر ألفـاً مـن الموالـي والأكـراد فرجعـوا منهزميـن إلـى شيـراز آخـر يومهـم وإزدحموا في الأبواب وبلـغ القتلـى منهم خمسة آلاف‏.‏ ثم إفترقوا في نواحي فارس وانتهبوا الأموال‏.‏ ولما دخل يعقوب شيراز وملك فارس امتحن عليـاً وأخـذ منـه ألـف بـدرة ومـن الفـراش والسلـاح والآلـة مـا لا يحصـى وكتـب للخليفـة بطاعتـه وأهـدى هديـة جليلـة منهـا عشـرة بازات بيض وباز أبلق صيني ومائة نافجة من المسك وغير ذلك من الطرف ورجع إلى سجستان ومعه علي وطوق في إعتقاله ولما فارق فارس بعث المعتز عماله إليها‏.‏

  ولاية يعقوب الصفار علي بلخ وهراة

ولما انصرف يعقوب عن فارس ولي عليها المعتز من قبله والخلفاء بعده وليها الحارث بن سيما فوثب به محمد بن واصل بن إبراهيم التميمي من رجال العرب وأحمد بن ليث الأكرد الذين بنواحيهـا فقتلـاه واستولـى ابـن واصـل علـى فـارس سنـة سنة ست وخمسين وأظهر دعوة المعتمد‏.‏ وبعـث عليهـا المعتمـد الحسيـن بن الفياض فسار إليه يعقوب بن الليث سنة سبع وخمسين وكتب إليـه المعتمـد بالنكيـر علـى ذلـك‏.‏ وبعث إليه الموفق بولاية بلخ طخارستان فملكها وخرب المباني التي بناها داود بن العباس بظاهر بلخ وتسمى باساديانج‏.‏ ثم سار إلى كابل واستولي عليها وقبـض علـى رتبيـل وبعـث بالأصنـام التـي أخذها من كابل وملك البلاد إلى المعتمد‏.‏ وأهدى إليه هدية جليلة المقدار وعاد إلى بست معتزماً على العود إلى سجستان فاحفظه بعض قواده بالرحيل قبله فغضب وأقام منه إلى سجستان‏.‏ ثم سار إلى خراسان وملك هراة‏.‏ ثم إلى بوشنـج فملكهـا وقبـض علـى عاملهـا الحسيـن بـن علـي بـن طاهـر الكبيـر وكان كبير بيتهم‏.‏ وشفع له فيـه محمـد بـن طاهـر صاحـب خراسـان فأبـى مـن إسعافـه وبقـي فـي قلبه وولي على هراة وبوشنج وباذغيس ورجع إلي سجستان‏.‏

  استيلاء الصفار على خراسان وانقراض أمر بني طاهر

كان بسجستان عبد الله السجزي ينازع يعقوب بن الليث فلما قوي يعقوب واستفحل سار عبـد اللـه إلـى خراسـان وطمـع فـي ملكهـا وحاصـر محمـد بـن طاهـر في كرسي ولايته نيسابور‏.‏ ثم تـردد الفقهـاء بينهـم فـي الصلـح حتـى تـم بينهمـا وولـاه محمـد الطبسيـن وقهستـان‏.‏ ثـم بعـث يعقـوب إلـى محمـد في طلبه فأجاره وأحفظ ذلك يعقوب فسار إلى محمد بنيسابور فخام محمد عن لقائه‏.‏ ونزل يعقوب بظاهـر نيسابـور وخـرج إليـه قرابـة محمـد وعمومتـه وأهـل بيتـه ودخـل نيسابـور واستعمـل عليهـا وذلـك سنـة تسـع وخمسين وكتب إلى المعتمد بأن أهل خراسان استدعوه لعجز ابـن طاهـر وتفريطـه فـي أمـره‏.‏ وغلبـه العلـوي علـى طبرستـان فكتـب إليـه المعتمد بالنكير والإقتصار علـى مـا بيـده وإلا سلـك بـه سبيـل المخالفيـن‏.‏ وقيـل فـي ملكـه نيسابـور غير ذلك وهو أن محمد بن طاهـر لمـا أصـاب لدولتـه العجـز والإدبـار كاتـب بعـض قرابتـه يعقـوب ابن الليث الصفار‏.‏ واستدعـوه فكتـب يعقـوب إلـى محمـد بـن طاهـر بمجيئـه إلـى ناحيتـه موريـاً بقصـد الحسـن بـن زيد في طبرستان‏.‏ وأن المعتمد أمره بذلك وأنه لا يعرض لشيء من أمر خراسان‏.‏ وبعث بعض قواده عينـاً عليـه وعنفـه علـى الإهمـال والعجـز وقبـض علـى جميـع أهـل بيته نحواً من مائة وستين رجلأ‏.‏ وحملهـم جميعـاً إلـى سجستـان وذلك لإحدى عشرة سنة من ولاية محمد‏.‏ واستولى يعقوب على خراسان وهرب منازعه عبد الله السجزي إلى الحسين بن يزيد صاحب طبرستان وقد كان ملكها من لدن سنة إحدى وخمسين فأجاره الحسين‏.‏ وسار إليه يعقوب سنة ستين وحاربه فانهـزم الحسيـن إلـى أرض الديلـم واعتصـم بجبـال طبرستان‏.‏ وملك يعقوب سارية وآمد ورجع في طلب السنجري إلى الري وتهدد العامل على دفعه إليه فبعث به وقتلـه يعقـوب M0

  استيـلاء الصفار على فارس

قد تقدم لنا تغلب محمد بن واصل على فارس سنة ست وخمسين ومسير الصفار إليه سنة سبع ورجوعه عنها وأنه أعاضه عنها ببلخ وطخارستان‏.‏ ثم إن المعتمد أضاف فارس إلى موسى بن بغا مع الأهواز والبصرة والبحرين واليمامة وما بيده من الأعمال فولي موسى على فارس من قبله عبد الرحمن بن مفلح وبعثه إلى الأهواز وأمده بطاشتمر‏.‏ وزحفوا إلى ابن واصل وسار لحرب موسى بن بغا بواسط فولي على الأهواز مكانه أبا الساج وأمره بمحاربة الزنج فبعث صهره عبد الرحمن لذلك فلقيه علي بن أياز قائد الزنج وهزمه وقتل‏.‏ وملك الزنج الأهـواز وعاثـوا فيهـا وأديـل مـن أبـي السـاج بإبراهيـم بـن سيما وسار لحرب ابن واصل واضطرابت الناحيـة علـى موسـى بـن بغـا فاستعفـى مـن ولايتهـا وأعفـاه المعتمد‏.‏ وطمع يعقوب الصفار في ملك فارس فسار من سجستان ممداً ورجع ابن واصل من الأهواز إليه وترك محاربة ابن سيما وأغذ السير ليفجأه على بغتة ففطن له الصفار وسار إليهم وقد أعيوا وتعبوا من شدة السير والعطش‏.‏ ولما تراءى الجمعان تخاذل أصحاب ابن واصل وانهزموا من غير قتال وغنم الصفار في معسكره وما كانوا أصابوا لإبن مفلح‏.‏ واستولى على بلاد فارس ورتب بها العمال وأوقع بأهل دم لإعانتهم ابن واصل وطمع في الإستيلاء على الأهواز وغيرها‏.‏

