فصل: الخبر عن ثورة رافع بن مكن بن مطروح بطرابلس والفرياني بصفاقس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


 دولة يحيي بن تميم

ولما هلك تميم بن المعز ولي ابنه يحيى وافتتح أمره بافتتاح إقليبية وغلب عليها ابن محفوظ الثائر بها‏.‏ وثار أهل صفاقس على ابنه أبي الفتوح فلطف الحيلة في تفريق كلمتهم وراجع طاعة العبيديين ووصلته المخاطبات والهدايا‏.‏ وكان قد صرف همه إلى غزو النصارى والأساطيل البحرية فاستكثر منها واستبلغ في اقتنائها‏.‏ وردد البعوث إلى دار الحرب فيها حتى اتقته أمم النصرانية بالجزي من وراء البحر من بلاد إفريقية وجنوة وسردينية‏.‏ وكان له في ذلك آثار ظاهرة عزيزة‏.‏ وهلك فجأة في قصره سنة تسع وخمسمائة والله أعلم‏.‏ ولما هلك يحيى بن تميم ولي علي ابنه استقدم لها من صفاقس فقدم في خفارة أبي بكر بن أبي جابر مع عسكر ونظرائه من أمراء العرب‏.‏ وكان أعظم أمراء عساكر صنهاجة محاصرين لقصر الأجم فاجتمعوا إليه وتمت بيعته‏.‏ ونهض إلى حصار تونس حتى استقام أحمد بن خراسان على الطاعة وفتح جبل وسلات‏.‏ وكان ممتنعاً على من سلف من قومه فجرد إليه عسكراً مع ميمون بن زياد الصخري المعادي من أمراء العرب فافتتحوه وقتلوا من كان به‏.‏ ووصل رسول الخليفة من مصر بالمخاطبات والهدايا على العادة‏.‏ ثم نهض إلى حصار رافع بن مكن بقابس سنة إحدى عشرة وخمسمائة‏.‏ ودون لها قبائل فادغ من بني علي إحدى بطون رياح كما نذكره في أخبار رافع‏.‏ ثم حدثت الفتنة بينه وبين رجار صاحب صقلية بممالأة رجار لرافع بن كامل عليه وإمداده إياه بأسطوله يغير على ساحل علي بن يحيى ويرصد أساطيله فاستخدم علي بن يحيى الأساطيل وأخذ في الأهبة للحرب وهلك سنة خمس عشرة وخمسمائة والله أعلم‏.‏ دولة الحسن بن علي ولما هلك علي بن يحيى بن تميم ولي بعده ابنه الحسن بن علي غلاماً يفعة ابن اثنتي عشرة سنة وقام بأمره مولاه صندل‏.‏ ثم مات صندل وقام بأمره مولاه موفق‏.‏ وكان أبوه أصدر المكاتبة إلى رجار عند الوحشة يهدده بالمرابطين ملوك المغرب لما كان بينه وبينهم من المكاتبة‏.‏ واتفق أن غزا أحمد بن ميمون قائد أسطول المرابطين صقلية وافتتح قرية منها فسباها وقتل أهلها سنة ست عشرة فلم يشك رجار أن ذلك بإملاء من الحسن فنزلت أساطيله إلى المهدية وعليهم عبد الرحمن بن عبد العزيز وجرجي بن مخائيل الأنطاكي‏.‏ وكان جرجي هذا نصرانياً هاجر من المشرق وقد تعلم اللسان وبرع في الحساب‏.‏ وتهذب في الشام بأنطاكية وغيرها فاصطنعه تميم واستولى عليه وكان يحيى يشاوره‏.‏ فلما هلك تميم أعمل جرجي الحيلة في اللحاق برجار فلحق به وحظي عنده واستعمله على أسطوله فلما اعتزم على حصار المهدية بعثه لذلك فزحف في ثلثمائة مركب وبها عدد كثير من النصرانية فيهم ألف فارس‏.