فصل: وفي سنة أربع وسبعين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  وفي سنة سـت وخمسيـن

سـار موسـى بـن بغـا لحـرب مُسَـاوِرٍ الخارجـيّ فلقيه ساحة جائعين فنال الخـوارج منهـم‏.‏ وفيهـا كـان وثـوب محمـد بـن واصـل بـن إبراهيـم التميمـي علـى الحـارث بـن سيمـا عامـل فارس فقتله وغلب عليها كما مرّ‏.‏ وفيها غلب الحسن بن زيد الطالبي على الري فسار إليها موسى بن بغا وغلب على عساكر الحسن وظهر علي بن زيد بالكوفة وملكها وبعث المعتمد لمحاربة كيجور التركي فخرج عنها إلى القادسية ثم إلى ختان ثمّ إلى بلاد بني أسد‏.‏ وغزاه

  وفي سنة سبـع وخمسيـن

عقـد المعتَمَـدُ لأخيـه المُوَفَـق علـى الكوفة والحَرَمَيْن واليمن ثم على بغداد والسـواد إلـى البصـرة والأهـواز وأمـره أن يعقـد ليارجـوج على البصرة وكور دجلة واليمامة والبحرين مكان سعيد الحاجب‏.‏ وعقد يارجوج على ذلك لمنصور بن جعفر والخياط ونزل الأهواز‏.‏ ثم عقد المعتمد حرب الزنج بالبصرة لأحمد بن المُوَلّد فسار إليه وقاتل الزنج‏.‏ وكان بالبطائح سعيد بن أحمد الباهليّ متغلِّباً عليها فأخذه ابن المولد وبعث به إلى سامرّا‏.‏ وفيها تغلّـب يعقـوب الصفّـار علـى فـارس وبعـض أعمـال خُراسـان وولـاه المعتمد ما غلب عليها وفيها غلب الحَسَنُ بن زيد على خُراسان وانتقضت على ابن طاهر أعمال خُراسان‏.‏ وفيها اقتطـع المعتمـد مصر وأعمالها ليارجوج التُركْيّ فولَى عليها أحمد بن طولون ومات يارجوج لسنة بعدهـا فاستبـدّ ابـن طولـون بهـا وكان عبد العزيز بن أبي دلف على الريّ فخرج عليها خوفاً من جيـوش ابـن زيد صاحب طبرستان فبعث الحسن من قرابته القاسم بن علي بن القاسم فأساء فيها السيرة‏.‏

  وفي سنة ثمـانٍ وخمسيـن

قُتِـلَ منصـور بـن جعفـر الخَيّـاط فـي حـرب الزنـج وولـى يارجـوج علـىِ أعمال منصور فولى عليها اصطيخور وهلك في حرب الزنج وعقد المُعتَمَدُ للمُوَفَقِ على ديار مصر وقِنْسريـن والعواصـم‏.‏ وبعثـه لحرب الزِنْج ومعه مُفْلِح فهلك في تلك الحرب‏.‏ وعقد المعتمد على الموصل والجزيرة لمسرورٍ البلخيّ فكانت بينه وبين مساوِر الشيباني حروب وكذلك بين الأكراد واليعقوبية وأوقع بهم كما مر وفيها رجع أحمد بن واصل إلى طاعة السُلطان وسلَم فارس للحسن بن الفياض‏.‏

  وفي سنة تسع وخمسين

كان مهلك اصطيخور بالأهواز فأمر المعتمد موسى بن بغا بالمسير لحرب الزنج كما مر وفيها ملك يعقوب الصفار خُراسان وقبض على محمـد بـن طاهـر وكـان لمنكجـور علـى الكوفـة فسار عنها إلى سامرا بغير إذن وأمر بالرجوع فأبى وبعث المعتمد عدة من القواد فلقوه بَعكبرا فقتلوه وحملوا رأسه‏.‏ وفيهـا غلـب الحسـن بـن زيـد علـى قَوْمِـسَ وملكهـا وكانـت وقعـة بيـن محمَـد بن الفضل بن نيسان وبين دهشودان بن حسًان الدَيْلمِي فهزمه محمد‏.‏ وفيها غلب شركب الحمَال على مرو ونواحيها‏.‏

  وفي سنة ستين

قام يعقوب بن الصفار على الحسن بن زيد فهزمه وملك طبرستان كما مر وأخـرج أهـل الموصـل عامِلهـم أتكوتكيـن بـن أساتكيـن فبعث عليهم أساتكين إسحاق بن أيوب في عشرين ألفاً ومعه حمدان بن حمدون الثعلبيّ فامتنع أهل الموصل منهم وولّوا عليهم يحيى بن سليمان فاستولى عليها‏.‏ وفيها قتلت الأعراب منكجور والي حِمْص فولّى بكتر‏.‏ وولى على أذرَبيجَـان الرذَيَنـي عُمَـرَ بـن علـي لمـا بلغـه أن عاملهمـا العـلاء بـن أحمـد الـأزديّ فُلِـج‏.‏ فلمـا أتـى الرذينـي حاربه العلاء فانهزم وقتل واستولى الرذيني على مخلفه قريباً من ألفيّ ألف وسبعمائـة ألـف درهم‏.‏ وفيها سار علي بن زيد القائد بالكوفة إلى صاحب الزنج فقتله‏.‏

  وفي سنة إحدى وستين

عقد المعتمد لموسى بن بغا على الأهواز والبصرة والبحرين واليمامة مضافاً لما بيده‏.‏ فولّاها عبد الرحمن بن مُفْلِح وبعثه لحرب ابن واصل فهزمه ابن واصل وأسره كما مر‏.‏ ورأى موسى بن بَغا اضْطِراب تلك الناحية فاستعفى منها ووليهَا أبو الساج ومَلَكَ الزِنْجُ الأهوَازَ من يده فصُرِفَ عن ولايتها ووليها إبراهيم بن سيما وولي محمد بن أوْس البَلْخِي طريـق خُراسـان‏.‏ ثـم جـاء الصفـار إلـى فارِسَ فغلب عليها ابن واصل كما مر فجهز المعتمد أخاه المُوَفَّقُ إلى البصرة بعد أن ولاه المعتمد عهده بعد ابنه جعفر كما ذكرناه‏.‏ وبعت المُوَفَقُ ابنه أبا العبـاس لحـرب الزنـج فتقدمـا بيـن يديـه‏.‏ وفيهـا فـارق محمد بن زيد ولاية يعقوب الصفّار وسار ابن أبـي السـاج إلى الأهواز وطلب أن يوجه الحسين بن طاهر بن عبد اللًه بن طاهر إلى خُراسان وفيهـا استبـدّ نَصـرُ بـن أحمـد بـن لجهيـن بسَمرْقَنْد وما وراء النهر وولى أخاه إسماعيل بُخارا وفيها ولى المُعْتَمَد على الموصل الخُضر بن أحمد بن عُمَرَ بن الخَطاب‏.‏ وفيها رجع الحسَيْنُ بن زَيْد إلى طَبَرْسَتان وأخرج منها أصحاب الصفَّار وأحرق سالوس لممالأة أهلها الصفار وأقطع ضياعهم للدَيْلم وفيها نادى المعتمد في حاج خراسان والري وطَبَرسَتان وجَرْجـان بالنَّكيـر علـى مـا فعلـه الصفَار في خُراسان وابن طاهر وأنه لم يكن عن أمره ولا ولاه‏.‏ وفيها قتل مساور الشاربي يحيى بن جعفر من ولاة خراسان فسار مسرور البَلخيّ في طلبه والموفّق من ورائه‏.‏

  وفي سنة اثنيـن وستيـن

كانـت الحـرب بيـن الموفـق والصفـار واستولـى الزنـج علـى البطيحـة ودسميسـان وولـى علـى الأهـواز كمـا ذكرنا وبعث مسرور البلخي أحمد بن ليتونة لحربهم كما مر‏.‏ وفيها ثار أحمد بن عبد اللـه الخُجِسْتانـي فـي خراسـان بدعـوة بنـي طاهـر وغلـب عيهـا الصفـار إلـى أن قتـل كمـا مـرِّ ذكره‏.‏ وفيها وقعت مغاضَبَة بين الموفق وابن طولون فبعث إليه الموفّق موسى بن بَغا فأقام بالرّقة حولاً وعجز عن المسير لقلة الأموال إلى العراق‏.‏ وفيهـا انصـرف عامـل الموصـل وهـو القطان صاحب مفلح فقتله بالبرية‏.‏

  وفي سنة ثلاث وستين

استولى الصفار على الأهواز ومات مساور الشاربي وهو قاصد لقاء العساكر السُلطانيّة بالبواريخ فولى الخوارج مكانه هارون بن عبد الله البَلْخِي فاستولى على الموصل‏.‏ وفيها ظفر أصحاب الصفار بابن واصل‏.‏ وفيها هزم ابن أوس من طريق خُراسان وعـاد إلـى الموصل‏.‏ وفيها ظفر أصحاب الصفّار بابن واصل وأسروه ومات عُبَيْدُ اللَّه بن يحيى بن خاقان وزيرُ المُعْتَمدِ فاستوزر مكانه الحسن بن مُخلِد وكان موسى بن بَغا غائباً في غزو العرب فلما قَدِمَ خافه الحسين وتغيبَ فاستوزر مكانه سليمان بن وهب‏.‏ وفيها غلب أخو شَرْكَب الحمَّال على نيسابور وخرج عنها الحسين بن طاهر إلى مرو وبها خوارزم شاه يدعو لأخيه محمد‏.‏ وفيها ملك الزِنْجُ مدينة واسط وقاتله دونها محمد بن المُوَلّد فهزمه ودخلها واستباحها‏.‏ وفيها قبـض المعتمـد علـى وزيره سليمان بن وَهْب وولّى مكانه الحسن بن مُخْلِد وجاء المُوَفَقُ مع عبد اللَّـه بـن سليمـان شفيعـاً فلـم يُشْفِعـهُ فتحـوّل إلـى الجانب الغربي مُغاضباً واختلفت الرّسل بينه وبين المعتمد وكان مع الموفّق مسرور كيغلغ وأحمد بن موسى بن بغا‏.‏ ثم أطلق سليمان ودعا إلى الجوسـق وهـرب محمـد بـن صالـح بـن شيـرزا والقـواد الذيـن كانوا بسامُرّا مع المعتمد خوفاً من المُوَفَّق فوصلـوا إلـى الموصـل‏.‏ وكتـب الموفـق لأحمـد بـن أبـي الأصبـغ فـي قبـض أموالهم‏.‏ وفيها مات أماجور عامل دمشق وملك ابن طولون الشام وطرسوس وقتل عاملها سيما‏.‏

  وفي سنة خمس وستين

وليَ مسرور البلخي على الأهواز وهزم الزنج‏.‏ وفيها مات يعقوب الصفًار وقام بأمره أخوه عمر ولاه الموفّق مكان أخيه بخراسان وأصبهان وسجستان والسند وكرمان والشُّرطة ببغداد‏.‏ وفيها وثب القاسم بن مهان بدُلف بن عبد العزيز بن أبي دلف بأصبهان فقتله فوثب جماعة من أصحاب دلف بالقاسم فقتلوه فولِيَ أصبهان أحمد بن عبد العزيز أخو دلف‏.‏ وفيها لحق محمد بن المولد بيعقوب الصفّار وقبضت أمواله وعِقاره ببغداد‏.‏ وفيها حبس الموفًق سليمان بن وهب وابنه عبد الله وصادرهما على تسعمائة ألف دينار - وفيها ذهب موسى بن أتامش وإسحاق بن كنداجق والفضل بن موسى بن بغا مُغاضبين‏.‏ وبعث الموفّق في أثرهم صاعد بن مخلد فردهم من صرصر‏.‏ وفيهـا استـوزر المُوَفّـق أبا الصقر إسماعيل بن بُلْبُل‏.‏

  وفي سنة ستٍّ وستّين

ملك الزنجُ رامَهُرْمُز وغلـب أساتكين على الريّ وأخرج عنها عاملَها فُطْلَقْت‏.‏ ثم مضى إلى قزوين وبها أخوه كيغلغ فصالحه وملكها‏.‏ وفيها ولّى عليّ بن الليثِ على الشرطة ببغداد عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن طاهر وعلى أصبهان أحمد بن عبد العزيز بن أبي دُلف وعلى الحرَمَيْن وطريق مكة محمد بن أبـي الساج‏.‏ وولّى الموفّق على الجزيرة أحمد بن موسى بن بَغا فولّى من قِبَلِه على ديار ربيعَةَ موسى بن أتامش فغضب لذلك إسحاق بن كنداجق وفارق عسكر موسى وسار إلى بلد وأوقع بالأتراك اليَعقوبِيَّةِ‏.‏ ثم لقي ابن مساور الخارجيّ فقاتله‏.‏ وسار إلى الموصل وطلب من أهلها المال وخرج عليّ بن داود لقتاله مع إسحاق بن أيوب وحَمْدان بن حمدون وكانت بينهم حروب آخرها المعتمد وعقد لإسحاق بن كنداجق على الموصل وقد مرّ ذلك من قبل‏.‏ وفيها قتل أهلُ حِمْصَ عاملها عيسى الكرخيّ‏.‏ وفيها كانت بين لؤلؤ غلام ابن طولون وبين موسى بن أتامش وقعةً برأس عين وأسره لؤلؤ وبعث به إلى الرقّة‏.‏ ثم لقيه أحمد بن موسى فاقتتلـوا وغلـب أحمـد أولاً ثـم كـر لؤلـؤ فغلبهم وانتهوا إلى قرقيسيا ثم ساروا إلى بغداد وسامرّا‏.‏ وفيها أوقع أحمد بن عبد العزيز ببكتم فانهزم ولحق ببغداد وأوقع الخجستاني بالحسن بن زيد بجرجان فلحق بآمد وملك الخجستاني جرجان وأقطعه من طبرستان واستخلف على سارية الحسـنَ بـن محمَّد بن جعفر بن عبد الله العقيقي بن حسين الأصفر بن زين العابدين‏.‏ فلما انهزم الحسن بن زيد أظهر الحسن بن محمد أنه قتل ودعا لنفسه وحاربه الحسن بن زيد فظفر به وقتله‏.‏ وفيهـا ملـك الخُجِسْتَانِـيّ نيسابـور مـن يد عامل ابن عمرو بن الليث وفيها في صَفَر زحف الموفق لقتال صاحب الزنج فلم يزل يحاصره حتى اقتحم عليه مدينته وقتله منتصف سنة سبعين‏.‏ وفيها كانت الحرب بالمدينة بين بني حسن وبني جعفر‏.‏

  وفي سنة سبع وستين

كانت الفتنة بالموصـل بيـن الخـوارج‏.‏ وفيهـا حبـس السلطـان محمـد بـن عبـد اللَّـه بن طاهر وجماعة من بيته اتّهمه عمـرو بـن الليـث بممالـأة الخُجستانيّ والحسين بن طاهر أخيه فكتب إلى المعتمد وحبسه‏.‏ وفيها كانت بين كيغلغ التركي وأحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف وانهزم أحمد وملك كيغلغ همذان وفيهـا أزال الخُجستاني ذكر محمد بن طاهر من المنابر ودعا لنفسه بعد المعتمد وضرب السكَّة باسمـه وجـاء يريـد العـراق فانتهـى إلى الريّ ثم رجع‏.‏ وفيها أوقع أصحاب الساج بالهيثم العجلي صاحـب الكوفـة وغنموا عسكره‏.‏ وفيها أوقع أبو العباس بن الموفق بالأعراب الذين كانوا يجلبون الميرة بالزنج من بني تميم وغيرهم‏.‏

  وفي سنة ثمـان وستيـن

كـان مقتـل الخجستانـي‏.‏ وأصحابـه بعـده‏.‏ علـى رافـع بـن هَرْثَمـة مـن قـوَّاد بني طاهر وملك بلاد خُراسان وخوارَزْم‏.‏ وفيها انتقض محمد بن الليث بفارِس على أخيه عمـرو فسار إليه وهزمه واستباح عسكره وملك أصطيخور وشيراز وظفر به فحبسه كما مرّ وفيها كانت وقعة بين أتكوتكين بن أساتكين وبين أحمد بن عبد العزيز بن أبي دُلَف فهزمه أتكوتكيـن وغلبـه علـى قُـمّ‏.‏ وفيهـا بعـث عمـرو بـن الليـث عسكـراً إلـى محمد بن عبد اللّه الكردي‏.‏ وفيها انتقض لؤلؤ على مولاه أحمد بن طولون وسار إلى المُوَفق وقاتل معه الزِنْج وفيها سار المعتمد إلى ابن طولون بمصْرَ مُغاضباً لأخيه المُوَفّق‏.‏ وكتب المُوَفّق إلى إسحاق بن كِنداجُق بالموصـل بـردة فسـار معـه إلـى آخـر عملـه‏.‏ ثـم قبـض علـى القـوّاد الذين معه ورده إلى سامرا‏.‏ وفيها وثـب العامـة ببغـداد بأميرهـم الخَلَنْجِـيّ وكـان كاتـب عُبَـيْدِ اللـه بـن طاهر‏.‏ وقتل غلام له امرأة بسهم فلم يعدِهم عليه فوثبوا به وقتلوا من أصحابه ونهبوا منزله وخرج هارباً فركب محمد بن عبد وفيهـا وثـب بطرسـوس خلـق من أصحاب ابن طولون وعامله على الثغور الشاميَّة فاستنقذه أهل طرسـوس مـن يـده وزحـف إليهـم ابـن طولـون فامتنعـوا عليـه ورجـع إلـى حمـصَ ثـم إِلى دمشق‏.‏ وفيها كانت وقعة بين العَلَوِيّين والجعفريّين بالحجاز فقتل ثمانية من الجعفريين وخلصوا عامل المدينة من أيديهم‏.‏ وفيها عقد هارون بن الموفق لأبي الساج على الأنبار والرَحَبَةَ وطريق الفرات‏.‏ وولى محمـد بـن أحمـد علـى الكوفة وسوادها ودافعه عنها محمد بن الهيثم فهزمه محمد ودخلها‏.‏ وفيها مـات عيسـى بـن الشـيْخ عامـل الشَيْبَانِـيّ عامـل أرمينيـة وديـار بكـر‏.‏ وفيهـا عَظُمَت الفتنة بين المُوَفّق وابـن طولـون فحمـل المُعْتَمـد على لعنه وعزله وولى إسحاق بن كنداجق على أعماله إلى إفريقية وعلى شرطة الخاصة‏.‏ وقطع ابن طولون الخطبة للْمُوَفّق واسمه من الطِرَازِ‏.‏ وفيها ملك ابن طولون الرَحَبَةِ بعد مقاتلة أهلِها وَهَرَب أحمد بن مالك بن طوق إلى الشام‏.‏ ثم سار إلى ابن الشمَّاخ بقَرْقيسيا‏.‏