  حروب الصفار مع الموفق

ولما ملك الصفار خراسان من يد ابن طاهر وقبض عليه وملك فارس من يد ابن واصل‏.‏ وكان المعتمد نهاه عن تلك فلم ينته صرح المعتمد بأنه لم يوله ولا فعل ما فعل بإذنه وأحضر حـاج خراسـان وطبرستـان والـري وخاطبهـم بذلـك فسـار الصفـار إلـى الأهواز سنة إثنتين أصحابه الذين أسروا بخراسان فأبى إلا العزم على الوصول إلى الخليف‏.‏ وبعث حاجبه درهماً يطلب ولاية طبرستان وخراسان وجرجان والري وجارس والشرطة ببغداد فولاه المعتمد ذلـك كلـه مضافـاً إلـى سجستـان وكرمـان‏.‏ وأعـاد حاجبـه بذلـك ومعـه عمـرو بن سيما فكتب يقول لا بد من الحضور بباب المعتمد وارتحل من عسكر مكرم جاثياً‏.‏ وخرج أبو الساج من الأهواز لتلقيه لدخـول الأهـواز في أعماله فأكرمه ووصله‏.‏ وسار إلى بغداد ونهض المعتمد من بغداد فعسكر بالزعفرانية ووافاه مسرور البلخ من مكانه من مواجهه الزنج‏.‏ وجاء يعقوب إلى واسط فملكها ثم سار منها إلى دير العاقول‏.‏ وبعث المعتمد أخاه الموفق لمحاربته وعلى ميمنته موسى بن بغا وعلى ميسرته موسى البلخي فقاتله منتصف رجب وانهزمت ميسرة الموفق وقتل فيها إبراهيم بن سيما وغيره من القواد‏.‏ ثم تزاحفوا واشتدت الحرب وجاء للموفق محمد بن أوس والدواني مدداً من المعتمد‏.‏ وفشل أصحاب الصفار ولما رأوا مدد الخليفة انهزموا وخرج الصفار واتبعهم أصحاب الموفق وغنموا من عسكره نحواً من عشرة آلاف من الظهر ومن الأموال والمسك ما يؤود حمله‏.‏ وكـان محمـد بن طاهر معتقلاً في العسكر منذ قبض عليه بخراسان فتخلص ذلك اليوم‏.‏ وجاء إلى الموفق وخلع عليه وولاه الشرطة ببغداد‏.‏ وسار الصفار إلى خوزستا فنزل جنديسابور وراسله صاحب الزنج على الرجوع ويعده المساعدة فكتب له‏:‏ ‏"‏ قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ‏"‏ السورة‏.‏ وكان ابن واصل قد خالف الصفار إلى فارس وملكهـا فكتـب إليـه المعتمد بولايتها وبعث إليه الصفار جيشاً مع عمر بن السري من قواده فأخرجه عنها وولي علـى الأهـواز محمـد بـن عبيـد اللـه بـن هزارمـرد الكردي‏.‏ ثم رجع المعتمد إلى سامراً والموفق إلى واسط واعتزم الموفق على إتباع الصفار فقعد به المرض عن ذلك‏.‏ وعاد إلى بغداد ومعه مسرور البلخي وأقطعه ما لأبي الساج من الضياع والمنازل وقدم معه محمد بن طاهر فقام بولاية الشرطة ببغداد‏.‏

  انتقاض الخجستاني بخراسان على يعقوب الصفار وقيامه بدعوة بني طاهر

كـان من أصحاب محمد بن طاهر ورجالاته أحمد بن عبد الله بن خجستان وكان متولياً على وهي من جبال سراة وأعمال باذغيس‏.‏ فلما استولى الصفار على نيسابور وخراسان انضم أحمـد هـذا إلـى أبيـه علـي بـن الليـث وكـان شركب الحمال قد تغلب على مرو ونواحيها سنة تسع وخمسيـن وتغلـب علـى نيسابـور سنـة ثلـاث وستيـن وأخرج منها الحسين بن طاهر‏.‏ وكان لشركب ثلاثة من الولد إبراهيم وهو أكبرهم وأبو حفص يعمر وأبو طلحة منصور‏.‏ وكان إبراهيم قد أبلى في واقعة المغار مع الحسن بن زيد بجرجان فقدمه الصفار وحسده أحمد الخجستاني فخوفـه عاديـة الصفـار وزيـن لـه الهـرب‏.‏ وكـان يعمـر أخـوه محاصـراً لبعـض بلـاد بلخ فاتفق إبراهيـم وأحمـد الخجستانـي فـي الخروج إلى يعمر وسبقه إبراهيم إلى الموعد ولم يلقه فسار إلى ولما عاد الصفار إلى سجستان سنة إحدى وستين ولي على هراة أخاه عمرو بن الليـث فاستخلـف عليها طاهر بن حفص الباذغيسي‏.‏ وجاء الخجستاني إلى علي بن الليث وزين له أن يقيم بخراسان نائباً عنه في أموره وأقطاعه فطلب ذلك من أخيه يعقوب فأذن له‏.‏ فلما ارتحلـوا عـن خراسـان جمـع أحمـد الخجستانـي وأخرج علي بن الليث من بلده سنة إحدى وستين وملـك تونـس وأعـاد دعـوة بنـي طاهـر وملـك نيسابـور سنـة إثنتيـن وستيـن‏.‏ واستقـدم رافـع بـن هرثمة مـن رجالـات بنـي طاهـر فجعلـه صاحـب جيشـه وسـار إلـى هـراة فملكهـا من يد طاهر بن حفص‏.‏ وقتلـه ثم قتل يعمر بن شركب واستولى على بلاد خراسان ومحا منها دعوة يعقوب بن الليث‏.‏ ثـم جـاء الحسـن بـن طاهـر أخـو محمـد بأصفهـان ليخطـب لـه فأبـى فخطـب له أبو طلحة بن شركب بنيسابـور‏.‏ وانتقـض الخجستانـي واضطربـت خراسان فتنة‏.‏ وزحف إليها الحسن بن زيد فقاتلوه وهزموه‏.‏ ثم ملك نيسابور من يد عمرو بن الليث وترك الخطبـة لمحمـد بـن طاهـر وخطـب للمعتمد ولنفسه من بعده كما هو مشروح في أخبار الخجستاني‏.‏

  استيلاء الصفار على الأهواز

قد تقدم لنا استيلاء الصفار على فارس بعد خراسان‏.‏ ثم سار منها إلى الأهواز وكان أحمد بن لسوقة قائد مسرور البلخي على الأهواز قد نزل تستر فرحل عنها ونزل يعقوب جنديسابور وفرت عساكر السلطان من تلك النواحي‏.‏ وبعث يعقوب بالخضر بن العين إلى الأهـواز وعلـي بن أبان والزنج يحاصرونها فتأخروا عنها إلى نهر السدرة‏.‏ ودخل الخضر الأهواز وملكها بدعوة الصفار‏.‏ وكان عسكره وعسكر الزنج يغير بعضهم على بعض ثم أوقع الزنج بعسكره ولحق الخضر بعسكر مكرم واستخرج ابن أبان ما كان في الآهواز ورجع إلى نهر السدرة‏.‏ وبعث يعقوب الإمداد إلى الخضر وأمره بالكف عن قتال الزنج والمقام بالأهواز فوادع الزنج وشحن الأهواز بالأقوات وأقام‏.‏

  وفاة يعقوب الصفار وولاية عمرو أخيه

ثم توفي يعقوب الصفار في شوال سنة خمس وستين بعد أن افتتح الزنج وقتل ملكها وأسلم أهلها على يده‏.‏ وكانت مملكة واسعة الحدود‏.‏ وافتتح زابلستان وهي غزنه وأعمالها‏.‏ وكان المعتمد قد استماله وولاه على سجستان والسند‏.‏ ثم تغلب على كرمان وخراسان وفارس وولـاه المعتمـد علـى جميعهـا‏.‏ ولمـا مات قام مكانه أخوه عمر بن الليث وكتب إلى المعتمد بطاعته فولـاه الموفـق مـن قبـل أعمـال أخيه وهي خراسان وأصفهان وسجستان والسند وكرمان والشرطـة ببغـداد‏.‏ وبعـث إليـه بالخلـع فولـي عمـرو بـن الليـث علـى الشرطـة ببغـداد وسر من رأى من قبلـه عبيـد اللـه بـن عبيـد اللـه بـن طاهـر‏.‏ وخلـع عليـه الموفـق وعمـرو بـن الليـث‏.‏ وولي على أصفهان مسير عمرو بن الليث إلى خراسان لقتال الخجستاني قـد تقـدم ذكـر الخجستانـي وتغلبـه علـى نيسابـور وهـراة بدعـوة بني طاهر سنة إثنتين وستين فلما توفي يعقوب سار عمرو إلـى خراسـان سنـة خمـس وستيـن واستولـي علـى هـراة‏.‏ وسـار الخجستانـي بنيسابـور فقاتلـه فانهـزم عمـرو ورجـع إلـى هراة‏.‏ وكان الفقهاء بنيسابور يشيعون لعمرو لولايـة الخليفـة إيـاه فأوقـع الخجستانـي الفتنـة بينهـم بالميـل إلـى بعضهـم وتكريمهـم عـن بعض ليشغلهم بها ثـم سـار إلـى هـراة سنـة سبـع وستيـن وحاصـر عمـرو بـن الليـث فلم يظفر بشيء فتركه وخالفه إلى سجستـان‏.‏ ووثـب أهـل نيسابـور بنائبـه عليهـم وأمدهم عمرو بن الليث بجنده فقبضوا على نائب الخجستاني وأقاموا بها ورجع الخجستاني من سجستان فأخرجهم وملكها‏.‏ وكان أبو منصور طلحة بن شركب محاصراُ لبلخ من قبل ابن طاهر‏.‏ وكاتبه عمرو بن الليث واستقدمه وأعطاه أموالاً واستخلفه على خراسان ورجع إلى سجستان‏.‏ وبقي أبو طلحة بخراسان والخجستاني يقاتله إلى أن قتل الخجستاني سنة ثمان وستين قتله بعض مواليه كما مر في أخباره مع رافع بخراسان‏.‏ كـان رافـع بـن هرثمـة مـن قـواد بنـي طاهـر بخراسان فلما ملكها يعقوب سار إليه واستقر في منزله بتأمين من قرى باذغيس‏.‏ فلما قتل الخجستاني اجتمع الجيش على رافع وهو بهراة فأقروه عليهم‏.‏ وكان أبو طلحة بن شركب قد سار مـن جرجـان إلـى نيسابـور فسـار إليـه رافـع وحاصرهـا‏.‏ وخـرج عنهـا أبـو طلحـة إلـى مـرو وخطـب بها وبهراة لمحمد بن طاهر وولي على هراة مـن قبلـه‏.‏ ثم زحف إليه عمرو بن الليث فغلبه عليها وولي عليها محمد بن سهيل بن هاشم‏.‏ ورجع وبعث أبو طلحة إلى إسماعيل بن أحمد يستنجده فأنجده بعسكر سار بهم إلى مرو وأخـرج منها محمد بن سهل وخطب لعمرو بن الليث وذلك في شعبان سنة إحدى وسبعين‏.‏ ثـم عـزل المعتمد عمرو بن الليث عن سائر أعمال خراسان وقلدها الموفق محمد بن طاهر وهو مقيـم ببغـداد فاستخلـف محمـد عليهـا رافـع بن هرثمة وأقر نصر بن محمد أحمد الساماني على ما وراء النهر فسار رافع إلى إسماعيل يستنجده على أبي طلحة فجاءه في أربعة آلاف مدداً‏.‏ واستقـدم رافـع أيضـاً علي بن الحسين المروروذي وساروا جميعاً إلى أبي طلحة وهو بمرو سنة إثنتين وسبعين وغلبوه عليها ولحق بهراة وعاد إسماعيل إلى خوارزم فجبي أموالها ورجع إلى نيسابور‏.‏