‏ وكان الحسن قد استعد لحربهم فافتتح جزيرة قوصرة وقصدوا إلى المهدية ونزلوا إلى الساحل وضربوا الأبنية وملكوا قصر الدهانين وجزيرة الأملس‏.‏ وتكرر القتال فيهم إلى أن غلبهم المسلمون وأقلعوا راجعين إلى صقلية بعد أن استمر القتل فيهم‏.‏ ووصل بأكثر ذلك محمد بن ميمون قائد المرابطين بأسطوله فعاث في نواحي صقلية واعتزم رجار على إعادة الغزو إلى المهدية‏.‏ ثم وصل أسطول يحيى بن العزيز صاحب بجاية لحصار المهدية ووصلت عساكره في البر مع قائده مطرف بن علي بن حمدون الفقيه فصالح الحسن صاحب صقلية ووصل يده به واستمد منه أسطوله‏.‏ واستمد الحسن أسطول رجار فأمده وارتحل مطرف إلى بلده‏.‏ وأقام الحسن مملكاً بالمهدية وانتقض عليه رجار وعاد إلى الفتنة معه ولم يزل يردد إليه الغزو إلى أن استولى على المهدية قائد أسطوله جرجي بن مناسل سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ووصلها بأسطوله في ثلثمائة مركب وخادعهم بأنهم إنما جاءوا مدداً له‏.‏ وكان عسكر الحسن قد توجه صريخاً لمحرز بن زياد الفادغي صاحب علي بن خراسان صاحب تونس فلم يجد صريخاً فجلا عن المهدية ورحل واتبعه الناس‏.‏ ودخل العدو إلى المدينة وتملكوها دون دفاع‏.‏ ووجد جرجي القصر كما هو لم يرفع منه الحسن إلا ما خف وترك الذخائر الملوكية‏.‏ فأمن الناس وأبقاهم تحت إيالته ورد الفارين منهم إلى أماكنهم‏.‏ وبعث أسطولاً إلى صفاقس فملكها وأجاز إلى سوسة فملكها أيضاً ثم إلى طرابلس كذلك‏.‏ واستولى رجار صاحب صقلية على بلاد الساحل كلها ووضع على أهلها الجري وولى عليهم كما نذكره إلى أن استنقذهم من ملكة الكفر عبد المؤمن شيخ الموحدين وخليفة إمامهم المهدي‏.‏ ولحق الحسن بن يحيى بعد استيلاء النصارى على المهدية بالعرب من رياح وكبيرهم محرز بن زياد الفادغي صاحب القلعة فلم يجد لديهم مصرخاً‏.‏ وأراد الرحيل إلى مصر للحافظ عبد المجيد فأرصد له جرجي فارتحل إلى المغرب وأجاز إلى بونة وبها الحارث بن منصور وأخوه العزيز‏.‏ ثم توجه إلى قسطنطينة وبها سبع بن العزيز أخو يحيى صاحب بجاية فبعث إليه من أجازه إلى الجزائر‏.‏ ونزل على ابن العزيز فأحسن نزله وجاوره إلى أن فتح الموحدون الجزائر سنة سبع وأربعين بعد تملكهم المغرب والأندلس فخرج إلى عبد المؤمن فلقاه تكرمة وقبولاً‏.‏ ولحق به وصحبه إلى إفريقية في غزواته الأولى ثم الثانية سنة سبع وخمسين فنازل المهدية وحاصرها أشهراً‏.‏ ثم افتتحها خمس وخمسين وأسكن بها الحسن وأقطعه رحيش فأقام هنالك ثماني سنين‏.‏ ثم استدعاه يوسف بن عبد المؤمن فارتحل بأهله يريد مراكش‏.‏ وهلك بتامستا في طريقه إلى بابارولو سنة ست وثلاثين والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ورب الخلائق أجمعين‏.‏

 بنو خراسان من صنهاجة