  وفي سنة سبعيـن

كـان مقتـل صاحـب الـزنْج وانقـراض دعوتـه ووفـاة الحسـن بـن زَيْدٍ العَلَـوِيِّ صاحب طَبَرْسَتَان وقيام أخيه محمد بأمره ووفاة أحمد بن طولون صاحب مِصْر وولاية ابنه خَمَارَوَيْه ومسير إسحاق بن كِنْداجُق بابن دعامس عامل الرقَّة والثُغور والعواصم لابن طولون‏.‏

  وفي سنة إحـدى وسبعيـن

ثـار بالمدينـة محمـد وعلـي ابنـا الحسـن بـن جعفـر بـن موسـى الكاظـم وقتـلا جماعـة مـن أهلهـا ونهبـا أمـوال النـاس ومنعـا الجُمعة بمسجد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم شهراً وفيهـا عـزل المُعْتَمِـد عَـمْرو بـن الليـث مـن خُراسـان فقاتلـه أحمد بن عبد اللّه بن أبي دلف بأصْبَهان وهزمـه‏.‏ وفيهـا استعـاد خمارويـه الشـام مـن يـد أبـي العبَّـاس بـن الموفـق وفـرّ إلى طرسوس كما تقدمّ‏.‏ وفيهـا عقـد المعتمـد لأحمـد بـن محمـد الطائـي علـى المدينة وطريق مكَة وكان يوسف بن أبي الساج والي مكة وجاء بَدر غُلامُ الطائي أميراً على الحاج فحاربه يوسف على باب المسجد الحرام وَأسره فسار الجند والحاج بيوسف وأطلقوا بدراً من يده وحملوا يوسف أسيراً إلى بغداد‏.‏ وفـي منتصـف سنـة اثنتيـن وسبعيـن غلـب اتكوتكيـن علـى الـريّ مـن يد محمد بن زيد العَلَوِيّ سار هو من قَزْوين في أربعة آلاف ومحمد بن زَيْدٍ من طَبَرْسَتان في الدَيْلم وأهل خُراسان فانهزموا وقتـل منهـم ستـة آلـاف‏.‏ وفيهـا ثـار أهـل طرسـوس بأبـي العبـاس بـن المُوَفّـق وأخرجـوه إلـى بغـداد وولـوا عليهـم بازيـار‏.‏ وفيهـا توفـي سُلَيْمـان بـن وَهْبِ فـي حبـس الموفـق‏.‏ وفيهـا دخل حَمْدان بن حَمدون وهارون مدينة الموصل‏.‏ وفيها قدم صَاعد بن مخلد الوزير من فارس وقد كان بعثه الموفق إليها لحرب فرجع إلى واسط وركب القوّاد لاستقباله فترجلوا إليه وقبلوا يده ولم يكلمهم‏.‏ ثم قبـض الموفـق علـى جميـع أصحابـه وأهله ونهب منازلهم وكتب إلى بغداد بقبض ابنه أبي عيسى وصالح وأخيه عَبْدون واستكتب مكانه أبا الصَّقْر إسماعيل بن بلبل واقتصر به على الكتابة‏.‏ وفيها جاء بنو شَيْبان إلى الموصل فعاثوا في نواحيها واجمع هارون الشَارِبِيّ وأصحابه على قصدهـم وكتـب إلـى أحمـد بـن حمـدون الثَعْلبـي فجـاءَه وسـاروا إلـى الموصـل وعبـروا الجانـب الشرقي مـن دجلـة‏.‏ ثم ساروا إلى نهر الحادر فلما تراءى الجمعان انهزم هارون وأصحابه وانجلى سوى عنها‏.‏

  وفي سنة ثلـاث وسبعيـن

وقعـت الفتنـة بيـن ابـن كِنْداجُـق وبيـن ابـن أبـي السـاج وسـار ابـن أبـي السـاج إلى ابن طولون واستولى على الجزيرة والموصل وخطب له فيها وقاتل الشراة كما ذكرنا‏.‏ وفيها قبـض المُوَفّـقُ علـى لؤلـؤ غلـام ابـن طولـون وصـادره علـى أربعمائـة ألـف دينـار‏.‏ وبقـي فـي إدبـار إلـى أن عاد إلى مِصرَ أيام هارون بن خَمَارَوَيْه‏.‏

  وفي سنة أربع وسبعين

سار الموفق إلى فارس فاستولى عليها من يد عمرو بن الليث ورجع عمرو إلى كرمان وسِجِسْتان وعاد الموفق‏.‏ إلى بغداد‏.‏

  وفي سنة خمس وسبعين

نقض‏.‏ ابن أبي الساج طاعة خمارويه وقاتله خمارويه فهزمه وملك الشـامِ مـن يـده وسـار‏.‏ إلـى الموصـل وخمارويـه فـي اتباعـه إلى بغداد ولحق ابن أبي الساج بالحُديْثةِ فأقام بها إلى أن رجع خمارويه‏.‏ وكان إسحاق بن كنداجق قد جاء إلى خمارَويه فبعث معه جيشاً وقواداً في طلب ابن أبي الساج واشتغل بعمل السفن للعبور إليه فسار ابن أبي الساج عنها إلى الموصل واتّبعه ابن كنداج وسار إلى الرقَة فاتّبعه ابن أبي الساج وكتب إلى الموفّق يستأذنـه في اتباعه إلى الشام‏.‏ وجاء ابن كنداج بالعساكر من عند خمارويه وأقام على حدود الشـام‏.‏ ثـم هـزم ابـن أبـي الساج فسار إلى الموفّق وملك ابن كنداج ديار ربيعة وديار مُضَر وقد تقدّم ذكر ذلك‏.‏ وفيها خرج أحمد بن محمد الطائي من الكوفة لحرب فارس العبدي كان يخيف السابلة فهزمه العبدي وكان الطائي على الكوفة وسوادها وطريق خُراسان وسامرا وشرطة بغداد وخراج بادردبـاد قطربـل‏.‏ وفيهـا قبـض الموفـق علـى ابنـه أبـي العباس وحبسه‏.‏ وفيها ملك رافع بن هَرْثَمَةَ جَرْجان من يد محمد بن زيْدٍ وحاصره في استراباذ نحواً من سنتين ثم فارقها الجيش لحربه فسـار عـن ساريـة وعـن طبرستـان سنـة سبـع وسبعيـن‏.‏ وأستأمـن رستـم بـن قارِن إلى رافع وقدم عليـه علـيّ بـن الليـث مـن حبـس أخيـه بكرمـان هـو وابنـاه العدل والليث‏.‏ وبعث رافع على سالوس محمد بن هارون وجاء إليه علي بن كاني مستأمِناً فحصرهما محمد بن زيد وسار إليه رافع ففرّ إلى أرض الدَيْلم ورافِع في اتباعه إلى حدود قزوين فسار فيها وأحرقها وعاد إلى الريّ‏.‏

  وفي سنة ست وسبعين

رضي المُعْتَمِدُ عن عمرو بن الليث وولاه وكتب اسمه على الأعلام وولـى علـى الشُرْطـة ببغـداد مـن قِبَلِـه عُبَيْد اللّه بن عبد الله بن طاهر‏.‏ ثم انتقض فأزيل‏.‏ وفيها كان مسير الموفق إلى الجبل لأتكوتكين ومحاربة أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف وقد تقدمّ ذلـك‏.‏ وفيها ولّى الموفّقُ ابن أبي الساج على أذرَبَيجَان فسار إليها ودافعه عبد الله بن حسن الهمذانـي صاحـب مراغـة فهزمـه ابـن أبـي السـاج واستقر في عمله‏.‏ وفيها زحف هارون الشاري من الحديثة إلى الموصل يريد حربها ثم صانعه أهل الموصل ورحل عنهم‏.‏

  وفي سنة سبع وسبعين

دعا مازيار بطرسوس لخمارَوَيْه بن أحمد بن طولون وكان أنفذ إليه ثلاثين ألف دينار وخمسمائة ثوب وخمسمائة مطرف وسلاحاً كثيراً‏.‏ وبعث إليه بعد الدعاء بخمسين ألف دينار‏.‏

  وفي سنة ثمان وسبعين

كانت وفاة المُوَفق وبيعة المُعْتَضِد بالعهد كما مرّ وفيها كان ابتداء أمر القَرامِطَـةِ وقـد تقـدّم‏.‏

  وفي سنة تسـع وسبعيـن

خلـع جَعْفَر بن المعتمد وقدم عليه المعتضد وكانت الحـرب بيـن الخـوارج وأهـل الموصـل وبيـن بنـي شَيْبَـان‏.‏ وعلـى بنـي شيبـان هـارون بـن سيمـا مـن قبل محمَـد بـن إسحـاق بـن كِـنْداج ولـاه عليهـا فطـرده أهلهـا فزحف إليهم مع بني شيبانْ ودافع عن أهل الموصل هارون الشاري وحمدان بن حمدون فهزمهم بنو شيبان وخاف أهل الموصل من ابن سيما وبعثوا إلى بغداد يطلبون والياً فولَّى المعتمد عليهم محمد بن يحيى المجروح الموكل بحفظ الطريق وكان ينزل الحُدَيْثة فأقام بها أياماً ثم استبدل منه بعلي بن داود الكردي‏.‏ توفي المُعْتَمِد على الله أبو العبَّاس أحمد بن المُتَوَكِل لعشر بقين من رَجَب سنة تسع وسبعين ومائتين لثلاث وعشرين سنة من ولايته ودُفِنَ بسامُرا وهو أوّل من انتقل إلى بغداد وكان في خلافته مغلباً عاجزاً وكان أخوه الموفق مستَبِداً عليه ولم يكن له معه حكم في شيء‏.‏ ولما مات المُوَفق سنة ثمان وسبعين كما قدّمناه أقام مكانه ابنه أبا العباس أحمد المعتضد وحَجَرَ المُعْتَمِـدَ كمـا كـان أبـوه يَحجُـرُهُ وولّاه عهده كما كان أبوه‏.‏ ثم قسمه في العهد على ابنه جعفر ثم هلك فبايع الناس لِلْمُعْتَضِد بالخلافة صبيحة موته فولَّى غلامه بدراً الشرْطة وعُبَيْدَ اللّه بن سُلَيْمـانَ بـن وَهْب الوزارة ومحمد بن الشاري بن مالك الحرس‏.‏ ووفد عليه لأوّل خلافته رسول عمرو بن الليث بالهدايا وسأل ولاية خُراسان فعقد له عليها وبعث إليه بالخِلع والْلِواء ولأوَّل خلافته مات نصر بن أحمد السامانيّ ملك ما وراء النهر وقام مكانه أخوه إسماعيل‏.‏

  مقتل رافع بن الليث

كـان رافـع بن الليث قد وضع يده على قرى السلطان بالريِّ وكتب إليه المُعْتَضِد برفع يده عنها فكتب إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دُلَف بإخراجه عن الريّ فقاتله وأخرجه وسار إلى جَرْجان ودخل نيسابور سنة ثلاث وثمانين فوقعت بينه وبين عمـر حـرب وانهـزم رافـع إلـى أسْوَرْد وخلص عمرو وابني أخيه من حبسه وهما العَدْلي واللَيْثُ ابنا علي بن الليث وقد تقـدّم خبرهمـا‏.‏ ثـم سـار رافـع إلـى هَـراة ورصـده عمـر بسرخـس فشعـر بـه ورجع إلى نيسابور في مسالك صعبة وطرق ضيقة واتبعه عمر فحاصره في نيسابور‏.‏ ثم تلاقيا وهرب عن رافع بعض قُوّاده إلى عمرو فانهزم رافع وبعث أخاه محمد بن هَرْثَمَةَ إلى محمد بن زيد يستمده كما شـرط لـه فلم يفعل‏.‏ وافترق عن رافع أصحابه وغلمانه وفارقه محمد بن هارون إلى أحمد بن إسماعيل في بخارى ولحق رافع بخَوارَزْم في فَلٌ من العسكر ومعه بقية أمواله وآلته ومرَّ في طريقه بأبي سعيد المرداني ببلد‏.‏ فاستغفلَه وغدر به وحمل رأسه إلى عمرو بن الليث بنيسابور وذلك في شوال سنة ثلاث وثمانين‏.‏

  خبر الخوارج بالموصل

قد تقدَّم لنا أنَ خوارِجَ الموصل من الشراه استقدر عليهم بعد مُساوِر هارون الشاري وذكرنا شيئـاً مـن أخبارهـم‏.‏ ثـم خـرج عليـه سنـة ثمانيـن محمَّـد بـن عَبـادة ويعـرف بأبـي جـوزة من بني زهير من البقعاء وكان فقيراً ومعاشه ومعاش بنيه في التقاط الكمأة وغيرها وأمثال ذلك وكان يتدَيَّن ويُظهر الزُهد ثم جمع الجموع وحكم واستجمع إليه الأعراب من تلك النواحي وقبض الزَكَوات والأعشـار مـن تلـك الأعمال وبنى عند سنجار حِصْناً ووضع فيه أمتعته وماعونه وأنزل به ابنه أبا هلال في مائة وخمسين فجمع هارون الشاري أصحابه وبدأ بحصار الحِصْن فأحاط به ومحمد بـن عبـادة فـي داخلـه‏.‏ وجَـدّ فـي حصـاره حتـى أشـرف علـى فتحـه وقيـد أبـا هلـال ابنـه ونفـراً معـه وبعـث بنـو ثعلـب وهـم مـع هـارون إلـى مـن كـان بالحصـن مـن بنـي زهير فأمنوهم وملك هارون الحِصنَ‏.‏ ثم ساروا إلى محمد فلقيهم وهزمهم أولاً ثم كرّوا عليه مستميتين فهزموه وقتلوا من أصحابه ألفاً وأربعمائة‏.‏ وقسم هارون ماله ولحـق محمـد بآمـد فحاربـه صاحبهـا أحمـد بـن عيسى بن الشيخ فظفر به وبعثه إلى المُعتَضِدِ فسلخه حياً‏.‏

  إيقاع المعتضد ببني شيبان واستيلاؤه علي ماردين

وفي سنة ثمانيـن سـار المُعْتَضـدُ إلـى بنـي شيبـان بـأرض الجزيـرة ففـروا أمامـه وأثـار علي طوائفَ من العرب عند السِّند فاستباحهم وسار إلى الموصل فجاءه بنو شَيْبَانَ وأعطوه رهنهـم علـى الطاعـة فغلبهـم وعـاد إلـى بغـداد‏.‏ وبعـث إلـى أحمـد بـن عيسـى بـن الشيـخ فـي أمـوال ابـن كنـداج التي أخذها بأحمد فبعث بها وبهل أياماً كثيرة معها‏.‏ ثم بلغه أن أحمد بن حمدون ممالئ لهارون الشـاري وداخل في دعوته فسار المعتضد إليه سنة إحدى وثمانين‏.‏ واجتمع الأعراب من بني ثعلب وغيرهم للقائه وقتل منهم وغرق في الزاب كثيراً وسار إلى الموصل‏.‏ ثم بلغه أن أحمد هرب عن ماردين وخلَّف بها ابنه فسار المعتضد إليه ونازله وقاتله يوماً ثم صعد من الغد إلى باب القلعة وصاح بابن حمدان واستفتح الباب ففتح له دَهَشاً وأمر بنقل ما في القلعة وهدمها وبعث في طلب حمدان وأخذ أمواله‏.‏

  الولاية علي الجبل وأصبهان

عقد المُعتَضدُ سنة إحدى وثمانين لابنه عليّ وهو المكتفي على الريّ وقَزْوين وزَنْجان وأبهَر وقدم وهَمَذَان والدّيْنور فاستأمن إليه عامل الريّ لرافع بن الليث وهو الحسن بن علي كوره فأمنه وبعث به إلى أبيه‏.‏

  عود حمدان إلى الطاعة

وفي سنة اثنتين وثمانين سار المُعتَضدُ إلى الموصل واستقدم إسحاق بن أيوب وحَمْدان بن حمدون فبادر إسحاق بقلاعه وأودع حرمه وأمواله فبعث إليه المعتضد العساكر مع وصيف ونصر القَسوري فمرّوا بذيل الزعفران من أرض الموصل وبه الحَسَنُ بن علي كوره ومعه الحسين بـن حمـدان‏.‏ فاستأمـن الحُسَـيْنُ وبعثـوا بـه إلـى المعتضـد فأمـر بهـدم القلعـة‏.‏ وسار وصيف في اتباع حمدان فواقعه وهزمه وعبر إلى الجانب الغربي من دجلة وسار في ديار ربيعة وعبرت إليه العساكر وحبسوه فأخذوا ماله وهرب وضاقت عليه الأرض فقصد خيمة إسحاق بن أيوب في عسكر المعتضد مستجيراً به فأحضره عند المعتضد فوكل به وحبسه‏.‏ هزيمة هارون الشاري ومهلكه كان المعتضدُ قد ترك بالموصل نصراً القسرويّ لإعادته العمال على الجباية وخرج بعض العمال لذلك فأغارت عليهم طائفة من أصحاب هارون الشاري وقتل بعضهم فكثر عَيْث الخوارج‏.‏ وكتـب نصـر القسـروي إلـى هـارون يهـدده فأجابـه وأسـاء في الرد وعرض بذكر الخليفة فبعث نصر بالكتاب إلى المعتضد فأمره بالجدّ في طلب هارون وكان على الموصل يكتم طاتشمر من مواليهم فقبض عليه وقيده وولى على الموصل الحسن كوره وأمر وُلاة الأعمال بطاعته فجمعهم وعسكـر بالموصـل وخنـدق علـى عسكـره إلـى أن أوقـع بالنـاس غلاتهـم‏.‏ ثـم سـار إلى الخوارج وعبر الزّاب إليهم فقاتلهم قتالاً شديداً فهزمهم وقتل منهم وافترقوا وسار الكثير منهم إلى أذرَبَيْجَان ودخل هارون البرية واستأمن وجوه أصحابه إلى المعتضد فأمٌنهم‏.‏ ثم سار المُعتضدُ سنة ثلاثٍ وثمانين في طلب هارون فانتهى إلى تكريت وبعث الحسين بن حمـدون فـي عسكـر نحو من ثلثمائة فارس واشترط أن جاء به إطلاق ابنه حمدان وسار جمعه وصيف وانتهى إلى بعض مخايِض دجلة فأرصد بها وصيفاً وقال‏:‏ لا تفارقوها حتى تروني‏!‏ ومضى في طلبه فواقعه وهزمه وقتل من أصحابه‏.‏ وأقام وصيف ثلاثة أيام فأبطأ عليه الأمر فسـار فـي اتبـاع ابـن حمـدان وجاء هارون منهزماً إلى تلك والمخاضة فعبر وابن حمدانَ في أثره إلـى حـي مـن أحيـاء العـرب قـد اجتـاز لهـم هارون فدلوا ابن حمدان عليه فلحقه وأسره وجاء به إلـى المعتضـد‏.‏ فرجـع المعتضـد آخـر ربيـع الـأول وخلـع على الحسين وأخوته وطوقه وأدخل هارون على الفيل وهو ينادي‏:‏ لا حكمَ إلا لله ولو كَرِهَ المشركون وكان صُغْديًّا‏.‏ ثم أمر المُعْتَضِدُ بحلّ القُّيود عن حَمْدان بن حَمْدون والإحسان إليه وِبإطلاقه‏.‏

