فصل: شهر شعبان سنة 1226

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 شهر شعبان سنة 1226

في ثانيه سافر ديوان أفندي بمن بقي من العساكر البحرية وفي يوم الثلاثاء ثامنه حضر الباشا من السويس وشرع في تشهيل العساكر البرية‏.‏

وفي خامس عشره خرج الباشا إلى العادلية واجتهد في تشهيل سفر العساكر البرية اجتهادًا كبيرًا وجمع من أهل كل حرفة طائفة وكذلك من أهل كل صنعة والذي يعجز عن السفر يخرج عنه بدلًا وتعين من الفقهاء للسفر الشيخ محمد المهدي من الشافعية ومن الحنفية السيد أحمد الطحطاوي وشيخ حنبلي وصل من ناحية الشام وكانوا رسموا بإحضار السيد حسن كريت المالكي من رشيد والشيخ علي خفاجي من دمياط فحضروا واعتذروا فأعفيا من السفر ورجعا إلى بلديهما‏.‏

وفي هذا الشهر ظهر نجم له ذنب في جهة الشمال بين بنات نعش الصغرى وبين منار بنات نعش الكبرى رأسه جهة المغرب وذنبه صاعدًا إلى جهة المشرق وله مستطيل في مقدار الرمح واستمر يظهر في كل ليلة والناس ينظرون إليه ويتحدثون به ويسألون الفلكيين عنه ويبحثون عن دلائله وعن الملاحم المصنفة في ذوات الأذناب واستمر ظهوره قريبًا من ثلاثة أشهر واضمحل بعض جرمه ومشى إلى ناحية الجنوب وقرب من النسر الطائر‏.‏

واستهل شهر رمضان بيوم الأربعاء سنة 1226 وفي يوم الخميس تاسعه ارتحل العسكر من الحصوة ونزلوا ببركة الحج‏.‏

وفي يوم الأحد ثاني عشره ارتحلوا من البركة فكان مدة مكث العرضي من يوم الموكب إلى يوم ارتحالهم من البركة قريبًا من ستة أشهر ونصف والناس في أمر مريج في كل شيء‏.‏

وفيه خرج السيد محمد المحروقي ليسافر صحبة الركب وخرج في موكب جليل لأنه هو المشار إليه في رياسة الركب ولوازمه واحتياجاته وأمور العربان ومشايخها وأوصى الباشا ولده طوسون باشا أمير العسكر بأن لا يفعل شيئًا من الأشياء إلا بمشورته واطلاعه ولا ينفذ أمرًا من الأمور إلا بعد مراجعته‏.‏

