فصل: مدبونة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


 مدبونة

وهم من إخوة مغيلة ومطماطة من ولد فاتن كما قلناه وكانت مواطن جمهورهم بنواحي تلمسان ما بين جبل بني راشد لهذا العهد إلى الجبل المعروف بهم قبلة وجدة يتقلبون بظواعنهم في ضواحيه وجهاته‏.‏ وكان بنو يلومي وبنو يفرن من قبلهم يجاورونهم من ناحية المشرق ومكناسة من ناحية المغرب وكومية وولهاصة من جهة الساحل‏.‏ وكان من رجالاتهم المذكورين جرير بن مسعود كان أميراً عليهم وكان مع أبي حاتم وأبي قرة في فتنتهم وأجاز إلى الأندلس في طوالع القتح كثير منهم فكان لهم هنالك استفحال‏.‏ وخرج هلال بن أ بزيا منهم بشنتمرية على عبد الرحمن الداخل متبعاً شقياً المكناسي في خروجه‏.‏ ثم راجع الطاعة فتقبله وكتب له على قومه فكان بشرق الأندلس وشنتمرية‏.‏ ثم خلفه بها من قومه نابتة بن عامر‏.‏ ولما تغلب بنو توجين وبنو راشد من زناتة على ضواحي المغرب الأوسط وكان مديونة هؤلاء قد قل عددهم وفل حدهم فداخلتهم زناتة على الضواحي من مواطنهم وتملكوها وصارت مديونة إلى الحصون من بلاده بجبل تاسالة وجبل وجدة المعروف بهم‏.‏ وضربت عليهم المغارم وتمرست بهم الأيام فلم يبق منهم هنالك إلا صبابة محترفون بالفلح‏.‏ ومنهم أيضاً أوزاع في القبائل مندرجون فيهم‏.‏ وبنواحي فاس ما بينها وبين صفروي قبيلة منهم مجاورة لمغيلة والله يرث الأرض ومن عليها‏.‏ كومية وهم المعروفون قديماً بصطفورة إخوة لماية ومطغرة وهم من ولد فاتن كما قدمنا ولهم ثلاث بطون منها تفرعت شعوبهم وقبائلهم وهي ندرومة وصغارة وبنو يلول‏:‏ فمن ندرومة نغوطة وحرسة وفردة وهفانة وفراتة‏.‏ ومن بني يلول‏:‏ مسيفة ووتيوة وهبيئة وهيوارة ووالغة‏.‏ ومن صغارة ماتيلة وبنو حياسة‏.‏ وكان منهم النسابة المشهور هاني بن مصدور بن مريس بن نقوط هذا هو المعروف في كتبهم‏.‏ وكان مواطن كومية بالمغرب الأوسط لسيف البحر من ناحية أرشكول وتلمسان‏.‏ وكان لهم كثرة موفورة وشوكة مرهوبة‏.‏ وصاروا من أعظم قبائل الموحدين لما ظاهروا المصامدة على أمر المهدي وكلمة توحيده‏.‏ وربما كانوا رهط عبد المؤمن صاحبه وخليفته فإنه كان من بني عابد أحد بيوتاتهم وهوعبد المؤمن بن علي بن مخلوف بن يعلى بن مروان بن نصر بن علي بن عامر بن الأمير بن موسى بن عبد الله بن يحيى بن ورنيغ بن صطفور وهكذا نسبه مؤرخو دولة الموحدين إلى صطفور‏.‏ ثم يقولون صطفور بن نفور بن مطماط بن هودج بن قيس غيلان بن مضر‏.‏ ويذكر بعضهم أنه منقول من خط أبي محمد عبد الواحد المخلوع ابن يوسف بن عبد المؤمن فأما انتسابهم في قيس غيلان فقد ذكرنا أنه غير صحيح‏.‏ وفي أسماء هذا العمود من نسب عبد المؤمن ما يدل على أنه مصنوع إذ هذه الأسماء ليست من أسماء البربر وإنما هي كما تراه كلها عربية والقوم كانوا من البرابرة معروفون بينهم‏.‏ وانتساب مطغور إلى مطماط تخليط أيضاً فإنهما أخوان عند نسابة البربر أجمع وعبد المؤمن بلا شك منهم والله أعلم بما سوى ذلك‏.‏ وكان عبد المؤمن هذا من بيوتاتهم وأشرافهم وموطنهم بتاكرارت وهو حصن في الجبل المطل على هنين من ناحية الشرق‏.‏ ولما نجم عبد المؤمن فيهم وشب ارتحل في طلب العلم فنزل بتلمسان‏.‏ وأخذ عن مشيختها مثل ابن صاحب الصلاة وعبد السلام التونسي وكان فقيهاً صالحاً وهو ضجيع الشيخ أبي مدين في ترتبه‏.‏ ولما هلك عبد السلام هذا ولم يحذق تلميذه بعد في فنونه وكان شيخ عصره في الفقه والكلام‏.‏ تعطش التلميذ بعده إلى القراءة وبلغهم خبر الفقيه محمد بن تومرت المهدي ووصولهم إلى بجاية‏.