فصل: سنة خمس وثلاثين ومائتين وألف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 سنة خمس وثلاثين ومائتين وألف

فكان أول المحرم بالهلال يوم الخميس وفيه وما قبله بأيام حصل بالأرياف بل وبداخل المدينة انزعاجات بسبب تواتر سرقات وإشاعة سروح مناسر وحرامية وعمر الناس أبواب الدور والدروب وحصل منع الناس من المسير والمشي بالأزقة من بعد الغروب وصار كتخدا بك وآغات التبديل والوالي يطوفون ليلًا بالمدينة وكل من صادفوه قبضوا عليه وحبسوه ولو كان مما لا شبهة فيه واستمر هذا الحال إلى آخر الشهر‏.‏

وفي سابع عشرينه حضر الباشا من الصعيد بعد أن وصل في سرحته إلى الشلال وكان الناس تقولوا على ذهابه إلى قبلي أقاويل منها أنه يريد التجريد على بواقي المصريين المنقطعين بدنقلة فإنهم استفحل أمرهم واستكثروا من شراء العبيد وصنعوا البارود والمدافع وغير ذلك ومنها أنه يريد التجريد أيضًا وأخذ بلاد دارفور والنوبة ويمهد طريق الوصول إليها ومنها أنهم قالوا أنه ظهر بتلك البلاد معدن الذهب والفضة والرصاص والزمرد وأن ذهابه للكشف على ذلك وامتحانه وعمل معدله ومقدار ما يصرف عليه حتى يستخرج صافيه وبطل كل ما توهموه وخمنوه برجوعه وأما قولهم عن هذه المعادن فالذي تلخص من ذلك أنه ظهر بأرض أحجار خضر تشبه الزمرد وليست إياه وبمكان آخر شيء أسود مخرفش مثل خرء الحديد يخرج منه بعد العلاج والتصفية رصاص قليل فقد أخبرني أخونا الشيخ عمر الناوي المعروف بالمخلصي أنه أخذ منه قطعة وذهب بها إلى الصائغ ودقها ووضعها في بوط كبير وساق عليها بنار السبك وانكسر البوط فنقلها إلى بوط آخر ولم يزل يعالجها بطول النهار وأحرق عليها زيادة عن القنطار من الفحم‏.‏

وفيه حضر أيضًا جماعة من الوهابية وأنزلوا بدار بحارة عابدين‏.‏

واستهل شهر صفر بيوم الجمعة سنة 1235 في غرته سافر محمد آغا المعروف بأبو نبوت الشامي إلى دار السلطنة باستدعاء من الدولة وذلك انه لما حضر إلى مصر ونزل برحاب الباشا كما تقدم وكاتب الباشا في شأنه إلى الدولة فحضر الأمر بطلبه وأوكد بالإكرام فعند ذلك هيأ له الباشا ما يحتاج إليه من هدية وغيرها وتعين للسفر صحبته خمسة وثلاثون شخصًا أرسل إليهم الباشا كساوي وفراوي وترك باقي أتباعه بمصر أنزلوهم في دار بسويقة اللالا وهم يزيدون عن المائتين ويصرف لهم الرواتب في كل يوم والشهرية‏.‏

وفيه وصل جماعة من عسكر المغاربة والعرب الذين كانوا ببلاد الحجاز وصحبتهم أسرى من الوهابية نساء وبنات وغلمانًا نزلوا عند الهمايل وطفقوا يبيعونهم على من يشتريهم مع أنهم وفي منتصفه مات مصطفى آغا وكيل دار السعادة سابقًا ومات أيضًا الشيخ عبد الرحمن القرشي الحنفي‏.‏

وفي سابع عشره وصل الحاج المصري ومات الكثير من الناس فيه بالحمى وكثرت الحمى بأرض مصر وكأنها تناقلت من أرض الحجاز‏.‏