وفيه وردت الأخبار بأن العساكر البحرية ملكوا ينبع البحر ونهبوا ما كان فيه من ودائع التجار وذلك أنه كان بمرساة الينبع عدة مراكب وأدوات والشريف غالب أمير مكة يكاتب الباشا ويراسله ويظهر له النصح والصداقة وخلوص المودة والباشا أيضًا يراسله ويكاتبه وأرسل له السيد سلامة النجاري والسيد أحمد المنلا الترجمان المحروقي بمراسلات وجوابات مرارًا عديدة فكأنا هما السفيرين بينهما وأيضًا الشريف في كل كتابة مع كل مرسل يعاهد الباشا ويعاقده ويواعده بنصر عساكره متى وصلت وينافق للطرفين الذي هو العثماني والوهابي ويداهنهما أما الوهابي فلخوفه منه وعدم قدرته عليه فيظهر له الموافقة والامتثال وأنه معه على العهود التي عاهده عليها من ترك الظلم واجتناب البدع ونحو ذلك ويميل باطنًا للعثمانيين لكونه على طريقتهم ومذاهبهم وتعاقد مع الباشا أنه متى وصلت عساكره قام بنصرتهم وساعدهم بكليته وجميع همته وأرسل إلى المراكب الكائنة بمرساة الينبع بأن ينقلوا ما فيها من مال التجار وغيرهم ويودعوه قلعة الينبع تحت وزيره وترك معه نحو الخمسمائة مع عسكره وأخذ المراكب فأوسقها من بضائعه وبهاره ورنه وأرسلها إلى السويس لتباع بمصر ثم توسق بمهمات العسكر البحرية فلما وصلت مراكب العساكر البحرية وألقت مراسيها قبالة الينبع احتاجوا إلى الماء فلم يسعفوهم بالماء فطلع طائفة من العسكر إلى البر في طلب عين الماء فمانعهم من عندها مرابط فقاتلوهم وطردوهم ومنعوهم عن الماء وفي حال رجوعهم رموا عليهم من القلعة المدافع والرصاص والحال أن الأمر مبهم على الفريقين فعند ذلك استعدت العساكر لمحاربة من بالقلعة واحتاطوا بها وضربوا عليها القنابل والمدافع وركبوا على سورها سلالم وصعدوا عليها وتسلقوا على سور القلعة من غير مبالاة بالرصاص النازل عليهم من الكائنين بالقلعة فملكوا القلعة وقتلوا من كان بها ولم ينج منهم إلا الوزير ومعه ستة أنفار خرجوا هاربين على الخيول ونهبوا كل ما كان بالينبع من الودائع والأموال والأقمشة والبن وسبوا النساء والبنات الكائنات بالبندر وأخذوهن أسرى ويبيعوهن على بعضهم البعض ووصل المبشرون بذلك في عشرينه فضربوا لذلك مدافع من القلعة كثيرة وعملوا شنكًا وطافت المبشرون على بيوت الأعيان ليأخذوا منهم البقاشيش وأرسلوا بتلك البشارة شخصًا معينًا كبيرًا إلى إسلامبول يبشرون أهل الدولة وسلطان الإسلام وكان ذلك أول فتح حصل‏.‏

واستهل شهر شوال بيوم الجمعة سنة 1226 وكان حقه أن يكون بيوم السبت لأن الهلال لم يكن موجودًا ليلة الجمعة ولم يره ليلة السبت إلا النادر من الناس وكان قوسه ليلة السبت عشر درجات‏.‏

وفي سادس عشره وصلت هجانة ومكاتبات من عساكر البر يخبرون بوصولهم إلى بندر المويلح في اليوم السابع من الشهر وكان العيد عندهم بمغاير شعيب يوم السبت‏.‏

واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأحد 1226 فيه وصلت حجاج المغاربة في عدة مراكب على ظهر البحر وتلف منهم نحو ثلاثة مراكب وحضر بعدهم بأيام الركب الطرابلسي ونزل بساحل بولاق‏.‏

وفي سادسه حضر أيضًا الركب الفاسي وفيهم ابن سلطان الغرب مولاي إبراهيم ابن مولاي سليمان فاعتنى الباشا بشأنه وأرسل كتخدا بك لملاقاته وقد له تقادم وأعدوا له منزل على كاشف بالقرب من بيت المحروقي لينزل فيه وتقيد بخدمته الرئيس حسن المحروقي وحواشيهم لمطبخه وكلف طعامه فلما عدى طلع إلى القلعة وقابل الباشا ونزل إلى المنزل الذي أعده له وأمامه قواسة أتراك وطرادون وأشخاص أتراك يضربون على طبلات وأمامه جميع المغاربة مشاة ويأمرون الناس الجالسين بالحوانيت بالقيام له على أقدامهم فأقام خمسة أيام حتى قضى أشغاله وفي تلك المدة تغدو إليه وتروح رسل الباشا وأرسل له هدية وذخيرة من كل صنف سكر وعسل وسمن ودقيق وبقسماط وأشياء أخر وبارود وأعطى له ألف بندقية لضرب الرصاص وبرز في عاشره وسافروا في ثاني عشره‏.‏

