فصل: يوم الجمعة خامس عشرة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 يوم الجمعة خامس عشرة

حضروا بأسرى وعدتهم تسعة عشر شخصًا وعدة رؤس فمروا بهم من وسط الشارع الأعظم وأما الرؤس فمروا بها من طريق باب الشعرية وعدتها نيف وثلاثون رأسًا موضوعة على نبابيت رشقوها بوسط بركة الأزبكية مع الرؤس الأولى صفين على يمين السالك من باب الهواء إلى وسط البركة وشماله‏.‏

وفيه وصل ثلاث دوات من جدة إلى ساحل السويس فيها أتراك وشوام وأجناس آخرون وذكروا أن الوهابي نادى بعد انقضاء الحج أن لا يأتي إلى الحرمين بعد هذا العام من يكون حليق الذقن وتلافي المناداة قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا تقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وأخرجوا هؤلاء الواصلين إلى مصر‏.‏

وفي يوم السبت وصل أيضًا تسعة أشخاص أسرى من الإنكليز وفيهم فسيال‏.‏

وفي يوم الأحد وصل أيضًا نيف وستون وفيهم رأس واحد مقطوعة فمروا بهم على طريق باب النصر من وسط المجينة وهرع الناس للتفرج عليهم وبعد الظهر أيضًا مروا بثلاثة وعشرين أسيرًا وثمانية رؤوس وبعد العصر بثلاثة وعشرين رأسًا وأربعة وأربعين أسيرًا من ناحية باب الشعرية وطلعوا بالجميع إلى القلعة‏.‏

وفي يوم الأربعاء وصل إلى ساحل بولاق مراكب وفيها أسرى وقتلى وجرحى فطلعوا بهم إلى البر وساروا بهم على طريق باب النصر وشقوا بهم من وسط المدينة إلى الأزبكية فرشقوا الرؤس بالأزبكية مع الرؤس الأول وهي نحو المائة واثنين وأربعين والأحياء والمجاريح نحو المائتين وعشرين فطلعوا بهم إلى القلعة عند إخوانهم فكان مجموع الأسرى أربعمائة أسير وستة وستين أسيرًا والرؤس ثلثماثة ونيف وأربعون وفي الأسرى نحو العشرين من فسيالاتهم وهذه الوقعة حصلت على غير قياس وصادف بناؤها على غير أساس وقد أفسد الله رأي كل طائفة من الإنكليز والأمراء المصرية وأهل الإقليم المصري لبروز ما كتبه وقدره في مكنون غيبه على أهل الإقليم من الدمار الحاصل وما سيكون بعد كما ستسمع به ويتلى عليك بعضه أما فساد رأي الإنكليز فلتعديهم الإسكندرية مع قلتهم وسماعهم بموت الألفي وتغريرهم بأنفسهم وأما الأمراء المصريون فلا يخفى فساد رأيهم بحال وأما أهالي الإقليم فلانتصارهم لمن يضرهم ويسلب نعمهم وما أصاب من مصيبة فبما كسبت أيدي الناس وما أصابك من سيئة فمن نفسك ولم يخطر في الظن حصول هذا الواقع ولا أن الرعايا والعسكر لهم قدرة على حروب الإنكليز وخصوصًا شهرتهم بإتقان الحروب وقد تقدم لك أنهم هم الذين حاربوا الفرنساوية وأخرجوهم من مصر‏.‏

