فصل: يوم السبت رجع القرابة المشاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 وفيه أفرجوا عن جرجس الجوهري ومن معه على أربعة آلاف وثمانمائة كيس وأن يبقى على حاله فشرع في توزيعها على باقي الأقباط وعلى نفسه وعلى كبرائهم وصيارفهم ما عدا فلتيوس وغالي وحولت عليه التحاويل وحصل لهم كرب شديد وضج فقراؤهم واستغاثوا‏.‏

وفي يوم الجمعة خرج عدة كبيرة من العسكر إلى ناحية الشرق لمحاربة الدلاة وأميرهم عمر بك تابع عثمان بك الأشقر ومحمد بك المبدول وكثير من الأجناد المصرية وحسن باشا الأرنؤدي‏.‏

 

يوم السبت رجع القرابة المشاة

وذهب الخيالة خلفهم متباعدين عنهم بمرحلة فكان شأنهم أن الدلاة المذكورين إذا وردوا قرية نهبوها وأخذوا ما وجدوه فيها وأخذوا الأولاد والبنات وارتحلوا فيأتي خلفهم العرب التابعون خلفهم فيطلبون الكلف والعليق وينهبون أيضًا ما أمكنهم ثم يرتحلون أيضًا خلفهم فتنزل بعدهم التجريدة فيفعلون أقبح من الفريقين من النهب والسلب حتى ثياب النساء وأخذ الدلاة من عرب العائد خمسمائة جمل وذهبوا على طريق رأس الوادي‏.‏

وفيه ورد الخبر بوصول كتخدا بك إلى منوف وقبض على كاشفها وأخذ منه ما جمعه ثم أنه فرد على البلاد التي وجد بها بعض العمار أموالًا من ألف ريال فأزيد وحصر ذلك في قائمة وهي نحو الستين بلدًا وأرسل يستأذن في ذلك ويطلب عدم الرفع عن شيء منها ليحصل قدرًا يستعان على علائف العسكر وجماكيهم وليكمل خراب الإقليم وانقضى شهر جمادى الأولى‏.‏

شهر جمادى الثانية سنة 1220 استهل بيوم الاثنين في ثانيه وصل ولدا محمد علي باشا إلى ساحل بولاق فركب أغوات الباشا وفي ثالثه طلع محمد علي باشا إلى القلعة وأجلس ابنه الكبير بها وضربوا له في ذلك الوقت مدافع‏.‏

وفي رابعه رجع عابدي بك ومن بصحبته من المصرلية من جهة الشرق وقد وصلوا خلف الدلاة إلى حد العائد ثم رجعوا وذهب الدلاة إلى جهة الشام بما معهم من المال والغنائم والجمال والأحمال وعدتها أكثر من أربعة آلاف جمل وما نهبوه من البلاد وأسروه من النساء والصبيان وغير ذلك وكانوا من نقمة الله على خلقه ولم يحصل من مجيئهم وذهابهم إلا زيادة الضرر ولم يحصل الباشا المخلوع الذي استدعاهم لنضرته إلا الخذلان وكان في عزمه وظنه أنهم يصيرون أعوانه وأنصاره ويستعين بهم وبطائفة الينكجرية على إزالة الطائفة الأخرى فانتحس بقدومهم وأورثه الله ذلهم وتخلوا عنه وخذلوه وضاع عليه ما صرفه عليهم في استدعائهم وملاقاتهم وخلعهم وتقدماتهم ومصارفهم وعلائفهم وخرجهم ولم ينفعوه بنافعة بل كانوا من الضرر الصرف عليه وعلى الإقليم وكان كلما خوطب وعوقب في أمر أو فعل يقول اصبروا حتى تأتي الدالاتية ويحصل بعد ذلك النظام فلم يحصل بوصولهم إلا الفساد وانتقضت دولته وانعست قضيته‏.‏

وفيه شرعوا في عمل دفتر فردة على البلاد التي بقي فيها بعض الرمق‏.‏

وفي خامسه حضر كتخدا بك ليلًا وأشار بإبطال ذلك الدفتر لما فيه من الإشاعة والشناعة واتفق مع الباشا والمتكلمين أنه يفعل ذلك باجتهاده ورأيه ورجع في تلك الليلة وشرع في التحصيل مع الجور والعسف الزائد كما هو شأنهم‏.‏

