فصل: هزيمة المهدي وبيعته للمؤيد هشام ومقتله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  هزيمة المهدي وبيعته للمؤيد هشام ومقتله

ولما دخل المهدي إلى قرطبة خرج المستعين إلى البرابرة وتفرقوا في البسائط والقرى فينهبون ويقتلـون ولا يبقـون علـى أحـد‏.‏ ثـم ارتحلـوا إلـى الجزيـرة الخضـراء فخـرج المهدي وابن أدفونش واتبعهم المستعيـن والبرابـرة أثنـاء ذلـك يحاصرونهـم حتـى خشـي الناس من اقتحام البرابرة عليهم فأغروا أهل القصر وحاجبه المدبر بالمهدي وإن الفتنة إنما جاءت من قبله وتولى كبر ذلك واضح العامري فقتلـوا المهـدي محمـد بـن هشـام واجتمعت الكافة على تجديد البيعة لهشام المؤيد ليعتصموا به من معرة البرابرة وما يسومونهم به ملوكهم من سوء العذاب وعاد هشام إلى خلافته وأقام واضح العامري لحجابته وهو من موالي المنصور بن أبي عامر‏.‏ حصار قرطبة واقتحامها عنوة ومقتل هشام واستمـر البرابـرة على حصار قرطبة والمستعين بينهم ولم يفر عن أهل قرطبة تبعه هشام المؤيد والبرابرة يترددون إليها ذاهبين وجائيـن بأنـواع النهـب والفتـك إلـى أن هلكـت القـرى والبسائـط وعدمـت المرافـق وصافـت أحـوال أهـل قرطبـة وجهدهم الحصار‏.‏ وبعث المستعين البرابرة إلى ابن أذفونش يستقدمونه لمظاهرتهم فبعث إليه هشام المؤيد وحاجبه واضحاً يكفونه عن ذلك بأن نزلوا له عن ثغور قشتالة التي كان المنصور اقتحمها فسكن عزمه وسكن عن مظاهرتهم‏.‏ ثم اتصـل الحصار بمخنق البلد وصدق البرابرة القتال فتقتحموها عنوة سنة ثلاث وأربعمائة وفتكوا بهشام المؤيد ودخل المستعين‏.‏ ولحق بأهل قرطبة من البرابرة فـي نسائهـم ورجالهـم وبناتهـم وأبنائهم ومنازلهم‏.‏ وظن المستعين أن قد استحكم أمره وتوثبت البرابرة العبيد على الأعمال فولوا المدن العظيمة وتقلدوا الأعمال الواسعة مثل باديس بن حبوس في غرناطة ومحمد بن عبد الله البرزالي في قرمونـة وأبـو ثـور بـن أبـي شبـل بالأندلس وصار الملك طوائف في آخرين من أهل الدولة مثل ابن عبـاد باشبيليـة وابن الأفطس ببطليوس وابن ذي النون بطليطلة وابن أبي عامر ببلنسية ومرسية وابن هود بسرقسطة ومجاهد العامري بدانية والجزائر منذ عهـد هـذه الفتنـة كمـا نذكـر فـي أخبارهم‏.‏

  ثورة ابن حمود واستيلاؤه وقومه على ملك قرطبة

ولما افترق شمل جماعة قرطبة البرابرة على الأمر وكان علي بن حمود وأخوه قاسم من عقب إدريس قد أجازوا معهم من العدوة فدعوا لأنفسهم وتعصب معهم الكثير من البربر‏.‏ وملكوا قرطبـة سنـة سبع وأربعمائة وقتلوا المستعين ومحوا ملك بني أمية‏.‏ واتصل ذلك في خلق منهم سبـع سنيـن‏.‏ ثـم رجـع الملـك فـي بنـي أميـة وفـي ولـد الناصـر نحـواً مـن سبـع سنيـن‏.‏ ثم خرج عنهم وافتـرق الأمـر فـي رؤسـاء الدولة من العرب والموالي والبربر واقتسموا الأندلس ممالك ودولاً وتلقبوا بألقاب الخلفاء كما نذكر ذلك كله مستوفى في أخبارهم‏.‏ عود الملك إلى بني أمية وأولاد المستظهر لما قطع أهل قرطبة دعوة المحموديين يعد سبع من هلكهم وزحف إليهم قاسم بن حمود في جموع من البربر فهزمهم أهل قرطبة ثم اجتمعوا واتفقوا على رد الأمر إلى بني أمية واختاروا لذلك عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار أخا المهدي وبايعوه في رمضان سنة أربع عشرة وأربعمائة ولقبوه المستظهر‏.‏ وقام بأمره المستكفي‏.‏ ثم ثار على المستظهر لشهرين من خلافته محمـد بـن عبـد الرحمـن بـن عبيـد اللـه بـن الناصـر أميـر المؤمنيـن‏.‏ كـان المنصور بن أبي عامر قتل أباه عبـد الرحمـن لسعيـه فـي الخلـاف فثـار الـآن محمـد هـذا وتبعـه الغوغـاء وفتـك بالمستظهـر واستقل بأمر قرطبة وتلقب بالمستكفي‏.‏ عود الأمر إلى بني حمود وبعـد ستـة عشـر شهـراً مـن بيعـة المستكفـي رجـع الأمر إلى يحيى ابن علي بن حمود وهو المعتلي المعتمد من بني أمية ثم خلع أهل قرطبة المعتلي بن حمود ثانياً سنة سبع عشرة وبايع الوزير أبو محمد جهور بن جهور عميد الجماعة وكبير قرطبة لهشام بن محمد أخي المرتضى وكان بالثغر في لاردة عند ابـن هـود‏.‏ ولمـا بلغـه خبـر البيعـة لـه انتقـل إلـى البرنـث واستقـر عنـد التغلب عليها محمد بن عبد الله بن قاسم وكانت البيعة له انتقل سنة ثمان عشرة وأربعمائة وتلقب المعتمد بالله وأقام متردداً في الثغر‏.‏ ثلاثة أعوام واشتدت الفتن بين رؤساء الطوائف واتفقوا على أن ينزل دار الخلافة بقرطبـة فاستقدمـه ابـن جهـور والجماعـة ونزلهـا آخـر سنـة عشريـن وأقام يسيراً ثم خلعه الجند سنة اثنتين وعشرين وفر إلى لاردة فهلك بها سنة ثمان وعشرين وانقطعت دولة الأموية والله غالب على أمره‏.‏

  الخبر عن دولة بني حمود

التي أدالت من دولة بني أمية بالأندلس وأولية ملكهم وتصاريف أمورهم إلى آخرها كان في جملة المستعين مع البربر والمغاربة أخوان من ولد عمر بن إدريس وهما القاسم وعلي ابنـا حمـود بن ميمون بن أحمد بن عبيد الله بن عمر كانوا في لفيف البرابرة فكانت للبربر إليهم صاغية بسبب ذلك وخلطة‏.‏ وبقي الفخر منهم بتاز غدره من غمـارة فأجـازوا مـع البربـر وصاروا في جملة المستعين مع أمراء‏.‏ العدوة من البربر فعقد لهما المستعين فيمن عقد له من المغاربة عقد لعلي منهما على طنجة وعملها للقاسم - وكان الأسن - على الجزيرة الخضراء‏.‏ وكان في نفوس المغاربة والبرابرة تشيع لأولاد إدريس متوارث حق دولتهم بالعدوة كما ذكرناه‏.‏ واستقام أمر علي بن حمود وتمكن سلطانه واتصلت دولته عامين إلى أن قتله صقالبته بالحمام سنة ثمان وأربعمائة فولي مكانه أخوه القاسم بن حمود وتلقب بالمأمون‏.‏ ونازعـه فـي الأمـر بعـد أربـع سنيـن مـن خلافتـه يحيـى ابـن أخيـه علـي بسبتـة وكـان أميـر الخرب وولي عهد أبيه فبعث إليه أشياعهم من البربر مالاً مع جند الأندلس سنة عشر واحتل بمالقة وكان أخـوه إدريـس بهـا منـذ عهـد أبيهمـا فبعـث إلـى سبتـة ووصـل إلـى يحيى بن علي زاوى بن زيري من غرناطة وهو عميد البرابرة ثانية يومئذ فزحف إلى قرطبة فملكها سنة اثنتي عشرة وتلقب المعتلي واستوزر أبا بكر بن ذكـوان وفـر المأمـون إلـى إشبيليـة وبايـع لـه القاضـي محمـد بـن إسماعيل بن عباد‏.‏ واستمال بعضاً من البرابرة ثانية واستجاشهم على ابن أخيه ورجع إلى قرطبة سنة ثلاث عشرة‏.‏ ولحق المعتلي بمكانه من مالقة وتغلب أخوه على الجزيرة الخضراء عمل المأمون من لدن عهد المستعين وتغلب أخوه إدريس على طنجة من وراء البحر وكان المأمون يعتدها حصناً لنفسه وبنيـه ويستـودع بهـا ذخيرتـه وبلـغ الخبـر إلـى قرطبـة بتغلبـه علـى قواعده وحصونه مع ما كان يتشدد على بني أمية فاضطرب أمر المأمون وثار عليه أهل قرطبة ونقضوا طاعته وبايعوا للمستظهر ثـم للمستكفـي مـن بنـي أميـة كمـا ذكرنـاه‏.‏ وتحيـز المأمـون وبرابرتـه إلى الأرباض فاعتصموا به وقاتلوا دونه وحاصروا المدينة خمسين يوماً‏.‏ ثم صمم أهل قرطبة لمدافعتهم فأخرجوا عن الأرباض وانفضت جموعهم سنة عشرة‏.‏ ولحق المأمون باشبيلية وبها ابنه محمد ومحمد بن زيري من رجالات البربر فأطمعه القاضي محمد بن إسماعيل بن عباد في الملك وأن يمتنعوا من القاسم فمنعوه وأخرجوا إليه ابنه وضبطوا بلدهم‏.‏ ثم اشتد ابن عباد وأخرج محمد بن زيري ولحق المأمـون بشريـش ورجـع عنـه البربـر إلـى يحيـى المعتلـي ابـن أخيـه فبايعـوه سنة خمس عشرة‏.‏ وزحف إلـى عمـه المأمـون بشريـش فتغلـب عليـه ولـم يزل في محبسه سنة سبع وعشرين وأربعمائة واستقل يحيى المعتلي بالأمور واعتقل محمداً والحسن ابني عمه القاسم المأمون بالجزيرة ووكل بهما أبا الحجاج من المغاربة وأقاما كذلك‏.‏ ثم خلع أهل قرطبة المستكفي وصاروا إلى طاعة المعتلي واستعمل عليهم عبد الرحمن بن عطـاف اليفرني من رجالات البربر وفر المستكفي إلى ناحية الثغر فهلك بمدينة سالم‏.‏ ثم نقض أهل قرطبة طاعة المعتلي سنة سبع عشرة وصرفوا عامله عليهم ابن عطاف وبايعوا للمعتمد أخي المرتضى‏.‏ ثم خلعوه كما ذكرنا في خبره واستبد بأمر قرطبة الوزير ابن جهور بن محمد كمـا نذكـره فـي أخبـار ملـوك الطوائـف وأقـام يحيـى بـن المعتلـي يتخيفهـم ويردد العساكر لحصارهم إلى أن اتفقت الكافة على إسلام المدائن والحصون له فلا سلطانه واشتد أمره وظاهره محمد بن عبـد اللـه البرزالـي علـى أمـره فنـزل عنـده بقرمونـة يحاصـر فيهـا ابن عباد بإشبيلية إلى أن هلك سنة سـت وعشريـن بمداخلـة ابـن عبـاد للبرزالي في اغتياله فركب المعتلي لخيل أغارت على معسكره بقرمونـة مـن جنـد ابـن عباد وقد أكمنوا له فكبا به فرسه وقتل‏.‏ وتولى قتله محمد بن عبد الله البرزالي وانقطعت دولة بني حمود بقرطبة‏.‏ وكـان أحمـد بـن موسـى بـن بقيـة والخـادم نجـى الصقلـي وزيـري دولة الحموديين عند أولها فرجعا إلى مالقة دار ملكهم واستدعوا أخاه إدريس بن علي بن حمود من سبتة وطنجة وبايعوه على أن يولي سبتة حسن ابن أخيه يحيى فتم أمره بمالقة وتلقب المتأيد بالله وبايعـه المريـة وأعمالهـا ورندة والجزيرة وعقد لحسن ابن أخيه يحيى على سبتة ونهض معه نجى الخادم وكان له ظهور على ملوك الطوائف وكان أبوه القاسم بن عباد قد استفحل ملكه لذلك العهد ومد يده إلى انتزاع البلاد من أيدي الثوار‏.‏ وملك أشبونة وأستجة من يد محمد بن عبد الله البرزالي وبعث العساكـر مـع ابنـه إسماعيـل لحصـار قرمونـة فاستصـرخ محمـد بـن عبد الله بالقائد هذا وبزاوي فجاء زاوي بنفسه وبعث القائد هذا عساكره مع ابن بقية فكانت بينهـم وبيـن ابـن عبـاد حـروب شديدة هزم فيها ابن عباد وقتل وحمل رأسه إلى إدريس المتأيد وهلك ليومين بعدها سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة‏.‏ واعتـزم ابـن بقيـة علـى بيعـة ابنـه يحيى الملقب حبون فأعجله عن ذلك نجى الخادم وبادر إليه من سبتة ومعه حسن بن يحيى المعتلي فبايعه البربر ولقب المستنصر وقتل ابن بقية وفر يحيى بن إدريس إلى قمارش فهلك بها سنة أربع وثلاثين ويقال بل قتله نجى ورجع نجى إلى سبتة ليحفظ ثغرها ومعه ولد حسن بن يحيى صبياً وترك السطيفي على وزارة حسن لثقته بـه وبايعته غرناطة وجملة من بلاد الأندلس‏.‏ وهلك حسن مسموماً بيد ابنة عمه إدريس ثارت لأخيها حسن سنة ثمان وثلاثين فاعتقل السطيفي أخاه إدريس بن يحيى وكتب إلى نجى وابن حسـن المستنصـر الـذي كان عنده بسبتة ليعقد له واغتاله نجى وأجاز إلى مالقة ودعى لنفسه‏.‏ ووافقه البربر والجند‏.‏ ثم نهض إلى الجزيرة ليستأصل حسناً ومحمداً ابني قاسم بن حمود ورجع خاسئاً فاغتاله في طريقه بعض عبيد القاسم وقتلوه‏.‏ وبلغ الخبر إلى مالقة فثارت العامة بالسطيفي وقتل وأخرج إدريس بن يحيى المعتلي من معتقله وبويع له سنة أربع وثلاثين وأطاعته غرناطة قرمونة وما بينهمـا ولقـب العالـي وولـى علـى سبتـة سكوت ورزق الله من عبيد أبيه‏.‏ ثم قتل محمداً وحسناً ابني عمه إدريس فثار السودان بدعوة أخيهما محمد بمالقة وامتنعوا بالقصبة وكانت العامة مع إدريس ثم أسلموه‏.‏ وبويع محمد بمالقة سنة ثمان وثلاثين وتلقب المهدي وولى أخاه عهده ولقبه الساني‏.‏ ثم نكر منه بعض النزعات ونفاه إلى العدوة فأقام بين غمارة ولحق العالي بقمارش فامتنع بها وأقام يحاصر مالقة وزحف بإدريس من غرناطة منكراً على المهدي فعله فامتنع عليه فبايع له وانصرف وأقام المهدي في ملكه بمالقة وأطاعته غرناطة وحيان وأعمالها إلى أن مات بمالقة سنة أربع وأربعين‏.‏ وبويع إدريس المخلوع ابن يحيى المعتلي من مكانه بقمارش وبويع له بمالقة وأطلق أيدي عبيده عليهـا لحقـده عليهـم ففـر كثيـر منهـم إلـى أن هلـك سـن سبـع وأربعيـن وبويـع محمـد الأصغر ابن إدريس المتأيـد وتلقبـه وخطـب لـه بمالقـة والمرية ورندة‏.‏ ثم سار إليه باديس فتغلب على مالقة سنة تسع وأربعين وأربعمائة وسار محمد المستعلي إلى المرية مخلوعاً واستدعاه أهل مليلة فأجاز إليهم وبايعوه سنة تسع وخمسين وبايعه بنو ورقدى وقلوع جارة ونواحيها‏.‏ وهلك سنة وأربعمائة‏.‏ وأما محمد بن القاسم المعتقل بمالقة ففر هو من ذلك الاعتقال سنة أربع عشرة ولحق بالجزيرة الخضـراء فملكهـا وتلقـب المعتصـم إلـى أن مـات سنـة أربعيـن‏.‏ ثـم ملكهـا بعـده ابنـه القاسم الواثق إلى أن هلك سنة خمسين وصارت الجزيرة للمعتضد بن عباد وكان سكوت البرغواطي الحاجب مولـى القاسـم الواثق محمد بن المعتصم ويقال مولى يحيى المعتلي والياً على سبتة من قبلهم فلما غلب ابن عباد على الجزيرة طلبه في الطاعة وطلب هو ملك الجزيرة فامتنعت عليه واتصلت الفتنـة بينهمـا إلـى أن كـان مـن أمـر المرابطين وتغلبهم على سبتة وعلى الأندلس ما سنذكره والبقاء لله وحده سبحانه وتعالى‏.‏