ولما شاع أخذهم الإسكندرية داخل العسكر والناس وهم عظيم وعزم أكثر العسكر على الفرار إلى جهة الشام وشرعوا في قضاء أشغالهم واستخلاص أموالهم التي أعطوها للمتضايقين والمستقرضين بالربا وإبدال ما بأيديهم من الدراهم والقروش والفرانسة التي يثقل حملها بالذهب البندقي والمحبوب الزر لخفة حملها حتى أنها زادت في المصارفة بسبب كثرة الطلب لها وبلغ صرف البندقي المشخص الناقص في الوزن أربعمائة وعشرين نصفًا والزر مائتين وعشرين والفرانسة مائتين واستمرت تلك الزيادة بعد ذلك وسيزيد الأمر محشًا وسعوا في مشترى أدوات الارتحال والأمور اللازمة لسفر البر وفارق الكثير منهم النساء وباعوا ما عندهم من الفرش الأمتعة حتى أن محمد علي باشا لما بلغه حصولهم بالإسكندرية وكان يحارب المصريين ويشدد عليهم فعند ذلك انحلت عزائمه وأرسل يصالحهم على ما يريدونه ويطلبونه وثبت في يقينه استيلاء الإنكليز على الديار المصرية وعزم على العود متلكئًا في السير يظن سرعة ورودهم إلى المجينة فيسير شرقًا على طريق الشام ويكون له عذر بغيبته في الجملة فلما وصلت الشرذمة الأولى من الإنكليز إلى رشيد ودخلوها من غير مانع وحبسوا أنفسهم فيها فقتلوا وأسروا وهرب من هرب ووصلت الرؤوس والأسرى وأسرعت في الحضور وترجعت نفوس العساكر وطمعوا عند ذلك في الإنكليز وتجاسروا عليهم وكذلك أهل البلاد قويت هممهم وتأهبوا للبروز والمحاربة واشتروا الأسلحة ونادوا على بعضهم بالجهاد وكثر المتطوعون ونصبوا لهم بيارق وأعلامًا وجمعوا من بعضهم دراهم وصرفوا على من انضم إليهم من الفقراء وخرجوا في مواكب وطبول وزمور فلما وصلوا إلى متاريس الإنكليز دهموهم من كل ناحية على غير قوانين حروبهم وترتيبهم وصدقوا في الحملة عليهم وألقوا أنفسهم في النيران ولم يبالوا برميهم وهجموا عليهم واختلطوا بهم وأدهشوهم بالتكبير والصياح حتى أبطلوا رميهم ونيرانهم فألقوا سلاحهم وطلبوا الأمان فلم يلتفتوا لذلك وقبضوا عليهم وذبحوا الكثير منهم وحضروا بالأسرى والرؤوس على الصور المذكورة وفر الباقون إلى من بقي بالإسكندرية وليت العامة شكروا على ذلك أو نسب إليهم فعل بل نسب كل ذلك للباشا وعساكره وجوزيت العامة بضد الجزاء بعد ذلك ولما أصعدوا الأسرى إلى القلعة طلع إليهم قنصل الفرنساوية ومعه الأطباء لمعالجة الجرحى ومهد لهم أماكن وميز الكبار منهم والفسيالات في مكان يليق بهم وفرش لهم فرشات ورتب لهم تراتيب وصرف عليهم فقات ولوازم واستمر يتعاهدهم في غالب الأيام والجرئحية يترددون إليهم في كل يوم لمداواتهم كما هي عادة الإفرنج مع بعضهم إذا وقع في أيديهم جرحى من المحاربين لهم فعلوا بهم ذلك وأكرموا الأسرى وأما من وقع منهم في أيدي العسكر من المردان فإنهم اختصوا بهم وألبسوهم من ملابسهم وباعوهم فيما بينهم ومنهم من احتال على الخلاص من يد الفاسق بحيلة لطيفة فمن ذلك أن غلامًا منهم قال للذي هو عنده أن لي بولصة عند قنصل الفرنساوية وهي مبلغ عشرون كيسًا ففرح وقال له أرنيها فأخرج له ورقة بخطم وهؤلاء يعرف ما فيها فأخذها منه طمعًا في إحرازها لنفسه وذهب مسرعًا إلى القنصل وأعطاها له فلما قرأها قال له لا أعطيك هذا المبلغ إلا بيد الباشا ويعطيني بذلك رجعة بختمه لتخلص ذمتي فلما صاروا بين يدي الباشا فأخبره القنصل فأمر بإحضار الغلام فلما حضر سأله الباشا فقال أريد الخلاص منه واحتلت عليه بهذه الحيلة لأتوصل إليه فطيب الباشا خاطر العسكري بدراهم وأرسل الغلام إلى أصحابه بالقلعة ولما انقضى أمر الحرب من ناحية رشيد وانجلت الإنكليز عنها ورجعوا إلى الإسكندرية نزل الأتراك على الحماد وما جاورها واستباحوا أهلها ونساءها وأموالها ومواشيها زاعمين أنها صارت دار حرب بنزول الإنكليز عليها وتملكها حتى أن بعض الظاهرين كلمهم في ذلك فرد عليه بذلك الجواب فأرسلوا إلى مصر بذلك وكتبوا في خصوص ذلك سؤلًا وكتب عليه المفتون بالمنع وعدم الجواز وحتى يأتي الترياق من العراق يموت الملسوع ومن يقرأ ومن يسمع وعلى أنه لم يرجع طالب الفتوى بل أهملت عند المفتي وتركها المستفتي ثم أحاطت العساكر ورؤساؤهم برشيد وضربوا على أهلها الضرائب وطلبوا منها الأموال والكلف الشاقة وأخذوا ما وجدوه بها من الأرز للعليق فخرج كبيرها اليد حسن كريت إلى حسن باشا وكتخدا بك وتكلم معهما وشنع عليهما وقال أما كفانا ما وقع لنا من الحروب وهدم الدور وكلف العسكر ومساعدتهم ومحربتنا معهم معكم وما قاسيناه من التعب والسهر وإنفاق المال ونجازي منكم بعدها بهذا الأفاعيل فدعونا نخرج بأولادنا وعيالنا ولا نأخذ معنا شيئًا ونترك لكم البلدة افعلوا بها ما شئتم فلاطفوه في الجواب وأظهروا له إليهتمام بالمناداة والمنع وكت المذكور أيضًا مكاتبات بمعنى ذلك وأرسلها إلى البلدة والسيد عمر بمصر فكتبوا فرمانًا وأرسلوه بالكف والمنع وهيهات ولما وصل من وصل بالقبلي والأسرى أنعم الباشا على الواصلين منهم بالخلع والبقاشيش وألبسهم شلنجات فضة على رؤوسهم فازداد جبروتهم وتعديهم ولما رجع الإنكليز إلى ناحية الإسكندرية قطعوا السد فسالت المياه وغرقت الأراضي حول الإسكندرية‏.‏

