فصل: 1713- باب مَا جَاءَ في إِعْفَاءِ الّلحْيَة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


1713- باب مَا جَاءَ في إِعْفَاءِ الّلحْيَة

2838- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ الْخَلاّل، حدثنا عَبْدِ الله بنُ نُمَيْرِ عن عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ عن نَافِعٍ عن ابنِ عَمَرَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏احْفُوا الشّوَارِبَ وَاعْفُوا الّلحَى‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

2839- حدثنا الأَنْصَارِيّ، أخبرنا مَعْنٌ، أخبرنا مَالِكٌ، عن أَبي بَكْرِ بنِ نَافِعٍ، عن أَبِيهِ عن ابن عُمَرَ ‏"‏أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بإِحْفَاءِ الشّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ الّلحَى‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَأَبُو بَكْرِ بنِ نَافِعٍ هُوَ مَوْلَى ابنِ عُمَرَ ثِقَةٌ، وَعُمَرُ بنُ نَافِعٍ ثقة وَعَبْدِ الله بنُ نَافِعٍ مَوْلَى ابنِ عُمَرَ يُضَعّفُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏احفوا الشوارب‏)‏ بالحاء المهملة والفاء ثلاثياً ورباعياً من الإحفاء أو الحفو، والمراد الإزالة قاله الحافظ‏.‏ قلت‏:‏ أراد بقوله ثلاثياً ورباعياً، ثلاثياً مجراداً وثلاثياً مزيداً فيه‏.‏ والشوارب جمع الشارب والمراد به الشعر الثابت على الشفة العليا‏.‏ وقد تقدم بيان هذه المسألة مبسوطاً في باب نص الشارب ‏(‏واعفوا اللحى‏)‏ من الإعفاء وهو الترك، وقد حصل من مجموع الأحاديث خمس روايات اعفوا واوفوه وارخوا وارجوا ووفروا، ومعناها كلها تركها على حالها‏.‏ قال ابن السكيت وغيره‏:‏ يقال في جمع اللحية لحى، ولحى بكسر اللام وضمها لغتان والكسر أفصح‏.‏

قال الحافظ‏:‏ قال الطبري ذهب قوم إلى ظاهر الحديث فكرهوا تناول شيء من اللحية من طولها ومن عرضها، وقال قوم‏:‏ إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد، ثم ساق بسنده إلى ابن عمر أنه فعل ذلك، وإلى عمر أنه فعل ذلك برجل، ومن طريق أبي هريرة أنه فعله‏.‏ وأخرج أبو داود من حديث جابر بسند حسن قال‏:‏ كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة، وقوله نعفي بضم أوله وتشديد الفاء أي نتركه وافراً، وهذا يؤيد ما نقل عن ابن عمر، فإن السبال بكسر المهملة وتخفيف الموحدة جمع سبلة بفتحتين‏:‏ وهي ما طال من شعر اللحية، فأشار جابر إلى أنهم يقصرون منها في النسك‏.‏ ثم حكى الطبري اختلافاً فيما يؤخذ من اللحية هل له حد أم لا، فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذي يزيد منها على قدر الكف‏.‏ وعن الحسن البصري‏:‏ أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، وعن عطاء نحوه، قال وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها، قال وكره آخرون التعرض لها إلا في حج أو عمرة، وأسنده عن جماعة واختار قول عطاء وقال‏:‏ إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها، لعرض نفسه لمن يسخر به‏.‏ واستدل بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها انتهى‏.‏ ثم تكلم الحافظ على هذا الحديث وقد تقدم كلامه في الباب المتقدم ثم قال‏:‏ وقال عياض يكره حلق اللحية وقصها وتحذيفها، وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسن، بل تكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في تقصيرها كذا قال‏.‏ وتعقبه النووي بأنه خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها، قال والمختار تركها على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير ولا غيره، وكان مراده بذلك في غير النسك لأن الشافعي نص على استحبابه فيه‏.‏

قلت‏:‏ لو ثبت حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده المذكور في الباب المتقدم لكان قول الحسن البصري وعطاء أحسن الأقوال وأعدلها، لكنه حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج به‏.‏ وأما قول من قال‏:‏ إنه إذا زاد على القبضة يؤخذ للزائد، واستدل بآثار ابن عمر وعمر وأبي هريرة رضي الله عنهم فهو ضعيف، لأن أحاديث الإعفاء المرفوعة الصحيحة تنفي هذه الآثار‏.‏ فهذه الآثار لا تصلح للاستدلال بها مع وجود هذه الأحاديث المرفوعة الصحيحة، فأسلم الأقوال هو قول من قال بظاهر أحاديث الإعفاء وكره أن يؤخذ شيء من طول اللحية وعرضها، والله تعالى أعلم‏.‏

اعلم أن أثر ابن عمر الذي أشار إليه الطبري أخرجه البخاري في صحيحه بلفظ‏:‏ وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخذه‏.‏

قال الحافظ‏:‏ هو موصول بالسند المذكور إلى نافع وقد أخرجه مالك في الموطأ عن نافع بلفظ‏:‏ كان ابن عمر إذا حلق رأسه في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه، وفي حديث الباب مقدار المأخوذ‏.‏ قال الكرماني‏:‏ لعل ابن عمر أراد الجمع بين الحلق والتقصير في النسك فحلق رأسه كله وقصر من لحيته ليدخل في عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏محلقين رؤوسكم ومقصرين‏}‏ وخص ذلك من عموم قوله‏:‏ ووفروا اللحي‏.‏ فجعله على حالة غير حالة النسك‏.‏

قال الحافظ‏:‏ الذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه انتهى‏.‏ وقال في الدراية‏:‏ قوله إن المسنون في اللحية أن تكون قدر القبضة، روى أبو داود والنسائي من طريق مروان بن سالم‏:‏ رأيت ابن عمر يقبض على لحيته ليقطع ما زاد على الكف، وأخرجه ابن أبي شيبة وابن سعد ومحمد بن الحسن‏.‏ وروى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة نحوه، وهذا من فعل هذين الصحابيين يعارضه حديث أبي هريرة مرفوعاً‏:‏ ‏"‏احفوا الشوارب واعفوا اللحى‏"‏، أخرجه مسلم‏.‏ وفي الصحيحين عن ابن عمر مرفوعاً‏:‏ ‏"‏خذوا الشوارب واعفوا اللحى‏"‏‏.‏ ويمكن الجمع بحمل النهي على الاستئصال أو ما قاربه، بخلاف الأخذ المذكور‏.‏ ولا سيما أن الذي فعل ذلك هو الذي رواه انتهى‏.‏

قلت‏:‏ في هذا الجمع نظر كما لا يخفى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي بكر بن نافع‏)‏ العدوي، مولى ابن عمر مدني صدوق، يقال اسمه عمر من كبار السابعة، وروايته عن صفية بنت أبي عبيد مرسلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى‏)‏ قال الخطابي‏:‏ إحفاء الشارب أن يؤخذ منه حتى يحفى ويرق، وقد يكون أيضاً معناه الاستقصاء في أخذه من قولك‏:‏ أحفيت في المسألة، إذا استقصيت فيها، وإعفاء اللحية توفيرها من قولك‏:‏ عفى البث إذا طال، ويقال عفى الشييء بمعنى كثر، قال الله تعالى ‏{‏حتى عفوا‏}‏ أي كثروا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعمر بن نافع ثقة‏)‏ قال في التقريب‏:‏ عمر بن نافع العدوي مولى ابن عمر ثقة من السادسة، مات في خلافة المنصور ‏(‏وعبد الله بن نافع مولى ابن عمر يضعف‏)‏ قال في التقريب‏:‏ عبد الله بن نافع مولى ابن عمر المدني، ضعيف من السابعة‏.‏

1714- باب مَا جَاءَ فِي وَضْعِ إِحْدى الرّجْلَيْنِ علَى الأُخْرَى مسْتَلْقِيا

2840- حدثنا سَعِيدُ بنُ عَبْد الرّحْمَن المَخْزُومِيّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا، أَخْبَرَنا سُفْيَانُ بنُ عيينة عن الزّهْرِيّ عن عَبّادِ بنِ تَمِيمٍ عن عَمّهِ ‏"‏أَنّهُ رَأَى النبيّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَلْقِياً في المَسْجِدِ، وَاضِعاً إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَعَمّ عَبّادِ بنِ تَمِيمٍ، هُوَ عَبْدُ الله بنِ زَيْدِ بنِ عَاصِمٍ المَازِنِيّ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عباد بن تميم‏)‏ بن غزية الأنصاري المازني ‏(‏عن عمه‏)‏ هو عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب الأنصاري المازني، أبو محمد صحابي شهير روى صفة الوضوء وغير ذلك، ويقال إنه هو الذي قتل مسيلمة الكذاب واستشهد بالحرة سنة ثلاثة وستين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مستلقياً في المسجد‏)‏ أي حال كونه مضطجعاً على ظهره، والاستلقاء هو الاضطجاع على القفا، سواء كان معه نوم أم لا ‏(‏واضعاً إحدى رجليه على الأخرى‏)‏ حال متداخلة أو مترادفة، والحديث دليل على جواز استلقاء الرجل واضعاً إحدى رجليه على الأخرى‏.‏

فإن قلت‏:‏ ما وجه الجمع بين هذا الحديث وبي حديث جابر الاَتي في النهي عن أن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره‏:‏

قلت‏:‏ وجه الجمع بينهما أن وضع إحدى الرجلين على الأخرى يكون على نوعين‏:‏ أن تكون رجلاه ممدودتين إحداهما فوق الأخرى، ولا بأس بهذا فإنه لا ينكشف من العورة بهذه الهيئة، وأن يكون ناصباً ساق إحدى الرجلين ويضع الرجل الأخرى على الركبة المنصوبة، وعلى هذا فإن لم يكن انكشاف العورة بأن يكون عليه سراويل أو يكون إزاره أو ذيله طويلين جاز وإلا فلا‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ فيه أن النهي الوارد عن ذلك منسوخ، أو يحمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة والجواز حيث يؤمن ذلك‏.‏

قال الحافظ‏:‏ الثاني أولى من ادعاء النسخ، لأنه لا يثبت بالاحتمال‏.‏ وممن جزم به البيهقي والبغوي وغيرهما من المحدثين، وجزم ابن بطال ومن تبعه بأنه منسوخ انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي‏.‏

1715- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَتهِ في ذَلِك

2841- حدثنا عُبَيْدُ بنُ أَسْبَاطِ بنِ مُحمّدٍ القُرَشِيّ، أَخْبَرَنا أَبي، أَخْبَرَنا سُلَيْمَانُ التّيْمِيّ، عن خِدَاشٍ، عن أَبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ ‏"‏أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عن اشْتِمالِ الصّمّاءِ والاحْتِبَاءِ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَأَنْ يَرْفَعَ الرّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عن سُلَيْمانُ التّيْمِيّ، وَلاَ نَعْرِفُ خِداشاً هَذَا مَنْ هُوَ وقد رَوَى لَهُ سُلَيْمَانُ التّيْمِيّ غَيْرَ حَدِيثٍ‏.‏

2842- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا الليْثُ عن أَبي الزّبَيْرِ، عن جَابِرٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عن اشْتِمَالِ الصّمّاءِ وَالاحْتِبَاءِ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَأَنْ يَرْفَعَ الرّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى وَهُوَ مُسْتَلْقِ عَلَى ظَهْرِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ ‏(‏حسنٌ‏)‏ صحيحٌ‏.‏

- ‏(‏عن أبي الزبير‏)‏ هو المكي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد‏)‏ تقدم تفسير اشتمال الصماء والاحتباء في كتاب اللباس ‏(‏وأن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره‏)‏ قد تقدم الجمع في الباب السابق بين هذا الحديث وحديث عبد الله بن زيد بن عاصم الذي يدل على الجواز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا نعرف خداشاً هذا من هو‏)‏ هو ابن عياش‏.‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ خداش بن عياش العبدي البصري، روى عن أبي الزبير، وعنه سليمان التيمي ومحمد بن ثابت العبدي، ذكره ابن حبان في الثقات‏.‏ وقال الترمذي لا نعرف خداشاً هذا من هو، وقد روى عنه سليمان التيمي غير حديث انتهى‏.‏ وقال في التقريب في ترجمته لين الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

1716- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ الاضْطِجَاعِ عَلَى الْبَطْن

2843- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أَخْبَرَنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ وَعَبْدُ الرّحِيمِ عن مُحمّدِ بنِ عَمْرٍو، أَخْبَرَنا أَبُو سَلَمَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏رَأَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مُضْطَجِعاً عَلَى بَطْنِهِ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ لا يُحِبّهَا الله‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن طِهْفَةَ وَ ابنِ عُمَرَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَرَوَى يَحْيَىَ بنُ أَبي كَثِيرٍ هَذَا الحَدِيثَ عن أَبي سَلَمَةَ، عن يَعِيشَ بنِ طِهْفَةَ عن أَبِيهِ، وَيُقَالُ طِخْفَة، وَالصّحيحُ طِهْفَةُ، وَقَالَ بَعْضُ الْحُفاظِ‏:‏ الصّحيحُ طِخْفَةُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبدة بن سليمان‏)‏ الكلابي الكوفي ‏(‏وعبد الرحيم‏)‏ بن سليمان أبو علي الأشل ‏(‏عن محمد بن عمرو‏)‏ بن علقمة بن وقاص الليثي ‏(‏فقال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم له على ما هو الظاهر أو لغيره، إعراضاً عنه واعتراضاً عليه ‏(‏إن هذه‏)‏ أي هذا الاضطجاع وتأنيثه لتأنيث خبره وهو قول ‏(‏ضجعة‏)‏ وهي بكسر أوله للنوع ‏(‏لا يحبها الله‏)‏ وفي حديث أبي ذر عند ابن ماجه‏:‏ إنما هي ضجعة أهل النار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن طهفة وابن عمر‏)‏ أما حديث طهفة وهو بكسر الطاء المهملة وسكون الهاء، وبالفاء فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وأما حديث ابن عمر فلينظر من أخرجه ‏(‏وروى يحيى بن أبي كثير هذا الحديث عن أبي سلمة عن يعيش بن طهفة عن أبيه‏)‏ أخرجه أبو داود إلا أن فيه عن يعيش ابن طخفة بالخاء المعجمة مكان الهاء ‏(‏ويقال طخفة‏)‏ أي بالخاء المعجمة ‏(‏والصحيح طهفة‏)‏ يعني بالهاء ‏(‏ويقال طغفة‏)‏ يعني بالغين المعجمة ‏(‏وقال بعض الحفاظ الصحيح طخفة‏)‏ يعني بالخاء المعجمة‏.‏