  حروب عمرو مع عساكر المعتمد ومع الموفق

ولما عزل المعتمد عمرو بن الليث عن خراسان أمر بلعنه على المنابر وأعلم حاج خراسان بذلك وقلد محمد بن طاهر أعمالها فاستخلف عليها رافع بن الليث وكتب المعتمد إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف بعزله عن أصفهان والري‏.‏ وبعث إليه العساكر لقتاله سنة إحدى وسبعيـن فزحـف إليـه عمـرو فـي خمسـة عشـر ألفـاً مـن المقاتلة فهزمه أحمد بن عبد العزيز والعساكر واستباحوا معسكره ودفعوه عن أصفهان والري‏.‏ وكان المعتمد لما عزله ولعنه بعث صاعد بن مخلـد فـي العساكـر إلـى فـارس لقتال عمرو بن الليث وإخراجه من فارس فسار لذلك ولم يظفر‏.‏ ورجع سنة إثنتين وسبعين‏.‏ ثـم سـار الموفـق سنـة أربـع وسبعيـن إلـى فـارس لحـرب عمـرو بـن الليـث فسيـر عمـرو قائـده عباس بن إسحـاق إلـى شيـراز وابنـه محمـد بـن عمـرو إلى أرجان وبعث على مقدمته أبا طلحة بن شركب صاحـب جيشـه فاستأمن أبو طلحة إلى الموفق‏.‏ وفت ذلك في عضد عمرو وخام عن لقائه‏.‏ وسـار الموفـق إلـى شيـراز وإرتـاب بأبـي طلحـة فقبـض عليـه‏.‏ وملـك الموفق فارس وعاد عمرو إلى كرمان فسار الموفق في طلبه فلحق بجستان على المفازه‏.‏ وتوفي ابنه محمد بن عمرو بها‏.‏ وامتنعت كرمان وسجستان على الموفق فعاد إلى بغداد‏.‏ وإرتاب عمرو بن الليث بأخيه علي فحبسه بكرمان وحبس معه ابنه المعدل الليث فهربوا من محبسهم ولحقوا برافع بن الليث عندما ملك طبرستان وجرجان من محمد بن زيد العلوي سنة سبـع وسبعيـن فأقامـوا عنـده وهلـك علـي بـن الليـث وبقـي ولـده عنـده‏.‏ ثـم رضـي المعتمـد عـن عمرو بـن الليـث وولـاه الشرطـة ببغـداد وكتـب اسمـه علـى غلام والترسة سنة ست وسبعين‏.‏ واستخلف في الشرطة عبيد الله بن عبيد الله بن طاهر‏.‏ ثم سخطه لسنة ومحا اسمه من الإعلام‏.‏

  ولاية عمرو بن الليث على خراسان ثانياً ومقتل رافع بن الليث

ثم سخط المعتمد رافع بن الليث لإمتناعه من تخلية قرى السلطان بالري بعد أن أمره بذلك فكتـب إلـى أحمـد بـن عبـد العزيـز بـن أبـي دلـف يأمـره بمحاربـة رافـع وإخرجه عن الري‏.‏ وكتب إلى عمرو بن الليث بولاية خراسان‏.‏ وحارب أحمد بن عبد العزيز سنة ثمانين فقاتله أخويه عمر وبكراً ابني عبد العزيز فهزمهما إلى أصفهان وأقام بالري باقي سنته‏.‏ ثم سار إلى أصفهان فملكها سنة إحدى وثمانين وعاد إلى جرجان‏.‏ ووافى عمرو بن الليث خراسان والياً عليها بجموعـه‏.‏ وتـورط رافـع بـن الليـث ورجع إلى مصالحة محمد بن زيد على أن يعيد إليه طبرستان فصالح محمد بن زيد وخطب له بطبرستان سنة إثنتين وثمانين على أن يمده بأربعة آلاف من الديلم‏.‏ وسـار عـن طبرستـان إلـى نيسابـور سنـة ثلـاث وثمانيـن فحاربـه عمـرو وهزمه إلى أبيورد وأخذ منه المعدل والليث ابني أخيه‏.‏ ثم أراد رافع المسير إلى هراة فأخذ عليه عمرو الطريق لسرخس وسرب رافع في المضايق ونكب عن جمهور الطريق فدخل نيسابور وحاصره فيها عمرو بن الليث‏.‏ ثم برز للقائه واستأمن بعض قواد رافع إلى عمرو فانهزم رافع وأصحابه وبعث إلى محمـد بـن وهـب يستمـده كما شرط له‏.‏ وكان عمرو قد حذر محمد بن زيد من إمداده فأقصر عن ذلك وتفرق عن رافع أصحابه وغلمانـه‏.‏ وكانـوا أربعـة آلـاف غلـام‏.‏ وفارقـه محمـد بـن هارون إلى أحمد بن إسماعيل بن سمان ببخارى وخرج رافع منهزماً إلى خوارزم في فل من العسكر وحمـل بقيـة المـال والآلـة وذلـك فـي رمضـان سنـة ثلـاث وثمانيـن‏.‏ فلمـا رآه صاحـب خـوارزم أبـو سعيـد الفرغانـي فـي قلـة مـن العسكر غدر به وقتله في أول شوال وحمل رأسه إلى عمرو بن الليث بنيسابور فأنفذه عمرو إلى بغداد فكتب إليه المعتضد بولاية الري مضافة إلى خراسان وأنفذ له الألوية والخلع سنة أربع وثمانين‏.‏

  استيلاء بن سامان على خراسان وهزيمة عمرو بن الليث وحبسه ثم مقتله

لما بعث عمرو بن الليث برأس رافع بن هرثمة إلى المعتضد طلب ولاية ما وراء النهر فولاه وبعث إليه بالخلع واللواء فسرح عمرو الجيوش من نيسابور مع قائده محمد بن بشير وغيره من قـواده لمحاربـة إسماعيل بن أحمد وانتهوا إلى آمد فعبر إسماعيل جيحون وهزمهم وقتل محمد بن بشيـر وغيـره مـن قـواده‏.‏ ورجـع الفـل إلـى عمـرو بنيسابـور‏.‏ وعـاد إسماعيـل إلى بخارى وتجهز للسير إلـى إسماعيـل وسـار إلـى بلـخ وبعـث إليـه إسماعيـل أنـك قـد حـزت الدنيا العريضة فاتركني في هذا الثغر فأبى‏.‏ وعبر إسماعيل وأخذ عليه الجهات فصار محصوراً‏.‏ وندم وطلب المحاجزة فأبى إسماعيـل وقاتلـه فانهـزم عمـرو ونكـب عـن طريـق العسكر إلى مضيق ينفرد فيه‏.‏ وتوارى في أجمة فوحلت به دابته ولم يتفطن له أصحابه فأخذ أسيراً وبعث به إسماعيل إلى المعتضد بعد أن خيـره فاختـار المسيـر إليـه ووصـل إلـى بغـداد سنة ثمان وثمانين وأدخل على جمل وحبس‏.‏ وبحث المعتضد إلى إسماعيل بولايته خراسان إلـى أن توفـي المعتضـد‏.‏ وجـاء المكتفـي إلـى بغـداد‏.‏ وكـان فـي نفسه اصطناعه‏.‏ وكره ذلك الوزير القاسم بن عبيد الله فوضع عليه من قتله سنة تسع وثمانين‏.‏