  وفي سنة اثنتيـن وثمانين

سار المعتضد من الموصل إلى الجبل فبلغ الكَرْخ فهرب عمرو بن عبد العزيـز بـن أبـي دُلَـف بيـن يديـه فأخـذ أمواله وبعث إليه في طلب جدّ كان عنده فوجهه إليه‏.‏ ثم بعث المُعْتَضِدُ وزيره عُبَـيْدَ اللـه بـن سليمـان إلـى ابنـه بالـري ليسيـر مـن هنالـك إلـى عُمَـرَ بـن عبـد العزيـز بالأمان فسار وأمنه ورجع إلى الطاعة فخلع عليه وعلى أهل بيته وكان أخوه بكر بن عبد العزيـز قـد استأمـن قبـل ذلـك إلـى عُبَـيْد اللّـه بـن سليمـان وبـدر فولـاه عملـه علـى أن يسير إلى حربه‏.‏ فلما وصل عمر في الأمان قال لبكر‏:‏ إِنَّما وليناك وأخوك عاص فامضيا إلـى أميـر المؤمنيـن وسـار عُبَـيْدُ اللّـه بـن سليمـان الوزيـر إلـى علـيّ بـن المعتضد بالري ولما بلغ الخبر إلى المعتضد بعث وصيفـاً مُوسَكيـن إلـى بكـر بـن عبـد العزيـز بالأهـواز فلحقـه بحـدود فـارس‏.‏ فمضـى بكـر إلـى أصبهـان ليلاً ورجع وصيف إلى بغداد وكتب المعتضد إلى بدر مولاه بطلب بكـر بـن عبـد العزيـز وحربه‏.‏ فأمر بذلك عيسى النوشري فقام به ولقي بكراً بنواحي أصْبَهان فهزمه بكر ثم عاد النوشري لقتاله سنة أربع وثمانين فهزمه بنواحي أصبهان واستباح عسكره‏.‏ ولجأ بكر إلى محمد بن زَيْد العَلَوِيّ بطَبَرْسَتَان وهلك بها سنة خمس وثمانين‏.‏ وكان عمَرُ لما مات أبوه قبض على أخيه الحارث ويكنّى أبا ليلى وحبسه في قلعةِ ردّ ووكـل بـه شفيعـاً الخادم‏.‏ فلما جاء المعتضد وأستأمن من عًمَرَ وهرب بكر وبقيت القلعة بيد شفيع بأموالها رغب إليه الحارث في إطلاقه فلم يفعل وكان شفيع يسامره كل ليلة وينصرف فحادثه ليلة ونادمه وقام شفيع لبعض حاجته فجعل الحارث في فراشه تمثالاً وغطَّاه وقال لجاريته قولي لشفيـع إذا عـاد هـو نائـم ومضـى‏.‏ فاختفـى في الدار وفك القيد عن رجله بمبرد ادخل إليه وبرد به مسماره‏.‏ ولما أخبِرَ شفيع بنومه مضى إلى مرقده وقصده أبو ليلى على فراشه فقتله وأمر أهل الدار واجتمِع عليه الناس فاستحلفهم ووعدهم وجمع الأكراد وغيرهم وخرج من القلعة ناقضـاً للطاعـة‏.‏ فسـار إلى عيسى النوشري وحاربه فأصاب أبا ليلى منْهم فمات وحُملَ رأسُهُ خبر ابن الشيخ بآمد

  وفي سنة خمـس وثمانيـن

توفـي أحمـد بـن عيسـى بـن الشيـخ وقـام بأمـره فـي آمد وأعمالها ابنه محمد فسـار المعتضـد إليـه فـي العساكـر ومعـه ابنـه أبـو محمد علي المكتفي ومر بالموصل وحاصر المعتمد إلى ربيع الآخر من سنة ست وثمانين ونصب عليها المجانيق حتى استأمن لنفسه ولأهل آمد وخرج إلى المعتمد فخلع عليه وهدم سورها‏.‏ ثمّ بلغه أنه يروم الهرب فقبض عليه وعلى أهله‏.‏

  خبر ابن أبي الساج

قـد تقـدم لنـا وِلايـة محمَـد بـن أبـي السـاج علـى أذرَبَيْجَـان ومدافعـة الحسين إياه عن مراغة ثم فتحها واستيلـاؤه علـى أعمـال أذربيجـان‏.‏ وبعـث المعتضـد سنـة اثنتيـن وثمانيـن أخـاه يوسـف بن أبي الساج إلى الصُدرَة مدداً لفتح القلانسيّ غلام الموفق فخرج يوسف فيمن أطاعه فولاه المعتضد على أعماله وبعث إليه بالخِلَع وأعطاه الرهن لما ضمن من الطاعة والمناصحة وبعث بالهدايا‏.‏

  القرامِطَة

ابتداء أمر القرامطة بالبحرين والشام كـان فـي سنـة إحـدى وثمانيـن قـد جـاء إلـى القَطيـف بالبَـحْرَيْن رجـل تسمَـى بيحيـى بـن المهـدي وزعـم أنه رسول من المَهدِيّ وأنه قد ترب خروجه وتصد من أهـل القطيـف علـي بـن المُعَلـى بـن حَـمْدان الربادينـي وكـان متغالياً في التشَيع فجمع الشيعة وأقرأهم كتاب المهدِيّ ليشيع الخبر في سائر قرى البَحْرَيْن فأجابوا كلهم وفيهم أبو سعيد الجنابي وكان من عظمائهم‏.‏ ثم غاب عنهم يحيى بن المهديّ مدّةً ورجع بكتاب المهدي يشكرهم على إجابتهم وأمرهم أن يدفعوا ليحيى ستة دنانير وثلاثين عن كل رجل منهم ففعلوا‏.‏ ثم غاب وجاء بكتاب آخر بأن يدفعوا إليه خُـمْسَ أموالهـم فدفعـوا وقـام يتـردد فـي قبائـل قَيْس‏.‏ ثم أظهر أبو سعيد الجنابي الدعوة بالبَحْرَيْن سنة ست وثمانين واجتمع إليه القَرَامِطَة والأعراب وقتل واستباح وسار إلى القطيف طالباً البصرة وبلغت النفقة فيه أربعة عشر ألف دينار‏.‏ ثم قرب أبو سعيد من نواحي البصرة وبعث المعتضد إليهم المدد مع عبًاس بن الغَنَوِيّ وعزله عن فارس وأقطعه اليَمَامَة والبحرين وضمّ إليه ألفين من المُقاتِلَة وسار إلى البصرة وأكثر من الحشـد جنـداً ومُتَطَوعَـة‏.‏ فسـار ولقي أبا سعيد الجنابي ورجع من كان معه من بني ضَبِّةَ إلى البصرة‏.‏ ثم كان اللقاء فهزمه الجنابي وأسره واحتوى على معسكـره وحـرق الأسـرى بالنـار وذلـك فـي شعبان من هذه السنة‏.‏ وسار إلى هجر فملكها وأذن أهلها ورجع إلى أهل البصرة وبعثوا إليهم بالرواحل عليها الطعام والماء فاعترضهم بنو أسد وأخذوا الرواحـل وقتلـوا الفـلَّ واضطربت البصرة وتشوّف أهلها إلى الانتقال فمنعهم الواثقي ثم أطلق الجنابي العباس الغَنَوِيّ فركب إلى الأبُلَّة وسار منها إلى بغداد فخلع عليه المعتضد‏.‏ وأمّا ظهورهم بالشام فإن داعِيَتَهم ذَكْرَوَيْه بن مَهْرَوَيْه الَّذي جاء بكتاب المَهْدِيّ إلى العراق لما رأى الجيوش متتابعةً إلى القَرامِطة بالسواد وأبادهم القتل لحق بأعراب أسَد وطيئ فلم يجبه‏.‏ فبعث أولاده في كلب بن وَبْرَة فلم يجبه منهم إلاّ بنو القَلِيظِيٌ بنْ ضمْضم بن عديّ بن جناب فبايعوا ذكرويه ويسمى بيحيى ويكنى بأبي القاسم ولقبوه الشيخ وأنه من ولد إسماعيل الإمام بـن جعفـر الصـادق وأنـه يحيـى بـن عبـد اللـه بن يحيى بن إسماعيل‏.‏ فزعم أن له مائة ألف تابع وان ناقتـه التـي يركبهـا مأمـورة فمـن تبعهـا كـان منصـوراً‏.‏ فقصدهـم شبـل مولى المعتضدِ في العساكر من ناحية الرصافَةِ فقتلوه‏.‏ فسار إليهم شبل مولى أحمد بن محمد الطائي فأوقع بهم‏.‏ وجاء ببعض رؤسائهم أسيراً فأحضره المعتضد وقال له‏:‏ هل تَزْعُمون أنَّ روح الله وأنبيائه تحل في أجسادكم فتعصمكم من الزلل وتوفِّقكم لصالح العمل‏.‏ فقال له‏:‏ يا هذا أرأيت إن حفت روح إبليس فما ينفعك فاترك ما لا يعنيك إلى ما يعنيك‏.‏ قال له فقل فيما يعنيني فقال له‏:‏ قبـض رسـول اللـه صلـى اللـه عليه وسلم وأبوكم العبَّاس حي فلم يطلب الأمر ولا بايعه‏.‏ ثم مات أبـو بكـر واستخلـف عمـر وهو يرى العباس ولم يعهد إليه عمر ولا جعله من أهل الشورى وكانوا ستة وفيهم الأقرب والأبعد وهذا إجماع منهم على دفع جدك عنها‏.‏ فبماذا تستحقون أنتم الخلافة فأمر به المُعْتَضد فَعُذِّب وخُلِعَتْ عظامه ثم قطِّع مرتين ثم قتل‏.‏ ولمـا أوقـع شبـل بالقرامطـة بسـواد الكوفة ساروا إلى الشام فانتهوا إلى دمشق وعليها طُغْج بن جَف مولى أحمد بـن طولـون مـن قِبَـل ابنـه هـارون فخـرج إليهـم فقاتلهم مراراً هزموه في كلها‏.‏ هذه أخبار بدايتهم‏.‏ ونقبـض العنـان عنهـا إلى أن نذكر سياقتها عندما نعدّ أخبارهم على شريطتنا في هذا الكتاب كما تقدّم‏.‏

  استيلاء ابن سامان علي خراسان من يد عمرو بن الليث وأسره ثم مقتله

لمـا تغَلّـب عمـرو بن الليث الصفَّار على خراسان من يد رافع بن الليث وقتله وبعث برأسه إلى المُعْتَضد وطلب منه أن يوليه ما وراء النهر مضافاً إلى ولاية خراسان كتب له بذلك فجهز الجيـوش لمحاربـة إسماعيـل بـن أحمـد صاحـب مـا وراء النهر وجعل عليهم محمد بن بشير من أخصّ أصحابه‏.‏ وبعث معه القوَّاد فانتهوا إلى آمد من شط جَيْحون وعبر إليهم إسماعيل فهزمهم وقتـل محمـد بـن بشيـر فـي ستـة آلـاف ولحـق الفَـلّ بعمـرو في نيسابور فتجَهّز وسار إلى بلخ وكتب إليه إسماعيل يستعطافه ويقول‏:‏ أنا في ثغر وأنت في دنيا عريضة فاتركني واستفد ألفتي فأبى‏.‏ وصعب على أصحابه عبور النهر لشدّته فعبر إسماعيل وأخذ الطرق على بلخ وصار عمرو محصـوراً‏.‏ ثـم اقتتلـوا وانهـزم عمـرو وتسـرَّب مـن بعـض المسالـك عـن أصحابـه فوجـد في أجَمَةٍ وأخذ أسيراً‏.‏ وبعـث بـه إسماعيـل إلـى سَمَرْقَـنْد ومـن هنـاك إلـى المعتضـد سنـة ثمـان وثمانيـن فحبسـه إلـى أن مـات المعتضد سنة تسع بعدها فقتله ابنه المُكْتَفِي‏.‏ وعقد لإسماعيل على خراسان كما كانت لعمرو وكان عمرو عظيم السياسة وكان يستكثر من المماليك ويجري عليهم الأرزاق ويفرقهم علـى قـوَّاده ليطالعـوه بأخبارهم‏.‏ وكان شديد الهيبة ولم يكن أحد يتجاسر أن يعاقب غلاماً ولا خادماً إلّا أن يرفعه إلى حُجَّابه‏.‏

  استيلاء ابن سامان علي طبرستان من يد العلوي ومقتله

ولمـا بلـغ محمـد بـن زَيْدٍ العَلَوي صاحب طَبَرْسَتَان والديلم ما وقع بعمرو بن الليث وأنه أسر طمع هـو فـي خُراسـان وظـنّ أن ابـن إسماعيل لا يتجاوز عمله فسار إلى جرجان وبعث إليه إسماعيل بالكـف فأبـى فجهَـز لحربه محمد بن هارون وكان من قوًاد رافع بن الليث‏.‏ واستأمن إلى عمرو ثـم إلـى إسماعيـل فنظمـه فـي قـوَّاده وندبـه الـآن لحـرب محمـد بـن زيد فسار لذلك‏.‏ ولقيه على باب خُراسان‏.‏ فاقتتلوا قتالاً شديداً وانهزم محمد بن هارون أولاً وافترقت عساكر محمد بن زيد على النهب ثم رجع هو وأصحابه وانهزم محمد بن زيد وجرح جراحات فاحشة هلك منها لأيـام وأسـر ابنـه زيـد وبعـث بـه إسماعيـل إلـى بخـارى واجتـرأ عليـه وغنـم ابن هارون معسكرهم ثم سار إلى طبرستان فملكها وصار خراسان وطبرستان لبني سامان واتصلت لهم دولة نذكر سياقة أخبارها عند أفراد دولتهم بالذكر كما شرطناه في تأليفنا‏.‏

  ولاية علي بن المعتضد علي الجزيرة والثغور

ولما ملك المعتضد آمد من يد ابن الشيخ كما قدَمناه سار إلى الرقة وتسلم قَنِسْرين والعواصم من يد عمال هارون بن خمارَويه لأنه كان كتب إليه أن يقاطعه على الشام ومِصرَ وتسلم إليه أعمال قنسرين ويحمل إليه أربعمائة ألف دينار وخمسين ألفاً‏.‏ فأجابوه وسار من آمد إلى الرقة فأنزل ابنه علياً الذي لقبه بعد ذلك بالمكتفي وعقد له على الجزيرة وقنسرين والعواصم سنة سـت وثمانيـن‏.‏ واستكتـب لـه الحسـن بـن عمـر النصرانـي واستقـدم وهـو بالرقّـة راغبَـاً مولـى الموفـق مـن طرسـوس فقدم عليه وحبسه وحبس ملنون غلامه واستصفى أموالهما‏.‏ ومات راغب لأيام من حبسه وقد كان راغب استبدْ بطرسوس وترك الدعاء لهارون بن خمارويه ودعا لبدر مولى المعتضد‏.‏ ولما جاء أحمد بن طبان للغز سنة ثلاث وثمانين تنازع معه راغب فركب أحمد البحـر فـي رجوعـه ولـم يُعَـرج علـى طرسـوس وتـرك بهـا دميانة غلام بازيار وأمدّه فقوي وأنكر على راغـب أفعاله بحمل دميانة إلى بغداد واستبد راغب وبادر إلى استدعاء المعتضد ونكبه كما قلناه وولى ابن الأخشاء على طرسوس فمات لسنة‏.‏ واستخلف أبا ثابت وخرج سنة سبع وثمانين غازياً فأسر وولى الناس عليهم مكانه علي بن الأعرابـي ولحـق بَمَلطِيَّـة فـي هـذه السنـة وصيـف مولـى محمـد بن أبي الساج صاحب بردعة وكتب إلى المعتمد يسأله ولاية الثغور وقد وطأ صاحبه أن يسير إليه إذا وليها فيقصدان ابن طولون ويملكـان مصـر مـن يـده وظهـر المعتضـد على ذلك فسار لاعتراضه وقدم العساكر بين يديه فأخفوه بعيـن زربـة وجـاؤوا بـه إلـى المعتضـد فحبسـه وأمـن عسكـره ورحل إلى قرب طرسوس واستدعى رؤساءهـا وقبـض عليهـم بمكاتبتهـم وصيفـاً وأمـر بإحـراق مراكب طرسوس بإشارة دميانة واستعمـل علـى أهـل الثغـور الحسـن بـن علـي كـوره وسـار إلـى أنطاكيـة وحلـب ورجـع منهـا إلى بغداد وقتل وصيفاً وصلبه‏.‏ واستقدم المكتفي بعد وفاة المعتضد الحسن بن علي وولى على الثغور مظفر بن حاج‏.‏ ثم شكا أهل الثغر منه فعزله وولى أبا العشائر بن أحمد بن نصر سنة تسعين‏.‏