‏ وكان يعرف إذ ذاك بالفقيه السوسي نسبة إلى السوس‏.‏ ولم يكن لقب المهدي وضع عليه بعد‏.‏ وكان في ارتحاله من المشرق إلى المغرب قد أخذ نفسه من تغيير المنكر الذي شأنه وطريقته نشر العلم وتبيين الفتاوى وتدريس الفقه والكلام‏.‏ وكان له في طريقته الأشعرية إمامة وقدم راسخة وهو الذي أدخلها إلى المغرب كما ذكرناه وتشوق طلبة العلم بتلمسان إلى الأخذ عنه وتفاوضوا في ذلك وندب بعضهم بعضاً إلى الرحلة إليه لاستجلابه وأن يكون له السبق بإتحاف القطر بعلومه‏.‏ فانتدب لها عبد المؤمن على مكانه من صغر السن بنشاطه للسفر لبداوته فارتحل إلى بجاية للقائه وترغيبه في نزوله تلمسان فلقيه بملالة وقد استحكمت بينه وبين العزيز النفرة وبنو ورياكل متعصبون على إجارته منهم ومنعه من إذايته والوصول إليه‏.‏ فألقى إليه عبد المؤمن ما عنده من الترغيب وأدى إليه رسالة طلبة العلم بتلمسان فوعاها وشأنه غير شأنهم‏.‏ وعكف عبد المؤمن على التعليم والأخذ عنه في ظعنه ومقامه‏.‏ وارتحل إلى المغرب في صحابته وحذق في العلم وآثره الإمام بمزيد الخصوصية والقرب بما خصه الله به من الفهم والوعي للتعليم حتى كأنه خالصة الإمام وكبير صحابته‏.‏ وكان يؤمله لخلافتة لما ظهر عليه من الشواهد المدونة بذلك‏.‏ ولما اجتازوا في طريقهم إلى المغرب بالثعالبة من بطون العرب الذين ذكرناهم قبل في نواحي المدينة‏.‏ قربوا إليه حماراً فارهاً يتخذه له عطية لركوبه فكان يؤثر به عبد المؤمن ويقول لأصحابه اركبوه الحمار يركبكم الخيول المسومة‏.‏ ولما بويع فه بهرغة سنة خمس عشرة وخمسمائة واتفقت على دعوته كلمة المصامدة وحاربوا لمتونة نازلوا مراكش‏.‏ وكانت بينهم في بعض أيام منازلتها حرب شديدة هلك فيها من الموحدين الألف فقيل للإمام إن الموحدين قد هلكوا‏.‏ فقال لهم ما فعل عبد المؤمن‏.‏ قالوا‏:‏ هو على جواده الأدهم قد أحسن البلاء‏.‏ فقال ما بقي عبد المؤمن فلم يهلك أحد‏!‏ ولما احتضر الإمام سنة اثنتين وعشرين عهد بخلافته في أمره لعبد المؤمن واستراب من العصبية بين المصامدة فكتم موت المهدي وأرجأ أمره حتى صدع الشيخ أبو حفص أمير هنتانة وكبير المصامدة لمصاهرته‏.‏ وأمضى عهد الإمام فيه فقام بالأمر واستبد بشياخة الموحدين رخلافة المسلمين‏.‏ ونهض سنة سبع وثلاثين إلى فتح المغرب فدانت له غمارة‏.‏ ثم ارتحل منها إلى الريف ثم إلى بطوية ثم إلى بطالسة ثم إلى بني يزناسن‏.‏ ثم إلى مديونة ثم إلى كومية وجيرانهم ولهاصة وكانوا يلونهم في الكثرة فاشتد عضده بقومه ودخلوا في أمره وشايعوه على تمكين سلطانه بين الموحدين وخلافته‏.‏ ولما رجع إلى المغرب وافتتح أمصاره واستولى على مراكش استدعى قومه للرحلة إليها والعسكرة عليه فخف جمهورهم إلى المغرب واستوطن مراكش لحمل سرير الخلافة والقيام بأمر الدعوة والذب عن ثغورهم والمدافعة فاعتضد بهم عبد المؤمن وبنوه سائر الدولة وكانوا بمكانتهم فاتحة الكتاب وفذلكة الجماعة‏.‏ وأنفقهم الملك في الفتوح والعساكر وأكلتهم الأقطار في تجهيز الكتائب وتدويخ الممالك فانقرضوا وبقي بمواطنهم الأولى بقايا منهم‏:‏ بنو عابد وهم في عداد القبائل الغارمة قد أثقلت زناتة كاهلهم فحملوا المغرم والعسف ونهوضهم بالتكاليف‏.‏ ونظموهم مع جيرانهم ولهاصة في سوم الخسف والذل واقتضاء الخراج بالنكال والعذاب والله مبدل الأمر ومالك الملك سبحانه‏.‏ زواوة وزواغة الخبر عن زواوة وزواغة من بطون ضريسة من البرابر البتر والإلمام ببعض أحوالهم هؤلاء البطون من بطون البرابرة البتر من ولد سمكان بن يحيى بن ضري بن زحيك بن مادغيس الأبتر‏.