فصل: 1683- باب ما جَاءَ في تَعْلِيمِ السّرْيَانِيّة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


1683- باب ما جَاءَ في تَعْلِيمِ السّرْيَانِيّة

بضم السين وسكون الراء وهي لغة الإنجيل والعبرانية لغة التوراة

2787- حَدّثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الرحمنِ بنُ أَبي الزّنَادِ عن أَبِيهِ، عن خَارِجَةَ بنِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، عن أَبِيِه زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ قالَ‏:‏ أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَعَلّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ وَقالَ إِنّي وَالله مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي، قالَ فَمَا مَرّ بي نِصْفُ شَهْرٍ حَتّى تَعَلّمْتُهُ لَهُ، قالَ فَلّمَا تَعَلّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ الَيْهِمْ، وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وَقَد رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عن زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَقَدْ رَوَاهُ الأَعْمَشُ عن ثَابِتِ بنِ عُبَيْدٍ الأنصاريّ عن زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ قال‏:‏ ‏"‏أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَعَلّمَ السّرْيَانِيّةَ‏"‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه زيد بن ثابت‏)‏ بن الضحاك بن لوذان الأنصاري التجاري كنيته أبو سعيد ويقال أبو خارجة صحابي مشهور كتب الوحي قال مسروق كان من الراسخين في العلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم في تعليل الأمر على وجه الاستئناف المبين ‏(‏إني والله ما آمن‏)‏ بمد همز وفتح ميم مضارع متكلم من أمن الثلاثي ضد خاف ‏(‏يهود‏)‏ أي في الزيادة والنقصان ‏(‏على كتابي‏)‏ أي لا في قراءته ولا في كتابته‏.‏ قال المظهر أي أخاف إن أمرت يهودياً بأن يكتب مني كتاباً إلى اليهود أن يزيد فيه أو ينقص‏.‏ وأخاف إن جاء كتاب من اليهود فيقرأه يهودي فيزيد وينقص فيه ‏(‏قال‏)‏ أي زيد ‏(‏فما مر بي‏)‏ أي ما مضى علي من الزمان ‏(‏حتى تعلمته‏)‏ قال الطيبي مغياه مقدر، أي ما مر بي نصف شهر في التعلم حتى كمل تعلمي، قال القاري‏:‏ قيل فيه دليل على جواز تعلم ما هو حرام في شرعنا للتوقي والحذر عن الوقوع في الشر‏.‏ كذا ذكره الطيبي في ذيل كلام المظهر وهو غير ظاهر، إذ لا يعرف في الشرع تحريم تعلم لغة من اللغات سريانية أو عبرانية أو هندية أو تركية أو فارسية، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن آيانه خلق السنوات والأرض واختلاف ألسنتكم‏}‏ أي لغاتكم بل هو من جملة المباحات، نعم يعد من اللغو ومما لا يعني وهو مذموم عند أرباب الكمال إلا إذا ترتب عليه فائدة فحينئذ يستحب كما يستفاد من الحديث انتهى ‏(‏كان‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏إذا كتب إلى يهود‏)‏ أي أراد أن يكتب إليهم أو إذا أمر بالكتابة إليهم ‏(‏كتبت إليهم‏)‏ أي بلسانهم ‏(‏قرأت له‏)‏ أي لأجله ‏(‏كتابهم‏)‏ أي مكتوبهم إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وذكره البخاري في صحيحه معلقاً قال الحافظ في الفتح هذا التعليق من الأحاديث التي لم يخرجها البخاري إلا معلقة وقد وصله مطولاً في كتاب التاريخ‏.‏ قال وأخرجه أبو داود والترمذي من رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد، وقال الترمذي حسن صحيح انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد رواه الأعمش عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت يقول أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم السريانية‏)‏ قال الحافظ بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه‏:‏ هذه الطريق وقعت لي بعلو في فوائد هلال الحفار‏.‏ قال وأخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما وأبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف انتهى كلام الحافظ محتصراً‏.‏

فائدة‏:‏

وقع في رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجه لفظ‏:‏ أن أتعلم له كلمات من كتاب يهود‏.‏ ووقع في رواية الأعمش عن ثابت بن عبيد أن أتعلم السريانية، قال الحافظ قصة ثابت يمكن أن تتخذ مع قصة خارجة بأن من لازم تعلم كتابة اليهودية تعلم لسانهم ولسانهم السريانية، لكن المعروف أن لسانهم العبرانية فيحتمل أن زيداً تعلم اللسانين لاحتياجه إلى ذلك‏.‏

1684- باب في مُكَاتبَةِ المشْرِكِن

2788- حَدّثنا يُوسُفُ بنُ حَمّادٍ البَصْرِيّ، حدثنا عَبْدُ الله الأَعْلَى عن سَعِيدٍ، عن قَتَادَةَ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَتَبَ قَبْلَ مَوْتِهِ إِلَى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ، وَإِلَي بالنّجَاشِيّ وَإِلَى كُلّ جَبّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى الله، وَلَيْسَ النّجَاشِيّ الّذِي صَلّى عَلَيْهِ النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يوسف بن حماد البصري‏)‏ المعنى ثقة من العاشرة ‏(‏أخبرنا عبد الأعلى‏)‏ ابن عبد الأعلى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كتب قبل موته إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي‏)‏ بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين معجمة ثم ياء ثقيلة كياء النسب وقبل بالتخفيف ورجحه الصغاني وحكى المطرزي تشديد الجيم عن بعضهم وخطأه، قال النووي أما كسرى فبفتح الكاف وكسرها وهو لقب لكل من ملك من ملوك الفرس، وقيصر لقب من ملك الروم، والنجاشي لقب من ملك الحبشة، وخاقان لكل من ملك الترك، وفرعون لكل من ملك القبط، والعزيز لكل من ملك مصر، وتبع لكل من ملك حمير ‏(‏وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله‏)‏ روى الطبراني من حديث المسور بن مخرمة قال‏:‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال إن الله بعثني للناس كافة فأدوا عني ولا تختلفوا علي فبعث عبد الله بن حذافة إلى كسرى، وسليط بن عمرو إلى هوذة بن علي باليمامة، والعلاء بن الحضري إلى المنذر بن ساوي يهجر وعمرو بن العاص إلى جيفر وعباء ابني الجلندي بعمان، ودحية إلى قيصر، وشجاع بن وهب إلى ابن أبي شمر للغساني، وعمرو بن أمية إلى النجاشي، فرجعوا جميعاً قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم غير عمرو بن العاص‏.‏ وزاد أصحاب السير أنه بعث المهاجر بن أبي أمية بن الحارث بن عبد كلال وجرير إلى ذي الكلاع، والسائب إلى مسيلمة، وحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ذكره الحافظ في الفتح ‏(‏وليس بالنجاشي الذي صلى عليه‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم فيه أن النجاشي الذي بعث إليه غير النجاشي الذي أسلم وصلى عليه واسمه أصحمة بوزن أفعلة مفتوح العين‏:‏ قال النووي في هذا الحديث جوار مكاتبة الكفار ودعائهم إلى الإسلام والعمل بالكتاب وبخبر الواحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