  ولاية بن محمد بن عمرو على سجستان وكرمان ثم على فارس

ولما أسر عمرو سار إلى محبسه قام مكانه بسجستان وكرمان حافده طاهر بن محمد بـن عمـرو وهـو الـذي مـات أبوه محمد بمفازة سجستان عندما هرب عمرو أمام الموفق من فارس ثم سـار طاهـر إلـى فـارس وسـار إليهـا فـي الجيـوش سنـة ثمـان وثمانيـن‏.‏ اعترضـه بدر فعاد طاهر إلى سجستـان وملـك بـدر فارس وجبي أموالها‏.‏ ثم بعث طاهر بن محمد سنة تسع وثمانين يطلب المقاطعة على فارس بمال يحمله‏.‏ وكان المعتضد قد توفي فعقد له المكتفي عليها‏.‏ وتشاغل طاهر بالصيد واللهو ومضى إلى سجستان فغلب على الأمر بفارس الليث ابن عمه علي بن الليث وسيكري مولي جده عمرو وكان معهما أبو فارس قائد طاهر فلحق بالخليفة المكتفي وكتب طاهر رده بما جباه من المال ويحتسب له من جملته فلم يجب إلى ذلك‏.‏

  استيلاء الليث على فارس ثم مقتله واستيلاء سيكري

ولمـا تغلـب سيكـري علـى فارس لحق الليث بن علي بطاهر ابن عمه وزحف طاهر إلى فارس فهزمـه السيكـري وأسـره وبعـث بـه وبأخيـه يعقـوب إلى المقتدر سنة سبع وتسعين‏.‏ وضمن فارس بالحمـل الـذي كـان قـرره فولـاه علـى فـارس‏.‏ ثم زحف إليه الليث بن علي بن الليث فملك فارس الليث للقائهم‏.‏ وجاءه الخبر بأن الحسين بن حمدان سار من قم مداداً لمؤنس فركب لإعتراضه وتاه الدليل عن الطريق فأصبح على معسكر مؤنس فثاروا واقتتلوا وانهزم عسكر الليث وأخذ أسيراً‏.‏ وأشار أصحاب مؤنس بأن بقبض على سيكري معه ويملك بلاد فارس ويقره الخليفة فوعدهـم بذلـك ودس إلـى سيكـري بـأن يهـرب إلـى شيـراز‏.‏ وأصبـح يلـوم أصحابـه علـى ظهـور الخبر من جهتهم وعاد بالليث إلى بغداد واستولي سيكري على فارس واستبد كاتبه عبد الرحمن بـن جعفـر علـى أمـوره فسعـي فيـه أصحابه عند سيكري حتى قبض عليه وحملوه على العصيان فمنع الحمل فكتب هو من محبسه إلى الوزير ابن الفرات يعرفه بأمرهم‏.‏ وكتب ابن الفرات إلى مؤنـس وهو بواسط يأمره بالعود إلى فارس ويعاتبه حيث لم يقبض على سيكري فسار مؤنس إلى الأهواز وراسله سيكري وهاداه‏.‏ وعلم ابن الفرات بميل مؤنس إليه فأنفذ وصيفاً وجماعة من القواد ومعهم محمد بن جعفر وأمرهم بالتعويل عليه في فتح فارس‏.‏ وكتب إلى مؤنس باستصحاب الليث إلى بغداد ففعل وسار محمد بن جعفر إلى فارس ودافع سيكري على شيراز فهزمه وحاصره بها وحاربه ثانية فهزمه ونهب أمواله ودخل سيكري مفازة خراسان فظفرت به جيوش خراسان وأسروه وبعثوا به إلى بغداد وولي على فارس فتح خادم الأفشين‏.‏

  انقراض ملك بني الليث من سجستان وكرمان

وفي سنة ثمان وتسعين توفي فتح صاحب فارس فولي المقتدر مكانه عبد الله بن إبراهيم المسمعي وأضاف إليه كرمان من أعمال بني الليث‏.‏ وسار أحمد بن إسماعيل بن سامان إلى الـري فبعـث منهـا جيوشـه إلـى سجستـان سنـة ثمـان وتسعيـن مـع جماعـة مـن قـواده وعليهـم الحسن بن علـي المروروذي‏.‏ وكانت سجستان لما أسر طاهر سنة سبع وتسعين ولي بها بعده الليث بن علـي بـن الليـث‏.‏ فلمـا أسـر الليث كما تقدم ولي بعده أخو المعدل ين علي بن الليث‏.‏ فلما بلغه مسيـر هـذه العساكـر إليـه مـن قبـل أحمـد بن إسماعيل بعث أخاه أبا علي بن الليث محمد بن علي بن الليث إلى بست والرخج ليجبيهما ويبعث منهما إلى سجستان بالميرة فسار إليه أحمد بن إسماعيـل بـن سامـان وعلـى سجستـان أبـو صالـح منصور ابن عمه إسحاق بن أحمد بن إسماعيل بن سامان وعلى إلى سجستان في المفازة فبعث إليه جيشاً فأخذه وكتب الأمير أحمد إلى المقتدر بالخبر وبالفتح فأمره بحمل سيكري والليث فبعث إلى بغداد وحبسهما‏.‏

  ثورة أهل سجستان بأصحاب ابن سامان

ودعوتهم إلى بن عمرو ابن الليث بن الصفار ثم عودهم إلي طاعة أحمد بن إسماعيل بن سامان كـان محمـد بن هرمز ويعرف بالمولي الصندلي خارجياً وهو من أهل سجستان‏.‏

  خرج أيام بني سامان وأقام ببخارى وسخط بعض الأعيان بها

فسار إلى سجستان واستمال جماعة من الخـوارج رئيسهم ابن الحفار فخرجوا وقبضوا على منصور بن إسحاق عاملهم من بني سامان وحبسـوه وولـوا عليهـم عمرو بن يعقوب بن محمد بن الليث وخطبوا له فبعث أحمد بن إسماعيل الجيـوش ثانيـاً مـع الحسيـن بـن علـي سنة ثلاثمائة وحاصرها ستة أشهر‏.‏ ومات الصندلي فاستأمن عمـرو بـن يعقـوب الصفـار وابـن الحفـار إلـى الحسيـن بن علي وخرج منصور بن إسحاق من محبسه ‏.‏ واستعمل أحمد بن إسماعيل على سجستان سيجور الدواني ورجع الحسين بالجيوش إلى الأمير أحمد ومعه يعقوب وابن الحفار في ذي الحجه سنة ثلاثمائة‏.‏

  استيلاء خلف بن أحمد بن علي على سجستان ثم انتفاضهم عليه

كان خلف بن أحمد من ذرية عمرو بن الليث الصفار وهو بسطة برسمه بانوا ولما فشل أمر بنـي سامـان استولـي علـى سجستـان وكـان مـن أهـل العلـم ويجالسهـم‏.‏ ثم حج سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائـة واستخلـف علـى أعماله طاهر بن الحسين من أصحابه فلما عاد من الحج انتقض عليه طاهر بن الحسين فسار خلف إلى بخارى مستجيشاً بالأمير منصور بن سامان فبعث معه العساكر وملك سجستان وكثرت أمواله وجنوده‏.‏ وقطع ما كان يحملـه إلـى بخـارى فسـارت العساكر إليه ومقدمهم وحاصروا خلف ابن أحمد في حصن أوال من أمنع الحصون وأعلاها‏.‏ ولما اشتد به الحصار وفنيت الأموال والآلات كتب إلى نوح بن منصور صاحب بخارى بأن يستأمنـه ويرجـع إلـى دفـع الحمـل فكتب نوح بن منصور إلى أبي الحسن بن سيمجور عامله على خراسان وقد عزل بالمسير إلى حصار خلف فسـار مـن قهستـان إلـى سجستـان وحاصـر خلف وكانت بينهما مودة فأشار عليه سيمجور بتسليم حصن أرك للحسن لتتفرق الجيوش عنه إلى بخارى ويرجع هو إلى شأنه مع صاحبه فقبل خلف مشورته‏.‏ ودخل سيمجور إلى حصـن أرك وخطـب فيـه للأميـر نـوح‏.‏ ثـم سلمـه للحسـن بـن طاهر وانصرف إلى بخارى وكان هذا أول وهن دخل على بني سامان من سوء طاعة أصحابهم‏.‏

