فصل: شهر جمادى الثانية بيوم الثلاثاء سنة 1225

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 شهر جمادى الثانية بيوم الثلاثاء سنة 1225

في ثالثه يوم الخميس قلد الباشا ديوان أفندي نظر مهمات الحرمين والتأهب لسفر الحجاز لمحاربة الوهابية وسكن ببيت قصبة رضوان كل ذلك مع توجه الهمة والاستعداد لمحاربة الأمراء المصريين والمذكورون بناحية قنطرة اللاهون‏.‏

وأما حسن باشا وصالح قوج وعابدين بك ومن معهم فإنهم صعدوا إلى قبلي وملكوا البنادر إلى حد جرجا واستقر دبوس أوغلي بمنية ابن خصيب‏.‏

وفي يوم السبت خامسه ارتحل الباشا بعساكره من الجيزة وانتقل إلى جزيرة الذهب ونودي في المدينة بخروج العساكر المقيمين بمصر ولا يتخلف منهم أحد فزاد تعديهم وخطفهم الحمير والجمال والرجال والفلاحين وغيرهم لتسخيرهم في خدمتهم وفي المراكب عوضًا عن النوتية والملاحين الذين هربوا وتركوا سفائنهم فكانوا يقبضون على كل من يصادفونه ويحبسونهم في الحواصل ببولاق واتفق أنهم حبسوا نحو ستين نفرًا في حاصل مظلم وأغلقوه عليهم وتركوهم من غير أكل ولا شرب أيامًا حتى ماتوا عن آخرهم وانحدر قبطان بولاق وأعوانه في طلب المراكب من بحر النيل فكانوا يقبضون على المراكب الواصلة إلى مصر بالغلال والبضائع والسفار فيلقون شحنها التي لا حاجة لهم بها على شطوط الملق ويأتون بالمراكب إلى بولاق والجيزة إلا أن يعطوهم براطيل على تركهم الغلة بالمراكب حتى يصلوا بها إلى ساحل بولاق فيخرجونها منها ثم يأخذون المركب وهكذا كان دأبهم بطول هذه المدة‏.‏

وفي عاشره ارتحل الباشا من جزيرة الذهب يريد محاربة المصريين‏.‏

وفي منتصفه ورد الخبر بأن حسين بك تابع حسين بك المعروف بالوشاش الألفي أراد الهروب والمجيء إلى الباشا فقبض عليه شاهين بك وأهانه وسلب نعمته وكتفه وأركبه على جمل مغطى الرأس وأرسله إلى الواحات فاحتال وهرب وحضر إلى عرضي الباشا فأكرمه وأنعم عليه وأعطاه خمسين كيسًا واستمر عنده‏.‏

وفي خامس عشرينه وصلت الأخبار بأن الباشا ملك قناطر اللاهون وأن المصريين ارتحلوا إلى ناحية البهنسا ولم يقع بينهم كبير محاربة وأن الباشا استولى على الفيوم وأرسل الباشا هدايا لمن في سرايته ولكتخدا بك من ظرائف الفيوم مثل ماء الورد والعنب والفاكهة وغير ذلك واستولى على ما كان مودعًا للمصريين من الغلال بالفيوم‏.‏

وفي أواخره وصلت أخبار من ناحية الشام بأن طائفة من الوهابية جردوا جيشًا إلى تلك الجهة فتوجه يوسف باشا إلى المزيريب وحصن قلعتها واستعد إليهم بجيش وحاربوهم وطردوهم ثم واستهل شهر رجب بيوم الخميس سنة 1225 فيه وردت الأخبار بورود قزلا آغا من طرف الدولة وعلى يده أوامر وخلعة وسيف وخنجر لمحمد علي باشا وصحبته أيضًا مهمات وآلات مراكب ولوازم حروب لسفر البلاد الحجازية ومحاربة الوهابية وهو يسمى عيسى آغا وأنه طلع إلى ثغر سكندرية‏.‏

وفي يوم السبت عاشره الموافق لسادس مسى القبطي أوفى النيل وحصلت الجمعية وحضر كتخدا بك والقاضي وباقي الأعيان وكسر السد بحضرتهم في صبحها يوم الأحد وجرى الماء في الخليج‏.‏