1685- باب ما جَاءَ كَيْفَ يُكْتَبُ إِلَى أَهْلِ الشرْك

2789- حَدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أنبأنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أنبأنا يُونُسُ عن الزّهْرِيّ، قالَ أخبرني عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ أَنّهُ، اخبَره أَنّ أَبَا سُفْيَانَ بنَ حَرْبٍ، اخبره أَنّ هِرَقلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ في نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وكَانُوا تُجّاراً بالشّامِ فَأَتوهُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قالَ‏:‏ ثُمَ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ ‏"‏بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ عَبْدِ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقلَ عَظِيمِ الرّومِ السّلاَمُ عَلَى مَنْ اتّبَعَ الْهُدَى، أَمّا بَعْدُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن صحيح‏.‏ وَأَبُو سُفْيَانَ اسْمُهُ صَخْرُ بنُ حَرْبٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة‏)‏ بن مسعود الهذلي أبو عبد الله المدني ثقة فقيه ثبت من الثالثة ‏(‏أن أبا سفيان بن حرب‏)‏ اسمه صخر بن حرب ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي صحابي شهر أسلم عام الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن هرقل‏)‏ بكسر الهاء وفتح الراء وإسكان القاف هذا هو المشهور، ويقال هرقل بكسر الهاء وإسكان الراء وكسر القاف حكاه الجوهري في صحاحه وهو اسم علم له ولقبه قيصر وكذا كل من ملك الروم يقال له قيصر ‏(‏أرسل إليه‏)‏ أي إلى أبي سفيان ‏(‏في نفر من قريش‏)‏ وفي رواية للبخاري في ركب من قريش‏.‏ قال الحافظ جمع راكب كصحب وصاحب وهم أولو الإبل العشرة فما فوقها‏.‏ والمعنى أرسل إلى أبي سفيان حال كونه في جملة الركب وذاك لأنه كان كبيرهم فلهذا خصه وكان عدد الركب ثلاثين رجلاً‏.‏ رواه الحاكم في الإكليل انتهى ‏(‏وكانوا تجاراً‏)‏ بضم التاء وتشديد الجيم أو كسرها والتخفيف جمع تاجر ‏(‏فذكر الحديث‏)‏ ورواه الشيخان بطوله ‏(‏ثم دعا‏)‏ أي من وكل ذلك إليه ولهذا عدى إلى الكتاب بالباء والله أعلم ‏(‏بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرئ‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به مع دحية الكلبي إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل فقرأه ‏(‏فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم السلام على من اتبع الهدى أما بعد‏)‏ وتمامه فإني ادعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم البريسيين ‏{‏يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله‏.‏ فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون‏}‏ كذا في رواية الشيخين‏.‏ قال النووي‏:‏ في هذا الكتاب جعل من القواعد وأنواع من الفوائد منها استحباب الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافراً، ومنها أن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الاَخر‏:‏ كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجزم‏.‏ المراد بالحمد لله ذكر الله تعالى‏.‏ وقد جاء في رواية بذكر الله تعالى وهذا الكتاب كان ذا بال من المهمات العظام وبدأ فيه بالبسملة دون الحمد، ومنها أن السنة في المكاتبة والرسائل بين الناس أن يبدأ الكاتب بنفسه فيقول من زيد إلى عمرو وهذه مسألة مختلف فيها‏.‏ قال الامام أبو جعفر في كتابه صناعة الكتاب قال أكثر العلماء يستحب أن يبدأ بنفسه كما ذكرنا‏.‏ ثم روى فيه أحاديث كثيرة وآثاراً قال وهذا هو الصحيح عند أكثر العلماء لأنه إجماع الصحابة، قال وسواء في هذا تصدير الكتاب والعنوان قال ورخص جماعة في أن يبدأ بالمكتوب إليه فيقول في التصدير والعنوان إلى فلان من فلان، ثم روى بإسناده أن زيد بن ثابت كتب إلى معاوية فبدأ باسم معاوية، وعن محمد بن الحنفية وبكر بن عبد الله وأيوب السختياتي أنه لا بأس بذلك، قال وأما العنوان فالصواب أن يكتب عليه إلى فلان ولا يكتب لفلان لأنه إليه لا له إلا على مجاز، قال هذا هو الصواب الذي عليه أكثر العلماء من الصحابة والتابعين، ومنها التوقي في المكاتبة واستعمال الورع فيها فلا يفرط ولا يفرط، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم فلم يقل ملك الروم لأنه لا ملك له ولا لغيره إلا بحكم دين الإسلام ولا سلطان لأحد إلا من ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ولاه من أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرطه، وإنما ينفذ من تصرفات الكفار ما ينفذه للضرورة، ولم يقل إلى هرقل فقط بل أتى بنوع من الملاطفة فقال عظيم الروم أي الذي يعظمونه ويقدمونه، وقد أمر الله تعالى بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام فقال تعالى ‏{‏ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة‏}‏ وقال تعالى ‏{‏فقولا له قولا ليناً لعله يتذكر أو يخشى‏}‏ وغير ذلك، ومنها استحباب البلاغة والإيجاز وتحري الألفاظ الجزلة في المكاتبة فإن قوله صلى الله عليه وسلم أسلم تسلم في نهاية من الاختصار وغاية من الإيجاز والبلاغة وجمع المعاني، مع ما فيه من بديع التجنيس وشموله لسلامته من خزي الدنيا بالحرب والسبي والقتل وأخذ الديار والأموال ومن عذاب الاَخرة، ومنها‏:‏ استحباب أما بعد في الخطب والمكاتبات، وقد ترجم البخاري لهذه باباً في كتاب الجمعة ذكر فيه أحاديث كثيرة انتهى كلام النووي‏.‏ وفيه أن السنة إذا كتب كتاباً إلى الكفار أن يكتب السلام على من اتبع الهدى أو السلام على من تمسك بالحق أو نحو ذلك‏.‏ قال ابن بطال‏:‏ في الحديث حجة لمن أجاز مكاتبة أهل الكتاب بالسلام عند الحاجة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ في جواز السلام على الإطلاق نظر، والذي يدل عليه الحديث السلام المقيد مثل ما في الخبر السلام على من اتبع الهدى أو السلام على من تمسك بالحق، أو نحو ذلك انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري محتصراً ومطولاً، وأخرجه مسلم مطولاً‏.‏

1686- باب ما جَاءَ في خَتْمِ الكِتاب

2790- حَدّثنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حدثني أَبي عن قَتَادَةَ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ‏:‏ ‏"‏لَمّا أَرَادَ نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الْعَجَمِ، قِيلَ لَهُ إِنّ العَجَمَ لاَ يَقْبَلُونَ إِلاّ كِتَاباً عَلَيْهِ خَاتَمٌ فَاصْطَنَعَ خَاتِماً‏.‏ قالَ فَكَأَنّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ في كَفّهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديث حسن صحيح‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إلى العجم‏)‏ وفي رواية للبخاري إلى رهط أو أناس من الأعاجم، وفي رواية لمسلم إلى كسرى وقيصر والنجاشي ‏(‏إلا كتاباً عليه خاتم‏)‏ فيه حذف مضاف، أي عليه نقش خاتم ‏(‏فاصطنع خاتماً‏)‏ أي أمر أن يصنع له، وفي رواية للبخاري‏:‏ فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من فضة نقشه محمد رسول الله، قال الحافظ جزم أبو الفتح اليعمري أن اتخاذ الخاتم كان في السنة السابعة وجزم غيره بأنه كان في السادسة ويجمع بأنه كان في أواخر السادسة وأوائل السابعة لأنه إنما اتخذه عند إرادته مكاتبة الملوك وكان في أواخر السادسة وأوائل السابعة لأنه إنما اتخذه عند إرادته مكاتبة الملوك وكان إرساله إلى الملوك في مدة الهدنة وكان في ذي القعدة سنة ست ورجع إلى المدينة في ذي الحجة، ووجه الرسل في المحرم من السابعة وكان اتخاذه الخاتم قبل إرساله الرسل إلى الملوك انتهى ‏(‏فكأني أنظر إلى بياضه في كفه‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ فكأني بوبيص أو بصيص الخاتم في أصبع النبي صلى الله عليه وسلم أو في كفه، وفي أخرى له‏:‏ فإني لأرى بريقه في خنصره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1687- باب كَيْفَ السلاَم

2791- حَدّثنا سُوَيْدٌ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا سُلَيْمَانُ بنُ المُغيرَةِ أخبرنا ثَابِتٌ البُنَانِيّ أخبرنا ابنُ أَبي لَيْلَى عن المِقْدَادِ بنِ الأَسْوَدِ قالَ‏:‏ ‏"‏أَقْبَلْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي قَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأَبْصَارُنَا مِنَ الْجُهْدِ، فَجَعَلْنَا نَعْرِضُ عَلَى أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُنَا، فَأَتَيْنَا النبيّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى بِنَا أَهْلَهُ فَإِذَا ثَلاَثَةُ أَعْنُزٍ فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم احتَلِبُوا هَذَا الّلبَنَ، وَكُنّا نَحْتَلِبُهُ فَيَشْرَبُ كُلّ إِنْسَانٍ نَصِيْبَهُ وَنَرْفَعُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم نَصِيْبَهُ، فَيَجِيءُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الّليْلِ فَيُسَلّمُ تَسْلِيماً لاَ يُوقِظُ النّائم، وَيُسْمِعُ اليَقْظَانَ ثُمّ يَأْتِي المَسْجِدَ فَيُصَلّي، ثُمّ يَأْتِي شَرَابَهُ فَيَشْرَبُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا سليمان بن المغيرة‏)‏ القيسي مولاهم البصري أبو سعيد ثقة قال يحيى بن معين من السابعة أخرج له البخاري مقروناً وتعليقاً ‏(‏أخبرنا ابن أبي ليلى‏)‏ هو عبد الرحمن بن أبي ليلى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد‏)‏ بفتح الجيم وهو المشقة والجوع ‏(‏فليس أحد يقبلنا‏)‏ هذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلين ليس عندهم شيء يواسون ‏(‏فإذا ثلاثة أعتز‏)‏ كذا في النسخ الموجودة بالتاء، وكذلك في صحيح مسلم‏.‏ والظاهر أن يكون ثلاث أغتز بغير التاء قال في القاموس العنز الأنثى من المعز والجمع أعنز وعنوز وعناز ‏(‏احتلبوا هذا اللبن‏)‏ زاد مسلم بيننا ‏(‏فيشرب كل إنسان‏)‏ أي منا كما في رواية مسلم ‏(‏وترفع‏)‏ بالنون وفي بعض النسنخ بالياء‏.‏ في صحيح مسلم بالنون ‏(‏فيسلم تسليماً لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان‏)‏ قال النووي‏:‏ فيه أدب السلام على الأيقاظ في موضع فيه نيام أو من في معناهم وأن يكون سلاماً متوسطاً بين الرفع والمخافتة بحيث يسمع الأيقاظ ولا يهوش على غيرهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم مطولاً في باب إكرام الضيف وفضل إيثاره‏.‏

1688- باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ التّسْلِيمِ عَلَى مَنْ يَبُول

2792- حَدّثنا محمد بن بشار وَنَصْرُ بنُ عَلِي قالاَ‏:‏ حدثنا أَبُو أَحْمَدَ الزّبيْرِيّ عن سُفْيَانَ عن الضّحّاكِ بنِ عُثْمَانَ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَر ‏"‏أَنّ رَجُلاً سَلّمَ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبُولُ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ النبيّ صلى الله عليه وسلم يعني السّلاَمَ‏"‏‏.‏

2793- حدّثنا مُحمّدُ بنُ يَحْيَى النّيْسَابُورِيّ، أَخبَرَنَاْ مُحمّدُ بنُ يُوسُفَ عن سُفْيَانَ، عن الضّحّاكِ بنِ عُثْمَانَ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ‏.‏ وفي البابِ عن عَلْقَمَةَ بنِ الفَغْوَاءِ وَجَابِرٍ وَالبَرَاءِ وَالمُهَاجِرِ بن قُنْفُدٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول الخ‏)‏ قد تقدم هذا الحديث بسنده ومتنه في باب كراهة رد السلام غير متوضيء وتقدم هناك شرحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علقمة بن الفغواء الخ‏)‏ وقد تقدم تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة في الباب المذكور‏.‏

إعلم أنه قد وقع في النسخة الأحمدية في الباب المذكرو علقمة بن الشفواء بالشين والفاء وهو غلط والصحيح علقمة بن الغفواء بفاء مفتوحة وغين معجمة ساكنة‏.‏ كما وقع في هذا الباب وكذلك وقع بالفاء والغين المعجمة في مجمع الزوائد في باب قراءة الجنب وكذلك وقع في رواية الدارقطني والطحاوي من طريق عبد الله بن محمد بن حزم عن عبد الله بن علقمة بن الفغواء عن أبيه، وقال ابن حبان علقمة بن الفغراء بفاء مفتوحة ومعجمة ساكنة له صحبة، وكذا ضبطه صاحب مجمع البحار في المغني بفاء مفتوحة وسكون غين معجمة‏.‏