  حرب الأعراب

وفي سنة ست وثمانين اعترضت طيئ ركب الحاج بالأجيعر وقاتلوه ونهبوا أموال التجار ما قيمته ألف ألف دينار ثم اعترضوا الحاج كذلك سنة تسع وثمانين بالقرن فهزمهم الحاج وسلموا‏.‏ تغلب ابن الليث على فارس وإخراج بدر إياه وفي فاتح ثمان وثمانين جاء طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث في العساكر إلى بلاد فارس وأخرج منها عامل المعتضد وهو عيسى النَوْشَرِيّ كان على أصْبَهَـان فولـاه المعتَضِـد فـارس فسـار إليهـا فجـاءه طاهر وملكها‏.‏ وكتب إليه إسماعيل صاحب ما وراء النهر بأن المعتضد ولاه سجستان لذلك وعقد المعتضد لبدر مولاه على فارس وهرب عمال طاهر عنها وملكها بحر وجبى خراجها‏.‏ ثم مات المعتضد وسار مغرباً عن فارس فقتل بواسط وقاطع طاهِرُ بلاد فارس على مال يحمله فقلَّده المُكْتَفي ولايتها سنة تسعين‏.‏ الولايات في النواحي كـان أكثـر النواحـي فـي دولـة المعتضـد مغلبـاً عليهـا كخُراسـان ومـا وراء النهـر لابن شامان والبَحْرَيْن لِلْقَرَامِطَة ومِصْر لابن طولون وإفريقية لابن الأغلَب وقد ذكرنا من وَليَ الموصل‏.‏

  وفي سنة خمس وثمانين

ولي المعتضد عليها وعلى الجزيرة والثغور الشامية‏.‏ مولاه‏.‏ ثم ملك آمد مـن يـد ابن الشيْخ وجعلها لابنه علي المُكْتَفي وأنزله الرقَة كما ذكرناه وعقد له على الثغور‏.‏ ثم عقـد بعـده للحسـن بـن علـي كـوره وولـى علـى فـارس بـدراً مولـاه‏.‏ ومات إسحاق بن أيوب بن عمر بـن الخطـاب الثعلبـي العَـدَوي أميـر ديـار ربيعـة فولـى المعتضـد مكانـه عبـد اللـه بـن الهَيْثَـم بـن عبد الله بن المَعْمَر‏.‏

  وفي سنة ثمـان وثمانيـن

ظهر باليمن بعض العلويين وتغلب على صنعاء فجمع له بنو يعفر وقاتلوه فهزموه وأسروا ابنه وتجافى نحو خمسين فارساً وملك بنو يعفر صنعاء وخطبوا فيها للمُعْتَضِد وهلـك ابـن أبـي السـاج فـي هـذه السنة فولي أصحابه ابنه ديوداد‏.‏ ونازعه عمه يوسف بن رافع بابن أخيه وهزمه ومضى إلى بغداد علـى طريـق الموصـل واستقـل يوسـف بملـك أذرَبَيْجَـان وعـرض علـى ابـن أخيـه المقـام عنـده فأبـى وقلَـد المعتضـد لأول خلافته ديوان المشرق لمحمد بن داود بن الجرَّاح عوضاً عن أحمد بن محمد بن الفرات وديوان المغرب عليّ بن عيسى بن داود بن الجرّاح ومات وزيره عبيد اللّه بن سليمان بن وَهْب فولى ابنه أبا القاسم مكانه‏.‏ الصّوائِف

  وفي سنة خمـس وثمانيـن

غـزا راغـب مولـى المُوَفّـق مـن طَرْسـوس في البحر فغنم مراكب الروم قتل فيهـا نحـواً مـن ثلاثـة آلـاف وأحرقهـا‏.‏ وخـرج الـروم سنـة سبـع وثمانيـن ونازلـوا طرسوس فقاتلهم أميرها واتبعهم إلى نهـر الرحـال فأسـروه‏.‏

  وفي سنة ثمـان وثمانيـن

بعـث الحسـن بـن علـي كـوره صاحـب الثغـور بالصائفـة فغـزا وفتـح حصوناً كثيرة وعاد بالأسرى فخرجِ الروم في أثره براً وبحراً إلى كيسوم من نواحي حلب فأسروا نحواً من خمسة عشر ألفاً ورجعوا‏.‏

  وفاة المعتضد وبيعة ابنه

كـان بَـدْرٌ مولـى المعتَضِـد عظيـم دولتـه وكـان القاسِـمُ بـن عُبَـيْدِ اللّه الوزير يروم نقل الخلافة في غير بني المعتضد وفاوض في ذلك بدراً أيّام المعتضد فأبى ولم يمكن القاسم مخالفته‏.‏ فلما مات المعتضـد كـان بـدر بفـارس بعثـه إليهـا المعتضـد لمـا بلغـه أن طاهِـرَ بـن محمـد بـن عمـرو بن الليث غلب عليهـا فبعـث بـدراً وولـاّه‏.‏ فلمـا مـات عقـد الوزير البيعة لابنه المُكْتَفي وخشي من بدر فيما اطلع عليـه منـه فأعمـل الحيلـة فـي أمـره‏.‏ وكـان المكتفي أيضاً يحقد لبدر كثيراً من منازعة معه أيام أبيه فـدس الوزيـر إلـى القـوّاد الذيـن مـع بـدر بمفارقتـه ففارقه العباس بن عمر الغَنَوي ومحمد بن إسحاق بـن كنـداج وخاقـان العِلْجِـي وغيرهـم فأحسـن الملتقـى إليهـم وسـار بـدر إلـى واسـط فوكل المكتفـي بـداره وقبـض علـى أصحابـه وأمـر بمحـو اسمـه مـن الفـراش والأعلـام‏.‏ وبعث الحسن بن علي كـوره في جيش إلى واسط وعرض على بدر ما شاء من النواحي فقال‏:‏ لا بدّ لي أن أشافه مولاي بالقول فخوف الوزير المكتفي خائنته ومنعه من ذلك وشعر أن بدراً بعث عن ابنه هلال فوكل به‏.‏ ثم بعث الوزير عن القاضي أبي عُمَر المالِكيّ وحمَله الأمان إلى بدر فجاء بأمانه وبعث الوزير من اعترضه بالطريق فقتله لست خلون من رمضان وحمل أهله شلوه إلى مكة فدفن بها لوصيته بذلك وحزن القاضي أبو عمر لاخفار ذمّته‏.‏

  استيلاء محمد بن هارون علي الري ثم أسره وقتله

قد تقدّم لنا ذكر محمد بن هارون وانه كان من قوّاد رافع بن هرثمة ونظمه إسماعيل بن أحمد صاحـب مـا وراء النهـر فـي قـوّاده وبعثـه لحـرب محمـد بـن زيـد فهزمه واستولى على طبرستان وولاه إسماعيل عليها‏.‏ ثم انتقض ودعا بدعوة العلويَّة وبَيض وساعده ابن حسان الديْلَمِيّ‏.‏ وبعث إسماعيل العساكر لقتال ابن حسان فهزموه‏.‏ وكان على الريّ من قبل المُكْتَفي اغرتمش التركي فأساء السيرة فبعث أهل الري إلى محمد بن هارون أن يسيـر إليهـم ويولـوه فسـار وحـارب اغرتمـش فهزمـه وقتلـه وقتـل ابنيه وأخاه كيغلغ من القواد واستولى على الري وبعث المكتفي مولاه خاقان المفلحي لولاية الريّ في جيش كثيف فلم يصلها وبث المكتفي إلى إسماعيل بولايته ومحاربة محمد بن هارون فسار إسماعيل إليه وهزمه فخرج عن الريّ إلى قَزوين وزَنْجان‏.‏ ثم لحـق بطَبَرْسَتـان واستقـرّ مـع ابنـه مستجيـزاً ولمـا ملك إسماعيل الريّ ولّى على جَرْجان مولاه نارس الكبير وألزمه إحضار محمد بن هارون فكاتبه نارس وضمن له صلاح الحال فقبل وانصرف عن الديْلَم إلى بُخارى فبعث إسماعيل من اعترضه وحمل إلى بخارى مقيداً فمات في الحبس بعد شهر وذلك في شعبان سنة تسعين‏.‏

  استيلاء المكتفي علي مصر وانقراض دولة ابن طولون

كان محمد بن سليمان من قوّاد بني طولون وكاتب جيشهم واستوحش منهم فلحق بالمعتضد وصرفوه في الخدم وكانت القرامطة عاثوا في بلاد الشام وحاصروا عامل بني طولون بدمشق وهو طغج بن جفّ وقتلوا قوِّاده‏.‏ وسار المكتفي إليهم فنزل الرَقًة وبعث محمد بن سُلَيْمان لحربهم ومعه الحسن بن حَمْدان والعساكر وبنو شيبان فلقيهم قرب حماة فهزمهم واتبعهم إلى الكوفـة‏.‏ وقبـض فـي طريقـه علـى أميرهـم صاحـب الشامـة فبعث به إلى المكتفي فرجع إلى بغداد وخلَّف محمد بـن سُلَيْمَـانَ فـي العساكـر فتبعهـم وأسـر جماعـة منهـم‏.‏ وبينمـا هـو يـروم العـود إلـى بَـغْداد جـاءه كتـاب بَـدْر الحمامِـيّ مولـى هارون بن خَمَارَوَيْه ومحمد فائق صاحب دمشق يستقدمانه إلى البلاد لعجز هارون عنها فأنهى ذلك محمد بن سليمان عند عوده إلى المُكْتَفي فأعاده وأمدهّ بالجنود والأموال وبعث دميانة غلام بازيار في الأسطول ليدخل من فوهة النيل ويحاصر مِصر ولما وصل ودنا من مصر كاتب القواد وخرج إليه رئيسهم بدر الحمامي وتتابع منهم جماعة وبرز هارون لقتاله فحاربه أياماً‏.‏ ثم وقعت بعض الأيام في عسكره هيعة ركب لها ليسكنها فأصابته حربة مات منها واجتمع أصحابـه علـى عمِـه شَيْبـان وبـذل الأمـوال فقاتلـوا معـه‏.‏ ثـم جاءهـم كتاب محمد بن سليمان بالأمان فأجابـوه وخالـف شيبـان إلـى مِصـرَ فاستولـى عليهـا وأستأمـن إليه شيبان سرّاً فأمَّنه ولحق به‏.‏ ثم قبـض علـى بنـي طولون وحبسهم واستصفى أموالهم وذلك في صفر سنة اثنتين وتسعين وأمره المكتفـي بإزالة آل طولون وأشياعهم من مِصر والشام ففعل وسار بهم إلى بغداد وولّى المكتفي على مصر عيسى النوشـري وخـرج عليـه إبراهيـم الخليجـي مـن قـوّاد بنـي طولـون يخلـف عـن محمـد بـن سليمان فخلفه وكثر جمعه وسار النوشري إلى الإسْكَنْدَريِـة عجـزاً عـن مدافعتـه واستولـى الخليجِي على مصر وبعث المكتفي بالجنود مع فاتك مولى المعتضد وأحمد بن كيغلغ وبدر الحمامي من قواد بني طولون فوصلوا سنة ثلاث وتسعين وتقدم أحمد بن كيغلغ وجماعة من القوّاد فلقيهم قرب العريش فهزمهم وقوي الأمر وبلغ الخبر إلى المُكْتَفي فعسكر ظاهر بغداد وانتهى مدة إلى تكريت فلقيه كتاب فاتك في شعبان يذكر أنهم هزموا الخليجي بعد حروب متصلة وغنموا عسكره‏.‏ ثم هرب واختفى بفسطاط مصر وجاء من دلّ عليه فأمر المُكْتَفي بحمله ومن معه إلى بغداد فبعثوا بهم وحُبِسوا‏.‏

  دولة بني حَمْدَان ابتداء دولة بني حمدان

وفي سنة اثنتيـن وتسعيـن عقـد المُكْتفـي علـى الموصـل وأعمالهـا لأبـي الهيجـاء عبد اللهّ بن حَمْدان بن حَمْدون العَدْوِيِّ الثعْلَبِيّ فقلمها أول المحرِّم وجاء الصريخ مـن نينـوى بـأن الأكـراد الهَدْبانِيـة ومقدمهم محمد بن سلال قد أغاروا على البلاد وعاثوا فخرج في العساكر وعبر الجسر إلى الجانب الشرقي‏.‏ ولقيهم على الحارد فقاتلهم وقتل من قواد سليمان الحمداني ورجع عنهم وبعـث إلـى الخليفـة يستمده فأبطأ عليه المدد إلى ربيع من سنة أربع فلما جاءه المدد سار إلى الهَدبانِيَّـة وهـم مجتمعـون فـي خمسـة آلـاف بيـت فارتحلـوا أمامـه واعتصمـوا بجبـل السَلَقِ المشرف على الزاب فحاصرهم وعرفوا حقه فخذله أميرهم محمد بن سلال بالمراسلة فيِ الطاعة والرهـن وحـث أصحابـه خلـال ذلك المسير إلى أذرَبَيْجان وأتبعهم أبو الهيجاء فلحقهم صاعداً إلى جبل القِنْديل فنال منهم وامتنعوا بفروته‏.‏ ورجع أبو الهيجاء عنهم فلحقوا بأذْرَبَيْجان ووفد أبو الهَيْجاء على المُكْتَفي فأنجده بالعسكر وعـاد إلـى الموصـل‏.‏ ثـم سـار إلـى الأكراد بجبل السلف فدخله وحاصرهم بقنته وطال حصارهم واشتد البرد وعدمت الأقوات وطلب محمد بن سلال النجاة بأهله وولده فنجا واستولى ابن حمدان على أموالهم وأهليهم وأمنهم‏.‏ ثم استأمن محمد بن سلال فأمنه وحضر عنده وأقام بالموصل وتتابع الأكراد الحميديًة مستأمنين واستقام أمر أبي الهيجاء بالموصل‏.‏ ثمِ انتقض سنة إحدى وثلثمائة فبعث إليه المقتدر مؤنساً الخادم فجاء بنفسه مستأمناً ورجع به إلى بغداد فقبلـه المقتـدر وأكرمـه‏.‏ وبقـي ببغـداد إلـى أن انتقض أخوه الحسَيْن بديار ربيعة سنة ثلاث وثلثمائة وسـارت العساكـر فجـاؤوا بـه أسيراً‏.‏ فحبس المقتدر عند ذلك أبا الهيجاء وأولاده وجمع أخوته بداره ثم أطلقهم سنة وثلثمائة‏.‏

  أخبار ابن الليث بفارس

قـد تقـم لنـا استقلـال طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث ببلاد فارس وأن المكتفي عقد له عليها سنـة تسعيـن ثـم إنـه تشاغـل باللهـو والصيد وأعرض عن أمور ملكه‏.‏ ومضى في بعض الأيام إلى سِجِسْتَانَ فوثب على فـارِس الليـث بـن علـي بـن الليـث وسيكـرى مولـى عمـرو بـن الليـث فاستوحش منهما أحد قوادهما يعرف بأبي قابوس وفارقهما إلى بغداد‏.‏ المُكْتَفي إليه‏.‏ ثم كتـب إليـه طاهـر فـي ردّ أبـي قابـوس إليـه ويحتسـب لـه مـا معـه مـن أمـوال الجباية فأعرض الخليفة عن ذلك‏.‏ الصوائف

  وفي سنة إحـدى وتسعيـن

خـرج الـروم إلـى الثغـور في مائة ألف وقصد جماعة منهم الحدث‏.‏ ثم غزا بالصائفة من طرسوس القائد المعروف غلام زرافة ففتح مدينة أنطاكية وفتحها عنوة فقتل خمسة آلاف من مُقَاتِلَتِهِم وأسر مثلها‏.‏ واستنقذ من أسرى المسلمين مثلها وغنم ستين مـن مراكب الروم بما فيها من المال والمتاع والرقيق فقسمها مع غنائم أنطاكية فكـان السهـم ألـف دينار

  وفي سنة اثنتين وتسعين

أغار الروم على مرعش ونواحيها فخرج أهل المصيصة وأهل طرسوس فأصيب منهم جماعة فعزل المكتفي أبا العشائر على الثغور وولى رستم بن بُرْد فكان على يديه الفداء وفودي ألف من المسلمين‏.‏ ثم أغارت الروم سنة ثلاث وتسعين على موارس من أعمال حلب وقاتلهم أهلها فانهزموا وقتل منهم خلق ودخلها الروم فأحرقوا جامعها وأخذوا من بقي فيها‏.‏

  وفي سنة أربع وتسعين

غزا ابن كيغلغ من طرسوس فأصاب من الروم أربعة آلـاف سبيَـاً واستأمن بطريق من الروم فأسلم‏.‏ ثم عاود ابن كيغلغ الغزو وبلغ سَكَنْد وافتتحها وسار إلى الليس فبلغ خمسين ألف رأس وقتل من الروم خلقاً ثم استأمن البطريق المتولي الثغور من جهة الـروم إلـى المكتفي وخرج بمائتي أسير من المسلمين‏.‏ وكان ملك الروم قد شعر بأمره وبعث من يقبـض عليـه فقتـل الأسـرى المسلمـون من جاء للقبض عليه وغنموا عسكرهم‏.‏ واجتمع الروم على محاربة البطريق انذوقس وزحف المسلمون لخلاصه وخلاص من معه من الأسرى فبلغوا قونية وخربوهـا وانصـرف الـروم ومرَّ المسلمون في طريقهم بحصن أندوس فخرج معهم بأهله وسار إلى بغـداد‏.‏

  وفي سنة إحـدى وتسعيـن

خـرِج التـرك إلـى مـا وراء النهـر فـي خلق لا يحصون فبعث إليهم إسماعيـل عسكـراً عظيمـاً مـن الجنـد والمتطوِّعـة فكبسوهـم واستباحوهـم‏.‏

