فصل: الفصل الرابع ذكراخبارهم على الجملة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  الفصل الرابع ذكراخبارهم على الجملة

في ذكر أخبارهم على الجملة من قبل الفتح الإسلامي ومن بعده إلى ولاية بني الأغلب هؤلاء البربر جيل ذو شعوب وقبائل أكثر من أن تحصى حسبما هو معروف تاريخ الفتح بإفريقية والمغرب وفي أخبار ردتهم وحروبهم فيها‏.‏ نقل ابن أبي الرقيق‏:‏ أن موسى بن نصير لما فتح سقوما كتب إلى الوليد بن عبد الملك أنه صار لك من سقوما مائة ألف رأس‏.‏ فكتب إليه الوليد بن عبد الملك‏:‏ ويحك إني أظنها من بعض كذباتك فإن كنت صادقاً فهذا محشر الأمة ولم تزل بلاد المغرب إلى طرابلس بل الإسكندرية عامرة بهذا الجيل ما بين البحر الرومي وبلاد السودان منذ أزمنة لا يعرف أولها ولا ما قبلها‏.‏ وكان دينهم دين المجوسية شأن الأعاجم كلهم بالمشرق والمغرب إلا في بعض الأحايين يدينون بدين من غلب عليهم من الأمم‏.‏ فإن الأمم أهل الدول العظيمة كانوا يتغلبون عليهم فقد غزتهم ملوك اليمن من قرارهم مراراً على ما ذكر ذكر ابن الكلبي‏:‏ أن حمير بالقبائل اليمانية ملك المغرب مائة سنة وأنه الذي مدائنه مثل إفريقية وصقلية‏.‏ واتفق المؤرخون على غزو أفريقش بن صيفي من التبابعة إلى المغرب كما ذكرنا في أخبار الروم واختطوا بسيف البحر وما يليه من الأرياف عظيمة الخطة وثيقة المباني شهيرة الذكر باقية المعالم والآثار لهذا العهد مثل‏:‏ سبيطلة وجلولاء ومرناق ووطاقة وزانة وغيرها من المدن التي خربها المسلمون من العرب الفتح عند استيلائهم عليها‏.‏ وقد كانوا دانوا لعهدهم بما تعبدوهم به من دين النصر وأعطوهم المهادنة وأدوا إليهم الجباية طواعية‏.‏ وكان للبربر في الضواحي وراء ملك الأمصار المرهوبة الحامية ما شاء من قوة وعدة وعدد وملوك ورؤساء وأقيال‏.‏ وأمرؤها لا يرامون بذل ولا ينالهم الروم والإفرنج في ضواحيهم تلك بمسخطة الإساءة وقد صبحهم الإسلام وهم في مملكة قد استولوا على رومة‏.‏ وكانوا يؤدون الجباية لهرقل ملك القسطنطينية كما كان المقوقس صاحب الإسكندرية وبرقة ومصر يؤدون الجباية له وكما كان صاحب طرابلس ولبدة وصبرة وصاحب صقلية وصاحب الأندلس من الغوط لما كان الروم غلبوا على هؤلاء الأمم أجمع‏.‏ وعنهم كلهم أخذوا دين النصرانية فكان الفرنجة هم الذين ولوا أمر إفريقية ولم يكن للروم فيها شيء من ولاية‏.‏ وإنما كان كل من كان منهم بها جنداً للإفرنج ومن حشودهم‏.‏ وما يسمع في كتب الفتح من ذكر الروم في فتح إفريقية فمن باب التغليب لأن العرب يومئذ لم يكونوا يعرفون الفرنج وما قاتلوا في الشام إلا الروم فظنوا أنهم هم الغالبون على أمم النصرانية‏.‏ فإن هرقل هو ملك النصرانية كلها فغلبوا اسم الروم على جميع أمم النصرانية‏.‏ ونقلت الأخبار عن العرب كما هي‏:‏ فجرجير المقتول عند الفتح من الفرنج وليس من الروم وكذا الأمة الذين كانوا بإفريقية غالبين على البربر ونازلين بمدنها وحصونها إنما كانوا من الفرنجة‏.