1689- باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يَقُول عَلَيكَ السّلاَمُ مُبْتدِئا

2794- حَدّثنا سُوَيْدٌ، أخبرنا عَبْدُ الله، أخبرنا خَالِدٌ الْحَذّاءُ عن أَبي تَمِيمَةَ الهُجَيْمِيّ عن رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ‏:‏ ‏"‏طَلَبْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ فَجَلَسْتُ فَإِذَا نَفَرٌ هُوَ فِيهِمْ، وَلاَ أَعْرِفُهُ وَهُوَ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فَلَمّا فَرَغَ قَامَ مَعَهُ بَعْضُهُمْ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ الله فَلَمّا رَأَيتُ ذَلِكَ، قُلْتُ عَلَيْكَ السّلاَمُ يَا رَسُولَ الله، عَلَيْكَ السّلاَمُ يَا رَسُولَ اللّهِ، عَلَيْكَ السّلاَمُ يَا رَسُولَ اللّهِ، قالَ‏:‏ إِنّ عَلَيْكَ السّلاَمُ تَحِيَةُ المَيّتِ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيّ فَقَالَ‏:‏ إِذَا لَقِيَ الرّجُلُ أَخَاهُ المُسْلِمَ فَلْيَقُلْ السّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَ رَدّ عَلَيّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله، وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله وعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو غِفَارٍ عن أَبي تَمِيمَةَ الهُجَيْمِيّ عن أَبي جُرَىّ جَابِرِ بنِ سُلَيْمٍ الْهُجَيْمِيّ قالَ‏:‏ أَتَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَأَبُو تَمِيمَةَ اسْمُهُ طَرِيفُ بنُ مُجَالدٍ‏.‏

2795- حدّثنا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بنُ عَلِىٍ الخلال حدثنا أَبُو أُسَامَةَ عن أَبي غِفَارٍ المُثَنّى بنِ سَعِيدٍ الطّائِيّ عن أَبي تَمِيمَةَ الهُجَيْمِيّ عن جَابِرِ بنِ سُلَيْم قالَ‏:‏ ‏"‏أَتَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ عَلَيْكَ السّلاَمُ فقالَ‏:‏ لا تَقُلْ عَلَيْكَ السّلاَمُ، وَلَكِنْ قُلْ السّلاَمُ عَلَيْكُمْ‏"‏ وَذَكَرَ قِصّةً طَوِيلَةً‏.‏

وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2796- حدّثنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ أخبرنا عَبْدُ الصّمَدِ بنُ عَبْدِ الْوَارِثِ أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُثَنّى، أخبرنا ثُمَامَةُ بنُ عَبْدِ الله بن أنس بن مالكٍ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَلّمَ ثَلاَثاً، وَإِذَا تَكَلّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثاً‏"‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي تميمة‏)‏ بفتح أوله اسمه طريف ابن مجالد ‏(‏الهجيمي‏)‏ بالجيم مصغراً البصري ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا أعرفه‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏قال إن عليك السلام تحية الميت‏)‏ قال الخطابي هذا يوهم أن السنة في تحية الميت أن يقال له عليك السلام كما يفعله كثير من العامة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل المقبرة فقال‏:‏ السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين فقدم الدعاء على اسم المدعو له هو في تحية الأحياء وإنما كان ذلك القول منه إشارة إلى ما جرت به العادة منهم في تحية الأموات إذ كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء وهو مذكور في أشعارهم كقول الشاعر‏:‏

عليك سلام الله قيس بن عاصم *** ورحمته إن شاء أن يترحما

وكقول الشماخ‏:‏

عليك السلام من أمير وباركت *** يد الله ذلك الأديم الممزق

والسنة لا تختلف في تحية الأحياء والأموات بدليل حديث أبي هريرة الذي ذكرناه والله أعلم انتهى‏.‏ وقال الحافظ ابن القيم في كتابه زاد المعاد‏:‏ وكان هديه في ابتداء السلام أن يقول السلام عليكم ورحمة الله، وكان يكره أن يقول المبتدئ عليك السلام، قال أبو جري الهجيمي‏:‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت عليك السلام يا رسول الله، فقال‏:‏ لا تقل عليك السلام لأن عليك السلام تحية الموتى حديث صحيح وقد أشكل هذا الحديث على طائفة وظنوه معارضاً لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في السلام على الأموات بلفظ السلام عليكم بتقديم السلام فظنوا أن قوله فإن عليك السلام فحية الموتى إخبار عن المشروع وغلطوا في ذلك غلطاً أوجب لهم ظن التعارض، وإنما معنى قوله فإن عليك السلام تحية الموتى إخبار عن الواقع لا المشروع، أي أن الشعراء وغيرهم يحيون الموتى بهذه اللفظة كقول قائلهم‏:‏

عليك سلام الله قيس بن عاصم *** ورحمته ما شاء أن يترحما

فما كان قيس هلكه هلك واحد *** ولكنه بنيان قوم تهدما

فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحيا بتحية الأموات، ومن كراهته لذلك لم يرد على المسلم، وكان يرد على المسلم وعليك السلام بالواو، وبتقديم عليك على لفظ السلام انتهى‏.‏

قلت‏:‏ في قوله ومن كراهته لذلك لم يرد على المسلم نظر فإنه قد وقع في رواية الترمذي هذه، ثم رد على النبي صلى الله عليه وسلم قال وعليك ورحمة الله‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي غفار المثنى بن سعيد الطائي‏)‏ قال في التقريب المثنى بن سعد أو سعيد الطائي أبو غفار بكسر المعجمة وتخفيف الفاء آخره راء وقيل بفتح المهملة والتشديد آخره نون بصرى ليس به بأس من السادسة ‏(‏عن جابر بن سليم‏)‏ كنيته أبو جرى بضم الجيم وفتح الراء مصغراً، قال الحافظ في التقريب أبو جرى بالتصغير الهجيمي بالتصغير أيضاً اسمه جابر ابن سليم وقيل سليم بن جابر صحابي معروف انتهى‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب‏.‏ قال البخاري جابر بن سليم أصح وكذا ذكره البغوي والترمذي وابن حبان وغيرهم انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وذكر قصة طويلة‏)‏ كذا رواه الترمذي مختصراً ورواه أبو داود مطولا بالقصة الطويلة في باب إسبال الإزار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم سلم ثلاثاً‏)‏ قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد‏:‏ كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يسلم ثلاثاً كما في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تفهم عنه وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم ثلاثاً حتى يفهم، ولعل هذا كان هديه في السلام على الجمع الكثير الذين لا يبلغهم سلام واحد أو هديه في إسماع السلام الثاني والثالث إن ظن أن الأول لم يحصل به الإسماع كما سلم لما انتهى إلى منزل سعد بن عبادة ثلاثاً فلما لم يجبه أحد رجع وإلا فلو كان هديه الدائم التسليم ثلاثاً لكان أصحابه يسلمون عليه كذلك، وكان يسلم على كل من لقيه ثلاثاً وإذا دخل بيته ثلاثاً، ومن تأمل هديه علم أن الأمر ليس كذلك وأن تكرار السلام منه كان أمرأ عارضاً في بعض الأحيان انتهى‏.‏ ‏(‏وإذا تكلم بكلمة‏)‏ أي جملة مفيدة ‏(‏أعادها ثلاثاً‏)‏ زاد البخاري في رواية حتى تفهم عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبخارى‏.‏

1690- باب

2797- حَدّثنا الأَنْصَارِيّ، أَخْبَرنَا مَعْنٌ، حدثنَا مَالِكٌ عن إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أَبي طَلْحَةَ عن أَبي مُرَةَ مولى عقيل بن أبي طالب عن أَبي وَاقِدٍ الّليْثِيّ‏:‏ ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ في المَسْجِدِ، وَالنّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ ثَلاَثُة نَفَرٍ‏.‏ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ وَذَهَبَ وَاحِدٌ، فَلَمّا وَقَفَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم سَلّمَا، فَأَمّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً في الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمّا الاَخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمّا الاَخَرُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبَاً، فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عن النّفَرِ الثّلاَثَةِ‏؟‏ أَمّا أَحَدُهم فَأَوَى إِلى الله فَآوَاهُ الله، وَأَمّا الاَخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحيَا الله مِنْهُ، وَأَمّا الاَخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ الله عَنهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَأَبُو وَاقِدٍ اللْيثيّ اسْمُهُ الْحَارِثُ بنُ عَوْفٍ وَأَبُو مُرّةَ مَوْلَى أُمّ هَانِيء بِنْتِ أَبي طَالِبٍ، وَاسْمُهُ يَزِيدُ وَيُقَالُ مَوْلَى عَقِيلِ بنِ أَبي طَالِبٍ‏.‏