وفيه سافر أيضًا جانم أفندي الدفتردار وسافر صحبته قابجي باشا الأسود المسمى بشير آغا‏.‏

وفيه سافر بعض كبرائهم إلى جهة السويس ليأتي بالمحمل‏.‏

وفي يوم الجمعة ورد أحمد أفندي من سكندرية وهو الذي كان أتى بالدفتردارية في العام السابق ومنعه أحمد باشا خورشيد من الورود وكتبوا في شأنه عرضحال من المشايخ والوجاقلية بمنعه وإبقاء جانم أفندي واستمر بالإسكندرية إلى هذا الوقت وحضر الآن بمراسلة من قبطان باشا وأحضر صحبته تقرير السعيد آغا على الوكالة وإبقائه على ما هو عليه ونظر الخاصكية لسليمان آغا حافظ‏.‏

وفي يوم الأحد رابع عشره تغيب جرجس الجوهري فيقال أنه هرب ولم يظهر خبره وطلب محمد علي فلتيوس وغالي وجرجس الطويل‏.‏

وفي يوم الاثنين حضر محمد كتخدا الألفي بجواب من مخدومه وقابل محمد علي باشا وذهب إلى بيته لقضاء أشغاله‏.‏

وفيه وصلت القافلة والمحمل وأراد الباشا نهب قافلة التجار فصالحوا على أحمالهم بألف كيس ودخل المحمل في ذلك اليوم صحبة المسفر‏.‏

وفيه طلب الباشا حسن آغا نجاتي المحتسب والأمير إبراهيم الرزاز وطلب أن يقلد حسن آغا كتخدا الحج والأمير إبراهيم ديودار بشرط أن يكلفا أنفسهما من مالهما فاعتذرا بعدم قدرتهما على ذلك فحبسهما وطلب من كل واحد منهما خمسمائة كيس وعزل حسن آغا وقلد عوضه آخر يسمى قاضي أوغلي على الحسبة‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ظهر الخبر عن جرجس الجوهري بأنه ركب من دير مصر العتيقة وذهب إلى الأمراء المصرلية بناحية التبين‏.‏

وفي يوم الأربعاء سابع عشره توفي الشيخ محمد الحريري مفتي الحنفية‏.‏

وفي يوم الجمعة تاسع عشره توفي حسن أفندي ابن عثمان الأماحي الخطاط‏.‏

وفيه قلدوا علي جلبي بن أحمد كتخدا على كشوفية القليوبية ولبس القفطان وركب بالملازمين‏.‏

وفيه سافر محمد كتخدا الألفي عائدًا إلى مخدومه وذهب صحبته السلحدار وموسى البارودي‏.‏

وفي عشرينه تقلد الحسبة شخص يقال له عبد الله قاضي أوغلي وكذلك تقلد قبله بأيام إبراهيم الحسيني الزعامة وهو حليق اللحية وتقلد محمد من مماليك إسماعيل بك ويعرف بالألفي وهو زوج هانم ابنة بنت إسماعيل بك آغاوية مستحفظان‏.‏

وفيه أفرجوا عن حسن آغا المحتسب وإبراهيم الرزاز وقرروا على الأول خمسة وستين كيسًا وعلى الثاني خمسة عشر كيسًا يقومان بدفعها‏.‏

وفيه أنزلوا قوائم على البلاد والحصص التي كانت تحت التزام جرجس الجوهري إلى المزاد فاشتراها القادرون والراغبون‏.‏

وفي حادي عشرينه قلدوا ياسين بك كشوفية بني سويف والفيوم وكذلك لبسوا كاشفًا على منفلوط وغيرها‏.‏

وفي أواخره حضر محمد كتخدا الألأفي والسلحدار وذكرا مطلوبات الألفي وهو أنه يطلب كشوفية الفيوم وبني سويف والجيزة والبحيرة ومائتي بلد التزام وأنه يأتي إلى الجيزة ويقيم بها ويكون تحت طاعة محمد علي باشا وتشاوروا في ذلك أيامًا وأما باقي الأمراء المصرليين فإنهم انتقلوا من مكانهم وترفعوا إلى جهة قبلي بناحية بياضة ثم اتفق الرأي على أن يعطوهم من فوق جرجًا وينزل بها الحاكم المولى عليها من العثمانية وأن المصريين القبالي اقتسموا بينهم البلاد ويقومون بدفع المال والغلال الميرية وكل ذلك لا أصل له ولا حقيقة من الطرفين وكتبوا للألفي مكاتبات بذلك وأن يكون في ضمنهم‏.‏

وفي أواخره أيضًا احتاج محمد علي باشا إلى باقي علوفة العسكر فتكلم مع المشايخ في ذلك وأخبرهم بأن العسكر باق لهم ثلاثة آلاف كيس لا نعرف لتحصيلها طريقة فانظروا رأيكم في ذلك وكيف يكون العمل ولم يبق إلا هذه النوية ومن هذا الوقت إذا قبض العسكر باقي علائفهم سافروا إلى بلادهم ولم يبق منهم إلا المحتاج إليهم وأرباب المناصب ولا يأخذون بعد ذلك علائف فكثر التروي في ذلك ولغط الناس بالفردة وتقرير أموال على أهل البلد وانحط الأمر بعد ذلك على قبض ثلث الفائظ من الحصص والالتزام فضج الناس وقالوا هذه تصير عادة ولم يبق للناس معايش فقال نكتب فرمانًا ونلتزم بعدم عود ذلك ثانيًا ونرقم فيه لعن الله من يفعلها مرة أخرى ونحو ذلك من التمويهات الكاذبة إلى أن رضي الناس واستقر أمرها وشرعوا في تحريرها وطلبها‏.‏

شهر رجب الفرد سنة 1220 استهل بيوم الأربعاء وفي حادي عشره سافر محمد كتخدا الألفي بالجواب المتقدم إلى مخدومه بعد أن قضى أشغاله واحتياجاته من أمتعة وخيام وسروج وغير ذلك وخرج ياسين بك وباقي الكشاف المسافرون إلى الجيزة وطلبوا المراكب حتى عز وجودها وامتنع ورودها من الجهة البحرية‏.‏

وفي ثالث عشره سافر المذكورون بعساكرهم وسافر أيضًا علي باشا سلحدار أحمد باشا خورشيد المنفصل إلى سكندرية وأما قبطان باشا فإنه لم يزل بثغر سكندرية‏.‏

وفي منتصفه برز طاهر باشا الذاهب إلى البلاد الحجازية بعساكره إلى خارج باب النصر‏.‏

وفيه وردت الأخبار بأن الوهابيين استولوا على المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم بعد حصارها نحو سنة ونصف من غير حرب بل تحلقوا حولها وقطعوا عنها الوارد وبلغ الأردب الحنطة بها مائة ريال فرانسة فلما اشتد بهم الضيق سلموها ودخلها الوهابيون ولم يحدثوا بها حدثًا غير منع المنكرات وشرب التنباك في الأسواق وهدم القباب ما عدا قبة الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفي تاسع عشره وقع بالأزبكية معركة بين العسكر قتل بها واحد من أعيانهم واثنان آخران ورجل سائس وبغل وفرس وحمار‏.‏

وفي خامس عشرينه ورد الخبر بسفر القبطان وأحمد باشا خورشيد من ثغر سكندرية‏.‏

وفيه حضر أهل رشيد يتشكون إلى السيد عمر النقيب والمشايخ ويذكرون أن محمد علي باشا أرسل يطلب منهم أربعين ألف ريال فرانسة على ثلاثة عشر نفرًا من التجار بقائمة‏.‏

وفيه حضر محمود بك الذي كان بالمنية وتواترت الأخبار بوصول الغز المصريين إلى أسيوط وملكوها وأما الألأفي فإنه جهة الفيوم ووقع بينه وبين جماعة ياسين بك محاربة وظهر عليهم وأرسل ياسين بك يطلب عسكرًا وذخيرة‏.‏