قال المنذري في تلخيص السنن بعد ذكر حديث أبي داود الذي أشار إليه الترمذي ما لفظه‏:‏ وأخرجه النسائي وابن ماجه وليس في حديث أبي داود عن أبيه، ووقع عند النسائي عن قيس بن طهفة قال‏:‏ حدثني أبي، وعند ابن ماجه عن قيس بن طهفة مختصراً فيه اختلاف كثير جداً‏.‏

وقال أبو عمر النمري‏:‏ اختلف فيه اختلاف كثيراً، واضطرب فيه اضطراباً شديداً‏.‏ فقيل‏:‏ طهفة بالهاء وقيل طخفة بالخاء، وقيل طغفة بالغين وقيل طقفة بالقاف‏.‏ وقيل قيس بن طخفة، وقيل يعيش بن طخفة، وقيل عبد الله بن طخفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديثهم كلهم واحد قال‏:‏ كنت نائماً في الصفة فركضني رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله وقال‏:‏ هذه نومة يبغضها الله‏.‏ وكان من أهل الصفة، ومن أهل العلم من يقول إن الصحبة لأبيه عبد الله وأنه صاحب القصة هذا آخر كلامه‏.‏

وذكر البخاري فيه اختلافاً كثيراً وقال‏:‏ طغفة خطأ، وذكر أنه روى عن يعيش بن طخفة عن قيس الغفاري قال كان أبي‏:‏ وقال لا يصح قيس فيه، وذكر أنه روى عن أبي هريرة قال ولا يصح أبو هريرة انتهى كلام النمذري‏.‏

وقال في التقريب‏:‏ طخفة بكسر أوله وسكون الخاء المعجمة ثم فاء ويقال بالهاء ويقال بالغين المعجمة ابن قيس الغفاري، صحابي له حديث في النوم على البطن مات بعد الستين‏.‏

1717- باب ما جَاءَ في حِفْظِ الْعَوْرَة

2844- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا يَحْيىَ بنُ سَعِيدٍ، حدثنا بَهْزُ بنُ حَكِيمٍ، حدثني أَبي عن جَدّي قَالَ‏:‏ ‏"‏قُلْتُ يَا رَسُولُ الله عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ‏؟‏ قالَ‏:‏ ‏"‏احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مما مَلَكَتْ يَمينُكَ‏"‏، فَقَالَ‏:‏ الرّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرّجُلِ‏؟‏ قالَ‏:‏ ‏"‏إن اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ‏"‏، قلت‏:‏ فالرّجُلُ يَكُونُ خَالِياً، قالَ‏:‏ ‏"‏فَالله أَحقّ أَنْ يستحيا مِنْهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ، وَجَدّ بَهْزٍ اسْمُهُ مُعَاوِيَةُ بنُ حَيْدَةَ القُشَيْرِيّ‏.‏ وَقَد رَوَى الْجُرَيْريّ عن حَكِيمِ بنِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ وَالِدُ بَهْزٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عوراتنا ما تأتي منها وما نذر‏)‏ العورات جمع عورة وهي كل ما يستحي منه إذا ظهر وهي من الرجل ما بين السرة والركبة، ومن المرأة الحرة جميع جسدها إلا الوجه واليدين إلى الكوعين، وفي إخمصها خلاف، ومن الأمة كالرجل وما يبدو في حال الخدمة كالرأس والركبة والساعد فليس بعورة، وستر العورة في الصلاة وغير الصلاة واجب وفيه عند الخلوة خلاف قاله الجزري في النهاية‏.‏ ومعنى قوله نذر‏:‏ أي نترك، وأمات العرب ما ضي يذر وبدع إلا ما جاء في قراءة شاذة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما ودعك‏}‏ بالتخفيف قاله العيني، والمعنى أي عورة نسترها وأي عورة نترك سترها ‏(‏احفظ‏)‏ أي استر وصن ‏(‏عورتك‏)‏ ما بين سرتك وركبتك ‏(‏إلا من زوجتك أو ما‏)‏ أي والأمة التي ‏(‏ملكت يمينك‏)‏ وحل لك وطؤها وعبر باليمين لأنهم كانوا يتصافحون بها عند العقود ‏(‏فقال‏)‏ أي جد بهز ‏(‏الرجل يكون مع الرجل‏)‏ وفي الرواية الاَتية بعد عدة أبواب‏:‏ قال قلت يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض، أي مختلطون فيما بينهم مجتمعون في موضع واحد ولا يقومون من موضعهم فلا نقدر على ستر العورة وعلى الحجاب منهم على الوجه الأتم والكمال في بعض الأحيان لضيق الإزار أو لانحلاله لبعض الضرورة، فكيف نصنع بستر العورة وكيف نحجب منهم ‏(‏قال إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل‏)‏ كذا في هذه الرواية، وفي الرواية الاَتية قال‏:‏ إن استطعت أن لا يراها أحد فلا ترينها ‏(‏قلت فالرجل يكون خالياً‏)‏ أي في خلوة، فما حكمة الستر حينئذ‏؟‏ ‏(‏فالله أحق أن يستحي منه‏)‏ بصيغة المجهول، أي فاستر طاعة له وطلباً لما يحبه منك ويرضيه، وليس المراد فاستر منه، إذ لا يمكن الاستتار منه تعالى قاله السندي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ مفهوم قوله إلا من زوجتك‏:‏ يدل على أنه يجوز لها النظر إلى ذلك منه وقياسه أنه يجوز له النظر، ويدل أيضاً على أنه لا يجوز النظر لغير من استثنى، ومنه الرجل للرجل والمرأة للمرأة، وفيه حديث في صحيح مسلم ‏(‏يعني به حديث أبي سعيد الاَتي في باب كراهية مباشرة الرجل للرجل والمرأة للمرأة‏)‏ ثم إن ظاهر حديث بهز يدل على أن التعري في الخلوة غير جائز مطلقاً، لكن استدل المصنف، يعني البخاري على جوازه في الغسل بقصة موسى وأيوب عليهما السلام، ووجه الدلالة منه على ما قال ابن بطال أنهما مما أمرنا بالاقتداء به، وهذا إنما يأتي على رأي من يقول شرع من قبلنا شرع لنا‏.‏ والذي يظهر أن وجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قص القصتين ولم يتعقب شيئاً منهما، فدل على موافقتهما لشرعنا، وإلا فلو كان فيهما شيء غير موافق لبينه، فعلى هذا فيجمع بين الحديثين بحمل حديث بهز بن حكيم على الأفضل، وإليه أشار يعني البخاري في الترجمة أي بقوله‏:‏ باب من اغتسل عرياناً وحده في خلوة ومن تستر، والتستر أفضل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود في الحمام والنسائي في عشرة النساء وابن ماجه في النكاح وصححه الحاكم وذكره البخاري في صحيحه تعليقاً‏.‏

1718- باب مَا جَاءَ في الاتّكاء

2845- حدثنا عَبّاسُ بنُ مُحمّدٍ الدوْرِيّ الْبَغْدَادِيّ، حدثنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ الكوفيّ، أَخْبَرَنَا إسْرَائِيلُ عن سِمَاكٍ بن حرب، عن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، قالَ‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُتّكِئاً عَلَى وِسَادَةٍ عَلَى يَسَارِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وَرَوى غَيْرُ وَاحِدٍ، هذا الْحَديثَ عن إِسْرَائِيلَ عن سِمَاكٍ، عن جَابِرِ بنِ سَمُرَة قالَ‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم مُتّكِئاً عَلَى وِسَادَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَى يَسَارِهِ‏"‏‏.‏

2846- حدثنا يُوسُفُ بنُ عِيسَى، حدثنا وَكِيعٌ، أَخْبَرَنا إِسْرَائِيلُ، عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم مُتّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏متكئاً‏)‏ حال من مفعول رأيت ‏(‏على وسادة‏)‏ متعلق بمتكأ ‏(‏على يساره‏)‏ أي كائنة على جانب يساره، أو متعلق بمتكئاً بعد تقيده بالظرف الأول، وهو لبيان الواقع لا للتقييد فيجوز الاتكاء على الوسادة يميناً ويساراً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الترمذي في شمائله بهذا الطريق وبزيادة على يساره‏.‏ وقد تفرد بها إسحاق بن منصور، ولذا حكم عليه بأنه غريب‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏متكئاً على وسادة‏)‏ قال الخطابي‏:‏ كل معتمد على شيء متمكن منه فهو متكئ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الدارمي وصححه أبو عوانة وابن حبان‏.‏

1719- باب

2847- حدثنا هَنّادٌ، أَخْبَرَنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عن الأَعْمَشِ عن إسْمَاعِيلَ بنِ رَجَاءِ عن أَوْسِ بن ضَمْعَجٍ، عن أَبي مَسْعُودٍ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لاَ يُؤَمّ الرّجُلُ في سُلْطَانِهِ، وَلاَ يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ في بَيْتِهِ إِلاّ بِإِذْنِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أوس بن ضمعج‏)‏ بفتح المعجمة وسكون الميم بعدها مهملة مفتوحة ثم جيم بوزن جعفر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يؤم‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏الرجل في سلطانه‏)‏ أي في موضع يملكه، أو يتسلط عليه بالتصرف كصاحب المجلس وإمام المسجد فإنه أحق من غيره وإن كان أقرأ أو أعلم بالسنة منه، فإن شاء تقدم وإن شاء يقدم غيره ولو مفضولاً ‏(‏ولا يجلس‏)‏ بالبناء المفعول ‏(‏على تكرمته‏)‏ التكرمة‏:‏ الموضع الخاص لجلوس الرجل من فراش أو سرير مما يعده كرامة وهي تفعلة من الكرامة ‏(‏إلا بإذنه‏)‏ متعلق بالجميع‏.‏ وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في باب من زار قوماً فلا يصل بهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

1720- باب مَا جَاءَ أَنّ الرّجُلَ أَحَقّ بِصَدْرِ دَابّتِه

2848- حدثنا أَبُو عَمّارٍ الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، حدثنا عَلِيّ بنُ الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، حدثني أَبي، حدثني عَبْدِ الله بنُ بُرَيْدَةَ، قالَ سَمِعْتُ أَبي بُرَيْدَةَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏بَيْنَمَا النبيّ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ وَمَعَهُ حِمَارٌ، فَقَالَ يَا رَسُولُ الله ارْكَبْ، وَتَأَخّرَ الرّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ، أَنْتَ أَحَقّ بِصَدْرِ دَابّتِكَ إِلاّ أَنْ تَجْعَلَهُ لِي‏"‏، قالَ قَدْ جَعَلْتُهُ لَكَ، قَالَ فَرَكِبَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه وفي الباب عن قيس بن سعد بن عُبادة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏بريدة‏)‏ بدل من أبي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتأخر الرجل‏)‏ أي وأراد أن يركب خلفه متأخراً عنه، أو تأخر الرجل عن حماره أدباً عن أن يركب معه فيكون كناية عن التخلية ‏(‏فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا‏)‏ أي لا أركب وحدي أو في الصدر ‏(‏أنت أحق بصدر دابتك‏)‏ صدرها من ظهرها ما يلي عنقها‏.‏ قال الطيبي‏:‏ لا ههنا حذف فعله وأنت أحق تعليل له، أي لا أركب وأنت تأخرت لأنك أحق بصدر دابتك ‏(‏إلا أن تجعله‏)‏ أي الصدر ‏(‏لي‏)‏ أي صريحاً ‏(‏فركب‏)‏ أي على صدرها‏.‏ فيه بيان إنصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواضعه، وإظهار الحق المر حيث رضي أن يركب خلفه ولم يعتمد على غالب رضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود، وسكت عنه، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره‏.‏

1721- باب ما جَاءَ في الرّخْصَةِ في اتّخَاذِ الأَنْمَاط

2849- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عَبْد الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍ، حدثنا سُفْيَانُ، عن مُحمّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عن جَابِرٍ، قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏هَلْ لَكُمْ أَنْمَاطٌ‏؟‏ قلت‏:‏ وَأَنّى تَكُونُ لَنَا أَنْمَاطٌ‏؟‏ قالَ‏:‏ ‏"‏أَمَا إِنّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ أَنْمَاطٌ‏"‏، قالَ‏:‏ فَأَنا أَقُولُ لامْرَأَتِي أَخّرِي عَنّي أَنْمَاطَكِ، فَتَقُولُ‏:‏ أَلَمْ يَقَلْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِنّها سَتَكُونُ لَكُمْ أَنْمَاطٌ‏؟‏ قالَ فَأَدَعُهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏هل لكم أنماط‏)‏ وفي رواية مسلم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجت اتخذت أنماطاً، قال النووي‏:‏ الأنماط بفتح الهمزة جمع نمط بفتح النون والميم وهو ظهارة الفراش، وقيل ظهر الفراش ويطلق أيضاً على بساط لطيف له خمل يجعل على الهودج وقد يجعل ستراً‏.‏ ومنه حديث عائشة الذي ذكره مسلم بعد هذا في باب الصور قالت‏:‏ فأخذت نمطاً فسترته على الباب، والمراد في حديث جابر هو النوع الأول وقال الحافظ في الفتح‏:‏ النمط بساط له خمل رقيق ‏(‏وأنى تكون لنا أنماط‏)‏ بالتاء ا لفوقية وفي بعض النسخ التحتية ‏(‏قال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏أما‏)‏ بالتخفيف للتنبيه ‏(‏إنها‏)‏ الضمير للقصة ‏(‏ستكون‏)‏ تامة قال النووي‏:‏ فيه جواز اتخاذ الأنماط إذ لم تكن من حرير، وفيه معجزة ظاهرة بإخباره بها وكانت كما أخبر‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وفي استدلالها على جواز اتخاذ الأنماط بإخباره صلى الله عليه وسلم بأنها ستكون‏.‏‏.‏ نظر، لأن الإخبار بأن الشيء سيكون لا يقتضي إباحته إلا إن استدل المستدل به على التقرير، فيقول أخبر الشارع بأنه سيكون ولم ينه عنه فكأنه أقره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح حسن‏)‏ وفي بعض النسخ هذا حديث حسن غريب، والحديث أخرجه أيضاً البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