وفي يوم الأحد سابع عشره وصل ياسين بك إلى ناحية طرا وحضر أبوه إلى مصر ودخل كثير من أتباعه إلى المدينة وهم لابسون زي المماليك المصرية‏.‏

وفيه دفنوا رؤس القتلى من الإنكليز وكانوا قطعوا آذانهم ودبغوها وملحوها ليرسلوها إلى إسلامبول‏.‏

وفيه أرسل الباشا فسيالًا كبرًا من الإنكليز إلى الإسكندرية بدلًا عن ابن أخي عمر بك وقد كان المذكور سافر إلى الإسكندرية قبل الحادثة ليذهب إلى بلاده بما معه من الأموال فعوقه الإنكليز فأرسلوا هذا الفسيال ليرسلوا بدله ابن أخي عمر بك‏.‏

وفي يوم الاثنين ثامن عشره وصلت خيام ياسين بك وحملاته ونصبوا وطاقه جهة شبرا ومنية السيرج‏.‏

وفي سادس عشرينه وصل ياسين بك المذكور وصحبته سليمان آغا صالح وكيل دار السعادة سابقًا وهو الذي كان بإسلامبول وحضر بصحبته القبودان في الحادثة السابقة وتأخر عنه واستمر مع الألفي ثم مع أمرائه بعد موته وكان الباشا قد أرسل له يستدعيه بأمان فأجاب إلى الحضور بشرط أن يجري عليه الباشا مرتبه بالضربخانة وقدر ذلك ألف درهم في كل يوم فأجابه إلى ذلك وحضر صحبته ياسين بك وقبلا الباشا وخلع عليهما خلعتي سمور ونزلا وركبا ولعبا مع أجنادهما بوسط البركة بالرماح وظهر من حسن رماحة سليمان آغا ما أعجب الباشا ومن حوله من الأتراك بل أصابوه بأعينهم لأنه بعد انقضاء ذلك سار مع ياسين بك إلى ناحية بولاق يترامحون ويتلاعبون فأخرج طبنجته بيده اليمنى والرمح في يده اليسرى وكان زنادها مرفوعًا فانطلقت رصاصتها وخرقت كفه اليسار القابض به على سرع الجواد ونفدت من الجهة الأخرى فرجع إلى داره بجراحته وأذن له برد حملته وذهب ياسين بك إلى بولاق فبات بها في دار حسن الطويل بساحل النيل‏.‏

وفيه سافر المتسفر بآذان القتلى الإنكليز وقد وضعوها في صندوق وسافر بها على طريق الشام وصحبته أيضًا شخصان من أسرى فسيالات الإنكليز وكتبوا عرضًا بصورة الحال من إنشاء السيد إسمعيل الخشاب وبالغوا فيه‏.‏