  وفي سنة ثلاث وتسعين

افتتح إسماعيل مدائن كثيرة من بلاد الترك والديلم‏.‏ الولايات بالنواحي قد ذكرنا ولايات خاقان المفلحي على الريّ ثم إسماعيل بن أحمد بـن سامـان بعـده وولايـة عيسـى النَوْشـرِيّ علـى مصـرَ بعـد انتزاعهـا مـن بنـي طولون وولاية أبي العشائر أحمد بن نصر على طرسوس وعزل مُظَفَّر بن حاج عنها سنة تسعين ثم عزل أبي العشائر وولاية رستم بن برد سنـة اثنتيـن وتسعيـن‏.‏ وانتـزاع الليث بن علي بن الليث بلاد فارس من يد طاهر بن محمد سنة ثلـاث وتسعيـن بعـد أن كان المُكْتفي عقد له عليها سنة تسعين وولاية أبي الهَيجاء عبد الله بن حمـدان علـى الموصـل سنـة ثلـاث وتسعيـن‏.‏ وفـي هـذه السنـة ثـار داعيَـةُ القَرامطَـة باليمن إلى صنعاء فملكهـا واستباحهـا وتغلَـب علـى كثيـر مـن مدن اليمن‏.‏ وبعث المُكْتَفي المُظَفَّر بن الحاج في شوّال مـن هـذه السنـة إلـى عملـه باليمـن فأقـام بـه‏.‏

  وفي سنة إحدى وتسعين

توفي الوزير أبو القاسم بن عبيد الله واستوزر مكانه العباس بن الحسن‏.‏ وفاة المكتفي وبيعة المقتدر ثـم توفـي المكتفـي باللهّ أبو محمد علي بن المعتضد في شهر جمادى سنة خمس وتسعين لست سنيـن ونصـف مـن ولايتـه ودفـن بـدار محمـد بـن طاهر بعد أن عهد بالأمر إلى أخيه جعفر‏.‏ وكان الوزيـر العبـاس بـن الحسـن قـد استشـار أصحابه فيمن يوليه فأشار محمد بن داود بن الجرَّاح بعبد اللّـه بـن المُعْتَزَّ ووصفه بالعقل والرأي والأدب وأبو الحُسَيْن بن محمد بن الفُرات بجعفر بن المُعْتَضِد بعـد أن أطـال فـي مفاوضتـه وقـال له‏:‏ اتق اللّه ولا تولّ إِلَّا من خبرته ولا توَلّ البخيل فيضيِّق على الناس في الأرزاق ولا الطمَاع فيشره إلى أموال الناس ولا المُتَهاون بالدين فلا يجتنب المآثم ولا يطلب الثواب‏.‏ ولا تُوَلِ من خبر الناس وعاملِهم واطلع على أحوالهم فيستكثـر علـى النـاس نِعمهُم وأصلح الموجودين مع ذلك جَعْفرُ بن المعتضد‏.‏ قال ويحك وهو صبي فقال وما حاجتنا بمـن لا يحتـاج إلينـا ويستبد علينا‏!‏ ثم استشار علي بن عيسى فقال اتق الله وانظر من يصلح‏.‏ فمالت نفس الوزير إلى جعفر كما أشار ابن الفرات وكما أوصى أخوه فبعث صائفاً الخدمي فأتى به من داره بالجانب الغربي ثم خشي عليه غائلة الوزير فتركه في الحراقة وجاء إلى دار الخلافة فأخذ له البيعة على الحاشية‏.‏ ثم جاء الحراقة وأقعده على الأريكة‏.‏ وجاء الوزير والقُـواد فبايعـوه ولقـب المُقْتَدر بالله وأطلق يد الوزير في المال وكان خمسة عشر ألف ألف دينار فأخرج منه حق البيعة واستقام الأمر‏.‏

  خلع المقتدر بابن المعتز وإعادته

ولمـا بويع المقتدر وكان عمره ثلاث عشرة سنة استصغره الناس واجمع الوزير خلعه والبيعة لأبي عبد الله محمد بن المُعْتَزّ وراسله في ذلك فأجاب وانتظر قدوم نارس حاجب إسماعيل بن سامان كان قد انتقض إلى مولاه وسار عنه فاستأذن في القدوم إلى بغداد وأذن له‏.‏ وقصد الاستعانـة بـه علـى موالـي المعتضـد‏.‏ وأبطـأ نـارس عليه وهلك أبو عبد الله بن المقتدر خلال ذلك فصـرف الوزيـر وجهه لأبي الحسين بن الموكل فمات فأقرّ المقتدر ثم بدا له وأجمع عزله واجتمع لذلك مع القواد والقضاة والكتّاب فراسلوا عبد الله بن المُعْتَز فأجابهم على أن لا يكون قتال‏.‏ فأخبروه باتفاقهم وأن لا منازع لهم‏.‏ وكان المتولون لذلك الوزير العباس بن الحُسَيْن ومحمد بن داود بن الجرّاح وأبا المثنى أحمد بن يعقـوب القاضـي ومـن القـواد الحسيـن بـن حَـمْدان وبحـر الأعْجَمِي ووصيف بن صوارتكين‏.‏ ثـم رأى الوزيـر أمـره صالحـاً مـع المقتـدر فبدا له في ذلك فأجمع الآخرون أمرهم واعترضه الحسين بـن حمـدان وبـدر الأعجمـي ووصيـف فـي طريـق لستانـة فقتلـوه لعشـر بقيـن مـن ربيـع الـأول سنـة سـت وتسعين وخلعوا المقتدر من الغد وبايعوا لابن المعتز‏.‏ وكان المقتدر في الحلبة يلعب الأكْرَةَ فلما بلغه قتل الوزير دخل الدار وأغلق الأبواب وجاء الحسين بن حمدان إلى الحلبة ليفتك به فلم يجده فقدم وأحضروا ابن المعتزّ فبايعـوه وحضـر النـاس والقُـوّاد وأربـاب الدواويـن سـوى أبـي الحسن بن الفرات وخواص المقتدر فلم يحضروا‏.‏ ولُقِبَ ابنُ المُعْتَزِّ المُرْتَضَى بالله واستـوزر محمـد بـن داود بـن الجَـراح وقَلـدَ علـي بـن موسـى الدواوين وبعث إلى المُقْتَدر بالخروج من دار الخلافة فطلب الإمهال إلى الليـل‏.‏ وفـال مؤنـس الخادم ومؤنس الخازن وعربت الحال وسائر الحاشية لا بد أن يبدي عذراً فيما أصابنا‏.‏ وباكر الحُسَيْنُ بن حَمْدان من الغَدِ دار الخلاقة فقاتله الغلمان والخدم من وراء السور وانصرف‏.‏ فلما جاء الليل سار إلى الموصل بأهله وأجمع رأي أصحاب المُقْتَدِرِ على قصد ابن المعتز في داره فتسلَّحـوا وركبوا في دجلة فلما رآهم أصحاب ابن المعتز اضطربوا وهربوا واتهموا الحسين بن حمدان أنه قد واطأ المقتدر عليهم وركب ابن المعتز وزيره محمد بن داود بن الجَرَّاح وخرجوا إلى الصحراء ظناً منهم أن الجند الذين بايعوهم يخرجون معهم وانهم يلحقون بسامرا فيمتنعون فلمـا تفـردوا بالصحـراء رجعـوا إلـى البلد وتسربوا في الدصر واختفى ابن الجرَاح في داره ودخل ابن المعتز ومولاه دار أبي عبد الله بن الجصَّاص مستجيراً به‏.‏ وثار العيارون والسُفْلُ ينتهبون‏.‏ وفشا القتل وركب ابن عَمْرَوَيْه صاحب الشرطة وكان ممـن بايع ابن المُعْتَز فنادى بثأر المقتدر مغالطاً فقاتله فهرب واستتر وأمر المقتدر مؤنساً الخـازن فزحـف فـي العسكـر وقبـض علـى وصيـف بـن صوارتكيـن فقتلـه وقبـض علـى أبـي القاضـي أبـي عمـر علـي بـن عيسـى والقاضـي محمـد بـن خَلَـف‏.‏ ثـم أطلقهـم وقبـض على القاضي أبي المُثنى أحمد بن يعقـوب قـال لـه بايع المقتدر‏!‏ قال هو صبيّ فقتله وبعث المقتدر إِلى أبي الحسن بن الفرات كان مختفياً فأحضره واستوزره‏.‏ وجاء سَوْسَنُ خادم ابن الجصاص فأخبر صافيـاً الخُرمـي مولـى المقتدر بمكانه عندهم فكبست الدار وأخذ ابن المعتز وحبس إلى الليل ثم خصيت خصيتاه فمات وسُلِم إلى أهله وأخذ ابن الجصاص وصودر على مال كثير وأخذ محمد بن داود وزير ابن المُعْتز وكان مستتراً فقتل‏.‏ ونفـي علـي بـن عيسى بن عليّ إلى واسط واستأذن من ابن الفرات في المسير إلى مكة فسار إِليها على طريق البصرة وأقام بها وصودر القاضي أبو عمر على مائة ألف دينار وسارت العساكـر فـي طلـب الحُسَـيْن بـن حَـمْدان إلـى الموصـل فلـم يظفـروا به وشفع وزير ابن الفرات في ابن عمرويـه صاحـب الشرطـة وإبراهيـم بـن كيغلـغ وغيرهم‏.‏ وبسط ابن الفرات الإحسان وأدر الأرزاق للعباسيين والطالبيين وأرضى القواد بالأموال ففرق معظم ما كان في بيت المال وبعث المقتدر القاسم بن سيما وجماعة من القواد في طلب الحسين بن حمدان فبلغوا قَرْقيسيا والرَحْبَةِ ولم يظفـروا بـه وكتب المقتدر إلى أخيه أبي الهيجاء وهو عامل الموصل بطلبه فسار مع القاسم بن سيما والقواد ولقوه عند تكريت فهزموه وبعث مع أخيه إبراهيم يستامن فأمنوه وجاؤوا به إلى بغـداد فخلـع عليـه المقتـدر وعقـد لـه علـى قـم وقاشان وعزل عنها العباس بن عمر الغَنَوِفي فسار إليها الحسين ووصل نارس مولى إسماعيل بن سامان فقلده المقتدر ديار ربيعة‏.‏ نسبة هؤلاء العُبَيْدِين إلى أول خُلفائهم وهو عُبَيْدُ الله المهدي بن محمد بن جعفر المُصَدق ابن محمد المكتوم ابن إسماعيل الإمام ابن جعفر الصادق ولا يلتفت لإنكار هذا النسب فكتـاب المعتضـد إلـى ابـن الأغلـب بالقَـيْرَوَان وابن مدرار يغريهم بالقبض عليه لما سار إلى المغرب شاهد بصحًة نسبهم وشعر الشريف الرضي‏:‏ ألبـس الـذُلَّ فـي بلـاد الأعـادي وَبِمِصْرَ الخَليفَـةُ العَلَـوِيُ مَنْ أبوهُ أبي وَمَوْلاه مَـوْلا ي إِذَا ضَامَني البَعِيـدُ القصـي لـفً عِرقـي بِعِرْقِه سَيِّدُ النَّا س جَمِيعاً محمَّدٌ وَعَلي وأمّا المحضر الذي ثبت ببغداد أيام القـادر بالقـدح فـي نسبهـم وشـد فيـه أعلـام الأئمـة مثـل القُدوري والصهَيْريّ وأبي العباس الأبيوردي وأبي حامد الأسفَراينيّ وأبي الفَضْل النسَوِيٌ وأبي جعفـر النًسْفـيّ ومن العَلَوِّيَةِ المُرْتَضى وابن البَطْخاوي وابن الأزرق زعيم الشيعة أبو عبد اللّه بن النعْمـان فهـي شهادة على السماع‏.‏ وكان ذلك متَصلاً في دولة العباسِيِّةِ منذ مائتين من السنين فاشيـاً فـي أمصارهـم وأعصارهـم‏.‏ والشهـادة علـى السمـاع فـيِ مثلـه جائـزة علـى أنَّها شهادة نفي ولا تُعارضُ ما ثبت في كتاب المُعتَضِد مع أن طبيعة الوجود في الانقياد لهم وظهور كلمتهم أدل شيء على صدق نسبهم‏.‏ وأمّا من جعل نسبهم في اليَهودية أو النصْرَانِية كميمون القَدّاح وغيره فكفاه إِثماً تَعَرُّضُه لذلك‏.‏ وأما دعوتهم التي كانوا يدعون لها فقد تقدم ذكرها في مذاهب الشيعة من مقدمة الكتاب‏.‏ وانقسمـت مذاهـب الشيعة مع اتفاقهم على تفضيّل عليّ على جميع الصحابة إلى الزَيْديةِ القائلين بِصِحةِ إمامَةِ الشَيْخَيْنِ مـع فضـل علـيّ ويجـوِّزون إمامـة المفضـول وهـو مذهـب زيـد الشهيـد وأتباعـه والرافضـة ويدعـون بالإماميـة المتبرئين من الشيْخَيْن بإهمالهما وصيَّة النبي صلى الله عليه وسلـم بخلافـة علـيّ‏.‏ مـع أنّ هـذه الوصيَّـة لـم تنقـل مـن طريـق صحيـح قـال بهـا أحـد من السلف الذين يقتدي بهم وإنما هي من أوضاع الرافِضَةِ‏.‏ وانقسم الرافِضَـة بعـد ذلـك إلـى اثنـي عَشَرِيـة نقلـوا الخلافـة مـن جعفـر بعـد الحسـن والحسيـن وعلـي زيـن العابديـن ومحمـد الباقـر وجعفـر الصـادق إلـى ابنـه موسـى الكاظـم وولـده علـى سلسلـة واحدة إلى تمام الاثني عشر وهو محمد المهدي وزعموا أنه دخل سردا‏.‏ وهم في انتظاره إلى الآن‏.‏ وإلى الإِسماعيلية نقلوا الخلافة من جَعْفر الصادق إلى ابنه إسماعيل ثم ساقوها في عقبه فمنهم من انتهـى بهـا إلـى عبيـد اللـه هـذا المهـدي وهـم العُبَيْدِيُّـون ومنهـم مـن ساقها إلى يحيى بن عبيد اللّه بن محمد المكتوم‏.‏ وهؤلاء طائفة من القرامِطَة وهي من كذباتهم ولا يعرف لمحمد بن إسماعيل ولد اسمـه عبيد اللّه‏.‏ وكان شيعة هؤلاء العُبَيْدِيين بالمشرق واليمن وإفريقية‏.‏ وسار بها إلى إفريقية رجلان يعرف أحدهما بالحُلْوَانِي والآخر بالسفيَاني أنفذهما الشيعة إلى هنالك وقالوا لهما إن العرب أرض بور فاذهبا واحرثاها في يحيا صاحب البذر وسارا لذلك ونـزلا أرض كتامـة أحدهما ببلد يسمى سوق حمار‏.‏ وفشـت هـذه الدعـوة منهمـا فـي أهـل تلـك النواحـي من البربر وخصوصاً في كتَامة‏.‏ وكانوا يزعمون أن النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم أوصى إلى عليّ بالخلافة بالنصوص الجليُّةِ وعدل عنها الصحابة إلـى غيره فوجب البراءة ممن عدل عنها‏.‏ ثم أوصى علي إلى ابنه الحسن ثم الحسن إلى أخيه الحسيـن ثـم الحسيـن إلى ابنه عليّ زَيْنِ العابدين ثم زين العابدين إلى محمد الباقر ثم محمد الباقر إلـى ابنـه جعفـر الصـادق ثم جعفر الصادق إلى ابنه إسماعيل الإمام ومنه إلى ابنه محمد ويسمونه المكتوم لأنهم كانوا يكتمون اسمه حذراً عليه ثم أوصى محمد المكتوم إلى ابنه جعفر المصدق وجعفـر المصـدق إلـى ابنـه محمـد الحبيـب ومحمـد الحبيـب إلـى ابنـه عُبَـيْدِ اللّـه المهـديّ الني دعا له أبو عبد الله الشيعي وكانت شيعهم منتشرين في الأرض من اليمن إلى الحجاز والبَحْرَيْن والطرق وخراسان والكوفة والبصرة والطالقان‏.‏ وكان محمد الحبيب ينزل سَلَمْيَةَ من أرض حمص وكان عادتهم في كل ناحية يدعون للرضا من آل محمد ويرومون إظهار الدعوة بحسب ما عليهم‏.‏ وكان الشيعة من النواحي يعلمون مكيهم فىِ أكبر الأوقات لزيارة قبر الحسين ثم يعرجون على سلميـة لزيـارة الأئمـة مـن ولـد إسماعيـل - وكان باليمن - من شيعتهم - ثم بعده لأئمة قوم يعرفون ببنـي موسـى ورجـل آخـر يعـرف بمحمـد بـن الفضل أصله من جَند‏.‏ وجاء محمد إلى زيارة الإمام محمد الحبيب فبعث معه أصحابه رستم بن الحسين بن حوشب بن داود النجار وهو كوفي الأصل وأمره بإقامة الدعوة وأن المهدي خارج في هذا الوقت فسار إلى اليمن ونزل على بني موسى وأظهر الدعوة هنالك للمهدي من آل محمد الذي ينعتونه بالنعوت المعروفة عندهم فاتبعه واستولى على كثير من نواحي اليمن‏.‏ وكان أبو عبد اللّه الحسن بن أحمد بن محمد بن زَكَريا المعـروف بالمُحْتَسِـب وكـان محتسبـاً بالبصرة‏.‏ وقيل إنما المحتسب أخوه أبو العباس المخطوم وأبو عبد الله يعرف بالعلم لأنه كان يعرف مذهب الإمامية الباطنية قَد اتصل بالإمام محمد الحبيب وخبر أهليته فأرسله إلى أبي حوشـب‏!‏ لـزم مجالستـه وأفـاد علمـه‏.‏ ثـم بعثه مع الحاج اليمني إلى مكة وبعث معه عبد الله بن أبي ملا فأتى الموسم ولقي به رجالات كتامة مثل حريث الحميلي وموسى بن مكاد فاختلط بهـم وعكفـوا عليـه لمـا رأوا عنـده مـن العبـادة والزهـد ووجـه إليهـم بـدراً مـن ذلـك المذهـب فاغتبـط واغتبطـوا وارتحـل معهـم إلـى بلدهـم ونـزل بهـا منتصف ربيع سنة ثمان وثلاثين وعين لهم مكان منزله بفتح الأحار وأن النص عنده من المهدي بذلك ولجهره بالمهدي وأن أنصاره الأخيار من أهل زمانه وان اسم أنصاره مشتق من الكتمان ولم يعينه واجتمع لمناظرته كثير من أهل كتامة فأبى ثم أطاعوه بعد فِتَنٍ وحروب‏.‏ واجتمعوا على دعوته وكانوا يسمونه أبا عبد الله المشرفـي والشيعـي‏.‏ ولمـا اختلـف كتامـة عليـه واجتمـع كثير منهم على قتله قام بنصرته الحسن بن هـارون وسـار بـه إلـى جبـل ايكجان وأنزله مدينة تاصروت من بلد زرارَة وقاتل من لم يتبعه بمن تبعـه حتـى استقامـوا جميعاً على طاعته‏.‏ وبلغ خبره إبراهيم بن أحمد بن الأغلب عامل إفريقية بالقيروان فأرسل إلى عامل ميلة يسأله عن أمره فحقره وذكر أنه رجل يلبـس الخشـن ويأمـر بالعبـادة والخيـر فأعـرض عنـه حتـى إذا اجتمـع لأبـي عبـد الله أمره زحف في قبائل كتامة إلى بلد ميلة فملكها على الأمان بعد الحصار فبعث إبراهيم بن أحمد بن الأغلب ابنه الأحول في عسكرهم يجاوز عشرين ألفاً فهزم كتامة وامتنع أبو عبد الله بجبل ايكجان وأحرق الأحـول مدينة تاصروت ومدينة ميلة وعاد إلى إفريقية وبنى أبو عبد الله بجبل ايكجان مدينة سماها دار الهجـرة‏.‏ ثـم توفي إبراهيم ابن الأغلب صاحب إفريقية وولى ابنه أبو العباس وقتل واستقرّ الأمر لزيادة الله وكان الأحول حمل العساكر لحضوره فاستقدمه زيادة الله وقتله‏.‏ وفاة الحبيب وإيصاؤه لابنه عبيد الله ولما توفي محمد الحبيب وأوصى لابنه عبيد الله وقال له أنت المهدي وتهاجر بعدي هجرةً بعيدة وترى مِحَناً شديدةً‏.‏ فقام عُبَيْدُ الله بالأمر وانتشرت دعوته‏.‏ وأرسل إليه أبو عبد الله الشيعي رجالاً من كتامة يخبرونه بما فتح الله عليهم وأنهم في انتظاره‏.‏ وشاع خبره وطلبه المكتفـي فهرب هو وولده نزار الذي ولي بعده وتلقب بالقائم‏.‏ وخرج معه خاصته ومواليه يريد المغـرب‏.‏ وانتهـى إلـى مِـصْرَ وعليهـا يومئـذ عيسـى النَوْشَـرِي فلبـس عُبَـيْد اللـه زي التجار يتستر به‏.‏ وجـاء كتـاب المكتفـي للنوشري بالقبض عليه وفيه صفته وحليته فبعث العيون في طلبه‏.‏ ونمي الخبر بذلك إلى عبيد الله من بعض خواص النوشري فخرج في رفقة ورآه النوشري وأحضره ودعاه للمؤاكلة فاعتذر بالصوم‏.‏ ثم امتحنه فلم تشهد له أحواله بشيء مما ذكر له عنه‏.‏ وقارن ذلك رجوع ابنه أبي القاسم يسأل عن كلب للصيد ضاع له فلما رآه النوشري وأخبر أنـه ولـد عبـد اللـه علـم أنَّ هـذه الدالـة في طلب الضائع منافية للرقْبَةِ والخوف فخلى سبيله وجد المهدي في السير وكان له كتب من الملاحم ورثها منقولة عن أبيه سرقت من رحله في تلك الطريـق‏.‏ ويقـال‏:‏ إن ابنـه أبـا القاسـم لمـا زحف إلى مصر أخذها من بلاد برقة‏.‏ ولما انتهى المهدي وابنه إلى طرابلـس وفارقـه التجـار أهـل الرفقـة قـدم أبـا العبـاس أخـا أبـي عبيـد اللـه الشيعـي إلـى أخيـه بكتامة ومر بالقيروان وقد سبق خبرهم إلى زيادة الله وهو يسأل عنهـم فقبـض علـى أبـي العبـاس وسألـه فأنكـر فحبسـه وكتـب إلـى طرابلـس بالقبـض علـى المهدي ففاته وسار إلى قسَنْطِينَةَ فعـدل عنهـا خشيـة علـى أبـي العباس أخي الشيعيّ المعتقل بالقيروان وذهب إلى سجلماسة وبها إليشع بن مدرار فأكرمه‏.‏ ثـم جـاءه كتـاب زيـادة اللـه ويقال كتاب المكتفي بأنه المهدي الذي داعيه في كتامة فحبسه وبعث زيـادة اللـه العساكـر إلـى كتامـة مع قريبه إبراهيم بن حيش وكانوا أربعين ألفاً فانتهى إلى قسَنْطِينَةَ فأقـام بهـا وهـم متحصِّنـون بخيلهم ستة أشهر‏.‏ ثم زحف إليهم ودافعهم عند مدينة بلزمة فانهزم إلـى القيـروان‏.‏ وكتـب أبـو عبـد اللـه بالفتـح إلـى المهـدي وهـو فـي محبسـه‏.‏ ثـم زحـف إلـى مدينـة طبنـة فحاصرهـا وملكهـا بالأمـان ثـم إلـى مدينة بلزمة عنوَةً فبعث زيادة الله العساكر مع هارون الطبني فانتهوا إلى مدينة دار ملوك وكانوا قد أطاعوا الشيعي فهدمها هارون وقتل أهلها وسار إلى الشيعي فانهزم من غير قتال وقتل‏.‏ وفتـح الشيعـي مدينـة عيسـى فزحـف - زيـادة اللـه في العساكر سنة خمس وتسعين ونزل الأربس ثـم أشـار عليـه أصحابـه بالرجـوع إلـى القيـروان ليكـون ردءاً للعساكـر‏.‏ فبعـث الجيـوش مـع إبراهيم بن أبي الأغلب من قرابته‏.‏ ورجع وزحف أبو عبد الله إلى باغاية فهرب عاملها وملكها ثم إلى مدينة مرماجنة فافتتحها عنوة وقتل عاملها ثم إلى مدينة تيفاش فملكها على الأمان واستأمن إليه القبائل من كل جهة فأمنهم وسار بنفسه إلى مسلبابة ثم إلى تبسة ثم إلى مجانة ففتحها على الأمان‏.‏ ثم سار إلى القصرين من قمودة وأمن أهلها وسار يريد رقادة‏.‏ وبلغ الخبر إلى إبراهيم بن أبي الأغلب وهو بالأربس أميراً على الجيش فخشي على زيادة الله برقادة لقلة عسكـره وارتحـل ذاهبـاً إليـه‏.‏ وسـار أبـو عبـد اللـه إلـى قسنطينـة فحاصرهـا وافتتحها على الأمان‏.‏ ورجـع إلـى باغايـة فأنـزل بهـا عسكـراً‏.‏ وعـاد إلـى أيكجـان فسـار إبراهيـم بـن أبـي الأغلـب إلى باغاية وحاصـر أصحـاب أبـي عبـد اللـه بهـا‏.‏ فبعـث أبـو عبـد اللـه عساكـره إلـى مـرج العرعـار فألفوا إبراهيم قد عاد عنهـا إلـى الأربـس‏.‏ ثـم زحـف أبـو عبـد اللـه إلـى إبراهيـم سنـة سـت وتسعيـن فـي مائـة ألـف مقاتل‏.‏ وبعث من عسكره من يأتي إبراهيم من خلفه وسار إليه فانهزم وأثخن فيهم أبو عبد الله بالقتل والأسر وغنم أموالهم وخيلهم وظهرهم‏.‏ ودخل الأريس فاستباحها ثم سار فنزل قمودة وبلغ الخبر إلى زيادة الله فهرب إلى مصر‏.‏ وافتـرق أهـل مدينـة رقـادة إلـى القيـروان وسوسـة ونهـب قصـور بنـي الأغلـب ووصل إبراهيم بن أبي الأغلـب إلـى القيـروان فنزل قصر الإمارة وجمع الناس ووعدهم الحماية وطلب المساعدة بطاعتهم وأموالهم فاعتذروا وخرجوا إلى الناس فأخبروهم فثاروا به وأخرجـوه‏.‏ وبلـغ أبـا عبـد اللـه الشيعـي هـربُ زيـادة اللـه وهـو يشبـه فدخـل إلـى رقـادة وقـدم بيـن يديـه عروبـة بـن يوسف وحسن بن أبي خنزير فساروا وأمنوا الناس‏.‏ وخرج أهل القيروان للقاء أبي عبد اللّه فأكرمهـم وأمنهـم ودخل رقادة في رجب سنة ست وتسعين ونزل قصورها وفرّق دورها على كتامة وناس بالأمان‏.‏ وتراجع الناس فأخرج العمال وطلب أهل الشر فهربوا وجمع أموال زيادة اللّه وسلاحه وأمر بحفظها وبحفظ جواريه واستأذنه الخطباء لمن يخطبون فلم يعين لهم أحد ونقـش علـى السِكَّة من أحد الوجهين بلغت حجة اللّه ومن الآخر تفرق أعداء الله وعلى السلاح عدّة في سبيل الله ووسم أفخاذ الخيل بالملك لله‏.‏