وفيه وصل الآغا شبرا وعملوا له هناك شنكًا وحراقات وتعليقات قبالة القصر الذي أنشأه الباشا بساحل شبرا وخرجوا لملاقاته في صبحها بعد ثلاث ليال في يوم الثلاثاء ثالث عشره وعملوا له موكبًا عظيمًا وطلع إلى القلعة وضربوا عند طلوعه إلى القلعة مدافع وهذا الآغا أسمر اللون حبشي مخصي لطيف الذات متعاظم في نفسه قليل الكلام وفي حال مروره كان بجانبه شخصان ينثران الذهب والفضة والإسلامبولي على الناس المتفرجين وحضر صحبته وصحبة أتباعه السكة الجديدة التس ضربت بإسلامبول من الذهب والفضة وهي دراهم فضة خالصة سالمة من أغش زنة الدرهم منها درهم وزني كامل ستة عشر قيراطًا يصرف بخمسة وعشرين نصفًا من الأنصاف المعاملة العددية المستعملة في معاملة الناس الآن وكذلك قطعة مضروبة وزن درهمين بالدرهم الوزني تصرف بخمسين وكذلك قطعة مضروبة وزنها أربعة دراهم وتصرف بمائة نصف وقطعة وزنها ثمانية داهم وتصرف بمائتين وكذلك ذهب فندقلي إسلامي يصرف بأربعمائة نصف وأربعين نصفًا ونصفه وربعه‏.‏

وفي يوم الجمعة سادس عشره حضر الآغا المذكور إلى المسجد الحسيني وصلي به الجمعة وخرج وهو يفرق على الفقراء والمستجدين أرباع الفنادقة وأعطى خدمة الضريح وخدمة المسجد قروشًا إسلامبولي في صرر أقل ما في الصرة الواحدة عشرة قروش‏.‏

وفي يوم السبت سابع عشره عملوا ديوانًا بالقلعة وأحضروا خلعة وصلت صحبة الآغا المذكور أرسلها صحبة خازنداره وألبسوها لابن الباشا وجعلوه باشا مير ميران وابن الباشا المذكور ولد مراهق صغير يسمى إسماعيل وضربوا شنكًا ومدافع وأشيع أنه وصلت مبشرون من الجهة القبلية بنصرة الباشا على المصريين وأرسلوا بذلك أوراقًا للأعيان أخبروا فيها بوقوع الحرب بين الفريقين ليلة السبت أو يوم السبت عاشر رجب‏.‏

وفي ليلة الثلاثاء عشرينه أرسلوا تنابيه إلى المشايخ بالحضور من الغد لأنفار عدوها ويكون حضورهم بالمشهد الحسيني فبات الناس في ارتياب وظنون وتخامين فلما أصبح اليوم حضر شيخ السادات وهو الناظر على أوقاف المشهد إلى قبة المدفن وحضر الشيخ البكري وأغلقوا باب القبة ومنعوا الناس من العبور بالمسجد متشوفين لثمرة هذا الاجتماع وكل من حضر من الأشياخ المشاهير استأذنوا له وأدخلوه إلى القبة وحضر الشيخ الأمير والشيخ المهدي وتأخر حضور الشيخ الشرقاوي لكونه كان ببيت في بولاق ثم حضر الآغا المذكور ودخل إلى القبة وصحبته ظرف من خشب ففتحه وأخرج منه لوحًا طوله أزيد من ذراعين في عرض ذراع ونصف مكتوب فيه البسملة بخط الثلث مموه بالذهب وهي بخط يد السلطان محمود وتحتها طرة العلامة السلطانية فعلقوه على مقصورة المقام وقرؤوا الفاتحة ودعا السيد محمد المنزلاوي خطيب المسجد بدعوات للسلطان ولما فرغ دعا أيضًا السيد بدر الدين المقدسي ثم خلع على المشايخ خلعًا وفرق ذهبًا ثم خرج الجميع وركبوا إلى دورهم فكان هذا الجمع جمع سخف لا غير‏.‏

وفي يوم الجمعة ركب الآغا المذكور وذهب إلى ضريح السادات الوفائية بالقرافة صحبة الشيخ المتولي خلافتهم فزار مقابرهم وعلق هناك نوحا أيضًا وفرق دراهم وخلع على الشيخ المذكور خلعة‏.‏