2798- حدّثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا شَرِيكٌ عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏كُنّا إِذَا أَتَيْنَا النبيّ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْثُ يَنْتَهِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَاهُ زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ عن سِمَاكٍ أَيضاً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الأنصاري‏)‏ هو إسحاق بن موسى الأنصاري ‏(‏عن أبي مرة‏)‏ اسمه يزيد مولى عقيل بن أبي طالب ويقال مولى أخته أم هاني مدني مشهور بكنيته ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذ أقبل ثلاثة نفر‏)‏ النفر بالتحريك للرجال من ثلاثة إلى عشرة والمعنى ثلاثة هم نفر والنفر اسم جمع ولهذا وقع مميزاً للجمع كقوله تعالى‏:‏ ‏"‏وتسعة رهط‏"‏ ‏(‏فأقبل اثنان‏)‏ بعد قوله أقبل ثلاثة هما إقبالان كأنهم أقبلوا أولا من الطريق فدخلوا المسجد مارين كما في حديث أنس‏:‏ فإذا ثلاثة نفر يمرون فلما رأوا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أقبل إليه اثنان منهم واستمر الثالث ذاهباً‏.‏ كذا في الفتح ‏(‏فلما وقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي على مجلس رسول صلى الله عليه وسلم أو على بمعنى عند ‏(‏فرأى فرجة‏)‏ بضم الفاء وفتحها لغتان وهي الخلل بين الشيئين ويقال لها أيضاً فرج ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما لها من فروج‏}‏ جمع فرج، وأما الفرجة بمعنى الراحة من الغم فذكر الأزهري فيها فتح الفاء وضمها وكسرها، وقد فرج له في الحلقة والصف ونحوهما بتخفيف الراء يفرج بضمها ‏(‏في الحلقة‏)‏ بإسكان اللام على المشهور كل شيء مستدير خالي الوسط والجمع حلق بفتحتين وحكى فتح اللام في الواحد وهو نادر ‏(‏أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله‏)‏ قال النووي لفظه أوى بالقصر وآواه بالمد هكذا الرواية وهذه هي اللغة الفصيحة وبها جاء القرآن أنه إذا كان لازماً كان مقصوراً وإن كان متعدياً كان ممدوداً، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ إذ أوى الفتية إلى الكهف‏}‏ وقال في التعدي ‏{‏وآويناهما إلى ربوة‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ألم يجدك يتيماً فآوى‏}‏ قال القاضي وحكى بعض أهل اللغة فيهما جميعاً لغتين القصر والمد فيقال أويت إلى الرجل بالقصر والمد وآويته وأويته بالمد والقصر والمشهور الفرق كما سبق‏.‏ قال العلماء‏:‏ معنى أوى إلى الله أي لجأ إليه‏.‏ قال القاضي وعندي أن معناه هنا دخل مجلس ذكر الله تعالى، أو دخل مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجمع أوليائه وانضم إليه، ومعنى آواه الله أي قبله وقربه وقيل معناه رحمه أو آواه إلى جنته أو كتبها له ‏(‏وأما الاَخر فاستحيى فاستحيى الله منه‏)‏ قال النووي‏:‏ أي ترك المزاحمة والتخطي حياء من الله تعالى ومن النبي صلى الله عليه وسلم والحاضرين أو استحياء منهم أن يعرض ذاهباً كما فعل الثالث فاستحيى الله منه أي رحمه ولم يعذبه بل غفر ذنوبه، وقيل جازاه بالثواب، قالوا ولم يلحقه بدرجة صاحبه الأول في الفضيلة الذي آواه وبسط له اللطف وقربه، قال وهذا دليل اللغة الفصيحة أنه يجوز في الجماعة أن يقال في غير الأخير منهم الاَخر، فيقال حضرني ثلاثة أما أحدهم فقرشي وأما الاَخر فأنصاري وأما الاَخر فتيمي‏.‏ وقد زعم بعضهم أنه لا يستعمل الاَخر إلا في الأخير خاصة وهذا الحديث صريح في الرد عليه انتهى ‏(‏وأما الاَخر فأعرض فأعرض الله عنه‏)‏ أي لم يرحمه، وقيل سخط عليه، وهذا محمول على إنه ذهب معرضاً لا لعذر وضرورة قاله النووي، وقال الحافظ‏:‏ أي سخط عليه وهو محمول على من ذهب معرضاً لا لعذر هذا إن كان مسلماً، ويحتمل أن يكون منافقاً واطلع النبي صلى الله عليه وسلم على أمره كما يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم فأعرض الله عنه إخباراً أو دعاء، ووقع في حديث أنس‏:‏ فاستغنى فاستغنى الله عنه‏.‏ وهذا يرشح كونه خبراً، وإطلاق الإعراض وغيره في حق الله تعالى على سبيل المقابلة والمشاكلة فيحمل كل لفظ منها على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى‏.‏ وفائدة إطلاق ذلك بيان الشيء بطريق واضح انتهى‏.‏ وفي الحديث استحباب جلوس العالم لأصحابه وغيرهم في موضع بارز ظاهر للناس والمسجد أفضل فيذاكرهم العلم والخير‏.‏ وفيه جواز حِلَق العلم والذكر في المسجد واستحباب دخولها ومجالسة أهلها وكراهة الانصراف عنها من غير عذر واستحباب القرب من كبير الحلقة ليسمع كلامه سماعاً بيناً ويتأدب بأدبه، وأن قاصد الحلقة إن رأى فرجة دخل فيها وإلا جلس وراءهم، وفيه الثناء على من فعل جميلاً فإنه صلى الله عليه وسلم أثنى على الاثنين في هذا الحديث وأن الإنسان إذا فعل قبيحاً ومذموماً وباح به جاز أن ينسب إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري في العلم وفي الصلاة وأخرجه مسلم في كتاب السلام وأخرجه النسائي في العلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي مجلسه الشريف ‏(‏جلس أحدنا حيث ينتهي‏)‏ أي هو إليه من المجلس، أو حيث ينتهي المجلس إليه، والحاصل أنه لا يتقدم على أحد من حضارة نأدباً وتركاً للتكلف ومخالفة لحظ النفس من طلب العلو كما هو شأن أرباب الجاه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي‏.‏

1691- باب مَا جَاءَ في الْجَالِسِ على الطّرِيق

2799- حَدّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ عن شُعْبَةَ عن أَبي إِسْحَاقَ عن البَرَاءِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرّ بِنَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُمْ جُلُوسٌ في الطّرِيقِ، فَقَالَ‏:‏ إِنْ كُنْتُمْ لاَ بُدّ فَاعِلِينَ فَرُدّوا السّلاَمَ وَأَعِينُوا المَظْلُومَ وَاهْدُوا السّبِيلَ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَأَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ولم يسمعه منه‏)‏ أي لم يسمع أبو إسحاق هذا الحديث من البراء ‏(‏إن كنتم لا بد فاعلين‏)‏ أي الجلوس في الطريق ‏(‏فردوا السلام‏)‏ أي على المسلمين ‏(‏واهدوا السبيل‏)‏ أي للضال والأعمى وغيرهما‏.‏ وقد ذكر في هذا الحديث ثلاثة حقوق من حقوق الطريق وقد جاءت في الأحاديث حقوق أخرى غير هذه الثلاثة‏.‏ قال الحافظ بعد ذكر هذه الأحاديث ما لفظه‏:‏ ومجموع ما في هذه الأحاديث أربعة عشر أدباً، وقد نظمتها في ثلاثة أبيات وهي‏:‏

جمعت آداب من رام الجلوس على الطريق من قول خير الخلق إنسانا‏.‏

أفشى السلام وأحسن في الكلام وشم ت عاطساً وسلاماً رد احسانا‏.‏

في الحمل عاون ومظلوماً أعن وأغثلهفان واهد سبيلا واهد حيرانا‏.‏

بالعرف مر وانه عن نكر وكف أذىوغض طرفاً وأكثر ذكر مولانا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وأبي شريح الخزاعي‏)‏، أما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود وابن حبان، وأما حديث أبي شريح الخزاعي فأخرجه أحمد‏.‏ وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الحافظ في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد والحديث منقطع فتحسينه لشواهده‏.‏

1692- باب مَا جَاءَ في المُصَافَحَة

قال في تاج العروس شرح القاموس‏:‏ الرجل يصافح الرجل إذا وضع صفح كفه في صفح كفه وصفحا كفيهما وجهاهما، ومنه حديث المصافحة عند اللقاء وهي مفاعلة من إلصاق صفح الكف بالكف وإقبال الوجه على الوجه كذا في اللسان والأساس والتهذيب فلا يلتفت إلى من زعم أن المصافحة غير عربي انتهى‏.‏ وقال الجزري في النهاية‏:‏ ومنه حديث المصافحة عند اللقاء وهي مفاعلة من إلصاق صفح الكف بالكف وإقبال الوجه على الوجه‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ هي مفاعلة من الصفحة والمراد بها الإفضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد، وكذا قال القاري في المرقاة والطحاوي وغيرهما من العلماء الحنفية

2800- حدّثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، وَ إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، قَالاَ‏:‏ حدثنَا عَبدُ الله بنُ نُمَيْرٍ، عن الأَجْلَحِ عن أَبي إِسْحَاقَ، عن الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاّ غَفَرَ الله لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفترقَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبي إِسْحَاقَ عن البَرَاءِ وقد رُوَى هَذَا الْحَدِيث مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن البَرَاءِ وَالأَجْلح هو ابن عبد الله بن حجية بن عدِيّ الكندِي‏.‏

2801- حَدّثنا سُوَيْدٌ أخبرنا عَبْدُ الله أخبرنا حَنْظَلَةُ بنُ عُبَيْدِ الله عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏قالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ الله الرّجُلُ مِنّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ، قالَ‏:‏ فَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبّلُهُ قَالَ‏:‏ لاَ، قَالَ‏:‏ فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ، قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

2802- حدّثنا سُوَيْدٌ، أخبرنا عَبْدُ الله، أخبرنا هَمّامٌ عن قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏قُلْتُ لأَنَسِ بنِ مَالِكٍ هَلْ كَانَتْ المُصَافَحَةُ في أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2803- حدّثنا أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ، أخبرنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ الطّائِفِيّ عن سُفْيَانَ عن مَنْصُورٍ عن خَيْثَمَةَ عن رَجُلٍ، عن ابنِ مَسْعُودٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ تَمَامِ التّحِيّةِ الأَخْذُ بِالْيَدِ‏"‏

وفي البابِ عن البراء وابن عمر‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث غريب‏.‏ وَلاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بنِ سُلَيْمٍ، عن سُفْيَانَ‏.‏ وَسَأَلْتُ مُحْمّدَ بنَ إِسْمَاعِيلَ، عن هذا الحدِيثِ، فَلَمْ يَعُدّهُ مَحْفُوظاً، وَقَالَ إِنّمَا أَرَادَ عِنْدِي حَدِيثَ سُفْيَانَ، عن مَنْصُورٍ عن خَيْثَمَةَ، عن مَنْ سَمِعَ ابنَ مَسْعُودٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لاَسَمَرَ إِلاّ لمُصَلٍ أَوْ مُسَافِرٍ‏"‏‏.‏ قالَ مُحمّدٌ وَإِنّمَا يُرْوى عن مَنْصُورٍ عن أَبي إِسْحَاقَ، عن عَبْدِ الرحمنِ بنِ يَزِيدَ أَوْ غَيْرِهُ‏.‏ قالَ‏:‏ ‏"‏مِنْ تَمَامِ التّحِيّةِ الأَخْذُ بِالْيَدِ‏"‏‏.‏