وفي خامس عشرينه ركب المشايخ والسيد عمر النقيب إلى محمد علي وترجوا عنده في أهل رشيد فاستقرت غرامتهم على عشرين ألف فرانسة وسافروا على ذلك وأخذوا في تحصيلها‏.‏

وفيه طلب بترك الدير واحتجوا عليه بهروب جرجس الجوهري وانحط الأمر على المصالحة بمائة وأربعين كيسًا وزعها النصارى على بعضهم ودفعوها‏.‏

شهر شعبان سنة 1220 استهل بيوم الجمعة فيه أمر محمد علي باشا برفع حصص الالتزام التي على النساء وكتبوا قوائم مزادها وانحط الأمر على المصالحات بقدر حالهن وغير ذلك أمور كثيرة وجزئيات وتحيلات على استنضاح الأموال لا يمكن ضبطها‏.‏

وفي أواخره زوج محمد علي حسن الشماشرجي تابعه ببنت سليم كاشف الأسيوطي وهي بنت عبد الرحمن بك تابع عثمان بك الجرجاوي وهي ربيبة أحمد كاشف تابع سليم كاشف المذكور فعقدوا عقدها وعملوا لها مهما ببيت أمها هانم بحارة عابدين واحتفل بذلك محمد علي وأمر بأن يعمل لها زفة مثل زفف الأمراء المتقدمين ونبهوا على أرباب الحرف فعملوا لهم عربات وملاعيب وسخريات قاموا بكلفها من مالهم الموزع على أفرادهم وداروا بازفة يوم الخميس غاية شعبان وحضر محمد علي إلى مدرسة العوريه مع أولاده ليرى ذلك وعمل له السيد محمد المحروقي ضيافة في ذلك اليوم وأحضر إليه الغداء بالمدرسة ولما انقضى أمر الزفة شرعوا في عمل موكب المحتسب ومشايخ الحرف لرؤية رمضان وحضروا إلى بيت القاضي ولم يثبت الهلال تلك الليلة وانقضى شهر شعبان‏.‏

واستهل شهر رمضان بيوم السبت سنة 1220 وفي هذا اليوم شح وجود اللحم وغلا سعره لعدم المواشي وتوالى الظلم والعسف والفرد والكلف على القرى والبلاد حتى بلغ الرطل اللحم الجفيط الهزيل خمسة وعشرين نصفًا إن وجد والجاموسي اثني عشر نصفًا وامتنع وجود الضاني بالأسواق بالكلية رأسًا ولما استهل رمضان انكب الناس على من يوجد من جزارين اللحم الخشن وكذلك شح وجود السمن وعم بالكلية وإذا وجد منه شيء خطفه العسكر وذهبوا به إلى سوق أنبابة يوم السبت أول رمضان ونهبوا ما وجدوه مع الفلاحين من الزبد والجبن وغير ذلك وزاد فحشهم وقبحهم وتسلطهم على إيذاء الناس وكثروا بالبلد وانحشروا من كل جهة وتسلطوا على تزوج النساء قهرًا اللاتي مات أزواجها من الأمراء المصرلية ومن أبت عليهم أخذوا ما بيدها من الالتزام والإيراد وأخرجوها من دارها ونهبوا متاعها فما يسعها إلا الإجابة والرضا بالقضاء وتزوج بعضهم بزوجة حسن بك الجداوي وهي بنت أحمد بك شنن وأمثالها ولم ينفعهن الهروب ولا الاختفاء ولا الالتجاء وتزيوا بزي المصريين في ملابسهم وركبوا الخيول المسومة بالسروج المذهبة والقلاعيات والرخوت المكلفة وأحدق بهم الخدم والأتباع والقواسة والسواس والمقدمون ووصل كل صعلوك منهم لما لا يخطر على باله أو يتوهمه أو يتخيله ولا في عالم الرؤيا مع انحراف الطبع والجهل المركب وعمى البصيرة والفظاظة والقساوة والتجارى وعدم الدين والحياء والخشية والمروءة ومنهم من تزوج الاثنتين والثلاث وصار له عدة دور‏.‏

وفيه تواترت الأخبار بما حصل لياسين بك وأنه بعد انهزامه هرب بجماعة قليلة وذهب عند سليمان بك المرادي وانضم إليه‏.‏