1722- باب ما جَاءَ في رُكوبِ ثَلاَثةٍ عَلَى دَابَة

2850- حدثنا عَبّاسُ بنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيّ، أَخْبَرَنا النّضْرُ بنُ مُحمّدٍ هو الجُرشي اليمامي، حدثنا عِكْرِمَةُ بنُ عَمّارٍ عن إِيَاسِ بنِ سَلَمَةَ، عن أَبِيهِ قالَ‏:‏ ‏"‏لَقَدْ قُدْتُ نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم وَالْحَسَنِ والْحُسَيْنِ عَلَى بَغْلَتِهِ الشّهْبَاءِ حَتّى أَدْخَلْتُهُ حُجْرَةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، هَذَا قُدّامُهُ وَهَذَا خَلْفُهُ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن ابنِ عبّاسٍ وَعَبْدِ الله بنِ جَعْفَرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا النضر بن محمد‏)‏ بن موسى الجرشي بالجيم المضمومة والشين المعجمة، أبو محمد اليامي، مولى بني أمية، ثقة له أفراد من التاسعة ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي سلمة بن الأكوع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقد قدت‏)‏ من القود، وهو نقيض السوق فهو من أمام وذاك من خلف كالقيادة كذا في القاموس، وقال في الصراح‏:‏ قود كشيدن ستور وجزآن من باب نصر ينصر ‏(‏بنبي الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين على بغلته الشهباء‏)‏ الشهبة في الألوان البياض الغالب على السواد ‏(‏هذا قدامه‏)‏ أي قدام النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس وعبد الله بن جعفر‏)‏ أما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري عنه قال‏:‏ لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة استقبلته أغيلمة بني عبد المطلب، فجعل واحداً بين يديه وآخر خلفه، وأما حديث عبد الله بن جعفر فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقى بنا، فيلقى بي أو بالحسن أو بالحسين، فجعل أحدنا بين يديه والاَخر خلفه حتى دخلنا المدينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ اعلم أنه قد وردت أحاديث تدل على المنع عن ركوب الثلاثة على الدابة الواحدة والجمع بين هذه الأحاديث المختلفة أن الجواز إذا كانت الدابة مطيقة والمنع إذا كانت عاجزة غير مطيقة‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب ثلاثة على دابة‏.‏ وسنده ضعيف وأخرج الطبري عن أبي سعيد‏:‏ لا يركب الدابة فوق اثنين‏.‏ وفي سنده لين‏.‏ وأخرج ابن أبي شيبة من مرسل زاذان أنه رأى ثلاثة على بغل فقال‏:‏ لينزل أحدكم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الثالث، ومن طريق الشعبي قوله مثله‏.‏ ومن حديث المهاجر بن قنفذ أنه لعن فاعل ذلك وقال‏:‏ إنا قد نهينا أن يركب الثلاثة على الدابة وسنده ضيعف‏.‏ وأخرج الطبري عن علي قال‏:‏ إذا رأيتم ثلاثة على دابة فارجموهم حتى ينزل أحدهم‏.‏ وعكسه ما أخرجه الطبري أيضاً بسند جيد عن ابن مسعود قال‏:‏ كان يوم بدر ثلاثة على بعير، وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة أيضاً من طريق الشعبي عن ابن عمر قال‏:‏ ما أبالي أن أكون عاشر عشرة على دابة إذا أطاقت حمل ذلك‏.‏ وبهذا يجمع بين مختلف الحديث في ذلك فيحمل ما ورد في الزجر عن ذلك على ما إذا كانت الدابة غير مطيقة كالحمار مثلاً، وعكسه على عكسه كالناقة والبغلة، قال النووي‏:‏ مذهبنا ومذهب العلماء كافة، جواز ركوب ثلاثة على الدابة إذا كانت مطيقة‏.‏ وحكى القاضي عياض منعه عن بعضهم مطلقاً وهو فاسد‏.‏

قال الحافظ‏:‏ لم يصرح أحد بالجواز مع العجز ولا بالمنع مع الطاقة، بل المنقول من المطلق في المنع والجواز محمول على القيد، انتهى‏.‏

1723- باب ما جَاءَ في نَظْرَةِ المفاجأة

2851- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أَخْبَرَنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا يُونُسُ بنُ عُبَيْدٍ، عن عَمْرِو بنِ سَعِيدٍ، عن أَبي زُرْعَةَ بنِ عَمْرِو بنِ جَرِيرٍ، عن جرِيرٍ بنِ عَبْدِ الله قالَ‏:‏ ‏"‏سَأَلْتُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عن نَظْرَةِ الْفجأةِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَأَبُو زُرْعَةَ بن عمرو اسْمُهُ هَرِمٌ‏.‏

2852- حدثناعَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنا شَرِيكٌ، عن أَبي رَبِيعَةّ، عن ابنِ بُرَيْدَةَ، عن أَبِيهِ رَفَعَهُ قالَ‏:‏ ‏"‏يَا عَلِيّ لا تُتْبِعِ النّظْرَةَ النّظْرَةَ، فَإِنّ لَكَ الأُولَى، وَلَيْستْ لَكَ الاَخِرَة‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا هشيم‏)‏ بن بشير بن القاسم ‏(‏أخبرنا يونس بن عبيد‏)‏ بن دينار العبدي ‏(‏عن عمرو بن سعيد‏)‏ القرشي أو الثقفي مولاهم أبو سعيد البصري ثقة من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة‏)‏ بضم ففتح ومد بفتح وسكون وقصر أي أن يقع بصره على الأجنبية بغتة من غير قصد، قال في النهاية يقال‏:‏ فجأة الأمر وفجاءة بالضم والمد، وفاجأه مفاجأة إذا جاءه بغتة من غير تقدم سبب، وقيده بعضهم بفتح الفاء وسكون الجيم من غير مد على المرأة انتهى‏.‏ ‏(‏فأمرني أن أصرف بصري‏)‏ أي لا أنظر مرة ثانية لأن الأولى إذا لم تكن بالاختيار فهو معفو عنها، فإن أدام النظر أثم، وعليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقل المؤمنين يغضوا من أبصارهم‏}‏، قال القاضي عياض رحمه الله‏:‏ قالوا فيه حجة على أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها‏.‏ وإنما ذلك سنة مستحبة لها، ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا شريك‏)‏ هو ابن عبد الله النخعي القاضي ‏(‏عن أبي ربيعة‏)‏ الأبادي مقبول من السادسة قيل اسمه عمر بن ربيعة ‏(‏عن ابن بريدة‏)‏ هو عبد الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تتبع النظرة النظرة‏)‏ من الاتباع، أي لا تعقبها إياها ولا تجعل أخرى بعد الأولى ‏(‏فإن لك الأولى‏)‏ أي النظرة الأولى إذا كانت من غير قصد ‏(‏وليست لك الاَخرة‏)‏ أي النظرة الاَخرة لأنها باختيارك فتكون عليك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والدارمي‏.‏

1724- باب ما جاءَ في احْتِجَابِ النّسَاءِ مِنَ الرّجَال

2853- حدثنا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنا يُونُسُ بنُ يَزِيدَ عن ابنِ شِهَابٍ عن نَبْهَانَ مَوْلَى أُمّ سَلَمَةَ‏:‏ ‏"‏أَنّهُ حَدّثَهُ أَنّ أُمّ سَلَمَةَ حَدّثَتْهُ أَنّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَمَيْمُونَةُ، قَالَتْ‏:‏ فَبَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَهُ أَقْبَلَ ابنُ أَمّ مَكْتُومٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ بَعَدَ مَا أُمِرْنَا بِالحجابِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏احْتَجِبَا مِنْهُ، فَقلت‏:‏ يَا رَسُولُ الله أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لا يُبْصِرُنَا، وَلاَ يَعْرِفُنَا‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يونس بن يزيد‏)‏ الأيلي ‏(‏عن نبهان‏)‏ المخزومي مولاهم، كنيته أبو يحيى المدني مكاتب أم سلمة، مقبول من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة‏)‏ بالرفع عطفاً على المستتر في كانت وسوغه الفعل، وتروى منصوبة عطفاً على اسم أن ومجرورة عطفاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره القاضي‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ الأوجه العطف على اسم أن ليشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كان في بيت أم سلمة وميمونة داخلة عليها، لأن تأخير المعطوف وإيقاع الفصل يدل على أصالة الأولى وتبعية الثانية كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل‏}‏ أوقع الفصل ليدل على أن إسماعيل تابع له في الرفع، ولو عطف من غير فصل أوهم الشركة ‏(‏أقبل ابن أم مكتوم‏)‏ وهو الذي نزل فيه ‏{‏أن جاءه الأعمى‏}‏ ‏(‏فدخل عليه‏)‏ أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏أفعمياوان‏)‏ تثنية عمياء، تأنيث أعمى ‏(‏ألستما تبصرانه‏)‏ قيل فيه تحريم نظر المرأة إلى الأجنبي مطلقاً، وبعض خصه بحال خوف الفتنة عليها جمعاً بينه وبين قول عائشة‏:‏ كنت أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم في المسجد، ومن أطلق التحريم قال ذلك قبل آية الحجاب، والأصح أنه يجوز نظر المرأة إلى الرجل فيما فوق السرة وتحت الركبة بلا شهوة وهذا الحديث محمول على الورع والتقوى‏.‏ قال السيوطي رحمه الله‏:‏ كان النظر إلى الحبشة عام قدومهم سنة سبع ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة، وذلك بعد الحجاب فيستدل به على جواز نظر المرأة إلى الرجل انتهى‏.‏ وبدليل أنهن كن يحضرن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ولا بد أن يقع نظرهن إلى الرجال، فلو لم يجز لم يؤمرن بحضور المسجد والمصلى ولأنه أمرت النساء بالحجاب عن الرجال، ولم يؤمر الرجال بالحجاب كذا في المرقاة‏.‏ وقال أبو داود في سننه بعد رواية حديث أم سلمة هذا ما لفظه‏:‏ هذا لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكثوم‏.‏ قد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس‏:‏ اعتدى عند ابن أم مكثوم‏.‏ فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده انتهى‏.‏ وقال الحافظ في التلخيص‏:‏ هذا جمع حسن، وبه جمع المنذري في حواشيه واستحسنه شيخنا انتهى‏.‏ وقال في الفتح‏:‏ الأمر بالاحتجاب من ابن مكثوم، لعلمه لكون الأعمى مظنة أن ينكشف منه شيء ولا يشعر به، فلا يستلزم عدم جواز النظر مطلقاً‏.‏ قال‏:‏ ويؤيد الجواز استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار، منتقبات لئلا يراهن الرجال، ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهم النساء‏.‏ فدل على مغايرة الحكم بين الطائفتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ أخرجه أصحاب السنن من رواية الزهري عن نبهان، مولى أم سلمة عنها وإسناده قوي، وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعلة قادحة‏.‏ فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة، ولم يجرحه أحد لا ترد روايته‏.‏

1725- باب مَا جَاءَ في النّهيِ عن الدّخُولِ عَلَى النّسَاءِ إِلا بِإِذْنِ الأزواج

2854- حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنا عَبْدِ الله بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنا شُعْبَة، عن الْحَكَمِ، عن ذِكْوَانَ، عن مَوْلَى عَمْرِو بنِ الْعَاصِ أَنّ عَمْرَو بنَ الْعَاصِ أَرْسَلَهُ إِلَى عَلِيٍ يَسْتَأْذِنُهُ عَلَى أَسْمَاءَ ابْنَةِ عُمَيْسٍ فَأَذِنَ لَهُ، حَتّى إِذَا فَرغَ مِنْ حَاجَتِهِ سَأَلَ المَوْلَى عَمْرَو بنَ العَاصِ عن ذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَانَا أَوْ نَهَى أَنْ نَدْخُلَ عَلَى النّسَاءِ بِغَيْرِ إِذْنِ أَزْوَاجِهِن‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وَجَابِرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن الحكم‏)‏ بن عتيبة ‏(‏عن مولى عمرو بن العاص‏)‏ كنيته أبو قيس، واسمه عبد الرحمن بن ثابت، وقيل ابن الحكم وهو غلط، ثقة من الثانية كذا في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أرسله‏)‏ أي أرسل عمرو بن العاص مولاه ‏(‏يستأذنه على أسماء ابنة عميس‏)‏ الخثعمية صحابية، تزوجها جعفر بن أبي طالب ثم أبو بكر ثم علي وولدت لهم، وهي أخت ميميونة بنت الحارث أم المؤمنين لأمها، ماتت بعد علي‏.‏ والمعنى أن عمرو بن العاص أرسل مولاه ليستأذن علي بن أبي طالب أن يدخل هو على زوجته أسماء بنت عميس لحاجة له ‏(‏فأذن‏)‏ أي علي رضي الله عنه ‏(‏له‏)‏ أي لدخوله عليها ‏(‏حتى إذا فرغ من حاجته‏)‏ أي فدخل عمرو بن العاص على أسماء حتى إذا فرغ الخ ‏(‏نهانا أو نهى أن ندخل على النساء بغير إذن أزواجهن‏)‏ فيه دليل على أنه لا يجوز الدخول على النساء إلا بإذن أزواجهن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد في مسنده‏.‏