2804- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله، أخبرنا يَحْيَى بنُ أَيّوبَ عن عُبَيْدِ الله بنِ زَحْرٍ عن عَلِيّ بنِ يَزِيدَ، عن القَاسِمِ أَبي عَبْدِ الرحمن عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مِنْ تَمَامِ عِيَادَةِ المَرِيضِ أَنْ يضَعَ أَحَدُكُمْ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، أَوْ قالَ عَلَى يَدِهِ، فَيَسْأَلَهُ كَيْفَ هُوَ، وَتَمَامُ تَحِيّتِكُمْ بَيْنَكُمْ المُصَافَحَةُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذَا إِسْنَادُ لَيْسَ بِالْقَوِيّ‏.‏ قالَ مُحمّدٌ‏:‏ وعُبَيْدُ الله بنُ زَحْرٍ ثِقةٌ، وَعَلِيّ بنُ يَزِيدَ ضَعِيفٌ، وَالقَاسِمُ هُوَ ابنُ عَبْدِ الرحمنِ، وَيكْنَى أَبَا عَبْدِ الرّحمنِ وَهُوَ ثِقَةٌ وَهُوَ مَوْلَى عَبْدِ الرحمنِ بنِ خَالِدِ بنِ يَزِيدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَالقَاسِمُ الشّامِيّ‏.‏

- وله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك ‏(‏أخبرنا حنظلة بن عبيد الله‏)‏ قال الذهبي في الميزان‏:‏ حنظلة السدوسي البصري يقال ابن عبد الله ويقال ابن عبيد الله وقيل بن أبي صفية، قال يحيى‏:‏ تركته عمداً كان قد اختلط وضعفه أحمد وقال منكر الحديث يحدث بأعاجيب، وقال ابن معين ليس بشيء تغير في آخر عمره، وقال النسائي ليس بقوي، وقال مرة ضعيف قال‏:‏ له في الكتابين يعني الترمذي وابن ماجة حديث واحد وهو‏:‏ أينحني بعضنا لبعض حديث قال‏:‏ لا‏.‏ حسنة الترمذي انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏الرجل منا‏)‏ أي من المسلمين ‏(‏يلقي أخاه‏)‏ أي في الدين ‏(‏أو صديقه‏)‏ أي حبيبه وهو أخص مما قبله ‏(‏أينحني له‏)‏ من الانحناء وهو إمالة الرأس والظهر ‏(‏قال لا‏)‏ فإنه في معنى الركوع وهو كالسجود من عبادة الله سبحانه ‏(‏قال أفيلتزمه‏)‏ أي يعتنقه ويضمه إلى نفسه ‏(‏ويقبله‏)‏ من التقبيل ‏(‏قال لا‏)‏ استدل بهذا الحديث من كره المعانقة والتقبيل وسيأتي الكلام في هاتين المسألتين في الباب الذي يليه ‏(‏قال فيأخذ بيده ويصافحه‏)‏ عطف تفسير أو الثاني أخص وأتم قال القاري‏.‏ قلت‏:‏ بل الثاني المتعين فإن الأخذ باليد والمصافحة عموماً وخصوصاً مطلقاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه ابن ماجة في الأدب ومداره على حنظلة السدوسي وقد عرفت حالة‏.‏

وله‏:‏ ‏(‏قلت لأنس بن مالك‏:‏ هل كانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ نعم‏)‏ فيه مشروعية المصافحة قال ابن بطال المصافحة حسنة عند عامة العلماء وقد استحبها مالك بعد كراهته‏.‏ وقال النووي المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويستثنى من عموم الأمر بالمصافحة المرأة الأجنبية والأمرد الحسن انتهى‏.‏

تنبيه‏:‏

قال النووي في الأذكار‏:‏ اعلم أن هذه المصافحة مستحبة عند كل لقاء وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه ولكن لا بأس به فإن أصل المصافحة سنة وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال وفرطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا تخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها‏.‏ وقد ذكر الإمام أبو محمد بن عبد السلام أن البدع على خمسة أقسام واجبة ومحرمة ومكروهة ومستحبة ومباحة قال ومن أمثلة البدع المباحة المصافحة عقب الصبح والعصر انتهى‏.‏ قال الحافظ بعد ذكر كلام النووي هذا ما لفظه‏:‏ وللنظر فيه مجال فإن أصل صلاة النافلة سنة مرغب فيها ومع ذلك فقد كره المحققون تخصيص وقت بها دون وقت، ومنهم من أطلق مثل ذلك كصلاة الرغائب التي لا أصل لها انتهى‏.‏ وقال القاري بعد ذكر كلام النووي‏:‏ ولا يخفى أن في كلام الإمام نوع تناقض لأن إتيان السنة في بعض الأوقات لا يسمى بدعة مع أن عمل الناس في الوقتين المذكورين ليس على وجه الاستحباب المشروع، فإن محل المصافحة المشروعة أول الملاقاة وقد يكون جماعة يتلاقون من غير مصافحة ويتصاحبون بالكلام ومذاكرة العلم وغير مدة مديدة ثم إذا صلوا يتصافحون، فأين هذا من السنة المشروعة، ولهذا صرح بعض علمائنا بأنها مكروهة حينئذ وأنها من البدع المذمومة انتهى‏.‏ قلت‏:‏ الأمر كما قال القاري والحافظ‏.‏ وقال صاحب عون المعبود‏:‏ وتقسيم البدع إلى خمسة أقسام كما ذهب إليه ابن عبد السلام وتبعه النووي أنكر عليه جماعة من العلماء المحققين ومن آخرهم شيخنا القاضي العلامة بشير الدين القنوجي فإنه رد عليه رداً بليغاً قال‏:‏ وكذا المصافحة والمعانقة بعد صلاة العيدين من البدع المذمومة المخالفة للشرع انتهى‏.‏ قلت‏:‏ وقد أنكر القاضي الشوكاني أيضاً على تقسيم البدعة إلى الأقسام الخمسة في نيل الأوطار في باب الصلاة في ثوب الحرير والقصب، وأنكر عليه أيضاً صاحب الدين الخالص ورده بستة وجوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن سفيان‏)‏ هو الثوري ‏(‏عن خيثمة‏)‏ الظاهر أنه ابن عبد الرحمن ابن أبي سبرة الجعفي الكوفي ثقة وكان يرسل من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من تمام التحية الأخذ باليد‏)‏ أي إذا لقي المسلم فسلم عليه، فمن تمام السلام أن يضع يده في يده فيصافحه فإن المصافحة سنة مؤكدة‏.‏

وله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث غريب‏)‏ في سنده رجل لم يسم ‏(‏وقال‏)‏ أي محمد ‏(‏إنما أراد‏)‏ أي يحيى بن سليم الطائفي ‏(‏حديث سفيان عن منصور الخ‏)‏ يعني أراد يحيى ابن سليم أن يروي بهذا السند حديث‏:‏ لا سمر إلا لمصل أو مسافر‏.‏ فوهم فروى بهذا السند حديث‏:‏ من تمام التحية الأخذ باليد، وأما حديث لا سمر إلا لمصل أو مسافر بهذا السند فأخرجه أحمد في مسنده ‏(‏قال محمد‏:‏ وإنما يروي عن منصور عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد أو غيره قال من تمام التحية الأخذ باليد‏)‏ يعني حديث من تمام التحية الأخذ باليد قول عبد الرحمن بن يزيد أو غيره وليس هو بحديث مرفوع‏.‏ قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ حكى الترمذي عن البخاري، أنه رجح أنه موقوف على عبد الرحمن بن يزيد النخعي أحد التابعين انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن مبارك ‏(‏أخبرنا يحيى بن أيوب‏)‏ هو الغافقي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من تمام عيادة المريض‏)‏ أي كمالها ‏(‏أن يضع أحدكم‏)‏ يعني العائد له ‏(‏يده‏)‏ والأولى كونها اليمنى ‏(‏على جبهته‏)‏ حيث لا عذر ‏(‏أو قال علي يده‏)‏ شك من الراوي ‏(‏فيسأله‏)‏ بالنصب ‏(‏كيف هو‏)‏ أي كيف حاله أو مرضه ‏(‏وتمام تحيتكم بينكم‏)‏ أي الواقعة فيما بينكم ‏(‏المصافحة‏)‏ قال الطيبي‏:‏ يعني لا مزيد على هذين فلو زدتم على هذا دخل في التكلف‏.‏ وهو بيان لقصة الأمور، لا أنه نهى عن الزيادة والنقصان انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا إسناد ليس بالقوى‏)‏ لضعف علي بن يزيد صاحب القاسم بن عبد الرحمن والحديث أخرجه أحمد أيضاً ‏(‏والقاسم شامي‏)‏ يعني القاسم هذا شامي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما من مسلمين‏)‏ من مزيدة لمزيد الاستغراق ‏(‏يلتقيان‏)‏ أي يتلاقيان ‏(‏فيتصافحان‏)‏ زاد ابن السني ويتكاشفان بود ونصيحة ‏(‏إلا غفر لهما‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏قبل أن يتفرقا‏)‏ بالأبدان أو بالفراغ عن المصافحة وهو أظهر في إرادة المبالغة، وفي رواية لأبي داود‏:‏ إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما‏.‏ وفيه سنية المصافحة عند الملتقى وأنه يستحب عند المصافحة حمدالله تعالى، والاستغفار وهو قوله‏:‏ يغفر الله لنا ولكم‏.‏ وأخرج ابن السني عن أنس قال‏:‏ ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد رجل ففارقه حتى قال اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الاَخرة حسنة وقنا عذاب النار‏.‏ وفيه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ما من عبدين متحابين في الله يستقبل أحدهما صاحبه فيصافحه فيصليان على النبي صلى الله عليه وسلم إلا لم يتفرقا حتى تغفر ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر‏.‏ وفي الترغيب للمنذري عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشحر‏.‏ رواه الطبراني في الأوسط ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً‏.‏ وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إن المسلم المسلم إذا لقي أخاه فأخذ بيده تحاتت عنهما ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجرة اليابسة في ريح يوم عاصف وإلا غفر لهما ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحر‏.‏ رواه الطبراني بإسناد حسن انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والضياء كذا في الجامع الصغير‏.‏