وفي ثالث عشره نهبوا بيت ياسين بك المذكور وأخذوا ما فيه ونفوا محمد أفندي أباه وأنزلوه في مركب وذهبوا به إلى بحري وقيل أنهم قتلوه‏.‏

وفيه وردت الأخبار بأنه غرق بمينا الإسكندرية أحد عشر غليونًا من الكبار وذلك أنه في أواخر شعبان هبت رياح غربية عاصفة ليلًا فقطعت مراسي المراكب ودفعتها الرياح إلى البر فانكسرت وتلف ما فيها من الأموال والأنفس ولم ينج منها إلا القليل وكذلك تلف ثمان وأربعون مركبًا واصلة من بلاد الشام إلى دمياط ببضائع التجار‏.‏

وفيه حضر جماعة من الألفية إلى بر الجيزة وطلبوا كلفًا من إقليم الجيزة وقبضوها ورجعوا إلى الفيوم ومضى في أثرهم عربان أولاد علي من ناحية البحيرة وعاثوا بأراضي الجيزة فعينوا لهم طاهر باشا الذي كان مسافرًا إلى بلاد الحجاز وخرج بعساكره وخيامه وموكبه إلى خارج باب النصر ونصب وطاقه وصار يضرب في كل ليلة مدافعه وطبله ونوبت واستمر مقيمًا على ذلك نحو ثلاثة شهور وهم يجمعون له الأموال ويفردون الفرد على الأقاليم ويقولون برسم تشهيل العسكر المسافر للخوارج واستخلاص البلاد الحجازية من أيديهم ولم يزالوا يحتجون بعدم أخذ النفقة وفي كل يوم يتسللون شيئًا بعد شيء ويدخلون إلى المدينة ويتفرقون إلى الجهات حتى لم يبق منهم إلا القليل ثم أنهم ارتحلوا من مخيمهم بحجة العرب وطردهم من الجيزة فلما عدوا إلى الجيزة دخلوا إلى دورها وسكنوها غصبًا عن أهلها واستولوا على فراشهم متاعهم ولم يخرج منهم أحد للعرب ولم يتعدوا خارج السور وبطل أمر السفرة المذكورة‏.‏

وفي تاسع عشره أرسل محمد علي من قبض على الآغا الشمعدانجي وعثمان آغا كتخدا بك سابقًا وقت المغرب وأنزلوهما إلى بولاق في مركب وذهبوا بهما يقال أنهم قتلوهما ومعهما اثنان أيضًا من كبار العسكر ولم يعلم سبب ذلك وأنزلوا حصصهم في المزاد‏.‏

وفيه فتحوا طلب الميري من الملتزمين عن سنة إحدى وعشرين مع أن سنة تاريخه لم يستحق منها الثلث وكانوا فتحوها معجلة لقدر الاحتياج وقبضوا نصفها وطلبوا النصف الآخر بعد أربعة أشهر وأما هذه فطلبوها بالكامل قبل أوانها بسنة وخصوصًا في شهر رمضان مع الناس فيه من ضيق المعاش وغلو الأسعار في كل شيء بل وهدم وجود الأقوات ووقوف العسكر خارج المدينة يخطفون ما يأتي به الفلاحون من السمن والجبن والتبن والبيض وغير ذلك ومن دونهم العرب ومثل ذلك في البحر والمراكب حتى امتنع وجود المجلوبات برًا وبحرًا وطلبوا المراكب لسفر العساكر بالتجاريد فتسامع القادمون فوقفوا عن القدوم خوفًا من النهب والتسخير ولم يبق بسواحل البحر مركب ولا قارب وبطل ديوان العشور ووصل سعر العشرة أرطال السمن ستمائة نصف فضة إن وجد والعشرة من البيض بخمسة عشر فضة إن وجد والدجاجة بأربعين نصفًا والرطل الصابون بستين نصفًا ولم يزل يتزايد حتى وصل الرطل إلى مائة وعشرين والراوية الماء بأربعين نصفًا والرطل القشطة بستين نصفًا والرطل السمك الطري بستة عشر نصفًا والقديد المملوح بعشرة أنصاف وقد كان يباع بنصفين وبالعدد من غير وزن والحوت الفسيخ بأربعين نصفًا وقس على ذلك‏.‏