وفي يوم الخميس تاسع عشره وصلت هجانة على أيديهم مكاتبات خطابًا إلى الباشا وغيره وفيهم الخبر بأن العسكر البري اجتمع مع العسكر البحري وأخذوا ينبع البر من غير حرب وأن العربان أتت إليهم أفواجًا وقابلوا طوسون باشا وكساهم وخلع عليهم ثم انقطعت الأخبار‏.‏

واستهل شهر ذي الحجة سنة 1226 في منتصفه وصلت هجانة ومعهم رؤوس قتلى ومكاتبات مؤرخة في منتصف شهر القعدة مضمونها أنهم وصلوا إلى ينبع البر في حادي عشرين شوال واجتمع هناك العسكران البري والبحري وأنهم ملكوا قرية ابن جبارة من الوهابية وتسمى قرية السويق وفر ابن جبارة هاربًا وحضرت عربان كثيرة وقابلوا ابن الباشا وأنهم مقيمون وقت تاريخه في منزلة الينبع منتظرين وصول الذخيرة وعاق المراكب ريح الشتاء المخالف وأنه ورد عليهم خبر ليلة أربعة عشر شهره بأن جماعة من كبار الوهابية حضروا بنحو سبعة آلاف خيال وفيهم عبد الله بن مسعود وعثمان المضايفي ومعهم مشاة وقصدوا أن يدهموا العرضي على حين غفلة فخرج إليهم شديد شيخ الحويطات ومعه طوائفه ودلاة وعساكر فوافاهم قبل شروق الشمس ووقع بينهم القتال والوهابية يقولون هاه يا مشركون وانجلت الحرب عن هزيمة الوهابية وغنموا منهم نحو سبعين هجينًا من الهجن الجياد محملة أدوات وكانت الحرب بينهم مقدار ساعتين هذا ملخص ما ذكره وفي وفي يوم الجمعة خامس عشرينه وصلت قافلة من السويس وحضر فيها جاويش باشا وصحبته مكاتبات وحضر أيضًا السيد أحمد الطحطاوي والشيخ الحنبلي وأخبروا أن العرضي ارتحل من ينبع البر في سابع عشر ذي القعدة ووصلوا إلى منزل الصفراء والجديدة ونصبوا عرضيهم وخيامهم ووطاقاتهم بالقرب من الجبال فوجدوا هناك متاريس وأحجارًا فحاربوا على أول متراس حتى أخذوه ثم أخذوا متراسًا آخر وصعدت العساكر إلى قلل الجبال فهالهم كثرة الجيش وسارت الخيالة في مضيق الجبال هذا والحرب قائمة في أعلى الجبال يومًا وليلة إلى بعد الظهيرة من يوم الأربعاء ثالث عشرى القعدة فما يشعر السفلانيون إلا والعساكر الذين في الأعالي هابطون منهزمون فانهزموا جميعًا وولوا الأدبار وطلبوا جميعًا الفرار وتركوا خيامهم وأحمالهم وأثقالهم وطفقوا ينهبون ويخطفون ما خف عليهم من أمتعة رؤسائهم فكان القوي منهم يأخذ متاع رفيقه الضعيف ويأخذ دابته ويركبها وربما قتله وأخذ دابته وساروا طالبين الوصول إلى السفائن بساحل البريك لأنهم كانوا أعدوا عدة مراكب بساحل البريك من باب الاحتياط ووقع في قلوبهم الرعب واعتقدوا أن القوم في أثرهم والحال أنه لم يتبعهم أحد لأنهم لا يذهبون خلف المدبر ولو تبعوهم ما بقي منهم شخص واحد فكانوا يصرخون على القطائر فتأتي إليهم القطيرة وهي لا تسع إلا القليل فيتكاثرون