وفي يوم الخميس ثامن عشرينه سافر عمر بك تابع عثمان بك الأشقر وعلي كاشف بن أحمد كتخدا إلى ناحية القليوبية لأجل القبض على أيوب فوده بسبب رجل يسمى زغلول ينسب إليه بأنه يقطع الطريق على المسافرين في البحر وكلما مرت بناحية مركب حاربها ونهب ما فيها من بضائع التجار وأموالهم أو أنهم يفتدون أنفسهم منه بما يرضيه من المال فكثر تشكي الناس منه فيرسلون إلى أيوب فوده كبير الناحية فيتبرأ منه فلما زاد الحال عينوا من ذكر للقبض عليه وقتله فبلغه الخبر فهرب من بلده أبناس فلما وصلوا إلى محله فلم يجدوه فأحاطوا بموجوداته وغلاله وبهائمه وماله من المواشي والودائع بالبلاد فلما جرى ذلك حضر إلى السيد عمر وصالح على نفسه بثلاثمائة كيس ورجع الحال إلى حاله وذلك خلاف ما أخذه المعينون من الكلف والمغارم من البلاد التي مروا عليها وأقاموا فيها واحتجوا عليها‏.‏

وفيه حضر الكثير من أهل رشيد بحريمهم وأولادهم ورحلوا عنها إلى مصر‏.‏

وفيه حضر كتخدا القاضي من عند الأمراء القبالي وأخبر أنهم محتاجون إلى مراكب لحمل الغلال الميرية والذخيرة فهيأ الباشا عدة مراكب وأرسلها إليهم مع هذه الصورة وإظهار المصالحة والمسالمة يمنعون ويحجزون من يذهب إليهم من دورهم بثياب ومتاع وكذلك يمنعون المتسببين والباعة الذين يذهبون بالمتاجر والأمتعة التي يبيعونها عليهم وإذا وقعوا بشخص أو غمزوا عليه عند الحاكم أو صادفه بعض العيون المترقبة عليه قبضوا عليه ونهبوا ما معه وعاقبوه وحبسوه بل ونهبوا داره وغرموه ولا يغفر ذنبه ولا تقال عثرته ويتبرأ منه كل من يعرفه وكذلك نبهوا على القلقات الذين يسمونهم الضوابط المقيدين بأبواب المدينة مثل باب النصر وباب الفتوح والبرقية والباب الحديد بمنع النساء عن الخروج خوفًا من خروج النساء القبالي وذهابهن إلى أزواجهن واتفق أنهم قبضوا على شخص في هذه الأيام يريد السفر إلى ناحية قبلي ومعه تليس ففتحوه فوجدوا بداخله مراكيب ونعالات مصرية ومغربية التي تسمى بالبلغ فقبضوا عليه واتهموه أنه يريد الذهاب بذلك إلى الأمراء وأتباعهم فنهبوا منه ذلك وغيره وقبضوا عليه وحبسوه واستمر محبوسًا وكذلك اتفق أن الوالي ذهب إلى جهة القرافة وقبض على أشخاص من التربية الذين يدفنون الموتى واتهمهم بأن بعض أتباع الأمراء القبالي يخرجون إليهم بالأمتعة لأسيادهم ويخفونها عندهم بداخل القبور حتى يرسلوها إلى أسيادهم في الغفلات وضربهم وهجم على دورهم فلم يجد بها شيئًا واجتمع عليه خدام الأضرحة وأهل القرافة وشنعوا عليه وكادوا يقتلونه فهرب منهم وحضروا في صبحها عند السيد عمر والمشايخ يشكون من الوالي وما فعله مع الحفارين ونحو ذلك فأعجب لهذا التناقض‏.‏

وفيه وصل مكتوب من كبير الإنكليز الذي بالإسكندرية مضمونه طلب أسماء الأسرى من الإنكليز والوصية بهم وإكرامهم كما هم يفعلون بالأسرى من العسكر فإنهم لما دخلوا إلى الإسكندرية أكرموا من كان بها منهم وأذنوا لهم بالسفر بمتاعهم وأحوالهم إلى حيث شاؤا وكذلك من أخذوه أسيرًا في حرابة رشيد‏.‏

واستهل شهر ربيع الأول بيوم السبت سنة 1222 فيه كتبوا لكبير الإنكليز جوابًا عن رسالته‏.‏

