فصل: تابع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 وفيه أيضًا شرعوا في تحرير دفتر بنصف فائظ الملتزمين بأنواع الأقمشة وباعة النعالات التي هي الصرم والبلغ وجعلوا عليها ختمية فلا يباع منها شيء حتى يعلم بيد الملتزم ويختم وعلى وضع الختم والعلامة قدر مقدر بحسب تلك البضاعة وثمنها فزاد الضجيج واللغط في الناس‏.‏

وفي يوم السبت سابع عشره حضر المشايخ بالأزهر على عادتهم لقراءة الدروس فحضر الكثير من النساء والعامة وأهل المسجون وهم يرخون ويستغيثون وأبطلوا الدروس واجتمع المشايخ بالقبلة وأرسلوا إلى السيد عمر النقيب فحضر إليهم وجلس معهم ثم قاموا وذهبوا إلى بيوتهم ثم اجتمعوا في ثاني يوم وكتبوا عرضحال إلى الباشا يذكرون فيه المحدثات من المظالم والبدع وختم الأمتعة وطلب مال الأوسية والرزق والمقاسمة في الفائظ وكذلك أخذ قريب البقلي وحبسه بلا ذنب وذلك بعد أن جلسوا مجلسًا خاصًا وتعاهدوا وتعاقدوا على الاتحاد وترك المنافرة وعند ذلك حضر ديوان أفندي وقال الباشا يسلم عليكم ويسأل عن مطلوباتكم فعرفوه بما سطروه إجمالًا وبينوه له تفصيلًا فقال ينبغي ذهابكم إليه تخاطبونه مشافهة بما تريدون وهو لا يخالف أوامركم ولا يرد شفاعتكم وإنما القصد أن تلاطفوه في الخطاب لأنه شاب مغرور جاهل وظالم غشوم ولا تقبل نفسه التحكم وربما حمله غروره على حصول ضرر بكم وعدم إنفاذ الغرض فقالوا بلسان واحد لا نذهب إليه أبدًا ما دام يفعل هذه الفعال فإن رجع عنها وامتنع عن إحداث البدع والمظالم عن خلق الله رجعنا إليه وترددنا عليه كما كنا في السابق فإننا بايعناه على العدل لا على الظلم والجور فقال لهم ديوان أفندي وأنا قصدي أن تخاطبوه مشافهة ويحصل إنفاذ الغرض فقالوا لا نجتمع عليه أبدًا ولا نثير فتنة بل نلزم بيوتنا ونقتصر على حالنا ونصبر على تقدير الله بنا وبغيرنا وأخذ ديوان أفندي العرضحال ووعدهم برد الجواب ثم بعد رجوعه أطلقوا قريب لسيد حسن البقلي الذي كان محبوسًا ولم يعلم ذلك ثم انتظروا عودة ديوان أفندي فأبطأ عليهم وتأخر عوده إلى خامس يوم بعد الجمعية فاجتمع الشيخ المهدي والشيخ الدواخلي عند محمد أفندي طبل ناظر المهمات وثلاثتهم في نفسهم للسيد عمر ما فيها وتناجوا مع بعضهم ثم انتقلوا في عصريتها وتفرقوا وحضر المهدي والدواخلي إلى السيد عمر وأخبراه أن محمد أفندي ذكر لهم أن الباشا لم يطلب مال الأوسية ولا الروق وقد كذب من نقل ذلك وقال أنه يقول إني لا أخالف أوامر المشايخ وعند اجتماعهم ومواجهته يحصل كل المراد فقال السيد عمر أما إنكاره طلب مال الرزق والأوسية فها هي أوراق من أوراق المباشرية عندي لبعض الملتزمين مشتملة على الفرضة ونصف الفائظ ومال الأوسية والرزق وأما الذهاب إليه فلا أذهب إليه أبدًا وإن كنتم تنقضون الأيمان والعهد الذي وقع بيننا فالرأي لكم ثم انفض المجلس وأخذ الباشا يدبر في تفريق جمعهم وخذلان السيد عمر لما في نفسه من عدم إنفاذ أغراضه ومعارضته له في غالب الأمور ويخشى صولته ويعلم أن الرعية والعامة تحت أمره إن شاء جمعهم وإن شاء فرقهم وهو الذي قام بنصره وساعده وأعانه وجمع الخاصة والعامة حتى ملكه الإقليم ويرى إن شاء فعل بنقيض ذلك فطفق يجمع إليه بعض أفراد من أصحابه المظهر ويختلي معه ويضحك إليه فيغتر بذلك ويرى أنه صار من المقربين وسيكون له شأن إن وافق ونصح فيفرغ له جراب حقده ويرشده بقدر اجتهاده لما فيه من المعاونة ثم في ليلتها حضر ديوان أفندي وعبد الله بكتاش الترجمان وحضر المهدي والدواخلي الجميع عند السيد عمر وطال بينهم الكلام والمعالجة في طلوعهم ومقابلتهم الباشا ورقرق لذلك كل من المهدي والدواخلي والسيد عمر مصمم على الامتناع ثم قالوا لابد من كون الشيخ الأمير معنا ولا نذهب بدونه فاعتذر الشيخ الأمير بأنه متوعك ثم قام المهدي والدواخلي وخرجا صحبة ديوان أفندي والترجمان وطلعوا إلى القلعة وتقابلوا مع الباشا ودار بينهم كلام وقال في كلامه أنا لا أرد شفاعتكم ولا أقطع رجاءكم والواجب عليكم إذا رأيتم مني انحرافًا أن تنصحوني وترشدوني ثم أخذ يلوم على السيد عمر في تخلفه وتعنته ويثني على البواقي وفي كل وقت يعاندني ويبطل في أحكامي ويخوفني بقيام الجمهور فقال الشيخ المهدي هو ليس إلا بنا وإذا خلا عنا فلا يسوى بشيء إن هو إلا صاحب حرفة أو جابي وقف يجمع الإيراد ويصرفه على المستحقين فعند ذلك تبين قصد الباشا لهم ووافق ذلك ما في نفوسهم من الحقد للسيد عمر والشيخ الدواخلي حضوره نيابة عن الشيخ الشرقاوي وعن نفسه ثم تناجوا معه حصة وقاموا منصرفين مذبذبين ومظهرين خلاف ما هو كامن في نفوسهم من الحقد وحظوظ النفس غير مفكرين في العواقب وحضروا عند السيد عمر وهو ممتلئ بالغيظ مما حصل من الشذوذ ونقض العهد فأخبروه بأن الباشا لم يحصل منه خلاف وقال أنا لا أرد شفاعتكم ولكن نفسي لا تقبل التحكم والواجب عليكم إذا رأيتموني فعلت شيئًا مخالفًا أن تصحوني وتشفعوا فأنا لا أردكم ولا أمتنع من قبول نصحكم وأما ما تفعلونه من التشنيع والاجتماع بالأزهر فهذا لا يناسب منكم وكأنكم تخوفوني بهذا الاجتماع وتهيج الشرور وقيام الرعية كما كنتم تفعلون في زمان المماليك فأنا لا أفزع من ذلك وإن حصل من الرعية أمر ما فليس عندي إلا السيف والانتقام فقلنا له هذا لا يكون ونحن لا نحب ثوران الفتن وإنما اجتماعنا لأجل قراءة البخاري وندعو الله برفع الكرب ثم قال أريد أن تخبروني عمن أنتبذ لهذا الأمر ومن ابتدأ بالخلف فغالطناه وأنه وعدنا بإبطال الدمغة وتضعيف الفائظ إلى الربع بعد النصف وأنكر الطلب بالأوسية والرزق من إقليم البحيرة ثم قاموا منصرفين وانفتح بينهم باب النفاق واستمر القال والقيل وكل حريص على حظ نفسه وزيادة شهرته وسمعته ومظهر خلاف ما في ضميره‏.‏