  الخبر عن ملوك الطوائف بالأندلس بعد الدولة الأموية

كان ابتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم لما انتثر ملك الخلافة العربية بالأندلس وافترق الجماعة بالجهات وصار ملكها في طوائف من الموالي والوزراء وأعياص الخلافة وكبار العرب والبربر واقتسموا خططها وقام كل واحد بأمر ناحية منها‏.‏ وتغلب بعض على بعض استقل أخيراً بأمرهـا ملـوك منهـم استفحـل شأنهـم ولاقـوا بالجزيـة للطاغيـة أو يظاهـرون عليهـم أو ينتزعونهـم ملكهم حتى أجاز إليهم يوسف بن تاشفين أمير المرابطين وغلبهم جميعاً على أمرهم فلنذكر أخبارهم واحداً بعد واحد‏.‏ بنو عباد الخبر عن بني عباد ملوك إشبيلية وغربي الأندلس وعمن تغلبوا عليه من أمراء الطوائف كـان أولهـم القاضـي أبـو القاسـم محمـد بـن فـي الوزارتين أبي الوليد إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بـن قريـش بـن عبـاد بـن عمر بن أسلم بن عمر بن عطاف بن نعيم اللخمي وعطاف هو الداخل إلى الأندلس في طوالع لخم وأصلهم من جند حمص ونزل عطاف قرية طشانة بشرق إشبيلية ونسل بنيه بها‏.‏ وكان محمد بن إسماعيل بن قريش صاحب الصلاة بطشانة‏.‏ ثم ولي ابنه إسماعيـل الـوزارة بإشبيليـة سنـة ثلاث عشرة وأربعمائة وولي ابنه أبو القاسم القضاء بها والوزارة من سنة أربع عشرة وأربعمائة إلى أن هلك سنة ثلاث وثلاثين‏.‏ وكـان أصل رياسته أنه كان له اختصاص بالقاسم بن حمود وهو الذي أحكم عقد ولايته وكان محمـد بـن زيـري مـن أقيـال البرابـرة والياً على إشبيلية فلما فر القاسم من قرطبة وقصده داخل بن عباد محمد بن زيري في غرناطة ففعل وطردوا القاسم وطردوا بعدها بن زيري وصار الأمر شـورى بينـه وبيـن أبـي بكـر الزبيـدي معلـم هشـام وصاحـب مختصـر العيـن فـي اللغة ومحمد بن برمخ الألهانـي‏.‏ ثـم استبـد عليهـم وجنـد الجنـد ولـم يـزل علـى القضـاء‏.‏ ولمـا منـع القاسـم من إشبيلية عدل عنهـا إلـى قرمونـه ونـزل على محمد بن عبد الله البرزالي وكان ولي قرمونة أيام هشام والمهدي من بعده‏.‏ ثم استبد بها سنة أربع وأربعمائة أزمان الفتنة فداخله ابن عباد في خلع القاسم والاستبداد بها‏.‏ ثم تنصح للقاسم فتحول إلى شريش واستبد محمد بن البرزالي بقرمرنة‏.‏ واستبد أبو القاسم إلى أن هلك سنة ثلاث وثلاثين كما قلناه وقام بأمره ابنه عباد وتلقب المعتضد واستولى على سلطانه واشتدت حروبه وأيامه‏.‏ وتنـاول طائفـة مـن الممالك بعد بالأندلس وانفسح أمده وأول ما افتتح أمره بمداخلة محمد بن عبد الله البرزالي صاحب قرمونـة فـي إفسـاد مـا بينـه وبيـن القاسـم بـن حمـود حتـى تحـول عنـه إلـى شريـش‏.‏ ثم تحارب مع عبد الله بن الأفطس صاحب بطليوس وغزاه ابنه إسماعيل في عساكره ومعه محمد بن عبد الله البرزالي فلقيه المظفر بن الأفطس فهزمهما وأسر المظفر بن البرزالي إلى أن أطلقـه بعـد حيـن‏.‏ ثـم فسـد مـا بينـه وبيـن البرزالـي واتصلـت الفتنـة بينهمـا إلـى أن قتله ابنه إسماعيل خرج إليه في سرية فأغار على قرمونة وأكمن الكمائن فركب محمـد البرزالـي فـي أصحابـه واستطرد له إسماعيل إلى أن بلغ به الكمين فخرجوا عليه فقتلوه وذلك سنة أربع وثلاثين‏.‏ ثم خالف عليه ابنه إسماعيل وأغراه العبيد والبرابرة بالملك فأخـذ مـا قـدر عليـه مـن المـال والذخيـرة وفر إلى جهة الجزيرة للتوثب بها وكان أبوه ليلتئذ بحصن الفرج فأنفذ الخيالة في طلبه فمـال إلـى قلعـة الـورد فتقبـض واليهـا عليـه وأنفـذه إلى أبيه فقتله وقتل كاتبه وكل من كان معه‏.‏ ثم رجع إلى مطالبة البربر المتزين بالثغور وأول من نذكر منهم صاحب قرمونة وكان بها المستظهر العزيز بن محمد بن عبد الله البرزالي وليها بعد أبيه كمـا ذكرنـاه‏.‏ وكانـت لـه معهـا أستجـة والمروز وكان نموز ورواركش للوزير نوح الرموي من برابرة العدوة وشيعة المنصور واستبد بها سنـة أربـع ومـات سنـة ثلـاث وثلاثيـن‏.‏ وولـي ابنـه عـز الدولـة الحاجـب أبو مياد محمد بن نوح ومات سنـة‏.‏ وكـان يزيـد أبـو ثـور بـن أبـي قـرة اليفرنـي استبـد بهـا أيام الفتنة سنة خمسين من يد عامر بن فتـوح مـن صنائـع العلوييـن ولـم يزل المعتضد يضايقه واستدعاه بعض الأيام لولاية فحبسه وكاده في ابنـه بكتـاب علـى لسـان جاريتـه برنـدة أنه ارتكب منها محرماً ثم أطلقه فقتل ابنه وشعر بالمكيدة فمـات أسفـاً سنـة خمسيـن وولـي ابنـه أبـو نصـر إلـى أن غـدر بـه فـي الحصـن بعـض أجناده فسقط من السور ومات سنة تسع وخمسين‏.‏ وكـان بشريـش خـزرون بـن عبـدون ثـار بها سنة اثنتين وأربعمائة فتقبض عليه ابن عباد وطالبهم وطاف على حصونهـم وصـار يهاديهـم وأسجـل لهـم بالبلـاد التـي بأيديهـم فاسجـل لابـن نـوح بأركـش ولابـن خـزرون بشريـش ولأبـن أبـي قـرة برنـدة وصـاروا فـي حزبـه ووثقـوا بـه‏.‏ ثـم استدعاهـم لوليمة وغدر بهم في حمام استعمله لهم على سبيل الكرامة وأطبقه عليهم فهلكوا جميعاً إلا ابن نوح فإنه سالمه من بينهم لليد التي كانت له عنده في وخرج باديس لطلب ثأرهم منه واجتمعت إليه عشائرهم فنازلوه مدة ثم انصرفوا وأجازوا إلـى العـدوة فاحتلـوا بسبتـة وطردهـم سكـوت فهلكـوا فـي المجاعـة التـي صادفـوا وأحلـوا بالمغـرب لذلـك العهد‏.‏ واستقل ابن عباد وكان بأونية وشلطليش عبد العزيز البكري وكانت عساكر المعتضد ابن عباد تحاصره فشفع فيه ابن جهور للمعتضد فسالمه مدة‏.‏ ثم هلك ابن جهور فعاد إلى مطالبته إلى أن تخلـى لـه عنهـا سنـة ثلـاث وأربعيـن فولـى عليهـا ابنـه المعتمـد‏.‏ ثـم سـار إلـى شلـب وبهـا المظفـر أبـو الأصبـغ عيسـى بـن القاضـي أبـي بكـر محمـد بـن سعيـد بـن مزيـن ثـار بها سنة تسع عشرة ومات سنة اثنتين وأربعين فسار إليها المعتضد وملكها من يد ابنه ونقل إليها المعتمد فنزلها واتخذهـا دار إمـارة‏.‏ ثـم سـار إلـى شنـت بريـه وبهـا المعتصـم محمد بن سعيد بن هارون فانخلع له عنها سنة تسع وثلاثين وأضافها للمعتمد‏.‏ وكان بلبلة تاج الدين أبو العباس أحمد بن يحيى التحصيني ثار بها سنة أربع عشرة وخطب له بأونية وشلطليش ومات سنة ثلاث وثلاثين وأوصـى إلـى أخيـه محمـد وضايقـه المعتضـد فهـرب إلـى قرطبـة واستبـد بهـا ابن أخيه فتح بن خلف بـن يحيـى‏.‏ وانخلـع للمعتضـد سنـة خمـس وأربعين وصارت هذه كلها من ممالك بني عباد‏.‏ وتملك المعتضد أيضاً مرسية وثار بها عليه ابـن رشيـق البنـاء وتسمـى خاصـة الدولـة وبقـي ثمـان سنين‏.‏ ثم ثاروا عليه سنة خمس وخمسين ورجعوا لابن عباد‏.‏ وتملـك المعتضـد مرثلـة مـن يـد ابـن طيفـور سنـة سـت وثلاثيـن وكان تملكها من يد عيسى بن نسب الجيش الثائر بها وصارت هذه الممالك كلها في ملك ابن عباد وكانت بينه وبين باديس ابن حبـوس صاحـب غرناطـة حـروب إلـى أن هلـك سنـة إحـدى وستيـن وولـي من بعده ابنه المعتمد بن المعتضد بن إسماعيل أبو القاسم بن عباد وجرى على سنن أبيه واستولى على دار الخلافة قرطبة من يد ابن جهور وفرق أبناءه على قواعد الملك وأنزلهم بها واستفحل ملكه بغرب الأندلس وعلت يـده علـى مـن كـان هنالـك مـن ملـوك الطوائـف مثـل ابـن باديـس بـن حبـوس بغرناطـة وابـن الأفطـس ببطليـوس وابن صمادح بالمرية وغيرهم‏.‏ وكانوا يطلبون سلمه ويعملون في مرضاته وكلهم يدارون الطاغية ويتقونه بالجزى إلى ظهر بالعدوة ملك المرابطين واستفحل أمر يوسـف بـن تاشفيـن وتعلقـت آمـال المسلميـن فـي الأندلـس بإعانتـه وضايقهم الطاغية في طلب الجزية فقتل ابن عباد ثقته اليهودي الذي كان يتردد إليه لمكة لأخذ الجزية بسبب كلمة أسف بها‏.‏ ثم أجاز البحر صريخاً إلي يوسف بن تاشفين وكان من إجازته إليه ومظاهرته إياه ما يأتي ذكره في أخباره‏.‏ ثم طلب الفقهاء بالأندلس من يوسف بن تاشفين رفع المكوس والظلامات عنهـم فتقـدم بذلـك إلـى ملـوك الطوائـف فأجازوه بالامتساك حتى إذا رجع من بلادهم رجعوا إلى حالهم وهو خلال ذلك يردد العساكر للجهاد‏.‏ ثم أجاز إليهم وخلع جميعهم ونقلهم إلى العدوة واستولى على الأندلـس كمـا يأتـي ذكـره فـي أخبـاره‏.‏ وصـار ابـن عبـاد فـي قبضـة حكمـه بعـد حـروب نذكرها‏.‏ - ونقله إلى أغمات قرية مراكش سنة أربع وثمانين وأربعمائة واعتقله هنالك إلى أن هلك سنة ثمان وثمانين‏.‏ وكانـت بالأندلـس ثغور أخرى دون هذه ولم يستول عليها ابن عباد فمنها بلد السهلة استبد بها هذيل بن خلف بن رزن أول المائة الخامسة بدعوة هشام تسمى مؤيد الدولة‏.‏ وهلك شهيداً سنـة خمسيـن وهلـك بعـده أخـوه حسـام الدولـة عبـد الملـك بـن خلف‏.‏ ولم يزل أميراً عليها إلى‏.‏ أن ملكها المرابطون من يده عند تغلبهم على الأندلس‏.‏ ومنها بلد البونت واللج تغلب عليها عبد الله بن قاسم الفهري أزمان الفتنة وتسمى نظام الدولة وهو الذي كان المعتمد عنده عندما ولاه الجماعة بقرطبة ومن عنده جاء إليها وهلك سنة إحدى وعشرين وولي ابنه محمد يمين الدولـة وكانـت بينـه وبيـن مجاهـد حـروب‏.‏ وملـك بعـده ابنـه أحمـد عقـد الدولة وهلك سنة أربعين‏.‏ وملـك أخـوه عبـد الله جناح الدولة إلى أن خلعه المرابطون سنة خمس وثمانين‏.‏ ولنرجع إلى ذكر بقية الملوك الأكابر من الطوائف والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب أخبار ابن جهور‏:‏ كـان رئيـس الجماعـة أيـام الفتنـة بقرطبـة أبـو الحـزم جهـور بن محمد بن جهور ابن عبد الله بن محمد بن المعمر بـن يحيـى بـن أبـي المغافـر بـن أبـي عبيـدة الكلبـي هكـذا نسبـه ابـن بشكـوال‏.‏ وأبـو عبيـدة هـو الداخل إلى الأندلس وكانت لهم وزارة الدولة العامرية بقرطبة واستبد جهور هذا سنة اثنتين وعشريـن وأربعمائـة لمـا خلـع الجنـد المعتـز آخـر خلفـاء بنـي أميـة ولم يدخل في أمور الفتنة فاستولى على المملكة ورتب الأمور ولم يتحول عن داره إلى قصر الخلافة وكان على سنن أهل الفضل يعـود المرضـى ويشهـد الجنائـز ويـؤذن عنـد مسجدهم بالربض الشرقي ويصلي التراويح ولا يحتجـب عـن النـاس فأسنـدوا أمرهـم إليـه إلـى أن يوجـد خليفـة إلـى أن خاطبهم محمد‏.‏ بن إسماعيل بن عباد يعرفهم أن هشاماً المؤيد عنده بأشبيلية وأكثـر فـي ذلـك فخطـب لـه بقرطبـة بعـد مراوضـات‏.‏ ثـم أتـي بـه إلـى قرطبـة فمنعـوه الدخـول وأضربـوا عـن ذكـره فـي الخطبـة وانفرد ابن جهور بأرهم إلـى أن هلـك فـي محـرم سنـة خمـس وثلاثيـن ودفـن بـداره وولـي ابنـه أبـو الوليـد محمـد بـن جهـور باتفـاق مـن الكافـة فجـرى علـى سنـن أبيـه‏.‏ وكـان قـد قرأ على مكي ابن أبي طالب المكي وغيره فكان مكرماً لأهله‏.‏ واستوزر ثقته إبراهيم بن يحيى فكفاه وهلك كما هو معروف ففوض التدبير إلى ابنه عبد الملك فأساء السيرة وتكره إلى الناس‏.‏ وحاصره ابن ذي النون بقرطبة فاستغاث بمحمد بن عباد فأمده بالجيش ووصى عسكره بذلك فداخلوا أهل قرطبة وخلعوه سنـة إحـدى وستيـن وأخرجـوه عـن قرطبـة‏.‏ واعتقل بشلطليش إلى أن هلك سنة اثنتين وسبعين وولـى ابـن عبـاد علـى قرطبـة ابنـه سـراج الدولـة وقدمهـا مـن بلنسيـة ودخلها إلى أن قتل بها مسموماً وحمـل إلـى طليطلـة فدفـن بهـا‏.‏ وزحـف المعتمـد بـن عبـاد بعـد مهلكـه إلـى قرطبة فملكها سنة تسع وستيـن‏.‏ وقتـل ابـن عكاشـة واستخلـف ابنـه المأمـون الفتـح بـن محمـد وصـار غرب الأندلس كله في ملكه إلى أن دخل المرابطون الأندلس وغلبوا عليهم سنة أربع وثمانين فقتل الفتح وحمل أباه المعتمد إلى أغمات كما ذكرناه ونذكره‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏

  أخبار ابن الأفطس صاحب بطليوس من غرب الأندلس ومصاير أمره

ملك بطليوس من غرب الأندلس عند الفتنة واهتياجها أبو محمد عبد الله بن مسلمة التجيبي المعروف بابن الأفطس واستبد بها سنة إحدى وستين وأربعمائة فهلك وولي من بعده ابنه المظفر أبو بكر واستفحل ملكه وكان من أعاظم ملوك الطوائف‏.‏ وكانت بينه وبين ابن ذي النون حروب مذكورة وكذا مع ابن عباد بسبب ابن يحيى صاحب مليلة أعانه ابن عباد عليه فاستولـى بسبـب ذلـك علـى كثيـر مـن ثغـوره ومعاقلـه‏.‏ واعتصـم المظفـر ببطليـوس بعد هزيمتين هلك فيهما خلق كثير وذلك سنة ثلاث وأربعين‏.‏ ثم أصلح بينهما ابن جهور وهلك المظفر سنة ستين وأربعمائة‏.‏ وتولى بعده ابنه المتوكل أبو حفص عمر بن محمد المعروف بساجة ولم يزل سلطانـاً بهـا إلـى أن قتلـه يوسف بن تاشفين أمير المرابطين سنة تسع وثمانين وأربعمائة وقتل معه أولاده‏.‏ أغراه به ابن عباد فلما تمكنت الاسترابة من المتوكل خاطب الطاغية واستراح إليه مما دهمه‏.‏ وشعر به ابن عباد فكاتـب يوسـف بـن تاشفيـن واستحثـه لمعاجلتـه قبـل أن يتصـل بالطاغية ويتصل بالثغر فأغذ إليـه السيـر ووافـاه سنـة فقبـض عليـه وعلـى بنيـه وقتلهـم يـوم الأضحى حسبما نذكر في أخبارهم‏.‏ ورثاه ابن عبدون بقصيدته المشهورة وهي‏:‏ الدهر يفجـع بعـد العيـن بالأثـر فما البكاء على الأشباح والصور عـدد فيهـا أهل النكبات ومن عثر به الزمان بما يبكي الجماد وسنذكر قصتهم في أخبار لمتونة وفتحهم الأندلس والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد‏.‏ أخبار باديس بن حسون ملك غرناطة والبيرة كان عميد صنهاجة في الفتنة البربرية زاوي بن زيري بن مناد‏.‏ أجاز إلى الأندلس على عهد المنصور فلما هاجت الفتنة البربرية وانحل نظام الخلافة كان فحـل ذلـك الشـول وكبـش تلـك الكتائـب وعمد إلى البيرة ونزل غرناطة واتخذها داراً لملكه‏.‏ ولما بايع الموالي العامريون للمرتضى المروانـي وتولـى كبـر ذلـك مجاهـد العامري ومنذر بن يحيى بن هاشم التجيبي وعمد إلى غرناطة فلقيهم زاوي بن زيري في جموع صنهاجة وهزمهم سنة عشرين وأربعمائـة وقتـل المرتضـى‏.‏ وأصاب زاوي من ذخائرهم وأموالهم وعددهم ما لم يقتنه ملك‏.‏ ثم وقع في نفسه سوء آثار البربـر بالأندلـس أيـام هذه الفتنة وحذر مغبة ذلك فارتحل إلى سلطان قومه بالقيروان واستخلـف علـى غرناطـة ابنـه فدبـر القبـض علـى ابـن رصيـن ومشيخة غرناطة إذا رجعوا عن أبيه وشعروا بذلك فبعثوا إلى ابن أخيه ماكس بن زيري من بعض الحصون فوصل وملك غرناطة واستبـد بهـا إلـى أن هلـك سنة تسع وعشرين وولي ابنه باديس وكانت بينه وبين ذي النون وابن عبـاد حـروب‏.‏ واستولـى علـى سلطانـه كاتبـه وكاتـب أبيـه إسماعيـل بـن نعزلـة الذمـي‏.‏ ثـم نكبـه وقتله سنـة تسـع وخمسيـن وقتـل معـه خلقـاً مـن اليهـود‏.‏ وتوفي سنة سبـع وستين وولي حافده المظفر أبو صمـد عبـد اللـه بـن بلكيـن بـن باديـس وولـى أخـاه تميمـاً بمالقة بعهده جده‏.‏ وخلعهما المرابطون سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة وحملا إلى أغمات ووريكـة واستقـرا هنالـك حسبمـا يذكـر بعـد فـي أخبارهم مع يوسف بن تاشفين والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏

  الخبر عن بني ذي النون ملوك طليطلة من الثغرالجوفي

وتصاريف أمورهم ومصائر أحوالهم جدهم إسماعيل الظافر بن عبد الرحمن بن سليمان بن ذي النون أصله من قبائل هوارة ورأس سلفـه فـي الدولـة المروانيـة‏.‏ وكانـت لهم رياسة في شنترية‏.‏ ثم تغلب على حصن أفلنتين أزمان الفتنة سنة تسع وأربعمائة‏.‏ وكانت طليطلة ليعيش بن محمد بن يعيش واليها منذ أول الفتنة فلما هلك سنة سبع وعشرين استدعاه إسماعيل الظافر من حصن أفلنتين مع بعض أجناد طليطلـة فمضـى إليهـا وملكهـا‏.‏ وامتـد ملكـه إلـى جنجالـة مـن عمل مرسية ولم يزل أميراً بها إلى أن هلـك سنـة تسـع وعشريـن‏.‏ وولي ابنه المأمون أبو الحسن يحيى واستفحل ملكه وعظم بين ملوك الطوائف سلطانه وكانت بينه وبين الطاغية مواقف مشهورة‏.‏ وفي سنة خمـس وثلاثيـن غـزى بلنسيـة وغلـب علـى صاحبهـا المظفـر ذي السابقين من ولد المنصور بن أبي عامر‏.‏ ثم غلب على قرطبة وملكها من يد ابن عباد وقتل ابنه أبا عمر بعد أن كان ملكهـا وهلـك الظافـر بهـا مسمومـا سنـة سبع وستين كما ذكرناه‏.‏ وولي بعده على طليطلة حافده القادر يحيى بن إسمعيل بن المأمون يحيى بن ذي النون وكان الطاغية ابن أدفونش قد استفحل أمره لما خلا الجو من مكان الدولة الخلافية وخف ما كان على كاهله من أمره العرب فالتهم البسائـط وضايـق ابـن ذي النـون حتـى غلـب علـى طليطلـة فخـرج لـه القادر عنها سنة ثمان وسبعين وأربعمائة وشرط عليه أن يظاهره على أخذ بلنسية وعليها عثمان القاضي بن أبي بكر بن عبـد العزيـز مـن وزراء ابن أبي عامر فخلعه أهلها خوفاً من القادر أن يمكن منهم ألفنش فدخلها القادر وأقام بها سنتين وقتل سنة إحدى وثمانين على ما نذكر بعد إن شاء الله تعالى‏.‏