ويتزاحمون على النزول فيها فيصعد منهم الجماعة ويمنعون البواقي من إخوانهم فإن لم يمتنعوا مانعوهم بالبنادق والرصاص حتى كانوا من شدة حرصهم وخوفهم واستعجالهم على النزول في القطائر يخوضون في البحر إلى رقابهم وكأنما العفاريت في أثرهم تريد خطفهم وكثير من العسكر والخدم لما شاهدوا الازدحام على اسكة البريك ذهبوا مشاة إلى ينبع البحر ووقع التشتيت في الدواب والأحمال والخلائق من الخدم وغيرهم ورجع طوسون باشا إلى ينبع البحر بعد أن تغيب يومًا عن معسكره حتى أنهم ظنوا فقده ورجع أيضًا المحروقي وديوان أفندي واستقروا بالينبع وترك المحروقي خيامه بما فيها فنزل بها طائفة من العسكر المنهزمين وهم على جهد من التعب والجوع فوجدوا بها المآكل والحلاوات وأنواع الملبسات والكعك المصنوع بالعجمية والسكر المكرر والغربيات والخشكنانكات والمربيات وأنواع الشرابات فوقعوا عليها أكلًا ونهبًا ولما تحققوا أن العرب لم تتبعهم ولم تأت في إثرهم أقاموا على ذلك يومين حتى استوفوا أغراضهم وشبعت بطونهم وارتاحت أبدانهم ثم لحقوا بإخوانهم فكانوا هم أثبت القوم وأعقلهم ولو كان على غير قصد منهم فكان مدة لإقامة المعسكر والعرضي بينبع البر أربعة وعشرين يومًا وأما الخيالة فإنهم اجتمعوا وساروا راجعين إلى المويلح وقد أجهدهم التعب وعدم الذخيرة والعليق حتى حكوا أنهم كانوا قبل الواقعة يعلقون على الجمل بنصف قدح قمح مسوس وكانت علائفهم في كل يوم أربعمائة وخمسين أردبًا وأما المحروقي فإن كبار العسكر قامت عليه وأسمعوه الكلام القبيح وكادوا يقتلونه فنزل في سفينة وخلص منهم وحضر من ناحية القصير وحضر الكثير من أتباعه وخدمه متفرقين إلى مصر فأما الذين ذهبوا إلى المويلح فهم تأمر كاشف وحسن بك دالي باشا وآخرون فأقاموا هناك في انتظار إذن الباشا في رجوعهم إلى مصر أو عدم رجوعهم وأما صالح آغا قوج فإنه عندما نزل السفينة كر راجعًا إلى القصير واستقل برأيه لأنه يرى في نفسه العظمة وأنه الأحق بالرياسة ويسفه رأي المحروقي وطوسون باشا ويقول هؤلاء الصغار كيف يصلحون لتدبير الحروب ويصرح بمثل هذا الكلام وأزيد منه وكان هو أول منهزم وعلم كل ذلك الباشا بمكاتبات ولده طوسون فحقده في نفسه وتمم ذلك بسرعة رجوعه إلى القصير ولم ينتظر إذنًا في الرجوع أو المكث ولما حصل ذلك لم يتزلزل الباشا واستمر على همته في تجهيزه عساكر أخرى وبرزوا إلى خارج البلدة وفرض على البلاد جمالًا ذكر أنها من أصل الغرائم والفرض في المستقبل وكذلك فرض غلالًا فكان المفروض على إقليم الشرقية خاصة اثني عشر ألف أردب بعناية علي كاشف قابله الله بما يستحق وانقضت السنة بحوادثها التي منها هذه الحادثة وأظنها طويلة الذيل‏.‏