فيه حضر ديوان أفندي وعبد الله بكتاش الترجمان واجتمع المشايخ ببيت السيد عمر وتكلموا في شأن الطلوع إلى الباشا ومقابلته فحلف السيد عمر أنه لا يطلع إليه ولا يجتمع به ولا يرى له وجهًا إلا إذا أبطل هذه الأحدوثات وقال أن جميع الناس يتهموني معه ويزعمون أنه لا يتجارأ على شيء يفعله إلا باتفاقي معه ويكفي ما مضى ومهما تقادم يتزايد الظلم والجور وتكلم كلامًا كثيرًا فلما لم يجبهم إلى الذهاب وقالوا إذا يطلع المشايخ وأرسلوا الشيخ الأمير فاعتذر بأنه متوعك الجسم ولا يقدر على الحركة ولا الركوب ثم اتفقوا على طلوع الشيخ عبد الله الشرقاوي والمهدي والدواخلي والفيومي وذلك على خلاف غرض السيد عمر وقد ظن أنهم يمتنعون لامتناعه للعهد السابق والأيمان فلما طلعوا إلى الباشا وتكلموا معه وقد فهم كل منهم لغة الآخر الباطنية ثم ذاكروه في أمر المحدثات فأخبرهم أنه يرفع بدعة الدمغة وكذلك يرفع الطلب عن الأطيان الأوسية وتقرير ربع الفائظ وقاموا على ذلك ونزلوا إلى بيت السيد عمر وأخبروه بما حصل فقال وأعجبكم ذلك قالوا ثلاث قال‏:‏ إنه أرسل يخبرني بتقرير ربع المال الفائظ فلم أرض وأبيت إلا رفع ذلك بالكلية فإنه في العام السابق لما حصل إحداث الربع قلت له هذه تصير سنة متبعة فحلف أنها اثنين قوله قالوا‏:‏ قال إلخ‏.‏