  الخبر عن أبي عامر صاحب شرق الأندلس من بني ملوك الطوائف

وأخبار الموالي العامريين الذين كانوا قبله وابن صمادح قائده بالمرية وتصاريف أحوالهم ومصائرها‏:‏ بويع للمنصور عبد العزيز بن عبد الرحمن الناصر بن أبي عامر بشاطبة سنة إحدى عشرة وأربعمائة أقامه الموالي العامريون عند الفتنة البربرية فاستبد بها‏.‏ ثم ثار عليـه أهـل شاطبة فأفلت ولحق ببلنسية فملكها وفوض أمره للموالي‏.‏ وكان من وزرائه ابن عبد العزيز وكان خيران العامري من مواليهم‏.‏ وكان من وزرائه ابن عبد العزيز وكان خيران العامري من مواليهم تغلب من قبل ذلك على أربولة سنة أربع‏.‏ ثم ملك مرسية سنة سبع ثم حيان ثم المرية سنة تسع وبايعوا جميعاً للمنصور عبد العزيز‏.‏ ثم انتقض خيران على المنصور وسار من المرية إلى مرسية وأقام بها ابن عمه أبا عامر محمد بـن المظفـر بـن المنصـور بـن أبـي عامـر خـرج إليه من قرطبة من حجر القاسم بن حمود وخلص إلى خيران بأموال جليلة فجمع الموالي فأخذوا ماله وطردوه‏.‏ ثم ولـاه خيـران وسمـاه المؤتمـن ثـم المعتصـم‏.‏ ثـم تنكـر عليـه وأخرجـه مـن مرسيـة ولحـق بالمريـة وأغرى به الموالي فأخذوا ماله وطردوه ولحق بغرب الأندلس إلي أن مات‏.‏ ثم هلك خيران بالمرية سنة تسع عشرة وقام بالأمر بعده الأميـر عميـد الدولـة أبـو قاسـم زهيـر العامـر فـي وزحف إلى غرناطة فبرز إليه باديس بن حبوس وهزمه وقتل بظاهرها سنة تسع وعشرين فصار ملكه للمنصور عبد العزيز صاحب بلنسية وملكها من يده سنة سبع وخمسين‏.‏ ولمـا هلـك المأمـون بـن ذي النـون وولـى حافـده القـادر ولى على بلنسية أبا بكر بن عبد العزيز بقية وزراء ابن أبي عامر فداخله ابن هود في الانتقاض على القادر ففعل واستبد بها وضبطها سنـة ثمـان وستيـن حيـن تغلـب المقتدر على دانية‏.‏ ثم هلك سنة ثمان وسبعين لعشر سنين من ولايتـه‏.‏ وولـي ابنـه القاضـي عثمـان فلمـا سلـم القـادر بـن ذي النـون طليطلـة زحـف إلى بلنسية ومعه الفنش كما قلناه وخلع أهل بلنسية عثمان بن أبي بكر وأمكنوا منها القادر خوفاً من استيلاء النصراني وذلك سنة ثمان وسبعين وأربعمائة‏.‏ ثـم ثـار القـادر سنـة ثلـاث وثمانيـن القاضي جعفر بن عبد الله بن حجاب وقتله واستبد بها‏.‏ ثم تغلـب النصارى عليها سنة تسع وثمانين وقتلوه‏.‏ ثم تغلب المرابطون على الأندلس وزحف ابن ذي النـون قائدهـم إلـى بلنسيـة فاسترجعهـا مـن أيديهـم سنـة خمـس وتسعيـن وأربعمائة‏.‏ وأما معن بن صالح قائد الوزير ابن أبي عامر فأقام بالمرية لما ولاه المنصور سنة ثمان وثمانين وتسمـى ذا الوزارتيـن‏.‏ ثـم خلعـه وولى ابنه المعتصم أبو يحيى محمد بن معن بن صمادح واستبد بها أربعاً وأربعيـن سنـة وثـار عليه صاحب لورقة ابن شبيب وكان أبوه معزولاً عليها فجهز إليه المعتصم جيشا واستمد ابن شبيب المنصور بن أبي عامر صاحب بلنسية ومرسية بالعدو واستمد المعتصم بباديس ونهض عمه صمادح بن باديس بن صمادح فقاتلوا حصوناً من حصون لورقة واستولـوا عليهـا ورجعـوا ولـم يزل المعتصم أميراً بالمرية إلى أن هلك سنة ثمانين وولي ابنه وخلعه يوسـف بـن تاشفيـن أميـر المرابطيـن سنـة أربع وثمانين وأجاز إلى العدوة ونزل على آل حماد بالقلعة وبها مات ولده والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏ بنو هود الخبر عن بني هود ملوك سرقسطة من الطوائف صارت إليهم من بني هاشم وما كان من أوليتهم ومصائر أمورهم كان منذر بن مطرف بن يحيى بن عبد الرحمن بن محمد بن هاشم التجيبي صاحب الثغر الأعلى وكان بين المنصـور وعبـد الرحمـن منافسـة علـى الإمـارة والرياسـة وكانـت دار إمارتـه سرقسطة ولما بويع المهدي بن عبد الجبار وانقرض أمر العامريين وجاءت فتنة البربر كان مع المستعين حتى قتل هشام مولاه فامتعض لذلك وفارقه وبايع المرواني للمرتضى مع مجاهد ومن اجتمـع إليـه مـن الموالـي والعامرييـن وزحفـوا إلى غرناطة فلقيهم زاوي بن زيري وهزمهم‏.‏ ثم ارتابوا بالمرتضـى ووضعـوا عليـه من قتله مع خيران بالمرية واستبد منذر هذا بسرقسطة والثغر وتلقب بالمنصـور وعقدهـا بين طاغية جليقة وبرشلونة وبنيه وهلك سنة أربع عشرة وولي ابنه وتقلب المظفـر‏.‏ وكـان أبـو أيـوب سليمـان بـن محمـد بن هود الجذامي من أهل نسبهم مستبداً بمدينة تطيلة ولاها منذ أول الفتنة وجدهم هود هو الداخل للأندلس ونسبه الأزد إلى سالم مولـى أبـي حذيفة‏.‏ قال هود بن عبد الله بن موسى بن سالم‏:‏ وقيل هود من ولد روح بن زنباغ فتغلب سليمان على المظفر يحيى بن المنذر وقتله سنة إحدى وثلاثين وملك سرقسطة والثغر الأعلى وابنه يوسف المظفر لاردة‏.‏ ثم نشأت الفتنـة بينهمـا وانتصـر المقتـدر بالإفرنـج والبشكنـس فجـاؤوا لميعاده فوقعت الفتنة بين المسلمين وبينهم ثائرة وانصرفوا إلى يوسف صاحب لاردة فحاصرها بسرقسطة وذلـك سنـة ثلـاث وأربعيـن‏.‏ وهلـك أحمـد المقتـدر سنـة أربـع وسبعيـن لتسـع وثلاثيـن سنـة من ملكه فولي بعده ابنه يوسف المؤتمن وكان قائما على العلوم الرياضية وله فيها تآليف مثل الاستهلال والمناظر ومات سنة ثمان وسبعين وهي السنة التـي استولـى فيهـا النصـارى علـى طليطلـة مـن يـد القـادر بـن ذي النـون‏.‏ وولـي بعده المستعين وعلى يده كانت وقعة وشقة زحف سنة تسع وثمانين في آلاف لا تحصى من المسلمين وهلك فيها خلـق نحـو عشـرة آلـاف ولـم يـزل أميـرا بسرقسطة إلى أن هلك شهيدا سنة ثلاث وخمسمائة بظاهر سرقسطة في زحف الطاغية إليها‏.‏ وولي بعده ابنه عبد الملك وتلقب عماد الدولة وأخرجه الطاغية من سرقسطة سنة اثنتي عشـرة فنـزل روطـة مـن حصونهـا وأقـام بهـا إلـى أن هلـك سنـة ثلـاث عشرة‏.‏ وولي ابنه أحمد وتلقب سيـف والمستنصـر وبالـغ النكايـة فـي الطاغيـة ثـم سلـم لـه روطـة على أن يملكه بلاد الأندلس فانتقل معـه إلـى طليطلـة بحشمـه وآلتـه وهنالـك هلـك سنة ست وثلاثين وخمسمائة‏.‏ وكان من ممالك بني هود هؤلاء مدينة طرطوشة وقد كان بقايا من الموالي العامريين فملكها سنة ثلـاث وثلاثيـن وأربعمائة‏.‏ ثم هلك سنة خمس وأربعين وملكها بعده يعلى العامري ولم تطل مدته‏.‏ وملكها بعـده شبيـل إلـى أن نـزل عنهـا لعمـاد الدولـة أحمـد بـن المستعيـن سنـة ثلـاث وخمسين فلم تزل في يده وفـي يـد بنيـه مـن بعـده إلـى أن غلـب عليهـا العـدو فيمـا غلـب عليه من شرق الأندلس‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏

  الخبر عن مجاهد العامري صاحب دانية والجزائر الشرقية

وأخبار بنية ومواليهم من بعدهم ومصائر أمورهم كـان فتـح ميورقـة سنـة تسعيـن ومائتيـن علـى يـد عصام الخولاني وذلك أنه خرج حاجاً في سفينة اتخذها لنفسه فعصفت بهم الريح فأرسلوا بجزيرة ميودقة وطال مقامهم هنالك واختبروا من أحوالهم ما أطمعهم في فتحها فلما رجع بعد فرضه أخبر الأمير بما رأى فيها وكان من أهل الغنـاء عنـده فـي مثلهـا فبعـث معـه القطائـع في البحر‏.‏ ونفر الناس معه إلى الجهاد فحاصرها أياماً وفتحوهـا حصنـاً حصنـاً إلى أن كمل فتحها‏.‏ وكتب عمام بالفتح إلى الأمير عبد الله فكتب له بولايتهـا فوليهـا عشـر سنين وبنى فيها المساجد والفنادق والحمامات‏.‏ ولما هلك قدم أهل الجزيرة عليهـم ابنـه عبـد اللـه وكتـب لـه الأميـر بالولايـة‏.‏ ثـم زهد وترهب وركب إلى الشرق حاجاً وانقطع وبعث الناصر المرواني إليها الموفق من الموالي فأنشأ الأساطيل وغزا بلاد الإفرنج وهلك سنة تسع وخمسين أيام الحكم المستنصر وولي بعده كوثر من مواليه فجرى على سنن الموفق في جهـاده‏.‏ وهلـك سنـة تسـع وثمانين أيام المستنصر وولي بعده من مواليه وكان كثير الغزو والجهاد‏.‏ وكان المنصور وابنه المؤيد يمدانه في جهاده‏.‏ وهلك سنة ثلاث وأربعمائة أزمان الفتنة‏.‏ وكـان مجاهـد بـن يوسف بن علي من فحول الموالي العامريين‏.‏ وكان المنصور قد رباه وعلمه مع مواليـه القـراآت والحديث والعربية فكان مجيداً في ذلك‏.‏ وخرج من قرطبة يوم قتل المهدي سنة أربعمائـة وبايـع هو والموالي العامريين وكثير من جند الأندلس المرتضى كما قدمناه‏.‏ ولقيهم زاوي بفحص غرناطة فهزمهم وبحد شملهم‏.‏ ثم قتل المرتضى كما تقدم وسار مجاهد إلى طرطوشة فملكها‏.‏ ثم تركها وانتقل إلى دانية وأستقل بها وملك ميورقة ومنورقة ويابسة واستبد سنة ثلاث عشرة‏.‏ ونصب العيطي كما مر فأراد الاستبداد ومنع طاعة مجاهد ومنعه أهل ميورقة مـن ذلـك فبعـث عنـه مجاهـد وقـدم علـى ميورقـة عبد الله ابن أخيه فولي خمس عشرة سنة‏.‏ ثم هلـك وكـان غـزا سردانيـة فـي الأساطيـل فاقتحمهـا وأخـرج النصـارى منهـا وتقبضوا على ابنه أسيراً ففـداه بعـد حيـن وولـى مجاهـد علـى ميورقـة بعد ابن أخيه مولاه الأغلب سنة ثمان وعشرين وكان بين مجاهـد صاحـب دانيـة وبيـن خيـران صاحـب مرسيـة وابـن أبـي عامـر صاحـب بلنسيـة حـروب إلـى أن هلـك مجاهـد سنـة سـت وثلاثيـن‏.‏ وولـي ابنـه علـي وتسمـى إقبـال الدولـة وأصهر إلى المقتدر بن هـود وأخرجـه مـن دانية سنة ثمان وستين ونقله إلى سرقسطة ولحق ابنه سراج الدولة بالإفرنجة وأمـدوه علـى شـروط شرطهـا لهـم فتغلـب علـى بعـض حصونـه‏.‏ ثـم مـات فيمـا زعموا مسموماً بحيلة من المقتدر سنة تسع‏.‏ ومـات علـي قريبـا مـن وفاة المقتدر سنة أربع وسبعين‏.‏ ويقال بل فر أمام المقتدر إلى بجاية ونزل على صاحبها يحيى بن حماد ومات هنالك‏.‏ وأما الأغلب مولى مجاهد صاحب ميورقة فكان صاحـب غـزو وجهـاد في البحر‏.‏ ولما هلك مجاهد استأذن ابنه علياً في الزيارة فأذن له وقدم على الجزيرة صهره ابن سليمان بن مشكيان نائبا عنه‏.‏ وبعث على آل الأغلب فاستعفاه وأقام سليمان خمس سنين‏.‏ ثم مات فولى على مكانه مبشراً وتسمى ناصر الدولة وكان أصله من شرق الأندلس أسر صغيراً وجبه العدو وأقام بدانية مجبوباً يجاهد في أسرى دانية وسردانية واصطفاه فولاه بعد مهلك سليمان فولي خمس سنين وانقرض ملك علي وتغلب عليه المقتدر بن هـود فاستبـد مبشـر بميورقـة والفتنـة يومئـذ تمـوج بيـن ملـوك الطوائـف‏.‏ وبعـث إلـى دانيـة فـي تسليـم أهل سيده فبعثوا إليه بهم وأولادهم جميلا‏.‏ ولم يزل يردد الغزو إلى أرض العدو إلى أن جمع طاغية برشلونة الجموع ونازله بميورقة عشرة أشهر‏.‏ ثم افتتحها واستباحها سنة من ولايته‏.‏ وكـان بعـث بالصريـخ إلـى علـي بـن يوسـف صاحـب المغـرب مـن لمتونـة فلم يوافهم الأسطول بالمدد إلا بعـد استيـلاء العـدو‏.‏ فلمـا وصـل الأسطـول دفعـوا العثـور عنهـا وولـى علـي بـن يوسـف من قبله أنور بن أبي بكر اللمتوني فعسف بهم وأرادهم على بناء مدينة أخرى بعيدة من البحر فثاروا به وصفدوه‏.‏ وبعثوا إلى علي بن يوسف فردهم إلى ولاية محمد بن علي بن إسحاق بن غانية المستولي صاحب غرب الأندلس فبعث إليها أخاه محمد بن علي من قرطبة كان والياً عليها فوصـل إلـى ميورقـة فصفـد أنـور وبعـث بـه إلـى مراكش وأقام في ولايتها عشر سنين إلى أن هلك أخـوه يحيـى وسلطانهـم علـي بـن يوسـف‏.‏ واستقـرت ميورقـة فـي ملـك بنـي غانيـة هؤلاء وسلطانهم‏.‏ وكانـت لهـم في زمن علي بن يوسف بها دلة‏.‏ وخرج منها علي ويحيى إلى بجاية وملكوها من الموحدين وكانت لهم معهم حروب بإفريقية كما نذكر في أخبارهم بعد أخبار لمتونة‏.‏ وملك الأفرنج ميورقة من أيدي الموحدين آخر دولتهم‏.‏ والبقاء لله والملك يؤتيه من يشاء وهو العزيز الحكيم‏.‏