وفي حادي عشرينه وصل إبراهيم باشا ابن الباشا من ناحية القصير وكان قبل وروده بأيام وصل خبر وصوله إلى القصير وضربوا لذلك الخبر مدافع من القلعة وغيرها ورمحت المبشرون لأخذ البقاشيش من الأعيان واجتمعت نساء أكابرهم عند والدته ونسائهم للتهنئة ونظموا له القصر الذي كان أنشأه ولي خوجه وتممه شريف بك الذي تولى في منصبه وهو بالروضة بشاطئ النيل تجاه الجيزة وعند وصول المذكور عملوا جسرًا من الروضة إلى ساحل مصر القديمة على مراكب من البر إلى البر وردموه بالأتربة من فوق الأخشاب‏.‏

وفي ذلك اليوم وصل قابجي من دار السلطنة بالبشارة بمولود ولد لحضرة السلطان وطلع إلى القلعة في موكب‏.‏

وفي يوم الخميس حادي عشرينه عند وصول إبراهيم باشا نودي بزينة المدينة سبعة أيام بلياليها فشرع الناس في تزيين الحوانيت والدور والخانات بما أمكنهم وقدروا عليه من الملونات والمقصبات وأما جهات النصارى وحاراتهم وخاناتهم فإنهم أبدعوا في عمل تصاوير مجسمات وتماثيل وأشكال غريبة وشكا الناس من عدم وجود الزيت والشيرج فرسموا بجملة قناطير شيرج تعطى للزياتين لتباع على الناس بقصد ذلك ويأخذونها ويبيعونها بأغلى ثمن بعد الإنكار والكتمان‏.‏

ولما أصبح يوم الجمعة وقد عدى إبراهيم باشا إلى بر مصر رتبوا له موكبًا ودخل من باب النصر وشق المدينة وعلى رأسه الطلخان السليمي من شعار الوزارة وقد أرخى لحيته بالحجاز وحضر والده إلى جامع الغورية بقصد الفرجة على موكب ابنه وطلع بالموكب إلى القلعة ثم رجع سائرًا بالهيئة الكاملة إلى جهة مصر القديمة ومر على الجسر وذهب إلى قصره المذكور بالروضة واستمرت الزينة والوقود والسهر بالليل وعمل الحراقات وضرب بالمدافع في كل وقت من القلعة ومغاني وملاعب في مجامع الناس سبعة أيام بلياليها في مصر الجديدة والقديمة وبولاق وجميع الأخطاط ورجع إبراهيم باشا من هذه الغيبة متعاظمًا في نفسه جدًا وداخله من الغرور ما لا مزيد عليه حتى أن المشايخ لما ذهبوا للسلام عليه والتهنئة بالقدوم فلما أقبلوا عليه وهو جالس في ديوانه لم يقم لهم ولم يرد عليهم السلام فجلسوا وجعلوا يهنئونه بالسلامة فلم يجبهم ولا بالإشارة بل جعل يحادث شخصًا سخرية عنده وقاموا على مثل ذلك منصرفين ومنكسفين ومنكسري الخاطر‏.‏

قي ثامنه مات ابن إبراهيم باشا وهو الذي تقدمه في المجيء إلى مصر وعملوا له الموكب وعمره نحو ست سنوات وكان موته في أول الليل من ليلة الأحد فأرسلوا التنابيه لأعيان الدولة والمشايخ فخرج البعض منهم في ثلث الليل الأخير إلى مصر القديمة حي المعادي لأنه مات بقصر الجيزة فما طلع النهار حتى ازدحموا بمصر القديمة وما حضروا به إلا قرب الزوال وانجروا بالمشهد إلى مدفنهم بالقرب من الإمام الشافعي وعملوا له مأتمًا وفرقوا دراهم على الناس والفقهاء وغير ذلك ثم حكى المخبرون عن كيفية موته أنه كان نائمًا في حجر دادته جارية سوداء فشاجرتها جارية بيضاء ورفصتها برجلها فأصابت الغلام فاضطرب ووصل الخبر إلى أبيه فدخل إليهم وقبض على الجواري الحاضرات وحبسهن في مكان بالقصر وقال إن مات ولدي قتلتكن عن آخركن فمات من ليلته فحخنق الجميع وألقاهن في البحر بما فيهن الدادة في أنهم خمسة وقيل ستة والله أعلم‏.‏