وهكذا في جميع النسخ التي معنا ولعله قالوا لا أو نعم أو نحو ذلك كذا بهامش الأصل لا تكون بعد هذا العام ولعله قالوا أو نعم أو نحو ذلك كذا بهامش الأصل لا تكون بعد هذا العام وذلك لضرورة النفقة وإن طلبها في المستقبل يكون ملعونًا ومطرودًا من رحمة الله وعاهدني على ذلك وهذا في علمكم كما لا يخفاكم قالوا نعم وأما قوله أنه رفع الطلب عن الأوسية والرزق فلا أصل لذلك وها هي أوراق البحيرة وجهوا بها الطلب فقالوا إننا ذكرنا له ذلك فأنكر وكابرناه بأوراق الطلب فقال أن السبب في طلب ذلك من إقليم البحيرة خاصة وأن الكشافين لما نزلوا للكشف على أراضي الري والشراقي ليقرروا عليها فرضة الأطيان حصل منهم الخيانة والتدليس فإذا كان في أرض البلدة خمسمائة فدان ري قالوا عليها مائة وسموا الباقي رزقًا وأوسية فقررت ذلك عقوبة لهم في نظيرته لبسهم وخيانتهم فقال السيد عمر وهل ذلك أمر واجب فعله أليس هو مجرد جور وظلم أحدثه في العام الماضي وهي فرضة الأطيان التي ادعى لزومها لإتمام العلوفة وحلف أنه لا يعود لمثلها فقد عاد وزاد وأنتم توافقونه وتسايرونه ولا تصدونه ولا تصدعونه بكلمة وأنا الذي صرت وحدي مخالف وشاذًا ووجه عليهم اللوم في نقضهم العهد والأيمان وانفض المجلس وتفرقت الآراء وراج سوق النفاق وتحركت حفائظ الحقد والحسد وكثر سعيهم وتناجيهم بالليل والنهار والباشا يراسل السيد عمر ويطلبه للحضور إليه والاجتماع به ويعده بإنجاز ما يشير عليه به وأرسل إليه كتخدا ليترفق به وذكر له أن الباشا يرتب له كيسًا في كل يوم ويعطيه في هذا الحين ثلاثمائة كيس خلاف ذلك فلم يقبل ولم يزل الباشا متعلق الخاطر بسببه ويتجسس ويتفحص عن أحواله وعلى من يتردد عليه من كبار العسكر وربما أغرى بهب عض الكبار فراسلوه سرًا وأظهروا له كراهيتهم للباشا وأنه إن انتبذ لمفاقمته ساعدوه وقاموا بنصرته عليه فلم يخف على السيد عمر مكرم ولم يزل مصممًا وممتنعًا عن الاجتماع به والامتثال إليه ويسخط عليه والمترددون أيضًا ينقلون ويحرفون بحسب الأغراض والأهواء واتفق في أثناء ذلك أن الباشا أمر بكتابة عرضحال بسبب المطلوب وزير الدولة وهي الأربعة آلاف كيس ويذكر فيه أنها صرفت في المهمات منها ما صرف في سد ترعة الفرعونية ومبلغه ثمانمائة كيس وعلى تجاريد العساكر لمحاربة الأمراء المصرية حتى دخلوا في الطاعة كذلك مبلغًا عظيمًا وما صرف في عمارة القلعة والمجرأة التي تنقل المياه إليها مبلغًا أيضًا وكذلك في حفر الخلجان والترع ونقص المال الميري بسبب شراقي البلاد ونحو ذلك وأرسله إلى السيد عمر ليضع خطه وختمه عليه فامتنع وقال أما ما صرفه على سد الترعة فإن الذي جمعه وجباه من البلاد يزيد على ما صرفه أضعافًا كثيرة أما غير ذلك فكله كذب لا أصل له وإن وجد من يحاسبه على ما أخذ من القطر المصري من الفرض والمظالم لما وسعته الدفاتر فلما ردوا عليه وأخبروه بذلك الكلام حنق واغتاظ في نفسه وطلبه للاجتماع به فامتنع فلما أكثر من التراسل قال إن كان ولا بد فأجتمع معه في بيت السادات وأما طلوعي إليه فلا يكون فلما قيل له في ذلك ازداد ولما أصبح يوم الأربعاء سابع عشرينه ركب الباشا وحضر إلى بيت ولده إبراهيم بك الدفتردار وطلب القاضي والمشايخ المذكورين وأرسل السيد عمر رسولًا من طرفه ورسولًا من طرف القاضي للحضور ليتحاقق ويتشارع معه فرجعا وأخبرا بأنه شرب دواء ولا يمكنه الحضور في هذا اليوم وكان قد أحضر شيخ السادات الوفائية والشيخ الشرقاوي فعند ذلك أحضر الباشا خلعة وألبسها لشيخ السادات على نقابة الأشراف وأمر بكتابة فرمان بخروج السيد عمر ونفيه من مصر يوم تاريخه فتشفع المشايخ في إمهاله ثلاثة أيام حتى يقضي أشغاله فأجاب إلى ذلك ثم سألوه في أن يذهب إلى بلده أسيوط فقال لا يذهب إلى أسيوط ويذهب إما إلى سكندرية أو دمياط فلما ورد الخبر على السيد عمر بذلك قال أما منصب النقابة فإني راغب عنه وزاهد فيه وليس فيه إلا التعب وأما النفي فهو غاية مطلوبي وأرتاح من هذه الورطة ولكن أريد أن يكون في بلدة لم تكن تحت حكمه إذا لم يأذن لي في الذهاب إلى أسيوط فليأذن لي في الذهاب إلى الطور أو إلى ورثه فعرفوا الباشا فلم يرض إلا بذهابه إلى دمياط ثم أن السيد عمر أمر باشجاويش أن يأخذ الجاويشية ويذهب بهم إلى بيت السادات وأخذ في أسباب السفر‏.‏

وفي يوم الخميس ثامن عشرينه الموافق لخامس مسرى القبطي أوفى النيل المبارك ونوجي بالوفاء تلك الليلة وخرج الناس لأجل الفرجة والضيافات في الدور المطلة على الخليج فلما كان آخر النهار برزت الأوامر بتأخير الموسم لليلة السبت بالروضة فبرد طعام أهل الولائم والضيافات وتضاعفت كلفهم ومصاريفهم وحصلت الجمعية ليلة السبت بالروضة وعند قنظرة السد وعملوا الحراقات والشنك وحضر الباشا وأكابر دولته والقاضي وكسر السد بحضرتهم وجرى الماء في الخليج وانفض الجمع‏.‏