ومن الحوادث البدعية من هذا القبيل أن عثمان آغا المتولي آغات مستحفظان سولت له نفسه عمارة مشهد الرأس وهو رأس زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ويعرف هذا المشهد عند العامة بزين العابدين وبذلك اشتهر ويقصدونه بالزيارة صبح يوم الأحد فلما كانت الحوادث ومجيء الفرنسيس أهملوا ذلك وتخرب المشهد وأهيلت عليه الأتربة فاجتهد عثمان آغا المذكور في تعمير ذلك فعمره وزخرفه وبيضه وعمل به سترًا وتاجًا ليوضع على المقام وأرسل فنادى على أهل الطرق الشيطانية المعروفين بالأشاير وهم السوقة وأرباب الحرف المرذولة الذين ينسبون أنفسهم لأرباب الضرائح المشهورين كالأحمدية والرفاعية والقادرية والبرهامية ونحو ذلك وأكد في حضورهم قبل الجمع بأيام ثم أنهم اجتمعوا في يوم الأحد خامس عشرينه بأنواع من الطبول والزمامير والبيارق والأعلام والشراميط والخرق الملونة والمصبغة ولهم أنواع من الصياح والنياح والجلبة والصراخ الهائل حتى ملؤوا النواحي والأسواق وانتظموا وساروا وهم يصيحون ويترددون ويتجاوبون بالصلوات والآيات التي يحرفونها وأنواع التوسلات ومناداة أشياخهم أيضًا المنتسبين إليهم بأسمائهم كقولهم برفع الصوت وضرب الطبلات وقولهم يا هو يا هو يا جباوي ويا بدوي ويا دسوقي ويا بيومي ويصحبهم الكثير من الفقهاء والمتعممين والآغا المذكور راكب معهم والستر المصنوع مركب على أعواد وعليه العمامة مرفوعة بوسط الستر على خشب ومتحلقين حوله بالصياح والمقارع يمنعون أيدي الناس الذين يمدون أيديهم للتمسح والتبرك من الرجال والنساء والصبيان المتفرجين ويرمون الخرق والطرح حتى أنهم يرخونها من الطيقان بالحبال لتصل إلى ذلك التمثال لينالوا جزأ من بركته ولم يزالوا سائرين به على هذا النمط والخلائق تزداد كثرة حتى وصلوا إلى ذلك المشهد خارج البلدة بالقرب من كوم الجارح حيث المجراة وصنع في ذلك اليوم والليلة أطعمة وأسمطة للمجتمعين وباتوا على ذلك إلى ثاني يوم‏.‏

وفيه بعث عيسى آغا الواصل نجيب أفندي إلى الباشا يخبره بحضوره وبالغرض الذي حضر من أجله ويستدعيه للمجيء‏.‏

وفي يوم الجمعة غايته وردت أخبار بوقوع حرابة بين الباشا والمصريين وقتل بين الفريقين مقتلة عظيمة عند دلجة والبدرمان وكانت الغلبة للباشا على المصريين وأخذوا منهم أسرى وحضر إلى الباشا جماعة من الأمراء الألفية وهرب الباقون وصعدوا إلى قبلي فعملوا لذلك اليوم شنكًا ومدافع ثلاثة أيام كل يوم ثلاث مرات‏.‏

واستهل شهر شعبان بيوم السبت سنة 1225 فيه حضر الباشا وقت الغروب في تطريدة وصحبته جماعة قليلون وطلع من البحر من بر طرا والمعيصرة وركب من هناك خيولًا من خيول العرب وطلع إلى القلعة على حين غفلة فضربوا في ذلك الوقت مدافع إعلامًا بحضوره‏.‏

وفي ثاني ليلة صعد إليه عيسى آغا المذكور عند الغروب وقابله وسلم عليه‏.‏

وفي يوم الاثنين ثالثه عمل الباشا ديوانًا وركب ذلك الآغا من بيت عثمان آغا الوكيل الكائن بدرب الجماميز في موكب وطلع إلى القلعة وقرأ المرسوم الذي وصل صحبته بالمعنى السابق وهو الأمر بالخروج إلى الحجاز ولبس الباشا الخلعة والسيف بحضرة الجمع وضربوا مدافع كثيرة عقيب ذلك‏.‏