وفي يوم السبت خامس عشره حضر علي كاشف الكبير الألفي بكلام من طرف شاهين بك الألفي يعتذر عن التأخير إلى هذا الوقت وأنهم على صلحهم واتفاقهم الأول وحضورهم إلى ناحية الجيزة وبات تلك الليلة في بيته بمصر ثم أقام ثلاثة أيام ورجع إلى مرسله وصحبته سليمان آغا الوكيل‏.‏

وفيه حضر عابدين بك أخو حسن باشا من ناحية بحري وحضر أيضًا في أثره أحمد آغا لاظ وغيره من ناحية بحري وذلك أنهم ذهبوا خلف الإنكليز إلى قرب معدية البحيرة فخرج عليهم طائفة الإنكليز من البر والبحر وضربوا عليهم مدافع ونيرانًا كثيرة فولوا راجعين وحضروا إلى مصر‏.‏

وفيه حضر أيضًا الفسيال الكبير الإنكليزي الذي كان أرسل بدلًا عن ابن أخي عمر بك وقيل أنه ابن أخي صالح قوش فلما وصل إليهم أجابوا بأن المذكور سافر مع من سافر إلى الروم بمتاعهم وأموالهم قبل الواقعة حيث لم يكن المطلوب موجودًا فلا وجه لإبقاء الإنكليزي المذكور فردوه بعد أن رفعوا منزلته ورتبته عندهم فلما رجع إلى مصر خلى سبيله الباشا ولم يحبسه مع الأسرى بل أطلق له الإذن أيضًا في الرجوع إلى الإسكندرية أو إلى بلاده متى أحب واختار‏.‏

وفي منتصفه استوحش الباشا من ياسين بك وضاق خناقه منه وذلك أنه لما حضر إلى مصر وخلع عليه الباشا دفع إليه ما كان وعده به من الأكياس وقدم له ما تقادم وإنعامات على أنه يسافر إلى الإسكندرية لمحاربة الإنكليز وطلب مطالب كثيرة له ولأتباعه وأخذ لهم الكساوى والسراويلات وأخذ جميع ما كان عند جبجي باشا من الأقمشة والخيام والجبخانة والاحتياجات من القرب وروايا الماء ولوازم العسكر في سفر البر والإفازة والمحاصرة إلى غير ذلك وقلد أباه كشوفية الشرقية وخرج هو بعرضيه وخيامه إلى ناحية الحلي ببولاق فانضم إليه الكثير من العسكر والدلاتية وغيرهم وصار كل من ذهب إليه يكتبه من جملة عسكره فاجتمع عليه كل عاص وأزعر ومخالف وعاق وصرح بالخلاف وتطلعت نفسه للرياسة وكلما أرسل إليه الباشا يرده وينهاه عن فعله يعرض عن ذلك وداخله الغرور وانتشرت أوباشه يعبثون في النواحي وبث أكابر جنده في القرى والبلدان وعينهم لجمع الأموال والمغارم الخارجه عن المعقول ومن خالفهم نهبوا قريته وأحرقوها وأخذوا أهلها أسرى فعند ذلك أخذ الباشا في التدبير عليه واستمال العسكر المنضمين إليه وحل عرى رباطاته فلما كان في ليلة الأربعاء تاسع عشره أمر عساكر الأرنؤد بالاجتماع والخروج إلى ناحية بولاق فخرجوا بأجمعهم إلى نواحي السبتية والخندق وأحالوا بينه وبين بولاق ومصر‏.‏

وفي ليلة السبت ركب الباشا بجنوده وخرج تلك الناحية وحصن أبواب المدينة بالعساكر وأيقن الناس بوقوع الحرب بين الفريقين وأرسل الباشا إلى ياسين بك يقول له أن تستمر على الطاعة وتطرد عنك هذه اللموم وتكون من جملة كبار العسكر وإلا تذهب إلى بلادك وإلا فأنا واصل إليك ومحاربك فعند ذلك داخله الخوف وانحلت عزائم جيوشه وتفرق الكثير منهم فلما كان بعد الغروب طلب الركوب ولم يعلم عسكره أين يريد فركب الجميع وهم ثلاثة طوابير واشتبهت عليهم الطرق في ظلام الليل فسار هو بفريق منهم إلى ناحية الجبل على طريق حلق الجرة وفرقة سارت إلى ناحية بركة الحاج والثالثة ذهبت على طريق القليوبية وفيهم أبوه فلما علم الباشا بركوبهم ركب خلفهم وذهب خلف الطائفة التي توجهت إلى ناحية البركة حصة فلما علموا انفرادهم عن أميرهم رجعوا متفرقين في النواحي ورجع الباشا إلى داره ولم يزل ياسين بك في سيره حتى نزل بمن معه في التبين واستقر بها وأما أبوه فإنه التجأ إلى شيخ قليوب الشواربي فأخذ له أمانًا وأحضر في ثاني يوم الإلى الباشا فألبسه فروة وأمره أن يلحق بابنه فنزل إلى بولاق ونزل في مركب مسافرًا‏.‏