‏ وأقرب ما يليهم من البرابر زناتة لأن أباهم أجانا هو أخو سمكان ابن أبيه فلذلك كانوا ذوي قربى لهم‏.‏ زواوة فأما زواوة فهم من بطونهم وقد يقال إن زواوة من قبائل كتامة ذكر ذلك ابن حزم‏.‏ ونسابة البربر إنما يعدونهم من ولد سمكان كما قلناه والصحيح عندي ما ذكره ابن حزم‏.‏ ويشهد له الموطن ونحلة الشيع مع كتامة لعبيد الله‏.‏ وعد نسابة البربر لهم بطوناً كثيرة‏:‏ بنو مجسطة وبنو مليكش وبنو كوفي ومشدالة وبنو زريقف وبنو كوزيت وكرسفينة ووزلجة وخوجة وزكلاوة وبنو مرانة ويقال إن بني مليكش من صنهاجة والله أعلم‏.‏

 ومن قبائلهم المشهورة لهذا العهد

بنو يجرو وبنو مانكلات وبنو يترون وبنو ماني ينو بوغردان وبنو يتورغ وبنو بو يوسف وبنو عبسي وبنو بو شعيب وبنو صدقة وبنو غبرين بنو كشطولة‏.‏ ومواطن زواوة بنواحي بجاية ما بين مواطن كتامة وصنهاجة أوطنوا منها جبالاً شاهقة متوعرة تنذعر منها الأبصار وفضل في خمرها السالك مثل‏:‏ بني غبرين بجبل زيري وفيه شعراء من شجر الزان يشهد بها لهذا العهد‏.‏ ومثل بني فراسن وبني براثن‏.‏ جبلهم ما بين بجاية وتدلس وهوأعصم معاقلهم وأمنع حصونهم فلهم به الاعتزاز على الدول والخيار عليها في إعطاء المغرم مع أن كلهم لهذا العهد قد امتنع لساهمه واعتز على السلطان في أبناء طاعته وقانون مزاجه‏.‏ وكانت لهم في دولة صنهاجة مقامات مذكورة في السلم والحرب بما كانوا أولياء كتامة‏.‏ وظهر أولهم على أمرهم من أول الدولة وقتل بادس بن المنصور في إحدى وقائعه بهم وشيخهم زيري بن أجانا لاتهامه إياه في أمر حماد‏.‏ ثم اختط بنو حماد بعد ذلك بجاية بساحتهم وتمرسوا بهم فانقادوا وأذعنوا لهم إلى آخر الدولة‏.‏ واتصل إذعانهم إلى هذا العهد إلا تمريضاً في المغرم يحملهم عليه الموثقون بمنعة جبالهم‏.‏ وكانت رئاسة بني يراتن منهم في بني عبد الصمد من بوتاتهم‏.‏ وكانت عند تغلب السلطان أبي الحسن على المغرب الأوسط شيخة عليهم من بني عبد الصمد هؤلاء اسمها شمسي وكان لها عشرة من الولد فاستفحل شأنها بهم وملكت عليهم أمرهم‏.‏ ولما تقبض السلطان أبو الحسن على ابنه يعقوب المكنى بأبي عبد الرحمن عندما فر من معسكره بمتيجة سنة ثمان أو سبع وثلاثين وسرح في أثره الخيالة فرجعوه واعتقله‏.‏ ثم قتله من بعد ذلك حسبما يذكر في أخبارهم‏.‏ لحق حينئذ بني بزاتن هؤلاء خازن من مطبخة فموه عليهم باسمه وشبه بتمثاله ودعا إلى الخروج على ابنه بزعمه فشمرت شمسي هذه عزائمها في إجازته وحملت قومها على طاعته‏.‏ وسرب السلطان أبو الحسن أمواله في قومها وهما على السلامة فأبته‏.‏ ثم نمي إليها الخبر بمكره وتمويهه فنبذت إليه عهده وخرج عنها إلى بلاد العرب كما نذكر بعض ذلك في أخبارهم‏.‏ وقدمت على السلطان أبي الحسن في وفد من قومها وبعض بنيها فأبلغ السلطان في تكريمها وأحسن صلتها وأجاز الوفد ورجعت بهم إلى موطنها ولم تزل الرئاسة في هذا البيت‏.‏ زواغة وأما زواغة فلم يتأد إلينا من أخبارهم وتصاريف أحوالهم ما نعمل في الأقلام ولهم ثلاثة بطون وهي‏:‏ دمر بن زواغ وبنو واطيل بن زحيك بن زواغ وبنو ماخر بن تيفون بن زواغة‏.‏ ومن دمر بنو سمكان وهم أوزاع في القبائل‏.‏ ومنهم بنواحي طرابلس مفترقون في براريها ولهم هنالك الجبل المعروف بدمر‏.‏ وفي جهات قسطنطينة أيضاً رهط من زواغة‏.‏ وكذلك بجبال شلف بنو واطيل منهم وبنواحي فاس أخرون ولله الخلق والأمر‏.