وفي ذلك اليوم اعتنى السيد محمد المحروقي بأمر السيد عمر وذهب إلى الباشا وكلمه وأخبره بأنه أقامه وكيلًا على أولاده وبيته وتعلقاته فأجازه بذلك وقال هو آمن من كل شيء وأنا لم أزل أراعي خاطره ولا أفوته ثم أرسل السيد المحروقي فحضر بن ابنه السيد عمر فقابل به الباشا وطمن خاطره ولكن قال لابد من سفره إلى دمياط وعندما طلب السيد المحروقي الغلام إلى الباشا أشيع في الناس وقوع الرضا وتناقل الناس ذلك وفرح أهل منزله وزغرطوا وسروا واستمروا على ذلك حتى رجع الغلام وبين أنه لا شيء فانقلب الفرح بالترح وتعين بالسفر صحبة السيد عمر كتخدا الأفي إلى دمياط‏.‏ واستهل

 

شهر رجب بيوم الأحد سنة 1224

فيه اجتمع المودعون للسيد عمر ثم حضر محم كتخدا المذكور فعند وصوله قام السيد عمر وركب في الحال وخرج صحبته وشيعه الكثير من المتعممين وغيرهم وهم يتباكون حوله حزنًا على فراقه وكذلك اغتم الناس على سفره وخروجه من مصر لأنه كان ركنًا ولجًا مقصدًا للناس ولتعصبه على نصرة الحق فسار إلى بولاق ونزل في المركب وسافر في ليلته بأتباعه وخدمه الذين يحتاج إليهم إلى دمياط‏.‏

وفي ذبح ذلك اليوم حضر الشيخ المهدي عند الباشا وطلب وظائف السيد عمر فأنعم عليه الباشا بنظر أوقاف الإمام الشافعي ونظر وقف سنان باشا ببولاق وحاسب على المنكسر له من الغلال مدة أربع سنوات فأمر يدفعها له من خزينته نقدًا وقدرها خمسة وعشرون كيسًا وذلك في نظير اجتهاده في خيانة السيد عمر حتى أوقعوا به ما ذكر‏.‏

وفيه تقيد الخواجا محمود حسن بزوجان باشا بعمارة القصر والمسجد الذي يعرف بالآثار النبوية فعمرها على وضعها القديم وقد كان آل إلى الخراب‏.‏

وفي يوم الثلاثاء خلع الباشا على ثلاثة من الأجناد المصرية المنسوبين لسليمان بك البواب وقلدهم صناجق وأمراء الوقت وضم إليهم عساكر أتراك وأرنؤد ليسافر الجميع إلى الجهة القبلية بسبب عصيان الأمراء المرادية وتوقفهم عن دفع المال والغلال وكذلك عين للسفر أيضًا أحمد آغا لاظ وصالح قوج وبونابارته وحسن باشا وعابدين بك فارتجت البلد وطلبوا المراكب فتعطل المسافرون إلى الجهة القبلية والبحرية وكذلك امتنع مجيء الواصلين بالغلال والبضائع خوفًا من التسخير وقد كان حصل بعض الاطمئنان وسلوك الطريق القبلية ووصول المراكب بالغلال والمجلوبات‏.‏

وفي عاشره سافر أحمد آغا لاظ وصالح قوج وخرجوا بعساكرهم ونزلوا في المراكب وذهبوا إلى قبلي‏.‏

وفيه حضر محمد كتخدا الألفي من دمياط راجعًا من تشييع السيد عمر ووصوله إلى دمياط واستقراره بها‏.‏

وفي يوم الخميس تاسع عشره سافر من كان متأخرًا إلى الجهة القبلية ولم يبق منهم أحد‏.‏

وفي ثالث عشرينه نادى منادي المعمار على أرباب الأشغال في العمائر من البنائين والحجارين والفعلة بأن لا يشتغلوا في عمارة أحد من الناس كائنًا من كان وأن يجتمع الجميع في عمارة الباشا بناحية الجبل‏.‏