  استيلاء خلف بن أحمد على كرمان

ثم إنتزاع الديلم لها ولمـا استفحـل أمـر خلـف بسجستان حدث نفسه بملك كرمان وكانت في أيدي بني بويه وملكهم يومئـذ عضـد الدولـة فلمـا وهن أمرهم ووقع الخلف بين صمصام الدولة وبهاء الدولة ابني عضد الدولة جهز العساكر إلى كرمان وعليهم عمرو ابنه وقائدهم يومئذ تمرتاش من الديلم‏.‏ فلمـا قاربها عمرو هرب تمرتاش إلى بردشير وحمل ما أمكنه وغنـم عمـرو الباقـي وملـك كرمـان وجبـي الأمـوال‏.‏ وكـان صمصام الدولة صاحب فارس فبعث العساكر إلى تمرتاش مع أبي جعفر وأمره بالقبض عليه لإتهامه بالميل إلى أخيه بهاء الدولة فسار وقبض عليه وحمله إلى شيراز‏.‏ وسار بالعساكر إلى عمرو بن خلف فقاتله عمرو بدار زين‏.‏ وانهزم الديلم وعادوا على طريق جيرفت وبعث صمصام الدولة عسكراً آخر مع العباس بن أحمد من أصحابه فلقوا عمرو بن خلف بالسيرجان في المحـرم سنـة إثنتيـن وثمانيـن فهزمـوه‏.‏ وعـاد إلـى أبيـه بسجستـان مهزومـاً ووبخـه ثـم قتله‏.‏ ثـم غزل صمصام الدولة العباس عن كرمان فأشاع خلف بأن أستاذ هرمز سمه واستنفر الناس لغزو كرمان وبعثهم مع ابنه طاهر فانتهـوا إلـى برماشيـر وملكوهـا مـن الديلـم‏.‏ ولحـق الديلـم بجيرفت واجتمعوا بهـا وبعثـوا بهـا إلـى بردشيـر حاميـة مـن العسكـر وهـو أصـل بلـاد كرمـان ومصرهـا فحصرهـا طاهـر ثلاثـة أشهـر وضيق على أهلها وكتبوا إلى أستاذ هرمز يستمدونه قبل أن يغلبهـم عليهـا طاهـر فخاطر بنفسه وركب إليهم المضايق والأوعار حتى دخلها‏.‏ وعاد طاهر إلى سجستان واستنفر الناس لغزو الديلم بجيرفت واجتمعوا بها وبعثوا إلى بردشير حامية من العسكر وهو أصل بلاد كرمان وذلك سنة أربع وثمانين‏.‏

  استيلاء طاهر بن خلف على كرمان وعوده عنها ومقتله

كـان طاهر بن خلف من العقوق لأبيه على عظيم وانتقض عليه وجرت بينهما وقائع كان الظفر بهـا لخلـف ففـارق طاهـر سجستان وسار إلى كرمان وبها الديلم عسكر بهاء الدولة فصعد إلى جبالهـا واحتمـى بقـوم هنالـك كانـوا عصـاة ونـزل علـى جيرفـت فملكهـا ولقيـه الديلـم فهزمهم واستولـي علـى الكثيـر ممـا بأيديهـم فبعـث بهـاء الدولـة عسكـراً مـع أبي جعفر بن أستاذ هرمز فغلب طاهـراً علـى كرمـان فعـاد إلى سجستان وقاتل أباه فهزمه وملك البلاد‏.‏ وامتنع أبوه خلف ببعض حصونه وكان الناس قد سئموا منه لسوء سيرته فرجع إلى مخادعة ابنه فتواعدا اللقاء تحت القلعة وأكمن له بالقرب كميناً فلما لقيه خرج الكمين واستمكن منه أبوه خلف فقتله أبوه‏.‏

  استيلاء محمود بن سبكتكين على سجستان ومحو أثار بني الصفار منها

كـان خلـف بـن أحمـد قـد بعـث ابنـه طاهـراً إلـى قهستـان فملكهـا ثـم إلـى بوشنـج كذلـك‏.‏ وكانـت هي وهراة لبغراجق عم محمود وكان محمود مشتغلاً بالفتنة مع قواد بني سامان فلما فرغ منهـا إستأذنه عمـه فـي إخـراج طاهـر بـن خلـف فـأذن لـه‏.‏ وسـار إليـه سنـة تسعيـن وثلاثمائـة ولقيـه بنواحـي بوسنـج فهزمـه ولـج فـي طلبـه فكـر عليـه طاهـر وقتلـه فساء ذلك محموداً وجمع عساكره وسار إلى خلف بن أحمد وحاصره بحصن أصبهيل وضيـق عليـه حتـى بـذل لـه أمـوالاً جليلـة وأعطـاه الرهن عليها فأفرج عنه‏.‏ ثم عهد خلف بملكه إلى ابنه وعكف على العبادة والعلم خوفاً من محمود بن سبكتكين فلما استولي طاهر على الملك عق أباه وكان من أمره ما تقدم‏.‏ ولما قتل طاهر تغيرت نيات عساكره وساءت فيه ظنونهم‏.‏ واستدعوا محمود بن سبكتكين وملكوه مدينتهم‏.‏ وقعد خلف في حصنه وهو حصن الطاق له سبعة أسوار محكمة وعليها خندق عتيق له جسر يرفع ويحط عند الحاجة فحاصره محمود سنـة ثلـاث وتسعيـن وطـم الخندق بالأعواد والتراب في يوم واحد وزحف لقتاله بالخيول‏.‏ وتقدم عظيمها فافتلع باب الحصن بنابه وألقاه وملك محمود السور الأول‏.‏ ودفع عنه أصحاب خلف إلى السور الثاني ثم إلى الثالث كذلك فخرج خلف واستأمن وحضر عنده محمود وخيره في المقام حيث شاء من البلاد فاختار الجوزجان وأقام بها أربع سنين‏.‏ ثم نقل عنه الخوض في الفتنة وأنه راسـل أيلكخـان يغريـه بمحمود فنقله إلى جردين وحبسه هنالك إلى أن هلك سنة تسع وتسعين وورثه ابنه أبو حفص‏.‏ ولما ملك محمود سجستان واستنزل خلـف مـن حصـن بالطـاق ولـي علـى سجستـان أحمـد الفتحـي مـن قـواد أبيـه‏.‏ ثم انتقض أهل سجستان فسار إليهم محمود سنة ثلاث وتسعين في ذي الحجة وحصرهم في حصن أول واقتحمه عليهم عنوة وقتل أكثرهم وسبى باقيهم حتى خلت سجستان منهم وصفاً ملكها له فأقطعها أخاه نصراً مضافة إلى نيسابور وانقرض ملك بني بالصفار وذويهم من سجستان والبقاء لله وحده‏.‏