وفي أواخره انقضى أمر الحفر بترعة الإسكندرية ولم يبق من الشغل إلا القليل ثم فتحوا لها شرمًا خلاف فمها المعمول خوفًا من غلبة البحر فجرى فيها الماء واختلط بالمياه المالحة التي نبعت من أرضها وعلا الماء منها على بعض المواطن المسجنة وبها روبة عظيمة وساح على الأرض وليس هناك جسور تمنع وصادف أيضًا وقوع نوة وأهوية علا فيها البحر المالح على الجسر الكبير ووصل إلى الترعة فأشيع في الناس أن الترعة فسد أمرها ولم تصح وأن المياه المالحة التي منها ومن البحر غرقت الإسكندرية وخرج أهلها منها إلى أن تحقق الخبر بالواقع وهو دون ذلك ورجع المهندسون والفلاحون إلى بلادهم بعد ما هلك معظمهم‏.‏

واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1235 في أوله عزل الباشا محمد بك الدفتردار عن إمارة الصعيد وقلد عوضه أحمد باشا ابن طاهر باشا وسافر في خامسه‏.‏

وفي سابعه سافر الباشا إلى الإسكندرية للكشف على الترعة وسافر صحبته ابنه إبراهيم باشا ومحمد بك الدفتردار والكتخدا القديم ودبوس أوغلي‏.‏

وفي ثالث عشره حضر الباشا ومن معه من غيبتهم وقد انشرح خاطره لتمام الترعة وسلوك المراكب وسفرها فيها وكذلك سافرت فيها مراكب رشيد والنقاير بالبضائع واستراحوا من وعر البغاز والسفر في المالح إلى الإسكندرية والنقل والتجريم وانتظار الريح المناسب لاقتحام البغاز والبحر الكبير ولم يبق في شغل الترعة إلا الأمر اليسير وإصلاح بعض جسورها واتفق وقوع حادثة في هذا الشهر وهو أن شخصًا من الإفرنج الإنكليز ورد من الإسكندرية وطلع إلى بلدة تسمى كفر حشاد فمشى بالغيط ليصطاد الطير فضرب طيرًا ببندقته فأصابت بعض الفلاحين في رجله وصادف هناك شخصًا من الأرنؤد بيدده هراوة أو مسوقة فجاء إلى ذلك الإفرنجي وقال له أما تخشى أن يأتي إليك بعض الفلاحين ويضربك على رأسك هكذا وأشار بما في يده على رأس الإفرنجي لكونه لا يفهم لغته فاغتاظ من ذلك الإفرنجي وضربه ببندقته فسقط ميتًا فاجتمع عليه الفلاحون وقبضوا على الإفرنجي ورفعوا الأرنؤدي المقتول وحضروا إلى مصر وطالبوا بمجلس كتخدا بك واجتمع الكثير من الأرنؤد وقالوا لا بد من قتل الإفرنجي فاستعظم الكتخدا ذلك لأنهم يراعون جانب الإفرنج إلى الغاية فقال حتى نرسل إلى القناصل ونحضرهم ليروا حكمهم في ذلك فأرسل بإحضارهم وقد تكاثر الأرنؤد وأخذتهم الحمية وقالوا لأي شيء تؤخر قتله إلى مشورة القناصل وإن لم يقتل هذا في الوقت نزلنا إلى حارة الإفرنج ونهبناها وقتلنا كل من بها من الإفرنج فلم يسع الكتخدا إلا أن أمر بقتله فنزلوا به إلى الرميلة وقطعوا رأسه وطلع أيضًا القناصل في كبكبتهم وقد نفذ الأمر وكان ذلك في غيبة الباشا‏.‏

واستهل شهر جمادى الأولى سنة 1235 فيه جرد الباشا حسن بك الشماشرجي حاكم البحيرة على سيوة من الجهة القبلية فتوجه إليها وفيه قوي عزم الباشا على الآغارة على نواحي السودان فمن قائل أنه متوجه إلى سنار ومن قائل إلى دار فور وساري العسكر ابنه إسماعيل باشا وخلافه ووجه الكثير من اللوازم إلى الجهة القلية وعمل البقسماط والذخيرة ببلاد قبلي والشرقية واهتم اهتمامًا عظيمًا وأرسل أيضًا بإحضار مشايخ العربان والقبائل‏.‏