فائدة في بيان أن السنة في المصافحة أن تكون باليد الواحدة اعلم أن السنة أن تكون المصافحة باليد الواحدة أعني اليمنى من الجانبين سواء كانت عند اللقاء أو عند البيعة، وقد صرح به العلماء الحنفية والشافعية والحنبلية، قال الفقيه الشيخ محمد أمين المعروف بابن عابدين رحمه الله في رد المحتار على الدار المختار‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏فإن لم يقدر‏)‏ أي على تقبيله إلا بالايذاء أو مطلقاً يضع يديه عليه ثم يقبلهما أو يضع إحدهما والأولى أن تكون اليمنى لأنها المستعملة فيما فيه شرف ولما نقل عن البحر العميق من أن الحجر يمين الله يصافح بها عباده والمصافحة باليمنى انتهى‏.‏ وقال الشيخ ضياء الدين الحنفي النقشبندي في كتابه لوامع العقول شرح راموز الحديث في شرح حديث‏:‏ إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله الحديث‏.‏ ما لفظه‏:‏ والظاهر من آداب الشريعة تعين اليمنى من الجانبين لحصول السنة كذلك فلا تحصل باليسرى في اليسرى ولا في اليمنى انتهى‏.‏ وقال الإمام النووي يستحب أن تكون المصافحة باليمنى وهو أفضل انتهى‏.‏ ذكره الشيخ عبد الله بن سلمان اليمني الزبيدي في رسالته في المصافحة‏.‏ وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي الشافعي في كتابه الروض النضير شرح الجامع الصغير‏:‏ ولا تحصل السنة إلا بوضع اليمنى في اليمنى حيث لا عذر انتهى‏.‏ وقال الشيخ علي بن أحمد العزيزي في كتابه السراج المنير شرح الجامع الصغير‏:‏ إذا لقيت الحاج أي عند قدومه من حجة فسلم عليه وصافحة، أي ضع يدك اليمنى في يده اليمنى انتهى‏.‏ وقال الشيخ العلقمي رحمه الله في كتابه الكوكب المنير شرح الجامع الصغير في شرح حديث‏:‏ إذا التقى المسلمان فتصافحا الخ، قال ابن رسلان‏:‏ ولا تحصل هذه السنة إلا بأن يقع بشرة أحد الكفين على الاَخر انتهى‏.‏ وقال الشيخ العالم الرباني السيد عبد القادر الجيلاني في كتابه غنية الطالبين‏:‏ فصل فيما يستحب فعله بيمينه وما يستحب فعله بشماله يستحب له تناول الأشياء بيمينه والأكل والشرب والمصافحة والبداءة بها في الوضوء والانتعال ولبس الثياب الخ‏.‏

والدليل على ما قلنا من أن السنة في المصافحة أن تكون باليمنى من الجانبين سواء كانت عند اللقاء أو عند البيعة‏.‏ ما رواه الإمام أحمد في مسنده حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا علي بن عياش قال‏:‏ حدثنا حسان بن نوح‏.‏ حمصي، قال‏:‏ رأيت عبد الله بن بسر يقول ترون كفي هذه فأشهد أني وضعتها على كف محمد صلى الله عليه وسلم الحديث إسناده صحيح، ورواه الحافظ ابن عبد البر في كتابه التمهيد قال‏:‏ حدثنا عبد الوارث بن سفيان‏.‏ قال‏:‏ حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا ابن وضاح قال حدثنا يعقوب بن كعب‏:‏ قال حدثنا مبشر بن إسماعيل، عن حسان بن نوح، عن عبد الله بن بسر قال‏:‏ ترون يدي هذه صافحت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، رجاله كلهم ثقات وإسناده متصل‏.‏ أما الحافظ ابن عبد البر فهو ثقة حجة كما في تذكرة الحفاظ، وأما عبد الوارث بن سفيان فهو من شيوخة الكبار قد أكثر الرواية عنه في معرض الاحتجاج في التمهيد والاستيعاب وغيرهما، وأما ابن وضاح فاسمه محمد، قال في تذكرة الحفاظ‏:‏ هو الحافظ الكبير أبو عبد الله القرطبي، قال ابن الفرضي‏:‏ كان عالماً بالحديث بصيراً بطرقه متكلماً بعلله، وكان أحمد بن الحباب لا يقدم عليه أحداً ممن أدركه انتهى‏.‏ وقد صحح ابن القطان إسناداً لحديث بئر بضاعة وقع فيه محمد بن وضاح هذا حيث قال وله إسناد صحيح من رواية سهل بن سعد‏.‏ قال قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو علي عبد الصمد بن أبي سكينة حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد قال‏:‏ قالوا يا رسول الله إنك تتوضأ من بئر بضاعة الخ‏.‏ ذكر الحافظ الزيلعي كلام ابن القطان هذا في تخريج الهداية، وأقره، وأما يعقوب بن كعب ومبشر بن إسماعيل وحنان بن نوح فهم أيضاً ثقات، فالحديث صحيح، ورواه الحافظ الدولابي في كتابه الأسماء والكنى‏.‏ قال حدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب قال حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي، عن أبي معاوية حسان بن نوح قال سمعت عبد الله بن بسر يقول‏:‏ ترون هذه اليد فإني وضعتها على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث رجاله ثقات إلا الحافظ الدولابي فقال الدارقطني‏:‏ تكلموا فيه وما يتبين من أمره إلا خير‏.‏ وقال أبو سعيد بن يونس‏:‏ كان أبو بشر يعني الدولابي من أهل الصنعة وكان يضعف كذا في تذكرة الحفاظ ويؤيد حديث عبد الله ابن بسر هذا حديث أبي أمامة‏:‏ تمام التحية الأخذ باليد والمصافحة باليمنى، رواه الحاكم في الكنى كذا في كنز العمال، ويؤيده أيضاً حديث أنس بن مالك قال‏:‏ صافحت بكفي هذه كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمامست خزاً ولا حريراً ألين من كفه صلى الله عليه وسلم، ذكره الشيخ محمد عابد السندي في حصر الشارد والقاضي الشوكاني في إتحاف الأكابر، وهذان الحديثان إنما ذكرناهما للتأييد والاستشهاد لأن في أسانيدهما ضعفاً وكلاماً

والدليل الثاني على ما قلنا من أن السنة في المصافحة أن تكون باليمنى سواء كانت عند اللقاء أو عند البيعة ما رواه مسلم في صحيحه عن عمرو بن العاص قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أبسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه فقبضت يدي، فقال مالك يا عمرو، قلت أردت أن أشترط، قال تشترط ماذا‏؟‏ قلت أن يغفر لي، قال أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله، الحديث‏.‏ ورواه أبو عوانة في صحيحه وفيه‏:‏ فقلت يا رسول الله ابسط يدك لأبايعك، فبسط يمينه، قال القاري في المرقاة في شرح هذا الحديث‏:‏ أبسط يمينك أي افتحها ومدها لأضع يمينى عليها كما هو العادة في البيعة انتهى‏.‏ وهذا الحديث نص صريح في أن السنة في المصافحة عند البيعة باليد اليمن من الجانبين، وقد صحت في هذا أحاديث كثيرة ذكرناها في رسالتنا المسماة بالمقالة الحسنى في سنية المصافحة باليد اليمنى‏.‏ فمنها ما رواه أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن أبي غادية يقول‏:‏ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو سعيد، فقلت له‏:‏ بيمينك قال‏:‏ نعم الحديث‏.‏ ومنها ما رواه أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن أنس بن مالك يقول‏:‏ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هذه يعني اليمنى على السمع والطاعة فيما استطعت‏.‏ ومنها ما رواه أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن زياد بن علاقة قال‏:‏ سمعت جريراً يقول حين مات المغيرة الحديث وفيه‏:‏ أما بعد فإني أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبايعه بيدي هذه على الإسلام فاشترط على النصح‏.‏ فإن قلت‏:‏ أحاديث عمرو ابن العاص وأبي غادية وأنس بن مالك وجرير رضي الله تعالى عنهم إنما تدل على سنية المصافحة باليد اليمنى عند البيعة لا عند اللقاء، قلت‏:‏ هذه الأحاديث كما تدل على سنية المصافحة باليد اليمنى عند البيعة كذلك تدل على سنيتها باليد اليمنى عند اللقاء أيضاً، لأن المصافحة عند اللقاء والمصافحة عند البيعة متحدتان في الحقيقة ولم يثبت تخالف حقيقتهما بدليل أصلا‏.‏