ومنها أن النيل هبط قبل الصليب بأيام قليلة بعد أن بلغ في الزيادة مبلغًا عظيمًا حتى غرق الزرع الصيفي والدراوي ولما انحسر عن الأرض زرعوا البرسيم والوقت صائف والحرارة مستجنة في الأرض فتولدت فيه الدودة وأكلت الذي زرع فبدروه ثانية فأكلته أيضًا وفحش أمر الدودة جدًا في الزرع البدري وخصوصًا بإقليم الجيزة والقليوبية والمنوفية بل وباقي الأقاليم‏.‏

ومنها أن الباشا أحدث ديوانًا ورتبوه ببيت البكري القديم بالأزبكية وأظهر أن هذا الديوان لمحاسبة ما يتعلق به من البلاد ومحاسباتها والقصد الباطني غير ذلك وقيد به إبراهيم كتخدا الرزاز والشيخ أحمد يوسف كاتب حسن أفندي الروزنامجي وما انضم إليهم من الكتبة المسلمين دون الأقباط ليحرروا به قوائم المصروف والمضاف والبراني فكانوا يجلسون لذلك كل يوم ما عدا يوم الجمعة ثم تطرق الحال لسور بلاد الباشا وهو أن الكثير من الفلاحين لما سمعوا ذلك أتوا من كل ناحية إلى مصر وكتبوا عرضحالات إلى كتخدا بك وللباشا يتظلمون من أستاذيهم وينهون أنهم يزيدون عليهم زيادات في قوائم المصروف ويشددون عليهم في طلب الفرض أو بواقيها فيدفعهم الباشا أو الكتخدا إلى ذلك الديوان المحدث لينظر في أمورهم ويصحبهم معين تركي مباشر يأتي بالملتزم أيضًا والفلاحين والشاهد والصراف وقوائم المصروف لأجل المحاققة فعند ذلك يتعنت إبراهيم كتخدا في القوائم ويطلب قوائم السنين الماضية المختومة ونحو ذلك ولما فشا هذا الأمر وأشيع في البلدان أتت طوائف الفلاحين أفواجًا إلى هذا الديوان يطلبون الملتزمين ويخاصمونهم ويكافحونهم فيكون أمرًا مهولًا وغاية في الزحام والعياط والشباط وكذلك رفعوا المعلم منصور ومن معه من الكتبة من مباشرة ديوان ابنه إبراهيم بك الدفتردار وقيدوا بدلهم السيد محمد غانم الرشيدي ومحمد أفندي سليم ومن انضم إليهم وأظهر الباشا أنه يفعل ذلك لما علمه من خيانة الأقباط والقصد الخفي خلاف ذلك وهو الاستيلاء والاستحواذ الكلي والجزئي وقطع منفعة الغير ولو قليلًا فيضرب هذا بهذا والناس أعداء بعضهم لبعض وقلوبهم متنافرة فيغري هذا بذاك وذاك بهذا ومن الناس من سمى هذا الديوان ديوان الفتنة‏.‏