وفي عشرينه رجع خازندار طاهر باشا إلى جهة العادلية ثانيًا ومعه جملة من العسكر وصاروا يضربون في كل ليلة مدفعين واستمر طاهر باشا بالجيزة‏.‏

وفيه كتب محمد علي باشا مكاتبة الأمراء القبالي وأرسل بها مصطفى آغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي ليصطلحوا على أمر‏.‏

وفيه وصل أيضًا جماعة من الألفية إلى جهة سقارة وبلاد الجيزة وطلبوا منها كلفة ودراهم فأمر محمد علي بخروج العساكر فتلكؤا واحتجوا بطلب العلوفة فعزم على الخروج بنفسه فلما كان ليلة الأربعاء سادس عشرينه طلب كبار العساكر وركب معهم إلى مصر القديمة وشرعوا في التعدية بطول الليل وهم محمد علي وعسكره وخواصه وعابدي بك وعمر بك وصالح قوش والدلاة وكبيرهم وعلي كاشف الذي تزوج بنت شنن وأتباعه في تجمل وكبير الدلاة وطائفته وركب الجميع وقت الشروق وبرزوا إلى الفضاء وانفرد كل كبير بعسكره خمسة طوابير وستة ونظروا على البعد منهم فرأوا خيالة من العربان وغيرهم متفرقين كل جماعة في ناحية فحمل كل طابور على جماعة منهم فانهزموا أمامهم فساقوا خلفهم فخرج عليهم كمائن من خلفهم ووقع بينهم الضراب وحمل علي كاشف وآخر يقال له أوزي في جماعتهم فرأوه مجملًا فظنوه محمد علي فاحتاطوا به وتكاثروا عليه وأخذوه أسيرًا هو ومن معه وفر من نجا منهم ووقعت فيهم الهزيمة ورجع الجميع القهقرى وعدوا إلى بر مصر من غير تأخير وذهب من الأرنؤد طائفة إلى الأخصام وانضموا إليهم‏.‏

وفي هذه الأيام وقع بين أهل الأزهر منافسات بسبب أمور وأغراض نفسانية يطول شرحها وتحزبوا حزبين حزب مع الشيخ عبد الله الشرقاوي وحزب مع الشيخ محمد الأمير وهم الأكثر وجعلوا الشيخ الأمير ناظرًا على الجامع وكتبوا له تقريرًا بذلك من القاضي وختم عليه المشايخ والشيخ السادات والسيد عمر أفندي النقيب وكانت النظارة شاغرة من أيام الفرنسيس وكان يتقلدها أحد الأمراء فلما خرج الأمراء من مصر صارت تابعة للمشيخة لوقت تاريخه فانفعل لذلك الشيخ الشرقاوي ولما فعلوا ذلك اجتهد الشيخ الأمير في النظر لخدمة الجامع بنفسه وبابنه وأحضر الخدمة وكنسوا الجامع وغسلوا صحنه ومسحوه وفرشوا المقصورة بالحصر الجدد وعلقوا قناديل البوائك وصار كل يوم يقف على الخدمة ويأمرهم بالتنظيف وغسل الميضاة والمراحيض وأمر بغلق الأبواب من بعد صلاة العشاء ما عدا الباب الكبير ورتبوا له بوابًا وطردوا من يبيت به من الأغراب الذين يلتفون بالحصر ويلوثونها ببولهم وغائطهم ونحو ذلك‏.‏

وفي غايته ليلة الأحد التي هي ليلة العيد عدى طائفة من العسكر إلى بر الجيزة وانضموا إلى الأخصام وحصل في العسكر ارتجاج واختلافات وعملوا شنكًا في تلك الليلة في الأزبكية بعدما أثبتوا هلال شوال بعد العشاء الأخيرة وقد كانوا أسرجوا المساجد وصلوا التراويح ثم أطفؤا المنارات في ثالث ساعة من الليل‏.‏

