فصل: 44- كتاب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


44- كتاب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

1779- باب ما جَاءَ في فَضْلِ فَاتِحةِ الْكِتَاب

2951- حدثنا قُتَيْبَةُ أخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بنُ مُحمّدٍ عن الْعَلاءِ بنِ عَبْد الرّحْمَنِ عن أَبِيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ‏:‏ ‏"‏أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى أُبَيّ بنِ كَعْبٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يَا أُبيّ- وَهُوَ يُصَلّي- فَالتَفَتَ أُبيٌ فَلَمْ يُجِبْهُ، وَصَلّى أُبيٌ فَخّفَفَ‏.‏ ثُمّ انْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ‏:‏ السّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ وَعَلَيْكَ السّلاَمُ مَا مَنَعَكَ يَا أُبي أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتَكَ‏؟‏ فَقَالَ يَا رَسُولَ الله‏:‏ إِني كُنْتُ في الصّلاَةِ، قالَ‏:‏ أَفَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أَوْحَى الله إِليّ ‏{‏أَنْ اسْتَجِيبُوا لله وَالرّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ‏}‏ قال‏:‏ بَلَى وَلاَ أَعُودُ إِنْ شَاءَ الله‏.‏ قالَ‏:‏ أَتُحِبّ أَنْ أُعَلّمَكَ سُورَةً لَمْ يُنزَلُ فِي التّوْرَاةِ وَلاَ في الإِنْجِيلِ وَلاَ في الزّبُورٍ وَلاَ في القُرْآنِ مِثْلُهَا‏؟‏ قال نَعَمْ يَا رَسُولُ الله، فَقَالَ رَسُولُ الله ‏"‏كَيْفَ تَقْرَأ في الصّلاَةِ‏؟‏‏"‏ قالَ‏:‏ فَقَرَأَ أُمّ القُرْآنِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِي التّوْرَاةِ، وَلاَ فِي الإِنْجِيلِ، وَلاَ في الزّبُورِ، وَلاَ في الفُرقَانِ مِثْلُهَا‏.‏ وَإِنّهَا سَبْعٌ مِنَ المَثَاني، وَالقُرْآنُ الْعَظِيمُ الّذِي أُعْطِيْتُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وفي البابِ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ وَفيه عن أبي سعيد بن المصلى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أبي بن كعب الخ‏)‏ وقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المعلي قال‏:‏ كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ جمع البيهقي بأن القصة وقعت لأبي بن كعب ولأبي سعيد بن المعلى، قال ويتعين المصير إلى ذلك لاختلاف مخرج الحديثين واختلاف سياقهما ‏(‏والتفت أبي فلم يجبه‏)‏ أي لم يأته وفي رواية عند البخاري من حديث أبي سعيد بن المعلي‏:‏ فلم آته حتى صلبت ثم أتيته ‏(‏أفلم تجد فيما أوحى الله إلي أن ‏{‏استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم‏}‏‏)‏ أي إلى ما يحييكم من أمر الدين لأنه سبب الحياة الأبدية‏.‏ قال الطيبي وغيره من الشافعية‏:‏ دل الحديث على أن إجابة الرسول لا تبطل الصلاة كما أن خطابه بقولك السلام عليك أيها النبي لا تقطعها قال الحافظ في الفتح‏:‏ فيه بحث لاحتماله أن تكون إجابته واجبة مطلقاً سواء كان المخاطب مصلياً أو غير مصل أما كونه يخرج بالإجابة من الصلاة أو لا يخرج فليس من الحديث ما يستلزمه فيحتمل أن تجب الإجابة ولو خرج المصلي من الصلاة وإلى ذلك جنح بعض الشافعية انتهى ‏(‏ولا في القرآن‏)‏ أي في بقية القرآن ‏(‏مثلها‏)‏ أي سورة مثلها ‏(‏كيف تقرأ في الصلاة‏؟‏ قال فقرأ أم القرآن‏)‏ يعني الفاتحة وسميت بها لاحتوائها واشتمالها على ما في القرآن إجمالاً أو المراد بالأم الأصل فهي أصل قواعد القرآن ويدور عليها أحكام الإيمان‏.‏ قال الطيبي، فإن قلت كيف طابق هذا جواباً عن السؤال بقوله كيف تقرأ لأنه سؤال عن حالة القراءة لا نفسها‏؟‏ قلت‏:‏ يحتمل أن يقدر فقرأ أم القرآن مرتلاً ومجوداً، ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام سأل عن حال ما يقرأه في الصلاة أهي سورة جامعة حاوية لمعاني القرآن أم لا، فلذلك بأم القرآن وخصها بالذكر أي هي جامعة لمعاني القرآن وأصل لها ‏(‏وإنها سبع من المثاني‏)‏ يحتمل أن تكون من بيانية أو تبعيضية، وفي هذا تصريح بأن المراد بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد آتيناك سبعاً من المثاني‏}‏ هي الفاتحة، وقد روى النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس أن السبع المثاني هي السبع الطوال أي السور من أول البقرة إلى آخر الأعراف ثم براءة وقيل يونس، وعلى الأول فالمراد بالسبع الاَي لأن الفاتحة سبع آيات وهو قول سعيد بن جبير، واختلف في تسميتها مثاني فقيل فقيل لأنها تثنى في كل ركعة أي تعاد، وقيل لأنها يثنى بها على الله تعالى، وقيل لأنها استثنيت لهذه الأمة لم تنزل على من قبلها، ويأتي بقية الكلام في هذا في تفسير سورة الحجر ‏(‏والقرآن العظيم الذي أعطيته‏)‏ قيل هو من إطلاق الكل على الجزء للمبالغة‏.‏ قال الخطابي‏:‏ فيه دلالة على أن الفاتحة هي القرآن العظيم وأن الواو ليست بالعاطفة التي تفصل بين الشيئين وإنما هي التي تجيء بمعنى التفصيل كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاكهة ونخل ورمان‏}‏ وقوله ‏{‏وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل‏}‏ انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وفيه بحث لاحتمال أن يكون قوله والقرآن العظيم محذوف الخبر، والتقدير ما بعد الفاتحة مثلاً فيكون وصف الفاتحة انتهى بقوله هي السبع المثاني ثم عطف قوله والقرآن العظيم أي ما زاد على الفاتحة، وذكر ذلك رعاية لنظم الاَية، ويكون التقدير والقرآن العظيم هو الذي أوتيته زيادة على الفاتحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الدارمي من قوله ‏"‏ما أنزلت‏"‏ ولم يذكر أبي بن كعب‏.‏ كذا في المشكاة وقال المنذري في الترغيب‏:‏ ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم باختصار عن أبي هريرة عن أبي وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس‏)‏ أخرجه ابن حبان في صحيحه‏.‏ والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وفيه‏:‏ ألا أخبرك بأفضل القرآن قال بلى فتلا ‏(‏الحمد لله رب العالمين‏)‏‏.‏

1780- باب ما جَاءَ في سُورَة الْبقَرَةِ وَآيَةِ الكُرْسِي

2952- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ الْحلواني أَبُو أُسَامَةَ أخبرنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بنُ جَعْفَرٍ عن سَعِيدٍ المُقْبُرِيّ عن عَطَاءٍ مَوْلَى أَبي أَحْمَدَ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏بَعَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثْاً وَهُمْ ذَوو عَدَدٍ فَاسْتَقْرَأَهُمْ فَاسْتَقْرَأَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ- يَعْنِي مَا مَعَهُ مِنَ القُرْآنِ- فَأَتَى عَلَى رَجُلٍ منْهُمْ مِنْ أَحْدَثهِمْ سِناً، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَا مَعَكَ يَا فُلاَنُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ مَعِي كَذَا وَكَذَا وَسُورَةُ البَقَرَةِ، فَقَالَ‏:‏ أَمَعَكَ سُورَةُ البَقَرَةِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ، قالَ‏:‏ فاذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرُهُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ‏:‏ وَالله يا رسول الله مَا مَنَعَنِي أَنْ أَتَعَلّمَ سورة البَقَرَة إِلاّ خَشْيَةَ أَنْ لاَ أَقُومَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏تَعَلّمُوا القُرْآنَ، فَاقْرَأُوهُ فَإِنّ مَثَلَ القُرْآنِ لِمَنْ تَعَلمَهُ فَقَرَأَهُ وَقَامَ بِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ مَحْشُو مِسْكاً يَفُوحُ برِيحُهُ فِي كُلّ مَكَانٍ، وَمَثَلُ مَنْ تَعَلّمَهُ فَيَرْقُدُ وَهُوَ فِي جَوْفِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ أُوكَى عَلَى مِسْكٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ وقد رواه الليث بن سعد وَقَدْ رُوِى هَذَا الْحَدِيثُ عن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ عن طَاءِ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً‏.‏