  الخبر عن دولة بني سامان ملوك ما وراء النهر المقيمين بها

الدولة العباسية وأولية ذلك ومصادره ‏:‏ أصل بني سامان هؤلاء من العجم كان جدهم أسد بن سامان من أهل خراسان وبيوتها وينتسبون في الفرس إلى بهرام حشيش الذي ولاه كسرى أنوشروان مرزبان أذربيجان‏.‏ وبهرام حشيش من أهل الري ونسبهم إليه هكذا‏:‏ أسد بن سامان خذاه بن جثمان بن طغان بن نوشردين بن بهرام نجرين بن بهرام حشيش‏.‏ ولا وثوق لنا بضبط هذه الأسماء‏.‏ وكان لأسد أربعة من الولد‏:‏ نوح وأحمد ويحيى وإلياس وأصل دولتهم هذه فيما وراء النهر أن المأمون لما ولي خراس اصطنع بني أسد هؤلاء وعرف لهم حق سلفهم واستعملهم‏.‏ فلما انصرف إلى الجـراق ولـي علـى خراسـان غسـان كبـن عبـاد مـن قرابـة الفضـل بـن طاهـر مكـان ابنه إسحاق ومحمد بـن إليـاس‏.‏ ثم مات أحمد بن أسد بفرغانة سنة إحدى وستين وكان له من الولد سبعة‏:‏ نصر ويعقوب ويحيى وإسماعيل وإسحـاق وأسـد وكنيتـه أبـو الأشعـث وحميـد وكنيتـه أبـو غانـم‏.‏ ولمـا توفـي أحمد وكانت سمرقند من أعماله استخلف عليها ابنه نصراً وأقام في ولايتها أيام بني طاهر وبعدهم‏.‏ وكان يلي أعماله من قبل ولاة خراسان إلى حين انقراض أمر بني طاهر واستيلاء ولاية نصر بن أحمد على ما وراء النهر ولما استولي الصفار على خراسان وانقرض أمر بني طاهر عقد المعتمد لنصر بن أحمد على أعمـال مـا وراء النهـر فبعـث جيوشـه إلـى شـط جيحـون مسلحـة مـن عبور الصفار فقتل مقدمهم‏.‏ ورجعوا إلى بخارى وخشيهم واليها على نفسه ففر عنها‏.‏ وولوا عليهم ثم عزلوا ثم ولوا ثم عزلوا فبعث نصر أخاه إسماعيل على شط بخارى‏.‏ وكان يعظـم محلـه ويقـف فـي خدمتـه‏.‏ ثـم ولـي علـى غزنـة أبـا اسحـاق بـن التكيـن‏.‏ ثـم ولـي علـى خراسـان مـن بعـد ذلـك رافـع بـن هرثمـة بولايـة بني طاهر وأخرج عنها الصفار وحصلت بينه وبين إسماعيل أعمال خوارزم فولاه إياهـا وفسـد مـا بيـن إسماعبـل وأخيـه نصر وزخف إليه سنة إثنتين وسبعين فأرسل قائده حمويه بـن علـي إلـى رافـع يستنجـده فسـار إليـه بنفسـه منهـا وأصلح بينهما ورجع إلى خراسان ثم انتقض ما بينهما وتحاربا سنة خمس وسبعين وظفر إسماعيل بنصر‏.‏ ولما حضـر عنـده ترجـل لـه إسماعيل وقبل يده ورده إلى كرسي إمارته بسمرقند‏.‏ وأقام نائباً عنه ببخارى وكان إسماعيل خيراً مكرماً لأهل العلم والدين‏.‏

  وفاة نصر بن أحمد وولاية أخيه إسماعيل على ما وراء النهر

ثم توفي نصر سنة تسع وسبعين وقام مكانه في سلطان ما وراء النهر أخوه إسماعيل وولاه المعتضـد‏.‏ ثـم ولـاه خراسـان سنـة سبـع وثمانيـن وكـان سبـب ولايتـه علـى خراسـان أن فـي الليث كان المعتضد ولاه خراسان وأمره بحرب رافع بن هرثمة فحاربه وقتله وبعث برأسه إلي المعتضد وطلـب منـه ولايـة مـا وراء النهـر فولـاه وسيـر العساكر لمحاربة إسماعيل بن أحمد مع محمد بن بشير مـن خواصـه فانتهـوا إلـى آمـد بشـط جيجون‏.‏ وعبر إسماعيل فهزمهم وقتل محمد بن بشير ورجع إلـى بخـارى فسـار عمـرو بـن الليـث مـن نيسابـور إلي بلخ يريد العبور إلى ما وراء النهر فبعث إليه إسماعيل يستعطفه بأن الدنيا العريضة في يدك وإنما لي هذا الثغر فأبى ولج‏.‏ وعبر إسماعيل النهر وأحاط به وهو على نجد فصار محصوراً وسأل المحاجزة إسماعيل وقاتله فهزمه‏.‏ وأخذه بعض العسكر أسيراً وبعث به إلى سمرقند‏.‏ ثم خيره في انفاذه إلى المعتضد فاختـاره فبعـث بـه إليـه ووصل إلى بغداد سنة ثمان وثمانين وأدخل على جمل وحبس‏.‏ وأرسل المعتضد إلى إسماعيل بولاية خراسان كما كانت لهم فاستولي عليها وصارت بيده‏.‏ ولما قتل عمـرو بـن الليـث طمع محمد بن زيد العلوي صاحب طبرستان والديلم في ملك خراسان فسار إليها وهو يظن أن إسماعيل بن أحمد لا يريدها ولا يتجاوز عمله فلما سار إلى جرجان وقد وصـل كتـاب المعتضـد إلـى إسماعيـل بولايـة خراسـان فكتب إليه ينهاه عن المسير إليها فأبى فسرح إليـه محمـد بن هارون قائد رافع وكان قد فارقه عند هزيمته ومقتله‏.‏ ولحق بإسماعيل فسرحه في العساكر لقتال محمد بن زيد العلوي ولقيه على جرجان فانهزم محمد بن زيد وغنم ابن هارون عسكره وأصابت محمد بن زيد جراحات هلك لأيام منها‏.‏ وأسـر ابنـه زيـد فأنزلـه إسماعيل ببخارى وأجرى عليه وسار محمد بن هارون إلى طبرستان فملكها وخطب فيها لإسماعيل وولاه إسماعيل عليها‏.‏

  استيلاء إسماعيل على الري

كـان محمـد بـن هـارون قد انتقض في طبرستان على إسماعيل وخلع دعوة العباسية وكان الوالي على أهل الري من قبل المكتفي أغرتمش التركي وكان سيء السيرة فيهم استدعوا محمد بن هارون من طبرستان فسار إليهم وحارب أغرتمش فقتله وقتل ابنين وأخاه كيغلغ من قواد المكتفـي‏.‏ واستولـي علـى الـري فكتـب المكتفـي إلى إسماعيل بولاية الري وسار إليها فخرج محمد بن هارون عنها إلى قزوين وزنجان وعاد إلى طبرستان واستعمل إسماعيل بولاية الذين على جرجـان فـارس الكبير‏.‏ وألزمه بإحضار محمد بن هارون فكاتبه فارس وضمن له إصلاح حاله فقبـل قولـه وانصـرف عـن حسـان الديلمـي إلـى بخـارى فـي شعبـان سنـة تسعيـن‏.‏ ثـم قبـض فـي طريقـه وأدخل إلى بخارى مقيداً فحبس بها ومات لشهرين‏.‏

  وفاة إسماعيل بن أحمد وولاية ابنه أحمد

ثـم توفـي إسماعيـل بـن أحمـد صاحب خراسان وما وراء النهر في منتصف سنة خمس وتسعين وكان يلقب بعد موته بالماضي وولي بعده أبو نصر أحمد وبعث إليه المكتفي بالولاية وعقد له لواء بيده‏.‏ وكان إسماعيل عادلاً حسن السيرة حليماً‏.‏ وخرجت الترك في أيامه سنة إحدى وتسعين إلى ما وراء النهر في عدد لا يحصى يقال كان معهم سبعمائة قبة وهي لا تكون إلا للرؤسـاء فاستنفـر لهـم إسماعيـل النـاس وخـرج مـن الجنـد والمتطوعة خلق كثير‏.‏ وخرجوا إلى الترك وهـم غـازون فكبسوهـم مصبحين وقتلوا منهم ما لا يحصى وانهزم الباقون واستبيح عسكرهم‏.‏ ولما مات وولي ابنه أبو نصر أحمد واستوسق أمره ببخارى بهث عن عمه إسحاق بن أحمد من سمرقند فقبض عليه وحبسه‏.‏ ثم عبر إلى خراسان ونزل نيسابور وكان فارس الكبير مولي أبيه عاملاً على جرجان وكان ظهر له أن عزله عن جرجان بفارس هذا‏.‏ وكان فارس قد ولي الري وطبرستان وبعث إلى إسماعيـل بن أحمد بثمانين حملأ من المال‏.‏ فلما سمع بوفاة إسماعيل استردها من الطريق وحقد لـه أبـو نصـر ذلـك كلـه فخافـه فـارس‏.‏ فلمـا نـزل أبـو نصر نيسابور كتب فارس إلى المكتفي يستأذنه فـي المسيـر إليـه وسـار فـي أربعـة آلـاف فـارس واتبعـه أبـو نصـر فلـم يدركـه‏.‏ وتحصن منه عامل أبي نصـر بالـري ووصـل إلـى بغـداد فوجـد المقتـدر قـد ولي بعد المكتفي وقد وقعت حادثة ابن المعين فولـاه المقتـدر ديـار ربيعـة وبعثـه في طلب بني حمدان وخشي أصحاب المقتدر أن يتقدم عليهم فوضعوا عليه غلاماً له فسمه ومات الموصل وتزوج الغلام امرأته‏.‏