والدليل الثالث‏:‏ أن المصافحة هي إلصاق صفح الكف بصفح الكف، فالمصافحة المسنونة إما أن تكون باليد الواحدة من الجانبين أو باليدين وعلى كلا التقديرين الطلوب ثابت، أما على التقدير الأول فظاهر، وأما على التقدير الثاني فإن كانت بإلصاق صفح كف اليمنى بصفح كف اليمنى وبإلصاق صفح كف اليسرى بصفح كف اليسرى على صورة المقراض فعلى هذا تكون مصافحتان ونحن مأمورون بمصافحة واحدة لا بمصافحتين وإن كانت بإلصاق صفح كف اليمنى بصفح كف اليمنى وإلصاق صفح كف اليسرى بظهر كف اليمنى من الجانبين فالمصافحة هي إلصاق صفح كف اليمنى بصفح كف اليمنى ولا عبرة لإلصاق صفح كف اليسرى بظهر كف اليمنى لأنه خارج عن حقيقة المصافحة‏.‏ فإن قيل‏:‏ قد عرف المصافحة بعض أهل اللغة بأخذ اليد، قال في القاموس‏:‏ المصافحة الأخذ باليد كالتصافح انتهى، والأخذ باليد عام شامل لأخذ اليد واليدين بإلصاق صفح الكف يصفح الكف أو بظهرها، قلت‏:‏ هذا تعريف بالأعم لأنه يصدق على أخذ العضد وعلى أخذ المرفق وعلى أخذ الساعد لأن اليد في اللغة الكف ومن أطراف الأصابع إلى الكتف وهو ليس بمصافحة بالاتفاق، والتعريف الصحيح الجامع المانع هو ما فسر به أكثر أهل اللغة وعليه يدل لفظ المصافحة والتصافح فبين المصافحة والأخذ باليد عموم وخصوص مطلق‏.‏ وأما قول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه‏:‏ علمني النبي صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه التشهد كما يعلمني السورة من القرآن أخرجه الشيخان، فليس من المصافحة في شيء بل هو من باب الأخذ باليد عند التعليم لمزيد الاعتناء والاهتمام به‏.‏ قال الفاضل اللكنوي في بعض فتاواه واتجه در صحيح بخاري أن عبد الله بن مسعود مروى است علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه التشهد كما يعلمني السورة من القرآن التحيات لله والصلوات والطيبات الحديث ليس ظاهر أن است كه مصافحة متوارثة كه بوقت تلاقي مسنون است نبوده بدكه طريقه تعليميه بوده كه اكابر بوقت اهتمام تعليم جيزي ازهردودست يايكدست دست اصاغر كرفته تعليم ميسازند‏.‏ وحاصله أن ما روى في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه الخ، فالظاهر أنه لم يكن من المصافحة المسنونة عند التلاقي بل هو من باب أخذ اليد عند الاهتمام بالتعليم كما يصنعه الأكابر عند تعليم الأصاغر فيأخذون باليد الواحدة أو باليدين يد اوصاغر‏.‏ وقد صرح الفقهاء الحنفية أيضاً بأن كون كف ابن مسعود بين كفيه صلى الله عليه وسلم كان لمزيد الاعتناء والاهتمام بتعليمه التشهد‏.‏ وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخذ باليد عند التعليم بأحاديث كثيرة منها ما رواه أحمد في مسنده عن أبي قتادة وأبي الدهماء قالا‏:‏ كان يكثران السفر نحو هذا البيت، قالا‏:‏ أتينا على رجل من أهل البادية فقال البدوي أخذ رسول الله بيدي فجعل يعلمني مما علمه الله تبارك وتعالى الحديث، ومنها ما رواه الترمذي عن شكل بن حميد قال‏:‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله علمني تعوذ أتعوذ به، قال فأخذ بكفي وقال قل‏:‏ اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي الحديث، ومنها ما رواه أحمد والترمذي عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن قلت أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعد خمساً فقال‏:‏ اتق المحارم تكن أعبد الناس الحديث‏.‏

1693- باب مَا جَاءَ في المُعَانَقَة وَالقُبْلَة

2805- حَدّثنا مُحمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بنُ يَحْيَى بنِ مُحمّدِ بنِ عَبّادٍ المدني، حدثني أَبي يَحْيَىَ بنُ مُحمّدٍ عن مُحمّدِ بنِ إِسْحَاقَ، عن مُحمّدِ بنِ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ عن عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏"‏قَدِمَ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ المَدِينَةَ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَيْتِي فَأَتَاهُ فَقَرَعَ البَابَ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عُرْيَاناً يَجُرّ ثَوْبَهُ وَالله مَا رَأَيْتُهُ عُرْيَاناً قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبّلَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذَا حديث حسن غريب لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الزّهْرِيّ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن إسماعيل‏)‏ هو الإمام البخاري ‏(‏حدثنا إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد‏)‏ ابن هانئ الشجري لين الحديث روى عن أبيه وعنه البخاري في غير الصحيح وأبو إسماعيل الترمذي وغيرهما ‏(‏حدثني أبي يحيى بن محمد‏)‏ هو ضعيف وكان ضريراً يتلقن من التاسعة ‏(‏عن محمد بن إسحاق‏)‏ هو صاحب المغازي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قدم زيد بن حارثة المدينة‏)‏ أي من غزوة أو سفر ‏(‏ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي‏)‏ الجملة معترضة حالية ‏(‏فأتاه‏)‏ أي فجاء زيد ‏(‏فقرع الباب‏)‏ أي قرعاً متعارفاً له أو مقروناً بالسلام والاستئذان ‏(‏فقام إليه‏)‏ أي متوجهاً إليه ‏(‏عرياناً يجر ثوبه‏)‏ أي رداءه من كمال فرحه بقدومه ومأتاه‏.‏ قال في المفاتيح‏:‏ تريد أنه صلى الله عليه وسلم كان ساتراً ما بين سرته وركبته ولكن سقط رداءه عن عاتقه فكان ما فوق سرته عرياناً انتهى ‏(‏والله ما رأيته عرياناً‏)‏ أي يستقبل أحداً ‏(‏قبله‏)‏ أي قبل ذلك اليوم ‏(‏ولا بعده‏)‏ أي بعد ذلك اليوم ‏(‏فاعتنقه وقبله‏)‏ فإن قيل كيف تحلف أم المؤمنين على أنها لم تره عرياناً قبله ولا بعده مع طول الصحبة وكثرة الاجتماع في لحاف واحد‏؟‏ قيل لعلها أرادت عرياناً استقبل رجلا واعتنقه فاختصرت الكلام لدلالة الحال أو عرياناً مثل ذلك العري، واختار القاضي الأول‏.‏ وقال الطيبي هذا هو الوجه لما يشم من سياق كلامها رائحة الفرح والاستبشار بقدومه وتعجيله للقائه بحيث لم يتمكن من تمام التردي بالرداء حتى جره وكثيراً ما يقع مثل هذا انتهى‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏ وفي الحديث مشروعية المعانقة للقادم من السفر وهو الحق والصواب، وقد ورد أيضاً في المعانقة حديث أبي ذر أخرجه أحمد وأبو داود من طريق رجل من عنزة لم يسم‏.‏ قال‏:‏ قلت لأبي ذر هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه‏؟‏ قال‏:‏ ما لقيته قط إلا صافحني وبعث إلي ذات يوم فلم أكن في أهلي فلما جئت أخبرت أنه أرسل إلي فأتيته وهو على سريره فالتزمني فكان أجود وأجود وأجود ورجاله ثقات إلا هذا الرجل المبهم‏.‏ وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث أنس‏:‏ كانوا إذا تلاقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا‏.‏ وأخرج البخاري في الأدب المفرد وأحمد وأبو يعلى في مسنديهما من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول‏:‏ بلغني عن رجل حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيراً ثم شددت رحلي فسرت إليه شهراً حتى قدمت الشام، فإذا عبد الله بن أنيس فقلت للبواب‏:‏ قل له جابر على الباب، فقال‏:‏ ابن عبد الله قلت‏:‏ نعم‏.‏ فخرج فاعتنقني فقلت حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخشيت الحديث‏.‏ فإن قلت‏:‏ ما وجه التوفيق بين حديث عائشة هذا وبين حديث أنس المتقدم الذي يدل على عدم مشروعية المعانقة، قلت‏:‏ حديث أنس لغير القادم من السفر، وحديث عائشة للقادم والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ ذكر الحافظ هذا الحديث في الفتح ونقل تحسين الترمذي له وسكت عنه‏.‏