‏ مكناسة الخبر عن مكناسة وسائر بطون بني ورصطف وما كان لمكناسة من الدول بالمغرب وأولية ذلك وتصاريفه كان لورصطف بن يحيى وهو أخو اجانا بن يحيى وسمكان بن يحيى ثلاثة من البطون وهم‏:‏ مكناسة وورتناجة وأوكته‏.‏ ويقال مكنة وبنو ورتناجة أربعة بطون‏:‏ سدرجة ومكسة وبطالسة وكرنيطة‏.‏ وزاد سابق وأصحابه في بطونهم هناطة وفولالة وكذلك عدوا في بطون مكنة‏:‏ بني يصلتن وبني تولالين وبني ترين وبني جرتن وبني فوغال‏.‏ ولمكناسة عندهم أيضاً بطون كثيرة منها‏:‏ صولات وبنو حوات وبنو ورفلاس وبنو وريدوس وقنصارة وورنيفة ووريفلتة‏.‏ وبطون ورصطف كلهم مندرجون في بطون مكناسة‏.‏ وكانت مواطنهم على وادي ملوية من لدن أعلاه بسجلماسة إلى مصبه في البحر وما بين ذلك من نواحي تازا وتسول‏.‏ وكانت رئاستهم جميعاً في بني أبي يزول واسمه مجدول بن تافريس بن فراديس بن ونيف بن مكناس‏.‏ وأجاز منهم إلى العدوة عند الفتح أمم‏.‏ وكانت لهم بالأندلس رئاسة وكثرة‏.‏ وخرج منهم على عبد الرحمن الداخل شعيا بن عبد الواحد سنة إحدى وخمسين واعتصم بشنتمرية ودعا لنفسه منتسباً إلى الحسن بن علي وتسمى عبد الله بن محمد وتلقب بالفاطمي وكانت بينه وبين عبد الرحمن حروب إلى أن غلبه ومحا أثر ضلالته‏.‏ وكان من رجالتهم لعهد دولة الشيعة مصالة بن حبوس بن منازل اتصل بعبيد الله الشيعي وكان من أعظم قواده وأوليائه وولاه تاهرت وافتتح له المغرب وفاس وسجلماسة‏.‏ ولما هلك أقام أخاه يصلتن بن حبوس مقامه في ولاية تاهرت والمغرب‏.‏ ثم هلك وأقام ابنه حميداً مقامه فانحرف عن الشيعة ودعا لعبد الرحمن الناصر‏.‏ واجتمع مع بني خزر أمراء جراوة على ولاية المروانية‏.‏ ثم أجاز إلى الأندلس وولي الولايات أيام الناصر وابنه الحكم وولي في بعضها تلمسان بدعوتهم‏.‏ ثم هلك وأقام ابنه نصل بن حميد وأخوه فياطن بن يصلتن وعلي ابن عمه مصالة في ظل الدولة الأموية إلى أن أجاز المظفربن أبي عامر إلى المغرب فولى يصل بن حميد سجلماسة كما نذكره‏.‏ ثم أن رئاسة مكناسة بالعدوة انقسمت في بني أبي يزول وانقسمت قبائل مكناسة بانقسامها‏.‏ وصارت رئاسة مكناسة في مواطن سجلماسة وما إليها من بني واسول بن مصلان بن أبي يزول ورئاسة مكناسة بجهات تازا وتسول وملوية ومليلة لبني أبي العافية بن أبي نائل بن أبي الضحاك بن أبي يزول‏.‏ ولكل واحد من هذين الفريقين في الإسلام دولة وسلطان وصاروا به في عداد الملوك كما نذكره‏.‏

 دولة بني واسول

الخبر عن دولة بني واسول ملوك سجلماسة وأعمالها من مكناسة كان أهل مواطن سجلماسة من مكناسة يدينون لأول الإسلام بدين الصفرية من الخوارج لقنوه عن أئمتهم ورؤوسهم من العرب لما لحقوا بالمغرب وأنتزوا على الأصقاع وماجت أقطار المغرب بفتنة ميسرة‏.‏ فلما اجتمع على هذا المذهب زهاء أربعين من رجالاتهم نقضوا طاعة الخلفاء وولوا عليهم عيسى بن يزيد الأسود من موالي العرب ورؤوس الخوارج‏.‏ واختطوا مدينة سجلماسة لأربعين ومائة من الهجرة‏.‏ ودخل سائر مكناسة من أهل تلك الناحية في دينهم‏.‏ ثم سخطوا أميرهم عيسى ونقموا عليه كثيراً من أحواله فشدوه كتافاً ووضعوه على قنة جبل إلى أن هلك سنة خمس وخمسين‏.‏ واجتمعوا بعده على كبيرهم أبي القاسم سمكو بن مصلان بن أبي يزول كان أبوه سمقو من حملة العلم ارتحل إلى المدينة فأدرك التابعين وأخذ عن عكرمة مولى ابن عباس ذكره غريب بن حميد في تاريخه وكان صاحب ماشية وهو الذي بايع لعيسى بن يزيد وحمل قومه على طاعته فبايعوه من بعده‏.‏ وقاموا بأمره إلى أن هلك سنة سبع وستين ومائة لمنتهى عشر سنين من ولايته وكان أباضياً صفرياً‏.‏ وخطب في عمله للمنصور والمهدي من بني العباس‏.