ومنها الزيادة الفاحشة في صرف المعاملة والنقص في وزنها وعيارها وذلك أن حضرة الباشا أبقى دار الضرب على ذمته وجعل خاله ناظرًا عليها وقرر لنفسه عليها في كل شهر خمسمائة كيس بعد أن كان شهريتها أيام نظارة المحروقي خمسين كيسًا في كل شهر ونقصوا وزن القروش نحو النصف عن القرش المعتاد وزادوا في خلطه حتى لا يكون فيه مقدار ربعه من الفضة الخالصة ويصرف بأربعين نصفًا وكذلك المحبوب نقصوا من عياره ووزنه ولما كان الناس يتساهلون في صرف المحبوب والريال الفرانسة ويقبضونها في خلاص الحقوق من المماطلين والمفلسين وفي المبيعات الكاسدة بالزيادة لضيق المعايش حتى وصل صرف الريال إلى مائتين وخمسين نصفًا والمحبوب إلى مائتين وثمانين ثم زاد الحال في التساهل في الناس بالزيادة أيضًا عن ذلك فينادي الحاكم بمنع الزيادة ويمشي الحال أياما قليلة ويعود لما كان أو أزيد فتحصل المناداة أيضًا ويعقبونها بالتشديد والتنكيل بمن يفعل ذلك ويقبض عليه أعوان الحاكم ويحبس ويضرب ويغرمونه غرامة وربما مثلوا به وخرموا أنفه وصلبوه على حانوته وعلقوا الريال في أنفه ردعًا لغيره وفي أثناء ذلك إذا بالمناداة بأن يكون صرف الريال بمائتين وسبعين والمحبوب بثلثمائة وعشرة فاستمع وتعجب من هذه الأحكام الغريبة التي لم يطرق سمع سامع مثلها هذا مع عدم الفضة العديدة في أيدي الناس فيدور الشخص بالقرش وهو ينادي على صرفه بنقص أربعة أنصاف نصف يوم حتى يصرفه بقطع إفرنجية منها ما هو باثني عشر أو خمسة وعشرين أو خمسة فقط أو يشتري من يريد الصرف شيئًا من الزيادات أو الخضري أو الجزار ويبقى عنده الكسور الباقية يعده بغلاقها فيعود إليه مرارًا حتى يتحصل عنده غلاقها وليس هو فقط بل أمثاله كثير وسبب شحة الفضة العددية أنه يضرب منها كل يوم بالضربخانة ألوف مؤلفة يأخذها التجار بزيادة مائة نصف في كل ألف يرسلونها إلى بلاد الشام والروم ويعوضون بدلها في الضربخانة الفرانسة والذهب لأنها تصرف في تلك البلاد بأقل مما تصرف به في مصر وزاد الحال بعد هذا التاريخ حتى استقر على صرف الألف مائتين وتقرر ذلك في حساب الميري فيدفع الصارف ثلاثين قرشًا عنها ألف ومائتان ويأخذ ألفًا فقط والفرانسة والمحبوب بحسابه المتعارف بذلك الحساب والأمر لله وحده‏.‏

وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر وأما الأمراء فقد تقدم ذكرهم‏.‏

وما وقع لهم ومقتلهم إجمالًا فأغنى عن التكرار فالله يرحمنا أجمعين‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائتين وألف وما تجدد بها من الحوادث فكان ابتداء المحرم بالرؤية يوم الخميس في عاشره وصل كثير من كبار العسكر الذين تخلفوا بالمويلح فحضر منهم حسين بك دالي باشا وغيره فوصلوا إلى قبة النصر جهة العادلية ودخلت عساكرهم المدينة شيئًا فشيئًا وهم في أسوأ حال من الجوع وتغير الألوان وكآبة المنظر والسجن ودوابهم وجمالهم في غاية العي ويدخلون إلى المدينة في كل يوم ثم دخل أكابرهم إلى بيوتهم وقد سخط عليهم الباشا ومنع أن لا يأتيه منهم أحد ولا يراه وكأنهم كانوا قادرين على النصرة والغلبة وفرطوا في ذلك ويلومهم على الانهزام والرجوع وطفقوا يتهم بعضهم البعض في الانهزام فتقول الخيالة سبب هزيمتنا القرابة وتقول القرابة بالعكس ولقد قال لي بعض أكابرهم من الذين يدعون الصلاح والتورع أين لنا بالنصر وأكثر عساكرنا على غير الملة وفيهم من لا يتدين بدين ولا ينتحل مذهبًا وصحبتنا صناديق المكسرات ولا يسمع في عرضينا أذان ولا تقام به فريضة ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين والقوم إذا دخل الوقت أذن المؤذنون وينتظمون صفوفًا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع وإذا حان وقت الصلاة والرحب قائمة أذن المؤذن وصلوا صلاة الخوف فتتقدم طائفة للحرب وتتأخر الأخرى للصلاة وعسكرنا يتعجبون هلموا إلى حرب المشركين المحلقين الذقون المستبيحين الزنا واللواط الشاربين الخمور التاركين للصلاة الآكلين الربا القاتلين الأنفس المستحلين المحرمات وكشفوا عن كثير من قتلى العسكر فوجدوهم غلفًا غير مختونين ولما وصلوا بدرًا واستولوا عليها وعلى القرى والخيوف وبها خيار الناس وبها أهل العلم والصلحاء نهبوهم وأخذوا نسائهم وبناتهم وأولادهم وكتبهم فكانوا يفعلون فيهم ويبيعونهم من بعضهم لبعض ويقولون هؤلاء الكفار الخوارج حتى اتفق أن بعض أهل بدر الصلحاء طلب من بعض العسكر زوجته فقال له حتى تبيت معي هذه الليلة وأعطيها لك في الغد‏.‏