وفيه خرج الباشا إلى ناحية القليوبية حيث الخيول بالربيع وخرج محو بك لضيافته بقلقشنده وأخرج خيامًا وجمالًا كثيرة محملة بالفرش والنحاس وآلات المطبخ والأرز والسمن والعسل والزيت والحطب والسكر وغير ذلك وإضافة ثلاثة أيام وكذلك تأمر كاشف الناحية وغيره وكذلك أحضر له ضيافة ابن شديد شيخ الحويطات وابن الشواربي كبير قليوب وابن عسر وكان صحبة الباشا ولداه إبراهيم باشا وإسماعيل باشا وحسن باشا‏.‏

وفي أثناء ذلك ورد الهبر بموت عابدين بك أخو حسن باشا بالديار الحجازية وكذلك الكثير من أتباعه بالحمى فتكدر حظهم وبطلت الضيافات وحضر الباشا ومن معه في أواخره لعمل العزاء والميتم وأخبر الواردون بكثرة الحمى بالديار الحجازية حتى قالوا أنه لم يبق من طائفة عابدين بك إلا القليل جدًا‏.‏

في عشرينه وردت هدية من والي الشام فيها من الخيول الخاص عشرة بعضها ملبس والباقي من غير سروج وأشياء أخر لا نعلمها‏.‏

وفي أواخره ورد الخبر بأن حسن بك الشماشرجي استولى على سيوة‏.‏

وفيه ورد الخبر بأنه وقع بإسلامبول حريق كثير‏.‏

وفيه ورد الخبر أيضًا عن حلب بأن أحمد باشا المعروف بخورشيد الذي كان سابقًا والي مصر استوى على حلب وقتل من أهلها وأعيانها أناسًا كثيرة وذلك أنه كان متوليًا عليها فحصل منه ما أوجب قيام أهل البلدة عليه وعزلوه وأخرجوه وذلك من مدة سابقة فلما أخرجوه أقام خارجها وكاتب الدولة في شأنهم وقال ما قال في حقهم فبعثوا أوامر ومراسيم لولاة تلك النواحي بأن يتوجهوا لمعونته على أهل حلب فاحتاطوا بالبلدة وحاربوها أشهرًا حتى ملكوها وفتكوا في أهلها وضربوا عليهم ضرائب عظيمة وهم على ذلك‏.‏

وفي أواخره تقلد آغاوية مستحفظان مصطفى آغا كرد مضافة للحسبة عوضًا عن حسن آغا الذي توفي في الحج فأخذ يعسف كعادته في مبادئ توليته للحسبة وجعل يطوف ليلًا ونهارًا ويحتج على المارين بالليل بأدنى سبب فيضرب من يصادفه راجعًا من سهر ونحوه أو يقطع من أذنه أو أنفه‏.‏

في ثالثه تقلد نظر الحسبة شخص يسمى حسين آغا المورلي وهو بخشونجي بساتين الباشا‏.‏

وفيه رجع حسن بك الشماشرجي من ناحية سيوة بعد أن استولى عليها وقبض من أهاليها مبلغًا من المال والتمر وقرر عليها قدرًا يقومون به في كل عام إلى الخزينة وفي عشرينه سافر محمد آغا لاظ وهو المنفصل عن الكتخدائية إلى قبلي بمعنى أنه في مقدمة الجردة يتقدمها إلى الشلال‏.‏

وفي أواخره وصل الخبر بموت خليل باشا بالديار الحجازية فخلع الباشا على أخيه أحمد بك وهو ثالث إخوته وهو أوسطهم وقلده في منصب أخيه عوضًا عنه وأعطى البيرق واللوازم‏.‏

وفي أواخره توجه الباشا إلى ناحية الوادي لينظر ما تجدد به من العمائر والمزارع والسواقي وقد صار هذا الوادي إقليمًا على حدته وعمر به قرى ومساكن ومزارع‏.‏

