فصل: ولاية يوسف بن عمر الثقفي على العراق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  عزل يزيد بن المهلب وحبسه والولاية على عماله

ولمـا استقـرت البيعـة لعمـر كتـب فـي سنة مائة إلى يزيد بن المهلب أن يستخلف على عماله ويقدم فاستخلف مخلداً ابنه وقدم من خراسان وقد كان عمر ولى على البصرة عدي بن أرطاة الفزاري وعلى الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وضم إليه أبا الزناد فكتب إلى عدي بن أرطاة موسى أن يقبض على يزيد بن المهلب ويبعثه مقيداً فلما نزل يزيد واسـط وركـب السفـن يريـد البصـرة بعـث علـي بـن أرطـاة موسى بن الرحيبة الحميري فلقيه في نهر معقل عند الجسر فقيده وبعث به إلى عمر وكان عمر يبغضه ويقـول إنـه مـراء وأهـل بيتـه جبابرة‏.‏فلمـا طالبـه بالأموال التي كتب بها إلى سليمان من خمس جرجان قال‏:‏ إنما كتبت لأسمع الناس وعلمت أن سليمان لم يكن ليأخذني بذلك‏.‏ فقال له عمر‏:‏ اتق الله هذه حقوق المسلمين لا يسعنـي تركهـا‏.‏ ثم حبسه بحصن حلب وبعث الجراح بن عبد الله الحكمي والياً على خراسان مكانه‏.‏ وانصرف يزيد بن يزيد فقدم على عمر واستعطفه لأبيه وقال له يا أمير المؤمنين إن كانت له بينة فخذ بها وإلا فاستحلفه وإلا فصالحه أو فصالحني على ما تسأل فأبى عمر من ذلـك وشكـر من مخلد ما فعل ثم ألبس يزيد جبة صوف وحمله على جمل وسيره إلى دهلك‏.‏ ومر يزيد على الناس وهو ينادي بعشيره وبالنكير لما فعل به فدخل سلامة بن نعيم الخولاني علـى عمـر وقـال اردد يزيـد إلـى محبسـه لئـلا ينزعـه قومـه فإنهم قد غضبوا فرده إلى أن كان من أمر فزارة ما يذكر‏.‏

  ولاية عبد الرحمن بن نعيم القشيري علي خراسان

ولما عزل يزيد عن خراسان وكان عامل جرجان جهم بن ذخر الجعفي فأرسل عامل العراق على جرجان عاملاً مكانه فحبسه جهم وقيده‏.‏ فلما جاء الجراح إلى خراسان أطلق جرجان عاملهـم ونكـر الجـراح علـى جهـم مـا فعـل‏.‏ وقال لولا قرابتك مني ما سوغتك هذا يعني أن جهماً وجعفـاً معـاً ابنـا سعـد العشيـرة‏.‏ ثـم بعـث فـي الغـزو وأوفـد علـى عمـر وفـداً فكلـم فيه بعضهم عمر بأنه يعري الموالي بلا عطاء ولارزق ويؤاخذ من أسلم من أهل الذمة بالخراج‏.‏ ثم عرض بأنه سيـف مـن سيـوف الجـراح قـد علـم بالظلـم والعـدوان فكتـب عمر إلى الجراح انظر من صلى قبلك فخل عنه الجزية فسارع الناس إلى الإسلام فراراً من الجزية فامتحنهم بالختان وكتب إلى عمر ذلك‏.‏فكتب إليه عمران‏:‏ الله بعث محمداً داعياً ولم يبعثه خاتناً واستقدم الجراح وقال‏:‏ احمل معك أبا مخلد واستخلف على حرب خراسان عبد الرحمن بن نعيم القشيري‏.‏ ولما قدم على عمر قال‏:‏ متى خرجت قال في شهر رمضان‏.‏ قال صدقك من وصفك بالجفاء ألا أقمت حتى تفطر ثم تسافر ثم سأل عمر أبا مخلد عن عبد الرحمن بن عبد الله فقال‏:‏ يكافىء الأكفاء ويعـادي الأعـداء ويقـدم إن وجد ما يساعده‏.‏ قال فعبد الرحمن بن نعيم قال يحب العافية وتأتيه قـال هـو أحـب إلـي فولـاه الصلـاة والحـرب وولـى عبـد الرحمن القشيري الخراج‏.‏ فلم يزل عبد الرحمن بن نعيم على خراسان حتى قتل يزيد بن المهلب وولي مسلمة‏.‏ فكانت ولايته أكثر من سنة ونصـف‏.‏ وظهـر مـن أيـام الجـراح بخراسـان دعـاة بنـي العبـاس فيمـن بعثه محمد بن علي بن عبد الله بن العباس إلى الآفاق حسبما يذكر في أخبار الدولة العباسية‏.‏

  وفاة عمر بن عبد العزيز وبيعة يزيد

ثـم توفـي عمـر بـن عبـد العزيـز فـي رجـب سنـة إحـدى ومائـة بديـر سمعـان ودفـن بها لسنتين وخمسة أشهـر مـن ولايتـه ولأربعيـن مـن عمره وكان يدعى أشج بني أمية رمحته دابة وهو غلام فشجته‏.‏ ولمـا مـات ولـي بعـده يزيـد بن عبد الملك بعهد سليمان كما تقدم وقيل لعمر حين احتضر‏:‏ اكتب إلـى يزيـد فأوصـه بالأمـة فقـال بمـاذا أوصيـه إنـه مـن بني عبد الملك ثم كتب‏:‏ أما بعد فاتق يا يزيد الصرعة بعد الغفلة حين لا تقال العثرة ولا تقدر على الرجعة إنك تترك ما أترك لمن لا يحمدك وتصير إلى من لا يعذرك والسلام‏.‏ ولما ولي يزيد عزل أبا بكر بن محمد بن عمر بن حزم عن المدينـة وولـى عليها عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري وغير كل ما صنعه عمر بن عبد العزيز وكان من ذلك شأن خراج اليمن‏.‏ فإن محمداً أخا الحجاج جعل عليهم خراجاً مجدداً وأزال ذلـك عمـر إلـى العشـر أو نصـف العشـر‏.‏ وقال‏:‏ لئن يأتيني من اليمن حبة ذرة أحب إلي من تقريـر هـذه الوظيفـة‏.‏ فلمـا ولـي يزيد أعادها وقال لعامله خذها منهم ولو صاروا حرضاً‏.‏ وهلك عمـه محمد بن مروان فولى مكانه على الجزيرة وأذربيجان وأرمينية عمه الآخر مسلمة بن عبد الملك‏.‏

  احتيال يزيد في المهلب ومقتله

قد تقدم لنا حبس يزيد بن المهلب فلم يزل محبوساً حتى اشتد مرض عمر بن عبد العزيز فعمـل فـي الهـرب مخافـة يزيـد بـن عبـد الملـك لـأن زوجتـه بنـت أخـي الحجـاج‏.‏ وكـان سليمان أمر ابن المهلـب بتعذيـب قرابـة الحجـاج كلهـم فنقلهم من البلقاء وفيهم زوجة يزيد وعذبها‏.‏ وجاءه يزيد بن عبـد الملـك إلـى منزلـه شافعاً فلم يشفعه فضمن حمل ما قرر عليها فلم يقبل فتهدده فقال له ابن المهلب‏:‏ لئن وليت أنت لأرمينك بمائة ألف سيف فحمل يزيد بن عبد الملك عنها مائة ألف دينـار ولما اشتد مرض عمر خاف من ذلك وأرسل إلى مواليه أن يغدوا إليه بالإبل والخيل في مكان عينه لهم‏.‏ وبعث إلى عامل حلب بإشفاقه من يزيد وبذل له المال وإلى الحرس الذين يحفظونـه فخلـي سبيلـه وأتـى إلـى دوابـه فركبهـا ولحـق بالبصـرة‏.‏ وكتب إلى عمر إني والله لو وثقت بحياتـك لـم أخـرج مـن محبسـك‏.‏ ولكـن خفـت أن يقتلنـي يزيـد شـر قتلـة‏.‏ فقـرأ عمـر الكتاب وبه رمق فقال اللهم إن كان ابن المهلب يريد بالمسلمين سوءاً فألحقه به وهضه فقد هاض‏.‏ انتهى‏.‏ ولما بويع ليزيد بن عبد الملك كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بالكوفة وإلى عدي بن أرطاة بالبصرة بهربه والتحرز منه وأبى عدي أن يأخذ المهلب بالبصرة فحبس المفضل حبيبًا ومـروان ابنـي المهلـب وبعـث عبـد الحميـد مـن الكوفـة جنـداً عليهم هشام بن ساجق بن عامر فأتوا العذيـب ومـر بيزيـد عليهـم فـوق القطقطانـة فلـم يقدمـوا عليـه‏.‏ ومضـى نحـو البصـرة وقـد جمـع عدي بن أرطاة أهل البصرة وخندق عليها وبعث على خيلها المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل‏.‏ وجاء يزيـد علـى أصحابـه الذيـن معه وانضم إليه أخوه محمد فيمن اجتمع إليه من قومهم‏.‏ وبعث عدي بـن أرطـاة علـى كـل خمـس مـن أخمـاس البصـرة رجالاً‏:‏ فعلى الأزد المغيرة بن زياد بن عمر العتكي وعلـى تميـم محـرز بـن حمـدان السعـدي وعلـى بكرة نوح بن شيبان بن مالك بن مسمع وعلى عبد القيس مالك بن المنذر بن الجارود وعلى أهل العالية عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر وهم قريش وكتانة والأزد وبجيلة وخثعـم وقيـس عيلـان ومزينـة فلـم يعرضـوا ليزيـد وأقبـل فانـزل‏.‏ انتهى‏.‏واختلف الناس إليه وأرسل إلى عدي أن يطلق له إخوته فينزل به البصرة ويخرج حتى يأخذ لنفسه من يزيد وبعث حميد ابن أخيه عبد الملك بن المهلب يستأمن له من يزيد بن عبد الملك فأجاره خالد القسري وعمر بن يزيد الحكمي بأمان يزيد له ولأهله‏.‏ وقد كان بعد منصرف حميد فرق في الناس قطع الذهب والفضة فالثالوا عليه وعدي يعطي درهمين درهمين‏.‏ ثم تناجزوا الحرب وحمل أصحاب يزيد على أصحاب عدي فانهزموا ودنا يزيد من القصر وخرج عدي بنفسه فانهزم أصحابه وخاف أخوة يزيد وهم في الحبس أن يقتلوا قبل وصوله فأغلقوا الباب وامتنعوا فجاءهم الحرس يعالجون فأجفلهم الناس عنه فخلوا عنهم وانطلقوا إلى أخيهم‏.‏ونزل يزيد دار مسلم بن زياد إلى جانب القصر وتسور القصر بالسلالم وفتحه وأتى بعدي بن أرطاة فحبسه‏.‏ وهرب رؤوس البصرة من تميم وقيس ومالك بن المنذر إلى الكوفة والشام‏.‏ وخرج المغيرة بن زياد بن عمر العتكي إلى الشام فلقي خالداً القسري وعمر بن يزيد وقد جاؤوا بأمان يزيد بن المهلب مع حميد ابن أخيه فأخبرهما بظهور يزيد على البصرة وحبسه عديـاً فرجعـا إلـى وعـد لهمـا فلـم يقبـلا فقبـض عبـد الحميـد بن عبد الرحمن بالكوفة على خالد بن يزيد بن المهلب وحمـاد بـن ذخـر وحملهمـا وسيرهمـا إلـى الشـام فحبسهمـا يزيـد حتـى هلكـا بالسجن‏.‏ وبعث يزيد بن عبد الملك إلى أهل الكوفة يثني عليهم ويمنيهم الزيادة وجهز أخاه مسلمة وابن أخيه العباس بن الوليد إلى العراق في سبعين ألف مقاتل أو ثمانين من أهل الشام والجزيرة فقدموا الكوفة ونزلوا النخيلة‏.‏وتكلم العباس يوماً ببعض الكلام فأساء عليه حيان النبطي بالكشة الأعجمية‏.‏ ولما سمع ابن المهلـب بوصـول مسلمـة وأهـل الشـام فخطـب النـاس وشجعهـم للقائهم وهون عليهم أمرهم وأخبرهم أن أكثرهم له‏.‏ واستوثق له أهل البصرة وبعث عماله على الأهواز وفارس وكرمان‏.‏ وبعـث إلـى خراسـان مـدرك بـن المهلـب وعليهـا عبـد الرحمـن بـن نعيـم وبعث بنو تميم ليمنعوه‏.‏ ولقيه الـأزد علـى رأس المغارة فقالوا ارجع عنا حتى نرى مآل أمركم‏.‏ ثم خطب يزيد الناس يدعوهم إلـى الكتـاب والسنـة ويحثهـم علـى الجهاد وأن جهاد أهل الشام أعظم ثواباً من جهاد الترك والديلم وسار يزيد من البصرة إلى واسط واستخلف عليها أخاه مروان بن المهلب‏.‏ وأقام بواسط أيامًا ثم خرج منها سنة اثنتين ومائة واستخلف عليها أمان معونة‏.‏ وقدم أخاه عبد الملك بن المهلب نحو الكوفة فاستقبله ابن الوليد بسور له فاقتتلوا وانهزم عبد الملك وعاد إلى يزيد‏.‏ وأقبـل مسلمـة علـى شاطـىء الفـرات إلـى الأنهـار فعقـد الجسر وعبر وسار حتى نزل على يزيد بن المهلـب وفـزع إليـه ناس من أهل الكوفة وكان عسكره مائة وعشرين‏.‏ وكان عبد الحميد بن عبد الرحمـن قـد عسكـر بالنخيلـة وشـق المياه وجعل الأرصاد على أهل الكوفة أن يفزعوا إلى يزيد بن المهلـب وبعـث بعثـاً إلـى مسلمـة مـع صبـرة بن عبد الرحمن بن مخنف فعزل مسلمة بن عبد الحميد عن الكوفة واستعمل عليها محمد بن عمر بن الوليد بن عقبة‏.‏ثـم أراد يزيد بن المهلب أن يبعث أخاه محمداً بالعساكر يبيتون مسلمة فأبى عليه أصحابه وقالوا قد وعدناهم بالكتاب والسنة ووعدوا بالإجابة فلا نغدرهم‏.‏ فقال يزيد‏:‏ ويحكم تصدقونهم إنهـم يخادعونكـم ليمكـروا بكـم فـلا يسبقوكـم إليه والله ما في بني مروان أمكر ولا أبعد غوراً من هذه الجرادة الصغرى يعني مسلمة‏.‏ وكان مروان بن المهلب بالبصرة يحث الناس على اللحاق بيزيد أخيه والحسن البصري يثبطهم ويتهدده فلم يكف‏.‏ ثم طلب الذين يجتمعون إليه فافترقوا فأقـام مسلمـة بـن عبـد الملـك يطـاول يزيـد بـن المهلب ثمانية أيام‏.‏ ثم خرج يوم الجمعة منتصف صفر فعبى أصحابه وعبـى العبـاس بـن الوليـد كذلـك والتقـوا واشتـد القتـال وأمـر مسلمـة فأحـرق الجسـر فسطـع دخانـه‏.‏فلمـا رآه أصحـاب يزيـد انهزمـوا واعترضهـم يزيـد يضـرب في وجوههم حتى كثـروا عليـه فرجـع وترجـل فـي أصحابـه‏.‏ وقيـل لـه قتـل أخـوك حبيـب فقال لا خير في العيش بعده ولا بعد الهزيمة‏.‏ثـم استمـات ودلـف إلـى مسلمة لا يريد غيره فعطف عليه أهل الشام فقتلوه هو وأصحابه وفيهم أخـوه محمـد‏.‏ وبعـث مسلمة برأسه إلى يزيد بن عبد الملك مع خالد بن الوليد عقبة‏.‏ وقيل‏:‏ إن الـذي قتلـه الهذيل بن زفر بن الحارث الكلابي وأنف أن ينزل فيأخذ رأسه فأخذه غيره‏.‏ وكان المفضل بن المهلب يقاتل في ناحية المعترك وما علم بقتل يزيد فبقي ساعة كذلك يكر ويفر حتـى أخبـر بقتـل إخوتـه فافتـرق النـاس عنـه ومضـى إلـى واسط وجاء أهل الشام إلى عسكر يزيد فقاتلهم أبو رؤبة رأس الطائفة المرجئة ومعه جماعة منهم صدق فقاتلوا ساعة من النهار ثم انصرفوا‏.‏ وأسر مسلمة ثلثمائة أسير حبسهم في الكوفة‏.‏وجاء كتاب يزيد إلى محمد بن عمر بن الوليد بقتلهم فأمر العريان بن الهيثم صاحب الشرطة بذلـك وبـدأ بثمانيـن مـن بنـي تميـم فقتلهـم‏.‏ ثـم جـاء كتـاب يزيـد بإعفائهـم فتركهـم‏.‏ وأقبـل مسلمة فنزل الحيرة وجاء الخبر بقتل يزيد إلى واسط فقتل ابنه معاوية عدي بن أرطاة ومحمداً ابنه ومالكاً وعبـد الملـك ابنـا مسمـع فـي ثلاثيـن ورجـع إلى البصرة بالمال والخزائن‏.‏ واجتمع بعمه المفضل وأهل بيتهم وتجهزوا للركوب في البحر وركبوا إلى قندابيل وبها وداع بن حميد الأسدي ولاه عليها يزيـد بـن المهلـب ملجـأً لأهـل بيته إن وقع بهم ذلك فركبوا البحر بعيالهم وأموالهم إلى جبال كرمان فنزلوا بها واجتمع إليه الفل من كل جانب‏.‏وبعـث مسلمـة مـدرك بن ضب الكلبي في طلبهم فقاتلهم وقتل من أصحاب المفضل النعمان بن إبراهيم ومحمد بن إسحق بن محمد بن الأشعث وأسر ابن صول قهستان‏.‏ وهرب عثمان بن إسحق بن محمد الأشعث فقتل وحمل رأسه إلى مسلمة بالحيرة رجع ناس من أصحاب بني المهلـب فاستأمنـوا وأمنهـم مسلمـة منهـم مالـك بـن إبراهيـم بـن الأشتر والورد بن عبد الله بن حبيب السعـدي التميمي‏.‏ ومضى إلى آل المهلب ومن معهم بقندابيل فمنعهم وداع بن حميد من دخولها وخـرج معهـم لقتـال عدوهـم‏.‏ وكـان مسلمـة قـد رد مدرك بن ضب بعد هزيمتهم في جبال كرمان وبعث في أثرهم هلال بن أحور التميمي فلحقهم بقندابيل فتبعوا لقتاله‏.‏وبعث هلال راية أمان فمال إليه وداع بن حميد وعبد الله بن هلال وافترق الناس عن آل المهلب‏.‏ ثم استقدموا فاستأمنوا فقتلهم عن آخرهم‏:‏ المفضل وعبد الملك وزياد ومروان بنو المهلب ومعاوية بن يزيد بن المهلب والمنهال بن أبي عيينة بن المهلب وعمر بن يزيد بـن المهلب وعثمان بن المفضل بن المهلب برتبيل ملك التـرك‏.‏ وبعـث هلـال بـن أحـوز برؤوسهـم وسبيهـم وأسراهـم إلـى مسلمـة بالحيـرة فبعـث بهـم مسلمـة إلـى يزيـد بـن عبـد الملـك فسيرهم يزيد إلى العبـاس بـن الوليـد في حلب فنصب الرؤوس‏.‏ وأراد مسلمة أن يبتاع الذرية فاشتراهم الجراح بن عبد الله الحكيمي بمائة ألف وخلى سبيلهم‏.‏ ولم يأخذ مسلمة من الجراح شيئاً‏.‏ ولما قدم بالأسرى على يزيد بن عبد الملك وكانوا ثلاثة عشر أمر يزيد فقتلوا وكلهم من ولد المهلب واستأمنت هند بنت المهلب لأخيها عيينة إلى يزيد بن عبد الملك فأمنه وأقام عمرو وعثمان عند رتبيل حتى أمنهما أسد بن عبد الله القسري وقدما عليه بخراسان‏.‏