1726- باب مَا جَاء في تَحْذِيرِ فِتنَةِ النّسَاء

2855- حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ الاّعْلَى الصّنْعَانِي، حدثنا المعتمر بنُ سُلَيمَانَ، عن أَبِيهِ، عن أَبي عُثْمَانَ، عن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ وَسَعِيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏مَا تَرَكْتُ بَعْدِي في النّاسِ فِتْنَةً أَضَرّ عَلَى الرّجَالِ مِنَ النّسَاءِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وقد رَوى هذا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الثّقَاتِ عن سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ عن أَبي عُثْمانَ عن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عن سَعِيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَداً قَالَ عن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ‏.‏ وَسَعِيدُ بنُ زَيْدٍ غَيْرُ المُعْتَمِرِ‏.‏ وفي البابِ عن أَبي سَعِيدٍ‏.‏ حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن سليمان التيمي عن ابي عثمان عن أُسامة بن زيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو سليمان بن طرخان ‏(‏عن أبي عثمان‏)‏ النهدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما تركت بعدي‏)‏ أي ما أترك، وعبر بالماضي لتحقق الموت ‏(‏فتنة‏)‏ أي امتحاناً وبلية ‏(‏أضر على الرجال من النساء‏)‏ لأن الطباع كثيراً تميل إليهن وتقع في الحرام لأجلهن وتسعى للقتال والعداوة بسببهن، وأقل ذلك أن ترغبه في الدنيا، وأي فساد أضر من هذا‏؟‏ وإنما قال بعدي‏:‏ لأن كونهن فتنة أضر ظهر بعده‏.‏ قال الحافظ في الحديث‏:‏ إن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قوله تعالى‏:‏ ‏{‏زين للناس حب الشهوات من النساء‏}‏ فجعلهن من عين الشهوات وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك، وقد قال بعض الحكماء‏:‏ النساء شر كلهن وأشر ما فيهن عدم الاستغناء عنهن، ومع أنها ناقصة العقل والدين، تحمل الرجل على تعاطي ما فيه نقص العقل والدين كشغله عن طلب أمور الدين، وحمله على التهالك على طلب الدنيا وذلك أشد الفساد انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري في النكاح ومسلم في آخر الدعوات والنسائي في عشرة النساء وابن ماجه في الفتن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي سعيد‏)‏ أخرجه مسلم عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فسينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء‏"‏‏.‏

1727- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ اتّخَاذِ القُصّة

2856- حدثنا سُوَيْدٌ، أَخْبَرَنا عَبْدُ الله، أَخْبَرَنا يُونُسُ، عن الزّهْرِيّ، أَخْبَرَنا حُمَيْدُ بنُ عَبْد الرّحْمَنِ أَنّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بِالمَدِينَةِ يخطب يَقُولُ‏:‏ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ يَا أَهْلَ المَدِينَةِ‏؟‏ إني سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، يَنْهَى عن هَذِهِ القُصّةِ وَيَقُولُ‏:‏ إِنّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتّخَذَهَا نِسَاؤهُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن مُعَاوِيَةَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا حميد بن عبد الرحمن‏)‏ بن عوف الزهري المدني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خطب بالمدينة‏)‏ أي على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية للبخاري عن سعيد بن المسيب آخر قدمة قدمها، وكان ذلك في سنة إحدى وخمسين وهي آخر حجة حجها معاوية في خلافته ‏(‏أين علماؤكم‏)‏ فيه إشارة إلى أن العلماء إذ ذاك فيهم كانوا قد قلوا وهو كذلك لأن غالب الصحابة كانوا يومئذ قد ماتوا وكأنه رأى جهال عوامهم صنعوا ذلك‏.‏ فأراد أن يذكر علماءهم وينبههم بما تركوه من إنكار ذلك، ويحتمل أن يكون ترك من بقي من الصحابة ومن أكابر التابعين إذ ذاك الإنكار، إما لاعتقاد عدم التحريم ممن بلغه الخبر فجمله على كراهة التنزيه أو كان يخشى من سطوة الأمراء في ذلك الزمان على من يستبد بالإنكار لئلا ينسب إلى الاعتراض على أولى الأمر، أو كانوا ممن لم يبلغهم الخبر أصلاً أو بلغ بعضهم، لكن لم يتذكروه حتى ذكرهم به معاوية، فكل هذه أعذار ممكنة لمن كان موجوداً إذ ذاك من العلماء، وأما من حضر خطبة معاوية وخاطبهم بقوله أين علماؤكم‏؟‏ فلعل ذلك كان في خطبة غير الجمعة ولم يتفق أن يحضره إلا من ليس من أهل العلم فقال أين علماؤكم، لأن الخطاب بالإنكار لا يتوجه إلا على من علم الحكم وأقره ‏(‏عن هذه القصة‏)‏ بضم القاف وتشديد الصاد المهملة الخصلة من الشعر، وفي رواية‏:‏ كبة من شعر ‏(‏ويقول‏)‏ هو معطوف على ينهي وفاعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم‏"‏ فيه إشعار بأن ذلك كان حراماً عليهم، فلما فعلوه كان سبباً لهلاكهم مع ما انضم إلى ذلك من ارتكابهم ما ارتكبوه من المناهي‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ هذا الحديث حجة للجمهور في منع وصل الشعر بشيء آخر سواء كان شعراً أم لا، ويؤيده حديث جابر‏:‏ زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة بشعرها شيئاً، أخرجه مسلم‏.‏ وذهب الليث ونقله أبو عبيدة عن كثير من الفقهاء، أن الممتنع من ذلك وصل الشعر بالشعر، وأما إذا وصلت شعرها بغير الشعر من خرقة وغيرها فلا يدخل في النهي‏.‏ وأخرج أبو داود بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال لا بأس بالقرامل، وبه قال أحمد، والقرامل جمع قرملة بفتح القاف وسكون الراء نبات طويل الفروع لين والمراد به هنا خيوط من حرير أو صوف يعمل ضفائر تصل به المرأة شعرها‏.‏ وفصل بعضهم بين ما إذا كان ما وصل به الشعر من غير الشعر مستوراً بعد عقده مع الشعر، بحيث يظن أنه من الشعر وبين ما إذا كان ظاهراً‏.‏ فمنع الأول قوم فقط لما فيه من التدليس وهو قوي، ومنهم من أجاز الوصل مطلقاً سواء كان بشعر آخر أو بغير شعر إذا كان يعلم الزوج وبإذنه، وأحاديث الباب حجة عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي‏.‏

1728- باب مَا جَاءَ في الْوَاصِلَةِ وَالمُسْتَوْصِلَةِ وَالوَاشِمَةِ وَالمُسْتَوْشِمَة

2857- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أَخْبَرَنا عُبَيدَةُ بنُ حُمَيْدٍ، عن مَنْصُورٍ، عن إِبْرَاهِيمَ، عن عَلْقَمَةَ، عن عَبْدِ الله ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالمُتَنَمّصَاتِ مُبْتَغِيَاتٍ لِلْحُسْنِ مُغَيّراتٍ خَلْقَ الله‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رواه شعبة وغير واحدٍ من الأئمة عن منصور‏.‏

2858- حدثنا سُوَيْدُ، أَخبرنا عَبْدُ الله بن المُبَارَكِ عن عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لَعَنَ الله الوَاصِلَةَ والْمُسْتَوْصِلَةَ وَالوَاشِمَةَ والمُسْتَوشِمَةَ‏"‏‏.‏

قالَ نَافِعٌ‏:‏ الْوَشْمُ في اللّثَةِ‏.‏

قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وفي البابِ عن عَائشَةَ وَمَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ وَابنِ عَبّاسٍ‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، حدثنا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَرَ، عن نَافِعٍ، عن ابن عُمَرَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه‏.‏

وَلَمْ يَذْكُر فِيهِ يحيى قولَ نَافِعٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبيدة‏)‏ بفتح العين ‏(‏عن عبد الله‏)‏ أي ابن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لعن الواشمات‏)‏ جمع واشمة بالشين المعجمة، وهي التي تشم ‏(‏والمستوشمات‏)‏ جمع مستوشمة، وهي التي تطلب الوشم ‏(‏والمتنمصات‏)‏ جمع متنمصة، والمتنمصة التي تطلب النماص والنامصة التي تفعله، والنماص إزالة شعر الوجه بالمنقاش، ويسمى المنقاش منماصاً لذلك، ويقال إن النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترقيقهما أو تسويتهما‏.‏ قال أبو داود في السنن‏:‏ النامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه‏.‏ قال الطبري‏:‏ لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص، إلتماس الحسن لا للزوج ولا لغيره كمن تكون مقرونة ا لحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج وعكسه، ومن تكون لها سن زائدة فتقلعها، أو طويلة فتقطع منها، أو لحية أو شارب أو عنفقة فتزيلها بالنتف ومن يكون شعرها قصيراً أو حقيراً فتطوله أو تغزره بشعر غيرها، فكل ذلك داخل في النهي وهو من تغيير خلق الله تعالى‏.‏ قال ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر والأذية كمن يكون لها سن زائدة أو طويلة تعيقها في الأكل أو أصبع زائدة تؤذيها أو تؤلمها فيجوز ذلك والرجل في هذا الأخير كالمرأة‏.‏

وقال النووي‏:‏ يستثنى من النماص ما إذا نبت للمرأة لحية أو شارب أو عنفقة، فلا يحرم عليها إزالتها بل يستحب ‏(‏مبتغيات للحسن‏)‏ أي طالبات له حال عن المذكورات ‏(‏مغيرات خلق الله‏)‏ هي أيضاً حال وهي كالتعليل لوجوب اللعن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سويد أخبرنا عبد الله بن المبارك الخ‏)‏ تقدم هذا الحديث بإسناده ومتنه في باب مواصلة الشعر من أبواب اللباس، وقد تقدم شرحه هناك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة الخ‏)‏ تقدم تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم في الباب المذكور‏.‏

1729- باب ما جَاءَ في المُتَشَبّهَاتِ بالرّجَالِ منَ النّسَاء

2859- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو داوُدَ الطّيَالِسيّ، حدثنا شُعْبَةُ، وَهَمّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ ‏"‏لَعَنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم المُتَشَبّهَاتِ بِالرّجَالِ مِنَ النّسَاءِ وَالمُتَشَبّهِينَ بالنّسَاءِ مِنَ الرّجَالِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2860- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ الْخَلاّلُ، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أَخبرنا مَعْمَرٌ عن يَحيىَ بنِ أَبي كَثِيرٍ وَأَيّوبَ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ ‏"‏لَعَنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم المُخَنّثيِنَ مِنَ الرّجَالِ وَالمُتَرَجّلاَتِ مِنَ النّسَاءِ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وفي البابِ عن عَائِشَةَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وهمام‏)‏ هو ابن يحيى الأزدي العوذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات بالرجال من النساء والمتشبهين بالنساء من الرجال‏)‏ قال الطبري‏:‏ المعنى لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا العكس‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وكذا في الكلام والمشي، فأما هيئة اللباس فتختلف باختلاف عادة كل بلد فرب قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم في اللبس، لكن يمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار، وأما ذم التشبه بالكلام والمشي فمختص بمن تعمد ذلك، وأما من كان ذلك من أصل خلقته فإنما يؤمر بتكلف تركه والإدمان على ذلك بالتدريج، فإن لم يفعل وتمادى دخله الذم، ولا سيما إن بدا منه ما يدل الرضا به، وأخذ هذا واضح من لفظ المتشبهين، وأما إطلاق من أطلق كالنووي أن المخنث الخلقي لا يتجه عليه اللوم، فمحمول على ما إذا لم يقدر على ترك التثني والتكسر في المشي والكلام بعد تعاطيه المعالجة لترك ذلك، وإلا متى كان ترك ذلك ممكناً ولو بالتدريج‏.‏ فتركه بغير عذر لحقه اللوم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال‏)‏ بفتح النون المشددة وكسرها والأول أشهر، أي المتشبهين بالنساء في الزي واللباس والخضاب والصوت والصورة والتكلم وسائر الحركات والسكنات من خنث يخنث، كعلم يعلم‏:‏ إذا لان وتكسر، فهذا الفعل منهي لأنه تغيير لخلق الله‏.‏ قال النووي‏:‏ المخنث ضربان أحدهما من خلق كذلك ولم يتكلف التخلق بأخلاق النساء وزيهن وكلامهن وحركاتهن وهذا لا ذم عليه ولا إثم ولا عيب ولا عقوبة لأنه معذور، والثاني من يتكلف أخلاق النساء وحركاتهن وكلامهن وزيهن فهذا هو المذموم الذي جاء في الحديث لعنه ‏(‏والمترجلات‏)‏ بكسر الجيم المشددة، أي المتشبهات بالرجال ‏(‏من النساء‏)‏ زياً وهيئة ومشية ورفع صوت ونحوها، لا رأياً وعلماً، فإن التشبه بهم محمود، كما روي أن عائشة رضي الله عنها كانت رجلة الرأي، أي رأيها كرأي الرجال على ما في النهاية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري وأبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة‏)‏ أخرجه أبو داود‏.‏

1730- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ خُرُوجِ المَرْأَةِ مُتَعَطّرَة