‏ ولما هلك ولوا عليهم ابنه إلياس وكان يدعى بالوزير‏.‏ ثم انتقضوا عليه سنة أربع وتسعين فخلعوه وولوا مكانه أخاه إليسع بن أبي القاسم وكنيته أبو منصور فلم يزل أميراً عليهم‏.‏ وبنى سور سجلماسة لأربع وثلاثين سنة من ولايته‏.‏ وكان أباضياً صفرياً‏.‏ وعلى عهده استفحل ملكهم بسجلماسة‏.‏ وهو الذي أتم بناءها وتشييدها واختط بها المصانع والقصور وانتقل إليها آخر المائة الثانية ودوخ بلاد الصحراء وأخذ الخمس من معادن درعة وأصهر لعبد الرحمن بن رستم صاحب تاهرت بابنه مدرار في ابنته أروى فأنكحه إياها‏.‏ ولما هلك سنة ثمان ومائتين ولي بعده ابنه مدرار ولقبه المنتصر وطال أمر ولايته‏.‏ وكان له ولدان اسم كل واحد منهما ميمون أحدهما لأروى بنت عبد الرحمن بن رستم وقيل إن اسمه أيضاً عبد الرحمن‏.‏ والآخر لتقي وتنازعا في الاستبداد على أبيه ودامت الحرب بينهما ثلاث سنين‏.‏ وكانت لأبيهما مدرار صاغية إلى ابن أروى فمال معه خى غلب أخاه فأخذه وأخرجه عن سجلماسة‏.‏ ولم يلبث أن خلع أباه واستبد بأمره‏.‏ ثم ساءت سيرته في قومه ومدينته فخلعوه وصار إلى درعة وأعاد مدراراً إلى أمره‏.‏ ثم حدث نفسه بإعادة ابنه ميمون بن الرستمية إلى أمارته بصاغيته إليه فخلعوه ورجعوا ابنه ميمون بن التقي وكان يعرف بالأمير‏.‏ ومات مدار إثر ذلك سنة ثلاث وخمسين لخمس وأربعين من ملكه‏.‏ وأقام ابنه ميمون في استبداده إلى أن هلك سنة ثلاث وستين وولي ابنه محمد وكان أباضياً‏.‏ وتوفي سنة سبعين فولي إليسع بن المنتصر وقام بأمره ولحق عبيد الله الشيعي وابنه وأبو القاسم بسجلماسة لعهده‏.‏ وأوعز المعتضد إليه في شأنهما وكان على طاعته فاستراب بهما وحبسهما إلى أن غلب الشيعي بني الأغلب وملك رقادة فزحف إليه لاستخراج عبيد الله وابنه من محبسه وخرج اليه إليسع في قومه مكناسة فهزمه أبوعبد الله الشيعي واقتحم عليه سجلماسة وقتله سنة ست وتسعين‏.‏ واستخرج عبيد الله وابنه من محبسهما وبايع لهما‏.‏ وولى عبيد الله المهدي على سجلماسة إبراهيم بن غالب المزاتي من رجالات كتامة وانصرف إلى إفريقية‏.‏ ثم انتقض أمرأء سجلماسة على واليهم إبراهيم فقتلوه ومن كان معه من كتامة سنة ثمان وتسعين وبايعوا الفتح بن ميمون الأمير بن مدرار ولقبه واسول وميمون ليس هو ابن التقي الذي تقدم ذكره وكان أباضياً‏.‏ وهلك قريباً من ولايته لرأس المائة الثالثة فولي أخوه أحمد واستقام أمره إلى أن زحف مصالة بن حبوس في جموع كتامة ومكناسة إلى المغرب سنة تسع وثلثمائة فدوخ المغرب وأخذهم بدعوة صاحبه عبيد الله المهدي‏.‏ وافتتح سجلماسة وتقبض على صاحبها أحمد بن ميمون بن مدرار‏.‏ وولى عليها ابن عمه المعتز بن محمد بن بسادر بن مدرار فلم يلبث أن استبد المعتز‏.‏ وهلك سنة إحدى وعشرين قبيل ملك المهدي وولي من بعده ابنه أبو المنتصرمحمد بن المعتز فمكث عشراً‏.‏ ثم هلك وولي من بعده ابنه المنتصر سمكو شهرين وكانت جدته تدبر أمره لصغره‏.‏ ثم ثار عليه أبن عمه محمد بن الفتح بن ميمون الأمير وتغلب عليه وشغب عليه بنو عبيد الله لفتنة ابن أبي العافية وتاهرت ثم بفتنة أبي يزيد بعدهما فدعا محمد بن الفتح لنفسه مموهاً بالدعوة لبني العباس‏.‏ وأخذ بمذاهب أهل السنة ورفض الخارجية ولقب الشاكر بالله‏.‏ واتخذ السكة باسمه ولقبه‏.‏ وكانت تسمى الدراهم الشاكرية‏.‏ كذا ذكره ابن حزم وقال فيه‏:‏ وكان في غاية العدل حتى إذا أفزع له بنو عبيد وحمت الفتنة زحف جوهر الكاتب أيام المعز لدين الله معد في جموع كتامة وصنهاجة وأوليائهم إلى المغرب سنة سبع وأربعين فغلب على سجلماسة وملكها‏.