  ولاية مسلمة على العراق وخراسان

ولمـا فـرغ مسلمـة بـن عبـد الملك من حرب بني المهلب ولاه يزيد بن عبد الملك على العراق وجمع لـه ولايـة البصـرة والكوفـة وخراسـان فأقر على الكوفة محمد بن عمر بن الوليد وكان قد قام بأمر البصـرة بعد بني المهلب شبيب بن الحارث التميمي فبعث عليها مسلمة عبد الرحمن بن سليم الكلبي وعلى شرطتها عمر بن يزيد التميمي‏.‏ وأراد عبد الرحمن أن يقتل شيعة ابن المهلب بالبصـرة فعزلـه وولـى علـى البصـرة عبـد الملـك بـن بشـر بـن مـروان‏.‏ وأقـر عمـر بـن يزيـد علـى الشرطـة‏.‏ واستعمل مسلمة على خراسان صهره سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العباس ويلقب سعيد خدينة‏.‏دخل عليه بعض العرب بخراسان وعليه ثياب مصبغة وحوله مرافق مصبغة‏.‏ وسئل عنه لما خرج فقال‏:‏ خدينة وهي الدهقانة ربة البيت‏.‏ ولما ولاه على خراسان سار إليها فاستعمل شعبة بن ظهير النهشلي على سمرقند‏.‏ فسار إليها وقدم الصغد وكان أهلها كفروا أيام عبد الرحمن بن نعيم ثم عادوا إلى الصلح‏.‏ فوبخ ساكنها من العرب بالجبن فاعتذروا بأمر أميرهم علـي بن حبيب العبدي‏.‏ ثم حبس سعيد عمال عبد الرحمن بن عبد الله وأطلقهم ثم حبس عمال يزيد بن المهلب ورفع لهم أنهم اختانوا الأموال فعذبهم فمات بعضهم في العذاب وبقي بعضهم في السجن حتى غزاهم الترك والصغد فأطلقهم‏.‏

  العهد لهشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد

لمـا بعـث يزيـد بـن عبـد الملـك الجيـوش إلـى يزيـد بـن المهلب مع مسلمة أخيه والعباس بن أخيه الوليد قال له العباس‏:‏ إنا نخاف أن يرجف أهل العراق بموتك ويبث ذلك في أعضادنا وأشار عليه بالعهـد لعبـد العزيـز أخيـه ابن الوليد وبلغ ذلك مسلمة فجاءه وقال‏:‏ أخوك أحق فإن ابنك لم يبلغ وأشار عليه بأخيه هشام وابنه الوليد من بعده والوليد ابن إحدى عشرة سنـة فبايـع لهمـا كذلك‏.‏ ثم بلغ ابنه الوليد فكان إذا رآه يقول‏:‏ الله بيني وبين من قدم هشاماً عليك‏.‏

  غزوة الترك

لمـا ولـي سعيـد خراسان استضعفه الناس وسموه خدينة واستعمل شعبة على سمرقند ثم عزله كمـا مـر وولـى مكانـه عثمـان بـن عبـد اللـه بـن مطـرف بـن الشخير فطمعت الترك وبعثهم خاقان إلى الصغد وعلى الترك كورصول وأقبلوا حتى نزلوا قصر الباهلي وفيه مائة أهل بيت بذراريهم وكتبـوا إلى عثمان بسمرقند وخافوا أن يبطىء المدد فصالحوا الترك على أربعين ألفاً وأعطوهم سبعـة عشـر رجلاُ رهينة‏.‏ وندب عثمان الناس فانتدب المسيب بن بشر الرياحي ومعه أربعة آلاف من سائر القبائل‏.‏ فقال لهم من أراد الغزو والصبر على الموت فليتقدم فرجع عنه ألف وقالها بعد فرسخ فرجع ألف آخر ثم أعادها ثالثة بعد فرسخ فاعتزله ألف‏.‏وسـار حتى كان على فرسخين من العدو فأخبره بعض الدهاقين بقتل الرهائن وميعادهم غداً وقـال أصحابـي ثلثمائـة مقاتـل وهـم معكـم فبعث المسيب إلى القصر رجلين عجمياً وعربياً يأتيانه بالخبر فجاؤوا في ليلة مظلمة وقد أجرت الترك الماء بدائر القصر لئلا يصل إليه أحد فصاح بهمـا فقـالا لـه اسكـت وادع لنا فلاناً‏.‏ فأعلماه قرب العسكر وسألا هل عندكم امتناع غداً فقال لهمـا نحـن مستميتـون‏.‏ فرجعا إلى المسيب فأخبراه فعزم على تبييت الترك وبايعه أصحابه على الموت وساروا يومهم إلى الليل‏.‏ ولما أمسى حثهم على الصبر وقال‏:‏ ليكن شعاركم يا محمد ولا تتبعوا مولياً واعقروا الدواب فإنه أشد عليهم وليست بكم قلة فإن سبعمائـة سيـف لا يضرب بها في عسكر إلا أوهنته وإن كثر أهله‏.‏ ثم دنوا من العسكر في السحر وثار الترك وخالطهم المسلمون وعقروا الدواب وترجل المسيب في أصحاب له فقاتلوا قتالاً شديداً وقتل عظيم من عظماء الترك فانهزموا‏.‏ ونادى منادي المسيب لا تتبعوهم واقصدوا القصر واحملوا من فيه ولا تحملوا من متاعهم إلا المال‏.‏ ومن حمل امرأة أو صبياً أو ضعيفاً حسبةً فأجره على اللـه وإلا فلـه أربعون درهماً‏.‏ وحملوا من في القصر إلى سمرقند ورجع الترك من الغد فلم يروا في القصر أحداً‏.‏ ورأوا قتلاهم فقالوا لم يكن الذين جاؤونا بالأمس‏.‏

  غزو الصغد

ولما كان من انتقاض الصغد وإعانتهم الترك على المسلمين ما ذكرنا تجهز سعيد لغزوهم وعبر النهر فلقيه الترك وطائفة من الصغد فهزمهم المسلمون‏.‏ ونهاهم سعيد عن أتباعهم وقال‏:‏ هم جباية أمير المؤمنين فانكفوا عنهم‏.‏ ثم سار المسلمون إلى واد بينهم وبين المرج فقطعه بعض العسكر وقد أكمن لهم التـرك فخرجـوا عليهـم‏.‏ وانهـزم المسلمـون إلـى الـوادي وقيـل بـل كـان المنهزمون مسلحةً للمسلمين‏.‏ وكان فيمن قتل شعبة بن ظهر في خمسين رجلاً‏.‏ وجاء الأمير والناس فانهزم العدو‏.‏ وكان سعيد إذا بعث سرية فأصابوا وغنموا وسبوا رد السبي وعاقب السرية فثقل سعيد على الناس وضعفوه‏.‏ ولما رجع من هذه الغزاة وكان سورة بن الأبجر قد قال لحيان النبطي يوم أمر سعيد بالكف عن الصغد وأنهم جباية أمير المؤمنين‏.‏ فقال سورة ارجـع عنهـم يـا حيـان فقال‏:‏ عقيرة الله لا أدعها فقال‏:‏ انصرف يا نبطي‏.‏ قال أنبط الله وجهك‏.‏ فحقدهـا عليـه سـورة وأغـرى بـه سعيـد خدينـة وقـال‏:‏ إنـه أفسـد خراسان على قتيبة ويثب عليك ويتحصـن ببعـض القلـاع‏.‏ فقـال لـه سعيد‏:‏ لا يسمع هذا منك أحد ثم حاول عليه وسقاه لبناً قد ألقى فيه ذهباً مسحوقاً‏.‏ ثم ركض والناس معه أربعة فراسخ فعاش حيان من بعدها ليالي قلائل ومات‏.‏