‏ وكذلك ربما كان بعض هؤلاء البربر دانوا بدين اليهودية أخذوه عن بني إسرائيل عند استفحال ملكهم لقرب الشاه وسلطانه منهم كما كان جرأة أهل جبل أوراس قبيلة الكاهنة مقتولة العرب لأول الفتح وكما كانت نفوسة من برابر إفريقية وقندلاوة ومديونة وبهلولة وغياتة وبنو فازان من برابرة المغرب الأقصى حتى محا إدريس الأكبر الناجم بالمغرب من بني حسن بن الحسن جميع ما كان في نواحيه من بقايا الأديان والملل فكان البربر بإفريقية والمغرب قبل الإسلام تحت ملك الفرنج وعلى دين النصرانية الذي اجتمعوا عليه مع الروم كما ذكرناه‏.‏ حتى إذا كان الفتح وزحف المسلمون إلى إفريقية زمان عمررضي الله عنه سنة تسع وعشرين وغلبهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح من بني عمامر بن لؤي فجمع لهم جرير ملك الفرنجة يومئذ بإفريقية من كان بأمصارها من الفرنج والروم ومن بضواحيها من جموع البربر وملوكهم‏.‏ وكان ملك ما بين طرابلس وطنجة وكانت دار ملكه سبيطة فلقوا المسلمين في زهاء مائة وعشرين ألفاً‏.‏ والمسلمون يومئذ في عشرين ألفاً فكان من هزيمة العرب لهم وفتحهم لسبيطلة وتخريبهم إياها وقتلهم جرجير ملكهم‏.‏ وما نفلهم الله من أموالهم وبناتهم التي اختصت منهن ابنته بقاتلة عبد الله بن الزبير لعهد المسلمين له بذلك بعد الهزيمة وخلوصه بخبر الفتح إلى الخليفة والملأ من المسلمين بالمدينة ما هو كله مذكور مشهور‏.‏ ثم أرزىء الفرنجة ومن معهم من الروم بعد الهزيمة وخلوصه بخبر الفتح إلى حصون إفريقية‏.‏ وانساح المسلمون في البسائط بالغارات ووقع بينهم وبين البربر أهل الضواحي زحوف وقتل وسبي‏.‏ حتى لقد حصل في أسرهم يومئذ من ملوكهم وزمار بن صقلاب جد بني خزر وهو يومئذ أمير مغوارة وسائر زناتة ورفعوه إلى عثمان بن عفان فأسلم على يده ومن عليه وأطلقه وعقد له على قومه‏.‏ ويقال إنما وصله وافداً وحصن المسلمين عليهم ولاذ الفرنج بالسلم وشرطوا لابن أبي سرح ثلثمائة قنطار من الذهب على أن يرحل عنهم بالعرب ويخرج بهم من بلادهم ففعل‏.‏ ورجع المسلمون إلى المشرق وشغلوا بما كان من الفتن الإسلامية‏.‏ ثم كان الاجتماع والإتفاق على معاوية بن أبي سفيان وبعث معاوية بن خديج السكوني من مصر لافتتاح إفريقية سنة خمس وأربعين‏.‏ وبعث ملك الروم من القسطنطينية عساكره لمدافعتهم في البحر فلم تغن شيئاً وهزمهم العرب بساحل أجم‏.‏ وحاصروا جلولاء وفتحوها‏.‏ وقفل معاوية بن خديج إلى مصر فولى معاوية بن أبي سفيان على إفريقية بعده عقبة بن نافع فاختط القيروان وافترق أمر الفرنجة وصاروا إلى الحصون وبقي البربر بضواحيهم إلى أن ولي يزيد بن معاوية وولى على إفريقية أبا المهاجر مولى‏.‏ وكانت رئاسة البربر يومئذ في أوربة لكسيلة بن لمزم وهو رأس البرانس ومرادفة سكرديد بن رومي بن مازرت من أوربة وكان على دين النصرانية فأسلما لأول الفتح‏.