2861- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا يَحْيىَ بنُ سَعِيدٍ القَطّانُ، عن ثَابِتِ بنِ عُمَارَةَ الْحَنَفِيّ، عن غُنَيْمِ بنِ قَيْسٍ، عن أَبي مُوسَى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏كُلّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ، وَالمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرّتْ بالمَجْلِسِ، فَهِيَ كَذَا وَكَذَا، يَعْنِي زَانِيَةً‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ،

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن ثابت بن عمارة الحنفي‏)‏ البصري، كنيته أبو مالك، صدوق فيه لين من السادسة ‏(‏عن غنيم‏)‏ بضم الغين المعجمة وفتح النون مصغراً ‏(‏بن قيس‏)‏ المازني، كنيته أبو العنبر البصري، مخضرم ثقة من الثانية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كل عين زانية‏)‏ أي كل عين نظرت إلى أجنبية عن شهوة فهي زانية ‏(‏إذا استعطرت‏)‏ أي استعملت العطر ‏(‏فمرت بالمجلس‏)‏ أي مجلس الرجال ‏(‏يعني زانية‏)‏ لأنها هيجت شهوة الرجال بعطرها، وحملتهم على النظر إليها ومن نظر إليها، فقد زنى بعينيه، فهي سبب زنى العين فهي آثمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ أخرجه أبو داود وابن ماجه، وفي إسناده عاصم بن عبيد الله العمري ولا يحتج بحديثه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي، وسكت عنه أبو داود، ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره‏.‏

1731- باب مَا جَاءَ في طِيبِ الرّجالِ وَالنّسَاء

2862- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيّ، عن سُفْيَانَ عن الْجُرَيْرِيّ، عن أَبي نَضْرَةَ عن رَجُلٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏طِيبُ الرّجَالِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنَهُ وَطِيبُ النّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيحُهُ‏"‏‏.‏

2863- حدثنا عَليّ بنُ حُجْرٍ، أَخبرنا إسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ عن الجُرَيْرِيّ عن أبي نَضْرَةَ عن الطّفَاوِي، عن أبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ، قال أبو عيسى‏:‏ وهذا حديثٌ حسنٌ إلاّ أَنّ الطّفَاوِي لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ في هَذَا الْحَدِيثِ وَلاَ نَعْرِفُ اسْمَهُ، وَحَدِيثُ إِسْمَاعِيلَ بنِ إِبْرَاهِيمَ أتَمّ وَأَطْوَلُ وفي البابِ عن عِمِرَانَ بنُ حُصَيْنٍ‏.‏

2864- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أَخبرنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنفِيّ، حدثنا سَعِيدٌ عن قَتَادَةَ، عن الْحَسَنِ، عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، قالَ‏:‏ قال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ خَيْرَ طيب الرجل مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ، وَخَيْرَ طِيبِ النّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيْحُهُ‏"‏ وَنَهَى عن مَيْثَرَةِ الأَرْجُوَانِ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏طيب الرجال‏)‏ الطيب قد جاء مصدراً واسماً وهو المراد هنا ومعناه ما يتطيب به على ما ذكره الجوهري ‏(‏ما ظهر ريحه وخفي لونه‏)‏ كماء الورد والمسك والعنبر والكافور ‏(‏وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه‏)‏ كالزعفران‏.‏ في شرح السنة، قال سعد‏:‏ أراهم حملوا قوله‏:‏ وطيب النساء على ما إذا أرادت أن تخرج، فأما إذا كانت عند زوجها فلتطيب بما شاءت انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيده حديث أبي موسى المذكور في الباب المتقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم‏)‏ هو المعروف بابن علية ‏(‏عن الطفاوي‏)‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ الطفاوي عن أبي هريرة، وعنه أبو نضرة العبدي لم يسم‏.‏ وقال في التقريب‏:‏ هو شيخ لأبي نضرة لم يسم، من الثالثة لا يعرف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن الخ‏)‏ وأخرجه النسائي قال ميرك‏:‏ حسنه الترمذي وإن كان فيه مجهول لأنه تابعي والراوي عنه ثقة، فجهالته تنتفي من هذه الجهة‏.‏ قال القاري‏:‏ أو بالنظر إلى تعدد أسانيده فيكون حسناً لغيره انتهى‏.‏

قلت‏:‏ تحسين الترمذي لشواهد، وأما انتفاء جهالة التابعي المجهول الرواية الثقة عنه كما قال ميرك فممنوع، والحديث أخرجه الطبراني والضياء عن أنس‏:‏ قال المناوي‏:‏ إسناده صحيح ‏(‏وحديث إسماعيل بن إبراهيم أتم وأطول‏)‏ أخرجه أبو داود بطوله في آخر كتاب النكاح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمران بن حصين‏)‏ أخرجه الترمذي بعد هذا‏.‏

- وله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعيد‏)‏ هو ابن أبي عروبة ‏(‏عن الحسن‏)‏ البصري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونهى عن الميثرة الأرجوان‏)‏ تقدم تفسير الميثرة في باب ركوب المياثر من أبواب اللباس، وأما الأرجوان فقال الحافظ في الفتح‏:‏ بضم الهمزة والجيم بينهما راء ساكنة ثم واو خفيفة‏.‏ وحكى عياض ثم القرطبي‏:‏ فتح الهمزة وأنكره النووي، وصوب أن الضم هو المعروف في كتب الحديث واللغة والغريب‏.‏ واختلفوا في المراد به فقيل هو صبغ أحمر شديد الحمرة وهو شجر من أحسن الألوان، وقيل الصوف الأحمر، وقيل كل شيء أحمر فهو أرجوان، ويقال ثوب أرجوان وقطيفة أرجوان‏.‏ وحكى السيرافي أحمر أرجوان، فكأنه وصف المبالغة في الحمرة، كما يقال أبيض يقق، وأصفر فاقع‏.‏ واختلفوا هل الكلمة عربية أو معربة‏؟‏ فإن قلنا باختصاص النهي بالأحمر من المياثر فالمعنى في النهي عنها ما في غيرها، وإن قلنا لا يختص بالأحمر فالمعنى بالنهي عنها ما فيه من الترفه وقد يعتادها الشخص فتعوزه فيشق عليه تركها فيكون النهي نهي إرشاد لمصلحة دنيوية‏.‏ وإن قلنا النهي عنها من أجل التشبيه بالأعاجم‏؟‏ فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهو كفار، ثم لما لم يصر الاَن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى فتزول الكراهة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وفيه‏:‏ لا أركب الأرجوان، وفيه ألا وطيب الرجال ريح لا لون له، ألا وطيب النساء لون لا ريح له قال المنذري‏:‏ والحسن لم يسمع من عمران بن حصين‏.‏

1732- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ ردّ الطّيب

2865- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أَخبرنا عَبْد الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍ، أَخبرنا عَزْرَةُ بنُ ثَابِتٍ عن ثَمَامَةَ بنِ عَبْدِ الله قالَ‏:‏ ‏"‏كَانَ أَنَسٌ لاَ يَرُدّ الطّيبَ‏.‏ وَقالَ أَنَسٌ‏:‏ إِنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لاَ يَرُدّ الطّيبَ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2866- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا ابن أبي فُدَيْكٍ، عن عَبْدِ الله بنِ مُسْلِمٍ، عن أَبيهِ، عن ابنِ عُمَرَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ثَلاَثٌ لاَ تُرَدّ‏:‏ الْوَسَائِدُ وَالدّهْنُ وَالّلبَنُ‏"‏ الدهن‏:‏ يعني به الطيب‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏ وَعَبْدِ الله هو ابنُ مُسْلِمِ بنُ جُنْدُبٍ وَهُوَ مدني‏.‏

2867- أَخبرنا عُثْمانُ بنُ مَهْدِيٍ، أَخبرنا مُحمّدُ بنُ خَلِيفَةَ، أَخبرنا يَزيدُ بنُ زُرَيْعٍ عن حَجّاجٍ الصّوّافِ عن حَنَانٍ عن أَبي عُثْمانَ النّهْدِيّ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِذَا أَعْطِيَ أَحَدُكُمْ الرّيْحَانَ فَلاَ يَرُدّهُ فَإِنّهُ خَرَجَ مِنَ الْجّنَةِ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ حسنٌ، وَلاَ نَعْرِفُ لِحَنَانٍ غَيرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النّهْدِيّ اسْمُهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَلّ، وَقَدْ أَدْرَكَ زَمَنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ ولم يَرَهُ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عزرة‏)‏ بفتح أوله وسكون الزاي وفتح الراء ثم هاء ‏(‏ابن ثابت‏)‏ ابن أبي زيد بن أخطب الأنصاري، بصري ثقة من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ إنما كان لا يرد الطيب من أجل أنه ملازم لمناجاة الملائكة، ولذلك كان لا يأكل الثوم ونحوه‏.‏

قال الحافظ‏:‏ لو كان هذا هو السبب في ذلك لكان من خصائصه وليس كذلك‏.‏ فإن النساء تقتدي به في ذلك‏.‏ وقد ورد النهي عن رده مقروناً بيان الحكمة في ذلك في حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وأبو عوانة من طريق عبيد الله ابن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً‏:‏ ‏"‏من عرض عليه طيب فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة‏"‏‏.‏ وأخرجه مسلم من هذا الوجه، لكن قال ريحان بدل الطيب، ورواية الجماعة أثبت، فإن أحمد وسبعة أنفس معه رووه عن عبد الله بن يزيد المقبري عن سعيد بن أبي أيوب بلفظ الطيب ووافقه ابن وهب عن سعيد عند ابن حبان والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد‏.‏ وقد قال الترمذي عقب حديث أنس وابن عمر‏:‏ وفي الباب عن أبي هريرة فأشار إلى هذا الحديث انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ تقدم تخريجه آنفاً في كلام الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن مسلم‏)‏ بن جندب الهذلي، المدني المقري، لا بأس به من الثامنة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو مسلم بن جندب القاص، ثقة فصيح قارئ من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاث لا ترد‏)‏ أي لا ينبغي أن ترد لقلة منتها وتأذي المهدي إياها ‏(‏الوسائد‏)‏ جمع وسادة بالكسر المخدة ‏(‏والدهن واللبن‏)‏ قال الطيبي‏:‏ يريد أن يكرم الضيف بالوسادة والطيب واللبن، وهي هدية قليلة المنة، فلا ينبغي أن ترد انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ قال المناوي إسناده حسن‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عثمان بن مهدي‏)‏ لم أجد ترجمته في التقريب وتهذيب التهذيب والخلاصة وليس في هذه الكتب راو اسمه عثمان بن مهدي فلينظر من هو ‏(‏أخبرنا محمد بن خليفة‏)‏ البصري الصيرفي مقبول من العاشرة، كذا في التقريب، وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ روى عن يزيد بن زريع، وعنه الترمذي وجعفر بن أحمد الجرجرائي ‏(‏عن حنان‏)‏ بفتح أوله وتخفيف النون الأسدي، عم والد مسدد، كوفي مقبول من السادسة كذا في التقريب‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ والخلاصة عم مسدد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أعطي أحدكم‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏الريحان‏)‏ منصوب على أنه مفعول ثان‏.‏ قال في النهاية‏:‏ هو كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم ‏(‏فإنه خرج من الجنة‏)‏ أي أصله، وهو مع ذلك خفيف المحمل، أي قليل المؤنة والمنة، فلا يرد أن كثيراً من الأشياء خرج أصله من الجنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب حسن‏)‏ هذا حديث مرسل، وأخرجه أبو داود في مراسيله‏.‏

1733- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ مبَاشَرَةِ الرّجُلِ الرّجُلَ وَالمَرْأَةِ المَرْأَة

2868- حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن الأَعْمَشِ، عن شَقِيقِ بنِ سَلَمَةَ عن عَبْدِ الله قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ تُبَاشِرُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ حَتّى تَصِفَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2869- حدثنا عَبْدُ الله بنُ أَبي زِيَادٍ، أخبرنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ، أخبرني الضّحّاكُ بن عُثْمَانَ، أخبرني زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ عن عَبْد الرّحْمَن بنِ أَبي سَعِيدٍ الخدري عن أَبِيهِ، قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ يَنْظُرُ الرّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرّجُلِ، وَلاَ تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ المَرْأَةِ، وَلاَ يُفْضِي الرّجُلُ إِلَى الرّجُلِ في الثَوْبِ الْوَاحِدِ، وَلاَ تُفْضِي الْمرْأَةُ إِلَى المَرْأَةِ في الثّوْبِ الْوَاحِدِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تباشر المرأة المرأة‏)‏ زاد النسائي في روايته‏:‏ في الثوب الواحد قيل لا نافية بمعنى الناهية، وقيل ناهية والمباشرة بمعنى المخالطة والملامسة، وأصله من لمس البشرة البشرة، والبشرة ظاهرة جلد الإنسان، أي لا تمس بشرة امرأة بشرة أخرى ‏(‏حتى تصفها‏)‏ أي تصف نعومة بدنها وليونة جسدها ‏(‏وكأنه ينظر إليها‏)‏ فيتعلق قلبه بها ويقع بذلك فتنة، والمنهي في الحقيقة هو الوصف المذكور‏.‏ قال القابسي‏:‏ هذا أصل لمالك في سد الذرائع، فإن الحكمة في هذا النهي خشية أن يعجب الزوج الوصف المذكور فيقضي ذلك إلى تطليق الواصفة، أو الافتتان بالموصوفة، ووقع في رواية النسائي من طريق مسروق عن ابن مسعود بلفظ‏:‏ لا تباشر المرأة المرأة ولا الرجل الرجل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