وفيه خرج العسكر المجرد إلى السويس وكبيرهم بونابارته الخازندار ليذهب لمحافظة الينبع صحبة طوسون باشا‏.‏

وفيه وصل جماعة من الإنكليز وصحبتهم هدية إلى الباشا وفيها طيور ببغا هندية خضر الألوان وملونة وريالات فرانسة ونقود معبأة في براميل وحديد وآلات ومجيئهم وحضورهم في طلب أخذ الغلال وفي كل يوم تساق المراكب المشحونة بالغلال إلى بحري وكلما وردت مراكب سيرت إلى بحري حتى شحت الغلال وغلا سعرها وارتفعت من السواحل والرقع ولا يكاد يباع إلا ما دون الويبة وكان سعر الأردب من أربعمائة نصف إلى ألف ومائتين والفول كذلك وربما كان سعره أزيد من القمح لقلته فإنه هاف زرعه في هذه السنة ولم يتحصل من رميه إلا نحو التقاوى وحصل للناس في هذه الأيام شدة بسبب ذلك ثم بعد قليل وردت غلال وانحلت الأسعار وتواجدت الغلال بالسواحل والرقع‏.‏

وفي منتصفه حضر رجل نصراني من جبل الدروز وتوصل إلى الباشا وعرفه أنه يحسن الصناعة بدار الضرب ويوفر عليه كثيرًا من المصاريف وأنها بها نحو الخمسمائة صانع وأن يقوم بالعمل بأربعين شخصًا لا غير وأنه يصنع آلات وعدد الضرب القروش وغيرها ولا تحتاج إلى وقود نيران ولا كثير من العمل فصدق الباشا قوله وأمر بأن يفرد له مكان ويضم إليه ما يحتاجه من الرجال والحدادين والصناع ليعمل لصناعته العدد والآلات التي يحتاجه وشرع في أشغاله واستمر على ذلك شهورًا‏.‏