وفي يوم الاثنين رابع عشرينه عين الباشا عسكرًا ورؤساء عساكر وخيالة واصب معهم شديدًا وجملة من عرب الحويطات للحوق بياسين بك ومحاربته ولما نزل ياسين بك بناحية التبين نهب قرى الناحية بأسرها مثل التبين وحلوان وطرا والمعصرة والبساتين وفعلوا بها أفاعيلهم الشنيعة من السلب والنهب وأخذ النساء ونهب الأجران والغلال والأتبان والمواشي وأخذ الكلف الشاقة ومن عجز عن شيء من مطلوباتها أحرقوه بالنار‏.‏

وفي يوم الخميس رجع العسكر والعربان الذين كانوا ذهبوا لمحاربة ياسين بك وذلك أنهم لما قربوا من وطاقهم ارتحل إلى صول والبرنيل فولوا راجعين وتمموا في ذهابهم وإيابهم تدمير القرى‏.‏

وفيه ورد قاصد قابجي من إسلامبول وعلى يده مرسوم بالبشارة بولاية السيد علي باشا قبودان الدونتمه وتاريخه نحو ثلاثة أشهر فضربوا لقدومه المدافع من القلعة‏.‏

وفي يوم السبت تاسع عشرينه رجع سليمان آغا من قبلي إلى مصر وأخبر بقرب قدوم الأمراء المصريين وأن شاهين بك وصل إلى زارية المصلوب وإبراهيم بك جهة قمن العروس وأنهم واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الاثنين 1222 فيه سافر مصطفى آغا والصابونجي إلى جهة قبلي وصحبتها كتخدا القاضي‏.‏

وفي سادسه وصل شخص ططري وعلى يده مرسوم فعمل الباشا ديوانًا وقرأ المرسوم بحضرة الجمع مضمونه أن العرضي الهمايوني الموجه لحرب الموسكوب خرج من إسلامبول وذهب إلى ناحية أدرنه وأن العساكر سارت لمحاربة الأعداء ويذكورن فيه أن بشائر النصر حاصلة وقد وصل رؤس قتلى وأسرى كثيرة وأنه بلغ الدولة ورود نحو الأربع عشرة قطعة من المراكب إلى ثغر الإسكندرية وأن الكائنين بالثغر ترخوا في حربهم حتى طلعوا إلى الثغر فمن اللازم إليهتمام وخروج العساكر لحروبهم ودفعهم وطردهم عن الثغر وقد أرسلنا البيورلديات إلى سليمان باشا والي صيدا وإلى يوسف باشا والي الشام بتوجيهه العساكر إلى مصر للمساعدة وإن لزم الحال لحضور المذكورين لتمام المساعدة على دفع العدو إلى آخر ما نقموه وسطروه محل القصد من ورود هذه البيولديات والفرمانات والأغوات والقبيجات إنما هو جر المنفعة لهم بما يأخذونه من خدمهم وحق طريقهم من الدراهم والتقادم والهدايا فإن القادم منهم إذا ورد استعدوا لقدومه فإن كان ذا قدر ومنزلة أعدوا له منزلًا يليق به ونظموه بالفرش والأداوت اللازمة وخصوصًا إذا كان حضر في أمر مهم أو لتقرير المتولي على السنة الجديدة أو بصحبته خلع رضا وهدايا فإنه يقابل بالإعزاز الكبير ويشاع خبره قبل وروده إلى الإسكندرية وتأتي المبشرون بورود من الططر قبل خروجه من دار السلطنة بنحو شهر أو شهرين ويأخذون خدمتهم وبشارتهم بالأكياس وإذا وصل هو أدخلوه في موكب جليل وعملوا له ديوانًا ومدافع وشنكًا وأنزل في المنزل المعد له وأقبلت عليه التقادم والهدايا من المتولي وأعيان دولته ورتب له الرواتب والمصاريف لمآكله وأتباعه لمطبخه وشراب حالته أيام مكثه شهر أو شهورًا ثم يعطى من الأكياس قدرًا عظيمًا وذلك خلاف هدايا الترحيلة من قدور الشربات المتنوعة والسكر المكرر وأنواع الطيب كالعود والعنبر والأقمشة الهنجية والمقصبات لنفسه ورجال دولته وإن كان دون ذلك أنزلوه بمنزل بعض الأعيان بأتباعه وخدمه ومتاعه في أعز مجلس ويقوم رب المنزل بمصروفهم ولوازمهم وكلفهم وما تستدعيه شهوات أنفسهم ويرون أن لهم المنة عليه بنزولهم عنده ولا يرون له فضلًا بل ذلك واجب عليه وفرض يلزمه القيام به مع التآمر عليه وعلى أتباعه ويمكث على ذلك شهورًا حتى يأخذ خدمته ويقبض أكياسه وبعد ذلك كله يلزم صاحب المنزل أن يقدم له هدية ليخرج من عنده شاكرًا ومثنيًا عليه عند مخدومه وأهل دولته أقضية يحار العقل والنقل في تصويرها‏.‏