وفيه وردت الأخبار بمجيء يوسف باشا والي الشام إلى ثغر دمياط وكان من خبر وروده على هذه الصورة أنه لما ظهر أمره وأتته ولاية الشام فأقام العدل وأبطل المظالم واستقامت أحواله وشاع أمر عدله النسبي في البلدان فنقل أمره على غيره من الولاة وأهل الدولة لمخالفته طرائقهم فقصدوا عزله وقتله فأرسلوا له ولوالي مصر أوامر بالخروج إلى الحجاز فحصل التواني وفي أثناء ذلك حضر فرقة من العربان الوهابيين وخرج إليهم يوسف باشا المذكور وحصن المزيريب كما تقدم ورجع إلى الشام وتفرقت الجموع ثم وصل عيسى آغا هذا وعلى يده مراسيم بولاية سليمان باشا على الشام وعزل يوسف باشا وأشاعوا ذلك وخرج سليمان باشا تابع الجزار من عكا في جمع وخرج يوسف باشا بجموعه أيضًا فتحاربا فانهزم يوسف باشا ونزل بالمزة واستعجل الرجوع إلى الشام فقامت عليه عساكره ونهبوا متاعه وخرج سليمان باشا تابع الجزار من عكا وتفرقوا عنه فما وسعه إلا الفرار وترك ثقله وأمواله ونزل في مركب ومعه نحو الثلاثين نفرًا وحضر إلى مصر ملتجئًا لواليها محمد علي باشا لأن بينهما صداقة ومراسلات فلما وصلت الأخبار بوصوله أرسل إلى ملاقاته طاهر باشا وحضر صحبته إلى مصر وأنزله بمنزل مطل على بركة الأزبكية وعين له ما يكفيه وأرسل إليه هدايا وخيولًا وما يحتاج إليه‏.‏

وفي هذه الأيام اختل سد ترعة الفرعونية وانفتح منه شرم واندفع فيه الماء فضج الناس وتيعين لسدها ديوان أفندي وأخذ معه مراكب وأحجارًا وأخشابًا وغاب يومين ثم رجع واتسع الخرق واستمر عمر بك تابع الأشقر مقيمًا عليها لخفارتها وليمنع مرور المراكب ويقوي ردمها لئلا تنحرها المياه فيزداد اتساع الخرق‏.‏

وفي هذه الأيام توقفت زيادة النيل فكان يزيد من بعد الوفاة قليلًا ثم ينقص قليلًا ثم يرجع النقص وهكذا فأشار بالاجتماع بالاستسقاء بالأزهر فتجمع القليل ثم تفرقوا وذلك يوم الثلاثاء رابعه وخرج النصارى الأقباط يستسقون أيضًا واجتمعوا بالروضة وصحبتهم القساقسة والرهبان وهم راكبون الخيول والرهوانات والبغال والحمير في تجمل زائد وصحبتهم طائفة من أتباع الباشا بالعصي المفضضة وعملوا في ذلك اليوم سيانة وحانات وقهوات وأسمطة وسكردانات عند جميز العبد ويقولون أن النيل لما توقفت زيادته في العام الذي قبل العام الماضي وخرج الناس يستسقون بجامع عمرو وخرج النصارى في ثاني يوم فزاد النيل تلك الليلة وذلك لا أصل له على أنه لا استغراب للزيادة في أوانها وهذه الأيام أيضًا أواخر مسرى وأيام النسيء وفيها قوه الزيادة وأيام النوروز‏.‏

وفي يوم السبت خرج المشايخ والناس إلى جامع عمرو بمصر القديمة وأرسلوا تلك الليلة فجمعوا الأطفال من مصر وبولاق فحضر الكثير وخطبوا وصلوا وأضر بالمجتمعين الجوع في ذلك اليوم ولم يجدوا ما يأكلونه‏.‏

وفي ثاني يوم نقص النيل واستمر ينقص في كل يوم‏.‏

وفي يوم الخميس ثالث عشره حضرت العساكر والتجريدة إلى واحي الآثار والبساتين ودخلوا في صبيحة يوم الجمعة رابع عشره بطموشهم وحملاتهم حتى ضاقت بهم الأرض وحضر صحبتهم الكثير من الأجناد المصرية وأسرى ومستأمنين‏.‏

وفيه حضر يوسف باشا المنفصل عن الشام ونزل بقصر شبرا وضربوا لحضوره مدافع ثم انتقل إلى الأزبكية وسكن هناك كما تقدم ذكره‏.‏