  ولاية هبيرة على العراق وخراسان

كـان مسلمـة لمـا ولـي علـى هذه الأعمال لم يدفع من الخراج شيئاً واستحيا يزيد من عزله فكتب إليه بالقدوم وأن يستخلف على عمله‏.‏ وسار لذلك سنة ثلاث وأربعمائة فلقيه عمر بن هبيرة بالطريق على دواب البريد وقال‏:‏ وجهني أمير المؤمنين لحيازة أموال بني المهلب فارتاب لذلك وقـال لـه بعـض أصحابـه‏:‏ كيـف يبعـث ابـن هبيـرة مـن عنـد الجزيرة لمثل هذا الغرض‏.‏ ثم أتاه أن ابن هبيـرة عـزل عمالـه‏.‏ وكـان عمر بن هبيرة من النجابة بمكان وكان الحجاج يبعثه في البعوث وهو ممن سار لقتال مطرف بن المغيرة حين خلع ويقال إنه الذي قتله وجاء برأسه‏.‏فسيـره الحجـاج إلـى عبـد الملـك فأقطعـه قريـة قريبـة مـن دمشق ثم بعثه إلى كروم ابن مرثد الفزاري ليخلـص منـه مـالاً فارتـاب وأخذ المال ولحق بعبد الملك عائداً به من الحجاج‏.‏ وقالت قتلت ابن عمه ولست آمنه على نفسي فأجاره عبد الملك وكتب الحجاج إليه فيه‏.‏ فقال أمسك عنه وعظـم شأنـه عبـد الملـك وبنـوه واستعملـه عمـر بـن عبـد العزيز على الروم من ناحية أرمينية وأثخن فيهـم وأسـر سبعمائـة منهـم وقتلهـم‏.‏ واستخـدم أيـام يزيـد لمحبوبتـه حبابـة فسعت له في ولاية العراق فولاه يزيد مكان أخيه مسلمة ولما ولي قدم عليه المجشر بن مزاحم السلمي وعبد الله بن عمر الليثي في وفد فشكوا من سعيد وحذيفة عاملهم وهو صهر مسلمة فعزله وولى مكانه على خراسان سعيد بن عمر الحريشي من بني الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة فسار خدينة عن خراسان وقدم سعيد فلم يعرض لعماله‏.‏ولما قدم على خراسان كان الناس بإزاء العدو وقد نكثوا فحثهم على الجهاد الصغد منه بما كانوا أعانوا الترك أيام حذيفة فقال لهم ملكهم احملوا له خراج ما مضى واضمنوا خراج ما يأتي والعمارة والغزو معه وأعطوه الرهن بذلك‏.‏ فأبوا إلا أن يستجيروا بملك فرغانة وخرجوا من بلادهم إلى خجندة وسألوا الجوار وأن ينزلوا شعب عصام‏.‏ فقال‏:‏ أمهلونا عشرين يوماً أو أربعين لنخليه لكم وليس لكم علي جوار قبل دخولكم إياه‏.‏ ثم غزاهم الحريش سنة أربع ومائة فقطع النهر وترك قصر الريح على فرسخين من الدنوسية وأتاه ابن عم ملك فرغانة يغريه بأهـل الصغـد وأنهـم بخجنـدة ولـم يدخلوا جواره بعد فبعث معه عبد الرحمن القسري في عسكر وجاء في أثره حتى نزلوا على خجندة وخرج أهل صغد لقتالهم فانهزموا وقد كانوا حفروا خندقـاً وغطـوه بالتراب ليسقط فيه المسلمون عند القتال فلما انهزموا ذلك اليوم أخطأهم الطريق وأسقطهم الله في ذلك الخندق‏.‏ثم حاصرهم الحريشي ونصب عليهم المجانيق وأرسلوا إلى ملك فرغافة ليجيرهم‏.‏ فقال قد شرت عليكم أن لا جوار قبل الأجل الذي بيني وبينكم‏.‏ فسألوا الصلح من الحريشي على أن يـردوا مـا في أيديهم من سبي العرب ويعطوا ما كسر من الخراج ولا يتخلف أحد منهم بخجندة وإن أحدثـوا حدثـاً استبيحـت دماؤهـم‏.‏ فقبـل منهـم وخرجوا من خجندة ونزلوا في العسكر على كـل مـن يعرفـه‏.‏ وبلـغ الحريشـي أنهـم قتلوا امرأة فقتل قاتلها فخرج قبيل منهم فاعترض الناس وقتل جماعـة‏.‏ وقتـل الصغد من أسرى المسلمين مائة وخمسين ولقي الناس منهم عنفاً ثم أحاطوا بهم وهم يقاتلون بالخشب ليس لهم سلاح فقاتلوا عن آخرهم ثلاثة آلاف أو سبعة آلاف‏.‏وكتب الحريشي إلى يزيد بن عبد الملك ولم يكتب لعمر بن هبيرة فأحفظه ذلك ثم سرح الحريشي سليمان بن أبي السرى إلى حصن يطيف به وراء الصغد ومعه خوارزم شاه وملك أجرون وسومان فسار سليمان وعلى مقدمته المسيب بن بشر الرياحي ولقيـه أهـل الحصـن فهزمهم ثم حاصرهم فسألوا الصلح على أن لا يعرض لسبيهم ويسلموا القلعـة بمـا فيهـا فقبـل وبعث إلى الحريشي فقبضه وبعث من قبضه‏.‏ وسار الحريشي إلى كش فصالحوه على عشرة آلاف رأس وولى نصر بن سيار على قبضها‏.‏ واستعمل على كش ونسـف حربـاً وخراجـاً سليمـان بـن السـرى واستنـزل مكانه آخر اسمه قشقري من حصنه على الأمان وجاء به إلى مرو فشنقه وصلبه‏.‏

  ولاية الجراح على أرمينية وفتح بلنجر

ولما سار ابن هبيرة على الجزيرة وأرمينية تشبب البهراني فحفل لهـم الخـزر وهـم التركمـان واستجاشوا بالقفجاق وغيرهم من أنواع الترك ولقوا المسلمين بمرج الحجارة فهزموهم واحتوى التركمان على عسكرهم وغنموا ما فيه‏.‏ وقدم المنهزمون على يزيد بن عبد الملك فولى على أرمينية الجراح بن عبد الله الحكمي وأمده بجيش كثيـف وسـار لغـزو الخـزر فعـادوا لبـاب الأبواب‏.‏ ونزل الجراح بردعة فأراح بها قليلاً‏.‏ ثم سار نحوهم وعبر نهر الكر وأشاع الإقامة ليرجع بذلك عيونهم إليهم‏.‏ ثم أسرى من ليلته وأجد السير إلى مدينة الباب فدخلها وبث السرايا للنهب والغارة‏.‏وزحف إليه التركمان وعليهم ابن ملكهم فلقيهم عند نهر الزمان واشتد القتال بينهم ثم انهزم التركمان وكثر القتل فيهم وغنـم المسلمـون مـا معهـم وسـاروا حتـى نزلـوا علـى الحصـن ونـزل أهلها على الأمان فقتلهم‏.‏ ثم سار إلى مدينة برغوا فحاصرها ستة أيام ثم نزلوا على الأمان ونفلهم ثم سـاروا إلـى بلنجـر وقاتلهـم التركمـان دونهـا فانهزمـوا وافتتـح الحصـن عنـوة‏.‏ وغنـم المسلمـون جميع ما فيه‏.‏ فأصاب الفارس ثلاثمائة دينار وكانوا بضعة وثلاثين ألفاً‏.‏ ثم إن الجراح رجع حصن بلنجر إلى صاحبه ورد عليـه أهلـه ومالـه علـى أن يكـون عينـاً للمسلميـن علـى الكفار‏.‏ ثم نزل على حصن الوبيد وكان به أربعون ألف بيت من الترك فصالحوا الجراح على مـال أعطـوه إيـاه‏.‏ ثـم تجمـع الترك والتركمان وأخذوا الطرق على المسلمين فأقام في رستاق سبى وكتب إلى يزيد بالفتح وطلب المدد وكان ذلك آخر عمر يزيد‏.‏ وبعث هشام بعد ذلك إليه بالمدد وأقره على العمل‏.‏

  ولاية عبد الواحد القسري علي المدينة ومكة

كان عبد الرحمن بن الضحاك عاملاً على الحجاز منذ أيام عمر بن عبد العزيز وأقام عليها ثلاث سنين ثم حدثته نفسه خطبة فاطمة بنت الحسين فامتنعت فهددها بأن يجلد ابنها في الخمـر وهـو عبـد الله بن الحسين المثنى وكان على ديوان المدينة عامل من أهل الشام يسمى ابن هرمز‏.‏ ولما رفع حسابه وأراد السير إلى يزيد جاء ليودع فاطمة فقالت اخبر أمير المؤمنين بما ألقـى مـن ابـن الضحـاك ومـا يتعـرض لـي‏.‏ ثـم بعـث رسولهـا بكتابهـا إلـى يزيـد يخبره‏.‏ وقدم ابن هرمز على يزيد فبينا هو يحدثه عن المدينة قال الحاجب‏:‏ بالباب رسول فاطمة بنت الحسين فذكر ابن هرمز ما حملته‏.‏ فنزل عن فراشه وقال‏:‏ عندك مثل هذا وما تخبرني به فاعتذر بالنسيان‏.‏فأدخـل يزيـد الرسـول وقـرأ الكتـاب وجعـل ينكـث الأرض بخيزرانة ويقول‏:‏ لقد اجتر ابن الضحـاك هـل مـن رجـل يسمعنـي صوتـه فـي العذاب‏.‏ قيل له عبد الواحد بن عبد الله القسري‏.‏ سفكتب إليه بيده‏:‏ قلى وليتك المدينة فانهض إليها واعزل ابن الضحاك وغرمـه أربعيـن ألـف دينار وعذبه حتى أسمع وأنا على فراشي‏.‏ وجاء البريد بالكتاب إليه ولم يدخل على ابن الضحاك فأحضر البريد ودس إليه بألف دينار فأخبره الخبر فسار بن الضحاك إلى مسلمة بن عبد الملك واستجار به وسأل مسلمة فيه يزيد‏.‏ فقال والله لا أعفيه أبداً فرده مسلمة إلى عبد الواحد بالمدينة فعذبه ولقي شراً ولبس جبة صوف يسأل الناس وكان قد آذى الأنصار فذموه وكان قدوم القسري في شوال سنة أربع ومائة وأحسن السيرة فأحبه الناس وكان يستشير القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله‏.‏ عزل الحريشي وولاية مسلم الكلبي على خراسان كان سعيد الحريشي عاملاً على خراسان لابن هبيرة كما ذكرنا وكان يستخف به ويكاتب الخليفة دونه ويكنيه أبا المثنى‏.‏ وبعث من عيونه من يأتيه بخبره فبلغه أعظم مما سمع فعزله وعذبـه حتـى أدى الأمـوال وعـزم علـى قتلـه ثـم كـف عنـه‏.‏ وولـى بـن هبيرة على خراسان مسلم بن سعيـد بـن أسلـم بـن زرعـة الكلابـي ولما جاء إلى خراسان حبسه وقيده وعذبه كما قلنا‏.‏ فلما هرب ابن هبيرة بعد ذلك عن العراق أرسل خالد القسري في طلبه الحريشي فأدركه على الفـرات‏.‏ وقـال لابـن هبيـرة مـا ظنـك بـي قـال إنـك لا تدفـع رجـلاً مـن قومـك إلـى رجـل مـن قسر‏.‏ قال وفاة يزيد وبيعة هشام ثـم توفـي يزيـد بـن عبد الملك في شعبان سنة خمس ومائة لأربع سنين من خلافته وولى بعده أخوه هشام بعهده إليه بذلك كما مر وكان بحمص فجاءه الخبر بذلك فعزل عمر بن هبيرة عن العراق وولى مكانه خالد بن عبد الله القسري فسار إلى العراق من يومه‏.‏

  غزو مسلم الترك

غـزا مسلـم بـن سعيـد التـرك سنـة خمسـة ومائـة فعبـر النهـر وعاث في بلادهم ولم يفتح شيئاً وقفل فأتبعه الترك ولحقوه على النهر فعبر بالناس ولم ينالوا منه‏.‏ ثم غزا بقية السنة وحاصر أفشين حتـى صالحـوه علـى ستـة آلـاف رأس ثـم دفعوا إليه القلعة‏.‏ ثم غزا سنة ست ومائة وتباطأ عنه النـاس وكـان ممـن تباطـأ البختـري بـن درهـم فـرد مسلـم نصـر بـن سيار إلى بلخ وأمره أن يخرج الناس إليه وعلى بلخ عمر بن قتيبة أخو مسلم فجاء نصر وأحرق باب البختري وزياد بن طريف الباهلي‏.‏ ثم منعهم عمر من دخول بلخ وقد قطع سعيد النهر ونزل نصر بن سيار البروقان وأتـى جنـد الضلاضيان وتجمعت ربيعة والأزد بالبروقان على نصف فرسخ من نصر وخرجـت مضـر إلـى نصـر وخـرج عمـر بـن مسلـم إلـى ربيعـة والـأزد وتوافقوا وسفر الناس بينهما في ثم حمل البختري وعمر بن مسلم على نصر فكر عليهم فقتل منهم ثمانية عشر وهزمهم وأتى بعمر بن مسلم والبختري وزياد بن طريف فضربهم مائة مائة وحلق رؤوسهم ولحاهم وألبسهم المسـوح‏.‏ وقيـل إن سبـب تعزيـز عمـر بـن مسلم انهزام تميم عنه وقيل انهزام ربيعة والأزد ثم أمنهم نصر بعد ذلك وأمرهم أن يلحقوا بمسلم بن سعيد‏.‏ ولما قطع مسلم النهر ولحقه من لحق من أصحابـه سـار إلـى بخـارى فلحقـه بهـا كتاب خالد بن عبد الله القسري بولايته ويأمره بإتمام غزاته فسار إلى فرغانة وبلغه أن خاقان قد أقبل إليه فارتحل‏.‏ ولحقه خاقان بعد ثلاثة مراحل لقي فيها طائفة من المسلمين فأصابهم‏.‏ ثم أطاف بالعسكر وقاتل المسلمين وقتل المسيب بن بشر الرياحي والبراء من فرسان المهلب وأخو غورك‏.‏وثار الناس في وجوههم فأخرجوهم من العسكر‏.‏ ورحـل مسلـم بالنـاس ثمانيـة أيـام والتـرك مطيفـون بهـم بعـد أن أمـر بإحـراق مـا ثقـل من الأمتعة فأحرقوا ما قيمته ألف ألف‏.‏ وأصبحوا في التاسع قريب النهر دونه أهل فرغانة والشاش‏.‏ فأمر مسلم الناس أن يخرطوا سيوفهم ويحملوا‏.‏ فأفـرج أهـل فرغانـة والشـاش عـن النهر ونزل مسلم بعسكره ثم عبر من الغد وأتبعهم ابن خاقان‏.‏ فكان حميد بن عبد الله على الساقة من وراء النهر وهو مثخن بالجراحة‏.‏ فبعث إلى مسلم بالانتظار وعطف على الترك فقاتلهم وأسر قائدهم وقائد الصغد ثم أصابه سهم فمات وأتوا خجنـدة وقـد أصابتهـم مجاعـة وجهد ولقيهم هنالك كتاب أسد بن عبد الله القسري أخي خالد بولايته على خراسان واستخلافه عبد الرحمن بن نعيم فقرأ مسلم الكتاب وقال سمعاً وطاعة‏.‏