‏ ثم ارتدا عند ولاية أبي المهاجر واجتمع إليها البرانس وزحف إليهم أبو المهاجر حتى نزل عيون تلمسان فهزمهم وظفر بكسيلة فأسلم واستبقاه‏.‏ ثم جاء عقبة بعد أبي المهاجر فنكبه غيظاً على صحابته لأبي المهاجر‏.‏ ثم استفتح حصون الفرنجة مثل باغاية ولميس ولقيه ملوك البربر بالزاب وتاهرت ففضهم جمعاً بعد جمع‏.‏ ودخل المغرب الأقصى وأطاعته غمارة وأميرهم يومئذ يليان‏.‏ ثم أجاز إلى وليلى ثم إلى جبال درن وقاتل المصامدة وكانت بينهم وبينه حروب وحاصروه بجبال درن‏.‏ ونهضت إليهم جموع زناتة وكانوا خالصة للمسلمين منذ إسلام مغراوة فأفرجت المصامدة عن عقبة وأثخن فيهم حتى حملهم على طاعة الإسلام ودوخ بلادهم‏.‏ ثم أجاز إلى بلاد السوس لقتال من بها من صنهاجة أهل اللثام وهم يومئذ على دين المجوسية ولم يدينوا بالنصرانية فأثخن فيهم وانتهى إلى تارودانت وهزم جموع البربر وقاتل مسوفة من وراء السوس وسبى منهم وقفل راجعاً‏.‏ وكسيلة أثناء هذا كله في اعتقاله يحمله معه في عسكره سائر غزواته‏.‏ فلما قفل من السوس سرح العساكر إلى القيروان حتى بقي في خف من الجنود‏.‏ وتراسل كسيلة وقومه فأرسلوا له شهوداً وانتهزوا الفرصة فيه وقتلوه ومن معه وملك كسيلة إفريقية خمس سنين ونزل القيروان وأعطى الأمان لمن بقي بها ممن تخلف من العرب أهل الذراري والأثقال وعظم سلطانه على البربر‏.‏ وزحف قيس بن زهير البلوي في ولاية عبد الملك للثأر بدم عقبة سنة سبع وستين وجمع له كسيلة سائر البربر ولقيه بجيش من نواحي القيروان فاشتد القتال بين الفريقين ثم انهزم البربر وقتل كسيلة ومن لا يحصى منهم وأتبعهم العرب إلى مرمحنة ثم إلى ملوية‏:‏ وفي هذه الواقعة ذل البربر وفنيت فرسانهم ورجالهم وخضدت شوكتهم واضمحل أمر الفرنجة فلم يعد وخاف البربر من زهير ومن العرب خوفاً شديداً فلجأوا إلى القلاع والحصون‏.‏ ثم توهب زهير بعدها وقفل إلى المشرق فاستشهد ببرقة كما ذكرناه‏.‏ واضطرمت إفريقية ناراً وافترق أمر البربر وتعدد سلطانهم في رؤسائهم‏.‏ وكان من أعظمهم شأناً يومئذ الكاهنة دهيا بنت ماتية بن تيفان ملكة جبل أوراس وقومها من جراوة ملوك البتر وزعماؤهم فبعث عبد الملك إلى حيان بن النعمان الغساني عامله على مصر أن يخرج إلى جهاد إفريقية وبعث إليه بالمدد فزحف إليها سنة تسع وسبعين‏.‏ ودخل القيروان وغزا قرطاجنة وافتتحها عنوة وذهب من كان بقي بها من الإفرنجة إلى صقلية وإلى الأندلس‏.‏ ثم سأل عن أعظم ملوك البربر فدلوه على الكاهنة وقومها جراوة فمضى إليها حتى نزل وادي مسكيانة‏.‏ وزحفت إليه فاقتتلوا قتالاً شديداً‏.‏ ثم انهزم المسلمون وقتل منهم خلق كثير وأسر خالد بن يزيد القيسي‏.‏ ولم تزل الكاهنة والبربر في اتباع حيان والعرب حتى أخرجرهم من عمل قابس ولحق حسان بعمل طرابلس‏.‏ ولقيه كتاب عبد الملك بالمقام فأقام وبنى قصوره وتعرف لهذا العهد به‏.