وفي خامس عشرينه زاد النيل ورجع ما كان انتقصه وزاد على ذلك نحو قيراطين وثبت إلى أواخر توت واطمأن الناس‏.‏

وفي غايته سافر عيسى آغا بعد ما قبض ما أهداه إليه الباشا له ولمخدومه من الهدايا والأكياس والتحف والسكاكر والشرابات والأقمشة الهندية وغير ذلك ونزل لتشييعه عثمان آغا الوكيل وسافر صحبته نجيب أفندي‏.‏

وفي أواخره سافر سليمان بك البواب لمصالحة الأمراء المنهزمين على يد حسن باشا‏.‏

واستهل شهر رمضان بيوم الأحد سنة 1225 في سابع عشره قبض الباشا على المعلم غالي كبير المباشرين الأقباط والمعلم فلتيوس والمعلم جرجس الطويل والمعلم فرنسيس أخي المعلم غالي وباقي أعيان المباشرين فأما غالي وفلتيوس فنزلوا بهما تلك الليلة إلى بولاق وأنزلوهما في مركب ليسافرا إلى دمياط وحبسوا الباقين بالقلعة وختموا على دورهم ووجدوا عند المعلم غالي نيفًا وستين جارية بيضاء وسوداء وحبشية ثم قلدوا المباشرة إلى المعلم منصور ضريمون الذي كان معلم ديوان الجمرك ببولاق سابقًا والمعلم بشارة ورزق الله الصباغ مشاركان معه ثم أنزلوا النصارى المعتقلين من القلعة إلى بيت إبراهيم بك الدفتردار بالأزبكية وفيه جرجس الطويل وأخوه حنا وجرجس وفرنسيس أخو غالي ويعقوب كاتبه وغيرهم وأشاعوا عمل حسابهم ثم دار الشغل وسعت الساعون في المصالحة على غالي ورفقائه إلى أن تم الأمر على أربعة وعشرين كيسًا ونزل له فرمان الرضا والخلع والبشائر وذلك في آخر رمضان‏.‏

واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة 1225 فيه نزلت طبلخانة الباشا إلى بيت المعلم غالي واستمروا يضربون النوبة التركية ثلاثة أيام العيد ببيته وكذلك الطبل الشامي وباقي الملاعيب وترمى لهم الخلع والبقاشيش‏.‏

وفي سابعه حضر المعلم غالي وطلع إلى القلعة وخلع عليه الباشا خلع الرضا وألبسه فروة سمور وأنعم عليه ونزل له عن أربعة آلاف كيس من أصل الأربعة وعشرين ألف كيس المطلوبة في المصالحة ونزل إلى داره وأمامه الجاويشية والأتباع بالعصي المفضضة وجلس بدكة داره وأقبل عليه الأعيان من المسلمين والنصارى للسلام عليه والتهنئة له بالقدوم المبارك وأما المعلم منصور ضريمون فجبروا خاطره بأن قيده بخدمة بيت إبراهيم بك ابن الباشا الدفتردار وقيدوا رفيقيه في خدم أخرى‏.‏

وفي يوم الخميس عاشر شوال حضر شاهين بك الألفي ومن معه إلى مصر ونصب وطاقه بناحية البساتين وذلك بعد أن تمموا الصلح على يد حسن باشا بواسطة سليمان بك البواب فلما استقر بخيامه وعرضيه ببر مصر حضر مع رفقائه وقابل الباشا وهو ببيت الأزبكية فبش في وجهه فقال شاهين بك نرجو سماح أفندينا وعفوه عما ذنبناه فقال نعم من قبل مجيئكم بزمان وهو مصر لهم على كل كريهة وأخلى له بيت محمد كتخدا الأشقر بجوار طاهر باشا بالأزبكية وفرشوه ونظموه ووعده برجوعه إلى الجيزة في مناصبه كما كان حتى يتحول منها محرم بك صهر الباشا لأنه عند انتقال شاهين بك من الجيزة عدى إليها محرم بك بحريمه وهي ابنة الباشا وسكن القصر بعسكره وكذلك أسكن كبار أتباعه وخواصه القصور التي كان يسكنها الألفية وكذلك البيوت والدور فوعده بالرجوع إلى محله وظن بخسافة عقله صحة ذلك وحضر صحبة شاهين بك جملة من العسكر والدلاة وغيرهم واستمرت حملاتهم وأمتعتهم تدخل إلى المدينة إرسالًا في عدة أيام‏.‏