  الخبر عن ثوار الأندلس

آخر الدولة اللمتونية واستبداد بني مرديس ببلنسية ومزاحمتهم لدولة بني عبد المؤمن من أولها إلى آخرها ومصائر أحوالهم وتصاريفهم لما شغل لمتونة بالعدو وبحرب الموحدين بعد عليهم الأندلس وعادت إلى الفرقة بعض الشيء فثار ببلنسية سنة سبع وثلاثين وخمسمائة القاضي مروان بن عبد الله بن مروان ابن حضاب وخلعوه لثلاثة أشهر من ملكه ونزل بالمرية‏.‏ ثم حمل إلى ابن غانية بميورقة فسجن بها وثار بمرسيـة أبـو جعفـر أحمـد بـن عبد الرحمن بن ظاهر‏.‏ ثم خلع وقتل لأربعة أشهر من ولايته وولي حافد المستعين بـن هـود شهريـن‏.‏ ثـم ولـي ابـن عيـاض وبايـع أهـل بلنسيـة بعـد ابـن حضـاب للأميـر أبـي محمـد عبـد اللـه بـن سعيـد بـن مردنيـش الجذامـي‏.‏ وأقـام مجاهـداً إلـى أن استشهـد فـي بعـض أيامـه مع النصارى سنة أربع وخمسمائـة فبويـع لعبـد الله بن عياض كان ثائراً بمرسية كما قدمناه‏.‏ وهلك سنة اثنتين وأربعين فبويع إلى ابن أخيه محمد بن أحمد بن سعيد بن مردنيش وملك شاطبة وملينة شقر ومرسية‏.‏ وكـان إبراهيـم ابـن همشـك مـن قـواده فعبـث فـي أقطـار الأندلـس وأغـار علـى قرطبـة وتملك بها‏.‏ ثم استرجعت منه‏.‏ ثم غدر بغرناطة وملكها من أيدي الموحدين وحصرهم بالقصبة هـو وابـن مردنيش‏.‏ ثم استخلصها عبـد المؤمـن مـن أيديهـم بعـد حـروب شديـدة دارت بينهـم بفحـص غرناطـة لقيـه فيهـا ابـن همشـك وابـن مردنيـش وجيوش من أمم النصرانية إستعانوا بهم في المدافعة عن غرناطه فهزمهم عبد المؤمن وقتلهم أبرح قتل‏.‏ وحاصر يوسف بلنسية فخطب للخليفة العباسي المستنجد وكاتبه فكتب له بالعهد والولاية‏.‏ ثم بايع للموحدين سنة ست وستين‏.‏ وكان المظفر عيسى بن المنصور بن عبد العزيز الناصر بن أبي عامر عندما انصرف إلى ملك شاطبـة ومرسيـة تغلـب علـى بلنسيـة مدة ثم هلك سنة خمس وخمسين وخمسمائة ورجعت إلى ابن مردنيش وكان أحمد بن عيسى تغلب على حصن مزيلة ثائراً بالمرابطين من أتباعه فجلب منذر بن أبي وزير عليه فأجاز سنة أربعين وخمسمائة إلى عبد المؤمن ورغبه فـي ملـك الأندلس فبعث معه البعوث وتغلبوا على بني غانية أمراء المرابطين بالأندلس‏.‏ وكان بميورقة أيضا منذ اضطراب أمر لمتونة محمد بن علي بن غانية المستوفي وليها سنـة عشرين وخمسمائة واستشهد بها‏.‏ ورحل عنها سنـة سبـع وثلاثيـن إلـى زيـارة أخيـه يحيـى ببلنسيـة‏.‏ واستخلـف علـى ميورقـة عبد الله بن تيما فلما مكث ثار عليه ثوار فرجع محمد بن غانيـة وأصلـح شانهـا إلـى أن هلـك سنـة سبع وستين وولي ابنه إبراهيم أبو إسحاق وتوفي سنة إحدى وثمانين‏.‏ وأوفـد عليهـم أهـل ميورقـة فبعثـوا معهـم علـي بـن الربرتبـر فلمـا وصـل إلـى ميورقـة ثـار علـى طلحـة بنـو أخيـه إسحـاق وهـم علـي ويحيـى ويعفـر بـن الربرتبـر وخلعـوا طلحـة‏.‏ ثم بلغهم موت يوسف بن عبد المؤمن فخرجوا إلى إفريقية حسبما نذكر في أخبار دولتهم‏.‏ فانقرضت دولة المرابطين بالمغرب والأندلس وأدال الله منهم بالموحدين وقتلوهم في كل وجه‏.‏ واستفحل أمرهم بالأندلس واستعملوا فيها القرابة من بني عبد المؤمن وكانوا يسمونهم السادة واقتسموا ولايتها وأجاز يعقوب المنصور منهم غازيا بعد أن إستقر أهل العدوة كافة من زناتة فأوقـع العـرب بابن أدفونش ملك الجلالقة بالأركة من نواحي بطليوس الوقعة المذكورة سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وأجاز ابنه الناصر من بعده سنة تسع فمحص الله المسلمين واستشهد منهم عدة‏.‏ ثم تلاشت إمارة الموحدين من بعده وانتزى بالسادة بنواحي الأندلس في كل عمله وضعف بمراكش فصاروا إلى الاستجاشة بالطاغية بقص واستسلام حصون المسلمين إليـه فـي ذلـك فسمت رجالات الأندلس وأعقاب العرب من دولة الأموية وأجمعوا أخراجهم فثاروا بهم لحين وأخرجوهـم‏.‏ وتولـى كبـر ذلك محمد بن يوسف بن هود الجذامي الثائر بالأندلس‏.‏ وقام ببلنسية زيان بن أبي الحملات مدافع بن يوسف بن‏.‏ سعـد مـن أعقـاب دولـة بنـي مردنيـش وثـوار آخرون‏.‏ ثم خرج علي بن هود في دلته من أعقاب دولة العرب أيضاً وأهل نسبهم محمد بن يوسـف بـن نصـر المعروف بابن الأحمر وتلقب محمد هذا بالشيخ فحاربه أهل الجبل وكانت لكل منهمـا دولـة أورثهـا بنيـه‏.‏ فأمـا زيـد بـن مردنيش فكان مع عشرة من بنى مردنيش رؤساء بلنسية واستظهر الموحدون على إمارتها‏.‏ ولما وليها السيد أبو زيد بن محمد بن أبي حفص بن عبد المؤمـن بعـد مهلـك المستنصر كما نذكر في أخبارهم وذلك سنة عشرين وستمائة كان زياد هذا بطانته وصاح أمره‏.‏ ثـم انتقـض عليـه سنـة سـت وعشريـن عندمـا بويـع ابـن هـود بمرسيـة وخرج إلى أبداه فخشيه السيد أبـو زيـد وبعـث إليـه يلاطفـه في الرجوع فامتنع ولحق السيد أبو زيد بطاغية برشلونه ودخل في دين النصرانية‏.‏ وملك زيان بلنسية واتصلت الفتنة بينه وبين ابن هود وخالف عليه بنو عمه عزيـز بـن يوسـف بـن سعـد فـي جزيـرة سقـم وصـاروا إلى طاعة بن هود وزحف زيان للقائه على شريش فانهزم وتبعه ابن هود ونازله في بلنسية أياما وامتنعت عليه فأقلع وتكالب الطاغية على ثغور المسلمين ونازل صاحب برشلونة أنيشة وملكها وزحف زيان إليها بجميع من معه مـن المسلميـن سنـة أربـع وثلاثيـن ونفـر معـه أهـل شاطبـة وجزيـرة شقر فكانت عليهم الواقعة العظيمة التـي استشهـد فيهـا أبـو الربيـع سليمـان وأخـذ النـاس في الانتقال عن بلنسية فبعث إليهم يحيى بن أبـي زكريـا صاحب إفريقية بالمدد من الأموال والأسلحة والطعام مع قريبه يحي عندما نبذ دعوة بني عبد المؤمن وأوفد عليه أعيان بلنسية وهي محصورة فرجع إلى دانية‏.‏ ثـم أخـذ الطاغيـة بلنسيـة سنـة سـت وثلاثيـن وخـرج زيـان إلى جزيرة شقر وأقام بدعوة الأمير أبي زكريا وبعث إليه بيعتها مع كاتبه الحافظ أبي عبد الله محمد بن الأنباري فوصل إلى تونس وأنشده قصيدته المشهورة على روي السين بلغ فيها من الإجادة حيـث شـاء وهـي معروفـة وسيأتي ذكرها في دولة بني حفص بإفريقية من الموحدين‏.‏ ثم هلك ابن هود وانتقض أهل مرسيـة علـى ابنـه أبـي بكـر الواثـق وكـان واليـه بها أبو بكر بن خطاب فبعثوا إلى زيان واستدعوه فدخلها وانتهب قصرها وحملهم على البيعة للأمير أبي زكريا على ولاية شرق الأندلس كله وذلـك سنـة سبـع وثلاثيـن‏.‏ ثـم انتقـض عليـه ابـن عصـام باريولـة ولحـق بـه قرابـة زيـان بمدينـة لقنـت فلم يـزل بهـا إلـى أن أخذهـا منـه طاغيـة برشلونة سنة أربع وأربعين فأجاز إلى تونس وبها مات سنة ثمـان وستيـن‏.‏ وأمـا ابـن هـود فسيأتـي الخبر عن دولته وأما ابن الأحمر فلم تزل الدولة في أعقابه لهذا العهد‏.‏ ونحن ذاكرون أخبارهم لأنهم من بقايا دولة العرب والله خير الوراثين‏.‏