وفي تاسع عشرينه وردت أخبار عن التجريدة أزعجت الباشا فاهتم اهتمامًا عظيمًا وقصد الذهاب بنفسه ونبه على جميع كبراء العساكر بالخروج وأن لا يتخلف منهم أحد حتى أولاده إبراهيم بك الدفتردار وطوسون بك وأنه هو المتقدم عنهم في الخروج في يوم الخميس واستعجل التشهيل والطلب وأمر بتحرير دفتر فرضة ترويجة على إقليم المنوفية والغربية والشرقية والقليوبية وذكروا أنها من أصل حساب الشهرية المبتدعة‏.‏

وفيه تقلد حسن آغا الشماشرجي كشوفية المنوفية وأرخى لحيته على ذلك‏.‏

استهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء سنة 1224 فيه نمق مشايخ الوقت عرضحال في حق السيد عمر بأمر الباشا ليرسله صحبة السلحدار وذكروا فيه سبب عزله ونفيه عن مصر وعدوا له مثالب ومعايب وجنحًا وذنوبًا منها أنه أدخل في دفتر الأشراف أسماء أشخاص ممن أسلم من القبط واليهود ومنها أنه أخذ من الألفي في السابق مبلغًا من المال ليملكه مصر في أيام فتنة أحمد باشا خورشيد ومنها أنه كاتب الأمراء المصريين أيضًا في وقت الفتنة حين كانوا بالقرب من مصر ليحضروا على حين غفلة في يوم قطع الخليج وحصل لهم ما حصل ونصر الله عليهم حضرة الباشا ومنها أنه أراد إيقاع الفتن في العساكر لينقض دولة الباشا ويولي خلافه ويجمع عليه طوائف المخاربة والصعائدة وأخلاط العوام وغير ذلك وذلك على حد من أعان ظالمًا سلط عليه وكتبوا عليه أسماء المشايخ وذهبوا به إليهم ليضعوا ختومهم عليه فامتنع البعض من ذلك وقال هذا كلام لا أصل له ووقع بينهم محاججات ولا الأعاظم الممتنعين على الامتناع وقالوا لهم أنتم لستم بأروع منا وأثبت لنفسه ورعًا وحصل بينهم منافسات ومخالفات ومقابحات ثم غيروا صورة العرضحال بأقل من التحامل الأول وكتب عليه بعض الممتنعين وكان من الممتنعين أولًا وآخرًا السيد عمر الطحطاوي الحنفي فزادوا في التحامل عليه وخصوصًا شيخ السادات والشيخ الأمير وخلافهما واتفق أنه دعي في وليمة عند الشيخ الشنواني بحارة خوشقدم وتأخر في حضوره عنهم فصادفهم حال دخوله إلى المجلس وهم خارجون فسلم عليهم ولم يصافحهم لما سبق منهم في حقه من الإيذاء فتطاول عليه ابن الشيخ الأمير ورفع صوته بتوبيخه وشتمه لكونه لم يقبل يد والده ويقول له في جملة كلامه أبيس هو إلا قليل الأدب والحياء ثالث طبقة للشيخ الوالد ونحو ذلك‏.‏

وفي ثالثه سافر الباشا إلى الجهة القبلية وتبعه العساكر‏.‏

وفي منتصفه خرجت الدلاة والأرنؤد وباقي الأجناد والعسكر وأقام الباشا كتخدا بك قائم مقامه وأقام بالقلعة‏.‏

وفيه اتفق الأشياخ والمتصدرون على عزل السيد أحمد الطحطاوي من إفتاء الحنفية وأحضروا الشيخ حسين المنصوري وركبوا صحبته وطلعوا به إلى القلعة بعد أن مهدوا القضية فألبس قائمقام الشيخ حسينًا فروة ثم نزلوا ثم طاف للسلام عليهم وخلعوا هم عليه أيضًا خلعهم فلما بلغ الخبر السيد احمد الطحطاوي طوى الخلع التي كانوا ألبسوها له عندما تقلد الإفتاء بعد موت الشيخ إبراهيم الحريري في جمادى الأولى بقرب عهد وأرسلها إليهم وكان الشيخ السادات ألبسه حين ذاك فروة فلما ردها عليه احتد واغتاظ وأخذ يسبه ويذكر لجلسائه جرمه ويقول انظروا إلى هذا الخبيث كأنه يجعلني مثل الكلب الذي يعود في قيئه ونحو ذلك‏.‏