2953- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بنُ مُحمّد عن سُهَيْلِ بنِ أَبي صَالحٍ عن أَبِيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، وَإِنّ الْبَيْتَ الّذِي تُقْرَأُ فِيهِ الْبَقَرَةُ لاَ يَدْخُلُهُ الشّيْطَانُ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2954- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا حُسَيْنُ الْجُعْفِيّ عن زَائِدَةَ عن حَكِيمِ بنِ جُبَيْرٍ عن أَبي صَالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لِكُلّ شَيْءٍ سَنَامٌ وَإِنّ سَنَامَ القُرْآنِ سُورَةُ البَقَرَةِ‏.‏ وَفِيهَا آيَةٌ هِيَ سَيّدَةُ آيِ القُرْآنِ هي آيةُ الكُرْسِيّ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بنِ جُبَيْرٍ‏.‏ وقد تَكَلّمَ شُعْبَةُ في حكم بن جبير وَضَعّفَهُ‏.‏

2955- حدثنا يَحْيىَ بنُ المغِيرَةِ أَبُو سَلَمَةَ المَخْزُومِيّ المَدِنِيّ أخبرنا ابن أَبي فُدَيْك عن عَبْد الرّحْمَن بن أبي بكر المُلَيْكِيّ عن زُرَارَةَ بنِ مُصْعَبٍ عن أَبي سَلَمَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ قَرَأَ حَم المُؤْمِن- إِلَى- إِلَيْهِ المَصِيرُ وَآيَةَ الكُرْسِيّ حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ بِهِمَا حَتّى يُمْسِيَ، وَمَنْ قَرَأَهُمَا حِينَ يُمْسِي حُفِظَ بِهِمَا حَتّى يُصْبِحَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏ وَقَدْ تَكَلّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي عَبْد الرّحْمَن بنِ أَبي بَكْرِ بنِ أَبي مُلَيْكَةَ المُلَيْكّي مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وزرارة بن مصعب هو ابن عبد الرحمن بن عوف وهو جد أبو مصعب المدنيّ‏.‏

2956- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا أَبُو أَحْمَدَ، أخبرنا سُفْيَانُ، عن ابنِ أَبي لَيْلَى عن أَخِيهِ عيسى عن عَبْد الرّحْمَن بنِ أَبي لَيْلَى عن أَبي أَيّوبَ الأَنْصَارِيّ‏:‏ ‏"‏أَنّهُ كَانَتْ لَهُ سَهْوَةٌ فِيهَا تَمْرٌ، فَكَانَتْ تَجِيءُ الغُولُ، فَتَأْخُذَ مِنْهُ، فَشَكَى ذَلِكَ إِلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏اذْهَبْ فإِذَا رَأَيْتَهَا‏"‏ فَقلْ‏:‏ بِسْمِ الله أَجِيبِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قالَ‏:‏ فَأَخَذَهَا فَحَلَفَتْ أَنْ لاَ تَعُودَ فَأَرْسَلَهَا، فَجَاءَ إِلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ‏"‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ حَلَفَتْ أَنْ لاَ تَعُودَ قالَ‏:‏ كَذَبَتْ وَهِيَ مُعَاوِدَةٌ لِلكَذِبِ، قَالَ‏:‏ فَأَخَذَهَا مَرّةً أُخْرَى، فَحَلَفَتْ أَنْ لاَ تَعُودَ، فَأَرْسَلَهَا فَجَاءَ إِلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ‏:‏ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ حَلَفَتْ أَنْ لاَ تَعُودَ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏كَذَبَتْ، وَهِيَ مُعَاوِدَةٌ لِلْكَذِبِ‏"‏‏.‏ فَأَخَذَهَا فَقَالَ‏:‏ مَا أَنَا بِتَاركِكِ، حَتّى أَذْهَبَ بِكَ إِلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ إِنّي ذَاكِرَةٌ لَكَ شَيْئَاً‏.‏ آيَةَ الكُرْسِيّ اقْرَأْهَا فِي بَيْتِكَ، فَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ، وَلاَ غَيْرُهُ، قال فَجَاءَ إِلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ‏؟‏‏"‏ قالَ‏:‏ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَتْ‏.‏ قالَ‏:‏ صَدَقَتْ وَهِيَ كَذُوبٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ وفي الباب عن أُبّي بن كعبٍ‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏- حدثنا بِذَلِكَ قُتَيْبَةُ أخبرنا الّليثُ بنُ سَعْدٍ عن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ عن عَطَاءٍ مَوْلَى أَبي أَحْمَدَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏ وفي البابِ عن أُبيّ بنِ كَعْبٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لا تجعلوا بيوتكم مقابر‏)‏ أي خالية عن الذكر والطاعة فتكون كالمقابر وتكونون كالموتى فيها أو معناه لا تدفنوا موتاكم فيها، ويدل على المعنى الأول قوله ‏(‏وإن البيت الذي تقرأ البقرة فيه لا يدخله الشيطان‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ ‏"‏إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة‏"‏‏.‏ وفي حديث سهل بن سعد عن ابن حبان من قرأها يعني سورة البقرة ليلاً لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليال ومن قرأها نهاراً لم يدخل الشيطان ثلاثة أيام، وخص سورة البقرة بذلك لطولها وكثرة أسماء الله تعالى والأحكام فيها، وقد قيل فيها ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر كذا في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لكل شيء سنام‏)‏ بفتح السين أي رفعة وعلو استعير من سنام الجمل ثم كثر استعماله فيها حتى صار مثلاً ومنه سميت البقرة سنام القرآن قاله الطيبي‏.‏

وقال الجزري في النهاية‏:‏ سنام كل شيء أعلاه، وفي شعر حسان‏:‏

وإن سنام المجد من آل هاشمبنو بنت مخزوم ووالدك العبد

أي أعلى المجد ‏(‏وإن سنام القرآن سورة البقرة‏)‏ إما لطولها واحتوائها على أحكام كثيرة أو لما فيها من الأمر بالجهاد وبه الرفعة الكبيرة ‏(‏هي سيدة آي القرآن‏)‏ جمع آية ‏(‏آية الكرسي‏)‏ بالرفع أي هي آية الكرسي وفيه إثبات السيادة لهذه الاَية على جميع آيات القرآن، وذلك شرف عظيم فإن سيد القوم لا يكون إلا أشرفهم خصالاً وأكملهم حالاً وأكثرهم جلالاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير‏)‏ وأخرجه ابن حبان في صحيحه من هذا الوجه بهذا اللفظ وأخرجه الحاكم من هذه الطريق ولفظه‏:‏ ‏"‏سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن، لا تقرأ في بيت وفيه شيطان إلا خرج منه‏"‏ وقال صحيح الإسناد ‏(‏وقد تكلم فيه شعبة وضعفه‏)‏ وأيضاً ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم وغيرهم، وقال الحافظ في التقريب‏:‏ ضعيف رمى بالتشيع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى بن المغيرة أبو سلمة المخزومي المدينى‏)‏ قال الحافظ صدوق روى عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك وآخرين وعنه الترمذي وأبو حاتم وغيرهما‏.‏ قال أبو حاتم صدوق ثقة وذكره ابن حبان في الثقات، مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين ‏(‏أخبرنا ابن أبي فديك‏)‏ اسمه محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك ‏(‏عن عبد الرحمن المليكى‏)‏ بضم الميم وفتح اللام وسكون التحتية، هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله بن أبي مليكة المدني ضعيف ‏(‏عن زرارة‏)‏ بضم الزاي وفتح الراء ‏(‏بن مصعب‏)‏ بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة من أوساط التابعين‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏من قرأ حم المؤمن‏)‏ أي من قرأ سورة حم التي يقال لها المؤمن ‏(‏إلى إليه المصير‏)‏ يعني ‏{‏حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير‏}‏ ‏(‏وآية الكرسي‏)‏ الواو لمطلق الجمع، فيجوز تقديمها وتأخيرها، ويدل على ذلك تقديم آية الكرسي في الحصن، قاله القاري ‏(‏حين يصبح‏)‏ أي قبل صلاة الصبح أو بعدها، وهو ظرف يقرأ ‏(‏حفظ بهما‏)‏ أي بقراءتهما وبركتهما ‏(‏حتى يمسي‏)‏ أي يدخل الليل، لأن الإمساء ضد الإصباح، كما أن المساء ضد الصباح على ما في القاموس والصحاح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه الدارمي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا سفيان‏)‏ هو الثوري ‏(‏عن ابن أبي ليلى‏)‏ هو محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي أبو عبد الرحمن صدوق سيء الحفظ جداً ‏(‏عن أخيه‏)‏ هو عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي ثقة ‏(‏عن عبد الرحمن بن أبي ليلى‏)‏ الأنصاري المدني ثم الكوفي ثقة من كبار التابعين‏.‏