  الخبر عن ثورة ابن هود علي الموحدين بالأندلس دولته

وأولية أمره وتصاريف أحواله هو محمد بن يوسف بن محمد بن عبد العظيم بن أحمد بن سليمان المستعين بن محمد بن هود ثار بالصخيرات من عمل مرسية مما يلي رقوط عنـد فشـل دولـة الموحديـن واختلـاف السادة الذين كانوا أمراء ببلنسية‏.‏ وذلك عندما هلك المستنصر سنة عشرين‏.‏ وبايع الموحدون بمراكش لعمه المخلوع عبد الواحد بن أمير المؤمنين يوسف‏.‏ ثار العادل ابن أخيـه المنصـور بمرسية ودخل في طاعة صاحب حيان أبو محمد عبد الله بن أبي حفص بن عبد المؤمن وخالفهمـا فـي ذلـك السيـد أبـو زيـد أخوه ابن محمد بن أبي حفص‏.‏ وتفاقمت الفتنة وأستظهر كل علـى أمـره بالطاغيـة ونزلـوا لـه عن كثير من الثغور‏.‏ وقلقت من ذلك ضمائر هل الأندلس فتصدر ابـن هـود هـذا للثـورة وهـو مـن أعقاب بني هود من ملوك الطوائف وكان يؤمل لها‏.‏ وربما امتحنه الموحدون لذلك مرات فخرج في نفر من الأجناد سنة خمس وعشرين وجهز إليه والي مرسية يومئذ السيد أبو العباس بن أبي عمران موسى بن أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن عسراً فهزمهم‏.‏ وزحف إلى مرسية فدخلها واعتقل السيد وخطب للمستنصر صاحب بغداد لذلك العهـد مـن بنـي العبـاس‏.‏ وزحـف إليـه السيـد أبـو زيـد بـن محمـد بـن أبـي حفـص بـن عبد المؤمن من شاطبة وكـان واليـه بهـا فهزمه ابن هود ورجع إلى شاطبة واستجاش بالمأمون وهو يومئذ بإشبيلية بعد أخيـه العـادل فخـرج فـي العساكـر ولقيه ابن هود فانهزم وأتبعه إلى مرسية فحاصره مدة وامتنعت عليه فأقلع عنه ورجع إلى إشبيليه‏.‏ ثم انتقض على السيد أبي زيد ببلنسية زيان ابن أبي الحملات مدافع ابن حجاج بن سعد بن مردنيـش وخـرج عنـه إلـى أبـدة وذلـك سنـة سـت وعشرين‏.‏ وكان بنو مردنيش هؤلاء أهل عصابة وأولي بأس وقوة فتوقع أبو زيد اختلال أمره وبعـث إليـه ولاطفـه فـي الرجـوع فامتنـع فخـرج أبـو زيـد مـن بلنسيـه ولحـق بطاغيـة برشلونـة ودخـل في دين النصرانية‏.‏ وبايعت أهل شاطبة لابن هود‏.‏ ثم تابعه أهل جزيرة شقر حملهم عليها ولاتهم بنو عزيز بن يوسف عم زيان بن مردنيش‏.‏ ثم بايعه أهل خبيان وأهل قرطبة تسمى بأمير المسلمين وبايعه أهل إشبيليه عند رحيل المأمون عنها إلى مراكش وولى عليهم أخاه ونازعه زيان بن مردنيش وكانت بينهما ملاقاة انهزم فيها زيان سنة تسع وعشرين‏.‏ وحاصره ابن هود ببلنسية ثم أقلع‏.‏ ولقي الطاغية على ماردة فانهزم ومحص الله المسلمين وانهزم بعدها أخرى على الكوس‏.‏ ولم تزل غزواته مترددة في بلاد العدو كل سنة وحربه معهم سجالا والطاغية يلتقم الثغور والقواعد‏.‏ ثـم استولـى ابـن هـود علـى الجزيرة الخضراء وجبل الفتح فرضتي المجاز على سبتة من يد السيد أبـي عمـران موسـى لمـا انتقـض على أخيه المأمون ونازله بسبتة فبايع هو لابن هود وأمكنه منها‏.‏ ثم ثار بهـا اليناشتـي علـى مـا يذكـر‏.‏ ثـم بويـع للسلطـان محمـد بـن يوسـف بـن نصـر سنـة تسـع وعشريـن بأرجونـة ودخلـت قرطبـة فـي طاعتـه ثـم قرفونـة‏.‏ ثـم انتقض أهل إشبيلية وأخرجوا سالم بن هود وبايعـوا لابـن مـروان أحمد بن محمد الباجي وجهز عسكرا للقاء ابن الأحمر فانهزموا وأسر قائده‏.‏ ثم اتفق الباجـي مـع ابـن الأحمـر علـى فتنـة ابـن هـود‏.‏ وصالـح ابـن هـود الفنـش علـى فعلتهـم علـى ألـف دينـار فـي كـل يـوم‏.‏ ثـم صـارت قرطبـة إلـى ابن هود وزحف إلى الباجي وابن الأحمر فانهزم ونزل ابـن الأحمـر ظاهـر إشبيليـة‏.‏ ثـم غـدر الباجـي فقتلـه وتولـى ذلـك صهـره واشقيلولة وزحف سالم بن ووصل خطـاب الخليفـة المستنصـر العباسـي إلـى ابـن هـود مـن بغـداد سنـة إحـدى وثلاثيـن وفـد بـه أبـو علي حسن بن علي بن حسن بن الحسين الكردي الملقب بالكمال‏.‏ وجاء بالراية والخلع والعهد ولقبـه المتوكـل‏.‏ وقـدم عليـه بذلـك فـي غرناطـة في يوم مشهود وبايع له ابن الأحمر‏.‏ وعندما غدر ابن الأحمر بالباجي فر من إشبيلية شعيب بن صمد إلى البلد فاعتصم بها وتسمى المعتصم فحاصـره ابـن هـود وأخذهـا مـن يـده‏.‏ ثـم خـرج العدو من كل جهة ونازلوا ثغور المسلمين وأحاطوا بهـم وانتهـت محلاتهـم علـى الثغـور إلـى سبع‏.‏ ثم حاصر الطاغية مدينة قرطبة وغلب عليها سنة ثلـاث وثلاثيـن وبايـع أهـل إشبيليـة للرشيـد مـن بنـي عبـد المؤمـن‏.‏ ثم زحف ابن الأحمر إلى غرناطة وملكها كما يذكر وبويع للرشيد سنة سبع وثلاثين‏.‏ وكان عبد الله أبو محمد بن عبد الله بن محمـد بن عبد الملك الأموي الرميمي وزير ابن هود وكان يدعوه ذا الوزارتين ولا المرية من عمله فلـم يـزل بهـا وقـدم عليـه المتوكـل سنـة خمـس وثلاثيـن وستمائة فهلك بالحمام ودفن بمرسية ويقال إنه قتلـه‏.‏ ثـم استبـد مـن بعـده المؤيـد واستنزلـه عنهـا ابـن الأحمـر سنـة ثلـاث وأربعين‏.‏ ولما هلك المتوكل ولـي مـن بعـده بمرسيـة ابنـه أبـو بكـر محمـد بعهـد إليـه وتلقب بالواثق وثار عليه عزيز بن عبد الملك بن خطاب سنة ست وثلاثين لأشهر من ولايته فاعتقله وكان يلقب ضياء الدولة‏.‏ ثم تغلب زيان بن مردنيش على مرسية وقتل ابن خطاب لأشهر من ولايته‏.‏ وأطلق الواثق بن هود من اعتقاله‏.‏ ثم ثار عليه بمدينة مرسية محمد بن هود عم المتوكل سنة ثمان وثلاثين وأخرج منها زيـان بـن مردنيـش وتلقـب بهـاء الدولـة‏.‏ وهلـك سنـة سبـع وخمسين وستمائة‏.‏ وولي ابنه الأمير أبو جعفـر‏.‏ ثـم ثـار عليـه سنـة اثنتيـن وستيـن أبـو بكـر الواثـق الـذي كان ابن خطاب خلعه وهو المتوكل أميـر المسلميـن وبقي بها أميراً إلى أن ضايقه الفنش والبرشلوني فبعث إليه عبد الله بن علي بن أشقيلولة وتسلم مرسية منه‏.‏ وخطب بها لابن الأحمر‏.‏ ثم خرج منها راجعا إلى ابن الأحمر فأوقـع بـه البصـري فـي طريقـه ورجـع الواثـق إلـى مرسيـة ثالثـة فلـم يـزل بهـا إلـى أن ملكهـا العـدو مـن يده سنة ثمان وستين وعوضه منها حصناً من عملها يسمى يس إلى أن هلك والله خير الوارثين‏.‏