وأما السيد أحمد فإنه اعتكف في داره لا يخرج منها إلا إلى الشيخونية بجواره واعتزلهم وترك الخلطة بهم وتباعد عنهم وهم يبالغون في ذمه والحط عليه لكونه لم يوافقهم في شهادة الزور والحامل لهم على ذلك كله الحظوظ النفسانية والحسد مع أن السيد عمر كان ظلًا ظليلًا عليهم وعلى أهل البلدة يدافع وبرافع عنهم وعن غيرهم ولم تقم بعد خروجه من مصر راية ولم يزالوا بعده في انحطاط وانخفاض‏.‏

وأما السيد عمر فإن الذي وقع له بعض ما يستحقه ومن أعان ظالمًا سلط عليه ولا يظلم ربك أحدًا‏.‏

وفي ثالث عشره سافر حسن باشا وعساكر الأرنؤد وتتابعوا في الخروج وتحدث الناس بروايات عن الباشا والأمراء المصريين وصلحه معهم وأن عثمان بك حسن ومحمد بك المنفوخ ومحمد بك الإبراهيمي وصلوا عند الباشا وقابلوه وأنه أرسل إلى إبراهيم بك الكبير ولده طوسون باشا فتلقاه وأكرمه وأرسل هو أيضًا ولده الصغير إلى الباشا فأكرمه ووصل إلى مصر بعض نساء حريمه وحريم الأمراء‏.‏

واستهل شهر رمضان بيوم الأربعاء سنة 1224 وفي أواخره وصل طائفة من الدلاتية من ناحية الشام ودخلوا إلى مصر وهم في حالة رثة كما حضر غيرهم وصحبتهم من المخنثين المعروفين بالخولات الذين يتكلمون بالكلام المؤنث ومعهم دفوف وطنابير‏.‏

وفي أواخره حرروا دفتر الأطيان على ضريبة واحدة عن كل فدان خمسة ريالات غير البراني والخدم ولم يحصل في ذلك مراجعة ولا كلام ولا مرافعة في شيء كما وقع في العام الماضي والذي قبله في المراجعة بحسب الري والشراقي وأما في هذه السنة فليس فيها شراقي فحسابها بالمساحة الكاملة لعموم الري فإن النيل في هذه السنة زاد زيادة مفرطة وعلا على الأعالي وتلف بزيادته المفرطة الدراوي والأقصاب بقبلي وكذلك غرق مزارع الأرز والسمسم والقطن وجنائن كثيرة بالبحر الشرقي بسبب انسداد الترعة الفرعونية بتلك الناحية ولما تمموا تحرير الدفاتر على النسق المطلوب والباشا بقبلي وأرسل بطلبها ليطلع عليها فسافر إليه بها المعلم غالي وأخذ صحبته أحمد أفندي اليتيم من طرف الروزنامه وعبد الله بكتاش الترجمان فذهبوا إليه بأسيوط وأطلعوه عليها فحتم عليها وانقضى شهر رمضان‏.‏

واستهل شهر شوال بيوم الخميس سنة 1224 في ثالث عشره حضر المعلم غالي وأحمد أفندي وبكتاش وغيرهم من غيبتهم وحضر أيضًا في أثرهم المعلم جرجس الجوهري وقد تقدم أنه خرج من مصر هاربًا إلى الجهة القبلية واختفى مدة ثم حضر بأمان إلى الباشا وقابله وأكرمه ولما حضر نزل في بيته الذي بحارة الونديك وفرشه له المعلم غالي وقام له بجميع لوازمه وذهب الناس مسلمهم ونصرانيهم وعالمهم وجاهلهم للسلام عليه‏.‏