الخبر عن بني خراسان من صنهاجة الثوار بتونس على آل باديس عند اضطراب إفريقية بالعرب ومبد أ أمرهم ومصاير أحوالهم لما تغلب العرب على القيروان وأسلم المعز وتحول إلى المهدية اضطرمت إفريقية ناراً‏.‏ واقتسمت العرب البلاد عمالات وامتنع كثير من البلاد على ملوك آل باديس مثل أهل سوسة وصفاقس وقابس وصارت صاغية أهل إفريقية إلى بني حماد ملوك القلعة وملكوا القيروان كما تقدم‏.‏ وانقطعت تونس عن ملك المعز ووفد مشيختها على الناصر بن علناس فولى عليهم عبد الحق بن عبد العزيز بن خراسان يقال أنه من أهل تونس والأظهر أنه من قبائل صنهاجة فقام بأمرهم وشاركهم في أمره وتوعد إليهم وأحسن السيرة فيهم وصالح العرب أهل الضاحية على أتاوة معلومة لكف عاديتهم‏.‏ وزحف تميم بن المعز من المهدية إليه سنة ثمان وخمسين في جموعه ومعه يبقى ابن علي أمير زغبة فحاصر تونس أربعة أشهر إلى أن صالحه ابن خراسان واستقام على طاعته فأفرج عنه‏.‏ ولم يزل قائماً بأمره إلى أن هلك سنة ثمان وثمانين فولي ابنه عبد العزيز وكان مضعفاً وهلك على رأس هذه الماية الخامسة وقام بأمره ابنه أحمد بن عبد العزيز بن عبد الحق فقتل عمه إسمعيل بن عبد الحق لمكان ترشه وغربه أبو بكر إلى أن برزت فأقام بها خوفاً على نفسه‏.‏ ونزع أحمد إلى التخلق بسير الملك والخروج عن سير المشيخة واشتدت وطأته وكان من مشاهير رؤساء بني خراسان هؤلاء فاستبد بتونس لأول المائة السادسة وضبطها وبنى أسوارها‏.‏ وعامل العرب على إصلاح سابلتها فصلحت حاله وبنى قصور بني خراسان‏.‏ وكان مجالساً للعلماء محباً فيهم ونازله علي بن يحيى بن العزيز بن تميم سنة عشر وخمسمائة وضيق عليه ودافعه بإسعاف غرضه فأفرج عنه‏.‏ ثم نازله عساكر العزيز بن منصور صاحب بجاية فعاد إلى طاعته سنة أربع عشرة ولم يزل والياً على تونس إلى أن نهض سنة اثنتين وعشرين مطرف بن علي بن حمدون قائد يحيى بن العزيز من بجاية في العساكر إلى إفريقية وملك عامة أمصارها فتغلب على تونس وأخرج أحمد بن عبد العزيز صاحبها ونقله إلى بجاية بأهله وولده‏.‏ وولى على تونس كرامة بن المنصور عم يحيى بن العزيز فبقي والياً عليها إلى أن مات وولي عليها بعده أخوه أبو الفتوح بن المنصور إلى أن مات وولي مكانه ابن ابنه محمد‏.‏ وساءت سيرته فعزل وولي مكانه عمه معد بن المنصور إلى أن استولى النصارى على المهدية وسواحلها ما بين سوسة وصفاقس وطرابلس سنة ثلاث وأربعين وصارت لصاحب صقلية وأخرج الحسن بن علي كما هو مذكور فأخذ أهك تونس في الاستعداد والحذر‏.‏ واستأسدوا لذلك على واليهم وانتشر بغاتهم وربما ثاروا بعض الأيام عليه فقتلوا عبيدة بمرأى منه واعتدوا عليه في خاصته فبعث عنه أخوه يحيى من بجاية فركب البحر في الأسطول وترك نائبه العزيز بن دافال من وجوه صنهاجة فأقام بينهم وهم مستبدون عليه‏.