وفي يوم الجمعة عمل الباشا ديوانًا بالأزبكية في بيت ابنه إبراهيم بك الدفتردار واجتمع عنده المشايخ والوجاقلية وغيرهم فتكلم الباشا وقال يا أحبابنا احتياجي إلى الأموال الكثيرة لنفقات العساكر والمصاريف والمهمات والإيراد لا يكفي ذلك فلزم الحال لتقرير الفرض على البلاد والأطيان وقد أجحف ذلك بأهاليها حتى جلت وخربت القرى وتعطلت المزارع وبارت الأطيان ولا يمكنني رفع ذلك بالكلية والقصد أن تدبروا لنا تدبيرًا وطريقًا لتحصيل المال من غير ضرر ولا إجحاف على أهل القرى وتعود مصلحة التدبير عليهم وعلينا فقال الجميع الرأي لك فقال إني فوضت الرأي في تدبير الأمور السابقة لجماعة الكتبة وهم الأفندية والأقباط فوجدت الجميع خائنين وإني دبرت رأيًا لا تدخله التهمة وهو أن من المعلوم أن جميع الحصص لها سندات ومعين بها مقدار الميري والفائظ فنقرر على كل حصة قدر ميريها وفائظها إما سنة أو سنتين فلا يضر ذلك بالملتزمين ولا بالفلاحين فانتبذ أيوب كتخدا الفلاح وهو كبير الاختيارية وقال لكن يا أفندينا إلى مساواة الناس فإن حصص كثير من المشايخ مرفوع ما علبها من المغارم ويرجع تتميم الغرامة على حصص الشركاء فحنق من كلامه الشيخ الشرقاوي وقال له أنت رجل سوء وثار عليه باقي المشايخ الحاضرين وزاد فيهم الصياح فقان الباشا من المجلس وتركهم وذهب بعيدًا عنهم وهم يتراددون ويتشاجرون فأرسل إليهم الباشا الترجمان وقال إنكم شوشتم على الباشا وتكدر خاطره من صياحكم فسكتوا وقاموا من المجلس وذهبوا إلى دورهم وهم منفعلون المزاج ولعل كلام أيوب كتخدا وافق غرض الباشا أو هو بإغرائه ثم شرعوا في تحرير الدفاتر وتبديل الكيفيات وكان في العزم أولًا أن يجعلها على ذمم الأطيان شارقًا وغارقًا بما فيها من الأوسية التي للملتزمين والأرزاق ومسموح مشايخ البلاد وذكر ذلك في المجلس فقيل له أن الأوسية معايش الملتزمين والرزق قسمان قسم داخل في زمام أطيان البلد ومحسوب في مساحة فلاحتها وقسم خارج عن زممها والقسمان من الإرصادات على الخيرات وعلى جهات البر والصدقة والمساجد والأسبلة والمكاتب والأحواض لسقي الدواب وغير ذلك فيلزم منه إبطال هذه الخيرات وتعطيلها فقال الباشا أن المساجد غالبها متخرب ومتهدم فقالوا له عليك بالفحص والتفتيش وإلزام المتولي على المسجد بعمارته إذا كان إيراده رائجًا إلى آخر ما قيل‏.‏

وفي يوم الاثنين حادي عشرينه قتلوا شخصًا من الأجناد الألفية وقطعوا رأسه بباب الخرق بسبب أنه قتل زوجته من غير جرم يوجب قتلها‏.‏

واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأربعاء سنة 1225 في ثانيه سافر الباشا إلى ثغر سكندرية ليكشف على عمارة الأبراج والأسوار ويبيع الغلال التي جمعها من البلاد في الفرض التي فرضت عليهم وكذلك ما أحضره من البلاد القبلية فجمعوا المراكب وشحنوها بالغلال وأرسلها إلى الإسكندرية ليبيعها على الإفرنج فباع عليهم أزيد من مائتي ألف أردب كل أردب بمائة قرش وسعرها بمصر ثمانية عشر قرشًا وهو لم يشترها ولم تكن عليه بمال بل أخذها من زراعات الفلاحين من أصل ما فرضه عليهم وألزمهم بكلفة شيله وأجرة نقله إلى المحل الذي يلزمونهم بوضعه فيه وأخذ من الإفرنج في ثمنه أصناف النقود من الذهب المشخص البندقي والمجر والفرانسه وعروض البضائع من الجوخ المتنوعة والدودة التي يقال لها القرمز والقزدير وأصناف البضائع الإفرنكية وأحدث وهو بالإسكندرية أحداثًا ومكوسًا‏.‏

واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الأحد سنة 1225 في ثاني عشرينه حضر الباشا من الإسكندرية إلى مصر وذلك يوم الجمعة أواخر النهار وحضر في العشية إلى بيت الأزبكية وبات عند حريمه وطلع في صبح يوم السبت إلى القلعة وضربوا مدافع كثيرة لحضوره وبذلك علم الناس حضوره وانقضت السنة بحوادثها التي قصصنا بعضها إذ لا يمكن استيفاؤها للتباعد عن مباشرة الأمور وعدم تحققها على الصحة وتحريف النقلة وزيادتهم ونقصهم في الرواة فلا أكتب حادثة حتى أتحقق صحتها بالتواتر والاشتهار وغالبها من الأمور الكلية التي لا تقبل الكثير من التحريف وربما أخذت قيد حادثة حتى أثبتها ويحدث غيرها وأنساها فأكتبها في طيارة حتى أفيدها في محلها إن شاء الله تعالى عند تهذيب هذه الكتابة وكل ذلك من تشويش البال وتكدر الحال وهم العيال وكثرة الاشتغال وضعف البدن وضيق العطن‏.‏

ومن حوادثها أحداث عدة مكوس زيادة على ما أحدث على الأرز والكتان والحرير والحطب والملح وغير ذلك مما لم يصل إلينا خبره حتى غلت أسعارها إلى الغاية وكان سعر الدرهم الحرير نصفين فصار بخمسة عشر نصفًا وكنا نشتري القنطار من الحطب الرومي في أوانه بثلاثين نصفًا وفي غير أوانه بأربعين نصفًا فصار بثلاثمائة نصف وكان الملح يأتي من أرضه بثمن القفاف التي يوضع فيها لا غير ويبيعه الذين ينقلونه إلى ساحل بولاق الأردب بعشرين نصفًا وأردبه ثلاثة أرداب ويشتريه المسبب بمصر بذلك السعر لآن أردبه أردبان ويبيعه أيضًا بذلك السعر ولكن أردبه واحد فالتفاوت في الكيل لا في السعر فلما احتكر صار الكيل لا يتفاوت وسعره الآن أربعمائة وخمسون نصفًا والتزم وأوقف رجاله في موارده البحرية لمنع من يأخذ منه شيئًا من المراكب المارة بالسعر الرخيص من أربابه ويذهب به إلى قبلي أو نحو ذلك‏.‏

ومنها وهي من الحوادث الغريبة أنه ظهر بالتل الكائن خارج رأس الصورة المعروفة الآن بالحطابة قبالة الباب المعروف بباب الوزير في وهدة بين التلول نار كامنة بداخل الأتربة واشتهر أمرها وشاع ذكرها وزاد ظهورها في أواخر هذه السنة فيظهر من خلال التراب ثقب ويخرج منها الدخان بروائح مختلفة كرائحة الخرق البالية وغير ذلك وكثر ترداد الناس لاضطلاع عليها أفواجًا أفواجًا نساء ورجالًا وأطفالًا فيمشون عليها ويجدون حرارتها تحت أرجلهم فيحفرون قليلًا فتظهر النار مثل نار الدمس فيقربون منها وإن غوصوا فيها خشبة أو قصبة احترقت ولما شاع ذلك وأخبروا بها كتخدا بك نزل إليها بجمع من أكابره وأتباعه وغيرهم وشاهد ذلك فأمر والي الشرطة بصب الماء عليها وإهالة الأتربة من أعالي التل فوقها ففعلوا ذلك وأحضروا السقائين وصبوا عليها بالقرب ماء كثيرًا وأهالوا عليها الأتربة وبعد يومين صارت الناس المتجمعة والأطفال يحفرون تحت ذلك الماء المصبوب قليلًا فتظهر النار ويظهر دخانها فيقربون منها الخرق والحلفاء واليدكات فتورى وتدخن واستمر الناس يغدون ويرجون للفرجة عليها نحو شهرين وشاهدت ذلك في جملتهم ثم بطل ذلك‏.‏