فائدة‏:‏

ابن أبي ليلى إذا أطلق في كتب الفقه فالمراد به محمد بن عبد الرحمن ابن يسار الكوفي، وإذا أطلق في كتب الحديث فالمراد به أبوه كذا في جامع الأصول لابن الأثير الجزري‏.‏

فائدة أخرى‏:‏ يطلق ابن أبي ليلى على أربعة رجال‏.‏

الأول‏:‏ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي القاضي المذكور، وكان قاضي الكوفة‏:‏ مات سنة ثمان وأربعين ومائة وكان على القضاء، وجعل أبو جعفر المنصور ابن أخيه مكانه ذكره ابن قتيبة، وفي طبقات القراء للذهبي‏:‏ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قاضي الكوفة قرأ على أخيه عيسى وغيره وقرأ عليه حمزة الزيات وهو حسن الحديث كبير القدر من نظراء أبي حنيفة في الفقه، يكنى أبا عبد الرحمن وفي الكاشف الذهبي‏:‏ ابن أبي ليلى أبو عبد الرحمن الأنصاري القاضي عن الشعبي وخلق، وعنه شعبة ووكيع وأبو نعيم وخلق‏.‏ قال أحمد سيء الحفظ، انتهى‏.‏

والثاني‏:‏ أخوه عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى المذكور‏.‏

والثالث‏:‏ ابن أخيه، أعني ابن عيسى بن عبد الرحمن واسمه عبد الله‏.‏

والرابع‏:‏ عبد الرحمن بن أبي ليلى المذكور‏.‏ أعني والد محمد وعيسى المذكورين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه كانت له سهوة‏)‏ قال المنذري في الترغيب‏:‏ السهوة بفتح السين المهملة هي الطاق في الحائط يوضع فيها الشيء، وقيل هي الصفة، وقيل المخدع بين البيتين، وقيل هو شيء شبيه بالرف، وقيل بيت صغير كالخزانة الصغيرة، قال‏:‏ كل أحد من هؤلاء يسمى السهوة، ولفظ الحديث يحتمل الكل، ولكن ورد في بعض طرق هذا الحديث ما يرجح الأول، انتهى‏.‏ وقال الجزري في النهاية‏:‏ السهوة بيت صغير منحدر في الأرض قليلاً شبيه بالمخدع والخزانة، وقيل هو كالصفة تكون بين يدي البيت، وقيل شبيه بالرف أو الطابق يوضع فيه الشيء، انتهى ‏(‏فكانت تجيء الغول‏)‏ قال المنذري‏:‏ بضم الغين المعجمة هو شيطان يأكل الناس، وقيل هو من يتلون من الجن، انتهى‏.‏ وقال الجزري‏:‏ الغول أحد الغيلان وهي جنس من الجن والشياطين كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تتراءى للناس فتتغول تغولاً، أي تتولن تلوناً في صور شتى، وتغولهم، أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم، فنفاه النبي صلى الله عليه وسلم وأبطله، يعني بقوله‏:‏ لا غول ولا صفر، وقيل قوله لا غول ليس نفياً لعين الغول ووجوده، وإنما فيه إبطال زعم العرب في تلونه بالصور المختلفة واغتياله‏.‏ فيكون المعنى بقوله لا غول أنها لا تستطيع أن تضل أحداً، ثم ذكر الجزري حديث‏:‏ إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان‏.‏ وقال‏:‏ أي ادفعوا شرها بذكر الله، وهذا يدل على أنها لم يرد بنفيها عدمها، ثم ذكر حديث أبي أيوب‏:‏ كان لي تمر في سهوة فكانت الغول تجيء فتأخذ‏.‏ انتهى‏.‏

قلت‏:‏ الأمر كما قال الجزري لا شك في أنه ليس المراد بقوله‏:‏ لا غول، نفي وجودها، بل نفي ما زعمت العرب مما لم يثبت من الشرع ‏(‏وهي معاودة للكذب‏)‏ أي معتادة له ومواظبة عليه‏.‏ قال في القاموس‏:‏ تعوده وعاوده معاودة وعواداً واعتاده واستعاده، جعله من عادته، والمعاود‏:‏ المواظب، انتهى ‏(‏آية الكرسي‏)‏ بالنصب بدل من شيئاً ‏(‏ولا غيره‏)‏ أي مما يضرك ‏(‏صدقت وهي كذوب‏)‏ هو من التتميم البليغ، لأنه لما أوهم مدحها بوصفه الصدق في قوله صدقت استدرك نفي الصدق عنها بصيغة مبالغة، والمعنى صدقت في هذا القول مع أنها عادتها الكذب المستمر، وهو كقولهم‏:‏ قد يصدق الكذوب‏.‏ وقد وقع أيضاً لأبي هريرة عند البخاري، وأبي بن كعب عند النسائي، وأبي أسيد الأنصاري عند الطبراني، وزيد ابن ثابت عند أبي الدنيا‏.‏ قصص في ذلك، وهو محمول على التعدد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ ذكره المنذري في ترغيبه وذكر تحسين الترمذي وأقره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عطاء مولى أبي أحمد‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ عطاء مولى أبي أحمد أو ابن أبي أحمد بن جحش حجازي روى عن أبي هريرة حديث‏:‏ ‏"‏تعلموا القرآن وقوموا به‏"‏‏.‏ الحديث، وعنه سعيد المقبري ذكره ابن حبان في الثقات أخرجوا له هذا الحديث الواحد وحسنه الترمذي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ قرأت بخط الذهبي لا يعرف، انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً‏)‏ أي أراد أن يرسل جيشاً، والبعث بمعنى المبعوث، والمراد به الجيش ‏(‏وهم‏)‏ أي الجيش المبعوث ‏(‏فاستقرأهم‏)‏ أي طلب منهم أن يقرأوا ‏(‏فاستقرأ كل رجل منهم‏)‏ أي واحداً واحداً منهم ‏(‏فأتى‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏أن لا أقوم بها‏)‏ أي في صلاة الليل ‏(‏تعلموا القرآن‏)‏ أي لفظه ومعناه‏.‏ قال أبو محمد الجويني‏:‏ تعلم القرآن وتعليمه فرض كفاية لئلا ينقطع عدد التواتر فيه فلا يتطرق إليه تبديل وتحريف‏.‏ قال الزركشي‏:‏ وإذا لم يكن في البلد أو القرية من يتلو القرآن أثموا بأسرهم ‏(‏وأقرأوه‏)‏ وفي رواية فاقرأوه بالفاء‏.‏ قال الطيبي‏:‏ الفاء في قوله فاقرأوه كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏استغفروا ربكم ثم توبوا إليه‏}‏ أي تعلموا القرآن وداوموا تلاوته والعمل بمقتضاه، يدل عليه التعليل بقوله ‏(‏فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به‏)‏ أي داوم على قراءته أو عمل به ‏(‏كمثل جراب‏)‏ بالكسر والعامة تفتحه، قيل لا تفتح الجراب ولا تكسر القنديل، وخص الجراب هنا بالذكر احتراماً لأنه من أوعيه المسك‏.‏ قال الطيبي‏:‏ التقدير فإن ضرب المثل لأجل من تعلمه، كضرب المثل للجراب، فمثل مبتدأ والمضاف محذوف واللام في لمن تعلم متعلق بمحذوف والخبر قوله كمثل على تقدير المضاف أيضاً، والتشبيه إما مفرد، وإما مركب ‏(‏محشو‏)‏ أي مملوء ملأ شديداً بأن حشي به حتى لم يبق فيه متسع لغيره ‏(‏مسكاً‏)‏ نصبه على التمييز ‏(‏يفوح ريحه‏)‏ أي يظهر ويصل رائحته ‏(‏في كل مكان‏)‏ قال ابن الملك‏:‏ يعني صدر القارئ كجراب والقرآن فيه كالمسك‏.‏ فإنه إذا قرأ وصلت بركته إلى تاليه وسامعيه، انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ ولعل إطلاق المكان للمبالغة ونظيره قوله تعالى‏:‏ ‏{‏تدمر كل شيء‏}‏ ‏{‏وأتينا من كل شيء‏}‏ مع أن التدمير والإيتاء خاص ‏(‏ومثل من تعلمه‏)‏ بالرفع والنصب، أي مثل ريح من تعلمه ‏(‏فيرقد‏)‏ أي ينوم عن القيام ويغفل عن القراءة أو كناية عن ترك العمل ‏(‏وهو‏)‏ أي القرآن ‏(‏في جوفه‏)‏ أي في قلبه ‏(‏أوكى‏)‏ بصيغة المجهول أي ربط ‏(‏على مسك‏)‏‏.‏ قال الطيبي‏:‏ أي شد بالوكاء وهو الخيط الذي يشد به الأوعية‏.‏ قال المظهر‏:‏ فإن من قرأ يصل بركته منه إلى بيته وإلى السامعين، ويحصل استراحة وثواب إلى حيث يصل صوته فهو كجراب مملوء من المسك إذا فتح رأسه تصل رائحته إلى كل مكان حوله، ومن تعلم القرآن ولم يقرأ لم يصل بركته منه لا إلى نفسه ولا إلى غيره فيكون كجراب مشدود رأسه وفيه مسك فلا يصل رائحته منه إلى أحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي بن كعب‏)‏ أخرجه مسلم عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله تعالى معك أعظم‏"‏ قلت‏:‏ الله ورسوله أعلم، قال ‏"‏يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله تعالى معك أعظم‏"‏ قلت‏:‏ الله لا إله إلا هو الحي القيوم، قال ‏"‏فضرب في صدري قال ليهنك العلم يا أبا المنذر‏"‏‏.‏