‏ ثم رجعت الكاهنة إلى مكانها واتخذت عهداً عند أسيرها خالد بالرضاع مع ابنيها‏.‏ وأقامت في سلطان إفريقية والبربر خمس سنين‏.‏ ثم بعط عبد الملك إلى حسان بالمدد فرجع إلى إفريقية سنة أربع وسبعين وخربت الكاهنة جميع المدن والضياع‏.‏ وكانت من طرابلس إلى طنجة ظلاً واحداً في قرى متصلة‏.‏ وشق ذلك على البربر فاستأمنوا لحسان فأمنهم ووجد السبيل إلى تفريق أمرها وزحف إليها وهي في جموعها من البربر فانهزموا وقتلت الكاهنة بمكان البير المعروف بها لهذا العهد بجبل أوراس‏.‏ واستأمن إليه البربر على الإسلام والطاعة وعلى أن يكون منهم اثنا عشر ألفاً مجاهدين معه فأجابوا وأسلموا وحسن إسلامهم وعقد للأكبر من ولد الكاهنة على قومهم من جراوة وعلى جبل أوراس فقالوا‏:‏ لزمنا الطاعة له سبقناها إليها وبايعناه عليها‏.‏ وأشارت عليهم بذلك لأثارة من علم كانت لديها بذلك من شياطينها‏.‏ وانصرف حسان إلى القيروان فدون الدواوين وصالح من ألقى بيده من البربر على الخراج‏.‏ وكتب الخراج على عجم إفريقية ومن أقام معهم على النصرانية من البربر والبرانس‏.‏ واختلفت أيدي البربر فيما بينهم على إفريقية والمغرب فخلت أكثر البلاد وقدم موسى بن نصير إلى القيروان والياً على إفريقية‏.‏ ورأى ما فيها من الخلاف وكان ينقل العجم من الأقاصي إلى الأداني وأثخن في البربر ودوخ المغرب وأدى إليه البربر الطاعة‏.‏ وولي على طنجة طارق بن زياد وأنزل معه سبعة وعشرين ألفاً من العرب واثني عشر ألفاً من البربر وأمرهم أن يعلموا البربر القرآن والفقه‏.‏ ثم أسلم بقية البربر على يد إسمعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر سنة إحدى ومائة‏.‏ وذكر أبو محمد بن أبي زيد‏:‏ أن البربر ارتدوا اثنتي عشرة مرة من طرابلس إلى طنجة ولم يستقر إسلامهم حتى أجاز طارق وموسى بن نصير إلى الأندلس بعد أن دوخ المغرب وأجاز معه كثير من رجالات البربر وأمرائهم برسم الجهاد‏.‏ فاستقروا هنالك من لدن الفتح فحينئذ استقر الإسلام بالمغرب وأذعن البربر لحكمه‏.‏ ورسخت فيهم كلمة الإسلام وتناسوا الردة‏.‏ ثم نبضت فيهم عروق الخارجية فدانوا بها ولقنوها من العرب الناقليها من منبعها بالعراق‏.‏ وتعددت طوائفهم وتشعبت طرقها من الأباضية والصفرية كما ذكرنا في أخبار الخوارج‏.‏ وفشت هذه البدعة وأعقدها رؤوس النفاق من العرب وجراثيم الفتنة من البربر ذريعة إلى الانتزاء على الأمر فاختلوا في كل جهة ودعوا إلى قائدهم طغام البربر تتلون عليهم مذاهب كفرها ويلبسون الحق بالباطل فيها إلى أن رسخت فيهم كلمات منها ووشجت بينهم عروق من غرائسها‏.‏ ثم تطاول البربر إلى الفتك بأمراء العرب فقتلوا يزيد بن أبي مسلم سنة اثنتين ومائة لما نقموا عليه في بعض الفعلات‏.‏ ثم انتقض البربر بعد ذلك سنة اثنتين وعشرين ومائة في ولاية عبد الله بن الحجاب أيام هشام بن عبد الملك لما أوطأ عساكره بلاد السوس وأثخن في البربر وسبى وغنم‏.