ومنها أنه نودي أواخر السنة على صرف المحبوب بزيادة صرفه ثلاثين نصفًا وكان يصرف بمائتين وخمسين من زيادات الناس في معاملاتهم فكانوا ينادون بالنقص ورجوعها إلى ما كان قبل الزيادة ويعاقبون على التزايد‏.‏

وفي هذه الأيام نودي بالزيادة وذلك بحسب الأغراض والمقاصد والمقتضيات ومراعاة مصالح أنفسهم لا المصلحة العامة هذا مع نقص عياره ووزنه عما كان عليه قبل المناداة وكذلك نقصوا وزن القروش وجعلوا القرش على النصف من القرش الأول ووزنه درهمين وكان أربعة دراهم وفي الدرهمين ربع درهم فضة هذا مع عدم الفضة العددية ووجودها بأيدي الناس والصيارف وإذا أراد إنسان صرف قرش واحد من غيره صرفه بنقص ربع العشر وأخذ بدله قطعًا صغارًا إفرنجية يصرف منها الواحدة باثني عشر وأخرى بعشرة وأخرى بخمسة ولكنها جيدة العيار وهم الآن يجمعونها ويضربونها بما يزاد عليها من النحاس وهو ثلاثة أرباع قروشًا لأن القطعة الصغيرة التي تصرف بخمسة أنصاف وزنها درهم واحد وزني فيصيرونها أربعة قروش فتضاعف الخمسة إلى ثمانين وكل ذلك نقص واختلاس أموال الناس من حيث لا يشعرون‏.‏

وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر فمات الفقيه الفريد والعلامة المفيد الشيخ علي الحصاوي الشافعي ولا أعلم له ترجمة وإنما رأيته يقرر الدروس ويفيد الطلبة في الفقه والمعقول ويشهد الفضلاء بفضله ورسوخه وكان على طريقة المتقدمين في الانقطاع للإفادة وعدم الرفاهية الرضا بما قسم له منعكفًا في حاله وتمرض بالبرودة ولم ينقطع عن ملازمة الدروس حتى توفي في منتصف جمادى الثانية من السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن في تربة المجاورين بالصحراء ومات المعلم جرجس الجوهري القبطي كبير المباشرين بالديار المصرية وهو أخو المعلم إبراهيم الجوهري ولما مات أخوه في زمن رياسة الأمراء المصرية تعين مكانه في الرياسة على المباشرين والكتبة وبيده حل الأمور وربطها في جميع الأقاليم المصرية نافذ الكلمة وافر الحرمة وتقدم في أيام الفرنسيس فكان رئيس الرؤساء وكذلك عند مجيء الوزير والعثمانيين وقدموه وأجلسوه ولما يسديه إليهم من الهدايا والرغائب حتى كانوا يسمونه جرجس أفندي ورايته يجلس بجانب محمد باشا خسرو وبجانب شريف أفندي الدفتردار ويشرب بحضرتهم الدخان وغيره ويراعون جانبه ويشاورونه في الأمور وكان عظيم النفس ويعطي العطايا ويفرق على جميع الأعيان عند قدوم شهر رمضان الشموع العسلية والسكر والأرز والكساوي والبن ويعطي ويهب وبنى عدة بيوت بحارة الونديك والأزبكية وأنشأ دار كبيرة وهي التي يسكنها الدفتردار الآن ويعمل فيها الباشا وابنه الدواوين عند قنطرة الدكة وكان يقف على أبوابه الحجاب والخدم ولم يزل على حالته حتى ظهر المعلم غالي وتداخل في هذا الباشا وفتح له الأبواب لأخذ الأموال والمترجم يدافع في ذلك وإذا طلب الباشا طلبًا واسعًا من المعلم جرجس يقول له هذا لا يتيسر فيأتي المعلم غالي فيسهل له الأمور ويفتح له أبواب التحصيل فضاق خناق المترجم وخاف على نفسه فهرب إلى قبلي ثم حضر بأمان كما تقدم وانحط قدره ولازمته الأمراض حتى مات في أواخر شعبان وانقضى وخلا الجو للمعلم غالي وتعين بالتقدم ووافق الباشا في أغراضه الكلية والجزئية وكل شيء له بداية وله نهاية والله أعلم‏.‏ واستهلت