1781- باب مَا جَاءَ في آخِرِ سُورَةِ البَقَرَة

2957- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ أخبرنا جَرِيرُ بنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عن مَنْصُورِ بنِ الْمُعْتَمِرِ عن إِبْرَاهِيمَ بنِ يَزِيدَ عن عَبْد الرّحْمَن بنِ يَزِيدَ عن أَبي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ قَرَأَ الاَيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2958- حدثنا محمد بن بشار أخبرنا عَبْد الرّحْمَن بنُ مَهْدِيٍ أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عن أَشْعَثَ بنِ عَبْد الرّحْمَن الْجَرْمِيّ عن أَبي قِلاَبَةَ عن أَبي الأَشْعَثِ الْجَرْمِيّ عن النّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ ‏"‏إِنّ الله كَتَبَ كِتَابَاً قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِأَلْفَي عَامٍ أَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ البَقَرَةِ، وَلاَ يُقْرَآنِ في دَارٍ ثَلاَثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن إبراهيم بن يزيد عن عبد الرحمن بن يزيد‏)‏ هما النخعيان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من قرأ الاَيتين من آخر سوره البقرة‏)‏ أي آمن الرسول إلى آخره ‏(‏في ليلة‏)‏ وقد أخرج علي بن سعيد العسكري بلفظ من قرأهما بعد العشاء الاَخرة أجزأنا آمن الرسول إلى آخر السورة‏.‏ ذكره الحافظ ‏(‏كفتاه‏)‏ أي أجزأتا عنه من قيام الليل، وقيل أجزأتا عنه من قراءة القرآن مطلقاً سواء كان داخل الصلاة أم خارجها‏.‏ وقيل معناه أجزأتاه فيما يتعلق بالاعتقاد لما اشتملتا عليه من الإيمان والأعمال إجمالاً، وقيل معناه كفتاه كل سوء، وقيل كفتاه شر الشيطان، وقيل دفعتا عنه شر الإنس والجن، وقيل معناه كفتاه ما حصل له بسببهما من الثواب عن طلب شيء آخر، وكأنهما اختصتا بذلك من الثناء على الصحابة بجميل انقيادهم إلى الله تعالى وابتهالهم ورجوعهم إليه وما حصل لهم من الإجابة إلى مطلوبهم قال الحافظ بعد ذكر هذه الوجوه‏:‏ والوجه الأول ورد صريحاً من طريق عاصم عن علقمة عن أبي مسعود رفعه‏:‏ من قرأ خاتمة البقرة أجزأت عنه قيام ليلة‏.‏ قال ويؤيد الرابع حديث النعمان بن بشير يعني الذي أخرجه الترمذي في هذا الباب وقال الشوكاني بعد ذكر هذه الوجوه‏:‏ ولا مانع من إرادة هذه الأمور جميعها ويؤيد ذلك ما تقرر في علم المعاني والبيان من أن أحذف المتعلق مشعر بالتعميم فكأنه قال كفتاه من كل شر ومن كل ما يخاف، وفضل الله واسع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أشعث بن عبد الرحمن الجرمي‏)‏ روى عن أبيه وعن أبي قلابة وعنه حماد بن سلمة‏.‏ قال أحمد ما به باس، وقال ابن معين ثقة، وقال أبو حاتم شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات وأخرج حديثه في صحيحة كذا في تهذيب التهذيب ‏(‏عن أبي الأشعث الجرمي‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ صوابه الصنعاني لم يقل فيه الجرمي غير الترمذي انتهى قلت‏:‏ قال الترمذي أيضاً الصنعاني في إسناد حديث مرة بن كعب في مناقب عثمان رضي الله عنه وفي إسناد حديث شداد بن أوس في باب النهي عن المثلة من أبواب الديات‏.‏ وأبو الأشعث الصنعاني هذا اسمه شراحيل بن آدة بمد الهمزة وتخفيف الدال ويقال آدة جد أبيه وهو ابن شراحيل بن كلب ثقة من الثانية شهد فتح دمشق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله كتب كتاباً‏)‏ أي أجرى القلم على اللوح وأثبت فيه مقادير الخلائق على وفق ما تعلقت به الإرادة ‏(‏قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام‏)‏ كنى به عن طول المدة وتمادى ما بين التقدير والخلق من الزمن فلا ينافي عدم تحقق الأعوام قبل السماء، والمراد مجرد الكثرة وعدم النهاية قاله المناوي‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ كتابة مقادير الخلق قبل خلقها بخمسين ألف سنة كما ورد، لا تنافي كتابة الكتاب المذكور بألفي عام، لجواز اختلاف أوقات الكتابة في اللوح ولجواز أن لا يراد به التجديد بل مجرد السبق الدال على الشرف‏.‏ انتهى‏.‏

قال بعضهم‏:‏ ولجواز مغايرة الكتابين وهو الأظهر انتهى‏.‏ ‏(‏أنزل‏)‏ أي الله سبحانه وتعالى ‏(‏منه‏)‏ أي من جملة ما في ذلك الكتاب المذكور ‏(‏آيتين‏)‏ هما‏:‏ آمن الرسول إلى آخره ‏(‏ختم بهما سورة البقرة‏)‏ أي جعلهما خاتمتها‏.‏

قال الطيبي‏:‏ ولعل الخلاصة أن الكوائن كتبت في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات بخمسين ألف عام‏.‏ ومن جملتها القرآن‏.‏ ثم خلق الله خلقاً من الملائكة وغيرهم، فأظهر كتابة القرآن عليهم قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، وخص من ذلك هاتان الاَيتان وأنزلهما مختوماً بهما أولى الزهراوين ‏(‏ولا يقرأن في دار‏)‏ أي في مكان في بيت وغيره ‏(‏ثلاث ليال‏)‏ أي في كل ليلة منها ‏(‏فيقربها شيطان‏)‏ فضلاً عن أن يدخلها، فعبر بنفي القرب ليفيد نفي الدخول بالأولى‏.‏ قال الطيبي‏:‏ لا توجد قراءة يعقبها قربان، يعني أن الفاء للتعقيب عطفاً على النفي، والنفي سلط على المجموع، وقيل‏:‏ يحتمل أن تكون للجمعية، أي لا تجتمع القراءة وقرب الشيطان‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه النسائي والدارمي وابن حبان في صحيحه والحاكم، إلا أن عنده‏:‏ ولا يقرآن في بيت فيقربه شيطان ثلاث ليال وقال صحيح على شرط مسلم، كذا في الترغيب للمنذري‏.‏

واعلم أنه وقع في النسخ الحاضرة‏.‏ هذا حديث غريب، ولكن قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه الترمذي، وقال حديث حسن غريب‏.‏ انتهى‏.‏