‏ وانتهى إلى مسوفة فقتل وسبى داخل البربر منه رعب‏.‏ وبلغه أن البربر أحسوا بأنهم فيء للمسلمين فانتقضوا عليه‏.‏ وثار ميسرة المطغري بطنجة على عمرو بن عبد الله فقتله وبايع لعبد الأعلى بن جريج الإفريقي رومي الأصل ومولى العرب كان مقدم الصفرية من الخوارج في انتحال مذهبهم فقام بأمرهم مدة وبايع ميسرة لنفسه بالخلافة داعياً إلى نحلته من الخارجية على مذهب الصفرية‏.‏ ثم ساءت سيرته فنقم عليه البربر ما جاء به فقتلوه وقدموا على أنفسهم خالد بن حميد الزناتي‏.‏ قال ابن عبد الحكم‏:‏ هو من هتورة إحدى بطون زناتة فقام بأمرهم وزحف إلى العرب وسرح إليه عبد الله بن الحبحاب العساكر في مقدمته ومعهم خالد بن أبي حبيب فالتقوا بوادي شلف وانهزم العرب وقتل خالد بن أبي حبيب ومن معه وسميت وقعة الأسراب وانتقضت البلاد ومرج أمر الناس وبلغ الخبر هشام بن عبد الملك فعزل ابن الحبحاب وولى كلثوم بن عياض القشيري سنة ثلاث وعشرين وسرحه في اثني عشر ألفاً من أهل الشام‏.‏ وكتب إلى ثغور مصر وبرقة وطرابلس أن يمدوه فخرج إلى إفريقية والمغرب حتى بلغ وادي طنجة وهو وادي سبس فزحف إليه خالد بن حميد الزناتي فيمن معه من البربر وكانوا خلقاً لا يحصى‏.‏ ولقوا كلثوم بن عياض من بعد أن هزموا مقدمته فاشتد القتال بينهم وقتل كلثوم وانهزمت العساكر فمضى أهل الشام إلى الأندلس مع بلج بن بشر القشيري‏.‏ ومضى أهل مصر وإفريقية إلى القيروان‏.‏ وبلغ الخبر إلى هشام بن عبد الملك فبعث حنظلة بن سفيان الكلبي فقدم القيروان سنة أربع وعشرين وأربعمائة وهوارة يومئذ خوارج على الدولة منهم‏:‏ عكاشة بن أيوب وعبد الواحد بن يزيد في قومهما‏.‏ فثارت هوارة ومن تبعهم من البربر فهزمهم حنظلة بن المعز بظاهر القيروان بعد قتال شديد‏.‏ وقتل عبد الواحد الهواري وأخذ عكاشة أسيراً وأحصيت القتلى في هذه الوقيعة فكانوا مائة وثمانين ألفاً‏.‏ وكتب بذلك حنظلة إلى هشام وسمعها الليث بن سعد فقال‏:‏ ما غزوة كنت أحب أن أشهدها بعد غزوة بدر أحب إلي من غزوة القرن والأصنام‏.‏ ثم خفت صوت الخلافة بالمشرق والتاث أمرها لما كان بين بني أمية من الفتنة وما كان من أمر الشيعة والخوارج مع مروان‏.‏ وأفضى الأمر إلى الإدالة ببني العباس من بني أمية‏.‏ وأجاز البحر عبد الرحمن بن حبيب من الأندلس إلى إفريقيا فملكها وغلب حنظلة عليها سنة ست وعشرين ومائة فعادت هيف إلى أديانها‏.‏ واستشرى داء البربر أمر الخارجية ورؤوسها فانتفضوا من أطراف البقاع وتواثبوا على الأمر بكل ما كان داعين إلى بدعتهم‏.‏ وتولى كبر ذلك يومئذ صنهاجة‏.‏ وتغلب أميرهم تابت بن زيدون وقومه على باجة وثار معه عبد الله بن سكرديد من أمرائهم فيمن تبعه‏.‏ وثار بطرابلس عبد الجبار والحرث من هوارة وكانا يدينان برأي الأباضية فقتلوا عامل طرابلس بكر بن عبس القيسي لما خرج إليهم يدعوهم إلى الصلح وبقي الأمر ذلك مدة‏.‏ وثار إسمعيل بن زياد فيمن معه من نفوسة‏.