واستهل شهر شعبان بيوم الأحد سنة 1235 فيه سافر إبراهيم باشا إلى القليوبية ثم إلى المنوفية والغربية لقبض الخراج عن سنة تاريخه والطلب بالبواقي التي انكسرت على الفقراء وكان الباشا سامح في ذلك وتلك بواقي سبع سنين فكان يطلب مجموع ما على القرية من المال والبواقي في ظرف ثلاثة أيام ففزعت الفلاحون ومشايخ البلاد وتركوا غلالهم في الأجران وطفشوا في النواحي بنسائهم وأولادهم وكان يحبس من يجده من النساء ويضربهن فكان مجموع المال المطلوب تحصيله على ما أخبرني به بعض الكتاب مائة ألف كيس‏.‏

وفي منتصفه حضر الباشا من ناحية الوادي‏.‏

وفي أواخره وقع حريق ببولاق في مغالق الخشب التي خلف جامع مرزه وأقام الحريق نحو يومين حتى طفئ واحترق فيه الكثير من الخشب المعد للعمائر بالكرسنة والزفت وحطب الإشراق وغيره‏.‏

واستهل شهر رمضان بيوم الاثنين سنة 1235 والاهتمام الحاصل وكل قليل يخرج عساكر ومغاربة مسافرين إلى بلاد السودان ومن جملة الطلب ثلاثة أنفار من طلبة العلم يذهبون بصحبة التجريدة فوقع الاختيار على محمد أفندي الأسيوطي قاضي أسيوط والسيد أحمد البقلي الشافعيين والشيخ أحمد السلاوي المغربي المالكي وأقبضوا محمد أفندي المذكور عشرين كيسًا وكسوة ولكل واحد من الاثنين خمسة عشر كيسًا وكسوة ورتبوا لهم ذلك في كل سنة‏.‏

وفي سابعه وقع حريق في سراية القلعة فطلع الآغا والوالي وآغات التبديل واهتموا بطفء النار وطلبوا السقائين من كل ناحية حتى شح الماء ولا يكاد يوجد وكان ذلك في شدة الحر وتوافق شهر بؤته ورمضان وأقاموا في طفء النار يومين واحترق ناحية كتخدا بك ومجلس شريف بك وتلفت أشياء وأمتعة ودفاتر حرقًا ونهبًا وذلك أن أبنية القلعة كانت من بناء الملوك المصرية بالأحجار والصخور والعقود وليس بها إلا القليل من الأخشاب فهدموا ذلك جميعه وبنوا مكانه الأبنية الرقيقة وأكثرها من الحجنة والأخشاب على طريق بناء إسلامبول والإفرنج وزخرفوها وطلوها بالبياض الرقيق والأدهان والنقوش وكله سريع الاشتغال حتى أن الباشا لما بلغه هذا الحريق وكان مقيمًا بشبرا تذكر بناء القلعة القديم وما كان فيه من المتانة ويلوم على تغيير الوضع السابق ويقول أنا كنت غائبًا بالحجاز والمهندسون وضعوا هذا البناء وقد تلف في هذا الحريق ما ينيف عن خمسة وعشرين ألف كيس حرقًا ونهبًا ولما حصل هذا الحريق انتقلت الدواوين إلى بيت طاهر باشا بالأزبكية وانقضى شهر رمضان‏.‏

واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة 1235 وقع في تلك الليلة اضطراب في ثبوت الهلال لكونه كان عسر الرؤية جدًا وشهد اثنان برؤيته ورد الواحد ثم حضر آخر ولم يزالوا كذلك إلى آخر الليل ثم حكم به عند الفجر بعد أن صليت التراويح وأوقدت المنارات وطاف المسحرون بطبلاتهم وتسخرت الناس وأصبح العيد باردًا‏.‏