1782- باب مَا جَاءَ في سورة آلِ عِمْرَان

2959- حدثنا مُحمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ أخبرنا هِشَامُ بنُ إسْمَاعِيلَ أَبُو عَبْدِ المَلِكِ العَطّارُ أخبرنا مُحمّدُ بنُ شُعَيْبٍ أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بنُ سُلَيْمَانَ عن الْوَلِيدِ بنِ عَبْد الرّحْمَن أَنّهُ حَدّثَهُمْ عن جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ عن نوّاسِ بنِ سِمْعَانَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏يَأْتِي القُرْآنُ، وَأَهْلُهُ الّذِينَ يَعْمَلُونَ بِهِ فِي الدّنْيَا تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ، وَآلِ عُمْرَانَ‏"‏، قالَ نَوّاسٌ‏:‏ وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ثَلاَ ثَةَ أَمْثَالٍ مَا نُسِيتُهُنّ بَعْدُ‏.‏ قالَ‏:‏ ‏"‏تَأْتِيَانِ كَأَنّهُمَا غَيَابَتَانِ وَبَيْنَهُمَا شَرْقٌ، أَوَ كَأَنّهُمَا غَمَامَتَانِ سَوْدَاوَانِ، أَوْ كَأَنّهُمَا ظُلّةٌ مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍ تَجَادِلاَنِ عَنْ صَاحِبهِمَا‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن بُرَيْدَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّهُ يَجِيءُ ثَوَابُ قِرَاءَتِهِ‏.‏ كَذَا فَسّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَمَا يُشْبِهُ هَذَا مِنَ الأَحَادِيثِ أَنّهُ يَجِيءُ ثَوَابُ قِرَاءةِ القُرْآنِ‏.‏ وَفِي حَدِيثِ النَوّاسِ بنِ سِمْعَانَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مَا يَدُلّ عَلَى مَا فَسّرُوا إِذْ قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏وَأَهْلُهُ الّذِينَ يَعْمَلُونَ بِهِ في الدّنْيَا‏"‏‏.‏ فَفِي هَذَا دَلاَلَةُ أَنّهُ يَجِيءُ ثَوَابُ الْعَمَلِ‏.‏

وَأَخْبَرَنِي مُحمّدُ بنُ إسْمَاعِيلُ أخبرنا الْحُميْدِيّ، قالَ‏:‏ قالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قال‏:‏ مَا خَلَقَ الله مِنْ سَمَاءٍ، وَلاَ أَرْضٍ أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الكُرْسِيّ‏.‏ قالَ سُفْيَانُ‏:‏ لأَنّ آيَةَ الكُرْسِيّ هُوَ كَلاَمُ الله وَكَلاَمُ الله أَعْظَمُ مِنْ خَلْقِ الله مِنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن إسماعيل‏)‏ هو الإمام البخاري رحمه الله ‏(‏أخبرنا هشام بن إسماعيل‏)‏ بن يحيى بن سليمان ‏(‏أبو عبد الملك العطا‏)‏ الدمشقي ثقة فقيه عابد من العاشرة ‏(‏أخبرنا محمد بن شعيب‏)‏ بن شابور بالمعجمة والموحدة الأموي مولاهم الدمشقي نزيل بيروت صدوق صحيح الكتاب من كبار التاسعة‏.‏ ‏(‏أخبرنا إبراهيم بن سليمان‏)‏ الأفطس الدمشقي ثقة ثبت إلا أنه يرسل من الثامنة ‏(‏عن الوليد بن عبد الرحمن‏)‏ الجرشي، بضم الجيم وبالشين المعجمة الحمصي الزجاج ثقة من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يأتي القرآن‏)‏ أي يوم القيامة ‏(‏وأهله‏)‏ عطف على القرآن ‏(‏الذين يعملون به‏)‏ دل على من قرأ ولم يعمل به لم يكن من أهل القرآن، ولا يكون شفيعاً لهم، بل يكون القرآن حجة عليهم ‏(‏تقدمه‏)‏ أي تتقدم أهله أو القرآن‏.‏ ‏(‏سورة البقرة وآل عمران‏)‏ بالجر وقيل بالرفع‏.‏ قال الطيبي‏:‏ الضمير في تقدمه للقرآن‏.‏ أي يقدم ثوابهما ثواب القرآن‏.‏ وقال النووي‏.‏ قال العلماء‏.‏ المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين انتهى‏.‏ وقيل يصور الكل بحيث يراه الناس، كما يصور الأعمال للوزن في الميزان، ومثل ذلك يجب اعتقاده إيماناً فإن العقل يعجز عن أمثاله ‏(‏وضرب لهما‏)‏ أي بين لهما ‏(‏غيايتان‏)‏ الغياية كل ما أظل الإنسان من فوق رأسه كالسحابة ونحوها‏.‏ كذا في القاموس ‏(‏إبراهيم وبينهما شرق‏)‏ بفتح الشين المعجمة وسكون الراء بعدها قاف‏.‏ وقد روي بفتح الراء والأول أشهر أي ضوء ونور‏.‏ قال في النهاية‏:‏ الشرق ههنا الضوء وهو الشمس والشق أيضاً انتهى‏.‏ وقيل أراد بالشرق الشق وهو الانفراج، أي بينهما فرجة وفصل كتميزهما بالبسملة في المصحف والأول أشبه ‏(‏أو‏)‏ للتنويع لا لشك الراوي ‏(‏غمامتان‏)‏ أي سحابتان ‏(‏سوداوان‏)‏ لكثافتهما وارتكام البعض منهما على بعض ‏(‏أوكأنهما ظلة‏)‏ بالضم، وهي كل ما أظلك من شجر وغيره ‏(‏من طير صواف‏)‏ جمع صافة أي باسطات أجنحتها في الطيران ‏(‏تجادلان عن صاحبهما‏)‏ أي تحاجان عنه كما هو في رواية، والمحاجة المخاصمة وإظهار الحجة، وصاحبهما هو المستكثر من قراءتهما وظاهر الحديث أنهما يتجسمان حتى يكونا كأحد هذه الثلاثة التي شبهها بها صلى الله عليه وسلم ثم يقدرهما الله سبحانه وتعالى على النطق بالحجة، وذلك غير مستبعد من قدرة القادر القوي الذي يقول للشيء كن فيكون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن بريدة وأبي أمامة‏)‏ أما حديث بريدة فأخرجه أحمد والدارمي، أما حديث أبي أمامة فأخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

‏(‏ففي هذا دلالة على أنه يجيء ثواب العمل في هذه الدلالة خفاء كما لا يخفي‏)‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وأخبرني محمد بن إسماعيل‏)‏ هو الإمام البخاري رحمه الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما خلق الله من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي‏)‏ فإنها جمعت أصول الأسماء والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والقيومة والملك والقدرة والإرادة، فهذه أصول الأسماء والصفات ‏(‏قال سفيان لأن آية الكرسي هو كلام الله، وكلام الله أعظم من خلق الله من السماء والأرض‏)‏ وفي قول سفيان هذا نظر فإنه يلزم على هذا أن لا تكون هذه الفضيلة مختصة بآية الكرسي بل تعم كل آية من آي القرآن لأن كلا منها كلام الله تعالى‏.‏

1783- باب ما جَاءَ في فضل سُورَة الكَهْف

2960- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا أَبُو دَاوُدَ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عن أَبِي إِسْحَاقَ، قالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏بَيْنَمَا رَجُلٌ يَقْرَأُ سورة الكَهْفِ إِذْ رَأَى دَابّتَهُ تَرْكُضُ فَنَظَرَ، فَإِذَا مِثْلُ الْغَمَامَةِ أَوْ السّحَابَةِ فَأَتى رَسُولُ الله فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏تِلْكَ السّكِينَةُ نَزَلَتْ مَعَ القُرْآنِ أَوْ نَزَلَتْ عَلَى القُرْآنِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وفي البابِ عن أُسَيدِ بنِ حُضَيْرٍ‏.‏

2961- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، أخبرنا شُعْبَةُ، عن قَتَادَةَ، عن سَالِمِ بنِ أَبي الْجَعْدِ، عن مَعْدَانَ بنِ أَبي طَلْحَةَ، عن أَبي الدّرْدَاءِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ قَرَأَ ثَلاَثَ آيَاتٍ مِنْ أَوّلِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدّجّالِ‏"‏‏.‏