1694- باب مَا جَاءَ في قُبْلَةِ الْيَدِ وَالرّجْل

أي في تقبيلهما

2806- حَدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو أُسَامَةَ عن شُعْبَةَ عن عَمْرِو بنِ مُرّةَ عن عَبْدِ الله بنِ سلَمَةَ عن صَفْوَانَ بنِ عَسّالٍ قالَ‏:‏ ‏"‏قالَ يَهُودِيٌ لِصَاحِبِهِ اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النّبيّ‏.‏ فَقَالَ صَاحِبُهُ لاَ تَقُلْ نَبيٌ إِنّهُ لَوْ سَمِعَكَ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ‏.‏ فَأَتَيَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَسَأَلاَهُ عن تِسْعِ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ، فَقَالَ لَهُمْ لاَ تُشْرِكُوا بِالله شَيْئاً، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا النّفْسَ الّتِي حَرّمَ الله إِلاّ بِالحَقّ، وَلاَ تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلاَ تَسْحَرُوا، وَلاَ تَأْكُلُوا الرّبَا، وَلاَ تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، وَلاَ تُوَلّوا الفِرَارَ يَوْمَ الزّحْفِ وَعَلَيْكُمْ خَاصّةً اليَهُودَ أَلاّ تَعْتَدُوا في السّبْتِ‏.‏ قَالَ فَقَبّلُوا يَدَيْهِ، وَرِجْلِيْهِ، فَقَالا نَشْهَدُ أَنّكَ نَبيٌ‏.‏ قالَ فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتّبِعُونِي‏؟‏ قالَ قالُوا‏:‏ إِنّ دَاوُدَ دَعَا رَبّهُ أَنْ لاَ يَزَالَ مِنْ ذُرّيّتِهِ نَبيٌ، وَإِنّا نَخَافُ إِنْ تَبِعْنَاكَ يَقْتُلُنَا اليَهُودُ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن يَزِيدَ بنِ الاسْوَدِ وَ ابنِ عُمَرَ وَ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن صحيح‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله بن إدريس‏)‏ هو الأودي المعافري أبو محمد الكوفي ‏(‏وأبو أسامة‏)‏ هو حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي ‏(‏عن عبد الله بن سلمة‏)‏ بكسر اللام المرادي الكوفي تنبيه‏:‏ قال النووي في مقدمة شرح مسلم‏:‏ سلمة كله بفتح اللام إلا عمرو بن سلمة إمام قومه وبني سلمة القبيلة من الأنصار فبكسر اللام، وفي عبد الخالق بن سلمة الوجهان انتهى‏.‏ قلت‏:‏ وعبد الله بن سلمة هذا أيضاً بكسر اللام كما في التقريب والخلاصة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال يهودي لصاحبه‏)‏ أي من اليهود ‏(‏اذهب بنا‏)‏ الباء للمصاحبة أو التعدية ‏(‏إلى هذا النبي‏)‏ أي لنسأله عن مسائل ‏(‏فقال صاحبه لا تقل‏)‏ أي له كما في رواية ‏(‏نبي‏)‏ أي هو نبي ‏(‏إنه‏)‏ بكسر الهمزة استئناف فيه معنى التعليل أي لأنه ‏(‏لو سمعك‏)‏ أي سمع قولك إلى هذا النبي ‏(‏كان له أربعة أعين‏)‏ هكذا وقع في النسخ الموجودة، ووقع في المشكاة أربع أعين بغير التاء وهو الظاهر، يعني‏:‏ يسر بقولك هذا النبي سروراً يمد الباصرة فيزداد به نوراً على نور كذى عينين أصبح يبصر بأربع فإن الفرح يمد الباصرة، كما أن الهم والحزن يخل بها، ولذا يقال لمن أحاطت به الهموم أظلمت عليه الدنيا ‏(‏فسألاه‏)‏ أي امتحاناً ‏(‏عن تسع آيات بينات‏)‏ أي واضحات، والاَية العلامة الظاهرة تستعمل في المحسوسات كعلامة الطريق والمعقولات كالحكم الواضح والمسألة الواضحة فيقال لكل ما تتفاوت فيه المعرفة بحسب التفكر فيه والتأمل وحسب منازل الناس في العلم آية والمعجزة آية، ولكل جملة دالة على حكم من أحكام الله آية، ولكل كلام منفصل بفصل لفظي آية، والمراد بالاَيات ههنا‏.‏ أما المعجزات التسع وهي العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنون ونقص من الثمرات، وعلى هذا فقوله‏:‏ لا تشركوا كلام مستأنف ذكره عقيب الجواب ولم يذكر الراوي الجواب استغناء بما في القرآن أو بغيره، ويؤيده ما في رواية الترمذي في التفسير‏:‏ فسألاه عن قول الله تعالى ‏{‏ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات‏}‏ وأما الأحكام العامة الشاملة للملل الثابتة في كل الشرائع وبيانها ما بعدها سميت بذلك لأنها تدل على حال المكلف بها عن السعادة والشقاوة، وقوله وعليكم خاصة حكم مستأنف زائد على الجواب ولذا غير السياق ‏(‏لا تشركوا بالله‏)‏ أي بذاته وصفاته وعبادته ‏(‏شيئاً‏)‏ من الأشياء أو الإشراك ‏(‏ولا تمشوا ببرئ‏)‏ بهمزة وإدغام أي بمتبرئ من الإثم والباء للتعدية، أي لاتسعوا ولا تتكلموا بسوء ليس له ذنب ‏(‏إلى ذي سلطان‏)‏ أي صاحب قوة وقدرة وغلبة وشوكة ‏(‏ولا تسحروا‏)‏ بفتح الحاء ‏(‏ولا تأكلوا الربا‏)‏ فإنه سحق ومحق ‏(‏ولا تقذفوا‏)‏ بكسر الذال ‏(‏محصنة‏)‏ بفتح الصاد ويكسر أي لا ترموا بالزنا عفيفة ‏(‏ولا تولوا‏)‏ بضم التاء واللام من ولي تولية إذا أدبر أي ولا تولوا أدباركم ويجوز أن يكون بفتح التاء واللام من التولي وهو الإعراض والإدبار أصله تتولوا فحذف إحدى التائين ‏(‏الفرار‏)‏ بالنصب على أنه مفعول له أي لأجل الفرار ‏(‏يوم الزحف‏)‏ أي الحرب مع الكفار ‏(‏وعليكم‏)‏ ظرف وقع خبراً مقدماً ‏(‏خاصة‏)‏ منوناً حال من الضمير المجرور والمستتر في الظرف عائد إلى المبتدأ أي مخصوصين بهذه العاشرة أو حال كون الاعتداء مختصاً بكم دون غيركم من الملل أو تمييز والخاصة ضد العامة ‏(‏اليهود‏)‏ نصب على التخصيص والتفسير أي أعني اليهود، ويجوز أن يكون خاصة بمعنى خصوصاً ويكون اليهود معمولاً لفعله أي أخص اليهود خصوصاً ‏(‏ألا تعتدوا‏)‏ بتأويل المصدر في محل الرفع على أنه مبتدأ من الاعتداء ‏(‏في السبت‏)‏ أي لا تتجاوزوا أمر الله في تعظيم السبت بأن لا تصيدوا السمك فيه، وقيل عليكم اسم فعل بمعنى خذوا أو أن لا تعتدوا مفعوله أي الزموا ترك الاعتداء ‏(‏قال‏)‏ أي صفوان ‏(‏فقبلوا يديه ورجليه‏)‏ صلى الله عليه وسلم ‏(‏وقالوا‏)‏ وفي رواية الترمذي في التفسير فقبلا يديه ورجليه وقالا ‏(‏نشهد أنك نبي‏)‏ إذ هذا العلم من الأمي معجزة لكن نشهد أنك نبي إلى العرب ‏(‏أن تتبعوني‏)‏ بتشديد التاء وقيل بالتخفيف أي من أن تقبلوا نبوتي بالنسبة إليكم وتتبعوني في الأحكام الشرعية التي هي واجبة عليكم ‏(‏قال‏)‏ لم يقع هذا اللفظ في أكثر النسخ ‏(‏دعا ربه أن لا يزال‏)‏ أي بأن لا ينقطع ‏(‏من ذريته نبي‏)‏ إلى يوم القيامة فيكون مستجاباً فيكون من ذريته نبي ويتبعه اليهود وربما يكون لهم الغلبة والشوكة ‏(‏وإنا نخاف إن تبعناك تقتلتنا اليهود‏)‏ أي فإن تركتا دينهم واتبعناك لقتلنا اليهود إذا ظهر لهم نبي وقوة، وهذا افتراء محض على داود عليه الصلاة والسلام لأنه قرأ في التوراة والزبور بعث محمد صلى الله عليه وسلم النبي وأنه خاتم النبيين وأنه ينسخ به الأديان فكيف يدعو بخلاف ما أخبر الله تعالى به من شأن محمد صلى الله عليه وسلم‏؟‏ ولئن سلم فعيسى من ذريته وهو نبي باق إلى يوم الدين والحديث يدل على جواز تقبيل اليد والرجل، قال ابن بطال‏:‏ اختلفوا في تقبيل اليد فأنكره مالك وأنكر ما روي فيه وأجازه آخرون واحتجوا بما روى عن ابن عمر أنهم لما رجعوا من الغزو حيث فروا قالوا نحن الفرارون فقال بل أنتم الكرارون إنا فئة المؤمنين قال فقبلنا يده قال وقيل أبو لبابة وكعب بن مالك صاحباه يد النبي صلى الله عليه وسلم حين تاب الله عليه ذكره الأبهري، وقبل أبو عبيدة يد عمر حين قدم، وقبل زيد بن ثابت يد ابن عباس حين أخذ ابن عباس بركابه، قال الأبهري وإنما كرهها مالك إذا كانت على وجه التعظيم والتكبر وأما إذا كانت على وجه القربة إلى الله لدينه أو لعلمه أو لشرفه فإن ذلك جائز‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ وذكر الترمذي من حديث صفوان بن عسال أن يهوديين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه عن تسع آيات الحديث‏.‏ وفي آخره فقبلا يده ورجله‏.‏ قال الترمذي حسن صحيح‏.‏

قال الحافظ‏:‏ حديث ابن عمر أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وحديث أبي لبابة أخرجه البيهقي في الدلائل وابن المقري، وحديث كعب وصاحبيه أخرجه ابن المقري وحديث أبي عبيدة‏.‏ أخرجه سفيان في جامعه، وحديث ابن عباس أخرجه الطبراني وابن المقري، وحديث صفوان أخرجه أيضاً النسائي وابن ماجة وصححه الحاكم وقد جمع الحافظ أبو بكر بن المقري جزءاً في تقبيل اليد سمعناه أورد فيه أحاديث كثيرة وآثاراً فمن جيدها حديث الزارع العبدي وكان في وفد عبد القيس، قال‏:‏ فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله‏.‏ أخرجه أبو داود‏.‏ ومن حديث فريدة العصر مثله، ومن حديث أسامة بن شريك قال‏:‏ قمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يده‏.‏ وسنده قوي، ومن حديث جابر‏:‏ أن عمر قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبل يده، ومن حديث بريدة في قصة الأعرابي والشجرة فقال يا رسول الله ائذن لي أن أقبل رأسك ورجليك فأذن له‏.‏ وأخرج البخاري في الأدب المفرد من رواية عبد الرحمن بن رزين قال أخرج لنا سلمة بن الأكوع كفاً له ضخمة كأنها كف بعير فقمنا إليها فقبلناها، وعن ثابت أنه قبل يد أنس‏.‏ وأخرج أيضاً أن علياً قبل يد العباس ورجله‏.‏ وأخرجه ابن المقري‏.‏ وأخرج من طريق أبي مالك الأشجعي قال‏:‏ قلت لابن أبي أوفى ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فناولنيها فقبلتها‏.‏ قال النووي‏:‏ تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو عمله أو شرفه أو صيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يكره بل يستحب، فإن كان لغناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا فمكروه شديد الكراهة، وقال أبو سعيد المتولي لا يجوز كذا في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن يزيد بن الأسود وابن عمر وكعب بن مالك‏)‏ أما حديث يزيد بن الأسود فأخرجه أحمد، وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري في الأدب المفرد‏.‏ وأبو داود وابن ماجة الترمذي في أواخر أبواب الجهاد وليس فيه ذكر التقبيل‏.‏ وأما حديث كعب بن مالك فأخرجه ابن المقري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه النسائي وابن ماجه والحاكم وصححه‏.‏