  بيعة المهدي بسجلماسة

ولما ملك أبو عبد اللّه إفريقية لقيه أخوه أبو العباس منطلقاً من اعتقاله فاستخلفه عليها وترك معـه أبـا زاكـي تمـام بـن معـارك مـن قوّاد كَتامة‏.‏ وسار إلى المغرب ففرق القبائل من طريقه وخافته زَناتـة فدخلـوا فـي طاعتـه‏.‏ ولمـا قـرب مـن سجلماسـة إلـى المهـدي بمحبسـه يسألـه عـن خالـه فأنكـر ثم سأل ولده كذلك فأنكر وضرب رجاله فأنكروا ونمي الخبر إلى أبي عبد اللهّ فخشي عليهم وأرسـل إلـى اليسـع يتلطفـه فقتـل الرسل فأغذ آبو عبد الله السير وحاصره يوماً وهرب أليسع من الليل هو وأصحابه وبنو عمه‏.‏ وخرج أهل البلد إلى أبي عبد اللهّ فجاء إلى مجلس المهدي فأخرجه هو وابنه أبا القاسم واركبهما ومشى مع رؤساء القبائل بين يديهما وهو يقول‏:‏ هذا مولاكم ويبكي من شدة الفرح ثمِ أنزله بالمُخَيم وبعث في أثر اليسع فجيء به فجلد ثم قتل وأقام بسجلماسة أربعين يوماً ورجع إلى إفريقية ووصل إلى رقادة في ربيع من سنة ست وتسعيـن وجـدّد البيعـة للمهـدي واستولـى علـى ملـك بنـي الأغلـب بإفريقيـة‏.‏ وملـك مدرار سجلماسة ونزل برقادة وتلقب بالمهدي أمير المؤمنين‏.‏ وبعث دعاته في الناس فحملوهم على مذهبهم فأجابوا إلا قليلاً عـرض عليهـم السيـف وقسـم الأمـوال والجـواري فـي رجـال كتامـة وأقطعهم الأموال والأعمال ودوّن الدواوين وجبى الأموال وبعث العمال على البلاد‏.‏ فبعث على صقيلية الحسن بن أحمـد بـن أبـي خنزيـر فوصـل إلـى مـازر فـي عيـد الأضحـى مـن سنـة تسـع وتسعيـن فاستقضى بها إسحاق بن المنهال وأجاز البحر سنة ثمان وتسعين إلى بسط قلورية فأثخن فيهـا وعـاد وثـار به أهل صقلية سنة تسع وتسعين فحبسوه واعتذروا إلى المهدي لسوء سيرته فعذرهم وولى عليهم علي بن عمر البلوي فوصل إليهم خاتمة السنة المذكورة‏.‏

  أخبار ابن الليث بفارس

قـد ذكرنـا مـن قبـل استيـلاء الليث بن علي بن الليث وسيكري مولى عمر بن الليث على فارس مـن يـد طاهـر بـن محمـد‏.‏ ثـم أخـرج سيكـري بعـد ذلـك الليث وانفرد بها وسار بن محمد بن عمرو فواقعه وانهزم طاهر وأسر سيكرى وأسر أخاه يعقوب وبعث بهًما إلى المقتدر مع كاتبه عبد الرحمـن بن جعفر الشيرازي وقد أمّره على ما يحمله وذلك سنة ست وتسعين - ثم سار إليه الليـث بـن علـي مـن سجستـان سنـة سبـع وتسعيـن فغلبـه وملـك فارس وهرب سيكرى إلى أرَّجان وأملَّـى المقتـدر بمؤنـس الخـادم فـي العساكـر فجـاء إلى أرجان وجاء الحسين بن حمدان من قُم إلى البيضـاء فـي إعانتـه لملاقاتـه وأضـل الطريق إلى مسالك صعبة أشرف على عسكر مؤنس‏.‏ وكان سيكري قد بعث أخاه إلى شيراز ليحفظها فلما أشرف على العسكر ظنه عسكر أخيه فثاروا إليه وانهزم عسكر الليث وأخذ أسيراً‏.‏ وأشار عليه أصحابه أن يقبض على سيكري ويطلب من المقتدر ولاية فارس مكانه فوافقهم طاهر ودس إليه فلحق بشيراز وعاد مؤنـس إلى بغداد بالليث أسيراً والحسين بن حمدان إلى عمله بقم‏.‏ ثـم أن عبـد الرحمـن بـن جعفر كاتب سيكري استولى على أمره وحسد أصحابه وأكثروا السعاية فيه عند سيكري فحبسه واستكتب مكانه إسماعيل بن إبراهيم اليمن فحمله على العصيان ومنع الحمل ودس عبد الرحمن بن جعفر من محبسه إلى الوزير ابن الفرات بذلك فكتب إلى مؤنـس وهـو بواسـط يأمـره بالعـود إلـى فـارس فسـار وأرسلـه سيكـري أنسه وسأل منه الوساطة في أمـره وشعـر ابـن الفرات بميل مؤنس إلى بغداد وسار محمد بن جعفر فهزم سيكري على شيراز فخلص إلى قم وتحصن بها وحاصره محمد بن جعفر‏.‏ ثم خرج إليه فهزمه ثانية ودخل مغارة خراسـان فلقيتـه عساكـر إسماعيـل إلـى بغـداد فحبسـا هنالك‏.‏ واستولى محمد بن جعفر من القواد علـى فارس وولى عليها قبيحاً خادم الأفشين‏.‏ ثم صارت ولايتها لبدر ابن عبد الله الحمامي وفي آخر سنة تسع وتسعين ومائتين قبض حرمه وقامت الهيعة ببغداد ثلاثة أيام ثم سكنت وذلـك لثلـاث سنيـن وثلاثـة أشهـر مـن وزارتـه‏.‏ فاستوزر مكانه أبا علي محمد بن يحيى بن عبيد الله بن يحيى فرتب الأمور وولي على الدواوين‏.‏ ثم زاد قرشه لضيق صدره وطيشه وعدوله عن مذاهب الرياسة إلى الوضاعة ومراجعة أصحاب الحاجات والحقوق إلى ما يريد قضاءه منها وكثرة التولية والعزل وتبجـح أصحابـه عليـه فـي إطلـاق الأمـوال وانبسـاط الجـاه بإفسـاد الأحوال‏.‏ واعتزم المقتدر على عزله بأبي الحسين بن أبي الفضل فاستدعاه من أصبهان‏.‏ ثم قبض عليه وعلى أبي الحسن ببغداد وأهمل رأي الوزراء وصار يرجع إلى قول النساء والخدم فطمـع العمـال فـي الأطـراف ثـم أخـرج ابن الفرات من محبسه وجعله في بعض الحجر وأحسن إليه وصار يعرض عليه مطالعات العمال وأراد أن يستوزره‏.‏ ثم بدا له واستدير علي بن عيسى مـن مكـة فاستـوزره لـأول سنـة إحـدى وثلثمائـة وقبـض علـى الخاقاني وحبسه وعين حرسياً عليه‏.‏ وقام علي بن عيسى بالوزارة وأصلح ما أفسده الخاقاني واستقامت الأمور‏.‏ قيام أهل صقلية بدعوة المقتدر ثم رجوعهم إلي طاعة المهدي قد ذكرنا ولاية علي بن عمر على صقلية من عبد الله المهدي سنة تسع وتسعين‏.‏ ثم أن أهل صقلية انتقضوا عليه وولوا عليهم أحمد بن وهب‏.‏ ثم انتقضوا عليه وأرادوا قتله فدعا إلى طاعة المقتدر وخطب له بصقلية وقطع خطبة المهدي وبعث اسطولاً إلى ناحية ساحـل إفريقيـة فلقـوا أسطـول المهـدي وعليـه الحسـن بـن أبـي خنزيـر فأحرقـوه وقتلـوا الحسـن ووصلـت خلـع السـواد وألويتـه لابـن وهـب مـن بغـداد‏.‏ ثـم جاءت أساطيل المهدي في البحر وفسد أمـر ابـن وهـب‏.‏ ثـم ثـارت أهـل صقليـة بـه سنـة ثلثمائـة وأسـروه وبعثـوا بـه إلـى المهدي مع جماعة من أصحابه فأمرهم بقتلهم على قبر ابن أبي خنزير‏.‏