- وله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن أبي سعيد‏)‏ الخدري، واسمه سعد بن مالك الأنصاري الخزرجي، ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يفضي‏)‏ بضم أوله أي لا يصل ‏(‏الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد‏)‏ أي لا يضطجعان متجردين تحت ثوب واحد‏.‏ قال النووي‏:‏ في الحديث تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة، وهذا مما لا خلاف فيه، وكذا الرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع، ونبه صلى الله عليه وسلم ينظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة، على ذلك بطريق الأولى، ويستثنى الزوجان فلكل منهما النظر إلى عورة صاحبه إلا أن في السوأة اختلافاً، والأصح الجواز، لكن يكره حيث لا سبب، وأما المحارم فالصحيح أنه يباح نظر بعضهم إلى بعض لما فوق السرة وتحت الركبة، قال وجميع ما ذكرنا من التحريم حيث لا حاجة من الجواز حيث لا شهوة، وفي الحديث تحريم ملاقاة بشرتي الرجلين بغير حائل إلا عند ضرورة، ويستثنى المصافحة، ويحرم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان بالاتفاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

1734- باب مَا جَاءَ في حِفْظِ الْعَورَة

اعلم أن الترمذي قد عقد قبل هذا باباً بهذا اللفظ، وأورد فيه حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، ففي عقد هذا الباب هنا وإيراد حديث بهز بن حكيم تكرار محض لا فائدة فيه

2870- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أَخبرنا مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ وَ يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، قَالاَ‏:‏ أَخبرنا بَهْزُ بنُ حَكِيمٍ، عن أَبيهِ، عن جَدّهِ قَالَ‏:‏ ‏"‏قُلْتُ يَا نَبِيّ الله عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ‏.‏ قلت‏:‏ يَا رَسُولَ الله إذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ في بَعْضٍ‏؟‏ قَالَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ يَرَاهَا أَحَدٌ فَلاَ تُرِيَنّهَا، قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيّ الله إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِياً‏؟‏ قَالَ فَالله أَحَقّ أَنْ يُسْتَحْيَى مِنْهُ مِنَ النّاسِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا معاذ بن معاذ‏)‏ العنبري التميمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا ترينها‏)‏ بضم الفوقية وكسر الراء من الإرادة، وفي بعض النسخ فلا يرينها بفتح التحتية وفتح الراء من الرؤية ‏(‏من الناس‏)‏ متعلق بقوله أحق، ومنه متعلق بقوله يستحي‏.‏

1735- باب ما جاء أن الفخذ عورة‏.‏

1736- باب مَا جَاءَ في النّظَافَة

قال في القاموس‏:‏ النظافة النقاوة، نظف ككرم فهو نظيف، ونظفه تنظيفاً فتنظف، انتهى

2875- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أَخبرنا أَبُو عَامِرٍ العقدي، أَخبرنا خَالِدُ بنُ إِلْيَاسَ، عن صَالحِ بنِ أَبي حَسّانَ، قالَ‏:‏ سَمِعْتُ سَعِيدَ بنَ المُسَيّبِ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏إِنّ الله طَيّبٌ يُحِبّ الطّيبَ، نَظِيفٌ يُحِبّ النّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبّ الكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبّ الْجُودَ، فَنَظّفُوا- أُرَاهُ قالَ- أَفْنِيَتَكُمْ، وَلاَ تَشَبّهُوا بِاليَهُودِ، قالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُهَاجِرِ بنِ مِسْمَارٍ، فَقَالَ حَدّ ثَنِيه عَامِرُ بنُ سَعْدٍ بن أبي وقاص عن أَبيهِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ إِلاّ أَنّهُ قالَ نَظّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏ وَخَالِدُ بنُ إِلْيَاسَ يُضَعّفُ وَيُقَالُ ابنُ إِيَاسٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو عامر‏)‏ العقدي، اسمه عبد الملك بن عمرو ‏(‏عن صالح بن أبي حسان‏)‏ المدني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله طيب‏)‏ أي منزه عن النقائص، مقدس عن العيوب ‏(‏يحب الطيب‏)‏ بكسر الطاء، أي طيب الحال والقال أو الريح الطيب بمعنى أنه يحب استعماله من عباده ويرضى عنهم بهذا الفعل، وهذا يلائم معنى قول نظيف ‏(‏نظيف‏)‏ أي طاهر ‏(‏يحب النظافة‏)‏ أي الطهارة الظاهرة والباطنة ‏(‏كريم يحب الكرم جواد‏)‏ بفتح جيم وتخفيف واو ‏(‏يحب الجود‏)‏ قال الراغب‏:‏ الفرق بين الجود والكرم أن الجود بذل المقتنيات، ويقال رجل جواد وفرس جواد يجود بمدخر عدو، والكرم إذا وصف الإنسان به فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر منه ولا يقال هو كريم حتى يظهر ذلك منه ‏(‏فنظفوا‏)‏ قال الطيبي‏:‏ الفاء فيه جواب شرط محذوف أي إذا تقرر ذلك فطيبوا كل ما أمكن تطييبه، ونظفوا كل ما سهل لكم تنظيفه حتى أفنية الدار، وهي متسع أمام الدار، وهو كناية عن نهاية الكرم والجود فإن ساحة الدار إذا كانت واسعة نظيفة طيبة، كانت أدعى بجلب الضيفان، وتناوب الواردين والصادرين انتهى‏.‏ ‏(‏أراه‏)‏ بضم الهمزة، أي أظنه، والقائل هو صالح بن أبي حسان السامع من ابن المسيب، أي أظن ابن المسيب ‏(‏قال أفنيتكم‏)‏ بالنصب على أنه مفعول نظفوا، وهي جمع الفناء بالكسر، أي ساحة البيت وقبالته، وقيل عتبته وسدته ‏(‏ولا تشبهوا‏)‏ بحذف إحدى التاءين عطفاً أي لا تكونوا متشبهين ‏(‏باليهود‏)‏ أي في عدم النظافة والطهارة، وقلة التطيب وكثرة البخل والخسة والدناءة ‏(‏قال‏)‏ أي صالح بن أبي حسان ‏(‏فذكرت ذلك‏)‏ أي المقال المذكور المسموع من ابن المسيب ‏(‏لمهاجر بن مسمار‏)‏ الأول بضم ميم وكسر جيم، والثاني بكسر أوله، هو الزهري مولى سعد المدني مقبول من السابعة ‏(‏فقال‏)‏ أي مهاجر ‏(‏حدثنيه عامر بن سعد‏)‏ بن أبي وقاص ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي سعد بن أبي وقاص ‏(‏مثله‏)‏ أي مثل قول سعيد بن المسيب ‏(‏إلا أنه‏)‏ أي مهاجراً ‏(‏قال‏)‏ أي في روايته ‏(‏نظفوا أفنيتكم‏)‏ أي بلا تردد وشك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب وخالد بن إلياس يضعف الخ‏)‏ قال ابن حبان يروي الموضوعات عن الثقات حتى يسبق إلى القلب أنه الواضع لها، لا يكتب حديثه إلا على جهة التعجب وهو الذي روى‏:‏ إن الله طيب يجب الطيب الخ‏.‏ وقال البخاري‏:‏ منكر الحديث ليس بشيء، وقال النسائي‏:‏ متروك الحديث، وقال مرة‏:‏ ليس بثقة ولا يكتب حديثه‏.‏ كذا في تهذيب التهذيب‏.‏

1737- باب مَا جَاءَ في الاِسْتِتَارِ عِنْدَ الْجِمَاع

2876- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مُحمّدٍ بنِ نِيْزَكٍ البَغْدَادِيّ، أَخبرنا الأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ، أَخبرنا أَبُو مُحَيّاةَ عن لَيْثٍ عن نَافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِيّاكُمْ وَالتّعَرّي، فَإِنّ مَعَكُمْ مَنْ لاَ يُفَارِقُكُمْ إِلاّ عِنْدَ الْغَائِطِ وَحِينَ يُفْضِي الرّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُم‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَبُو مُحَيّاةَ اسْمُهُ يَحْيَى بنُ يَعْلَى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا الأسود بن عامر‏)‏ لقبه شاذان ‏(‏أخبرنا أبو محياة‏)‏ بضم الميم وفتح المهملة وتشديد التحتانية وآخره هاء، اسمه يحيى بن يعلى التيمي الكوفي ثقة من الثامنة ‏(‏عن ليث‏)‏ هو ابن أبي سليم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إياكم والتعري‏)‏ أي احذروا من كشف العورة ‏(‏فإن معكم‏)‏ أي من الملائكة ‏(‏من لا يفارقكم إلا عند الغائط‏)‏ قال الطيبي رحمه الله‏:‏ وهم الحفظة الكرام الكاتبون ‏(‏وحين يفضي‏)‏ أي يصل ‏(‏فاستحيوهم‏)‏ أي منهم ‏(‏وأكرموهم‏)‏ أي بالتغطي وغيره مما يوجب تعظيمهم وتكريمهم‏.‏ قال ابن الملك‏:‏ فيه أنه لا يجوز كشف العورة إلا عند الضرورة كقضاء الحاجة والمجامعة وغير ذلك انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ في سنده ليث بن أبي سليم، وكان قد اختلط أخيراً ولم يتميز حديثه‏.‏

1738- باب مَا جَاءَ في دخُولِ الْحمّام

قال في المصباح‏:‏ الحمام مثقل معروفة والتأنيث أغلب فيقال هي الحمام وجمعها حمامات على القياس، ويذكر فيقال هو الحمام انتهى

2877- حدثنا الْقَاسِمُ بنُ دِينَارٍ الكُوفِيّ، حدثنا مُصْعَبٌ بنُ المِقْدَامِ عن الْحَسَنِ بنِ صَالِحِ عن لَيْثِ بنِ أَبي سُلَيْمٍ عَنْ طَاوُسٍ عن جَابِرٍ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلاَ يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الْحَمَامَ، وَمَنْ كَانَ يؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلا يَدْخُلْ الْحَمّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَلاَ يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ طَاوسٍ عن جَابِرٍ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏

قال مُحمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ‏:‏ لَيْثُ بنُ أَبي سُلَيْمٍ صَدُوقٌ وَرُبّمَا يَهِمُ في الشّيْءِ وَقالَ مُحمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ‏:‏ قال أَحْمَدُ بن حَنْبَلٍ‏:‏ لَيْثٌ لاَ يُفْرَحُ بِحَدِيِثِهِ كان ليث يرفع الأشياء لا يرفعها غيره فلذلك ضعفوه‏.‏

2878- حدثنا مُحمّدُ بن بَشّارٍ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَن بنُ مَهْدِيٍ، أَخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ، عن عَبْدِ الله بن شَدّادِ الأَعْرَجِ، عن أَبي عُذْرَةَ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عن عَائِشَةَ‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ نَهَى الرّجَالَ وَالنّسَاءَ عن الْحَمّامَاتِ، ثُمّ رَخّصَ لِلرّجَالِ في المَيَازِرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ القَائِدمِ‏.‏

2879- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو دَاوُدَ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عن مَنْصُورٍ، قالَ سَمِعْتُ سَالِمَ بنَ أَبي الْجَعْدِ يُحَدّثُ عن أَبي المَلِيحِ الهُذَلِيّ أَنّ نسَاءً مِنْ أَهْلِ حِمْصَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الشّامِ دَخَلْنَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ‏:‏ أَنْتُنّ اللاّتي يَدْخُلَن نِسَاؤُكُن الْحَمّامَاتِ‏؟‏ سَمِعْتُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا في غَيْرِ بَيْتٍ زَوْجِهَا إِلاّ هَتَكَتِ السّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبّهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر‏)‏ ذكر طرفي الإيمان اختصاراً أو إشعاراً بأنهما الأصل والمراد به كمال الإيمان أو أريد به التهديد ‏(‏فلا يدخل‏)‏ من باب الإدخال أي فلا يأذن بالدخول ‏(‏حليلته الحمام‏)‏ أي امرأته ‏(‏فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر‏)‏ يعني وإن لم يشرب معهم كأنه تقرير على منكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد من طريق بن لهيعة عن أبي يزيد الزبير جابر ‏(‏وقال محمد قال أحمد بن حنبل ليث لا يفرح بحديثه‏)‏ قد عرفت في الباب السابق أنه قد اختلط ولم يتميز حديثه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي عذرة‏)‏ بضم أوله وسكون المعجمة، له حديث في الحمام وهو مجهول من الثانية، ووهم من قال له صحبة كذا في التقريب، وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ قال أبو زرعة‏:‏ لا أعلم أحداً سماه، وكذا ذكره ابن حبان في الثقات، وقال يقال له صحبة ويقال جزم بصحبته مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم رخص للرجال في الميازر‏)‏ جمع مئزر وهو الإزار، قال المظهر‏:‏ وإنما لم يرخص للنساء في دخول الحمام لأن جميع أعضائهن عورة وكشفها غير جائز إلا عند الضرورة مثل أن تكون مريضة تدخل الدواء أو تكون قد انقطع نفاسها تدخل للتنظيف‏.‏ أو تكون جنباً والبرد شديد ولم تقدر على تسخين الماء وتخاف من استعمال الماء البار ضرراً أو لا يجوز للرجال الدخول بغير إزار ساتر لما بين سرته وركبته انتهى‏.‏ وقال الشوكاني في النيل تحت حديث أبي هريرة‏:‏ ‏"‏من كان يؤمن بالله واليوم الاَخر من ذكور أمتي فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كانت تؤمن بالله واليوم الاَخر من إناث أمتي فلا تدخل الحمام‏"‏ رواه أحمد ما لفظه‏:‏ هذا الحديث يدل على جواز الدخول للذكور بشرط لبس المآزر وتحريم الدخول بدون مئزر وعلى تحريمة على النساء مطلقاً، واستثناء الدخول من عذر لهن لم يثبت من طريق تصلح للاحتجاج بها، فالظاهر المنع مطلقاً، ويؤيد ذلك ما سلف من حديث عائشة الذي روته لنساء الكورة وهو أصح ما في الباب‏:‏ إلا لمريضة أو نفساء كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا إن صح انتهى‏.‏ قلت‏:‏ أشار الشوكاني بحديث عائشة إلى حديثها الاَتي في هذا الباب، وأشار الحديث الذي فيه‏:‏ إلا مريضة أو نفساء‏.‏ إلى حديث عبد الله وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إنها ستفتح لكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتاً يقال لها الحمامات فلا يدخلنها الرجال إلا بالأزر وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء‏"‏، رواه أبو داود وابن ماجه، قال المنذري في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وقد تكلم فيهما غير واحد وعبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي إفريقية وقد غمزه البخاري وابن أبي حاتم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة الخ‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه قال المنذري بعد نقل كلام الترمذي هذا وسئل أبو زرعة عن أبي عذرة هل يسمى‏؟‏ فقال لا أعلم أحداً سماه هذا آخر كلامه وقيل إن أبا عذرة أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو بكر بن حازم الحافظ‏:‏ لا يعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه‏.‏ وأبو عذرة غير مشهور وأحاديث الحمام كلها معلولة، وإنما يصح منها عن الصحابة، فإن كان هذا الحديث محفوظاً فهو صريح انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن منصور‏)‏ هو ابن المعتمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن نساء من أهل حمص‏)‏ بكسر مهملة وسكون ميم فمهملة، هي بلدة من الشام ‏(‏أو من أهل الشام‏)‏ شك من الراوي ‏(‏تضع ثيابها‏)‏ أي الساترة لها ‏(‏إلا هتكت الستر‏)‏ بكسر أوله، أي حجاب الحياء ‏(‏بينها وبين ربها‏)‏ لأنها مأمورة بالتستر والتحفظ من أن يراها أجنبي حتى لا ينبغي لهن أن يكشفن عورتهن في الخلوة أيضاً إلا عند أزواجهن فإذا كشفت أعضاءها في الحمام من غير ضرورة فقد هتكت الستر الذي أمرها الله تعالى به‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وذلك لأن الله تعالى أنزل لباساً ليواري به سوآتهن، وهو لباس التقوى، فإذا لم يتقين الله تعالى وكشفن سوآتهن هتكن الستر بينهن وبين الله تعالى انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه ابن ماجه وأبو داود وسكت عنه، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره‏.‏