  استيلاء أحمد بن إسماعيل على سجستان

كانت سجستان في ولاية الليث بن علي بن الليث وخرج إلى طلب فارس فأسره مؤنس الخـادم وحبـس ببغـداد وولـي علـى سجستان أخوه المعدل‏.‏ ثم سار أبو نصر أحمد بن إسماعيل سنة سبع وتسعيـن مـن بخـارى إلـى الـري ثـم إلـى هـراة وطمـع فـي ملـك سجستـان فبعـث إليـه العسكـر فـي محـرم سنة ثمان وتسعين مع أعيان قواده أحمد بن سهل وحمد بن المظفر وسيجور الدواني والحسين بن علي المروروذي‏.‏ فلما بلغ الخبر إلى المعدل بعث أخاه محمد بن علي إلى بست والزنـج فحاصرتـه العساكـر بسجستان‏.‏ وسار أحمد بن إسماعيل إلى بست فملكها وأسر محمد بن علـي‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى المعـدل فاستأمـن إلـى الحسيـن فملكهـا وحمـل المعـدل معـه إلـى بخـارى‏.‏ وولـي الأميـر علـى خستـان أبـا صالـح منصـور ابن عمه إسحاق بن أحمد وكان قد قبض على إسحاق لأول ولايته‏.‏ ثم أطلقه الآن وأعاده إلى سمرقند وفرغانة‏.‏ وقد كان سيكري هزمته عساكر المقتدي بفارس وخرج إلى مفازة سجستان فبعث الحسين عسكراً لإعتراضه وأخذ أسيـراً وبعثـوا بـه وبمحمـد بـن علـي إلـى بغـداد‏.‏ وبعـث المقتـدر إلـى أحمد بالخلع والهدايا‏.‏ ثم انتقض أهل مقتل أبي نصر أحمد بن إسماعيل ابنه نصر ثم قتل أبو نصر أحمد صاحب خراسان ومـا وراء النهـر آخـر جمـادي الآخـرة سنـة إحـدى وثلاثمائة وكان مولعاً بالصيد فخرج إلى برير متصيداً‏.‏ وكان له أسد يربط كل ليلة على باب خيمته فأغفل ليلة فعدا عليه بعض غلمانه وذبحوه على سريره‏.‏ وحمل إلى بخارى فدفن بها ولقب الشهيد وقتل من وجد من أولئك الغلمان‏.‏ وولي الأمير مكانه ابنه أبا الحسن نصر بن أحمـد وهـو ابن ثمان سنين ولقب السعيد‏.‏ وتولي الأمور له أصحاب أبيه ببخارى وحمله على عاتقـه أحمـد بـن الليـث مستولـي الأمـور‏.‏ وانتقـض عليـه أهـل سجستـان وعم أبيه إسحاق بن أحمد بسمرقنـد وابنـاه منصـور وإليـاس ومحمـد بـن الحسيـن ونصـر بـن حمـد وأبـو الحسيـن بـن يوسـف والحسن بن علي المروروذي وأحمد بن سهل وليلى بن النعمان من الديلم صاحب العلويين بطبرستان ومعـه سيجور وأبو الحسين بن الناصر الأطروش وقراتكين‏.‏ وخرج عليه إخوته يحيى ومنصور وإبراهيم بنو أبيه وجعفر بن داود ومحمد بن إلياس ومرداويج ووشكمير ابنا زياد من أمراء الديلم وكان السعيد نصر مظفراً على جميعهم‏.‏

  انتقاض سجستان

ولمـا قتـل أحمـد بـن إسماعيـل انتقـض أهـل سجستـان وبايعـوا للمقتـدر وبعثـوا إليـه وأخرجـوا سيجـور الدوانـي فأضافهـا المقتـدر إلـى بدر الكبير وأنفذ إليها افضل بن حميد وأبا يزيد من قبل السعيد نصر وسعيد الطالقانـي وغزنـة كذلـك فقصدهـا الفضـل وخالـد واستوليـا علـى غزنـة وبستـة وقبضـا علـى سعيـد الطالقانـي وبعثـا بـه إلـى بغـداد‏.‏ وهـرب عبيـد اللـه الجهستانـي‏.‏ ثـم اعتل الفضل وانفرد خالد بالأمور‏.‏ ثم انتقض فأنفذ إليه المقتدر أخا طغج الطولوني فهزمه خالـد وسار إلى كرمان فأنفذ إليه بدر الجيش فأخذ أسيراً ومات وحمل إلى بغداد‏.‏

  انتقاض إسحق العم وابنه إلياس

كان إسحق بن أحمد عم الأمير أحمد بن إسماعيل والياً على سمرقند فلما بلغه مقتل الأمير أحمـد وولايـة ابنـه السعيـد نصر دعا لنفسه بسمرقند وتابعه ابنه إلياس على ذلك‏.‏ وساروا إلى بخارى فبرز إليهم القائد حمويه بن علي فهزمهم إلى سمرقند‏.‏ ثم جمعوا وعادوا فهزمهم ثانية وملك سمرقند من أيديهم عنوة‏.‏ واختفى إسحق وجد حمويـه فـي طلبـه فضـاق بـه مكانـه واستأمـن إلـى حمويـه وحملـه إلـى بخـارى‏.‏ وأقـام بهـا إلى أن هلك ولحق إلياس بفرغانة فأقام بها إلى أن خرج ثانية كما يأتي‏.‏

  ظهور الأطروش واستيلاؤه على طبرستان

قد تقدم لنا في أخبار العلوية شأن دولة الأطروش وبنيه بطبرستان وهو الحسن بن علي بن الحسـن بن علي بن عمرو بن علي بن الحسن السبط وأنه استعمل الأمير أحمد على طبرستان مكانـه أبـا العبـاس أحمـد عبـد اللـه بن محمد بن نوح فأحسن السيرة وعدل في الرعية وكرم العلوية وبالـغ فـي الإكرام والإحسان إليهم‏.‏ واستمال رؤساء الديلم وهاداهم وكان الحسن الأطروش قد دخل إليهم بعد قتل محمد بن زيد وأقام فيهم ثلاث عشرة سنه يدعوهم إلى الإسلام ويقتصر منهـم علـى العشـر ويدافـع عنهـم ملكهـم ابـن حسـان فأسلـم منهـم خلـق كثير واجتمعوا إليه وبني في بلادهم المساجد ودعاهم للمسير معه إلى طبرستان فلم يجيبوه إلى ذلك‏.‏ ثم عزل أبو العباس وتولـي سلـام فلـم يحسـن سياسـة الديلـم فخرجـوا عليـه وقاتلـوه فهزمهـم واستعان بالأمير أحمد السعيد فأعاد الأمير أحمد إليها ابن نوح فاستعمل عليها أبا العباس محمد بن إبراهيم صعلوك ففسد ما بينه وبين الديلم بإساءة السيرة وعدم السياسة‏.‏ فطلبهم الأطروش في الخروج معه فخرجوا ولقيهم ابن صعلوك على مرحلة مـن سالـوس وهـي ثغـر طبرستان فانهزم وقتل من أصحابه أربعة آلاف وحصر الأطروش الباقين ثم أمنهم وعاد إلى آمـد‏.‏ وسـار إليهـم الحسـن بـن القاسم العلوي الداعي صهر الأطروش فقتلهم متعللاً عليهم بأنه لم يحضر لعهدهم‏.‏ واستولي الأطروش على طبرستان سنة إحدى وثلاثمائة أيام السعيد نصـر وخـرج صعلـوك إلى الري متعللاً عليهم ومنها إلى بغداد‏.‏ وكان الذين أسلموا على يد الأطروش الديلم من وراء أسفيجاب إلى آمد فمهم شيعـة زيديـة‏.‏ وكـان الأطـروش زيديـاً‏.‏ وخرجـت طبرستان يومئذ من ملك بني سامان‏.‏