  ولاية العهد

وفي سنة إحـدى وثلثمائـة ولـى المقتـدر ابنه أبا العباس العهد وهو الذي ولي الخلافة بعد القاهر وسمي بالرافضي فولاه أبوه المقتدر العهد وهو ابن سنين وقلده مصر والمغرب واستخف له ظهور الأطروش وملكه خراسان كـان هـذا الأطـروش مـن ولـد عمـر بـن علـي زيـن العابديـن وهو الحسن بن علي بن الحسين بن علي بـن عمـر وكـان قـد دخـل إلـى الديلـم بعـد قتـل محمـد بـن زيد ولبث فيهم ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الإسلام ويأخذ منهم العشر ويدافع عنهم ملكهم ابن حسان فأسلم على يديه منهم خلق كثير وبنى لهم المساجد وزحف بهم إلى ثغور المسلمين أراهم مثل قزوين وسالوس فأطاعوه وهـدم حصـن سالـوس‏.‏ ثـم دعاهـم إلـى غـزو طبرستـان وهـي فـي طاعـة ابـن سامـان وكان إسماعيل بـن أحمـد لمـا انتقـض بهـا محمـد بـن هـارون وقبـض عليـه إسماعيـل ولـى عليها أبا العباس عبد الله بن محمد بن نوح فأحسن السيرة وأظهر العدل وبالغ في الإحسان إلى العلوية الذين بها واستمال الديلم بالمهاداة والإحسان فاشتمل الناس عليه‏.‏ فمـا دعاهـم الحسن إلى غزو طبرستان‏.‏ لم يجيبوه من أجل ابن نوح‏.‏ ثم إن أحمد بن إسماعيل عزل ابن نوح عنها وولى عليها سلاماً فأساء السيرة ولم يحسن سياسة الديلم فهاجوا عليه فقاتلهم وهزمهم واستعفى من ولايتها‏.‏ فعاد إليها ابن نوح وصلحت الحال كما كانت إلى أن مـات فولـى عليهـا محمد بن إبراهيم بن صعلوك فأساء السيرة وتنكر للديلم فصادف الحسن منها الغرة ودعاهم إلى غزو طبرستان فأجابوه وسار إليه ابن صعلوك على من يرحله من سالوس بشاطئ البحر فانهزم وقتل من أصحابه أربعة آلـاف ولجـأ الباقـون إلـى سالـوس فحاصرهـم الأطروش حتى استأمنوا ورجع عنهم إلى آمد‏.‏ ثـم جـاء الحسـن بـن القاسـم العلوي الداعي صهر الأطروش إلى أولئك المستأمنين فقتلهم واستولى الأطـروش علـى طبرستـان ولحق ابن صعلوك بالري سنة إحدى وثلثمائة وسار منها إلى بغداد‏.‏ وكـان الأطـروش زيـدي المذهـب وجميـع الذيـن أسلمـوا علـى يـده فيما وراء اسعيد ‏"‏ ولى ‏"‏ إلى آمد كلهم على مذهب الشيعة‏.‏ ثم أن الأطروش العلوي تنحى عن آمد إلى سالوس بعد أن غلب عليها فبعث إليه صعلوك الري من قبل ابن سامان جيشاً فهزمهم وعاد إلى آمد‏.‏ ثم زحفت إليه عساكر السعيد صاحب خراسان سنة أربع وثلثمائة فقتلوه‏.‏ وكـان هـذا الأطـروش عـادلاً حسـن السيـرة لـم يـر مثلـه فـي أيامـه وأصابـه الصمـم من ضربة في رأسه بالسيف فـي الحـرب‏.‏ وقـال ابـن مسكويـه فـي كتـاب تجـارب الأمـم ويقـال فيـه الحسـن بـن علـي الداعـي وليس به وإنما الداعي الحسن بن القاسم صهره وسنذكره فيما بعد‏.‏ وكان له من الولد أبو الحسن وكان قواده من الديلم جماعة منهم ابن النعمان وكانت له ولاية جرجان وما كان بن كالـي وكـان علـى استرابـاذ ومعـرا‏.‏ ثـم كـان مـن قـواد ولـده من الديلم جماعة آخرون منهم أسفار بن شيرويه من أصحاب ما كان ابن كالي ومرداويج بن زياد من أصحاب أسفار وأسكري من أصحابه أيضاً وبنو بويه من أصحاب مرداوشج وسيأتي الخبر عن جميعهم إن شاء الله تعالى‏.‏

  غلب المهدي علي الإسكندرية ومسير مؤنس إلي مصر

وفي سنة اثنتيـن وثلاثمائـة بعث عبيد الله المهدي عساكره من إفريقية إلى الإسكندرية مع قائمه خفاشة الكتابي فغلب عليها وسار إلى مصر وبلغ المقتدر فبعث مؤنساً الخادم في العساكر لمحاربته وأمده بالأموال والسلاح‏.‏ وسار إليهم وقاتلهم فهزمهم بعد وقائع متعددة قتل فيها من الفريقين وبلغ القتل والأسر من المغاربة سبعة آلاف ورجعوا إلى المغرب‏.‏

  انتقاض الحسين على ابن حمدان بديار ربيعة وأسره

كان الحسين بن حمدان والياً على ديار ربيعة وطالبه الوزير علي بن عيسى بالمال فدافعه وأمره بتسليم البلاد إلى عمال السلطان فامتنع وكان مؤنس الخادم بمصر في محاربة عساكر المهدي صاحب إفريقية فجهز الوزير إلـى ابـن حمـدان رائقـاً الكبيـر فـي عسكـر سنـة ثلـاث وثلاثمائـة وكتـب إلـى مؤنـس أن يسيـر إلـى الجزيـرة لقتالـه بعـد فراغه من أصحاب العلوي بمصر فسار رائـق أولاً وهزمـه الحسيـن ولحـق بمؤنـس فأمره بالمقام بالموصل‏.‏ وسار نحو الحسين وتبعه أحمد بن كيغلـغ وانتهـى إلـى جزيـرة ابن عمر والحسين بأرمينية‏.‏ ورجع الكثير من عسكره إلى مؤنس‏.‏ ثم بعـث مؤنـس عسكـراً في أثره عليهم بليق ومعه سيما الجزري‏.‏ وجاء الصفواني واتبعوه فأدركوه وقاتلـوه فهزمـوه وجـاؤوا بـه أسيـراً ومعـه ابنه عبد الوهاب وأهله وكثير من أصحابه‏.‏ وعاد مؤنس إلى بغداد على الموصل فحبسه المقتدر وأغار على أبي الهيجاء بن حمدان وجميع أخوته وحبسهـم‏.‏ ثـم أطلـق أبـا الهيجـاء سنـة خمـس وقتـل الحسيـن سنـة سـت تقريبـاً كمـا نذكـر إن شـاء الله تعالى‏.‏

  وزارة ابن الفران الثانية

كان الوزير أبو الحسن بن الفرات محبوساً كما ذكرنا وكـان المقتـدر يشـاوره ويرجـع إلـى رأيـه ويبغي بعض أصحاب المقتدر إعادته‏.‏ وبلغ ذلك الوزير علي بـن عيسـى فاستغفـى ومنعـه المقتدر‏.‏ ثم جاءت في بعض الأيام قهرمانة القصر تناظره في نفقات الحرم والحاشية وكسوتهم فألفتـه نائمـاً فلـم يوقظـه لهـا أحد‏.‏ فرجعت وشكت إلى المقتدر وأمه فقبض عليه في ذي القعدة من سنة أربع وثلاثمائة وأعاد ابن الفرات على أن يحمل إلى بيت المال ألف دينار وخمسمائة دينـار فـي كـل يـوم‏.‏ وقبـض علـى الوزيـر مـن قبلـه علـي بن عيسى والخاقاني وأصحابهما وصادرهم خبر ابن أبي الساج بأذربيجان قـد ذكرنـا استقرار يوسف بن أبي الساج على أرمينية وأذربيجان منذ مهلك أخيه محمد سنة ثمان وثمانين ومائتين وكان على الحرب والصلاة والأحكام وكان عليـه مـال يؤذيـه‏.‏ فلمـا ولـي الخاقاني وعلي بن عيسى الوزارة والتأمـت أمـور يوسـف فـي الاستبـداد وأخـر بعـض المـال واجتمع له ما يريده لذلك وبلغته نكبة الوزير علي بن عيسى فأظهر أن العهد وصل إليه بولاية الرقـي علـى يـد علـي بـن عيسـى‏.‏ وكـان حميـد بـن صعلـوك مـن قـواد بـن سامان قد بعث على الري وما يليها وقاطع عليها بمال يحمله فسار إليه يوسف سنة أربع وثلاثمائة فهرب إلى خراسان واستولى يوسف على الري وقزوين وزنجان وكتب إلى الوزير ابن الفرات بالفتح ويعتذر بأنه طرد المتغلبين ويذكر كثرة ما أنفق من ذلك وأنه كان بأمر الوزير علي بن عيسى وعهده إليه بذلك فاستعظم المقتدر ذلك وسئل علي بن عيسى فأنكر وقال سلموا الكتاب والحاشيـة والعهد واللواء اللذين كان يسير بهما مع بعض القواد والخدام‏.‏ فكتب ابن الفرات بالنكير على يوسف وجهز العساكر لحربه مع خاقان المفلحي ومعه أحمد بـن مسـرور البلخـي وسيمـا الخـزري ونحريـر الصغيـر وسـاروا سنـة خمـس وثلاثمائة فهزمهم يوسف وأسر منهم جماعة‏.‏ فبعث المقتدر مؤنساً الخادم في جيش كثيف لمحاربته‏.‏ وعزل خاقان المفلحي عن أعمال الجبل وولاها نحريراً الصغير‏.‏ وسار مؤنس واستأمن له أحمد بن علي أخو صعلوك فأمنه وأكرمه وبعث ابن أبي الساج في المقاطعة على أعمال الري بسبعمائة ألـف دينـار سـوى أرزاق الجنـد والخـدم فأبـى له المقتدر من ذلك عقوبة على ما أقدم عليه وولي علـى ذلـك العمل وصيفاً البهتمري وطلب ابن أبي الساج أن يقاطعه على ما كان بيده قبل الري من أذربيجان وأرمينية فأبى المقتدر إلا أن يحضر في خدمته‏.‏ فلما يئس ابن أبي الساج إلى مؤنس وقاتله فانهزم مؤنس إلى زنجان وقتل من قواده جماعة وأسر هلال بن بدر وغيره فحبسهم يوسف في أردبيل وأقام مؤنس بزنجان بجميع العساكر يستمد من المقتدر وابن أبي الساج يراسله في الصلح والمقتدر لا يجيب إلى ذلك‏.‏ ثم قاتله مؤنـس فـي فاتـح سنـة سبـع وثلاثمائـة عنـد أردبيـل فهزمـه وأسـره وعـاد بـه إلى بغداد أسيراً فحبسه المقتـدر وولـى مؤنس على الري ودنباوند وقزوين وأبهر وزنجان علي بن وهشودان وجعل أموالها لرجاله وولى مؤنس على أصبهان وقم وقاشان أحمد بن علي بن صعلوك وسارعن أذربيجان فوثـب سبـك مولـى يوسـف بـن أبـي الساج فملكها واجتمع عليه عسكر فولى مؤنس بن محمد بن عبيد الفارقي وسار بمحاربة سبك فانهزم وعاد إلى بغداد‏.‏ وتمكـن سبك في أذربيجان وسأل المقاطعة على مائتي ألف وعشرين ألف دينار في كل سنة فأجيب وعقد له عليها وكان مقيماً بقزوين فقتله على مراسة ولحق ببلده فولى المقتدر وصيفاً البكتمـري مكانـه علـى أعمال الري وولى محمد بن سليمان صاحب الجيش على الخوارج بها ثم وثب أحمد بن علي بن صعلوك صاحب أصبهان وقم على الري فملكها وكتب إليه المقتدر بالنكير وأن يعـود إلـى قـم فعـاد ثـم أظهـر الخلـاف وأجمـع المسيـر إلـى الـري وسـار وصيـف البكتمري لحربه‏.‏ وأمر نحرير الصغير أن يسير مدداً لبكتمري فسبقهم أحمد بن صعلوك إلى الري‏.‏ وملكها وقتل محمد بن سليمان صاحب الخوارج وبعث إلى نصر الحاجب ليصلح أمره بالمقاطعة على أعمال الري بمائة وستين ألف دينار وينزل عن قم فكتب له بذلك وولى غيره على قم‏.‏

  خبر سجستان وكرمان

وكانـت سجستـان قـد صـارت لابن سامان منذ سنة ثمان وتسعين ومائتين ثم تغلب عليها كثير بـن أحمـد بـن صهفـود مـن يـده فكتـب المقتدر إلى عامل فارس وهو بدر بن عبد الله الحمامي أن يرسل العساكر لمحاربته ويؤمر عليهم دركاً ويجعل على الخراج بها زيد بن إبراهيم‏.‏ فسارت العساكر وحاربوا أهل سجستان فهزموهم وأسروا زيد بن إبراهيم وكتب كثير إلى المقتدر بالبراءة من ذلك وطوية أهل سجستان‏.‏ وأرسل المقتدر أن يسير لقتاله بنفسه فخاف كثير وطلـب المقاطعـة علـى خمسمائـة ألـف دينـار فـي كـل سنـة فأجيـب وقررت البلاد عليه‏.‏ وذلك سنة أربع وثلاثمائة‏.‏ وانتقض في هذه السنة بكرمان صاحب الخوارج بها أبو زيد خالد بن محمد المارداني وسار منها إلى شيراز يروم التغلب على فارس فسار إليه بـدر الحمامـي العامـل وحاربه فقتله وحمل رأسه إلى بغداد‏.‏

  وزارة حامد بن العباس

وفي سنة سـت وثلاثمائـة قبض المقتدر على وزيره أبي الحسن بن الفرات بسبب شكوى الجند بمطله أرزاقهم واعتذر بضيق الأموال للنفقة في حروب ابن أبي الساج ونقص الارتياع بخروج الري عن ملكه‏.‏ فشغب الجند وركبوا وطلب ابن الفرات من الخليفة إطلاق مائتي ألف دينار من خاصته يستعين بها فنكر ذلك عليه لأنه كان ضمن القيام بأرزاق الأحشاد وجميع النفقات المرتبة‏:‏ فاحتج بنقص الارتياع وبالنفقة في الحرب كما تقدم فلم يقبل‏.‏ ويقال‏:‏ سعى فيه عند المقتـدر بأنـه يـروم إرسـال الحسين بن حمدان إلى أبي الساج فيحاربه وإذا سار عنده اتفقا على المقتدر فقتل المقتدر ابن حمدان وقبض على ابن الفرات في جمادى الآخرة وكان حامد بن العباس على الأعمال بواسط وكان منافراً لابن الفرات وسعى به عنده بزيادة ارتياعه على ضمانه فخشيه حامد على نفسه‏.‏ وكتب إلى نصر الحاجب والي والده المقتدر سعة نفسه وكثرة أتباعه وذلك عند استيحاشه مـن ابـن الفـرات‏.‏ فاستقدمـه مـن واسـط وقبـض على ابن الفرات وابنه المحسن وأتباعهما واستـوزر حامـداً فلـم يصـف حقـوق الـوزارة ولا سياستهـا وتحاشـى عليه الدواوين فأطلق المقتـدر علـي بـن عيسـى وأقامـه علـى الدواويـن كالنائب عن حامد‏.‏ فكان يزاحمه واستبد بالأمور دونه ولم يبق لحامد أمر عليه‏.‏ فأجابه ابن الفرات بأسفه منه‏.‏ وقال لشفيع اللؤلؤي‏:‏ قل لأمير المؤمنين حامد إنما حمله على طلب الوزارة أني طالبته بأكثر من ألفي ألف دينار من فضل ضمانه فاستشاط حامد وزاد في السفه فأنفذ المقتدر من رد ابن الفرات إلـى محبسـه شـم صودر وضرب ابنه المحسن وأصحابه وأخذت منهم الأموال‏.‏ ثم إن حامداً لما رأى استطالة علي بن عيسى عليه وكثرة تصرفه في الوزارة دونه ضمن للمقتدر أعمال الخوارج والضياع الخاصـة والمستحدثـة والقراريـة بسـواد بغـداد والكوفـة وواسط والبصرة والأهواز وأصبهان واستأذنه في الانحدار إلى واسط لاستخراج ذلك فانحدر واسم الوزارة له وأقام علي بن عيسـى يدبـر الأمـور فأظهـر حامـد سـوء تصرف في الأموال وبسط المقتدر يده حتى خافه علي بن عيسى‏.‏ ثم تحرك السعر ببغداد فشغبت العامة ونهبوا الغلال لأن حامداً وغيره من القواد كان يخزنون الغلال‏.‏ وأحضر حامد لمنعهم خضر فقاتلوه وفتقوا السجون ونهبوا دار الشرطة‏.‏ وأنفذ المقتـدر غريـب الحـال فـي العسكـر فسكـن الفتنـة وعاقـب المتصديـن للشـر وأمـر بفتـح المخازن التي للحنطة وببيعها فرخص السعر وسكن إلى منع الناس من بيع الغلال في البيادر وخزنها فرفع الضمان عن حامد وصرف عماله عن السواد ورد ذلك لعلي بن عيسى وسكن الناس‏.‏