  ولاية أسد القسري علي خراسان

ولمـا غـزا خالـد بـن عبـد الله خراسان واستخلف عليها أخاه أسد بن عبد الله فقدم ومسلم بن سعيد بفرغانة فطما رجع وأتى النهر ليقطعه منعه الأشهب بن عبد الله التميمي وكان على السفـن بآمـد حتـى عرفـه أنـه الأميـر فـأذن لـه‏.‏ ثـم عبـر أسـد النهـر ونـزل بالمرج وعلى سمرقند هانىء بـن هانىء فخرج بالناس وتلقى أسداً وأدخله سمرقند‏.‏ وبعث أسد إلى عبد الرحمن بن نعيم بالولايـة علـى العسكـر فقفل بالناس إلى سمرقند ثم عزل أسداً عنها وولى مكانه الحسن بن أبي العمرطـة الكنـدي‏.‏ ثـم قـدم مسلـم بـن سعيـد بـن عبـد اللـه بخراسان فكان يكرمه‏.‏ ومر بابن هبيرة وهو يروم الهرب وأسلم على يديه‏.‏ ثم غزا الغور وهي جبال هراة‏.‏ فوضع أهلها أثقالهم في الكهـوف ولـم يكـن إليهم طريق‏.‏ فاتخذ التوابيت ووضع فيها الرجال ودلاها بالسلاسل فاستخرجوا ما قدروا عليه‏.‏ ثم قطع كماق النهر وجاءه خاقان ولم يكن بينهما قتال‏.‏ وقيل عاد مهزوماً من الجسر ثم سار إلى عوبرين وقاتلها وأبلى نصر بن سيار ومسلم بن أحوز

  ولاية أشرس على العراق

كـان أسـد بـن عبـد الله في ولايته على خراسان يتعصب حتى أفسد الناس‏.‏ وضرب نصر بن سيار بالسياط وعبد الرحمن بن نعيم وسورة بن أبجر والبختري بن أبي درهم وعامر بن مالـك الحمانـي وحلقهـم وسيرهـم إلـى أخيـه وكتـب إليه أنهم أرادوا الوثوب بي‏.‏ فلامه خالد وعنفه وقـال‏:‏ هـلا بعثـت برؤوسهـم وخطـب أسـد يومـاً فلعـن أهـل خراسـان‏.‏ فكتـب هشام بن عبد الملك إلى خالد اعزل أخاك فعزله في رمضان سنة تسع وولى مكانه الحكم بن عوانة الكلبي فقعد عن الصائفة تلك السنة‏.‏ فاستعمل هشام على خراسان أشرس بن عبد الله السلمي وأمره أن يراجع خالداً فكان خيراً ففرح به أهل خراسان‏.‏

  عزل أشرس

أرسـل أشـرس إلـى سمرقنـد سنـة عشـر ومائـة أبـا الصيـدا صالـح بـن ظريف مولى بني ضبة والربيع بـن عمـران التميمـي إلـى سمرقنـد وغيرهـا مما وراء النهر يدعوهم إلى الإسلام على أن توضع عنهم الجزية وعليها الحسن بن العمرطة الكندي على حربها وخراجها فدعاهم إلى ذلك وأسلموا‏.‏ وكتـب غـورك إلى الأشرس أن الجراح قد انكسر فكتب أشرس إلى ابن العمرطة بلغني أن أهل الصغـد وأشباههم لم يسلموا رغبة وإنما أسلموا نفوراً من الجزية فانظر من اختتن وأقام الفرائض وقرأ سورة من القرآن فارفع خراجه‏.‏ثـم عـزل ابـن العمرطـة عـن الخـراج وولـى عليهـا ابن هانىء ومنعهم أبو الصيد أخذ الجزية ممن أسلم وكتـب هانـىء إلـى أشـرس بأنهـم أسلمـوا وبنـوا المساجد‏.‏ فكتب إليه وإلى العمال أن يعيدوا الجزية على من كانت عليه ولو أسلم فامتنعوا واعتزلوا في سبعة آلاف على فراسخ من سمرقند‏.‏ وخـرج معهم أبو الصيد وربيع بن عمران والهيثم الشيباني وأبو فاطمة الأزدي وعامر بن قشير وبشيـر الجحـدري وبيـان العنبـري وإسماعيـل بـن عقبـة لينصروهـم‏.‏ وبلـغ الخبـر إلى أشرس فعزل ابن العمرطة عن الحرب وولى مكانه المجشر بن مزاحم السلمي وعميرة بن سعد الشيباني فكتب المجشـر إلـى أبـي الصيدا يستقدمه هو وأصحابه فقدم ومعه ثابت قطنة فحبسهما وسيرهما إلى أشـرس واجتمع الباقون وولوا عليهم أبا فاطمة ليقاتلوا هانئاً فكتب أشرس ووضع عنهم الخراج فرجعوا ضعف أمرهم وتتبعوا فحبسوا كلهم‏.‏وألـح هانـىء فـي الخـراج واستخـف بفعـل العجـم والدهاقين‏.‏ وأقيموا في العقوبات وحرقت ثيابهم والقيت مناطقهم في أعناقهم وأخذت الجزية ممن أسلم‏.‏ فكفرت الصغد وبخارى واستجاشوا بالترك وخرج أشرس غازياً فنزل آمد وأقام أشهراً‏.‏ وقدم قطن بن قتيبة بن مسلم في عشرة آلاف فعبر النهر ولقي الترك وأهل الصغد وبخارى ومعهم خاقان فحصروا قطناً في خندقه‏.‏ وأغار الترك على سرح المسلمين وأطلق أشرس ثابت قطنة بكفالة عبد الله بن بسطام بن مسعود بن عمر وبعثه معه في خيل فاستقدمه من أيدي الترك ما أخدوه‏.‏ ثم عبر أشرس بالناس ولحق بقطن ولقيهم العدو‏:‏ فانهزموا أمامهم‏.‏ وسار أشرس بالناس حتى جاء بيكند فحاصرهـا المسلمـون وقطـع أهـل البلـد عنهـم المـاء وأصابهم العطش فرحلوا إلى المدينة‏.‏ واعترضهم دونها العدو فقاتلوهم قتالاً شديداً وأبلى الحارث بن شريح وقطن بن قتيبة بلاءً شديداً وأزالوا الترك عن الماء فقتل يومئذ ثابت قطنة وصخر بن مسلم بن النعمان العبدي وعبد الملك بن دثار الباهلي وغيرهم‏.‏ وحمـل قطـن بـن قتيبة في جماعة تعاقدوا على الموت فانهزم العدو واتبعهم المسلمون يقتلونهم إلى الليل‏.‏ ثم رجع أشرس إلى بخارى وجهز عليهم عسكراً يحاصرونها وعليهم الحارث بن شريح الأزدي‏.‏ ثم حاصر خاقان مدينة كمرجة من خراسان وبها جمع من المسلمين وقطعوا القنطرة وأتاهم ابن جسر وابن يزدجرد وقال‏:‏ إن خاقان جاء يرد علي منكبي وأنا آخذ لكم الأمان فشتموه وأتاهم يزغري في مائتين وكان داهيةً وكان خاقان لا يخالفه‏.‏ فطلب رجـلاً يكلمـه فجاء يزيد بن سعد الباهلي فرغبه بإضعاف‏.‏ العطاء والإحسان على النزول ويسيرون معهم فلاطفه ورجع إلى أصحابه وقال هؤلاء يدعونكم لقتـال المسلميـن فأبـوا وأمـر خاقـان فألقـى الحطـب الرطـب فـي الخنـدق ليقطعـه‏.‏ وألقـى المسلمون البهائم ليأكلوها ويحشوا جلودها تراباً ويملؤا بها الخندق‏.‏ وأرسل الله سبحانه فاحتمل السيل ما في الخندق إلى النهر الأعظـم ورمـى المسلمون بالسهام فأصيب يزغري بسهم ومات من ليلته فقتلوا جميع ما عندهم من الأسرى والرهن‏.‏ ولم يزالوا كذلك حتى نزلت جيوش المسلمين فرغانة فجردوا عليهم واشتد قتالهم وصالحهم المسلمون على أن يسلموا لهم كمرجة ويرحلوا عليها إلى سمرقند والدنوسية وتراهنوا على ذلك‏.‏ وتأخر خاقان حتى يخرجوا وخلف معهم كورصول ليبلغهم إلى مأمنهم فارتحلوا حتى بلغوا الدنوسية‏.‏ وأطلقوا الرهن وكانت مدة الحصار ستين يوماً‏.‏

  عزل أشرس عن خراسان وولاية الجنيد

وفـي سنـة إحـدى عشـرة ومائـة عـزل هشـام أشرس بن عبد الله عن خراسان وولى مكانه الجنيد بن عبد الرحمن بن عمر بن الحارث بن خارجة بن سنان بن أبى حارثة المري أهدى إلى أم حكيم بنت يحيى بن الحكم امرأة هشام قلادة فيها جواهر فأعجبت هشاماً فأهدى له أخرى مثلها فولاه خراسان وحمله على البريد‏.‏ فقدم خراسان في خمسمائة ووجد الخطاب بن محرز السلمـي خليفـة أشـرس علـى خراسـان‏.‏ فسـار الجنيـد إلـى ما وراء النهر ومعه الخطاب واستخلف على مرو المجشر بن مزاحم السلمي وعلى بلخ سورة بن أبجر التميمي وبعث إلى أشرس وهو يقاتل أهل بخارى والصغد أن يبعث إليه بسرية مخافة أن يعترضه العدو‏.‏فبعث إليه أشرس عامر بن مالك الجابي فعرض له الترك والصغد فقاتلوهم ثم استداروا وراء معسكر الترك وحمل المسلمون عليهم من أمامهم فانهزم الترك ولحق عامر بالجنيد فأقبل معه وعلى مقدمته عمارة بن حزيم واعترضه الترك فهزمهم‏.‏ وزحف إليه خاقان بنواحي سمرقند وقطـن بن قتيبة على ساقته فهزم خاقان وأسر ابن أخيه وبعث به إلى هشام ورجع إلى مرو ظافراً واستعمل قطن بن قتيبة على بخارى والوليد بن القعقاع العبسي على هراة وحبيب بن مرة العبسي على شرطته ومسلم بن عبد الرحمن الباهلي على بلخ وعليها نصر بن سيار‏.‏ فبعـث مسلـم إلـى نصر وجيء به في قميص دون سراويل فقال شيخ مضر جئتم به على هذه الحالة‏.‏ فعزل الجنيد مسلماً عن بلخ وأوفد وفداً إلى هشام بخبر غزاته‏.‏