‏ وتغلب على قابس‏.‏ ثم زحف إليهم عبد الرحمن بن حبيب سنة إحدى وثلاثين فقتل عبد الجبار والحارث وأوعب في قتل البربر‏.‏ وأثخن فيهم وزحف إلى تلمسان سنة خمس وثلاثين فظفر بها ودوخ المغرب وأذل من كان فيه من البربر‏.‏ ثم كانت بعد ذلك فتنة وربجومة وسائر قبائل نفراوة سنة أربعين ومائة وذلك لما انحرف عبد الرحمن بن حبيب عن طاعة أبي جعفر وقتله أخواه إلياس وعبد الوارث فولي مكانه ابنه حبيب وطالبهما بثأر أبيه فقتل إلياس ولحق عبد الوارث بوربجومة فأجاره أميرهم عاصم بن جميل وتبعه على شأنه يزيد بن سكوم أمير ولهاصة واجتمعت لهم كلمة نفزاوة ودعوا لأبي جعفر المنصور وزحفوا إلى القيروان ودخلوها عنوة‏.‏ وفر حبيب بن قابس فأتبعه عاصم في نفزاوة وقبائلهم‏.‏ وولي على القيروان عبد الملك بن أبي الجعد النفزي ثم انهزم حبيب إلى أوراس واتبعه عاصم فاعترضه عبد الملك بن أبي الجعد وجموع نفزاوة الذين كانوا بالقيروان وقتلوه‏.‏ واستولت وربجومة على القيروان وسائر إفريقية وقتلوا من كان بها من قريش وربطوا دوابهم بالمسجد الجامع‏.‏ واشتد البلاء على أهل القيروان وأنكرت ذلك من فعل وربجومة ومن إليهم من نفزاوة برابرة طرابلس الأباضية من هوارة وزناتة فخرجوا واجتمعوا إلى أبي الخطاب عبد الأعلى ابن الشيخ المعافري وقصدوا طرابلس وأخرجوا عمر بن عثمان القرشي واستولى أبو الخطاب عليها‏.‏ واجتمع إليه سائر البربر الذين كانوا هنالك من زناتة وهوارة وزحف بهم إلى القيروان فقتل عبد الملك بن أبي الجعد وسائر وربجومة ونفزاوة واستولى على القيروان سنة إحدى وأربعين‏.‏ ثم ولي على القيروان عبد الرحمن بن رستم وهو من أبناء رستم أمير فارس بالقادسية‏.‏ كان من موالي العرب ومن رؤوس هذه البدعة‏.‏ ورجع أبو الخطاب إلى طرابلس واضطرم المغرب ناراً‏.‏ وانتزى خوارج البربر على الجهات فملكوها‏.‏ واجتمعت الصفرية من مكناسة بناحية المغرب سنة أربعبن ومائة وقدموا عليهم عيسى بن يزيد الأسود وأسسوا مدينة سجلماسة ونزلوها‏.‏ وقدم محمد بن الأشعث والياً على إفريقية من قبل أبي جعفر المنصور فزحف إليه أبو الخالاب ولقيه بسرت فهزمه ابن الأشعث وقتل البربر قتلاً ذريعاً‏.‏ وفر عبد الرحمن بن رستم من القيروان إلى تاهرت بالمغرب الأوسط واجتمعت إليه طوائف البربر الأباضيه من لماية ولواتة ورجالة من نفزاوة فنزل بها واختط مدينتها سنة أربع وأربعين‏.‏ وضبط ابن الأشعث إفريقية وخافه البربر‏.‏ ثم انتقض بنو يفرن من زناتة ومغيلة من البربر بنواحي تلمسان وقدموا على أنفسهم أبا قرة من بني يفرن ويقال إنه من مغيلة وهو الأصح في شأنه وبويع له بالخلافة سنة ثمان وأربعين ومائة‏.‏ وزحف إليه الأغلب بن سود التميمي عامل طنجة فلما قرب منه هرب أبو قرة فنرل الأغلب الزاب ثم اعتزم على تلمسان ثم طنجة ورجع إليه الجند فرجع ثم انتقض البربر من بعد ذلك أيام عمر بن حفص في ولد قبيصة بن أبي صفرة أخي المهلب‏.