‏ وفر محمد بن الفتح إلى حصن تاسكرات على أميال من سجلماسة وأقام به‏.‏ ثم دخل سجلماسة متنكراً فعرفه رجل من مطغرة وأنذر به فتقبض عليه جوهر وقاده إلى القيروان مع أحمد بن بكر صاحب فاس كما نذكره وقفل إلى القيروان فلما انتقض المغرب على الشيعة وفشت بدعة الأمية وأخذ زناتة بطاعة الحكم المستنصر ثأر بسجلماسة قائم من ولد الشاكر وباهى المنتصر بالله‏.‏ ثم وثب عليه أخوه أبو محمد سنة وخمسين فقتله وقام‏.‏ بالأمر مكانه وتلقب المعتز بالله‏.‏ وأقام على ذلك مدة وأمر مكناسة يومئذ قد تداعى إلى الانحلال وأمر زناتة قد استفحل بالمغرب عليهم إلى أن زحف خزرون بن فلفول من ملوك مغراوة إلى سجلماسة سنة ست وستين وبرز اليه أبو محمد المعتز فهزمه خزرون وقتله واستولى على بلده وذخيرته وبعث برأسه إلى قرطبة مع كتاب الفتح‏.‏ وكان ذلك لأول حجابة المنصور بن عامر فنسب إليه واحتسب له جداً ويمن نقيبة وعقد لخزرون على سجلماسة فأفام دعوة هشام بأنحائها فكانت أول دعوة أقيمت لهم بالأمصار في المغرب الأقصى وانقرض أمر بني مدرار ومكناسة من المغرب أجمع‏.‏ وأديل منهم بمغراوة وبني يفرن حسبما يأتي ذكرهم في دولتهم والأمر لله وحده وله البقاء سبحانه وتعالى‏.‏

 دولة بني أبي العافية

كان مكناسة الظواعن من أهل مواطن ملوية وكرسيف ومليلة وما إليها من التلول بنواحي تازا وتسول والكل يرجعون في رئاستهم إلى أبي باسل بن أبي الضحاك بن أبي يزول وهم الذين اختطوا بلد كرسيف ورباط تازا ولم يزالوا على ذلك من أول الفتح‏.‏ وكانت رئاستهم في المائة الثالثة لمصالة بن حبوس وموسى بن أبي العافية بن أبي باسل واستفحل أمرهم في أيامه وعظم سلطانهم وتغلبوا على قبائل البربر بأنحاء تازا إلى الكائي وكانت بينهم وبين الأدارسة ملوك المغرب لذلك العهد فتن وحروب‏.‏ وكانوا يغلبونهم على كثير من ضواحيها لما كان نزل بدولتهم من الهرم‏.‏ ولما استولى عبيد الله المغرب واستفحل أمره كانوا من أعظم أوليائه وشيعه وكان مصالة بن حبوس من قواده لانحياشه إلى وولاه على مدينة تاهرت والمغرب الأوسط‏.‏ ولما زحف مصالة إلى المغرب الأقصى سنة خمس وثلثمائة واستولى على فاس وعلى سجلمماسة وفرغ من شأن المغرب واستنزل يحيى بن إدريس من إمارته بفاس إلى طاعة عبيد الله وأبقاه أميراً على فاس عقد حينئذ لابن عمه موسى بن أبي العافية أمير مكناسة على سائر ضواحي المغرب وأمصاره مضافة إلى عمله من قبل تسول وتازا وكرسيف وقفل مصالة إلى القيروان‏.‏ وقام موسى بن أبي العافية بأمر المغرب وناقضه يحيى بن إدريس صاحب فاس لما يضطغن له من المظاهرة عليه‏.‏ فلما عاود مصالة غزو المغرب سنة تسع أغراه ابن أبي العافية بحيى بن إدريس فثقبض عليه واستصفاه وطرده عن عمله فلحق ببني عمه بالبصرة والريف‏.‏ وولى مصالة على فاس ريحان الكتامي وقفل إلى القيروان فهلك وعظم ملك ابن أبي العافية بالمغرب‏.‏ ثم ثار بفاس سنة ثلاث عشرة الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس وكان مقداماً شجاعاً ويلقب بالحجام لطعنه في المحاجم‏.‏ دخل فاس على حين غفلة من أهلها وقتل ريحان واليها واجتمع الناس على بيعته‏.‏ ثم خرج لقتاله ابن أبي العافية فتزاحفوا بفحص أداذ ما بين تازا وفاس ويعرف لهذا العهد بوادي المطاحن واشتدت الحرب بينهم وهلك منهال بن موسى بن أبي العافية في الفتن بمكناسة‏.