وفي يوم الثلاثاء عشرينه وصل الباشا على حين غفلة إلى مصر في تطريده وقد وصل من أسيوط إلى ناحية مصر القديمة في ثلاثين ساعة وصحبته ابنه طوسون وبونابارته الخازندار وسليمان آغا الوكيل سابقًا لا غير فركبوا حميرًا متنكرين حتى وصلوا إلى القلعة من ناحية الجبل وطلع من باب الجبل وعند طلوعه من السفينة أمر ملاحيها أن لا يذكروا لأحد وصوله حتى يسمعوا ضرب المدافع من القلعة ثم طلع إلى سرايته ودخل إلى الحريم فلم يشعروا به إلا وهو بالحريم وعند ذلك أمر بضرب المدافع وأشيع حضوره فركب كتخدا بك وغيره مسرعين لملاقاته ثم بلغهم طلوعه إلى القلعة فرجعوا على أثره وكان الخواجا محمود حسن البزرجان خرج لملاقاته قبل وصوله بثلاثة أيام إلى ناحية الآثار وأخرج معه مطابخ وأغنامًا واستعد لقدومه استعدادًا زائدًا وذهب تعبه في الفارغ البطال ثم بعد وصول الباشا بثلاثة أيام وصلت طوائف العسكر وعظمائهم ومعهم المنهوبات من الغلال والأغنام والفحم والحطب والقلل وأنواع التمر وغير ذلك حتى أخشاب الدور وأبوابها‏.‏

وفي يوم الاثنين وصل حسن باشا وطوائف الأرنؤد وصالح قوج والدلاة والترك ووصل أيضًا شاهين بك الألفي وصحبته محمد بك المنفوخ المرادي ومحمد بك الإبراهيمي وهم الذين حضروا في هذه المرة من المخالفين وقيل أن البواقي أخذوا مهلة لبعد التحضير وأما إبراهيم بك تابع الأشقر ومحمد آغا تابع مراد بك الصغير وصحبتهما عساكر فذهبا إلى ناحية السويس بسبب وصول طائفة من العربان قالوا أنها من التابعة للوهابيين حضروا وأقاموا عند بئر الماء ومنعوا السقيا منها‏.‏

فيه حضر إبراهيم بك ابن الباشا وباقي العسكر وسكنوا الدور وأزعجوا الناس أخرجوهم من مساكنهم ومنازلهم ببولاق ومصر وغيرهما واتفق أن بعض ذوي المكر من العسكر عندما أراد السفر إلى جهة قبلي أرسل لصاحب الدار التي هو غاصبها وساكن فيها فأحضره وسلمه المفتاح وهو يقول له تسلم يا أخي دارك واسكنها بارك الله فيها وسامحني وأبرئ ذمتي فربما أموت ولا أرجع ولأن الكثير منهم تولى المناصب والأمريات بالجهة القبلية وعندما يتسلم صاحب الدار داره يفرح بخلاصها ويشرع في عمارتها وإعادة ما تهدم منها فيكلف نفسه ولو بالدين ويعمرها فما هو إلا أن تمم العمارة والمرمة في مدة غيبتهم فما يشعر إلا وصاحبه داخل عليه بحصانه وجمله وخدمه فما يسع الشخص إلا الرحلة ويتركها لغريمه وقد وقع ذلك لكثير من الناس المغفلين‏.‏

وفيه وصلت أخبار بأن عمارة الفرنساوية نزلت إلى البحر وعدة مراكبهم مائتان وسبعة عشر مركبًا محاربين لا يعلم قصدهم أي جهة من الجهات وحضر ثلاثة أشخاص من الططر المعدين لتوصيل الأخبار وبيدهم مرسوم مضمونه الأمر بالتحفظ على الثغور فعند ذلك أمر الباشا بالاستعداد وخروج العساكر إلى الثغور‏.‏

وفي يوم السبت ثامنه سافر جملة من العسكر إلى ناحية بحري فسافر كبير منهم ومعه جملة من وفي ليلة الاثنين ثامن عشره ركب الباشا ليلًا وخرج مسافرًا إلى السويس ليكشف قلاع القلزم وقام له بالاحتياجات من أحمال الماء والعليق والزوادة واللوازم السيد محمد المحروقي وكان خروجه ومن معه على الهجن‏.‏

وفي ليلة الأحد رابع عشرينه حضر الباشا من السويس وكان وصوله ليلًا وطلع إلى القلعة‏.‏ واستهل