وفي يوم الأحد سابعه وصلت القافلة والحجاج من ناحية القلزم على مرسى السويس وحضر فيها أغوات الحرم والقاضي الذي توجه لقضاء المدينة وهو المعروف بسعد بك وكذلك خدام الحرم المكي وقد طردهم الوهابي جميعًا وأما القاضي المنفصل فنزل في مركب ولم يظهر خبره وقاضي مكة توجه بصحبة الشاميين وأخبر الواصلون أنهم منعوا من زيارة المدينة وأن الوهابي أخذ كل ما كان في الحجرة النبوية من الذخائر والجواهر وحضر أيضًا الذي كان أميرًا على ركب الحجاج وصحبته مكاتبة من مسعود الوهابي ومكتوب من شريف مكة وأخبروا أنه أمر بحرق المحمل واضطربت أخبار الأخباريين عن الوهابي بحسب الأغراض ومكاتبة الوهابي بمعنى الكلام السابق في نحو الكراسة وذكر فيها ما ينسبونه الناس إليه من الأقوال المخالفة لقواعد الشرع ويتبرأ عنها‏.‏

وفيه ورد الخبر بأن إبراهيم بك وصل إلى بني سويف وأن شاهين بك ذهب إلى الفيوم لاختلاف وقع بينهم وأن أمين بك وأحمد بك الألفيين ذهبا إلى ناحية الإسكندرية للإنكليز‏.‏

وفيه كمل تحرير دفاتر الفرضة والمظالم التي ابتدعوها في العام الماضي على القراريط وإقطاعات الأراضي وكذلك أخذ نصف فائظ الملتزمين وعينوا المعينين لتحصيله من المزارعين ذلك خلاف ما فرضوه علىالبنادر من الأكياس الكثيرة المقادير‏.‏

وفي ذلك اليوم أرسل الآغا والي الشرطة أتباعهما لأرباب الصنائع والحرف والبوابين بالوكائل والخانات يأمرونهم بالحضور من الغد إلى بيت القاضي فانزعجوا من ذلك ولم يعلموا لأي شيء هذا الطلب وهذه الجمعية وباتوا متفكرين ومتوهمين فلما أصبح يوم الاثنين واجتمع الناس أبرزوا لهم مرسومًا قرئ عليهم بسبب زيادة صرف المعاملة وذلك أن الريال الفرانسة وصلت مصارفته إلى مائتين وعشرة من الأنصاف العددية والمحبوب إلى مائتين وعشرين وأكثر والمشخص البندقي وصل إلى أربعمائة وأربعين فضة ونحو ذلك فلما قرؤوا عليهم المرسوم وأمروهم بعدم الزيادة وأن يكون صرف الفراسة بمائتين فقط والمحبوب بمائتين وعشرين فضة والبندقي بأربعمائة وعشرين فلما سمعوا ذلك قالوا نحن ليس لنا علاقة بذلك هذا أمر منوط بالصيارف وانفض المجلس‏.‏

وفيه وصلت مكاتبة من إبراهيم بك ومن الرسل مضمونها الأخبار بقدومهم وأرسل إبراهيم بك يستدعي إليه ابنه الصغير وولد ابنته المسمى نور الدين ويطلب بعض لوازم وأمتعة‏.‏