  وصول ابن المهدي وهو أبو القاسم إلى ابنه

وفي سنة سبـع وثلاثمائـة بعث المهدي صاحب إفريقية أبا القاسم في العساكر إلى مصر فوصل إلـى الإسكندريـة فـي ربيـع الآخـر وملكهـا ثم سار إلى مصر ونزل بالجيزة واستولى على الصعيد وكتب إلى أهل مكة في طاعته فلم يجيبوا‏.‏ وبعث المقتدر مؤنساً الخادم إلى مصر لمدافعته فكانت بينهم حروب كثر فيها القتلى من الجانبين وكان الظهور لمؤنس ولقب يومئذ بالمظفر‏.‏ ووصل من إفريقية أسطول من ثمانين مركباً للقائهم وعليهم سليمان الخادم ويعقوب الكتامي وأمر المقتدر بأن يسير إليهم أسطول طرسوس فسار في خمسة وعشرين مركباً وعليهم أبو اليمن ومعهـم المـدد والأنفـاط فغلبـوا أسطـول إفريقية وأحرقوا أكثر مراكبه‏.‏ وأسر سليمان الخادم ويعقوب الكتامـي فـي جماعـة قتـل أكثرهـم وحبـس سليمـان بمصـر وحمـل يعقـوب إلـى بغداد‏.‏ ثم هرب وعاد إلى إفريقية وانقطع المدد عن عسكر المغاربة فوقع الغـلاء عندهـم وكثـر الموتـان فـي النـاس والخيل فارتحلوا راجعين إلى بلادهم وسار عساكر مصر في أثرهم حتى أبعدوا‏.‏ بقية خبر ابن أبي الساج قد تقدم لنا أن مؤنساً حارب يوسف بن أبي الساج عامل أذربيجان فأسره وحمله إلى بغداد فحبس بها واستقر بعده في عمله سبك مولاه‏.‏ ثم إن مؤنساً شفع فيه سنة عشر فأطلقه المقتدر وخلع عليه‏.‏ ثم عقد له على أذربيجان وعلى الـري وقزويـن وأبهـر وزنجـان وعلـى خمسمائة ألف دينار في كل سنة سوى أرزاق العساكر‏.‏ وسار يوسف إلى أذربيجان ومعه وصيف البكتمري في العساكر ومر بالموصل فنظر في أعمالها وأعمال ديار ربيعة‏.‏ وقد كان المقتـدر تقـدم إليـه بذلـك‏.‏ ثـم سـار إلـى أذربيجان وقد مات مولاه سبك فاستولى عليها‏.‏ وسار سنـة إحـدى عشـرة إلى الري وكان عليها أحمد بن علي أخو صعلوك وقد اقتطعها كما قدمنا‏.‏ ثـم انتقـض علـى المقتـدر وهـادن ما كان بن كالي من قواد الديلم القائم بدعوة أولاد الأطروش في طبرستان وجرجان‏.‏ فلما جاء يوسف إلى الري حاربه أحمد فقتله يوسف وأنفذ رأسه إلى بغداد واستولى على الري في ذي الحجة وأقام بها مدة ثم سار عنها إلى همذان فاتح ثلاث عشرة واستخلف بها مولاه مفلحاً وأخرجه أهل الري عنهم فعاد يوسف إليهم في جمادى من سنته واستولى عليها ثانية‏.‏ ثم قلده المقتدر سنة أربع عشرة نواحي المشرق وأذن له في صرف أموالها في قواده وأجنـاده وأمره بالمسير إلى واسط ثم منها إلى هجر لمحاربة أبي طاهر القرمطي فسار يوسف إلـى أبي طاهر وكان بها مؤنس المظفر فرجع إلى بغداد وجعل له أموال الخراج بنواحي همذان وساوة وقم وقاشان وماه البصرة وماه الكوفة وماسبذان لينفقها في عسكره وتسعين بها على حرب القرامطة‏.‏ ولما سار من الري كتب المقتدر إلى السعيد نصر بن سامان بولاية الري وأمره بالمسير إليها وأخذها من فاتك مولى يوسف فسار إليها فاتح أربع عشرة فلما انتهى إلى جبل قارن منعه أبـو نصـر الطبـري من العبور وبذل له ثلاثين ألف دينار فترك سبيله وسار إلى الري فملكها من يد فاتك وأقام بها شهرين وولى عليها سيمجور الدواني وعاد إلى بخارى‏.‏ ثم استعمل على الـري محمـد بـن أبـي صعلـوك فأقـام بهـا إلـى شعبان سنة ست عشرة وأصابه مرض وكاتب الحسن بن القاسم الداعي وما كان بن كالي أميري الديلم في تسليم الري إليهما فقدما وسار عنها ومات في طريقه واستولى الداعي والديلم عليها‏.‏ بقية الخبران وزراء المقتدر قـد تقـدم الكلـام فـي وزارة حامد بن العباس وان علي بن عيسى كان مستبداً عليه في وزارته وكـان كثيـراً مـا يطـرح جانبـه وشـيء فـي توقعاتـه علـى عمالـه‏.‏ وإذا اشتكـى إليه أحد من نوابه يوقع علـى القصـة إنمـا عقـد الضمان على الحقوق الواجبة فليكف الظالم عن الرعية‏.‏ فأنف حامد من ذلك واستأذن في المسير إلى واسط للنظر في ضمانة فأذن له‏.‏ ثم كثرت استغاثة الخدم والحاشية في تأخر أرزاقهم وفسادها فإن علي بن عيسى كان يؤخرها وإذا اجتمعت عدة شهور أسقطوا بعضها وكثرت السعاية واستغاث العمال وجميع أصحاب الأرزاق بأنه حط من أرزاقهم شهرين من كل سنة فكثرت الفتنة على حامد‏.‏ وكان الحسن ابن الوزير ابن الفرات متعلقـاً بمفلـح الأسـود خالصة الخليفة المقتدر وكان شقيقه لأبيه وجرى بينه وبين حامد يوماً كلام فأساء عليه حامد وحقد له‏.‏ وكتب ابن الفرات إلى المقتدر وضمن له أموالاً فأطلقه واستوزره وقبض على علي بن عيسى وحبسه في مكانه وذلك سنة إحدى عشرة وجاء حامد من واسط فبعث ابن الفرات من يقبـض عليـه فهـرب مـن طريقـه واختفـى ببغـداد‏.‏ ثـم مضـى إلـى نصـر بـن الحاجب سراً وسأل إيصاله إلى المقتدر وأن يحبسه بدار الخلافة ولا يمكـن ابـن الفـرات منـه‏.‏ فاستدعـى نصـر الحاجـب مفلحـاً الخـادم حتى وقفه على أمره وشفع له في رفع المؤاخذة بما كان منه فمضى إلى المقتدر وفاوضه بما أحب وأمر المقتدر بإسلامه لابن الفـرات فحبسـه مـدة ثـم أحضـره وأحضـر لـه القضاة والعمال وناظره فيما وصل إليه من الجهات فأقر بنحو ألف ألف دينار‏.‏ وضمنه المحسن بن الفرات بخمسمائة ألف دينار فسلم إليه وعذبه أنواعاً من العذاب وبعثه إلى واسط ليبيع أمواله هناك فهلك في طريقه بإسهال أصابه‏.‏ ثـم صـودر علـي بـن عيسـى علـى ثلثمائة ألف دينار وعذبه المحسن بعد ذلك عليها فلم يستخرج منـه شيئـاً وسيره ابن الفرات أيام عطلته وحبسه بعد أن كان رباه وأحس إليه فقبض عليه مدة ثـم أطلقـه وقبـض علـى ابـن الجـوزي وسلمـه إلـى ابنـه المحسـن فعذبـه ثم بعثه إلى الأهواز لاستخراج الأمـوال فضربـه الموكـل بـه حتـى مـات‏.‏ وقبـض ابنـه على الحسين بن أحمد وكان تولى مصر والشام وعلى محمد بن علي المارداني وصادرهما علـى ألـف ألـف وسبعمائـة ألـف دينـار وصـادر جماعة من الكتاب سواهم ونكبهم‏.‏ وجاء مؤنس من غزاته فأنهى إليه أفعال ابن الفرات وما يعتمده من المصادرات والنكايات وتعذيب ابنه للناس فخافه ابن الفرات وخوف المقتدر منه‏.‏ وأشار بسيره إلى الشام ليقيم هنالك بالثغر فبعثه المقتدر وأبعده‏.‏ ثـم سعـى ابـن الفـرات بنصـر الحاجب وأغراه به وأطمعه في ماله وكان مكثراً واستجار نصر بأم المقتدر‏.‏ ثم كثر الأرجاف بابن الفرات فخاف وأنهى إلى المقتدر بأن الناس عادوه لنصحه للسلطـان واستيفـاء حقوقـه وركـب هـو وابنـه المحسـن إلـى المقتـدر فأوصلهمـا إليـه وأسهمهمـا وخرجا من عنده فمنعهما نصر الحاجب ودخل مفلح على المقتدر وأشار إليه بعزله فأسر إليه وفاقه على ذلك وأمر بتخلية سبيلهما‏.‏ واختفى المحسن من يومه‏.‏ وجاء نازوك وبليق من الغـد فـي جماعـة مـن الجنـد إلـى دار ابن الفرات فأخرجوه حافياً حاسراً‏.‏ وحمل إلى مؤنس المظفر ومعه هلال بن بدر ثم سلم إلى شفيع اللؤلؤي فحبس عنده وصودر على ألف ألف دينار وذلك سنة اثنتي عشرة‏.‏ وكـان عبـد اللـه أبـو القاسـم بـن علـي بـن محمـد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان لما تغير حال ابن الفـرات سعـى فـي الـوزارة وضمـن فـي ابـن الفـرات وأصحابـه ألفـي ألف دينار على يد مؤنس الخادم وهارون بن غريب الحال ونصر الحاجب فاستوزره المقتدر على كراهية فيه ومات أبوه علي علـى وزارتـه‏.‏ وشفـع إليـه مؤنـس الخـادم فـي إعـادة علـي بـن عيسـى مـن صنعـاء فكتـب لـه في العود وبمشارفة أعمال مصر والشام وأقام المحسن بن الفرات مختفياً مدة‏.‏ ثم جاءت امرأة إلى دار المقتـدر تنادي بالنصيحة فأحضرها نصر الحاجب فدلت على المحسن فأحضره نازوك صاحب الشرطة فسلم للوزير وعذب بأنواع العذاب فلم يستخرج منه شيء فأمـر المقتـدر بحمله إلى أبيه بدار الخلافة وجـاء الوزيـر أبـو القاسـم الخاقانـي إلـى مؤنـس وهـارون ونصـر فحذرهـم شـأن ابـن الفـرات وعائلتـه بدار الخلافة وأغراهم به فوضعوا القواد والجند وقالوا لا بد من قتل ابن الفرات وولده‏.‏ ووافق هؤلاء على ذلك فأمر نازوك بقتلهما فذبحهما‏.‏ وجاء هارون إلى الوزير الخاقاني يهنئه بذلك فأغمي عليه ثم أفاق وأخذ منه ألفي دينار وشفـع مؤنـس المظفـر فـي أبنيـه عبـد اللـه وأبـي نصـر فأطلقهمـا ووصلهمـا بعشريـن ألـف دينـار‏.‏ ثـم عـزل الخاقانـي سنـة ثلـاث عشـرة لأنـه أصابـه المرض وطال به وشغب الجند في طلب أرزاقهم فوقفت بـه الأحـوال وعزلـه المقتـدر وولى مكانه أبا العباس الخصي وكان كاتباً لأمه فقام بالأمر وأقر علي بـن عيسـى على أعمال مصر والشام فكان يتردد إليهما من مكة ثم إن الخصي اضطربت أموره وضاقـت الجبايـة وكـان مدمنـاً للسكـر مهمـلاً للأمـور ووكل من يقوم عنه فآثروا مصالحهم وأضاعوا مصلحته‏.‏ وأشار مؤنس المظفر بعزله وولاية ابن عيسى فعزل لسنة وشهرين‏.‏ واستقـدم علـي بن عيسى من دمشق وأبو القاسم عبد الله بن محمد الكلواذي بالنيابة عنه إلى أن يحضـر فحضـر أول سنـة خمـس عشرة واستقل بأمر الوزارة وطلب كفالات المصادرين والعمال وما ضمن من الأمـوال بالسـواد والأهـواز وفـارس والمغـرب فاستحضرهـا شيئـاً بعـد شـيء وأدر الـأرزاق وبسـط العطـاء وأسقـط أرزاق المغنيـن والمسامـرة والندمـان والصفاعنة‏.‏ وأسقط من الجند أصاغر الأولاد ومن ليس له سلاح والهرمى والزمني وباشر الأمور بنفسه واستعمل الكفاة‏.‏ وطلب أبا العباس الخصي في المناظرة واحضر له الفقهاء والقضاة والكتاب وسأله عن أموال الخوارج والنواحي والمصادرات وكفالاتها وما حصـل مـن ذلـك ومـا الواصـل والبواقـي فقـال لا أعلـم‏.‏ فسألـه عـن المـال الـذي سلمه لابن أبي الساج كيف سلمه بلا مصرف ولا منفق وكيف سلم إليه أعمال المشرق وكيف بعثه لبلاد الصحراء بهجر هو وأصحابه من أهل الغلول والخصب فقال ظننت منهم القدرة على ذلك‏.‏ وامتنع ابن أبي الساج من المنفق فقال‏:‏ وكيف استجزت ضرب حرم المصادرين فسكت ثم سئـل عـن الخـراج فخلـط فقـال أنـت غـررت أميـر المؤمنيـن من نفسك فهلا استعذرت بعدم المعرفة‏.‏ ثـم أعيـد إلـى محبسـه واستمـر علـي بن عيسى في ولايته‏.‏ ثم اضطربت عليه الأحوال واختلفت الأعمـال ونقـص الارتيـاع نقصـاً فاحشاً وزادت النفقات وزاد المقتدر تلك الأيام في نفقات الخدم والحرم ما لا يحصى وعاد الجند من الأنبار فزادهم في أرزاقهم مائتين وأربعين ألف دينار‏.‏ فلما رأى ذلك علي بن عيسى ويئس من انقطاعه أو توقفه وخشي من نصر الحاجب فقـد كـان انحـرف عنـه لميـل مؤنـس إليـه ومـا بينهمـا مـن المنافرة في الدولة فاستعفى من الوزارة وألح في ذلك وسكنه مؤنس فقال له أنت سائر إلى الرقة وأخشى على نفسي بعدك‏.‏ ثـم فـاوض المقتـدر نصراً الحاجب بعد مسير مؤنس فأشار بوزارة أبي علي بن مقلة فاستوزره المقتدر سنة ست عشرة وقبض على علي بن عيسى وأخيه عبد الرحمن وأقام ابن مقلة بالوزارة وأعانه فيها أبو عبد الله البريدي لمودة كانت بينهما واستمرت حاله على ذلك‏.‏ ثم عزله المقتدر ونكبه بعد سنتين وأربعة أشهر حين استوحش من مؤنس كما نذكره وكان ابن مقلـة متهمـا بالميـل إليـه فاتفـق مغيبه في بعض الوجوه فقبض عليه المقتدر‏.‏ فلما جاء مؤنس سأل فـي إعادتـه فلـم يجبـه المقتـدر أراد قتلـه فمنعـه واستوزر المقتدر سليمان بن الحسن وأمر علي بن عيسى بمشاركته في الاطلاع على الدواوين وصودر ابن مقلة على مائتي ألف دينار وأقام سليمـان فـي وزارتـه سنـة وشهريـن وعلـي بـن عيسـى يشاركـه فـي الدواويـن‏.‏ وضاقـت عليـه الأحوال إضاقة شديدة وكثرت المطالبات ووقفت وظائف السلطان‏.‏ ثم أفرد السواد بالولايـة فانقطعـت مـواد الوزيـر لأنـه كـان يقيـم مـن قبلـه مـن يشتـري توقعـات الأرزاق ممن لا يقدر على السعي في تحصيلها من العمال والفقهـاء وأربـاب البيـوت فيشتريهـا بنصـف المبلـغ فيتعـرض بعـض من كان ينتمي لمفلح الخادم لتحصيل ذلك للخليفة وتوسط له مفلح فدافع لذلك وجاهر في تحصيله من العمال فاختلت الأحوال بذلك وفضح الديوان ودفعـت الأحوال لقطع منافع الوزراء والعمال التي كانوا يرتفقون بها وإهمالهم أمور الناس بسبب ذلك‏.‏ وعاد الخلل على الدولة وتحرك المرشحون للوزارة في السعاية وضمان القيام بالوظائف وأرزاق الجنـد‏.‏ وأشـار مؤنـس بـوزارة أبي القاسم الكلواذي فاستوزره المقتدر في رجب من سنة تسع عشرة وأقام في وزارته شهرين‏.‏ وكان ببغداد رجل من المخرفين يسمى الدانيالي وكان وراقاً ذكياً محتالاً يكتب الخطوط في الورق ويداويها حتى تتم بالبلى وقد أودعها ذكر من يراه من أهل الدولة برمـوز وإشـارات ويقسم له فيها من حظوظ الملك والجاه والتمكين قسمة من عالم الغيب يوهم أنها من الحدثان القديم المأثور عن دانيال وغيره وأنها من الملاحم المتوارثة عن آبائه ففعل مثـل ذلـك بمفلـح‏.‏ وكتب له في الأوراق م م م بأن يكون له كذا وكذا وسأله مفلح عن الميم فقال هو كناية عنك لأنـك مفلـح مولـى المقتـدر‏.‏ وناسـب بينـه وبيـن علامـات مذكـورة فـي تلـك الأوراق حتى طبقها عليه فشغـف بـه مؤنـس وأغنـاه‏.‏ وكـان يداخـل الحسيـن بـن القاسـم بـن عبـد اللـه بن وهب فرمز اسمه في كتـاب وذكـر بعض علاماته المنطبقة عليه وذكر انه يستوزره الخليفة الثامن عشر من بني العباس وتستقيـم الأمـور علـى يديـه ويقهـر الأعـادي وتعمـر الدنيـا فـي أيامـه‏.‏ وخلـط ذلـك في الكتاب بحدثان كثير وقع بعضه ولم يقع الآخر‏.‏ وقرأ الكتاب على مفلح فأعجبه وجاء بالكتاب إلى المقتدر فأعجب به الآخر وقال لمفلح من تعلم بهذه القصة فقال لا أراه إلا الحسين بن القاسم‏.‏ قال صدقت وإني لأميل إليه وقد كان المقتـدر أراد ولايتـه قبل ابن مقلة وقبل الكلواذي فامتنع مؤنس‏.‏ ثم قال المقتدر لمفلح إن جاءتك رقعـة منـه بالسعـي في الوزارة فأعرضها علي‏.‏ ثم سأل مفلح الدانيالي من أين لك الكتاب قال وراثة من آبائي وهو من ملاحم دانيال‏.‏ فأنهى ذلك إلى المقتدر واغتبطوا بالحسين وبلغ الخبر إليه فكتب إلى مفلح بالسعي في الوزارة فعرض كتابه على المقتدر فأمره بإصلاح مؤنس‏.‏ واتفـق أن الكلـواذي عمـل حسابـاً بمـا يحتـاج إليـه مـن النفقـات الزائدة على الحاصل فكانت سبعمائة ألف دينار وكتب عليه أهل الديوان خطوطهم وقال‏:‏ ليس لهذه جهة إلا ما يطلقـه أمير المؤمنين‏.‏ فعظم ذلك على المقتدر وأمر الحسين بن القاسم أن يضمن جميع النفقات وزيادة ألف ألف دينار لبيت المال‏.‏ وعرض كتابه على الكلواذي فاستقال وأذن للكلواذي لشهرين من وزارته وولى الحسين بن القاسم واشترط أن لا يشاركه علي بن عيسى في شيء من أموره وإخراجه الصافية‏.‏ واختص به الحسين بن اليزيدي وابن الفرات‏.‏ ولما ولي واطلع على نقصان الارتياع وكثره الإنفاق وضاف عليه الأمر فتعجل الجباية المستقبلة وصرفها في الماضية‏.‏ وبلغ ذلـك هـارون بـن غريـب الحـال فأنهاه إلى المقتدر فرتب معه الخصي واطلع على حسابه فألقى له حسبة ليس فيها رمزه‏.‏ فأظهـر ذلـك المقتـدر وجميـع الكتـاب واطلعـوا عليهـا وقابلـوا الوزيـر بتصديـق الخصـي فيمـا قالـه وقبـض علـى الحسيـن بـن القاسـم فـي شهـر ربيـع مـن سنة عشرين لسبعة أشهـر مـن ولايتـه‏.‏ واستـوزر أبـا الـروح الفضـل بـن جعفـر وسلـم إليـه الحسيـن فلـم يؤاخـذه بإساءته ولم يزل على وزارته‏.‏