1739- باب ما جَاءَ أَنّ المَلاَئِكَةّ لاَ تَدْخُلُ بَيْتَاًفِيهِ صُورَةٌ وَلا كَلْب

2880- حدثنا سَلَمَةُ بنُ شَبِيبٍ وَالْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ الْخَلاّلُ وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَاللّفْظُ لِلْحَسَنِ بنِ علي قَالُوا‏:‏ أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عن الزّهْرِيّ عن عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ، أَنّهُ سَمِعَ ابنَ عَبّاسٍ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةُ تَمَاثِيلَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2881- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، حدثنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عن إِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أَبي طَلْحَةَ أَنّ رَافِعَ بنَ إِسْحَاقَ، أخبره قَالَ‏:‏ ‏"‏دَخَلْتُ أَنَا وعَبْدِ الله بنِ أَبي طَلْحَةَ عَلَى أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ نَعُودُهُ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ، أخبرنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَنّ المَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ تَماثِيلُ أَوْ صُورَةٌ‏"‏‏.‏

شَكّ إِسْحَاقُ لاَ يَدْرِي أَيّهُمَا قَالَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2882- حدثنا سُوَيْدُ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا يُونُسُ ابنُ أَبي إِسْحَاقَ، أخبرنا مُجَاهِدٌ، قال أخبرنا أَبُو هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَتَانِي جِبْرَيلُ فَقَالَ‏:‏ إنّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ البَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعَنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ البَيْتَ الّذِي كُنْتَ فِيهِ إِلاّ أَنّهُ كَانَ في بَابِ البَيْتِ تِمْثَالُ الرّجَالِ، وَكَانَ في البَيْتَ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ في البَيْتِ كلْبٌ‏.‏ فَمُرْ بِرَأْسِ التّمْثَالِ الّذِي بِالْبَابِ فَلْيُقْطَعْ فَليَصِيرَ كَهَيْئَةِ الشّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسّتْرِ فَلْيُقْطَعْ وَيُجْعَلُ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبِذَتَيْنِ تُوطَآنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجْ‏.‏ فَفَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلْبُ جِرْواً لِلْحُسَيْنِ أَوْ للحَسَنِ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وفي البابِ عن عَائِشَةَ وأبي طلحة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لا تدخل الملائكة‏)‏ أي ملائكة الرحمة لا الحفظة، وملائكة الموت ‏(‏بيتاً‏)‏ أي مسكناً ‏(‏فيه كلب‏)‏ أي إلا كلب الصيد والماشية والزرع، وقيل إنه مانع أيضاً، وإن لم يكن اتخاذه حراماً ‏(‏ولا صورة تماثيل‏)‏ جمع تمثال بالكسر، وهو الصورة كما في القاموس وغيره، والمعنى صورة من صور الإنسان أو الحيوان‏.‏ قال النووي‏:‏ قال العلماء سبب امتناعهم من بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة وفيها مضاهاة بخلق الله تعالى، وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى، وبسبب امتناعهم من بيت فيه كلب لكثرة أكله النجاسات، ولأن بعضها يسمى شيطاناً كما جاء به الحديث، والملائكة ضد الشياطين، ولقبح رائحة الكلب والملائكة تكره الرائحة القبيحة، ولأنها منهى عن اتخاذها، فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه، واستغفارها له وتبريكها عليه وفي بيته ودفعها أذى الشيطان، وأما هؤلاء الملائكة الذين لا يدخلون بيتاً فيه كلب أو صورة فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار، وأما الحفظة فيدخلون في كل بيت ولا يفارقون بني آدم في كل حال، لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها‏.‏ قال الخطابي‏:‏ وإنما لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور، فأما ما ليس بحرام من كلب الصيد والزرع والماشية والصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرهما فلا يمتنع دخول الملائكة بسببه‏.‏ وأشار القاضي إلى نحو ما قاله الخطابي‏.‏ والأظهر أنه عام في كل كلب وكل صورة وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث، ولأن الجرو الذي كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم تحت السرير كان له فيه غير ظاهر، فإنه لم يعلم به، ومع هذا امتنع جبريل صلى الله عليه وسلم من دخول البيت وعلل بالجرو، فلو كان العذر في وجود الصورة والكلب لا يمنعهم لم يمتنع جبرائيل انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أن رافع بن إسحاق‏)‏ المدني، مولى أبي طلحة، ثقة من الثالثة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أتيتك البارحة‏)‏ أي الليلة الماضية ‏(‏فلم يمنعني‏)‏ أي مانع ‏(‏أن أكون‏)‏ أي من أن أكون ‏(‏إلا أنه‏)‏ أي الشأن ‏(‏كان في باب البيت‏)‏ أي في ستره ‏(‏تمثال الرجال‏)‏ بكسر التاء أي تصوير الرجال ‏(‏وكان‏)‏ عطف على كان الأول، فهو من جملة كلام جبرئيل، أي وكان أيضاً ‏(‏في البيت قرام ستر‏)‏ بكسر السين، والقرام بكسر القاف قال في القاموس‏:‏ القرام ككتاب الستر الأحمر أو ثوب ملون من صوف فيه رقم ونقوش أو ستر رقيق‏.‏ وقال في النهاية‏:‏ القرام الستر الرقيق، وقيل الصفيق من صوف ذي ألوان والإضافة فيه كقولك‏:‏ ثوب قميص، وقيل القرام الستر الرقيق وراء الستر الغليظ، ولذلك أضاف ‏(‏فيه تماثيل‏)‏ جمع تمثال، أي تصاوير ‏(‏وكان في البيت كلب‏)‏ أي أيضاً ‏(‏فيصير كهيئة الشجرة‏)‏ قال في شرح السنة‏:‏ فيه دليل على أن الصورة إذا غيرت هيئتها بأن قطعت رأسها أو حلت أوصالها حتى لم يبق منها إلا الأثر على شبه الصور، فلا بأس به، وعلى أن موضع التصوير إذا نقض حتى تنقطع أوصاله جاز استعماله ‏(‏منتبذتين‏)‏ أي مطروحتين مفروشتين ‏(‏توطآن‏)‏ بصيغة المجهول، أي تهانان بالوطء عليهما والقعود فوقهما والاستناد عليهما، وأصل الوطأ‏:‏ الضرب بالرجل ‏(‏ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي جميع ما ذكر ‏(‏وكان ذلك الكلب جرو للحسين والحسن‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الجرو مثلثة صغير كل شيء حتى الحنظل والبطيخ ونحوه وولد الكلب ‏(‏تحت نضد له‏)‏ بفتح النون والضاد المعجمة فعل بمعنى مفعول، أي تحت متاع البيت المنضود بعضه فوق بعض، وقيل هو السرير سمى بذلك لأن النضد يوضع عليه، أي يجعل بعضه فوق بعض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة‏)‏ أخرجه الشيخان‏.‏

1740- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةِ لُبْسِ المُعَصْفَر لِلرّجَالِ والقَسِي

2883- حدثنا عَبَاسُ بنُ مُحمّدٍ البَغْدَادِيّ، أخبرنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا إسْرَائِيلُ، عن أَبِي يَحْيىَ، عن مُجَاهِدٍ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو قالَ‏:‏ ‏"‏مَرّ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ فَسَلّمَ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرُدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ‏:‏ أَنّهُ كَرِهُوا لُبْسَ المُعَصْفَرِ، وَرَأَوْا أَنّ مَا صُبِغَ بِالْحُمْرَةِ بِالمَدَرِ أَو غَيْرِ ذَلِكَ فَلاَ بَأْسَ بِهِ إِذَا لم يَكُنُ مُعَصْفَراً‏.‏

2884- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا أَبُو اْلأحْوَصِ عن أَبي إِسْحَاقَ عن هُبَيْرَةَ بنِ يَرِيمَ، قالَ‏:‏ قالَ عَلِيّ بنُ أَبي طَالِبٍ‏:‏ ‏"‏نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عن خَاتَمِ الذّهَبِ وَعن القِسّيّ وَعن المَيثَرَةِ وعن الجُعّةِ‏"‏‏.‏

قالَ أبو الأحْوَصِ‏:‏ وَهُوَ شَرَابٌ يُتّخَذُ بِمِصْرَ مِنَ الشّعِيرِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2885- حدثنا مُحمّدُ بْنُ بَشّارٍ، أخبرنا مُحمّدُ بْنُ جعفرٍ وعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍ، قالا‏:‏ أخبرنا شُعْبَةُ عن الأشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ عن مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقرّنٍ عن الْبَراءِ بْنِ عَازِبٍ قال‏:‏ ‏"‏أمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ‏:‏ أَمَرَنَا بِاتّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَعِيادَةِ المَرِيضِ، وَتشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةِ الدّاعِي، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ المُقْسِمِ، وَرَدّ السّلاَمِ‏.‏ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ‏:‏ عَنْ خَاتَمِ الذّهَبِ أَوْ حَلْقَةِ الذّهَبِ وَآنِيَةِ الْفِضّةِ وَلُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدّيبَاج وَالإِسْتَبْرَقِ وَالْقِسّيّ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وأشعتُ بنُ سُلَيْمٍ هو أشعثُ بنُ أَبي الشّعْثاءِ اسْمُهُ سُلَيْمُ بنُ الأَسْوَدِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عباس بن محمد البغدادي‏)‏ هو الدوري ‏(‏أخبرنا إسحاق بن منصور‏)‏ هو السلولى ‏(‏أخبرنا إسرائيل‏)‏ هو ابن يونس ‏(‏عن أبي يحيى‏)‏ هو القتات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مر رجل وعليه ثوبان أحمران إلخ‏)‏ احتج بهذا الحديث القائلون بكراهة لبس الأحمر، وأجاب المبيحون عنه بأنه ضعيف لا ينتهض للاستدلال به‏.‏ وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في باب الرخصة في الثوب الأحمر للرجال من أبواب اللباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه‏)‏ أخرجه أبو داود، قال المنذري في تلخيص السنن‏:‏ بعد نقل كلام الترمذي هذا‏:‏ في إسناده أبو يحيى القتات وهو كوفي ولا يحتج بحديثه وقال الحافظ في الفتح‏:‏ وهو حديث ضعيف الاسناد وإن وقع في بعض نسخ الترمذي أنه قال حديث حسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم أنه كره لبس المعصفر، ورأوا أن ما صبغ بالحمرة بالمدر الخ‏)‏ قال في القاموس‏:‏ المدر محركة قطع الطين اليابس انتهى، ومراد الترمذي بالمدر ههنا هو الطين الأحمر الذي يصبغ به الثوب فيصير أحمراً‏.‏ وحاصل كلامه أن المراد بالثوب الأحمر في هذا الحديث عند أهل العلم، هو المعصفر أي المصبوغ بالعصفر وهو الممنوع، وأما المصبوغ بالحمرة من غير العصفر فلا بأس به، وقد تقدم الكلام في لبس المعصفر في باب كراهية المعصفر للرجال من أبواب اللباس‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن هبيرة‏)‏ بضم الهاء وفتح الموحدة مصغراً ‏(‏بن يريم‏)‏ بفتح التحتية بوزن عظيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن القسي وعن الميثرة‏)‏ تقدم تفسيرهما في كتاب اللباس ‏(‏وعن الجعة‏)‏ كعدة هي النبيذ المتخذ من الشعير، قاله الجزري في النهاية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الترمذي في باب النهي عن القراءة في الركوع والسجود بلفظ‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس القسي والمعصفر، وعن تختم الذهب، وعن قراءة القرآن في الركوع، وأخرجه أيضاً مسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن جعفر‏)‏ المعروف بغندر ‏(‏عن الأشعث بن سليم‏)‏ هو أشعث بن أبي الشعثاء المحاربي الكوفي ثقة من السادسة ‏(‏عن معاوية بن سويد ابن مقرن‏)‏ المزني الكوفي، ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإبرار المقسم‏)‏ أي الحالف، يعني جعله باراً صادقاً في قسمه أو جعل يمينه صادقة‏.‏ والمعنى أنه لو حلف أحد على أمر مستقبل وأنت تقدر على تصديق يمينه ولم يكن فيه معصية، كما لو أقسم أن لا يفارقك حتى تفعل كذا وأنت تستطيع فعله فافعل كيلا يحنث، وقيل هو إبراره في قوله والله لتفعلن كذا، قال الطيبي‏:‏ قيل هو تصديق من أقسم عليه وهو أن يفعل ما سأله الملتمس، وأقسم عليه أن يفعله يقال بر وأبر القسم إذا صدقه ‏(‏عن خاتم الذهب أو حلقة الذهب‏)‏ شك من الراوي ‏(‏ولبس الحرير والديباج والإستبرق‏)‏ بكسر همزة‏:‏ ما غلظ من الحرير، والديباج ما رق‏.‏ والحرير أعم وذكرهما معه لأنهما لما خصا بوصف صارا كأنهما جنسان آخران‏.‏ قاله الكرماني‏:‏ ووقع في بعض روايات هذا الحديث عند البخاري وغيره النهي عن المياثر الحمر، وبهذا يظهر مناسبة الحديث للباب، وروى أو يعلى الموصلي في مسنده من حديث ابن عباس قال‏:‏ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن خواتيم الذهب والقسية والميثرة الحمراء المصبغة من العصفر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وغيرهما‏.‏