شهر شوال سنة 1220 استهل بيوم الأحد المذكور وجميع الأمور مرتبكة والحال على ما هو عليه من الاضطراب ولم يحصل في شهر رمضان للناس جمع حواس ولا حظوظ ولا أمن وانكف الناس عن المرور في الشوارع ليلًا خوفًا من أذية العسكر وفي كل وقت يسمع الإنسان أخبارًا ونكات وقبائح من أفاعيلهم من الخطف والقتل وأذية الناس‏.‏

وفي رابعه قلدوا مناصب كشوفات الأقاليم وتهيؤا للذهاب وعملوا قوائم فرد ومظالم على البلاد خلاف ما تقدم وخلاف ما يأخذه الكشاف لأنفسهم وما يأخذونه قبل نزولهم وذلك أنه عندما يترشح الشخص منهم اتقليد المنصب يرسل من طرفه معينين إلى الإقليم الذي سيتولى عليه بأوراق البشارات وحق طرق باسم المعينين إما عشرين ألفًا أو أكثر أو أقل فإذا قبضوا ذلك اتبعوها بأوراق أخرى ويسمونها أوراق تقبيل اليد وفيها مثل ذلك أو أكثر أو أقل ثم كذلك أوراق لبس القفطان ونحو ذلك وقد يتفق بعد ذلك جميعه أنه يتولى خلافه ويستأنف العمل إلى غير ذلك هذا وكتخدا بك مستمر في سرحاته بالأقاليم وجمع الأموال والعسف والجور مرة بالمنوفية ومرة بالغربية ومرة بالشقية ولا يقرر إلا الأكياس من الشهريات والمغارم وحق الطرق والاستعجالات المترادفة مما لا يحيط به دفتر ولا كتاب‏.‏

وفي ثامنه توفي إبراهيم أفندي كاتب البهار وترك ولدًا صغيرًا فقلدوا مملوكه حسنًا في منصبه وكيلًا عن ولده‏.‏

وفي هذه الأيام كثر تحرك العسكر والمناداة عليهم بالخروج إلى نواحي طرا والجيزة وذلك بسبب أن بعض الألأفية عدى إلى ناحية الشرق وأخذوا كلفًا من البلاد وبعضهم وصل إلى وردان بالبر الغربي‏.‏

وفي عاشره حضر جملة من الدالاتية وغيرهم من ناحية الشام فمنهم من حضر في البحر على دمياط ومنهم من حضر في البر وعدى طاهر باشا الذي كان مسافرًا على جدة‏.‏

وفيه أيضًا سافرت القافلة المتوجهة إلى السويس وصحبتها نحو المائتين من العسكر وعليهم كبير من طرف طاهر باشا بدلًا عنه وسافر صحبتهم حسن أفندي القاضي المنفصل ليكون قاضيًا بمكة حسب القانون‏.‏

وفي خامس عشره وصلت قوافل التجار من السويس فأرسل محمد علي وفتح الحواصل وأراد أخذ بضائع التجار وفروق البن فانزعج التجار بوكائل الجالية وغيرها وذلك بعد أن دفعوا عشورها ونولونها وأجرها وما جعلوه عليها من المغارم السابقة وانحط الأمر على المصالحة عن كل فرق خمسون ريالًا ولم ينتطح في ذلك شاتان‏.‏

وفي حادي عشرينه حضر كتخدا بك إلى مصر بعد ما جمع الأموال من الأقاليم وفعل ما فعله من الفرد والمظالم الخارجة عن الحد‏.‏

وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه توفي عثمان أفندي العباسي‏.‏

شهر ذي القعدة سنة 1220 استهل بيوم الثلاثاء والاجتهاد حاصل بخروج العسكر للتجريدة في كل يوم ونصبوا عرضيهم ببر الجيزة وناحية طرا من ابتداء شعبان كما تقدم وفي كل يوم يخرجون طوائف ويعودون كذلك‏.‏

وفي يوم الأربعاء تاسعه حضر مصطفى آغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي وعلي جاويش الفلاح الذين كانوا توجهوا إلى قبلي لأجل الصلح وحضر صحبتهم نيف وثلاثون مركبًا من السفار والمتسببين فيها غلال وأدهان وجلود وتمر وغير ذلك ولم يعلم حقيقة ما حصل‏.‏