‏ وكان بالمعلقة جوارهم محرز بن زياد أمير بني علي من بطون رياح قد تغلب عليها‏.‏ وكانت الحرب بينه وبين أهل تونس سجالاً والتحم بينهما المصاف‏.‏ وكان محرز يستمد عساكر صاحب المهدية على أهل تونس فتأتيه إلى أن غلب النصارى على المهدية وحدثت الفتنة بينهم بالبلد فكان المصاف بين أهل باب السويقة وأهل باب الجزيرة وكانوا يرجعون في أمورهم إلى القاضي عبد المنعم ابن الإمام أبي الحسن‏.‏ ولما غلب عبد المؤمن على بجاية وقسطنطينة وهزم العرب بسطيف ورجع إلى مراكش‏.‏ انتهت إليه شكوى الرعايا بإفريقية مما نزل بهم من العرب فبعث ابنه عبد الله من بجاية إلى إفريقية في عساكر الموحدين فنازل تونس سنة اثنتين وخمسين وامتنعت عليه‏.‏ ودخل معهم محرز بن زياد وقومه من العرب واجتمع جندهم وبرزوا للموحدين فأوقعوا بهم وأفرجوا عن تونس‏.‏ وهلك أميرها عبد الله بن خراسان خلال ذلك وولي مكانه علي بن أحمد بن عبد العزيز خمسة أشهر وزحف عبد المؤمن إلى تونس وهو أميرها فانقادوا لطاعته كما نذكره في أخبار الموحدين‏.‏ ورحل علي بن أحمد بن خراسان إلى مراكش بأهله وولده وهلك في طريقه سنة أربع وخمسين وأفرج محرز بن زياد عن المعلقة‏.‏ واجتمعت إليه قومه وتدامرت العرب عن مدافعة الموحدين واجتمعوا بالقيروان وبلغ الخبر إلى عبد المؤمن وهو منصرف من غزاته إلى المغرب فبعث إليهم العساكر وأدركوهم بالقيروان فأوقعوا بهم واستلحموهم قتلاً وسبياً‏.‏ وتقبض على محرز بن زياد أميرهم فقتل وصلب شلوه بالقيروان والله يحكم ما يشاء لا معقب لحكمه وهوعلى كل شيء قدير‏.‏

 بنو الرند الخبر

عن بني الرند ملوك قفصة الثائرين بها عند التياث ملك آل باديس بالقيروان واضطرابه بفتنة العرب ومبدأ دولتهم ومصاير أمورهم لما تغلب العرب على إفريقية وانحل نظام الدولة الصنهاجية وارتحل المعز من القيروان إلى المهدية وكان بقفصة عاملاً لصنهاجة عبد الله بن محمد بن الرند وأصله من جرية من بني صدغيان‏.‏ وقال ابن نحيل هو من بني مرين من مغراوة وكان مسكنهم بالجوسين من نفزاوة فضبط قفصة وقطع عنها عادية الفساد‏.‏ وصالح العرب على الأتاوة فصلحت السابلة واستقام الحال‏.‏ ثم استبد بأمره وخلع الامتثال من عنقه سنة خمس وأربعين واستمر على ذلك‏.‏ وبايعته توزر وقفصة وسوس والحامة ونفزاوة وسائر أعمال منطينة فاستفحل أمره وعظم سلطانه ووفد عليه الشعراء والقصاد وكان معظماً لأهل الدين إلى أن هلك سنة خمس وستين‏.‏ وولي من بعده ابنه المعتز وكنيته أبو عمر وانقاد إليه الناس فضبط الأمور وجبى الأموال واصطنع الرجال وتغلب على قمودة وجبل هوارة وسائر بلاد قسطيلية وما إليها‏.‏ وحسنت سيرته إلى أن عمي‏.‏ وهلك في حياته ابنه تميم فعهد لابنه يحيى بن تميم‏.