  مقتل الجراح الحكمي

قد كان تقدم لنا دخوله إلى بلاد الخزر سنة أربع ومائة وانهزامهم أمامه وأنه أثخن فيهم وملك بلنجر وردها على صاحبها وأدركه الشتاء فأقام هنالك‏.‏ وأن هشاماً أقرة على عمله ثم ولاه أرمينية فدخل بلاد التركمـان مـن ناحيـة تفليـس سنـة إحـدى عشـرة ففتـح مدينتهـم البيضـاء وانصرف ظافراً فاجتمع الخزر والترك من ناحية اللاف وزحف إليهم الجراح سنة اثنتي عشرة ولقيهم بمرج أردبيل فاقتتلوا أشد قتال‏.‏ وتكاثر العدو عليه فاستشهد ومن معه وقد كـان استخلف أخاه الحجاج على أرمينية‏.‏ ولما قتل طمع الخزر وهم التركمان وأوغلوا في البلاد حتـى قاربـوا الموصـل وقيل كان قتله ببلنجر‏.‏ ولما بلغ الخبر هشاماً دعا سعيدًا الحريشي فقال‏:‏ بلغني أن الجراح انهزم‏.‏ قال الجراح أعرف بالله من أن ينهزم لكن قتل فابعثني على أربعين من دواب البريـد وابعـث إلـي كل يوم أربعين رجلاً مدداً واكتب إلى الأمراء الأجناد يواسوني‏.‏ ففعل وسار الحريشي فلا يمر بمدينة إلا ويستنهض أهلها فيجيبه من أراد الجهاد‏.‏ووصـل مدينـة أزور فلقيـه جماعـة مـن أصحاب الجراح فردهم معه‏.‏ ووصل إلى خلاط فحاصرها وفتحها وقسم غنائمها‏.‏ ثم سار عنها يفتح القلاع والحصون إلى بروعة فنزلها وابن خاقـان يومئـذ بأذربيجـان يحاصـر مدينـة ورثان منها ويبعث في نواحيها وبعث الحريشي إلى أهل ورثان يخبرهم بوصوله فأخرج العدو عنهم ووصل إليهم الحريشي‏.‏ثـم اتبـع العـدو إلـى أردبيـل وجـاءه بعـض عيونـه بأن عشرة آلاف من عسكرهم على أربعة فراسخ منه ومعهم خمسة آلاف بيت من المسلمين أسارى وسبايا فبيتهم وقتلهم أجمعين ولم ينج منهم أحد‏.‏ واستنقذ المسلمين منهم‏.‏وسار إلى باجروان فجاءه عين آخر ودله على جمع منهم فسار إليهم واستلحمهم أجمعين واستنقـذ مـن معهـم مـن المسلميـن وكان فيهم أهل الجراح وولده فحملهم إلى باجروان‏.‏ ثم زحف إليهـم جموع الخزر مع ابن ملكهم والتقوا بأرض زرند واشتد القتال والسبي من معسكر الكفار فبكى المسلمون رحمة لهم وصدقوا الحملـة‏.‏ فانهـزم الكفـار وأتبعهـم المسلمـون إلـى نهـر أرس وغنموا ما كان معهم من الأموال واستنقذوا الأسرى والسبايا وحملوهم إلى باجروان ثم تناصر الخـزر فـي ملكهـم ورجعـوا فنزلـوا نهـر البيلقـان واقتتلـوا قتـالاً شديـداً‏.‏ ثـم انهزمـوا فكـان مـن غـرق أكثر ممـن قتـل وجمـع الحريشي الغنائم وعاد إلى باجروان فقسمها وكتب إلى هشام بالفتح‏.‏ واستقدمه وولى أخاه مسلمة على أرمينية وأذربيجان‏.‏وقعة الشعب بين الجنيد وخاقان وخرج الجنيد سنة اثنتي عشرة ومائة من خراسان غازياً إلى طخارستان وبعث إليها عمارة بن خزيم في ثمانية عشر ألفاً وبعث إبراهيم بن سام الليثي في عشرة آلاف إلى وجه آخر وحاشتك التركي‏.‏ وزحف بهم خاقان إلى سمرقند وعليها سورة بن أبجر فكتب إلى الهند مستغيثاً فأمر الجنيد بعبور النهر‏.‏ فقال له المجشر بن مزاحم السلمي وابن بسطام الأزدي إن الترك ليسوا كغيرهم وقد مزقت جندك‏.‏ فسلم ابـن عبـد الرحمـن بالنبـراود والبختـري بهـراة وعمـارة بـن حزيـم بطخارستـان‏.‏ ولا تعبـر النهر في أقل من خمسين ألفاً‏.‏ فاستقدم عمارة وأمهل فقـال أخـي علـى سـورة وعبـر الجنيـد فنـزل كـش وتأهـب للسيـر‏.‏ وغـور التـرك الآبـار في طريق كش وسار الجنيد على التعبية واعترضه خاقان ومعه أهل الصغد وفرغانة والشاش وحملوا على مقدمته وعليها عثمان بن عبد الله بن الشخير فرجعوا والترك في اتباعهم‏.‏ثم حملوا على المدينة وأمدهم الجنيد بنصر بن سيار وشدوا على العدو وقتل أعياناً منهم‏.‏ وأقبل الجنيد على الميمنة وأقبل تحت راية الأزد فقال له صاحب الراية‏:‏ ما قصدت كرامتنا لكن علمت أنا لا نصل إليك ومنا عين تطرف فصبروا وقاتلوا حتى كلت سيوفهم‏.‏ وقطع عبيدهم الخشب فقاتلوا بها حتى أدركهم الملل وتعانقوا ثم تحاجزوا وهلك من الأزد في ذلك المعتـرك نحـو مـن ثمانيـن فيهـم عبـد اللـه بـن بسطـام ومحمـد بـن عبـد الله بن جودان والحسين بن شيخ ويزيد بن المفضل الحراني‏.‏ وبينا الناس كذلك إذ طلعت أوائل عسكر خاقان فنـادى منـادي الجنيـد بالنـزول فترجلـوا وخنـدق كل كائن على رجاله‏.‏ وقصد خاقان جهة بكر بن وائل وعليهم وأشـار أصحـاب الجنيـد عليـه بـأن يبعـث إلـى سورة بن أبجر من سمرقند ليتقدم الترك إليه ليكون لهـم شغـل بـه عن الجنيد وأصحابه‏.‏ فكتب يستقدمه فاعتذر فأعاد عليه وتهدده وقال‏:‏ اخرج وسـر مـع النهـر لا تفارقـه فلمـا خرج هو استبعد طريق النهر واستخلف على سمرقند موسى بن أسـود الحنظلـي‏.‏ وسـار محمـد فـي اثنـي عشـر ألفـاً حتـى إذا بقـي بينـه وبيـن الجنيـد وعساكـره فرسـخ لقيه خاقان عند الصباح وحال بينهم وبين الماء وأضرم النار في اليبس حواليهم فاستماتوا وحملـوا وانكشف الترك وأظلم الجو بالعجاج‏.‏ وكان من وراء الترك لهب سقط فيه جميع العدو والمسلمـون وسقـط سـورة فاندقـت فخـذه‏.‏ ثـم عطـف التـرك فقتلـوا المسلميـن ولم يبق منهم إلا القليل وانحاش بالناس المهلب بن زياد والعجمي في ستمائة أو ألف ومعه قريش بن عبد الله العبدي إلى رستاق المرغاب وقاتلوا بعض قصوره فأصيب المهلب وولوا عليهم الرحب بن خالد‏.‏ وجاءهم الأسكيد صاحب نسف وغورك ملك الصغد فنزلوا معه إلى خاقان فلم يجز أمان غورك وقتلهم ولم ينج منهم أحد‏.‏ ثم خرج الجنيد من الشعب قاصداً سمرقند وأشار عليه مجشر بن مزاحم بالنزول فنزل ووافقته جموع الترك‏.‏ فجال الناس جولة وصبر المسلمون وقاتل العبيد وانهزم العدو‏.‏ ومضى الجنيد إلى سمرقند فحمل العيالات إلى مرو وأقام بالصغد أربعة أشهر‏.‏ وكان صاحب الرأي بخراسان في الحرب المجشر بن مزاحم السلمي وعبد الرحمن بن أصبح المخزومي وعبيد الله بن حبيب الهجري‏.‏ ولما انصرفت الترك بعث الجنيد نهار بن توسعـة بـن تيـم اللـه وزميـل بـن سويـد بـن شيـم بالخبر‏.‏ وتحامل فيه على سورة بن أبجر بما عصاه مـن مفارقة النهر حتى نال العدو منه‏.‏ فكتب إليه هشام قد بعث إليك من المدد عشرة آلاف من البصرة ومثلها من الكوفة وثلاثون ألف رمح ومثلها سيفاً‏.‏ وأقام الجنيد بسمرقند وسار خاقـان إلـى بخـارى وعليهـا قطن بن قتيبة بن مسلم فخاف عليه من الترك‏.‏ واستشار عبد الله بن أبي عبد الله مولى بن سليم بعد أن اختلف عليه أصحابه فاشترط عليه أن لا يخالفه‏.‏ فأشـار بحمـل العيالـات مـن سمرقنـد فقدمهم واستخلف بسمرقند عثمان بن عبد الله بن الشخير في أربعمائه فارس وأربعمائه راجل ووفر أعطياتهم‏.‏ وسار العيالات في مقدمته حتى من الضيـق ودنـا من الطواويس فأقبل إليه خاقان بكير ميمنة أول رمضان سنة اثنتي عشرة واقتتلوا قليلاً‏.‏ ثم رجع الترك وارتحل من الغد فاعترضه التـرك ثانيـاً وقتـل مسلـم بـن أحـوز بعـض عظمائهم فرجعوا من الطواويس‏.‏ ثم دخل الجنيد بالمسلمين بخارى وقدمت الجنود من البصرة والكوفة فسرح الجنيد معهم حورثة بن زيد العنبري فيمن انتدب معه‏.‏

  ولاية عاصم علي خراسان وعزل الجنيد

بلغ هشاماً سنة ست عشرة أن الجنيد بن عبد الرحمن عامل خراسان تزوج بنت يزيد بن المهلب فغضب لذلك وعزله وولى مكانه عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي وكان الجنيد قد مرض بالاستسقاء‏.‏ فقال هشام لعاصم إن أدركته وبه رمق فأزهق نفسه فلما قدم عاصم وجده قد مات وكانت بينهما عداوة فحبس عمارة بن حزيم وكان الجنيد استخلفه وهو ابن عذبة فعذبه عاصم وعذب عمال الجنيد‏.‏

  ولاية مروان بن محمد على أرمينية وأذربيجان

لمـا عـاد مسلمـة مـن غـزو الخـزر وهـم التركمـان إلـى بلـاد المسلمين وكان في عسكره مروان بن محمد بن مروان فخرج مختفياً عنه إلى هشام وشكا له من مسلمة وتخاذله عن الغزو وما أدخـل بذلـك علـى المسلميـن مـن الوهـم‏.‏ وبعث إلى العدو بالحرب وأقام شهراً حتى استعدوا وحشدوا ودخل بلادهم فلم يكن له فيهم نكاية وقصد أراد السلامة ورغب إليه بالغزو إليهم لينتقم منهم وأن يمده بمائة وعشرين ألف مقاتل ويكتم عليه‏.‏ فأجابه لذلك وولاه على أرمينية فسار إليها وجاءه المدد من الشام والعراق والجزيرة‏.‏ فأظهر أنه يريد غزو اللان وبعث إلى ملك الخزر فـي المادنـة فأجـاب وأرسـل رسلـه لتقرير الصلح فأمسكهم مروان إلى أن تجهز وودعهم وسار إلى أقرب الطرق‏.‏ فوافاهم ورأى ملك الخزر أن اللقاء على تلك الحال غرر فتأخر إلـى أقصـى بلاده‏.‏ودخل مروان فأوغل فيها وخرب وغنم وسبى إلى آخرها‏.‏ ودخل بلاد ملك السرير وفتح قلاعها وصالحوه علـى ألـف رأس نصفهـا غلمـان ونصفهـا جـواري ومائـة ألـف مـد تحمـل إلـى البـاب‏.‏ وصالحـه أهل تومان على مائة رأس نصفين وعشرين ألف مد‏.‏ ثم دخل أرض وردكران فصالحوه‏.‏ ثم أتى حمرين وافتتح حصنهم ثم أتى سبدان فافتتحها صلحاً ثم نزل صاحب اللكـز فـي قلعتـه وقـد امتنـع مـن أداء الوظيفـة فخرج يزيد ملك الخزر فأصيب بسهم ومات وصالح أهل اللكز مروان وأدخل عامله وسار مروان إلى قلعة سروان فأطاعوا وسار إلى الرودانية فأوقع بهم ورجع‏.‏

  خلع الحارث بن شريح بخراسان

كـان الحـارث هذا عظيم الأزد بخراسان فخلع سنة ست عشرة ولبس السواد ودعا إلى كتاب الله وسنة نبيه والبيعة للرضا على ما كان عليه دعاة بني العباس هناك‏.‏ وأقبل إلى الغاربات وجاءته رسل عاصم مقاتل بن حيان النبطي والخطاب بن محرز السلمي فحبسهما وفروا من السجـن إلى عاصم بدم الحارث وغدره‏.‏ وسار الحارث من الغاربات إلى بلخ وعليها نصر بن سيار والنجيبي فلقياه في عشرة آلاف وهو في أربعة فهزمهم وملك بلخ واستعمـل عليهـا سليمان بـن عبـد اللـه بـن حـازم‏.‏ وسـار إلـى الجوزجـان عليهـا ثـم سـار إلـى مـرو ونمـي إلـى عاصـم أن أهـل مرو يكاتبونه فاستوثق منهم بالقسامة وخرج وعسكر قريباً من مرو وقطع الجسور‏.‏ وأقبل الحارث في ستين ألفاً ومعه فرسان الأزد وتميم ودهاقين الجوزجان والغاربات وملك الطالقان وأصلحـوا القناطـر ثـم نـزع محمـد بـن المثنـى فـي ألفيـن مـن الـأزد وحمـاد بن عامر الجابي في مثلها من بنـي تميـم إلـى عاصـم ولحقـوا بـه ثم اقتتلوا‏.‏ فانهزم الحارث وغرق كثير من أصحابه في نهر مرو وقتلـوا قتـلاً ذريعـاً‏.‏ وكـان ممـن غرق حازم‏.‏ ولما قطع الحارث نهر مرو ضرب رواقه واجتمع إليه بها ثلاثة آلاف فارس وكف عاصم عنهم‏.‏

  ولاية أسد القسري الثانية بخراسان

كتب عاصم إلى هشام سنة سبع عشرة أن خراسان لا تصلح إلا أن تضم إلى العراق ليكون مددها قريب الغوث فضم هشام خراسان إلى خالد بن عبد الله القسري وكتب إليه ابعث أخاك يصلح ما أفسد فبعث خالد أخاه أسداً فسار على مقدمته محمد بن مالك الهمداني‏.‏ ولما بلغ عاصم الخبر راود الحارث بن شريح على الصلح وأن يكتبا جميعاً إلى هشام يسألانه الكتـاب والسنة فإن أبى اجتمعا‏.‏ وأبى بعض أهل خراسان ذلك فانتقض بينهما واقتتلا فانهزم الحارث وأسر من أصحابه كثير قتلهم عاصم‏.‏ وبعث بالفتح إلى هشام مع محمد بن مسلم العنبري فلقيه أسد بالري‏.‏ وجاء إلى خراسان فبعث عاصماً وطلبه بمائة ألف درهم وأطلق عمارة بن حزيم وعمال الجنيد ولم يكن لعاصم بخراسان إلا مرو ونيسابور‏.‏ وكانت مرو الروذ للحـارث وواصـل لخالـد بن عبيد الله الهجري على مثل رأي الحارث‏.‏ فبعث أسد عبد الرحمن بـن نعيـم فـي أهـل الكوفـة والشـام إلـى الحـارث وسـار هـو بالنـاس إلـى آمـد‏.‏ فخـرج إليـه زياد القرشي مولى حيان النبطي في العسكر فهزمهم أسد وحاصرهم حتى سألوا الأمان واستعمل عليهم يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيباني وسار إلى بلخ‏.‏ وقد بايعوا سليمان بن عبد الله بن حازم فسـار حتـى قدمهـا‏.‏ ثم سار منها إلى ترمذ والحارث محاصر لهما‏.‏ وأعجزه وصول المدد إليها فخرج إلى بلخ وخرج أهل ترمذ فهزموا الحارث وقتلوا أكثر أصحابه‏.‏ثم سار أسد إلى سمرقند ومر بحصن زم وبه أصحاب الحارث فبعث إليهم وقال إنما نكرتم منـا سوء السيرة ولم يبلغ ذلك النساء واستحلال الفروج ولا مظاهر المشركين على مثل سمرقند وأعطـاه الأمـان علـى تسليـم سمرقنـد‏.‏ وهـدده إن قاتـل بأنـه لا يؤمنـه أبداً‏.‏ فخرج إلى الأمان وسار معـه إلـى سمرقنـد فنزلهـم علـى الأمـان‏.‏ ثـم رجـع أسد إلى بلخ وسرح جديعاً الكرماني إلى القلعة التي فيها ثقل الحارث وأصحابه في طخارستان فحاصرها وفتحها وقتل مقاتلهم ومنهم بنو بزري من ثعلب أصحاب الحارث‏.‏ وباع سبيهم في سوق بلخ وانتقض على الحارث أربعمائة وخمسون من أصحابه بالقلعة ورئيسهم جرير بن ميمون القاضي‏.‏ فقال لهم الحارث إن كنتم مفارقي ولا‏.‏ بد فاطلبوا الأمان وإن طلبتموه بعد رحيلي لا يعطونـه لكـم فأبـوا إلا إن ارتحـل فبعثـوا بالأمـان فلـم يجبهـم إليـه‏.‏ وسـرح جديعـة الكرمانـي فـي ستـة آلـاف فحصرهـم حتـى نزلوا على حكمه‏.‏ وحمل خمسين منهم إلى أسد فيهم ابن ميمون القاضي‏.‏ فقتلهم وكتب إلى الكرماني بإهلاك الباقين واتخذ أسد مدينة بلخ داراً ونقل إليها الدواوين‏.‏ ثم عزا طخارستـان وأرض حبونة فغنم وسبى‏.‏