  انتقاض منصور بن إسحق العم والحسين المروروذي

كان الأمير أحمد بن إسماعيل لما افتتح سجستان ولي عليها منصور ابن عمه إسحق وكان الحسين بن علـي هـو الـذي تولـي فتحهـا وطمـع فـي ولايتهـا‏.‏ ثـم افتتحهـا ثانيـاً كمـا ذكرنـا فوليـا سيجـور الدوانـي فاستوحـش الحسيـن لذلك وداخل منصور بن إسحق في الإنتقاض على أن تكون إمارة خراسان لمنصور والحسين بن علي خليفته على أعماله‏.‏ فلما قتل الأمير أحمد انتقض الحسين بهراة وسار إلى منصور بنيسابور فانتقض أيضأ وخطب لنفسه سنة إثنتين وثلاثين‏.‏ وسار القائد حمويه بن علي من بخارى في العساكر لمحاربتهما ومات منصور قبل وصوله فلما قارب حمويـه نيسابـور سـار الحسيـن عنهـا إلـى هـراة وأقـام بهـا وكان محمد بن جند على شرطته من مدة طويلـة‏.‏ وبعـث مـن بخـارى بالنكيـر فخشـي علـى نفسه وعدل عن الطريق إلى هراة فسار الحسين بـن علـي مـن هراة إلى نيسابور بعد أن استخلف عليها أخاه منصوراً فملك نيسابور فسار إلى محاربتـه مـن بخـارى أحمد بن سهل فحاصر هراة وملكها من منصور على الأمان‏.‏ ثم سار إلى نيسابـور فحاصر بها الحسين وملكها عنوة وأسر الحسين سنة إثنتين وثلاثمائة‏.‏ وأقام أحمد بن سهل بنيسابور وجاءه ابن جند مزمر وقبض عليه وسيره والحسين بن علي إلى بخارى‏.‏ فأما ابن جيد مزمر فسير إلى خوارزم ومات بها وأما الحسين فحبس ثم خلصه أبو عبيد الله الجهاني مدبر الدولة وعاد إلى خدمة السعيد نصر‏.‏

  انتقاض أحمد بن سهل بنيسابور وفتحها

كان الأمير أحمد بن سهل من قواد إسماعيل ثم ابنه أحمد ثم ابنه نصر بن محمد‏.‏ قال ابن الأثير‏:‏ وهو أحمد بن سهل بن هاشم بن الوليد بن جبلة بن كامكان بن يزدجرد بن شهربان الملك‏.‏ قال‏:‏ وكان كامكان دهقان بنواحي مرو‏.‏ قال‏:‏ وكان لأحمد أخوة ثلاثة وهم محمـد والفضل والحسين قتلوا في عصبية العرب والعجم‏.‏ وكان خليفة عمرو بن الليث على مرو فسخطه وحبسه بسجستان‏.‏ ثم فر من محبسه ولحق بمرو فملكها واستأمن إلى أحمد بن إسماعيـل‏.‏ وقـام بدعوتـه فاستدعـاه إلـى بخـارى وأكرمه ورفع منزلته ونظمه في طبقة القواد وبقي فـي خدمتـه وخدمـة بنيـه‏.‏ فلمـا انتقـض الحسيـن بـن علـي بنيسابـور علـى السعيد نصر بن أحمد بن إسماعيل سنة إثنتين وثلاثمائة سار إليه أحمد بن سهل في العساكر وظفر به كما مر‏.‏ وولي السعيد نصر بن أحمد بن إسماعيل على نيسابور وقراتكين مولاهم‏.‏ مقتل ليلى بن النعمان ومهلكه كان ليلى بن النعمان من كبار الديلم ومن قواد الأطروش وكان الحسن بن القاسم الداعي قد ولاه على جرجان سنة ثلاث وثلاثمائة وكان أولاد الأطروش يحلونه في كتابهم بالمؤيد لدين الله المنتصر لأولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كريماً شجاعًا‏.‏ولما ولي جرجان سار إليه قراتكين وقاتله عشرة فراسخ من جرجان فانهزم قراتكين واستأمن غلامه فارس إلى ليلى في ألف رجل من أصحابه فأمنه وأكرمه وزوجه أخته‏.‏واستئمن إليه أبو القاسم بن حفص ابن أخت سهل وحرضه على المسير إلى نيسابور وبها قراتيكن‏.‏وكان أجناده قد كثروا وضاقت عليهم الأموال فاستأذن الداعي في المسير إلى نيسابور فأذن له وسار إليها في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثمائة فملكها وأقام بها الخطبة للداعي الحسين بن القاسم‏.‏وأنفذ السعيد نصر العساكر من بخارى مع حمويه بن علي ومحمد بن عبيد الله البلغمي وأبي جعفر صعلوك وخوارزم شاه وسيجور الدواني‏.‏فانهزم أكثر أصحاب حمويه وثيت القواد وجالت العساكر جولة فانهزم ليلى ودخل آمد‏.‏ولحقه بقراخان ملك الترك جاء مع العساكر ممداً فقبض على ليلى في آمد وبعث إلى حمويه بذلك فبعث إليه من قطع رأس ليلى في ربيع سنة تسع وثلاثمائة‏.‏وبعث به إلى بخارى‏.‏وطلب قواد الديلم الذين كانوا مع ليلى الأمان فأمنوهم بعد أن أشار حمويه بقتلهم والراحة منهم فلم فخرج من سارية وولوا عليها بقراخان‏.‏ووصلوا إلى جرجان ثم إلى نيسابور‏.‏ورجع ماكان إلى أستراباذ مع جرجان ولحق بقراخان بنيسابور‏.‏وهذا كان مبتدأ أمر ماكان بن كالي وستأتي أخباره‏.‏خروج إلياس بن إسحق قد تقدم لنا انتقاض إسحق وابنه إلياس بسمرقند سنة إحدى وثلاثمائة وكيف غلبهم القائد حمويه وسار بإسحق إلى بخارى ومات بها‏.‏ولحق ابنه إلياس بفرغانة فأقام بها إلى سنة ست عشرة وثلاثمائة‏.‏وأجمع المسير إلى سمرقند واستظهر بمحمد بن الحسين برمت من قواد بني سامان‏.‏واستمد أهل فرغانة من الترك فأمدوه‏.‏واجتمع إليه ثلاثون ألف فارس وقصد سمرقند‏.‏وبعث السعيد للمدافعة عنها أبا عمرو ومحمد بن أسد وغيره في ألفين وخمسمائة راجل‏.‏فلما ورد إلياس كمنوا له بين الشجر حتى إذا اشتملت عساكره بضرب الأبنية خرجوا عليه فانهزم الحسن بن ست ولحق بأسفيجاب ومنها إلى ناحية طراز وكريت فلقيه دهقان الناحية فقتله وأنفذ رأسه إلى بخارى‏.‏ثم استمد إلياس صاحب الشاش وهو أبو الفضل بن أبي يوسف فأمده بنفسه وبعث إليه اليسع بالمدد وعاود محاربة الوالي بسمرقند فانهزم إلى كاشغر وأسر أبو الفضل وحمل إلى بخارى فمات بها وسار إلياس إلى كاشغر وصاحبها استيلاء السعيد على الري كان المقتدر قد عقد على الري ليوسف بن أبي الساج وسار إليه سنة إحدى عشرة فملكه من يد أحمد بن علي أخي صعلوك‏.‏وقد كان فارق أخاه صعلوكأ وسار إلى المقتدر فولاه على الري‏.‏ثم انتقض على المقتدر ووصل يده بماكان بن كالي قائد الديلم وأولاد الأطروش وهم بطبرستان وجرجان‏.‏وفارق طاعة المقتدر فسار إليه يوسف ابن أبي الساج وحاربه فقتله واستولى على الري‏.‏ثم استدعاه المقتدر سنة أربع عشرة إلى واسط لقتال القرامطة وكتب إلى السعيد نصر بن أحمد بولاية الري فاستخلف عليها وأمره بالمسير إليها‏.‏وأخذها فاتك مولى يوسف بن أبي الساج فسار نصر السعيد لذلك أول سنة أربع عشرة‏.‏فلما وصل إلى جبل قارن منعه أبو نصر الطبري من الإجتياز به فبذل له ثلاثين ألف دينار واسترضاه‏.‏وسار إلى الري فخرج عنها فاتك واستولى عليها السعيد منتصف السنة وأقام بها شهرين ثم عاد عنها إلى بخارى واستعمل عليها محمد بن علي الملقب صعلوك فأقام بها إلى شعبان سنة ست عشرة ومرض فكاتب الداعي وماكان بن كالي في القدوم ليسلم لهم الري فقدموا واستولوا على الري‏.‏وسار صعلوك عنها فمات في طريقه‏.‏وأقام الحسن الداعي بالري مالكاً لها‏.‏واستولى معها على قزوين وزنجان وأبهر وقم ومعه ماكان‏.‏وكان أسفار قد استولي على طبرستان فسار الداعي وماكان إليه والتقوا على سارية فانهزم وقتل الداعي كما مر في أخبار العلوية بطبرستان‏.‏