‏ وقام بالأمر واستبد على جده ولم يزالوا بخير حال إلى أن نازلهم عبد المؤمن سنة أربع وخمسين فمنعهم من الأمر ونقلهم إلى بجاية فمات المعتز بها سنة سبع وخمسين لمائة وأربع عشرة من عمره وقيل لسبعين ومات بعده بيسير حافده يحيى بن تميم‏.‏ وولى عبد المؤمن على قفصة نعمان بن عبد الحق الهنتاني‏.‏ ثم عزله بعد ثلاث بميمون ابن أجانا الكنسيفي‏.‏ ثم عزله بعمران بن موسى الصنهاجي وأساء إلى الرعية فبعثوا عن علي بن العزيز بن المعتز من بجاية‏.‏ وكان بها في مضيعة يحترف بالخياطة فقدم عليهم وثاروا بعمران بن موسى عامل الموحدين فقتلوه وقدموا علي بن العزيز فساس ملكه وحاط رعيته‏.‏ وأغزاه يوسف بن عبد المؤمن سنة ثلاث وستين أخاه السيد أبا زكريا فحاصره وضيق عليه وأخذه وأشخصه إلى مراكش بأهله وماله واستعمله على الأشغال بمدينة سلا أن هلك وفنيت دولة بني الرند والبقاء لله وحده‏.‏

 بني جامع الخبر

عن بني جامع الهلاليين أمراء قابس لعهد الصنهاجيين وما كان لتميم بها من الملك ولما دخلت العرب إلى إفريقية وغلبوا المعز على الضواحي ونازلوه بالقيروان وكان الوالي بفاس المعز بن محمد بن لموية الصنهاجي وكان أخواه إبراهيم وماضي قيروان قائدين للمعز على جيوشه فعزلهما ولحقا مغاضبين بمؤنس بن يحيى وكان ذلك أول تملك العرب‏.‏ ثم أقام إبراهيم منهم والياً بقابس ولحق المعز بن محمد بمؤنس فكان معه إلى أن هلك إبراهيم وولي مكانه أخوه ماضي وكان سيىء السيرة فقتله أهل قابس وذلك لعهد تميم بن المعز بن باديس وبعثوا إلى عمر أخي السلطان في طاعة العرب فوليها بكر بن كامل بن جامع أمير المناقشة من دهمان من بني علي إحدى بطون رياح فقام بأمرها واستبد على صنهاجة‏.‏ ولحق به مثنى بن تميم بن المعز نازعاً عن أبيه فأجابه ونازل معه المهدية حتى امتنعت عليه واطلع على قبائح شتى فأفرج عنها‏.‏ ولم يزل كذا على حاله في إجابة قابس وإمارة قومه دهمان إلى أن هلك‏.‏ وقام بأمره بعده رافع واستفحل بها ملكه وهو الذي اختط قصر العروسيين من مصانع الملك بها واسمه مكتوب لهذا العهد في جدرانها‏.‏ ولما ولي علي بن يحيى بن تميم فسد ما بينه وبين رافع وأعان عليه رافع صاحب صقلية فغلب أسطول علي بن يحيى على أسطول النصارى‏.‏ ثم ذوى قبائل العرب والأساطيل وزحل إلى قابس سنة إحدى عشر وأربعمائة‏.‏ قال ابن أبي الصلت‏:‏ دول الثلالة الأخماس من قبائل العرب الذين هم‏:‏ سعيد ومحمد ونحبة وأضاف إليهم من الخمس الرابع أكابر بني مقدم فوافى من كان منهم بفحص القيروان‏.‏ وفر رافع إلى القيروان وامتنع عليه أهلها‏.‏ ثم اجتمع شيوخ دهمان واقتسموا البلاد وعينوا القيروان لرافع وأمكنوه‏.‏ وبعث علي بن يحيى عساكره والعرب المدونة على منازلة رافع بالقيروان وخرج إلى محاربتهم فهلك بالطريق في بعض حروبه مع أشياع رافع‏.