قالَ مُحمّدُ بَشّارٍ، أخبرنا مَعَاذُ بنُ هِشَارٍ أخبرني أبي عن أَبي قَتَادَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو داود‏)‏ هو الطيالسي ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذ رأى دابته‏)‏ أي فرسه ‏(‏تركض‏)‏ من الركض وهو تحريك‏.‏ الرجل، ومنه أركض برجلك ‏(‏فنظر‏)‏ أي الرجل ‏(‏فإذا مثل الغمامة أو السحابة‏)‏ الظاهر أن أو للشك من الراوي ‏(‏فذكر ذلك له‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو وجعل فرسه ينفر، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏تلك السكينة‏"‏ قال القاري‏:‏ أي السكون والطمأنينة التي يطمئن إليها القلب، ويسكن بها عن الرعب‏.‏ قال الطيبي‏:‏ فإن المؤمن تزداد طمأنينه بأمثال هذه الاَيات إذا كوشف بها‏.‏ وقيل هي الرحمة، وقيل الوقار، وقيل ملائكة الرحمة انتهى‏.‏ وقال النووي‏:‏ المختار أنها شيء من المخلوقات فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة ‏(‏نزلت مع القرآن أو نزلت على القرآن‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ تنزلت بالقرآن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أسيد بن حضير‏)‏ أخرجه الشيخان عنه قال‏:‏ بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوطة عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت الحديث‏.‏ قال الحافظ في شرح حديث البراء المذكور‏.‏ قوله‏:‏ كان رجل قيل هو أسيد بن حضير كما سيأتي من حديثه نفسه بعد ثلاثة أبواب لكن فيه أنه كان يقرأ سورة البقرة وفي هذا أنه كان يقرأ سورة الكهف وهذا ظاهره التعدد، وقد وقع قريب من القصة التي لأسيد لثابت بن قيس بن شماس لكن في سورة البقرة أيضاً، وأخرج أبو داود من طريق مرسلة قال‏:‏ للنبي صلى الله عليه وسلم ألم تر ثابت بن قيس، لم تزل داره البارحة تزهر بمصابيح‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏فلعله قرأ سورة البقرة‏"‏ فسئل قال قرأت سورة القرة‏.‏ ويحتمل أن يكون قرأ سورة البقرة وسورة الكهف جميعاً أو من كل منهما انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن جعفر‏)‏ المعروف بغندر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال‏)‏ أي حفظ عن فتنته وشره‏.‏ قال النووي‏:‏ قيل سبب ذلك ما في أولها من العجائب والاَيات فمن تدبرها لم يفتتن بالدجال وكذا في آخرها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا‏}‏ انتهى وقال السيوطي في مرقاة الصعود‏:‏ قال القرطبي‏:‏ اختلف المتأولون في سبب ذلك فقيل لنا في قصة أصحاب الكهف من العجائب والاَيات فمن وقف عليها لم يستغرب أمر الدجال ولم يهله ذلك فلم يفتن به وقيل لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لينذر بأساً شديداً من لدنه‏}‏ تمسكاً بتخصيص البأس بالشدة واللدنية وهو مناسب لما يكون من الدجال من دعوى الإلهية واستيلائه وعظم فتنته، ولذلك عظم صلى الله عليه وسلم أمره وحذر عنه وتعوذ من فتنته، فيكون معنى الحديث أن من قرأ هذه الاَيات وتدبرها ووقف على معناها حذره فأمن منه، وقيل ذلك من خصائص هذه السورة كلها فقد روي‏:‏ من حفظ سورة الكهف ثم أدركه الدجال لم يسلط عليه‏.‏ وعلى هذا يجتمع رواية من روى أول سورة الكهف مع من روى من آخرها ويكون ذكر العشر على جهة الاستدراج في حفظها كلها انتهى‏.‏

تنبيهان‏:‏ الأول- وقع في رواية الترمذي هذه من قرأ ثلاث أيات، ووقع في رواية مسلم من حفظ عشر آيات، فقيل وجه الجمع بين الثلاث وبين العشر أن حديث العشر متأخر ومن عمل بالعشر فقد عمل بالثلاث، وقيل حديث الثلاث متأخر ومن عصم بثلاث فلا حاجة إلى العشر وهذا أقرب إلى أحكام النسخ‏.‏ قال ميرك‏:‏ بمجرد الاحتمال لا يحكم بالنسخ‏.‏ قال القاري‏:‏ النسخ لا يدخل في الأخبار وقيل حديث العشر في الحفظ وحديث الثلاث في القراءة فمن حفظ العشر وقرأ الثلاث كفى وعصم من فتنة الدجال انتهى‏.‏

الثاني‏:‏ قد اختلف أصحاب قتادة في رواية هذا الحديث، ففي رواية شعبة عند الترمذي عن قتادة عن سالم عن معدان عن أبي الدرداء من أول الكهف وفي روايته عند مسلم وأبي داود عن قتادة بهذا الإسناد من آخر الكهف، وفي رواية هشام عند مسلم عن قتادة بهذا الإسناد من أول سورة الكهف، وفي روايته عند أبي داود عن قتادة بهذا الإسناد من خواتيم سورة الكهف، وفي رواية همام عند مسلم وأبي داود عن قتادة بهذا الإسناد من أول سورة الكهف، وقد تقدم وجه الجمع في كلام السيوطي المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

1784- باب مَا جَاءَ في فضل يَس

2962- حدثنا قُتَيْبَةُ وَسُفْيَانُ بنُ وَكِيعِ، قالاَ‏:‏ أخبرنا حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الرّؤَاسِيّ عن الْحَسَنِ بنِ صَالحٍ عن هَارُونَ أَبي محمدٍ عن مُقَاتِلِ بنِ حَيّانَ عن قَتَادَةَ عن أَنَسٍ، قالَ‏:‏ قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ لِكُلّ شَيْءِ قَلْباً وَقَلْبُ القُرْآنِ يَس، وَمَنْ قَرَأَ يَس كَتَبَ الله لَهُ بِقِرَاءَتِهَا قِرَاءَةَ القُرْآنِ عَشْرَ مَرّاتٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدِ بنِ عَبْد الرّحْمَنِ‏.‏ وَبِالبَصْرَةِ لاَ يَعْرِفُونَ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ وَهَارُونُ أَبُو مُحمّدٍ شَيْخٌ مَجْهُولٌ‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏- حدثنا أَبُو مُوسَى مُحمّدُ بنُ المُثَنّى، أخبرنا أَحْمَدُ بنُ سُعِيدٍ الدّارِمِيّ، أخبرنا قُتَيْبَةُ عن حُمَيْدِ بنِ عَبْد الرّحْمَنِ بِهَذَا‏.‏

وفي البابِ عن أَبي بَكْرَ الصّدّيقِ‏.‏ وَلاَ يَصِحّ حَدِيثُ أَبي بَكْرٍ مِنْ قِبَلِ إِسْنَادِهِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ‏.‏ وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وسفيان بن وكيع‏)‏ هو الرؤاسي الكوفي ‏(‏أخبرنا حميد بن عبد الرحمن‏)‏ ابن حميد بن عبد الرحمن ‏(‏الرؤاسي‏)‏ بضم الراء بعدها همزة خفيفة أبو عوف الكوفي ثقة من الثامنة ‏(‏عن الحسن بن صالح‏)‏ قال في التقريب‏:‏ الحسن بن صالح بن صالح بن حي وهو حيان بن شفي بضم المعجمة وبالفاء مصغراً الهمداني بسكون الميم الثوري ثقة فقيه عابد رمي بالتشيع من السابعة ‏(‏عن هارون أبي محمد‏)‏ مجهول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقلب القرآن يس‏)‏ أي لبه وخالصه سورة يس‏.‏ قال الغزالي‏:‏ إن الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر والنشر وهو مقرر فيها بأبلغ وجه فكانت قلب القرآن لذلك واستحسنه الفخر الرازي‏.‏ قال الطيبي‏:‏ إنه لاحتوائها مع قصرها على البراهين الساطعة والاَيات القاطعة والعلوم المكنونة والمعاني الدقيقة والمواعيد الفائقة والزواجر البالغة ‏(‏كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن‏)‏ أي ثوابها ‏(‏عشر مرات‏)‏ أي من غيرها ولله تعالى أن يخص ما شاء من الأشياء بما أراد من مزيد الفضل كليلة القدر من الأزمنة والحرم من الأمكنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الدارمي ‏(‏وبالبصرة لا يعرفون من حديث قتادة إلا من هذا الوجه‏)‏ لعل مقصود الترمذي بهذا الكلام أن أهل العلم بالحديث بالبصرة لا يعرفون من حديث قتادة عن صحابي إلا من هذا الوجه أي إلا عن أنس لأن قتادة لم يسمع من صحابي غير أنس‏.‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ وقال الحاكم في علوم الحديث لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس‏.‏ وقال ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل أنبأ حرب بن إسماعيل فيما كتب إلى، قال‏:‏ قال أحمد بن حنبل‏:‏ ما أعلم قتادة روى عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أنس رضي الله عنه، قيل فابن سرجس فكأنه لم يره سماعاً انتهى والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي بكر الصديق الخ‏)‏ قال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد نقل كلام الترمذي هذا‏:‏ أما حديث الصديق رضي الله عنه فرواه الحكيم الترمذي في كتابه نوادر الأصول، وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال أبو بكر البزار حدثنا عبد الرحمن بن الفضل فذكره بإسناده بلفظ‏:‏ ‏"‏إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس‏"‏‏.‏

1785- باب مَا جَاءَ في فضل حَم الدّخّان

2963- حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ حُبَابٍ عن عُمَرَ بنِ أبي خَثْعَمٍ عن يَحْيَىَ بنِ أَبي كَثِيرٍ عن أَبي سَلَمَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ قَرَأَ حَم الدّخَانَ فِي لَيْلَةٍ أَصْبَحَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ وَعُمَرُ بنِ أَبي خَثْعَمٍ يُضَعّفُ‏.‏ قالَ مُحمّدٌ هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ‏.‏