‏ ثم كانت العاقبة لهم وانفض عسكر الحسن ورجع مفلولاً إلى فاس فغدر به عامله على عدوة القرويين حامد بن حمدان الهمداني واستمكن من عاقلة واستحث ابن أبي العافية للقدوم وأمكنه من البلد وزحف إلى عدوة الأندلس فملكها وقتل عاملها عبد الله بن ثعلة بن محارب بن محمود وولى مكانه أخاه محمداً وطالب حامداً بصاحبه الحسن فدس إليه حامد بالفرار تجافياً عن دعاء أهل البيت وتدلى الحسن من السور فسقط وانكسر ساقه ومات مستخفياً بعدوة الأندلس لثلاث ليال منها‏.‏ وحذر حامد من سطوة أبي العافية فلحق بالمهدية واستولى ابن أبي العافية على فاس والمغرب‏.‏ وأجمع وأجلى الأدارسة عنه وألجأهم إلى حصنهم بقلعة حجر النسر مما يلي البصرة وحاصرهم بها مراراً‏.‏ ثم جمر عليهم العساكر وخلف فيهم قائده أبا الفتح فحاصرهم ونهض إلى تلمسان سنة تسع عشرة بعد أن استخلف على المغرب الأقصى ابنه مدين‏.‏ وأنزله بعدوة القرويين‏.‏ واستعمل على عدوة الأندلس طوال بن أبي يزيد وعزل به محمد بن ثعلبة‏.‏ وزحف إلى تلمسان فملكها وغلب عليها صاحبها الحسن بن أبي العيش بن عيسى بن إدريس بن محمد بن سليمان من عقب سليمان بن عبد الله أخي إدريس الأكبر الداخل إلى المغرب بعده فغلب موسى بن أبي العاقية الحسن على تلمسان وأزعجه عنها إلى مليلة جزائر ملوية ورجع إلى فاس‏.‏ وقد كان الخليفة الناصر لما فشت دعوته بالمغرب خاطبه بالمقاربة والوعد فسارع إلى إجابته ونقض طاعة الشيعة وخطب للناصر على منابر له فسرح إليه عبيد الله المهدي قائمه ابن أخي مصالة وهو حميد بن يصلتن المكناسي قائد تاهرت فزحف في العساكر إلى حرمة سنة إحدى وعشرين ولقيه موسى بن أبي العافية بفحص مسون فتزاحفوا أياماً‏.‏ ثم لقيه حميد فهزمه ولحق ابن أبي العافية بتسول فامتنع بها وأفرج قائده أبو الفتح عن حصن الأدارسة فاتبعوه وهزموه ونهبوا مكره‏.‏ ثم نهض حميد إلى فاس ففر عنها مدين بن موسى إلى ابنه واستعمل عليها حامد بن حمدان كان في جملته وقفل حميد إلى إفريقية وقد دوخ المغرب‏.‏ ثم انتقض أهل المغرب على الشيعة بعد مهلك عبيد الله وثار أحمد بن بكر بن عبد الرحمن بن سهل الجذامي على حامد بن حمدان فقتله وبعث برأسه إلى ابن أبي العافية فأرسله إلى الناصر بقرطبة واستولى على المغرب‏.‏ وزحف ميسور الخصي قائد أبي القاسم الشيعي إلى المغرب سنة ثلاث وعشرين وخام ابن أبي العافية عن لقائه واعتصم بحصن لكائي‏.‏ ونهض ميسور إلى فاس فحاصرها واستنزل أحمد بن بكر عاملها‏.‏ ثم تقبض عليه وأشخصه إلى المهدية وبدر أهل فاس بغدره فامتنعوا وقدموا على أنفسهم حسن بن قاسم اللواتي وحاصرهم ميسور مدة حتى رغبوا إلى السلم واشترطوا على أنفسهم الطاعة والأتاوة فتقبل ميسور ورضي وأقر حسن بن قاسم على ولايته بفاس‏.‏ وارتحل إلى حرب بن أبي العافية فكانت بينهصا حروب إلى أن غلبه ميسور فتقبض على ابنه الغوري وغربه إلى المهدية‏.‏ وأجلى موسى بن أبي العافية عن أعمال المغرب إلى نواحي ملوية ووطاط وما وراءها من بلاد الصحراء وقفل إلى القيروان‏.‏ ولما مر بأرشكول خرج إليه صاحبها ملاطفاً له بالتحف وهو إدريس بن إبراهيم بن ولد سليمان بن عبد الله أخي إدريس الأكبر فتقبض عليه واصطلم نعمته وولى مكانه أبا العيش بن عيسى منهم‏.‏ وأغذ السير إلى القيروان سنة أربع وعشرين‏.‏ ورجع موسى بن أبي العافية من الصحراء إلى أعماله بالمغرب فملكها وولى على الأندلس أبا يوسف بن محارب الأزدي وهو الذي مدن عدوة الأندلس وكانت حصوناً‏.‏ واحتل موسى بن أبي العافية قلعة كوماط وخاطب الناصر فبعث إليه مدداً من أسطوله وزحف إلى تلمسان ففر عنها أبو العيش واعتصم بأرشكول فنازله وغلبه عليها سنة خمس وعشرين‏.