‏ ثم أن ميمون بن زياد الصخري حمل رافع بن مكن على مسالمة السلطان وسعى في إصلاح ذات بينهما فانصلح وارتفعت بينهما الفتنة‏.‏ وقام بقابس من ذلك رشيد بن كامل‏.‏ قال ابن نخيل وهو الذي اختط قصر العروسيين وضرب السكة الرشيدية‏.‏ وولي بعده ابنه محمد بن رشيد وغلب عليه مولاه يوسف‏.‏ ثم خرج محمد في بعض وجوهه وترك ابنه مع يوسف فطرده يوسف واستبد وانتهى إلى طاعة رجار فثار به أهل قابس ودفعوه عنهم فخرج إلى أخيه‏.‏ ولحق أخوه عيسى بن رشيد وأخبره الخبر فحاصرهم رجار بسبب ذلك مدة من الأيام‏.‏ وكان آخر من ملكها من بني جامع أخوه مدافع بن رشيد بن كامل‏.‏ ولما استولى عبد المؤمن على المهدية وصفاقس وطرابلس بعث ابنه عبد الله بعسكر إلى قابس ففر مدافع بن رشيد عن قابس وأسلمها للموحدين ولحق بعرب طرابلس من عرب عوف فأجاروه سنتين ثم لحق بعبد المؤمن بقابس فأكرمه ورضي عنه وانقرض أمر بني جامع من يؤانس والبقاء لله وحده‏.‏

  الخبر عن ثورة رافع بن مكن بن مطروح بطرابلس والفرياني بصفاقس

على النصارى وإخراجهم واستبدادههم بأمر بلدهم في آخر دولة بني باديس أما طرابلس فكان رجار صاحب صقلية قد استولى عليها سنة أربعين وخمسمائة عل يد قائده جرجي بن ميخاييل الأنطاكي وأبقى المسلمين بها واستعمل عليهم وبقيت في مملكة النصارى أياماً‏.‏ ثم إن أبا يحيى بن مطروح من أعيان البلد مشى في وجوه الناس وأعيانهم وداخلهم في الفتك بالنصارى فاجتمعوا لذلك وثاروا بهم وأحرقوهم بالنار ولما وصل عبد المؤمن إلى المهدية وافتتحها سنة خمس وخمسين وفد عليه أبو يحيى بن مطروح ووجوه أهل طرابلس فأوسعهم براً وتكرمة‏.‏ وقدم ابن مطروح المذكور عليهم وردهم إلى بلدهم فلم يزل عليهم إلى أن هرم وعجز بعهد يوسف بن عبد المؤمن وطلب الحج فسرحه السيد أبو زيد بن أبي حفص محمد بن عبد المؤمن عامل تونس فارتحل في البحر سنة ست وثمانين واستقر بالإسكندرية‏.‏ وأما صفاقس فكانت ولاتها أيام بني باديس من صنهاجة قبيلهم إلى أن ولى المعز بن باديس عليها منصور البرغواطي من صنائعه وكان فارساً مقداماً فحدث نفسه بالثورة أيام تغلب العرب على إفريقية وخروج المعز إلى المهدية ففتك به ابن عمه حمو بن مليل البرغواطي وقتله في الحمام غدراً وامتعض له حلفاؤه من العرب وحاصروا حمو حتى بذل لهم من المال ما رضوا به‏.‏ واستبد حمو بن مليل بأمر صفاقس حتى إذا هلك المعز حدثته نفسه بالتغلب على المهدية فزحف إليها في جموعه من العرب ولقيه تميم فانهزم حمو وأصحابه سنة خمس وخمسين‏.‏ ثم بعث ابنه يحيى مع العرب لحصار صفاقس فحاصرها مدة وأقلع عنها وزحف إليه تميم بن المعز سنة ثلاث وتسعين فغلبه عليها ولحق حمو بمكن بن كامل أمير قابس فأجاره وصارت صفاقس إلى ملكة تميم ووليها ابنه‏.‏ ولما تغلب النصارى على المهدية وملكها جرجي بن ميخاييل قائد رجار سنة ثلاث وأربعين وتغلبوا بعدها على صفاقس وأبقوا أهلها واستعملوا عمر بن أبي الحسن القرباني لمكانه فيهم‏.