  الخبر عن دولة بني الأحمر ملوك الأندلس

لهذا العهد ومبدأ أمورهم وتصاريف أحوالهم أصلهم من أرجونة من حصون قرطبة ولهم فيها سلف في أبناء الجند ويعرفون ببني نصر وينسبـون إلـى سعـد بـن عبـادة سيـد الخـزرج‏.‏ وكـان كبيرهم لآخر دولة الموحدين محمد بن يوسف بن نصر ويعرف بالشيخ وأخوه إسماعيل‏.‏ وكانت لهم وجاهة في ناحيتهم‏.‏ ولما فشل ريح الموحديـن وضعـف أمرهم وكثر الثوار بالأندلس وأعطى حصونها للطاغية واستقل بأمر الجماعة محمد بن يوسف بن هود الثائر بمرسية فأقام بدعوته العباسية وتغلب على شرق الأندلـس أجمـع فتصـدى محمد بن يوسف هذا للثورة على ابن هود وبويع له سنة تسع وعشرين وستمائة على الدعاء للأمير أبي زكريا صاحب إفريقية وأطاعته حيان وشريش سنة ثلاثين بعدها وكان يعرف بالشيخ ويلقب بأبي دبوس‏.‏ واستظهر على أمره أولاً بقرابته من بني نصر وأصهـاره ببني اشقيلولة عبد الله وعلي‏.‏ ثم بايع لابن هود سنة إحدى وثلاثين عندما وصله خطاب الخليفة من بغداد‏.‏ ثم ثار باشبيلية أبو مروان الباجي عند خروج ابن هود عنها ورجوعه إلى مرسية فداخله محمـد بـن الأحمـر فـي الصلـح علـى أن يزوجـه ابنتـه فأطاعـه ودخـل إشبيليـة سنـة اثنتين وثلاثين‏.‏ ثم فتـك بابـن الباجـي وقتلـه وتنـاول الفتـك بـه علـي بـن أشقيلولة‏.‏ ثم راجع أهل إشبيلية بعدها لشهر دعـوة ابـن هـود وأخرجـوا ابـن الأحمـر‏.‏ ثـم تغلـب علـى غرناطـة سنـة خمـس وثلاثيـن بمداخلـة أهلهـا ثم ثـار ابـن أبـي خالـد بدعوتـه فـي لحيـان ووصلتـه بيعتهـا فقـدم إليهـا أبا الحسن بن إشقيلولة‏.‏ ثم جاء علـى أثـره ونزلهـا واستقـر بهـا بعـد مهلـك ابن هود وبايع للرشيد سنة تسع وثلاثين ثم تناول المؤيد من يد محمد بن الرميمي فخلعه أهل البلد سنة ثلاث وستين وبايعوا لابن الأحمر‏.‏ ثـم ثـار أبـو عمـرو بـن الجـد واسمـه يحيى بن عبد الملك بن محمد الحافظ أبي بكر وملك أشبيلية وبايع للأمير أبي زكريا بن حفص صاحب إفريقية سنة ثلاث وأربعين وولي عليهم أبو زكريا أميرا وقام بأمرهم القائد شغاف والعدو أثناء ذلك يلتقم بلاد المسلمين وحصونهم من لدن عام عشريـن أو قبلـه وصاحب برشلونة من ولد البطريق الذي استعمله الإفرنجة عليها لأول استرجاعهم لها من أيدي العرب فتغلب عليها وبعد عن الفرنجة وضعـف لعهـده سلطانهـم‏.‏ ووصلوا وراء الدروب وعجزوا فكانوا عن برشلونة وجماعتها أعجز فسما أهل طاغيتها منهم لذلك العهد واسمه حاقمة إلى التغلب على ثغور المسلمين‏.‏ واستولى على ماردة سنة ست وعشرين وستمائة ثم ميورقة سنة سبع وعشرين وستمائة‏.‏ ثم أجاز إلى سرقسطة وشاطبة كان تملكها منذ مائة وخمسين مـن السنيـن قبلهـا‏.‏ ثـم بلنسيـة سنـة سـت وثلاثيـن وستمائـة بعـد حصـار طويـل وطوى ما بين ذلك من الحصون والقرى حتى انتهى إلى المرية حصوناً وابن أدفونش أيضا ملك الجلالقة هو ابن الأدفونش ‏"‏ الملقب بالحكيم ‏"‏ وآباؤه من قبلـه يتقـرى الفرستيـرة حصنـاً حصنـاً ومدينـة مدينـة إلـى أن طواهـا‏.‏ واستعبـد ابـن الأحمـر هـذا لـأول أمـره بمـا كان بينه وبين الثوار بالأندلـس مـن المنازعـة فوصـل يـده بالطاغيـة فـي سبيل الاستظهار على أمره فوصله وشد عضده وصـار ابـن الأحمـر فـي جملتـه وأغطـاه ابـن هـود ثلاثيـن مـن الحصـون أو نحوهـا فـي كـف غربه عن ابن الأحمـر وأن يعينـه علـى ملـك قرطبـة فتسلمهـا‏.‏ ثـم تغلـب علـى قرطبـة سنـة ثلـاث وثلاثيـن وأعـاد إليها خيـرة اللـه كلمـة الكفـر‏.‏ ثـم نـازل إشبيليـة سنـة سـت وأربعيـن وابـن الأحمـر معـه مظهر الامتعاض لابن الجـد وحاصرهـا سنتيـن‏.‏ ثـم دخلهـا صلحاً وانتظم معها حصونها وثغورها وأخذ طليطلة من يد ابن كماشة وغلب بعد ذلك ابن محفوظ على شلب وطلبيره سنة تسع وخمسين‏.‏ ثم ملك مرسيـة سنـة خمـس وستيـن‏.‏ ولـم يـزل الطاغية يقتطع ممالك الأندلس كورة كورة وثغراً ثغراً إلى أن ألجأ المسلمين إلى سيف البحر ما بين رندة من الغرب وإلبيرة من شرق الأندلس نحو عشر مراحـل مـن الغـرب إلـى الشـرق‏.‏ وفـي مقـدار مرحلـة أو مـا دونهـا فـي العـرض مـا بيـن البحر والجوف‏.‏ ثم سخط بعد ذلك الشيخ ابن الأحمر وطمع في الاستيلاء على كافة الجزيرة فامتنعت عليه وتلاحق بالأندلس غزاة من زناتة الثائرين يومئذ من بني عبد الواد وتوجين ومغراوة وبني مرين وكان أعلاهم كعباً في ذلك وأكثرهم غزى بنو مرين فأجاز أولا أولاد إدريس بن عبد الحق وأولـاد رحـو بـن عبـد اللـه بـن عبـد الحـق أعياص الملك منهم سنة ستين أو نحوها عقد لهم عمهم يعقوب بن عبد الحق سلطان المغرب وأجازوا في ثلاثة آلـاف أو نحوهـا فتقبـل ابـن الأحمـر إجازتها ودفع بهم في نحر عدوه ورجعوا‏.‏ ثم تهايلوا إليه من بعد ذلك من كل بيت من بيوت بني مرين ومعظمهم الأعياص من بني عبد الحـق لمـا تزاحمهـم مناكـب السلطان في قومهم وتغص بهم الدولة فينزعون إلى الأندلس مغنين بها مـن بأسهـم وشوكتهـم فـي المدافعة عن المسلمين ويخلصون من ذلك على حظ من الدولة بمكان‏.‏ ولـم يـزل الشـأن هـذا إلـى أن هلـك محمـد بـن يوسـف بن الأحمر سنة إحدى وسبعين وستمائة وقام بأمـره مـن بعـده ابنـه محمـد وكان يعرف بالفقيه لما كان يقرأ الكتاب من بين أهل بيته ويطالع كتب العلم‏.‏ وكان أبوه الشيخ أوصاه باستصـراخ ملـوك زناتـة مـن بنـي مريـن الدائليـن بالمغـرب مـن الموحدين وأن يوثق عهده بهم ويحكم أراضي سلطانه بمداخلتهم فأجاز محمد الفقيه ابن الأحمر إلى يعقـوب بـن عبـد الحـق سلطـان بنـي مريـن سنـة اثنتيـن وسبعيـن وستمائـة عندمـا تـم استيلـاؤه علـى بلاد المغرب وتغلبه على مراكش وافتقـاده سريـر ملـك الموحديـن بهـا فأجـاب صريخـه وأجـاز ثم جاء على أثرهم وأمكنه ابن هشام من الجزيرة الخضراء كان ثائرا بها فتسلمها منه ونزل بها وجعلهـا ركابـاً لجهـاده ينـزل بهـا جيـش الغـزو‏.‏ ولما أجاز سنة اثنتين وسبعين كما قلناه هزم زعيم النصرانيـة ثـم حـذره ابن الأحمر على ملكه فداخل الطاغية‏.‏ ثم حذر الطاغية فراجعه وهو مع ذلـك يـده فـي نحـره بشوكـة الأعيـاص الذيـن نزعـوا إليـه مـن بني مرين بما شاركوا صاحب المغرب من نسـب ملكـه وقاسمـوه فـي يعسوبيـة قبيلتـه فكـان لـه بذلـك مدفـع عـن نفسه ومرض في طاعة قرابته من بني إشقيلولة كان عبد الله منهم بمالقة وعلي بوادي آش وإبراهيم بحصن قمارش فالتاثوا عليه وداخلوا يعقوب بن عبد الحق سلطان بني مرين في المظاهرة عليه فكان له معهم فتنة وأمكنوا يعقوب من الثغور التي بأيديهم مالقة ووادي آش حتى استخلصها هذا السلطان الفقيه مـن بعـد ذلـك كمـا نذكـره فـي أخبـار بنـي مريـن مـع بنـي الأحمر‏.‏ وصار بنو إشقيلولة آخراً وقرابتهم بنـي الزرقـاء إلـى المغـرب ونزلـوا علـى يعقـوب بـن عبد الحق وأكرم مثواهم وأقطعهم واستعملهم في كبيـر الخطـط للدولـة حسبمـا يذكـر‏.‏ واستبد السلطان الفقيه ابن الأحمر بملك ما بقي من الأندلس وأورثه عقبة من غير قبيل ولا كثير عصبة ولا استكثار من الحامية إلا من يأخذه الجلاء من فحول زتاتة وأعياص الملك فينزلون بهم غزى ولهم عليهم عزة وتغلب وسبب ذلك ما قدمناه فـي الكتـاب الـأول من إفقاد القبائل والعصائب بأرض الأندلس جملة فلا تحتاج الدولة هنالك إلى كبيـر عصبيـة‏.‏ وكـان للسطـان ابـن الأحمـر فـي أول أمـره عصبيـة مـن قرابتـه في نصر وأصهارهم بني إشقيلولـة وبنـي المولـى ومـن تبعهـم مـن الموالـي والمصطنعيـن كانـت كافيـة فـي الأمـر مـن أولـه مـع معاضدة الطاغيـة علـى ابـن هـود وثـوار الأندلـس ومعاضـدة ملـك المغـرب علـى الطاغيـة والإستظهـار بالأعيـاص علـى ملـك المغـرب فكـان لهـم بذلـك كلـه أقدار على بلوغ أمرهم وتمهيده وربما يفهم في مدافعة الطاغية اجتماع الخاصة والعامة في عداوته والرهب منه بما هو عدو للدين فتستوي القلوب في مدافعته ومخافته فينزل ذلك بعض الشيء منزلة العصبية‏.‏ وكانت إجازة السلطان يعقوب بن عبد الحق إليه أربع مرات وأجاز ابنه يوسف إليهم بعد أبيـه‏.‏ ثـم شغلتـه الفتنـة مـع بنـي يغمراسـن إلـى أن هلـك السلطان الفقيه سنة إحدى وسبعمائة وهو الذي أعان الطاغية على منزلة طريف وأخذها وكان يمير عسكر مدة حصاره إياها إلى أن فتحها سنة أربع وسبعمائة لما كانت ركابا لصاحب المغرب متى هم بالجواز لقرب مسافة الزقاق‏.‏ فلما ملكها الطاغية صارت عيناً على من يروم الجواز من الغزاة‏.‏ فصعب أمره عليهم وولي من بعده ابنه محمد المخلوع واستبد عليه وزيره محمد بن محمد بن الحكم اللخمي من مشيخـة رنـدة ووزرائهـا فحجـره واستولـى علـى أمـره إلـى أن ثـار بـه أخـوه أبـو الجيوش نصر بن محمد فقتل الوزير واعتقل أخاه سنة ثمان وسبعمائة وكان أبوهما السلطان الفقيه استعمل على مالقة الرئيس أبا سعيد بن عمه إسماعيل بن نصر وطالت فيها إمارته‏.‏ وهو الذي تملـك سبتـة وغـدر بنـي الغرفـي بهـا علـى عهـد المخلـوع وبدعوتـه كمـا يذكـر في أخبار سبتة ودولة بني مرين‏.‏ وكـان أصهـر إليـه فـي ابنتـه وكان له منها ابنه أبو الوليد إسماعيل فلما تملك الجيوش نصر غرناطة واستولى على سلطانهم بها ساءت سيرته وسيرة وزيره ابن الحاج وأحقد الأعياص من بني مرين واستظهر الرعية بالقهر والعسف‏.‏ وكان بنو إدريس بن عبد الله بن الحق أمراء على الغزاة بمالقة وكان كبيرهم عثمان بن أبي المعلى فداخل أيا الوليد في الخروج على السلطان نصر وتناول الأمر من يده لضعفه وسعفه بطانتـه وأقربـاؤه فاعتزمـوا علـى ذلـك ولم يتم لهم إلا باعتقال أبيه أبي الجيوش فاعتقلوه وبايعوا أبا الوليد‏.‏ وثـار بمالقـة سنـة سبـع عشـرة الرئيس أبو سعيد وزحفوا إلى غرناطة فهزموا عساكر أبي الجيوش وثـارت بـه الدهماء من أهل المدينة وأحيط به‏.‏ وصالحهم على الخروج إلى وادي آش فلحق بها وجـدد بهـا ملكـاً إلـى أن مـات سنـة اثنتيـن وعشريـن ودخـل أبو الوليد إلى غرناطة فاصل بها لنفسه وبنيه ملكاً جديداً وسلطاناً فسيحاً‏.‏ ونازله ملك النصارى الفنش بغرناطة سنة ثمان عشرة وأبلـى فيهـا بنـي أبـي العـلا‏.‏ ثـم كـان مـن تكييـف اللـه تعالـى فـي قتلـه وقتل رديفه واستلحام جيوش النصرانية بظاهر غرناطة ما ظهرت فيه معجزة من معجزات الله‏.‏ وتردد إلى أرض النصرانية بنفسـه غازيـا مـرات مـع عساكـر المسلمين من زناتة والأندلس‏.‏ وكانت زناتة أعظم غناء في ذلك لقرب عهدهم بالتقشف والبداوة التي ليست للناس‏.‏ وبلغ أبو الوليد من العز والشوكة إلى أن غدر به بعض قرابته من بني نصر سنة سبع وعشرين وسبعمائة طعنه غدراً عندما انفض مجلسه بباب داره فأنفذه وحمل إلى فراشه ولحق القادر بدار عثمان بن أبي العلى فقتله لحينه وقتل الموالي المجاهدين فخرج عليهم ولحق بانديس فتملكها واستدعى محمد بن الرئيس أبي سعيد في معتقله بسلوباشة‏.‏ ونصبه للملك فلم يتم له مراده من ذلك‏.‏ ورجعوا آخراً للمهادنة وقتـل السلطـان محمـد وزيـره ابن المحروق بداره غدراً سنة تسع وعشرين استدعاه للحديث على لسان عمته المتغلبة عليه مع ابن المحروق وتناوله مع علوجه طعنا بالخناجر إلى أن مات‏.‏ وقام السلطان بأعباء ملكه ورجع عثمان بن أبي العلى إلى مكانه من يعسوبية الغزاة وزناتة حتى إذا هلك قدم عليهم مكانه ابنه أبا ثابت‏.‏ وأجاز السلطان محمد إلى المغرب صريخا للسلطـان أبـي الحسـن علـى الطاغيـة فوجـده مشغولا بفتنة أخيه محمد‏.‏ ومع ذلك جهز له العساكر وعقـد عليهـا سنـة ثلـاث وثلاثيـن‏.‏ واستـراب بنـو أبـي العلـى بمداخلـة السلطـان أبـي الحسـن فتشاوروا فـي أمـره وغـدروا بـه يـوم رحيلـه عـن الجبـل إلـى غرناطة فتقاصفوه بالرماح وقدموا أخاه أبا الحجاج يوسـف فقـام بالأمـر وشمـر عـن ساعـده فـي الأخـذ بثـأر أخيـه فنكـب بني العلي وغربهم إلى تونس وقـدم علـى الغـزاة مكـان أبـي ثابـت بـن عثمـان قرثيـة مـن بنـي رحـو بـن عبـد الله بن عبد الحق وهو يحيى بن عمر بن رحو فقام فأمرهم وطال أمر رياسته‏.‏ واستدعى السلطـان أبـو الحجـاج السلطان أبا الحسن صاحب المغرب فأجاز ابنه عندما تم له الفتح بتلمسان وعقد له على عساكر جمة من زناتة والمتطوعة‏.‏ فغزاهم وغنم وقفل راجعاً‏.‏ وتلاحقت به جموع النصارى وبيتوه على حدود أرضهم فاستشهد كثير من الغزاة وأجاز السلطان أبو الحسن سنة إحدى وأربعين بكافة أهل المغرب من زناتة ومغراوة والمرتزقة والمتطوعة فنازل طريف وزحف إليه الطاغية فلقيه بظاهرها فانكشف المسلمون واستشهد الكثير منهم وهلك فيها نساء السلطان وحريمه وفسطاطة من معسكره وكان يوم ابتلاء وتمحيص‏.‏ وتغلب الطاغية أثرها على القلعة ثغر غرناطة ونازل الجزيرة الخضراء وأخذها صلحـا سنـة ثلـاث وأربعين‏.‏ولم يزل أبو الحجاج في سلطانه إلى أن هلك يوم الفطر سنة خمس وخمسين طعنـه فـي سجـوده مـن صلـاة العيـد وغـد مـن صفاعفـة البلـد كـان مجتمعـاً‏.‏ وتولى ابنه واستبد عليه مولاهـم رضـوان حاجـب أبيـه وعمـه فقام بأمره وغلبه عليه وحجبه‏.