وفي خامسه سافر الباشا إلى ثغر إسكندرية كعادته وأقام ولده إبراهيم باشا للنظر في الأحكام والشكاوى والدعاوى وكانت إقامته بقصره الذي أنشأه بشاطئ النيل تجاه مضرب النشاب وتعاظم في نفسه جدًا ولما رجع إبراهيم باشا من سرحته شرعوا في عمل مهم لختان عباس باشا ابن أخيه طوسون باشا وهو غلام في السادسة فشرعوا في ذلك في تاسع عشره ونصبوا خيامًا كثيرة تحت القصر وحضرت أرباب الملاعيب والحواة والمفزلكون والبهلوانيون وطبخت الأطعمة والحلواء والأسمطة وأوقدت الوقدات بالليل من المشاعل والقناديل والشموع بداخل القصر وتعاليق النجفات البلور وغير ذلك ورسموا بإحضار غلمان أولاد الفقراء فحضر الكثير منهم وأحضروا المزينين فختنوا في أثناء أيام الفرح نحو الأربعمائة غلام ويفرشون لكل غلام طراحة ولحافًا يرقد عليها حتى يبرأ جرحه ثم يعطى لكل غلام كسوة وألف نصف فضة وفي كل ليلة يعمل شنك وحراقات ونفوط ومدافع بطول الليل ودعوا في أثناء ذلك كبار الأشياخ والقاضي والشيخ السادات والبكري وهو نقيب الأشراف أيضًا والمفاتي وصار كل من دخل منهم يجلسونه من سكوت ولم يقم لواحد منهم ولم يرد على من يسلم ولا بالإشارة السلام ولم يكلمهم بكلمة يؤانسهم بها وحضرت المائدة فتعاطوا الذي تعاطوه حتى انقضى المجلس وقاموا وانصرفوا من سكوت‏.‏

وفي يوم الأربعاء ثالث عشرينه خرجوا بالمحمل إلى الحصوة وأمير الحاج شخص من الدلاة لم نعرف اسمه‏.‏

وفي يوم الخميس عملوا الزفة لعباس باشا ونزلوا به من القلعة على الدرب الأحمر على باب الخرق إلى القصر وختنوه في ذلك اليوم وامتلأ طشت المزين الذي ختنه بالدنانير من نقوط الأكابر والأعيان وخلعوا عليه فروة وشال كشميري وأنعموا على باقي المزينين ثلاثين كيسًا وانقضى ذلك‏.‏

وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرينه الموافق لثالث مسرى القبطي أوفى النيل أذرعه وكسر السد في صبحها يوم الأربعاء وجرى الماء في الخليج وذلك بحضرة كتخدا بك والقاضي‏.‏

وفي هذا الشهر حضر طائفة من بواقي الأمراء المصرية من دنقلة إلى بر الجيزة وهم نحو الخمسة وعشرين شخصًا وملابسهم قمصان بيض لا غير فأقاموا في خيمة ينتظرون الإذن وقد تقدم منهم الإرسال بطلب الأمان عندما بلغهم خروج التجاريد وحضر ابن علي بك أيوب وطلب أمانًا لأبيه فأجيبوا إلى ذلك وأرسل لهم أمانًا لأجمعهم ما عدا عبد الرحمن بك والذي يقال له المنفوخ فليس يعطيهما أمانًا ولما حضرت مراسلة الأمان لعلي بك أيوب تأهب للرحيل حقدوا عليه وقتلوه ووصل خبر موته فعملوا نعيه في بيت سكن زوجته الكائن بشمس الدولة وأكثروا من الندب والصراخ عدة أيام‏.‏

وفي هذا الشهر حضر أشخاص من بلاد العجم وصحبتهم هدية إلى الباشا وفيها خيول فأنزلوهم ببيت حسين بك الشماشرجي بناحية سويقة العزى‏.‏

واستهل شهر ذي القعدة بيوم الخميس سنة 1235 في رابعه يوم الأحد وصل قابجي وعلى يده مرسوم تقرير للباشا بولاية مصر على السنة الجديدة وتقرير آخر لولده إبراهيم باشا بولاية جدة وركب القابجي المذكور في موكب من بولاق إلى القلعة وقرئت المراسيم بحضرة كتخدا بك وإبراهيم باشا وأعيانهم وضربوا مدافع‏.‏

وفيه سافر إسماعيل باشا إلى جهة قبلي وهو أمير العسكر المعينة لبلاد النوبة كل ذلك والباشا الكبير على حاله بالإسكندرية‏.‏واستهل