  مقتل خاقان

ولمـا كانـت سنـة تسع عشرة غزا أسد بن عبد الله بلاد الختل فافتتح منها قلاعاً وامتلأت أيدي العسكر من السبي والشاء‏.‏ وكتب ابن السائحي صاحب البلاد يستجيش خاقان على العرب ويضعفهم له فتجهز وخفف من الأزودة استعجالاً للعرب‏.‏ فلما أحسن به ابن السائحي بعث بالنذير إلى أسد فلم يصدقه فأعاد عليه أني الذي استمددت خاقان لأنك معرت البلاد‏.‏ ولا أريد أن يظفر بك خشية من معاداة العرب واستطالة خاقان علي فصدقه حينئذ أسد وبعث الأثقال مع إبراهيم بن عاصم العقيلي الذي كان ولي سجستان وبعث معه المشيخة كثير بن أميـة وأبـا سفيـان بـن كثيـر الخزاعـي وفضيل بن حيان المهري وغيرهم وأمدهما بجند آخر‏.‏ وجاء في أثرهـم فانتهـى إلـى نهـر بلـخ وقـد قطعـه إبراهيـم بـن عاصـم بالسبـي والأثقـال فخـاض النهـر مـن ثلاثـة وعشرين موضعاً وحمل الناس شياههم حتى حمل هو شاة فما استكمل العبور حتى طلعت عليهـم التـرك وعلـى المسلحـة الـأزد وتميـم‏.‏ فحمـل خاقـان عليهـم فانكشفوا فرجع أسد إلى عسكره وخندق‏.‏وظنوا أن خاقان لا يقطع النهر فقطع النهر إليهم وقاتله المسلمون في معسكرهم وباتوا والترك محيطـون بهـم‏.‏ فلمـا أصبحـوا لـم يـروا منهـم أحـداً فعلمـوا أنهـم اتبعـوا الأثقـال والسبـي واستعملوا علمها من الطلائع فشاور أسد الناس فأشاروا بالمقام وأشار نصر بن سيار باتباعهم يخلص الأثقال ويقطع شقة لا بد من قطعها فوافقه أسد وطير النذير إلى إبراهيم بن عاصم وصبح خاقان للأثقـال وقـد خندقـوا عليهـم‏.‏ فأمر أهل الصغد بقتلهم فهزمتهم مسلحة المسلمين فصعد على تل حتى رأى المسلمين من خلفهم‏.‏ وأمـر التـرك أن يأتوهـم مـن هنالـك ففعلـوا وخالطوهـم فـي معسكرهـم وقتلـوا صاغان خذاه وأصحابه وأحسوا بالهلاك‏.‏ وإذا بالغبار قد رهج والترك يتنحون قليلاً قليلاً‏.‏ وجـاء أسـد ووقـف على التل الذي كان‏.‏ عليه خاقان‏.‏ وخرج إليه بقية الناس وجاءته امرأة صاغان خذاه معولـة فأعـول معهـا ومضـى خاقـان يقـود أسـرى المسلميـن فـي الآفـاق ويسـوق الإبـل الموقـورة والجواري‏.‏ وأراد أهل العسكر قتالهم فمنعهم أسد‏.‏ ونادى رجل من عسكر خاقان وهو من أصحاب الحارث بن شريح يعير أسداً ويحرضه ويقول‏:‏ قد كان لك عن الختل مندوحة وهي أرض آبائي وأجدادي قد كان ما رأيت ولعل الله ينتقم منك‏.‏ومضى أسد إلى بلخ فعسكر في مرجها حتى جاء الشتاء فدخل البلد وشتى فيها‏.‏ وكان الحارث بن شريح بناحية طخارستان فانضم إلى خاقان وأغراه بغزو خراسان وزحفوا إلى بلخ‏.‏ وخرج أسد يوم الأضحى فخطب النـاس وعرفهـم بـأن الحـارث بـن شريـح استجلـب الطاغية ليطفىء نور الله ويبدل دينهم وحرضهم على الاستنصار بالله‏.‏ وقال أقرب ما يكون العبـد للـه ساجـداً‏.‏ ثـم سجـد وسجـد الناس وأخلصوا الدعاء وخرج للقائهم وقد استمد خاقان من وراء النهر وأهل طخارستان وحبونة في ثلاثين ألفاً وجاء الخبر إلى أسد وأشار بعض النـاس بالتحصـن منهـم بمدينـة بلـخ واستمد خالد وهشام وأبي الأسد إلا اللقاء فخرج واستخلف على بلخ الكرماني ابن علي‏.‏ وعهد إليه أنه لا يدع أحداً يخرج من المدينة‏.‏ واعتزم نصر بن سيـار والقاسـم بـن نجيـب وغيرهـم علـى الخـروج فـأذن لهـم وصلى بالناس ركعتين وطول‏.‏ ثم دعا وأمر الناس بالدعاء ونزل من وراء القنطرة ينتظر من تخلف‏.‏ ثم بدا له وارتحل فلقي طليعة خاقـان وأسـر قائدهـم‏.‏ وسـار حتـى نـزل على فرسخين من الجوزجان‏.‏ ثم أصبحوا وقد تراءى الجمعان وأنزل أسد الناس ثم تهيأ للحرب ومعه الجوزجان اه‏.‏وحملـت الترك على الميسرة فانهزموا إلى رواق أسد فشدت عليهم الأسد وبنو تميم والجوزجان من الميمنة فانكشفوا إلى خاقان وقد انهزم والحارث معه‏.‏ وأتبعهم الناس ثلاثة فراسخ يقتلونهم واستاقوا مائة وخمسين ألفاً من الشاء ودواب كثيرة‏.‏ وسلك خاقان غير الجادة والحارث بن شريـح ولقيهـم أسـد عنـد الطريق وسلك الجوزجان بعثمان بن عبد الله بن الشخير طريقاً يعرفها حتى نزلوا على خاقان وهو آمن فتركوا الأبنية والقدور تغلي وبناء العرب والموالي والعسكر مشحون من آنية الفضة وركب خاقان والحارث يمانع عنه‏.‏ وأعجلوا امرأة خاقان عن الركوب فقتلها الخصي الموكل بها‏.‏ وبعث أسد بجوار الترك دهاقين خراسان يفادون بها أسراهم وأقام خمسة أيام وانصرف إلى بلخ لتاسعة من خروجه‏.‏ ونزل الجوزجان وخاقان هارب أمامه‏.‏ وانتهى خاقان إلى جونة الطخاري فنزل عليه وانصرف أسد إلى بلخ وأقام خاقان عند جونة حتى أصلح آلته وسار وسبية بها‏.‏ فأخذه جد كاوش أبو فشين فأهدى إليه وأتحفه وحمل أصحابـه يتخـذ بذلك عنده يداً‏.‏ ثم وصل خاقان بلاده وأخذ في الاستعداد للحرب ومحاصرة سمرقند وحمل الحارث وابن شريح وأصحابه على خمسة آلاف برذون ولاعب خاقان بالنرد كورصول يومـاً فغمـزه كورصـول فأنـف وتشاجـر فصـك كورصـول يـد خاقـان فحلـف خاقـان ليكسرن يده فتنحى وجمع‏.‏ثم بيت خاقان فقتله وافترق الترك وحملوه وتركوه بالعراء فحمله بعض عظمائهم ودفنه‏.‏ وكان أسد بعث بالفتح من بلخ إلى خالد بن عبد الله فأخبره وبعث به إلى هشام فلم يصدقه ثم بعـده القاسـم بن نجيب بقتل خاقان فبعث قيس أسداً وخالداً وقالوا لهشام‏:‏ استقدم مقاتل بن حيـان‏.‏ فكتـب بذلـك إلـى خالـد فأرسل إلى أسد أن يبعث به فقدم على هشام والأبرش وزيره جالـس عنـده فقـص عليـه الخبـر فسـر بذلـك وقال لمقاتل‏:‏ ما حاجتك قال يزيد بن المهلب أخذ من حيان أبي مائة ألف درهم بغير حق فأمر بردها علي‏.‏ فاستخلفه وكتب له بردها وقسمها مقاتل بين ورثة حيان‏.‏ ثم غزا أسد الختل بعد مقتل خاقان وقدم مصعب بن عمر الخزاعي إليها فسار إلى حصن بدر طرخان فاستأمن له أن يلقى أسداً فأمنه وبعث إلى أسد فسأل أن يقبل منه ألف درهم وراوده على ذلك فأبى أسد ورده إلى مصعب ليرده إلى حصنه فقال له مسلمة بن أبي عبد اللـه‏:‏ وهـو مـن الموالـي إن أميـر المؤمنيـن سينـدم علـى حبسـه‏.‏ ثـم أقبـل أسـد بالناس ووعد له المجشر بن مزاحم بدر طرخان أو قبول ما عرض فندم أسد وأرسل إلى مصعب يسأل عنه فوجده مقيمـاً عنـد مسلمـة فجـيء بـه وقطعـت يـده‏.‏ ثم أمر رجلاً من الأسد كان بدر طرخان قتل أباه فضرب عنقه وغلب على القلعة وبعث العساكر في بلاد الختـل فامتلـأت أيديهـم مـن الغنائـم والسبي وامتنع ولد بدر طرخان وأمواله في قلعة فوق بلدهم صغيرة فلم يوصل إليهم‏.‏

  وفاة أسد

وفـي ربيـع الـأول سنـة عشريـن توفـي ابـن عبـد اللـه القسـري بمدينـة بلخ واستخلف جعفر بن حنظلة النهرواني فعمل أربعة أشهر ثم جاء عهد نصر بن سيار بالعمل في رجب‏.‏

  ولاية يوسف بن عمر الثقفي على العراق

وعزل خالد وفـي هذه السنة عزل هشام خالداً من أعماله جميعها بسعاية أبي المثنى وحسان النبطي وكانا يتوليان ضياع هشام بالعراق فثقلا على خالد وأمر الأشدق بالنهوض على الضياع‏.‏ وأنهـى ذلـك حسـان بعـد أبـي المثنـى وأن غلتـه فـي السنـة ثلاثـة عشـر ألف ألف فوقرت في نفس هشام‏.‏ وأشار عليه بلال بن أبي بردة والعريان بن الهيثم أن يعرض أملاكه على هشام ويضمنون له الرضا فلم يجبهم‏.‏ ثم شكا من خالد بعض آل عمر والأشدق بأنه أغلظ له في القول بمجلسه فكتب إليه هشام يوبخه ويأمره بأن يمشي ساعياً على قدميه إلى بابه ويترضاه‏.‏ ونميـت عنـه مـن هـذا أقـوال كثيـرة وأنـه يستقـل ولايـة العراق فكتب إليه هشام يا ابن أم خالد بلغني أنك تقول ما ولاية العراق لي بشرف يا ابن اللخناء كيف لا تكون إمرة العراق لك شرفاً وأنت من بجيلة القليلة الذليلة أما والله إني لأظن أن أول من يأتيك صقر من قريش يشد يديك إلى عنقـك‏.‏ ثـم كتـب إلـى يوسـف بـن عمـر الثقفـي وهـو باليمـن يأمـره أن يقـدم فـي ثلاثيـن مـن أصحابـه إلـى العراق فقد ولاه ذلك‏.‏ فسار إلى الكوفة ونـزل قريبـاً منهـا وقـد ختـن طـارق خليفـة خالـد بالكوفة ولده وأهدى إليه وصيفاً ووصيفة سوى الأموال والثياب‏.‏ ومر يوسف وأصحابه ببعض أهل العراق فسألوهم فعرضوا وظنوهم خوارج وركب يوسف إلى دور ثقيف فكتموا ثم جمع يوسف بالمسجد من كان هنالك من مضر ودخل مع الفجر فصلى وأرسل إلى خالد وطارق فأخذهما‏.‏ وقيل إن خالداً كان بواسط وكتب إليه بالخبر بعـض أصحابـه مـن دمشـق فركـب إلـى خالـد وأخبـره بالخبـر وقـال‏:‏ اركب إلى أمير المؤمنين واعتذر إليه قال لا أفعل بغير إذن قال فترسلني أستأذنه‏.‏ قال‏:‏ لا قال فاضمن له جميع ما انكسر في هذه السنين وآتيك بعهده وهي مائة ألف ألف‏.‏ قال‏:‏ والله ما أجد عشرة آلاف ألف‏.‏ قال أتحملها أنا وفلان وفلان قال لا أعطي شيئاً وأعود فيه‏.‏ فقال طارق‏:‏ إنما نقيك ونقي أنفسنا بأموالنا ونستبقي الدنيا وتبقى الدنيا عليك وعلينا خير من أن يجيء من يطالبنا بالأموال وهي عند الكوفة فنقتل ويأكلوا الأموال‏.‏ فأبى خالد من ذلك كله فودعـه طـارق ومضـى وبكـى ورجع إلى الكوفة‏.‏ وخرج خالد إلى الحمة وجاء كتاب هشام بخطه إلى يوسف بولاية العراق وأن يأخـذ ابـن النصرانية يعني خالداً وعماله فيعذبهم فأخذ الأولاد وسار من يومه واستخلف على اليمن ابنه الصلت‏.‏ وقدم في جمادى الأخيرة سنة عشرين ومائة فنزل النجف وأرسل مولى كيسـان فجـاء بطـارق ولقيـه بالحيرة فضربه ضرباً مبرحاً ودخل الكوفة‏.‏ وبعث عثمان عطاء بن مقدم إلى خالد بالحمة فقدم عليه وحبسه وصالحه عنه أبان بن الوليد وأصحابه على سبعة آلـاف ألـف‏.‏ وقيـل أخـذ منـه مائـة ألـف وكانت ولايته العراق خمس عشرة سنة‏.‏ ولما ولي يوسف نزلت الذلة بالعراق في العرب وصار الحكم فيه إلى أهل الذمة‏.‏