‏ وكان إسماعيل أخوه ببعض قصـور الحمـراء قلعـة الملـك وكانـت لـه ذمـة وصهـر مـن محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن محمد ابن الرئيس أبي سعيد بما كان أبوه أنكحه شقيقة إسماعيل هذا‏.‏ وكان أبو يحيى هذا يدعى بالرئيس وجده محمد هذا هو الذي قدمنا أن عثمان بن أبي العلى دعاه من مكان اعتقاله للملـك فداخل محمد هذا الرئيس بعض الزعالقة من الغوغاء وبيت حصن الحمراء وتسوره وولج على الحاجب رضوان في داره فقتله وأخرج صهره إسماعيل ونصبه للملك ليلة سبع وعشرين من رمضان سنة ستين وسبعمائة‏.‏ وكان السلطان محمد هذا المخلوع بروضة خارج الحمراء فلحق بوادي آش وأجاز منهـا إلـى العدوة ونزل على ملك المغرب السلطان أبي سالم ابن السلطان أبي الحسن فرعى له ذمته وأحمد نزوله‏.‏ وارتاب شيخ الغزاة يحيى بن عمرو بالدولة ففر إلـى دار الحـرب ولحـق منهـا بالمغرب‏.‏ ونزل على السلطان أبي سالم فأحمد نزوله وولى مكانه على الغزاة بغرناطة من جهة إدريس بن عثمان بن أبي العلى‏.‏ فقام الرئيس بأمر إسماعيل أخيه ودر ملكه‏.‏ ثم تـرددت السعايـات وأنـذر الرئيس بالنكبة فغد بإسماعيل وقتله وإخوته جمعياً سنة إحدى وستين‏.‏ وقام بملـك الأندلـس ونبـذ إلـى الطاغية عهده ومنعه ما كان سلفه يعطونه من الجزية على بلاد المسلمين فشمر الطاغية لحربه وجهز العساكر إليه فأوقع المسلمون بهم بوادي آش وعليهم بعض الرؤساء من قرابة السلطان فعظمت النكاية‏.‏ وأرسل ملك المغرب إلى الطاغية في شأن محمد المخلوع ورده إلـى ملكـه فأركـب الأساطيـل وأجـازه إلـى الطاغيـة فلقيـه ووعـده المظاهرة على أمره وشرط له الاستئثار بما يفتح من حصون المسلمين‏.‏ ثـم نقـض فيمـا افتتـح منهـا ففارقـه السلطـان وأوى إلى الثغر المغربي في ملكة بني مرين وأمكن من ثغـور رنـدة فزحـف منهـا إلـى مالقـة سنـة خمس وستين فافتتحها‏.‏ وفر الرئيس محمد بن إسماعيل من غرناطة ولحق بالطاغية‏.‏ وكان معه إدريس بن عثمان شيخ الغزاة بحبسه إلى أن فر من محبسه بعد حين كما يذكر في أخبارهم‏.‏ وزحف السلطان محمد فيمن معه وأتوه بحاجب الرئيس وقتله واستلحم معه الرجال من الزعالقة الذين قتلوا الحاجب وتسوروا قصور الملك‏.‏ ودخل السلطان محمد غرناطة واستولى على ملكه‏.‏ وقدم على الغزاة شيخهم يحيى بن عمر واختـص ابنـه عثمـان ثـم نكبهـا لسنة وحبسهما بالمطبق بالمرية ثم غربهما بعد أعوام‏.‏ وقدم على الغـزاة قريبهمـا علـي بـن بدر الدين بن محمد بن رحو‏.‏ ثم مات فقدم مكانه عبد الرحمن بن أبي يغلوسـن وترفـع علـى السلطان أبي علي بن محمد ملك المغرب وتملأ هذا السلطان محمد المخلوع أريكة ملكه بالحمراء ممتنعاً بالظهور والترف والعزة على الطاغية والجلالقة وعلى ملوك المغرب بالعدوة بما نال دولتهم جميعاً من الهرم الذي يلحق الدول‏.‏ وأما الجلالقة فانتقضوا على ملكهم بطرة بن أدفونش سنة ثمان وستين من لدن مهلك أبيهما ووقعـت بيـن بطـرة وبيـن ملـك برشلونـة بسبـب إجارتـه عليـه فتـن وحـروب حجـر منهـا الجلالقـة وكانت سببا لانتقاضهم على بطرة واستدعائهم لأخيه الفنش فجاء وبايعوه وانحرفوا إليه جميعاً عن بطـرة فتحيز إلى ناحية بلاد المسلمين‏.‏ واستدعى هذا السلطان محمدا صاحب غرناطة لنصره من عدوه وأغزاه ببلاد الفنش ففتح كثيرا من معاقلها وخربها مثل حيان وأبدة وأثر وغيرها‏.‏ وعاث في بسائطها ونزل قرطبة وخرب نواحيها ورجع ظافراً غانماً‏.‏ ولحـق ببطـرة سلطـان الإفرنجة الأعظم في ناحية الشمـال مـن وراء جزيـرة الأندلـس وهـو صاحـب جزيـرة أركبلطـرة وتسمـى بنسـر غالـس وفـد عليـه صريخاً وزوجه ابنته فبعث ابنه لنصره في أمم الإفرنج‏.‏ وانهزم الفنش أمامهم وارتجع بطرة البلاد حتى إذا رجعت عساكر الإفرنجة رجع الفنش فارتجع البلاد ثانيا وحاصر أخاه بطرة في بعض حصون جليقة حتى أخذه وقتله واستولى على ملكهم‏.‏ واغتنم السلطان صاحب غرناطة شغلهم بهذه الفتنـة فأغـار عليهـم ومنـع الجزيـة التـي كانـوا يأخذونها من المسلمين منذ عهد سلفه فأقاموا من لدن سنة اثنتين وسبعين لا يعطونهم شيئاً‏.‏ واستمر على ذلك وسما إلى مطالبتهم بنسر غالس ملك الإفرنجة من ورائهم الذي جاء لنصر بطـرة وأنكحـه بطـرة ابنتـه وولدت له ولدا فزعم أبوه هذا الملك أنه أحق بالملك من الفنش وغيره على عادة العجم في تمليك الأسباط من ولد البطن‏.‏ وطالـت الحـرب بينهما ونزل بالجلالقة من ذلك شغل شاغل واقتطع الكثير من ثغورهم وبلادهم فمنعهم ابن الأحمر الجزية واعتز عليهم كما ذكرناه والحال على ذلك لهذا العهد‏.‏ وأمـا ملـوك المغـرب فإن السلطان عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن لما استبد بملكه واستفحل أمره وكان عبد الرحمن بن أبي يغلوسن مقدماً على الغزاة بالأندلس كما قلناه وهو قسيمه في النسـب ومرادفـه فـي الترشيـح للملـك فعثـر السلطان عبد العزيز على مكاتبة بينه وبين أهل دولته فارتاب وبعث إلى ابن الأحمر في حبسه فحبسه وحبس معه الأمير مسعود بن ماسي لكثرة خوضـه فـي الفتنـة ومكاتبتـه لأهـل الدلـة‏.‏ فلمـا توفـي السلطـان عبـد العزيـز سنـة أربع وسبعين وبويع ابنـه محمـد السعيـد يافعـا وكفلـه وزيـر أبيـه أبـو بكـر بـن غـازي الثائـر أطلـق ابـن الأحمـر عبـد الرحمن ابن يغلوسن من محبسه فنقم ذلك عليه الوزير أبو بكر كافل الدولة بالمغرب واعتزم على بعـث الرؤساء من قرابة ابن الأحمر إلى الأندلس لمنازعته ومده بالمال والجيش‏.‏ وبلغ ذلك ابن الأحمر فعاجله عنه وسار في العساكر إلى فرضة المجاز ونازل جبل الفتح ومعه ابن يغلوسن وابن ماسي واركبهما السفن فنزلوا ببلاد بطرة فاضطرب المغرب واشتد الحصار على أهل جبل الفتح واستأمنوا لابن الأحمر وأطاعوه‏.‏ وكان بسبتة محمد بن عثمان بن الكاس صهر أبي بكر بن غازي وقريبه بعثه لضبط المراسي عندمـا نـزل ابـن الأحمـر علـى الجبـل وبطنجة يومئذ جماعة من ولد السلطان أبي الحسن المرشحين محبوسون منذ عهد عبد العزيز فوقعت المراسلة من السلطان ابن الأحمر ومحمد ابن عثمان ونكـر عليه مبايعتهم لولد صغير لم يراهق‏.‏ وأشار ببيعة واحد من أولئك المرشحين المحبوسين بطنجـة ووعـده بالمظاهـرة والمـدد بالمـال والجيش ووقع إختيار محمد بن عثمان على السلطان أبي العبـاس أحمـد فأخرجـه وبايـع لـه‏.‏ وقـد كـان أولئـك الفتيـة تعاهـدوا فـي محبسهم أن من استولي منهم على الملك أطلق الباقين منهم فوفى لهم السلطان أبو العباس لأول بيعته وأطلقهم من المحبس وبعثهم إلى الأندلس ونزلوا على السلطان ابن الأحمر فأكرمهم وجعلهم لنظره‏.‏ وبعث بالأموال والعساكر للسلطان أبي العباس ولوزيره محمد بن عثمان وكتب إلى عبد الرحمن بن يغلوسن بموافقتهما واجتماعهما على الأمر فساروا جميعاً ونازلوا دار الملك بفاس حتى استأمن أبو بكر بـن غـازي للسلطـان أبي العباس وأمكنه من البلد الجديد دار الملك فدخلها في محرم سنة ست وسبعين‏.‏ وشيـع عبد الرحمن بن يغلوسن إلى مراكش وأعمالها وسوغ له ملكها كما كان الوفاق بينهما من قبل‏.‏ وبعث بالسعيد بن عبد العزيز المنصوب واتصلت الموالاة والمهاداة بينه وبين عبد الرحمن صاحب مراكـش ونهـض مـرارا وحاصـره وابـن الأحمـر يمـده تـارة وبسعـى بينهمـا فـي الصلـح أخرى إلى أن نهض إليه سنة أربع وثمانين وحاصره شهرا واقتحم عليه حصنه عنوة وقتلـه ورجـع إلـى فـاس‏.‏ ثـم نهـض إلـى تلمسـان وهـرب صاحبهـا أبو أحمد سلطان بني عبد الواد ودخل السلطان أبو العباس تلمسان‏.‏ وكـان جماعـة مـن سماسـرة الفتـن قـد سعـوا مـا بينه وبين السلطان ابن الأحمر بالفساد حتى أوغروا صدره وحملوه على نقض دولة السلطان أبي العباس ببعض الأعياص الذين عنده فاختار من أولئـك الفتيـة الذيـن نزلـوا عليه من طنجة موسى ابن السلطان أبي عنان واستوزر له مسعود بن ماسي وركب السفن معه إلى سبتة فبادر أهلها بطاعة موسى وأتوه ببيعتهم وارتحل عنهم إلـى فـاس‏.‏ وملـك السلطـان ابـن الأحمـر سبتـة وصـارت في دعوته وعمد السلطان موسى إلى دار الملك بفاس فوقف عليها يوماً واستأمنوا له آخر النهار فدخلها سنة سـت وثمانيـن وأصبـح جالساً على سرير ملكه‏.‏ وطـار الخبر إلى السلطان أبي العباس وقد ارتحل من تلمسان لقصد أبي حمو وبني عبد الواد بمكانهـم مـن دار الملـك فكـر راجعـا وأغـذ السيـر إلـى فـاس فلما تجاوز تازي وتوسط ما بينها وبين فاس افترق عنه بنو مرين وسائر عساكره وساروا على راياتهم إلى السلطان موسى ونهب معسكره ورجع هو إلى تازي فتوثق منه عاملها حتى جاء يريد السلطان من فاس فتقبض عليـه وحملـه إلـى فـاس وأزعجـه السلطـان موسـى إلـى الأندلـس ونـزل على ابن الأحمر كما كان هو‏.‏ واستولى السلطان موسى على المغرب واستبد عليه وزيره مسعود وطالـب ابـن الأحمـر بالنـزول علـى سبتـة فامتنـع ونشـأت بينهمـا الفتنـة ودس ابـن ماسـي لأهـل بيته بالثورة على حامية السلطان ابن الأحمر عندهم فثاروا عليهم وامتنعوا بالقصبة حتى جاءهم المدد في أساطيل ابن الأحمر فسكن أهل بيته واطمأنت الحال ونزع إلى السلطان ابن الأحمر جماعة من أهل الدولة وسألوه أن يبعث لهم ملكا من الأعياص الذيـن عنـده فبعـث إليهـم الواثـق محمـد بـن الأميـر أبـي الفضل ابن السلطان أبي الحسن‏.‏ وشيعه في الأسطـول إلـى سبتـة وخـرج إلـى غمـارة‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى مسعـود بـن ماسـي فخرج إليه في العسكر وحاصـره بتلـك الجبـال‏.‏ ثـم جـاءه الخبـر بمـوت سلطانـه موسـى ابـن السلطـان أبي عنان بفاس فارتحل راجعـاً‏.‏ ولمـا وصـل إلـى دار الملـك نصب على الكرسي صبياً من ولد السلطان أبي العباس كان تركه بفاس‏.‏ وجاء السلطان أبو عنان ابن الأمير أبي الفضل ونزل بجبل زرهون قبالة فاس‏.‏ وخرج ابن ماسي في العساكر فنزل قبالته‏.‏ وكان متولى أمره أحمد بن يعقوب الصبيحي وقد غص به أصحابه فذبوا عنه وقتلوه أمام خيمة السلطان‏.‏ وامتعض السلطان لذلـك ووقعـت المراسلة بينه وبين ابن ماسي على أن يبايع بشرط الاستبداد عليه واتفقا على ذلك‏.‏ ولحق السلطان بابن ماسي ورجع به إلى دار الملك فبايع له وأخذ له البيعة من الناس‏.‏ وكانت معه حصـة مـن جنـد السلطـان ابـن الأحمـر مـع مولـى مـن مواليـه فحبسهـم جميعا‏.‏ وامتعض لذلك السلطان فأركب أبا العباس البحر وجاء معه بنفسـه فدخلهـا وعساكـر ابـن ماسـي عليهـا يحاصرونهـا فبايعوا جميعا للسلطان أبي العباس‏.‏ ورجع ابن الأحمر إلى غرناطة وسار السلطان أبو العباس إلى فاس واعترضه ابن ماسي في العساكر فحاصره بالصفيحة من جبل غمارة وتحدث أهل عسكره في اللحاق بالسلطان أبي العباس ففزعوا إليه وهرب ابن ماسي وحاصره السلطان شهـراً حتى نزلوا على حكمه فقطع ابن ماسي بعد أن قتله ومثل به‏.‏ وقتل سلطانه واستلحم سائر بني ماسي بالتنكيل والقتل والعذاب‏.‏ واستولى على المغرب واستبد بملكه وأفرج السلطان ابن الأحمر عن سبتـة وأعادهـا إليـه‏.‏ واتصلت الموالاة بينهما‏.‏ وأقام ابن الأحمر في اعتزازه ولم تطرقه نكبة ولا حادثة سائر أيامه إلا ما بلغنا أنه نمى له عن ابنـه ولـي عهـده أبـي الحجـاج يوسـف أنـه يـروم التوثـب بـه وكـان علـى سفـر فـي بعض نواحي الأندلس فقبـض علـى ولده لحينه ورجع إلى غرناطة‏.‏ ثم استكشف حاله فظهرت براءته فأطلقه وأعاده إلى أحسن أحواله‏.‏ وإلا ما بلغنا أيضاً أنه لما سار من غرناطة إلى جبل الفتح شاربا لأحوال السلطان أبي العباس وهو بالصفيحة من جبال غمارة وابن ماسي يحاصره فنمي إليه أن بعض حاشيتـه مـن أولـاد الـوزراء وهـو ابـن مسعـود البلنسـي ابن الوزير أبي القاسم بن حكيم وقد اتفقوا علـى اغتيالـه وأن ابـن ماسـي دس إليهـم بذلك ونصبت له على ذلك العلامات التي عرفتها فقبض عليهـم لحينـه ولـم يمهلهـم وقتلهـم وجميـع من داخلهم في ذلك ورجع إلى غرناطة وأقام ممتنعا بملكه إلى أن هلك سنة ثلاث وتسعين‏.‏ فولي مكانه ابنه أبو الحجاج وبايعه الناس وقام بأمره خالد مولـى أبيـه وتقبـض علـى أخوتـه سعـد ومحمـد ونصـر فهلكـوا فـي محبسهـم ولـم يوقـف لهم على خبر‏.‏ ثـم سعـى عنـده فـي خالد القائم بدولته أنه أعد السم لقتله وأن يحيى بن الصائغ اليهودي طبيب دارهم داخله في ذلك ففتك بخالد وقتل بين يديه صبراً بالسيوف لسنة أو نحوها من ملكه‏.‏ وحبس الطبيـب فذبـح فـي محبسـه‏.‏ ثـم هلـك سنـة أربـع وتسعيـن لسنتيـن أو نحوهـا مـن ملكـه‏.‏ وبويـع ابنه محمد وقام بأمره محمد الخصاصي القائد من صنائع أبيه والحال على ذلـك لهـذا العهـد والله غالب على أمره‏.‏ وقد انقضى ذكر الدولة الأموية المنازعين لبني العباس ومن تبعهم من الملوك بالأندلس فلنذكر الآن شيئاً من أخبار ملوك النصرانية الذين يجاورون المسلميـن بجزيـرة الأندلس من سائر نواحيهم ونلم بطرف من أنسابهم ودولهم‏.‏