‏ وكان يلقب هزار مرد سنة إحدى وخمسين‏.‏ واجتمعوا بطرابلس وقدموا عليهم أبا حاتم يعقوب بن حبيب بن مدين بن يطوفت من أمراء مغيلة ويسمى أبا قادم‏.‏ وزحفت إليهم جنود عمر بن حفص فهزموها وملكوا طرابلس وزحفوا إلى القيروان فحاصروها‏.‏ ثم زحف البرابرة من الجانب الآخر بجنود عمر بطبنة في اثني عشر معسكراً‏.‏ وكان منهم أبو قرة في أربعبن ألفاً من الصفرية وعبد الرحمن بن رستم في ستة آلاف من الأباضية والمسور بن هانىء في عشرة آلاف كذلك وجرير بن مسعود فيمن تبعه من مديونة وعبد الملك بن سكرديد الصنهاجي في ألفين منهم من الصفرية‏.‏ - واشتد الحصار على عمر بن حفص فأعمل الحيلة في الخلاف بين جماعتهم‏.‏ وكان بنو يفرن من زناتة أكثر البرابرة يومئذ جمعاً وأشدهم قوة فصالح أبو قزة زعيمهم على أربعين ألفاً وأعطى ابنه في إتمام ذلك أربعة آلاف وافترقوا وارتحلوا عن طبنة‏.‏ ثم بعث بعثاً إلى ابن رستم فهزمه ودخل تاهرت مفلولاً‏.‏ وزحف عمر بن حفص الى أبي خاتم والبربر الأباضية الذين معه‏.‏ ونهضوا إليه فخالفهم إلى القيروان وشحنها بالأقوات والرجال‏.‏ ثم لقي أبا حاتم والبربر وهزموه ورجع إلى القيروان وحاصروه‏.‏ وكانوا في ثلائمائة وخمسين ألفاً الخيل منها خمسة وثلاثون ألفاً وكانوا كلهم أباضية‏.‏ وطال الحصار وقتل عمر بن حفص في بعض أيامه سنة أربع وخمسين ومائة‏.‏ وصالح أهل القيروان أبا حاتم على ما أحب وارتحل‏.‏ وقدم يزيد بن قبيصة بن المهلب سنة أربع وخمسين ومائة والياً على إفريقية فزحف إليه أبو حاتم بعد أن خالف عليه عمر بن عثمان الفهري وافترق أمرهم فلقيه يزيد بن حاتم بطرابلس فقتل أبو حاتم وانهزم البربر‏.‏ ولحق عبد الرحمن بن حبيب بن عبد الرحمن من أصحاب أبي حاتم بكتامة‏.‏ وبعث المخارق بن غفار الطائي فحاصره ثمانية أشهر‏.‏ ثم غلب عليه فقتله ومن كان معه من البربر وهربوا إلى كل ناحية‏.‏ وكانت حروبهم مع الجند من لدن قتل عمر بن حفص بطبنة إلى انقصاء ثلثمائة وخمسة وسبعين حرباً‏.‏ وقدم يزيد إفريقية فزال فسادها ورتب القيروان ولم تزل البلاد هادئة‏.‏ وانتقض ورفجومة سنة سبع وخمسين وولوا عليهم رجلاً منهم اسمه أبو زرجونة فسرح إليهم يزيد من عشيرة ابن محراة المهلبي فهزموه‏.‏ واستأذنه ابنه المهلب وكان على الزاب وطبنة وكتامة في الزحف إلى ورفجومة فأذن له وأمده بالعلاء بن سعيد بن مروان المهلبي من عشيرتهم أيضاً فأرقع بهم وقتلهم أبرح قتل‏.‏ وانتقض نفزاوة من بعد ذلك في سلطنة ابنه داود من بعد مهلكه سنة إحدى وستين ومائة وولوا عليهم صالح بن نصير النفزي ودعوا إلى رأيهم رأي الأباضية فسرح إليهم ابن عمه سليمان بن الصمة في عشرة آلاف فهزمهم وقتل البربر أبرح قتل‏.‏ ثم تحيز إلى صالح بن نصير ولم يشهد الأولى من البربر الأباضية واجتمعوا بشقبنارية فهزمهم إليها سليمان ثانية وانصرف إلى القيروان‏.