وفيه التفت الباشا إلى خدمة الضربخانة وأفنديتها وطمعت نفسه في مصادرتهم وأخذ الأموال لما يرى عليهم من التجمل في الملابس والمراكب لأن من طبعه داء الحسد والشره والطمع والتطلع لما في أيدي الناس وأرزاقهم فكان ينظر إليهم ويرمقهم وهم يغدون ويروحون إلى الضربخانة هم وأولادهم راكبون البغال والرهوانات المجملة وحولهم الخدم والأتباع فيسأل عنهم ويستخبر عن أحوالهم ودورهم ومصارفهم وقد اتفق أنه رأى شخصًا خرج آخر الصناع وهو راكب رهوانًا وحوله ثلاثة من الخدم فسأل عنه فقيل له أن هذا البواب الذي يغلق باب الضربخانة بعد خروج الناس منها ويفتحه لهم في الصباح فسأل عن مرتبه في كل يوم فعرفوه أن له في كل يومين قرشين لا غير فقال أن هذا المرتب له لا يكفي خدمه الذين هم حوله فكيف بمصرف داره وعليق دوابه وجميع لوازمه مما ينفقه ويحتاجه في تجملاته وملابسه وملابس أهله وعياله أن هؤلاء الناس كلهم سراق وكل ما هم فيه من السرقة والاختلاس ولا بد من إخراج الأموال التي اختلسوها وجمعوها وتناجى في ذلك مع العلم غالي وقرنائه ثم طلب أولًا إسمعيل أفندي ليلًا وهو الأفندي الكبير وقال له عرفني خيانة فلان النصراني وفلان اليهودي المورد فقال لا أعلم على أحد منهم خيانة وهذا شيء يدخل بالميزان ويخرج بالميزان ثم صرفه وأحضر النصراني وقال له عرفني بخيانة إسمعيل أفندي وأولاده والمداد إبراهيم أفندي الخضراوي الختام وغيره فلم يزد على ما قاله إسمعيل أفندي ثم أحضر الحاج سالم الجواهرجي وهدده فلم يزد على قول الجماعة شيئًا فقال الجميع شركاء لبعضهم البعض ومتفقون على خيانتي ثم أمر بحبس الحاج سالم وأحضر شخصًا آخر من الجواهرجية يسمى صالح الدنف وألبسه فروة وجعله في خدمة الحاج سالم ثم ركب الباشا إلى بيت الأزبكية وطلب إسمعيل أفندي ليلًا هو وأولاده فأحضروهم بجماعة من العسكر في صورة هائلة وهددهم بالقتل وأمر بإحضار المشاعلي فأحضروه وأوقدوا المشاعل وسعت المتكلمون في العفو عنهم من القتل وقرروا عليهم مبلغًا عظيمًا من الأكياس التزموا بدفعها خوفًا من القتل ففرضوا على الحاج سالم بمفرده سبعمائة وخمسين كيسًا وعلى إبراهيم المداد مائتي كيس وعلى أحمد أفندي الوزان مائتي كيس وعلى أولاد الشيخ السحيمي مائتي كيس لأن لهم بها آلات ختم ووظائف يستغلون أجرتها وأخذ الجماعة في تحصيل ما فرض عليهم فشرعوا في بيع أمتعتهم وجهات إيرادهم ورهنوا وتداينوا بالربا وحولت عليهم الحوالات لطف الله بنا وبهم‏.‏

واستهل شهر صفر الخير بيوم الجمعة سنة 1227 في سابعه يوم الخميس حضر السيد محمد المحروقي إلى مصر ووصل من طريق القصير ثم ركب بحر النيل ولم يحضر الشيخ المهدي بل تخلف عنه بقنا وقوص لبعض أغراضه‏.‏

وفيه ألبس الباشا صالح آغا السلحدار خلعة سر عسكر التجريدة المتوجهة على طريق البر إلى وفي يوم الأحد عاشره ورد قابجي وعلى يده مرسوم ببشارة مولود ولد للسلطان محمود وتسمى بمراد وصحبته أيضًا مقرر للباشا على ولاية مصر فضربوا مدافع وطلع إلى القلعة في موكب وقرئت المراسيم وعملوا شنكًا ومدافع تضرب في الأوقات الخمسة سبعة أيام من القلعة والأزبكية وبولاق والجيزة‏.‏

واستهل شهر ربيع الأول سنة 1227 في حضر إبراهيم بك ابن الباشا من الجهة القبلية‏.‏

وفي منتصفه حضر أحمد آغا لاظ الذي كان أميرًا بقنا وقوص وباقي الكشاف بعد أن راكوا جميع البلاد القبلية والأراضي وفوضوا عليها الأموال على كل فدان سبعة ريالات وهو شيء كثير جدًا وأخصوا جميع الرزق الأحباسية المرصدة على المساجد والبر الصدقة بالصعيد ومصر فبلغت ستمائة ألف فدان وأشاعوا بأنهم يطلقون للمرصد على المساجد خاصة نصف المفروض وهو ثلاثة ريال ونصف فضجت أصحاب الرزق وحضر الكثير منهم يستغيثون بالمشايخ فركبوا إلى الباشا وتكلموا معه في شأن ذلك وقالوا له هذا يترتب عليه خراب المساجد فقال وأين المساجد العامرة الذي لم يرض بذلك يرفع يده وأنا أعمر المساجد المتخربة وأرتب لها ما