1741- باب مَا جَاءَ في لُبْسِ الْبَياض

2886- حدثنا مُحمّدُ بن بَشّارٍ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِي، حدثنا سُفْيَانُ، عن حَبِيبِ بن أبي حبيبٍ بْنِ أبي ثَابِتٍ، عن مَيْمُونِ بْنِ أبي شَبِيب، عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الْبَسُوا الْبَيَاضَ فَإِنّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، وَكَفّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وفي البابِ عن ابنِ عَبّاسٍ وَابنِ عُمَرَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏البسوا‏)‏ بفتح الموحدة من باب سمع يسمع ‏(‏البياض‏)‏ أي الثياب البيض كما في رواية ‏(‏فإنها أطهر‏)‏ أي لا دنس ولا وسخ فيها، قال الطيبي‏:‏ لأن البيض أكثر تأثراً من الثياب الملونة، فتكون أكثر غسلاً منها فتكون أطهر ‏(‏وأطيب‏)‏ أي أحسن طبعاً أو شرعاً، ويمكن أن يكون تأكيداً لما قبله، لكن التأسيس أولى من التأكيد، وقيل أطيب لدلالته غالباً على التواضع، وعدم الكبر والخيلاء والعجب وسائر الأخلاق الطيبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس وابن عمر‏)‏ أما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في باب ما يستحب من الأكفان، وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن عدي في الكامل‏.‏

1742- باب مَا جَاءَ فِي الرّخْصَةِ في لُبْسِ الْحُمْرةِ لِلرّجَال

اعلم أن الترمذي قد عقد باباً في أبواب اللباس بلفظ باب ما جاء في الرخصة في الثوب الأحمر للرجال وأورد فيه حديث البراء ففي عقده هنا في هذا الباب تكرار

2887- حدثنا هَنّادٌ، حدثنا عَبْثَرُ بْنُ الْقَاسِمِ، عن الأشْعَتِ وَهُوَ ابْنُ سِوَارٍ، عن أَبي إِسْحَاقَ، عن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قال‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في لَيْلَةٍ إِضْحِيَانِ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَإِلَى الْقَمَرِ وَعَلَيْهِ حُلّةٌ حَمْرَاءُ فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ الْقَمَرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ من حدِيثِ الأشعث وروى شُعْبَةُ وَالثّوْرِيّ عن أبي إِسْحَاقَ عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قال‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ عَلَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حُلَةً حَمْرَاءَ‏"‏‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏- حدثنا بِذَلِكَ محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا وَكِيعٌ، أخبرنا سُفْيَانُ عن أبي إِسْحَاقَ، وحدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارِ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ جعفرٍ، أخبرنا شُعْبَةُ عن أبي إِسْحَاقَ بهذا‏.‏

وفي الحديثِ كلامٌ أكثرُ من هذا‏:‏ قال‏:‏ سأَلْتُ مُحمّداً فقلت لَهُ‏:‏ حديثُ أبي إِسْحَاقَ عن الْبَرَاءِ أَصَحّ أو حديثُ جَابرِ بنِ سَمُرَةَ‏؟‏ فَرَأَى كِلاَ الحديثَيْنِ صحيحاً‏.‏ وفي البابِ عن البَرَاءِ وَأَبِي جُحَيْفَةَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان‏)‏ بكسر الهمزة والحاء وتخفيف التحتية وهو منصرف وإن كان ألفه ونونه زائدتين لوجود إضحيانة، قال في القاموس‏:‏ ليلة ضحياء وإضحيانة وإضحية بكسرهما‏:‏ مضيئة، ويوم ضحياة، وقال في الفائق‏:‏ أي مقمرة من أولها إلى آخرها، وأفعلان مما قل في كلامهم ‏(‏فجعلت أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي نظرة ‏(‏وإلى القمر‏)‏ أي أخرى لأنظر الترجيح بينهما في الحسن الصوري ‏(‏وعليه حلة حمراء‏)‏ جملة حالية معترضة، استدل بهذا على جواز لبس الثوب الأحمر للرجال وقد تقدم الكلام في هذه المسألة مبسوطاً في باب الرخصة في الثوب الأحمر للرجال ‏(‏فإذا هو عندي أحسن من القمر‏)‏ أي في نظري أو معتقدي، ولفظ الترمذي في الشمائل‏:‏ فلهو عندي أحسن من القمر، أي لزيادة الحسن المعنوي فيه صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الدارمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الحديث كلام أكثر من هذا‏)‏ يعني أن حديث البراء مطول، وقد أخرج الترمذي هذا الحديث المطول في باب الرخصة في الثوب الأحمر للرجال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن البراء وأبي جحيفة‏)‏ أما حديث البراء فالظاهر أنه أراد به غير حديثه المذكور ولينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث أبي جحيفة فأخرجه البخاري في باب الصلاة في الثوب الأحمر‏.‏

1743- باب مَا جَاءَ في الثّوْبِ اْلاّخْضَر

2888- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا عَبْد الرّحْمَن بْنُ مَهْدِيٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عن أَبِيهِ، عن أَبي رِمْثَةَ قال‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ من حديثِ عُبَيْدِ الله بْنِ إِيَادٍ‏.‏ وأبو رِمْثَةَ التّيْمي يقال اسْمُهُ حَبِيبُ بْنُ حَيّانَ، ويُقَالُ اسْمُهُ رِفَاعَةُ بْنُ يَثْرِبِي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبيد الله بن إياد بن لقيط‏)‏ السدوسي أبو السليل بفتح المهملة وكسر اللام وآخره لام أيضاً الكوفي، كان عريف قومه، صدوق لينه البزار وحده من السابعة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو إياد بكسر أوله ثم تحتانية ابن لقيط السدوسي ثقة من الرابعة ‏(‏عن أبي رمثة‏)‏ بكسر أوله وسكون الميم بعدها مثلثة، صحابي، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنه إياد بن لقيط وثابت بن أبي منقذ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران‏)‏ وفي رواية لأحمد‏:‏ وعليه ثوبان أخضران‏.‏ أي مصبوغان بلون الخضرة وهو أكثر لباس أهل الجنة كما وردت به الأخبار ذكره ميروك، وقد قال تعالى ‏{‏عاليهم ثياب سندس خضر‏}‏ وهو أيضاً من أنفع الألوان للأبصار ومن أجملها في أعين الناظرين‏.‏

قال القارى‏:‏ ويحتمل أنهما كانا مخطوطين بخطوط خضر، كما ورد في بعض الروايات بردان بدل ثوبان، والغالب أن البرود ذوات الخطوط انتهى‏.‏

قلت‏:‏ هذا الاحتمال بعيد لا دليل عليه والظاهر أنهما كانا أخضرين بحتين‏.‏ قال العصام‏:‏ المراد بالثوبين الإزار والرداء، وما قيل فيه إن لبس الثوب الأخضر سنة ضعفه ظاهر، إذ غاية ما يفهم منه أنه مباح انتهى‏.‏

قال القاري‏:‏ وضعفه ظاهر، لأن الأشياء مباحة على أصلها، فإذا اختار المختار شيئاً منها يلبسه، لا شك في إفادة الاستحباب انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏

1744- باب مَا جَاءَ في الثّوْبِ الأَسْوَد

2889- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا يَحْيىَ بنُ زَكَرِيّا بنِ أَبي زائِدةَ، أخبرني أبي، عن مُصْعَبِ بنِ شَيْبَةَ، عن صَفِيّةَ بنت شَيْبَةَ، عن عائِشَةَ قَالتْ‏:‏ ‏"‏خَرَجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وعليه مرط‏)‏ بكسر الميم وإسكان الراء‏.‏ هو كساء يكون تارة من صوف، وتارة من شعر أو كنان أو خز‏.‏ قال الخطابي‏:‏ هو كساء يؤتزر به، وفي رواية مسلم وأبي داود‏:‏ وعليه مرط مرحل‏.‏ قال النووي‏:‏ هو بفتح الراء وفتح الحاء المهملة المشددة، هذا هو الصواب الذي رواه الجمهور وضبطه المتقنون‏.‏ وحكى القاضي أن بعضهم رواه بالجيم، أي عليه صور الرجال، والصواب الأول ومعناه عليه صورة رحال الإبل ولا بأس بهذه الصور، وإنما يحرم تصوير الحيوان انتهى‏.‏ قال الخطابي المرحل هو الذي فيه خطوط، ويقال إنما سمي مرحلاً لأن عليه تصاوير رحل أو ما يشبهه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود‏.‏

1745- باب مَا جَاءَ في الثّوْبِ الأَصْفَر

2890- حدثنا عَبْدُ بنُ حَمْيدٍ، أخبرنا عَفّانُ بنُ مُسْلِمِ الصّفّارُ أبو عُثْمَانَ، أخبرنا عَبْدِ الله بنُ حَسّانَ أَنّهُ حَدّثَتْهُ جَدّتَاهُ صَفِيّةُ بِنْتُ عُلَيْبَةَ وَدُحَيْبَةُ بِنْتُ عُلَيْبَةَ، حَدّثَتَاهُ عن قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةّ، وَكَانَتَا رَبِيبَتيها وَقِيلَةُ جَدّةُ أَبِيهِا أُمّ أُمّهِ أَنّهَا قالَتْ‏:‏ ‏"‏قَدِمْنَاعَلَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَتِ الحديثَ بِطُولِهِ حَتّى جَاءَ رَجُلٌ وَقَدِ ارْتَفَعَتِ الشَمْسُ، فَقَالَ‏:‏ السّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏وَعَلَيْكَ السّلاَمُ وَرَحْمةُ الله، وَعَلَيْهِ- تَعْنِي النبيّ صلى الله عليه وسلم- أَسْمَالُ مُلَيّتَيْنِ كَانَتَا بِزَعْفَرَانٍ وَقَدْ نَفَضَتَا وَمَعَهُ عَسِيْبُ نَخْلَةٍ‏"‏‏.‏

حديث قَيْلَةَ لا نَعْرِفُهُ إلاّ من حديث عبدِ الله بنِ حَسّانَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله حسان‏)‏ التميمي أبو الجنيد العنبري، مقبول من السابعة ‏(‏أنه حدثته جدتاه صفية بنت عليبة‏)‏ بضم العين وفتح اللام وسكون التحتية وبالموحدة مقبولة من الثالثة ‏(‏ودحيبة‏)‏ بضم الدال وفتح الحاه المهملتين وسكون التحتية وبالموحدة العنبرية مقبولة من الثالثة ‏(‏عن قيلة‏)‏ بفتح القاف وسكون التحتية ‏(‏بنت مخرمة‏)‏ العنبرية، صحابية لها حديث طويل، هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع حريث بن حسان وافد بني بكر بن وائل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذكرت الحديث بطوله‏)‏ أخرج البخاري في الأدب المفرد طرفاً منه في باب القرفصاء، وأخرجه أبو داود مختصراً في باب إقطاع الأرضين من كتاب الخراج، وفي باب جلوس الرجل من كتاب الأدب، ولم أقف على من أخرجه بطوله‏.‏ وقال المنذري قد شرح حديث قيلة أهل العلم بالغريب، وهو حديث حسن ‏(‏وعليه‏)‏ أي على النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏تعني النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي تريد قيلة أن الضمير المجرور في قولها‏:‏ وعليه راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏أسمال مليتين‏)‏ جمع سمل بسين مهملة وميم مفتوحتين وهو الثوب الخلق، والمراد بالجمع ما فوق الواحد، على أن الثوب الواحد قد يطلق عليه أسمال باعتبار اشتماله على أجزاء، وحينئذ فلا إشكال في إضافته إضافة بيانية إلى مليتين، تصغير ملاءة بالضم والمد لكن بعد حذف الألف وهي كما في النهاية‏:‏ الإزار والريطة، وفي الصحاح‏:‏ هي الملحفة‏.‏ كذا في شرح الشمائل لابن حجر المكي ‏(‏كانتا بزعفران‏)‏ أي مصبوغتين بزعفران ‏(‏وقد نفضتا‏)‏ قال في النهاية‏:‏ أي نصل لون صبغهما ولم يبق إلا الأثر انتهى، فلا ينافي لبسه صلى الله عليه وسلم هاتين المليتين ما ورد من النهي عن لبس المزعفر ‏(‏ومعه‏)‏ أي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏عسيب نخلة‏)‏ بضم العين وفتح السين المهملة تصغير عسيب‏.‏ قال في القاموس‏:‏ العسيب جريدة من النخل مستقيمة دقيقة يكشط خوصها والذي لم ينبت عليه الخوص من السعف‏.‏