‏ وركذت ريح الخوارج من البربر من إفريقية وتداعت بدعتهم إلى الاضمحلال ورغب عبد الرحمن بن رستم صاحب تاهرت سنة إحدى وسبعين في موادعة صاحب القيروان روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب فوادعه وانحصدت شوكة البربر واستكانوا للغلب وأطاعوا للدين فضرب الإسلام بجرانه وألقت الدولة الضريبة على البربر بكلكلها‏.‏ وتقفد إبراهيم بن الأغلب التميمي أمر إفريقية والمغرب من قبل الرشيد هرون سنة خمس وثمانين ومائة فاضطلع بأمر هذه الولاية وأحسن السيرة وقوم المنئاد ورأب الصدع وجمح الكلمة‏.‏ ورضيت الكافة‏.‏ واستقل بولايتها غير منازع ولامتشوه‏.‏ وتوارثها بنوه خالفاً عن سالف‏.‏ وكانت لهم بإفريقية والمغرب الدولة التي ذكرناها من قبل إلى أن انقرض أمر العرب بإفريقية على زيادة الله عاقبتهم الفار إلى المشرق أمام كتامة سنة ست وتسعين ومائتين كما نذكره‏.‏ وخرج كتامة على بني الأغلب بدعوة الرافضية‏.‏ قام بها فيهم أبو عبد الله المحتسب الشيعي داعية عبيد الله المهدي فكان ذلك آخر عهد العرب بالملك والدولة بإفريقية‏.‏ واستقل كتامة بالأمر من يومئذ ثم من بعدهم من برابرة المغرب‏.‏ وذهبت ريح العرب ودولتهم عن المغرب وإفريقية فلم يكن لهم بعد دولة إلى هذا العهد وصار الملك للبربر وقبائلهم يتداولونه طائفة بعد أخرى وجيلاً بعد آخر تارة يدعون إلى الأمويين الخلفاء بالأندلس وتارة إلى الهاشميين من بني العباس وبني الحسن‏.‏ ثم استقلوا بالدعوة لأنفسهم آخراً حسبما نذكر ذلك كله مفصلاً عندما يعرض لنا من ذكر دول زناتة والبربر الذين نحن في سياقة أخبارهم‏.‏

 البرابرة البتر

الخبر عن البرابرة البتر وشعوبهم ونبدأ منهم أولاً بذكر نفوسة وبطونهم وتصاريف أحوالهم نفوسة كان مادغيس الأبتر جد البرابرة البتر وكان ابنه زحيك ومنه تشعبت بطونهم‏.‏ فكان له من الولد فيما يذكر نسابة البربر أربعة‏:‏ نفوس واداس وضرا ولوا‏.‏ فأما أداس فصار في هوارة لما يقال إن هوارة خلف أباه زحيك على أمه قبل فصاله فانتسب إليه واختلط بولده‏.‏ واندرجت بطون أداس في هوارة كما ذكرناه‏.‏ وأما ضرا ولوا فسنأتي بذكر بطونهم واحداً واحداً‏.‏ وأما نفوس فهم بطن واحد تنسب إليه نفوسة كلها‏.‏ وكانوا من أوسع قبائل البربر فيهم شعوب كثيرة مثل بني زمور وبني مكسور وماطوسة‏.‏ وكانت مواطن جمهورهم بجهات طرابلس وما إليها وهناك الجبل المعروف بهم‏.‏ وهم على ثلاثة مراحل من قبلة طرابلس يسكنه اليوم بقاياهم‏.‏ وكانت مدينة صبرة قبل الفتح في مواطنهم وتعزى إليهم وهي كانت باكورة الفتح لأول الإسلام وخربها العرب عند استيلائهم عليها فلم يبق منهم إلا الأطلال ورسوم خافية‏.‏ وكان من رجالاتهم إسمعيل بن زياد المتغلب على قابس سنة اثنتين وثلاثين ومائة لأول الدولة العباسية‏.‏ ومنهم لهذا العهد أوزاع متفرقون في الأقطار بعمالات مصر والمغرب والله وارث الأرض ومن عليها وأما لوا فمن ولده نفزاوة ولواتة كما نذكر‏.‏