وفي يوم الجمعة حادي عشره نودي على العسكر بالخروج من الغد بالتركي والعربي والتحذير من التأخير‏.‏

وفي يوم الأحد رجع مصطفى آغا بجواب ثانيًا هجانا من طريق البر‏.‏

وفي يوم الاثنين رابع عشره أخرجوا المحمل والكسوة وعين للسفر بهما من القلزم مصطفى جاويش العنتبلي ومعه صراف الصرة دفعوا له ربعها وثمنها وهذا لم يتفق نظيره‏.‏

وفي يوم الثلاثاء خامس عشره ورد نحو السبعين ططريًا ومعهم البشارة لمحمد علي باشا بوصول الأطواخ إلى رودس ووصل معهم أيضًا مراسيم بمنصب الدفتردارية لأحمد أفندي الملقب بجديد وهو الذي كان وصل في العام الأول بالدفتردارية إلى سكندرية في أيام أحمد باشا خورشيد وجانم أفندي الدفتردار ومنعوه عنها وكتبوا في شأنه عرضًا للدولة بعدم قبوله وأن أهل البلد راضون على جانم أفندي فلما حصل ما حصل لخورشيد باشا وعزل عن مصر وعزل أيضًا جانم أفندي حضر أيضًا أحمد أفندي المذكور بمراسيم أخر وفيها الوكالة لسعيد آغا مجددة له ونظر الخاصكية لحافظ سليمان واستمر من ذلك الوقت بمصر فوصل إليه الأمر بتقليد الدفتردارية وكان حسن أفندي الروزنامجي هو المتقلد لذلك فلما كان يوم الخميس سابع عشره اجتمع بديوان محمد علي صالح آغا قابجي باشا وسعيد آغا ونقيب الأشراف وبعض المشايخ ولبس أحمد أفندي خلعة الدفتردارية وشرطوا عليه أنه لا يحدث حوادث كغيره فإن حصل منه شيء عزلوه وعرضوا في شأنه وقبل ذلك على نفسه‏.‏

وفي يوم الجمعة ثامن عشره ارتحلت القافلة وصحبتها الكسوة والمحمل أواخر النهار من ناحية قايت باي بالصحراء وذهبوا إلى جهة السويس ليسافروا من القلزم‏.‏

وفيه وصلت الأخبار بأن بونابارته كبير الفرنسيس ركب في جمع كبير وأغار على بلاد النمساوية وحاربهم حربًا عظيمًا وظهر عليهم وملك تختهم وقلاعهم وطلب ملكهم بعد خروجه من حصونه فأعاده لممالكته بعد ما شرط عليه شروطه وملك غير ذلك من القرانات والحصون ثم سار إلى بلاد الموسقو ووقع بينه وبينهم هدنة على ثلاثة أشهر‏.‏

وفي يوم الأربعاء ثالث عشرينه خرج حسن باشا طاهر إلى ناحية مصر القديمة‏.‏

وفي يوم السبت سادس عشرينه حضر مبشرون بحصول مقتلة عظيمة وأنهم أخذوا من الأخصام جملة عسكر أسرى ورؤوس فضربوا مدافع لذلك وأظهروا السرور‏.‏

وفي يوم الأحد وصلت الرؤوس والأسرى وهي إحدى وعشرون رأسًا وذراع مقطع وسبعة عشر أسيرًا ليس فيهم من يعرف ولا من جنس الأجناد وغالبهم فلاحون فأعطى محمد علي لكل أسير نصف دينار وأطلقهم ووضعوا الرؤوس والذراع عند باب زويلة‏.‏

وفيه وصلت القافلة من السويس ووصل أيضًا صحبتهم جنرال من الإنكليز راكب في تخت وحملته ومتاعه على نحو سبعين جملًا فذهب عند قنصلتهم فلما كان يوم الأربعاء غايته ركب في التخت وذهب عند محمد علي بالأزبكية فتلقاه وعمل له شنكًا ومدافع وقدم له هدية وتقادم ثم رجع إلى مكانه‏.‏