‏ وحملوا أباه أبا الحسن معهم إلى صقلية رهناً وكان ذلك مذهب رجار وديدنه فيما ملك من سواحل إفريقية يبقيهم ويستعمل عليهم منهم ويذهب إلى العدل فيهم فبقي عمر بن أبي الحسن عاملاً لهم في أهل بلده وأبوه عندهم ثم أن النصارى الساكنين بصفاقس امتدت أيديهم إلى المسلمين ولحقوهم بالضرر‏.‏ وبلغ الخبر أبا الحسن وهو بمكانه من صقلية فكتب إلى ابنه عمر وأمره بانتهاز الفرصة فيهم والاستسلام إلى الله في حق المسلمين فثار بهم عمر لوقته سنة إحدى وخمسين وقتلهم‏.‏ وقتل النصارى أباه أبا الحسن وانتقضت عليهم بسبب ذلك سائر السواحل ولما افتتح عبد المؤمن المهدية من يد رجار وصل إليه عمر وأدى طاعته فولاه صفاقس‏.‏ ولم يزل والياً عليها وابنه عبد الرحمن من بعده إلى أن تغلب يحيى بن غانية فرغبه في الحج فسرحه ولم يعد‏.‏

 الخبر عما كان بإفريقية من الثوار على صنهاجة

عند اضطرابها بفتنة العرب إلى أن محا أثرهم الموحدون لما كان أبو رجاء الورد اللخمي عند اضطرام نار الفتنة بالعرب وتقويص المعز عن القيروان إلى المهدية وتغلبهم عليها قد ضم إليه جماعة من الدعار وكان ساكناً بقلعة قرسبنة من جبل شعيب فكان يضرب على النواحي بجهة بنزرت ويفرض على أهل القرى الأتاوات بسبب ذلك فطال عليهم أمره ويئسوا من حسم دائه وكان ببلد بنزرت فريقان أحدهما من لخم وهم قوم الورد وبقوا فوضى واختلف أمرهم فبعثوا إلى الورد في أن يقوم بأمرهم فوصل إلى بلدهم فاجتمعوا عليه وأدخلوه حصن بنزرت‏.‏ وقدموه على سهم فحاطهم من العرب ودافع عن نواحيهم‏.‏ وكان بنو مقدم من الأثبج ودهمان من بني علي إحدى بطون رياح هم المتغلبون على ضاحيتهم فهادنهم على الأتاوة وكف بها عاديتهم واستفحل أمرهم وتسمى بالأمير وشيد المصانع والمباني وكثر عمران بنزرت إلى أن هلك فقام بأمره ابنه طراد وكان شهماً وكانت العرب تهابه‏.‏ وهلك فولي من بعده ابنه محمد بن طراد وقتله أخوه مقرن لشهر من ولايته في مسامرة وقام بأمر بنزرت وسمي بالأمير وحمى حوزته من العرب واصطنع الرجال وعظم سلطانه وقصده الشعراء وامتدحوه فوصلهم‏.‏ وهلك فولي من بعده ابنه عبد العزيز عشر سنين وجرى فيها على سنن أبيه وجده ثم ولي من بعده أخوه موسى على سننهم أربع سنين‏.‏ ثم من بعده أخوهما عيسى واقتفى أثرهم‏.‏ ولما نازل عبد الله بن عبد المؤمن وأفرج عنه ومر به في طريقه فاستفرغ جهده في قراه ونجع بطاعته‏.‏ وطلب منه الحفاظ على بلده فأسعفه‏.‏ وولى عليهم أبا الحسن الهرغي فلما قدم عبد المؤمن على إفريقية سنة أربع وخمسين راعى له ذلك وأقطعه واندرج في جملة الناس‏.‏ وكان بقلعة ورغة بدوكس بن أبي علي الصنهاجي من أولياء العزيز المنصور صاحب بجاية والقلعة قد شادها وحصنها‏.