  ولاية نصر بن سيار خراسان

وغزوه وصلح الصغد ولما مات أسد بن عبد الله ولى هشام على خراسان نصر بن سيار وبعث إليه على عهده عبد الكريم بن سليط الحنفي وقد كان جعفر بن حنظلة لما استخلفه أسد عند موته عرض علـى نصـر أن يوليـه بخـارى‏.‏ فقـال لـه البختـري بـن مجاهـد مولـى بنـي شيبـان لا تقبـل فإنـك شيـخ مضـر بخراسان وكان عهدك قد جاء على خراسان كلها فكان كذلك‏.‏ ولما ولي نصر استعمل على بلـخ مسلـم بـن عبـد الرحمـن وعلـى مـرو الـروذ وشـاح بـن بكيـر بـن وشـاح وعلـى هراة الحرث بن عبد اللـه بـن الحشـرج وعلـى نيسابور زياد بن عبد الرحمن القسري وعلى خوارزم أبا حفص علي بن حقنـة وعلـى الصغـد قطـن بـن قتيبـة‏.‏ وبقـي أربـع سنيـن لا يستعمل في خراسان إلا مضرياً فعمرت عمارة لم تعمر مثلها وأحسن الولاية والجباية‏.‏ وكـان وصـول العهـد إليـه بالولايـة في رجب سنة عشرين فغزا غزوات أولها إلى ما وراء النهر من نحو باب الحديد‏.‏ وسار إليها من بلخ ورجع إلى مرو فوضع الجزية على من أسلم من أهل الذمـة وجعلهـا على من كان يخفف عنه منهم‏.‏ وانتهى عددهم ثلاثين ألفاً من الصنفين وضعت عـن هـؤلاء وجعلـت علـى هؤلاء ثم غزا الثانية إلي سمرقند ثم الثالثة إلى الشاش سار إليها من مرو ومعه ملك بخارى وأهل سمرقند وكش ونسف في عشرين ألفاً‏.‏ وجـاء إلـى نهـر الشـاش فحـال بينه وبين عبوره كورصول عسكر نصر في ليلة ظلماء ونادى نصر لا يخرج أحد‏.‏ وخرج عاصم بن عمير في جند سمرقند فجاولته خيل التـرك ليـلاً وفيهـم كورصـول فأسـره عاصـم وجـاء بـه إلى نصر فقتله وصلبه على شاطىء النهر فحزنت الترك لقتله وأحرقوا أبنيته وقطعوا آذانهم وشعورهم وأذناب خيولهـم‏.‏ وأمـر نصـر بإحـراق عظامـه لئـلا يحملوهـا بعـد رجوعـه‏.‏ ثـم سـار إلـى فرغانـة فسبـى منها ألف رأس وكتب إليه يوسف بن عمران ليسير إلى الحارث بن شريح في الشاش ويخرب بلادهم ويسبيهم‏.‏ فسار لذلك وجعل على مقدمته يحيى بـن حصيـن وجـاء بهـم إلـى الحـارث وقاتلهـم وقتـل عظيمـاً مـن عظمـاء التـرك وانهزموا‏.‏ وجـاء ملـك الشـاش فـي الصلـح والهدنـة والرهـن‏.‏ واشتـرط نصر عليه إخراج الحارث بن شريح من بلده فأخرجـه إلـى فـاراب‏.‏ واستعمـل علـى الشـاش بنـزل بـن صالـح مولـى عمـرو بـن العـاص‏.‏ ثـم سـار إلى أرض فرغانة وبعث أمه في إتمام الصلح فجاءت لذلك وأكرمها نصر وعقد لها ورجعت‏.‏ وكـان الصغـد لمـا قتـل خاقـان طمعوا في الرجعة إلى بلادهم فلما ولي نصر بعث إليهم في ذلك وأعطوه ما سألوه من الشروط وكان أهل خراسان قد نكروا شروطهم وكان منها أن لا يعاقب من ارتد عن الإسلام إليهم ولا يؤخذ منهم أسرى إلا ببينة وحكم وعاب الناس ذلك علـى نصر لما أمضاه لهـم‏.‏ فقـال‏:‏ لـو عاينتـم شكوتهـم فـي المسلميـن مثـل مـا عاينـت مـا أنكرتـم‏.‏ وأرسـل إلـى ظهور زيد بن علي ومقتله ظهر زيد بن علي بالكوفة خارجاً على هشام داعياً للكتاب والسنـة وإلـى جهـاد الظالميـن والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين والعدل في قسمة الفيء ورد المظالم وأفعال الخير ونصر أهل البيت‏.‏ واختلف في سبب خروجه فقيل‏:‏ إن يوسف بن عمر لما كتب في خالد القسري كتب إلى هشام أنه شيعة لأهل البيت وأنه ابتاع من زيد أرضاً بالمدينة بعشرة آلاف دينار ورد عليه الأمن‏.‏ وأنه أودع زيداً وأصحابه الوافدين عليه مالاً فكان زيد قد قدم على خالـد بالعـراق هـو ومحمـد بـن عمـر بـن علي بن أبي طالب وداود بن علي بن عبد الله بن عباس فأجازهم ورجعوا إلى المدينة‏.‏ فبعث هشام عنهم وسألهم فأقروا بالجائزة وحلفوا على ما سوى ذلك وأن خالداً لم يودعهم شيئاً‏.‏ فصدقهم هشام وبعثهم إلى يوسف فقاتلوا خالداً وصدقهم الآخر وعادوا إلى المدينة ونزلوا القادسية‏.‏ وراسـل أهـل الكوفـة زيـداً فعـاد إليهـم وقيل في سبب ذلك‏:‏ إن زيداً اختصم مع ابن عمه جعفر بن الحسن المثنى في وقف علي وكانا يحضران عند عامل خالد بن عبد الملك بن الحارث‏.‏ فوقعت بينهما في مجلسه مشاتمة وأنكر زيد من خالد إطالته للخصومة وأن يستمع لمثل هذا فأغلـظ لـه زيـد وسـار إلـى هشـام فحجبـه ثـم أذن لـه بعد حين‏.‏ فحاوره طويلاً ثم عرض له بأنه ينكـر الخلـاف وتنقصـه‏.‏ ثـم قال له اخرج قال نعم ثم لا أكون إلا بحيث تكره فسار إلى الكوفة‏.‏ وقـال لـه محمـد بن عمر بن علي بن أبي طالب ناشدتك الله الحق بأهلك ولا تأت الكوفة وذكره بفعلهم مع جده وجده يستعظم ماوقع به‏.‏وأقبل الكوفة فأقام بها مستخفياً ينتقل في المنازل‏.‏ واختلف إليه الشيعة وبايعه جماعة‏:‏ منهم مسلمـة بـن كهيـل ونصـر بـن خزيمة العبسي ومعاوية بن إسحق بن زيد بن حارثة الأنصاري وناس مـن وجـوه أهـل الكوفـة يذكـر لهـم دعوتـه ثـم يقول أتبايعون على ذلك‏.‏ فيقولون نعم فيضع يده على أيديهم ويقول عهد الله عليك وميثاقه وذمته وذمة نبيه بيقين تتبعني ولا تقاتلني مع عدوي ولتنصحن لي في السـر والعلانيـة‏.‏ فـإذا قـال نعـم وضـع يـده فـي يـده ثـم قـال‏:‏ اللهـم اشهـد فبايعـه خمسـة عشر ألفاً وقيل أربعون‏.‏ وأمرهم بالاستعداد وشاع أمره في الناس وقيل‏:‏ إنه أقام في الكوفة ظاهراً ومعه داود بن علي بن عبد الله بن عباس لما جاؤوا لمقاتلة خالد فاختلف إليه الشيعة وكانت البيعة‏.‏ وبلغ الخبر إلى يوسف بن عمر فأخرجه من الكوفة ولحق الشيعة بالقادسية أو الغلبيـة وعذلـه داود بـن علـي فـي الرجـوع معـه وذكـره حـال جـده الحسين‏.‏ فقالت الشيعة لزيد‏:‏ هذا إنما يريد الأمر لنفسه ولأهل بيته فرجع معهم ومضى داود إلى المدينة‏.‏ ولما أتى الكوفة جاءه مسلمة بن كهيل فصده عن ذلك وقال أهل الكوفة لا يعولون ذلك‏.‏ وقد كـان مـع جـدك منهـم أضعـاف ممـا معـك ولـم تعادلـه وكـان أعـز عليهم منك على هؤلاء‏.‏ فقال له قد بايعوني ووجبت البيعة في عنقي وعنقهم‏.‏ قال فتأذن لي أن أخرج من هذا البلد فلا آمن أن يحدث حدث وأنا لا أهلك نفسي فخرج لليمامة‏.‏ وكتب عبد الله بن الحسن المثنى إلى زيد يعذله ويصده فلم يصغ إليه‏.‏ وتزوج نساء بالكوفة وكان يختلف إليهن والناس يبايعونه ثم أمر أصحابه يتجهزون‏.‏ ونمـي الخبـر إلـى يوسـف بـن عمـر فطلبـه وخـاف فتعجـل الخروج وكان يوسف بالحيرة وعلى الكوفة الحكم بن الصلت وعلى شرطته عمر بن عبد الرحمن من القاهرة ومعه عبيد الله بن عباس الكنـدي فـي ناس من أهل الشام‏.‏ ولما علم الشيعة أن يوسف يبحث عن زيد جاء إليه جماعة منهم فقالوا‏:‏ ما تقول في الشيخين فقال زيد‏:‏ رحمهما الله وغفر لهما وما سمعت أهل بيتي يذكرونهما إلا بخير‏.‏ وغاية ما أقول إنا كنا أحق بسلطان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس فدفعونا عنه ولم يبلغ ذلك الكفر وقد عدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنة‏.‏ قال‏:‏ فإذا كان أولئك لم يظلموك فلم تدعو إلى قتالهم فقال إن هؤلاء ظلموا المسلمين أجمعين فإنا ندعوهم إلى الكتاب والسنة وأن نحيي السنن ونطفىء البدع فإن أجبتم سعدتـم وإن أبيتـم فلست عليكم بوكيل‏.‏ ففارقوه ونكثوا بيعته وقالوا‏:‏ سبق الإمام الحق يعنون محمداً الباقر وأن جعفراً ابنه إمامنا بعده فسماهم زيد الرافضة ويقال إنما سماهم الرافضة حيث فارقوه‏.‏ ثـم بعـث يوسـف بـن عمـر إلـى الحكـم بـأن يجمـع أهـل الكوفـة فـي المسجد فجمعوا وطلبوا زيداً في دار معاويـة بـن إسحـق بن زيد بن حارثة فخرج منها ليلاً واجتمع إليه ناس من الشيعة وأشعلوا النيـران ونـادوا يـا منصـور حتـى طلع الفجر وأصبح جعفر بن أبي العباس الكندي فلقي اثنين من أصحـاب زيـد يناديان بشعاره فقتل واحداً وأتى بالآخر إلى الحكم فقتله وأغلق أبواب المسجد علـى النـاس‏.‏ وبعـث إلـى يوسـف بالخبـر فسـار مـن الحيـرة وقـدم الريـان بن سلمة الأراشي في ألفين خيالـة وثلثمائـة ماشيـة‏.‏ وافتقـد زيـد النـاس فقيـل إنهـم فـي الجامـع محصـورون ولم يجد معه إلا مائتين وعشرين‏.‏ وخرج صاحب الشرطة في خيله فلقي نصر بن خزيمة العبسي من أصحاب زيد ذاهباً إليه فحمل عليه نصر وأصحابه فقتلوه وحمل زيد على أهل الشام فهزمهم‏.‏ وانتهى إلى دار أنس بن عمر الأسدي ممن بايعه وناداه فلم يخرج إليه‏.‏ ثـم سـار زيـد إلـى الكناسـة فحمـل علـى أهل الشام فهزمهم ثم دخل الكوفة والرايات في أتباعه‏.‏ فلمـا رأى زيـد خذلـان الناس قال لنصر بن خزيمة أفعلتموها حسينية‏.‏ قال‏:‏ أما أنا فوالله لأموتن معك وإن الناس بالمسجد فامض بنا إليهم‏.‏ فجاء إلى المسجد ينادي بالناس بالخروج إليه‏.‏ فرماه أهل الشام بالحجارة من فوق المسجد فانصرفوا عند المساء‏.‏ وأرسل يوسف بن عمر مـن الغد العباس بن سعد المزني في أهل الشام فجاءه في دار الزرق وقد كان أوى إليها عند المساء‏.‏ فلقيه زيد بن ثابت فاقتتلوا فقتل نصر‏.‏ ثم حملوا على أصحاب العباس فهزمهم زيد وأصحابه وعباهم يوسف بن عمر من العشي ثم سرحهم فكشفهم أصحاب زيد ولم تثبت خيلهم لخيله‏.‏ وبعـث إليهـم يوسـف بـن عمر بالقادسية واشتد القتال وقتل معاوية بن زيد‏.‏ ثم رمي زيد عند المساء بسهم أثبته فرجع أصحابه وأهل الشام يظنون أنهم تحاجزوا ولما نزع النصل من جبهته مات فدفنوه وأجروا عليه الماء‏.‏ وأصبح الحكم يوم الجمعة يتبع الجرحى من الدور ودله بعض الموالي على قبر زيد فاستخرجه وقطع رأسه وبعث بها إلى يوسف بالحيرة فبعثه إلى هشام فنصبه على باب دمشق‏.‏ وأمر يوسف الحكم أن يصلب زيـداً بالكناسـة ونصـر بـن خزيمـة ومعاويـة بـن إسحـق ويحرسهـم‏.