2964- حدثنا نَصْرُ بنُ عَبْد الرّحْمَن الكُوفِيّ، أخبرنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ عن هِشَامٍ أَبي المِقْدَامِ عن الْحَسَنِ عن أَبي هُرَيْرَةَ، قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ قَرَأَ حم الدّخَانَ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ غُفِرَ لَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ وَهِشَامٌ أَبُو المِقْدَامِ يُضَعّفُ، وَلَمْ يَسْمَعْ الْحَسَنُ مِنْ أَبي هُرَيْرَةَ، هَكَذَا قالَ أَيّوبُ وَيُونُسُ بنُ عُبَيْدٍ وَعَليّ بنُ زَيْدٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏من قرأ حم الدخان في ليلة‏)‏ أي ليلة كانت‏.‏ وقال في الأزهار‏:‏ المراد بالليلة المبهمة ليلة الجمعة المبينة في الحديث الاَتي والدليل على ذلك قوله عليه السلام في الحديث الأول يعني هذا الحديث يستغفر له سبعون ألف ملك، وفي الحديث الثاني يعني الاَتي غفر له والظاهر أن هذا مبين انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ليس في قوله في ليلة في هذا الحديث إبهام حتى يقال إن قوله في ليلة الجمعة في الحديث الاَتي مبين له فتفكر ‏(‏يستغفر له سبعون ألف ملك‏)‏ أي يطلبون له من الله المغفرة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏غفر له‏)‏ ذنوبه أي الصغائر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهشام أبو المقدام يضعف‏)‏ قال في التقريب‏:‏ هشام بن زياد بن أبي يزيد وهو هشام بن أبي هشام أبو المقدام ويقال له أيضاً هشام بن أبي الوليد المدني متروك من السادسة ‏(‏ولم يسمع الحسن من أبي هريرة‏)‏ فالحديث ضعيف من وجهين ‏(‏هكذا قال أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد‏)‏ هو ابن جدعان يعني هؤلاء الثلاثة قالوا إن الحسن لم يسمع من أبي هريرة‏.‏

1786- باب مَا جَاءَ في فضل سُورَة الْمُلْك

2965- حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبي الشّوَارِبِ، أخبرنا يَحْيىَ بنُ عَمْرِو بنِ مالِكِ النّكَرِيّ عن أَبِيهِ عن أَبي الْجَوْزَاءِ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ ضَرَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم خِبَآءَهُ عَلَى قَبْرٍ وَهُوَ لا يَحْسَبُ أَنّهُ قَبْرٌ، فَإِذَا فيه قَبْرُ إِنْسَانٍ يَقْرَأُ سُورَةَ المُلْكِ حَتّى خَتَمَهَا، فَأَتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولُ الله إني ضَرَبْتُ خِبَائِي وَأَنَا لاَ أَحْسَبُ أَنّهُ قَبْرٌ فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ المُلْكِ حَتّى خَتَمَهَا‏.‏ فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏هِيَ المَانِعَةُ هِيَ المنْجِيَةُ تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

2966- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، أخبرنا شُعْبَةُ عن قَتَادَةَ عن عَبَاسٍ الْجُشَمِيّ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ سُورَةً مِنَ القُرْآنِ ثَلاَثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ سورة تَبَارَكَ الّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

2967- حدثنا هُرَيْمُ بنُ مِسْعَرٍ، أخبرنا الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ عن لَيْثٍ عن أَبي الزبَيْرِ عن جَابِرٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لا يَنَامُ حَتّى يَقْرَأَ، أَلَمْ تَنْزِيلُ، وَتَبَارَكَ الّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عن لَيْثِ بنِ أَبي سُلَيْمٍ مِثْلَ هَذَا‏.‏ وَرَوَاهُ مُغِيرَةُ بنُ مُسْلِمٍ عن أَبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا‏.‏ وَرَوَى زُهَيْرٌ قالَ‏:‏ قُلْتُ لأَبِي الزّبَيْرِ سَمِعْتُ مِنْ جَابِرٍ يَذْكُرُ هَذَا الْحَدِيثَ‏؟‏ فَقَالَ أَبُو الزّبَيْرِ‏:‏ إِنمَا أَخْبَرَنِيهُ صَفْوَانُ أَوْ ابنُ صَفْوَانَ وَكَأَنّ زُهَيْراً أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ عن أَبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏- حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَبُو الأَحْوَصِ عن لَيْثٍ عن أَبي الزّبَيْرِ عن جَابِرِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏

2968- قال‏:‏ حدثنا هُرَيْمٌ بنُ مِسْعَرٍ، أخبرنا فُضَيْلُ عن لَيْثٍ عن طَاوُسٍ قالَ‏:‏ تَفْضُلاَنِ عَلَى كُلّ سُورَةٍ في القُرْآنِ بِسَبْعِينَ حَسَنَة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يحيى بن عمرو بن مالك النكري‏)‏ بضم النون البصري ضعيف ويقال إن حماد بن زيد كذبه من السابعة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو عمرو بن مالك النكري أبو يحيى أو أبو مالك البصري صدوق له أوهام من السابعة ‏(‏عن أبي الجوزاء‏)‏ بالجيم والزاي اسمه أوس بن عبد الله الربعي بفتح الموحدة بصري يرسل كثيراً ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه‏)‏ بكسر الخاء المعجمة والمد أي خيمته‏.‏ قال الطيبي‏:‏ الخباء أحد بيوت العرب من وبر أو صوف ولا يكون من شعر ويكون على عمودين أو ثلاثة ‏(‏على قبر‏)‏ أي على موضع قبر ‏(‏وهو‏)‏ أي الصحابي ‏(‏لا يحسب‏)‏ بفتح السين وكسرها أي لا يظن ‏(‏أنه قبر‏)‏ أي أن ذلك المكان موضع قبر ‏(‏فإذا‏)‏ للمفاجأة ‏(‏قبر إنسان‏)‏ أي مكانه ‏(‏فأتى النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي صاحب الخيمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏هي‏"‏ أي سورة الملك ‏(‏المانعة‏)‏ أي تمنع من عذاب القبر أو من المعاصي التي توجب عذاب القبر ‏(‏هي المنجية‏)‏ يحتمل أن تكون مؤكدة لقوله هي المانعة وأن تكون مفسرة ومن ثمة عقب بقوله تنجيه من عذاب القبر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ في سنده يحيى بن عمرو بن مالك وهو ضعيف كما عرفت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ أخرجه الترمذي بعد هذا‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عباس الجشمي‏)‏ بضم الجيم وفتح المعجمة يقال اسم أبيه عبد الله مقبول من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال إن سورة‏)‏ أي عظيمة ‏(‏من القرآن‏)‏ أي كائنة من القرآن ‏(‏ثلاثون آية‏)‏ خبر مبتدأ محذوف أي هي ثلاثون والجملة صفة لاسم إن ‏(‏شفعت‏)‏ بالتخفيف خبر إن وقيل خبر إن هو ثلاثون وقوله شفعت خبر ثان ‏(‏لرجل حتى غفر له‏)‏ متعلق بشفعت وهو يحتمل أن يكون بمعنى المضي في الخبر يعني كان رجل يقرؤها ويعظم قدرها فلما مات شفعت له حتى دفع عنه عذابه، ويحتمل أن يكون بمعنى المستقبل أي تشفع لمن يقرؤها في القبر أو يوم القيامة ‏(‏وهي تبارك الذي بيده الملك‏)‏ أي إلى آخرها‏.‏ وقد استدل بهذا الحديث من قال البسملة ليست من السورة وآية تامة منها لأن كونها ثلاثين آية إنما يصح على تقدير كونها آية تامة منها والحال أنها ثلاثون من غير كونها آية تامة منها‏.‏ فهي إما ليست بآية منها كمذهب أبي حنيفة ومالك والأكثرين وإما ليست بآية تامة بل هي جزء من الاَية الأولى كرواية في مذهب الشافعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا الفضل بن عياض‏)‏ هو ابن مسعود التميمي الزاهد ‏(‏عن ليث‏)‏ هو ابن أبي سليم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان لا ينام الخ‏)‏ يأتي هذا الحديث مع شرحه في الباب الذي بعد باب ما جاء فيمن يقرأ من القرآن عند المنام من أبواب الدعوات ‏(‏ورواه مغيرة بن مسلم‏)‏ القسملي بقاف وميم مفتوحتين بينهما مهملة ساكنة أبو سلمة السراج بتشديد الراء المدائني أصله من مرو صدوق من السادسة ‏(‏إنما أخبرنيه صفوان أو ابن صفوان‏)‏ أو للشك أي قال أخبرني صفوان أو قال أخبرني ابن صفوان وصفوان هذا هو صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية القرشي ثقة من الثالثة، والمراد من ابن صفوان هو صفوان هذا‏.‏ قال في التقريب‏:‏ ابن صفوان شيخ أبي الزبير هو صفوان بن عبد الله بن صفوان نسب لجده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال تفضلان‏)‏ أي سورة ألم تنزيل وسورة تبارك الذي بيده الملك ‏(‏على كل سورة من القرآن بسبعين حسنة‏)‏ قال القاري‏:‏ هذا لا ينافي الخبر الصحيح أن البقرة أفضل سور القرآن بعد الفاتحة إذ قد يكون في المفضول مزية لا توجد في الفاضل أوله خصوصية بزمان أو حال كما لا يخفى على أرباب الكمال أما ترى أن قراءة سبح والكافرون والإخلاص في الوتر أفضل من غيرها وكذا سورة السجدة والدهر بخصوص فجر الجمعة أفضل من غيرهما فلا يحتاج في الجواب إلى ما قاله ابن حجر إن ذاك حديث صحيح‏.‏ وهذا ليس كذلك انتهى كلام القاري‏.‏ قلت‏:‏ ما ذكره القاري من وجه الجمع بين هذين الحديثين لا ينفي الاحتياج إلى ما ذكر ابن حجر فتفكر، وأثر طاوس هذا أخرجه الدارمي بلفظ فضلتا على كل سورة في القرآن بستين حسنة‏.‏