‏ وكان مبدأ أمره أن العزيز تغير عليه في حروب وقعت بينه وبين العرب نسب فيها إلى نفسه الإقدام وإلى السلطان العجز فخافه على نفسه ولحق ببجاية فأكرمه شيخها محمود بن نزال الريغي وآواه وترافع إلى محمود أهل ورغة من عمله‏.‏ وكانوا فئتين مختلفتين من زاتيمة إحدى قبائل البربر وهما‏:‏ أولاد مدين وأولاد لاحق‏.‏ فبعث عليهم بروكس بن أبي علي لينظر في أحوالهم وأقام معهم بالقلعة‏.‏ تم استجلب بعض الدعار كانوا بناحيتها وأنزلهم بالقلعة معهم واصطنعهم وصاهر أولاد مدين وظاهرهم على أولاد لاحق وأخرجهم من القلعة واستبد بها‏.‏ وقصدته الرجال من كل جانب إلى أن اجتمعت له خمسمائة فارس وأثخن في نواحيه وحارب بني الورد ببنزرت وابن علال بطبربة وقتل محمد بن سباع أمير بني سعيد من رياح وغصت القلعة بالساكن فاتخذ لها ربضاً وجهز إليه العزيز عسكره من بجاية فبارز قائد العسكر وفتك به واسمه غيلاس‏.‏ وهلك بعد مدة وقام بأمره ابنه منيع ونازله بنو سباع وسعيد طالبين بثأر أخيهما محمد‏.‏ وتمادى به الحصار وضاقت أحواله فاقتحموا عليه القلعة واستلحم هو وأهل بيته قتلاً وسبياً والله مالك الأمور‏.‏ وكان أيضاً بطبربة مدافع بن علال القيسي شيخ من شيوخها فلما اضطربت إفريقية عند دخول العرب إليها امتنع بطبرية وحصن قلعتها واستبد بها في جملة من ولده وبني عمه وجماعته إلى أن ثار عليه ابن بيزون اللخمي في البحرين على والي مجردة بإزاء الرياحين‏.‏ وطالت بينهما الفتنة والحرب‏.‏ وكان قهرون بن غنوش بمنزل دحمون قد بنى حصنه وشيده وجمع إليه جيشاً من أوباش القبائل وذلك لما أخرجه أهل تونس بعد أن ولاه العامة عليهم‏.‏ ثم صرفوه عن ولايتهم لسوء سيرته فخرج من البلد ونزل دحمون وبنى حصناً بنفسه مع الحنايا وردد الغارة على تونس وعاث في جهاتها فرغبوا من محرز بن زياد أن يظاهرهم عليه ففعل‏.‏ وبلغ خبره ابن علال صاحب طبربة فوصل ابن علال يده بصهر منه ونقله إلى بعض الحصون ببلده وهي قلعة غنوش وتظافروا على الإفساد‏.‏ وخلفهما بنوهما من بعدهما إلى أن وصل عبد المؤمن إلى إفريقية سنة أربع وخمسين فمحا آثار الفساد من جانب إفريقية وكان أيضاً حماد بن خليفة اللخمي بمنزل رقطون من إقليم زغوان على مثل حال ابن علال وابن غنوش وابن بيزون وخلفه ولده في مثل ذلك إلى أن انقطع ذلك على يد عبد المؤمن‏.‏ وكان عماد بن نصر الله الكلاعي بقلعة شقبنارية قد صار إليه جند من أهل الدعارة وأوباش القبائل فحماها من العرب واستغاث به ابن فتاتة ثميخ الأربس من العرب وشكا إليه سوء ملكتهم فزحف إليهم وأخرجهم من الأربس وفرض عليهم مالاً يؤدونه إليه إلى أن مات وولي ابنه من بعده فجرى على سننه إلى أن دخل في طاعة عبد المؤمن سنة أربع وخمسين وخمسمائة والله مالك الملك لا رب غيره سبحانه‏.‏