‏ فلمـا ولـي الوليـد أمـر بإحراقهـم واستجـار يحيى بن زيد بعبد الملك بن شبر بن مروان فأجاره حتى سكن المطلب ثم سار إلى خراسان في نفر من الزيدية‏.‏ ظهور أبي مسلم بالدعوة العباسية كان أهل الدعوة العباسية بخراسان يكتمون أمرهم منذ بعث محمد بن علي بن عبد الله بن عبـاس دعاتـه إلـى الآفـاق سنـة مائـة مـن الهجـرة أيـام عمـر بـن عبد العزيز لما مر أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ذاهباً وجائياً من الشام من عند سليمان بن عبد الملك فمرض عنده بالحميمة من أعمال البلقاء وهلك هنالك وأوصى له بالأمر‏.‏ وكان أبو هاشم قد علم شيعته بالعـراق وخراسـان وأن الأمـر صائـر فـي ولـد محمـد بـن علـي بن عبد الله بن عباس‏.‏ فلما مات أبو هاشـم قصـدت الشيعـة محمـداً وبايعـوه سـراً وبعث دعاته منهم إلى الآفاق‏.‏ وكان الذي بعث إلى العراق مسيرة ابن والي خراسان محمد بن حبيش وأما عكرمة السراج وهو أبو محمد الصادق وحيان العطار خال إبراهيم بن سلمة فجاؤوا إلى خراسان ودعوا إليه سراً وأجابهم الناس وجاؤوا بكتب من أجاب إلى مسيرة اه فبعـث بهـا إلـى محمـد واختار أبو محمد الصادق اثني عشر رجلاً من أهل الدعوة فجعلهم نقباء عليهـم وهـم‏:‏ سليمـان بـن كثير الخزاعي ولاهز بن قريط التميمي وأبو النجم عمران بن إسماعيل مولى أبي معيط ومالك بن الهيثم الخزاعي وطلحة بن زريق الخزاعي وأبو حمزة بن عمر بن أعيـن مولـى خزاعـة وأخـوه عيسـى وأبـو علي شبلة بن طهمان الهروي مولى بني حنيفة‏.‏ واختار بعـده سبعيـن رجـلاً وكتـب إليـه محمـد بـن علـي كتابـاً يكـون لهـم مثـالاً يقتدون به في الدعوة وأقاموا علـى ذلـك ثم بعث مسيرة رسله من العراق سنة اثنتين ومائة في ولاية سعيد خدينة وخلافة يزيد بن عبد الملك‏.‏ وسعى بهم إلى سعيد فقالوا نحن تجار فضمنهم قوم من ربيعة واليمن فأطلقهم‏.‏ وولد محمد ابنه عبد الله السفاح سنة أربع ومائة وجاء إليه أبو محمد الصادق في جماعة من دعـاة خراسـان فأخرجـه لهـم ابـن خمسة عشر يوماً وقال هذا صاحبكم الذي يتم الأمر على يده فقبلـوا أطرافـه وانصرفـوا‏.‏ ثـم دخـل معهـم فـي الدعـوة بكيـر بـن هامـان جـاء مـن السند مع الجنيد بن عبد الرحمن‏.‏ فلما عزل قدم الكوفة ولقي أبا عكرمة وأبا محمد الصادق ومحمد بن حبيش وعمـار العبـادي خـال الوليـد الـأزرق دعـاه إلـى خراسان في ولاية أسد القسري أيام هشام ووشى بهم إليه فقطع أيدي من ظفر به منهم وصلبه‏.‏ وأقبل عمار إلى بكير بن هامان فأخبره فكتب إلى محمد بن علي بذلك فأجابة‏:‏ الحمد لله الذي صدق دعوتكم ومقالتكم وقد بقيت فيكم قتلى ستعد‏.‏ ثم كان أول من قدم محمد بن علـي إلـى خراسـان أبـو محمـد زيـاد مولـى همـذان بعثـه محمـد بـن علـي سنـة تسعـة فـي ولايـة أسـد أيـام هشام وقال له‏:‏ انزل في اليمن وتلطف لمضر ونهاه عن غالب النيسابوري شيعة بني فاطمة‏.‏ فشتـى زيـاد بمـرو ثـم سعـى بـه إلـى أسـد فاعتـذر بالتجـارة ثـم عـاد إلـى أمـره‏.‏ فأحضره أسد وقتله فـي عشـرة مـن أهـل الكوفـة‏.‏ ثـم جـاء بعدهـم إلـى خراسان رجل من أهل الكوفة اسمه كثير ونزل على أبي الشحم وأقام يدعوا سنتين أوثلاثـة ثـم أخـذ أسـد بـن عبـد اللـه فـي ولايتـه الثانيـة سنـة سبـع عشرة‏.‏ أخذ سليمان بن كثير ومالك بن الهيثم وموسى بن كعب ولاهز بن قريط بثلاثمائة سوط وشهد حسن بن زيد الأسدي ببراءتهم فأطلقهم‏.‏ ثم بعث بكير بن هامان سنة ثماني عشر عمار بن زيد على شيعتهم بخراسان فنزل مرو وتسمـى بخـراش وأطاعـه النـاس‏.‏ ثـم نـزل دعوتهم بدعوة الخرمية فأباح النساء وقال‏:‏ إن الصوم إنما هو عن ذكر الإمام وأشار إلى إخفاء اسمه‏.‏ والصلاة الدعاء له والحج القصـد إليـه‏.‏ وكـان خـراش هـذا نصرانيـاً بالكوفـة واتبعـه علـى مقالته مالك بن الهيثم والحريش بن سليم‏.‏ وظهر أسد علـى خبـره وبلـغ الخبـر بذلـك إلـى محمـد بـن علي فنكر عليهم قبولهم من خراش وقطع مراسلتهم‏.‏ فقدم عليه ابن كثير منهم يستعلم خبره ويستعطفه على ما وقع منهم وكتب معه إليهم كتاباً مختومـاً لم يجدوا فيه غير البسملة فعلموا مخالفة خراش لأمره وعظم عليهم‏.‏ ثم بعث محمد بن بكيـر بـن أبـان وكتب معه بكذب خراش فلم يصدقوه فجاء إلى محمد وبعث مع عصيا مضببةً بعضهـا بالحديـد وبعضهـا بالنحـاس‏.‏ ودفـع إلـى كـل رجـل عصـاً فعلموا أنهم قد خالفوا السيرة فتابوا ورجعوا‏.‏ وتوفي محمد بن علي سنة أربع وعشرين وعهد إلى ابنه إبراهيم بالأمر وأوصى الدعاة بذلك وكانوا يسمونه الإمام‏.‏ وجاء بكير بن هامان إلى خراسان بنعيه والدعاء لإبراهيم الإمام سنة سـت وعشرين ومائة‏.‏ ونزل مرو ودفع إلى الشيعة والنقباء كتابه بالوصية والسيرة فقبلوه ودفعوا إليه ما اجتمع عندهم من نفقاتهم فقدم بها بكير على إبراهيم‏.‏ ثـم بعـث إليهـم أبـا مسلـم سنـة أربـع وعشريـن وقد اختلف في أوليته اختلافاً كثيراً‏.‏ وفي سبب اتصاله بإبراهيم الإمام أو أبيه محمد فقيل كان من ولد بزرجمهر ولد بأصبهان وأوصى به أبوه إلى عيسى بن موسى السراج فحمله إلى الكوفة ابن سبع سنين‏.‏ ونشأ بها واتصل بإبراهيم الإمام‏.‏ وكان اسم أبي مسلم إبراهيم بن عثمان بن بشار‏.‏ فسماه إبراهيم الإمام عبد الرحمن وزوجـة أبيـه أبـي النجـم عمـران بـن إسماعيـل مـن الشيعـة‏.‏ فبنـى بها بخراسان وزوج ابنته من محرز بن إبراهيم فلم يعقب‏.‏ وابنته اسماء من فهم بن محرز فأعقبت فاطمة وهي التي يذكرها الخرمية‏.‏ وقيل في اتصاله بإبراهيم الإمام‏:‏ إن أبا مسلم كان موسى السراج وتعلم منه صناعة السروج وكـان يتجهـز فيهـا بأصبهان والجبال والجزيرة والموصل‏.‏ واتصل بعاصم بن يونس العجلي صاحب عيسـى السراج وابن أخيه عيسى وإدريس ابني معقل وإدريس هو جد أبي دلف‏.‏ ونمي إلى يوسف بن عمران العجلي من دعاة بني العباس فحبسهم مع عمال خالد القسري‏.‏ وكان أبو مسلـم معهـم فـي السجـن بخدمتهـم وقبـل منهـم الدعـوة‏.‏ وقيـل لـم يتصـل بهم من عيسى السراج وإنما كان مـن ضيـاع بنـي العجلـي بأصبهـان أو الجبـل‏.‏ وتوجـه سليمـان بـن كثيـر ومالـك بـن الهيثـم ولاهـز بـن قريط وقحطبة بن شبيب من خراسان يريدون إبراهيم الإمام بمكة فمروا بعاصم بن يونس وعيسـى وإدريـس ابنـي معقـل العجلـي بمكانهـم مـن الحبـس فـرأوا معهـم أبـا مسلـم فأعجبهم وأخذوه‏.‏ ولقـوا إبراهيم الإمام بمكة فأعجبه فأخذه وكان يخدمه‏.‏ ثم قدم النقباء بعد ذلك على إبراهيم الإمـام يطلبـون أن يوجـه مـن قلبه إلى خراسان فبعث معه أبا مسلم‏.‏ فلما تمكن ونوى أمره ادعى أنه من ولد سليط بن عبد الله بن عباس‏.‏ وكان من أولية هذا الخبر أن جارية لعبد الله بن العباس ولدت لغير رشدة فحدها واستعبد وليدهـا وسمـاه سليطـاً فنشأ واختص بالوليد‏.‏ وادعى أن عبد الله بن عباس أقر بأنه ابنه وأقام البينـة علـى ذلـك‏.‏ وخاصـم علـي بـن عبـد اللـه فـي الميـراث وأذاه‏.‏ وكـان فـي صحابتـه عمـر الدن من ولد أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليها سليط بالخبر فاستعدت الوليد على علي فأنكر وحلف فنبشوا في البستان فوجدوه‏.‏ فأمر الوليد بعلي فضرب ليدله على عمر الدن‏.‏ ثم شفع فيه عباد بن زياد فأخرج إلى الحميمة‏.‏ لما ولي سليمان رده إلى دمشق‏.‏ وقيل إن أبا مسلم كان عبداً للعجليين وابن بكير بن هامان كان كاتباً لعمال بعض السند‏.‏ وقدم الكوفة فكان دعاة بني العباس فحبسوا وبكير معهم‏.‏ وكان العجليون في الحبس وأبو مسلم العبسي بن معقـل فدعاهـم بكيـر إلـى رأيـه فأجابـوه واستحسن الغلام فاشتراه من عيسى بن معقل بأربعمائة درهم وبعث به إلى إبراهيم الإمام فدفعـه إبراهيـم إلى موسى السراج من الشيعة‏.‏ فسمع منه وحفظ وصار يتردد إلى خراسان‏.‏ وقيل كان لبعض أهل هراة وابتاعه منه إبراهيم الإمام ومكث عنده سنين وكان يتردد بكتبه إلـى خراسـان‏.‏ ثـم بعثـه أميـراً علـى الشيعـة وكتـب إليهـم بالطاعة له وإلى أبي سلمة الخلال داعيهم بالكوفـة يأمره بإنفاذه إلى خراسان فنزل على سليمان بن كثير وكان من أمره ما يذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى‏.‏ ثم جاء سليمان بن كثير ولاهز بن قريط وقحطبة إلى مكة سنة سبع وعشرين بعشرين ألف دينار للإمام إبراهيم ومائتي ألف درهم ومسك ومتاع كثير ومعهم أبو مسلـم وقالـوا‏:‏ هـذا مولاك‏.‏ وكتب بكير بن هامان إلى الإمام بأنه أوصى بأمر الشيعة بعده لأبي سلمة حفص بن سليمـان الخلـال وهو رضى‏.‏ فكتب إليه إبراهيم بالقيام بأمر أصحابه وكتب إلى أهل خراسان بذلك فقبلوه وصدقوه وبعثوا بخمس أموالهم ونفقة الشيعة للإمام إبراهيم‏.‏ ثـم بعـث إبراهيـم فـي سنـة ثماني وعشرين مولاه أبا مسلم إلى خراسان وكتب له‏:‏ أني قد أمرته بأمـري فاسمعوا له وأطيعوا وقد أمرته على خراسان وما غلبت غليه فارتابوا من قوله ووفدوا على إبراهيم الإمام من قابل مكة وذكر له أبو مسلم أنهم لم يقبلوه‏.‏ فقال لهم‏:‏ قد عرضت عليكم الأمر فأبيتم من قبوله وكان عرضه على سليمان بن كثير ثم على إبراهيم بن مسلمة فأبوا‏.‏ وإني قد أجمع رأيي على مسلم وهو منا أهل البيت فاسمعوا له وأطيعوا‏.‏ وقال لأبي مسلـم انـزل فـي أهـل اليمـن وأكرمهـم‏.‏ فـإن بهـم يتـم الأمر وآتهم البيعة‏.‏ أما مضر فهم العدو الغريب واقتل من شككت فيه وإن قدرت أن لا تدع بخراسان من يتكلم بالعربية فافعل وارجع إلى سليمان بن كثير واكتف به مني وسرجه معهم فساروا إلى خراسان‏.‏