وفي يوم السبت ثالث عشره سافر أولاد إبراهيم بك والمطلوبات التي أرسل بطلبها وصحبتهم فراشون وباعة ومتسببون وغير ذلك‏.‏

وفي يوم الاثنين ورد سلحدار موسى باشا وعلى يده مرسوم بالعربي وآخر بالتركي مضمونهما جواب رسالة أرسلت إلى سليمان باشا بعكا بخبر حادثة الإنكليز إلى ثغر سكندرية ودخولهم إليها بمخامرة أهلها ثم زحفهم إلى رشيد وقد حاربتهم أهل البلاد والعساكر وقتلوا الكثير منهم وأسروا منهم كذلك ونؤكد على محمد باشا والعلماء وأكابر مصر بالاستعداد والمحافظة وتحصين الثغور مثل السويس والقصير ومحاربة الكفار وإخراجهم وإبعادهم عن الثغر وقد وجهنا لكل من سليمان باشا وجنج يوسف باشا بتوجيه ما تريدون من العساكر للمساعدة ونحو ذلك‏.‏

وفيه أحضروا أربعة رؤوس من الإنكليز وخمسة أشخاص أحياء فمروا بهم من وسط المدينة ذكروا أن كاشف دمنهور حارب بناحية الإسكندرية فقتل منهم وأسر هؤلاء وقيل أنهم كانوا يسيرون لبعض أشغالهم نواحي الريف فبلغ الكاشف خبرهم فأحاط بهم وفعل بهم ما فعل وأرسلهم إلى مصر وهم ليسوا من المعتبرين وكأنهم مالطية وقيل أنهم سألوهم فقالوا نحن متسببون طلعنا ناحية أبي قير وتهنا عن الطريق فصادفونا ونحن تسعة لا غير فأخذونا وقتلوا منا من قتلوه وأبقونا‏.‏

وفيه وصلت مكاتبة من إبراهيم وأرسل الباشا إليهم جوابًا صحبة إنسان يسمى شريف آغا‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرينه وردت أخبار من ناحية الشام بأنه وقع بإسلامبول فتنة بين الينكجرية والنظام الجديد وكانت الغلبة للينكجرية وعزلوا السلطان سليم وولوا السلطان مصطفى ابن عمه وهو ابن السلطان عبد الحميد بن أحمد وخطب له ببلاد الشام‏.‏

وفي يوم الخميس وصل ططري من طريق البر يتحقق ذلك الخبر وخطب الخطباء للسلطان مصطفى على منابر مصر وبلاد مصر وبولاق وذلك يوم الجمعة سادس عشرينه‏.‏

وفي أواخره أحدثوا طلب مال الأطيان المسموح الذي لمشايخ البلاد وحرروا به دفترًا وشرعوا في تحصيله وهي حادثة لم يسبق مثلها أضرت بمشايخ البلاد وضيقت عليهم معايشهم ومضايفهم‏.‏

وفيه كتبوا أورقًا للبلاد والأقاليم بالبشارة بتولية السلطان الجديد وعينوا بها المعينين وعليها حق الطرق مبالغ لها صورة وكل ذلك من التحيل على سلب أموال الناس‏.‏

وفيه كتبوا مراسلة إلى الأمراء القبليين بالصلح وأرسلوا بها ثلاثة من الفقهاء وهم الشيخ سليمان الفيومي والشيخ إبراهيم السجيني والسيد محمد الدواخلي وذلك أنه لما رجع شريف آغا الذي كان توجه إليهم بمراسلتهم أرسلوا يطلبون الشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير والسيد عمر النقيب لإجراء الصلح على أيديهم فأرسلوا الثلاثة المذكورين بدلًا عنهم‏.‏

وفي هذه الأيام كث خروج العساكر والدلاة وهم يعدون إلى البر الغربي وعدى الباشا بحر النيل إلى بر أنبابة وأقام هناك أيامًا‏.‏

فيه شرع الباشا في تعمير القلاع التي كانت أنشأتها الفرنساوية خارج بولاق وعمل متاريس بناحية منية عقبة وغيرها ووزع على الجيارة جيرًا كثيرًا ووسق عدة مراكب وأرسلها إلى ناحية رشيد ليعمروا هناك سورًا على البلد وأبراجًا وجمعوا البنائين والفعلة والنجارين وأنزلوهم في المراكب قهرًا‏.‏