‏ ولحق أبو العيش بنكور واعتصم بالقلعة التي بناها هنالك لنفسه‏.‏ ثم زحف ابن أبي العافية إلى مدينة لنكور فحاصرها مدة ثم تغلب عليها وقتل صاحبها عبد البديع بن صالح وخرب مدينتهم‏.‏ ثم سرح ابنه مدين في العساكر فحاصر أبا العباس بالقلعة حتى عقد له السلم عليها‏.‏ واستفحل أمر ابن أبي العافية في المغرب الأقصى واتصل عمله بعمل محمد بن خزر ملك مغراوة وصاحب المغرب الأوسط وبثوا دعوة الأموية في أعمالها وبعث ابنه مدين بأمره في قومه‏.‏ وعقد له الناصر على أعمال ابنه بالمغرب واتصل يده بيد الخير بن محمد كما كان بين آبائهما‏.‏ ثم فسد ما بينهما وتزاحفا للحرب وبعث الناصر قاضيه منفر بن سعد لمشارفة أحوالهما وإصلاح ما بينهما فتم ذلك كما أراده ولحق به سنة خمس وثلاثين أخوه البوري فاراً من عسكر المنصور مع أحمد بن بكر الجذامي عامل فاس بعد أن لحقا بأبي يزيد فسار أحمد بن أبي بكر إلى فاس وأقام بها متنكراً إلى أن وثب بعاملها حسن بن قاسم اللواتي وتخلى له عن العمل‏.‏ وصار البوري إلى أخيه مدين واقتسم أعمال ابنه معه ومع ابنه الأخر منقذ فكانوا ثلاث الأثافي‏.‏ وأثار الثوري الناصر سنة خمس وأربعين فعقد الناصر لابنه منصور على عمله وكانت وفاته وهو محاصر لأخيه مدين بفاس وأجاز أبناء أبو العيش ومنصور إلى الناصر فأجزل لهما الكرامة على سنن أبيهما‏.‏ ثم هلك مدين فعقد الناصر لأخيه أبي منقذ على عمله سنة ثم غلب مغراوة على فاس وأعمالها واستفحل أمرهم بالمغرب وأزاحوا مكناسة عن ضواحيه وأعماله وساروا إلى مواطنهم وأجاز إسمعيل بن البوري ومحمد بن عبد الله بن مرين إلى الأندلس فنزلوا بها إلى أن جازوا مع واضح أيام المنصور كما مر عندما نقض زيري بن عطية طاغيتهم سنة ست وثمانين فملك واضح المغرب ورجعهم إلى أعمالهم‏.‏ وتغب بلكين بن زيري على المغرب الأوسط‏.‏ وغلب عليه ملوكه بني خزر من مغراوة فاتصلت يد مكناسة‏.‏ ولم يزالوا في طاعة بني زيري ومظاهرتهم‏.‏ وهلك إسمعيل بن البوري في حروب حماد مع باديس بشلف سنة خمس وأربعمائة وتوارث ملكهم في أعقاب موسى إلى أن ظهرت دولة المرابطين وغلب يوسف بن تاشفين على أعمال المغرب فزحف إليهم القاسم بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن موسى بن أبي العافية فاستدعى أهل فاس وصريخ زناتة بعد مهلك معنصرة المغراوي فلقي عساكر المرابطين بوادي صفر فهزمهم وزحف إليه يوسف بن تاشفين من مكانه فحاصر قلعة فازاز فهزم القاسم بن محمد وجموع مكناسة وزناتة ودخل فاس عنوة كما ذكرناه في أخباره‏.‏ ثم زحف إلى أعمال مكناسة فاقتحم الحصن وقتل القاسم‏.‏ وفي بعض تواريخ المغرب أن مهلك إبراهيم بن موسى كان سنة خمس وأربعمائة‏.‏ وولي ابنه عبد الله أبو عبد الرحمن وهلك سنة ثلاثين وولي ابنه محمد وهلك سنة ست وأربعين وولي ابنه القاسم وهلك بتسول عند اقتحام لمتونة عليه سنة ثلاث وستين‏.‏ وانقرض ملك مكناسة من المغرب بانقراض ملك مغراوة والأمر لله وحده وبقي من قبائل مكناسة لهذا العهد بهذه المواطن أفاريق في جبال تازا بعد ما تمرست بهم الدول وأناخت بساحتهم الأمم‏.‏ وهم موصوفون بوفور الجباية وقوة الشكيمة‏.‏ ولهم عناء في مظاهرة الدولة وحقوق عند الحشد والعسكرة‏.‏ وفيهم مؤن من الخيالة‏.‏ ومن مكناسة غير هؤلاء أوزاع في القبائل لهذا العهد مفرقون في نواحي إفريقية والمغرب الأوسط‏.‏ ‏"‏ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز ‏"‏ وهذا آخر الكلام في بني ورصطيف فلنرجع إلى من بقي علينا من البربر وهم زناتة والله ولي العون وبه المستعان‏.‏