1787- باب مَا جَاءَ فِي إِذَا زُلْزلَت

2969- حدثنا مُحمّدُ بنُ مُوسَى الْجُرَشِيّ البَصْرِيّ، أخبرنا الْحَسَنُ بنُ سَلْمٍ بنِ صَالحٍ العِجْلِيّ، أخبرنا ثَابِتٌ البُنَانِيّ عن أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ، قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ قَرَأَ‏:‏ إِذَا زُلْزِلَتْ عُدِلَتْ لَهُ بِنِصْفِ القُرْآنِ‏.‏ وَمَنْ قَرَأَ‏:‏ قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ‏.‏ عُدِلَتْ لَهُ بِرُبُعِ القُرْآنِ، وَمَنْ قَرَأَ‏:‏ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ‏.‏ عُدِلَتْ لَهُ بِثُلُثِ القُرْآنِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ هَذَا الشّيْخِ الْحَسَنِ بن سَلْمٍ‏.‏ وفي البابِ عن ابن عَبّاسٍ‏.‏

2970- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أخبرنا يَمَانُ بنُ المُغِيرَةِ العَنَزِيّ، أخبرنا عَطَاءٌ عن ابنِ عَبّاسٍ، قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِذَا زُلْزِلَتْ تَعْدِلُ نِصْفَ القُرْآنِ، وَقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ، وَقُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرونَ تَعْدِلُ ربعَ القُرْآنِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ يَمانِ بنِ المُغِيرَةِ‏.‏

2971- حدثنا عُقْبةُ بن مُكْرَمٍ العَمّيّ البَصْرِيّ، حدثني ابنُ أَبي فُدَيْكٍ، أخبرنا سَلَمَةُ بنُ وَرْدَانَ عن أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ‏:‏ ‏"‏هَلْ تَزَوّجْتَ يَا فُلاَنُ‏؟‏‏"‏ قالَ لاَ والله يَا رَسُولَ الله وَلاَ عِنْدِي مَا أَتَزَوّجُ به‏.‏ قالَ‏:‏ ‏"‏أَلَيْسَ مَعَكَ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ‏"‏ قالَ بَلَى‏.‏ قالَ‏:‏ ‏"‏ثُلُثُ القُرْآنِ‏"‏‏.‏ قالَ ‏"‏أَلَيْسَ مَعَكَ إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله وَالفَتْحُ‏؟‏‏"‏ قالَ بَلَى‏.‏ قالَ‏:‏ ‏"‏رُبُعُ القُرْآنِ، قالَ أَلَيْسَ مَعَكَ قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ‏؟‏‏"‏ قالَ بَلَى‏.‏ قالَ رُبُعُ القُرْانِ، قالَ ‏"‏أَلَيْسَ مَعَكَ إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ‏؟‏‏"‏ قالَ بَلَى، قالَ ‏"‏رُبُعُ القُرْآنِ‏.‏ قالَ تَزَوّجْ تَزَوّجْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن موسى الجرشي‏)‏ كذا في النسخ الموجودة بالجيم والراء والشين المعجمة‏.‏ وكذا في ميزان الاعتدال ووقع في الخلاصة بالحاء والراء والسين المهملات وضبطه الخزرجي بفتح المهملتين، ووقع في تهذيب التهذيب والتقريب بالحاء والراء المهملتين وبالشين المعجمة، وضبطه الحافظ في التقريب بقوله بفتح المهملة والراء ثم شين معجمة، ومحمد بن موسى هذا هو ابن نفيع ‏(‏أخبرنا الحسن ابن سلم بن صالح العجلي‏)‏ ويقال اسم أبيه سيار وقد ينسب إلى جده مجهول من الثامنة كذا في التقريب‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ وهو شيخ مجهول له حديث واحد في فضل إذا زلزلت رواه عن ثابت البناني وعنه محمد بن موسى الجرشي أخرجه الترمذي واستغربه وكذا فعل الحاكم أبو أحمد انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من قرأ إذا زلزلت عدلت له بنصف القرآن الخ‏)‏ قال الطيبي‏:‏ يحتمل أن يقال المقصود الأعظم بالذات من القرآن بيان المبدأ والمعاد وإذا زلزلت مقصورة على ذكر المعاد مستقلة ببيان أحواله فيعادل نصفه، وما جاء أنها ربع القرآن فتقريره أن يقال القرآن يشتمل على تقرير التوحيد والنبوات وبيان أحكام المعاش وأحوال المعاد وهذه السورة مشتملة على القسم الأخير من الأربع، وقل يا أيها الكافرون محتوية على القسم الأولى منها لأن البراءة عن الشرك إثبات للتوحيد ليكون كل واحدة منها كأنها ربع القرآن، وهذا تلخيص كلام الشيخ التوربشتي‏.‏

فإن قلت‏:‏ هلا حملوا المعادلة على التسوية في الثواب على المقدار المنصوص عليه، قلت‏:‏ منعهم من ذلك لزوم فضل إذا زلزلت على سورة الإخلاص، والقول الجامع فيه ما ذكره الشيخ التوربشتي من قوله‏:‏ نحن وإن سلكنا هذا المسلك بمبلغ علمنا نعتقد ونعترف أن بيان ذلك على الحقيقة إنما يتلقى من قبل الرسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي ينتهي إليه في معرفة حقائق الأشياء والكشف عن خفيات العلوم، فأما القول الذي نحن بصدده ونحوم حوله على مقدار فهمنا وإن سلم من الخلل والزلل لا يتعدى عن ضرب من الاحتمال انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هذا الشيخ الحسن بن سلم‏)‏ وهو مجهول كما عرفت، والحديث أخرجه أيضاً ابن مردويه والبيهقي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس‏)‏ أخرجه الترمذي في الباب الاَتي‏:‏

- قوله‏:‏ ‏(‏تزوج تزوج‏)‏ أي تزوج بما معك من السور المذكورة كما في حديث سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت إني وهبت نفسي لك فقامت طويلاً، فقال رجل يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال هل عندك من شيء تصدقها الحديث، وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏هل معك من القرآن شيء‏"‏، قال نعم سورة كذا وسور كذا لسور سماها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏زوجتكها بما معك من القرآن‏"‏، أخرجه الجماعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه ابن أبي شيبة وذكره الحافظ في الفتح في كتاب النكاح وعزاه للترمذي وابن أبي شيبة وسكت عنه وذكره في فضائل القرآن وعزاه للترمذي وابن أبي شيبة وأبي الشيخ، قال وزاد ابن شيبة وأبي الشيخ‏:‏ وآية الكرسي تعدل ربع القرآن ثم قال وهو حديث ضعيف لضعف سلمة بن وردان وإن حسنه الترمذي فلعله تساهل فيه لكونه من فضائل الأعمال انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يمان بن المغيرة العنزي‏)‏ البصري أبو حذيفة ضعيف من السادسة ‏(‏أخبرنا عطاء‏)‏ هو ابن أبي رباح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا زلزلت‏)‏ أي سورة إذا زلزلت ‏(‏تعدل‏)‏ أي تماثل ‏(‏نصف القرآن‏)‏ تقدم توجيهه في الباب السابق ‏(‏وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن‏)‏ لأن علوم القرآن ثلاثة‏:‏ علم التوحيد وعلم الشرائع وعلم تهذيب الأخلاق‏.‏ وهي مشتملة على الأول ‏(‏وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن‏)‏ لأن القرآن يشتمل على أحكام الشهادتين وأحوال النشأتين فهي لتضمنها البراءة من الشرك ربع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان، قال المناوي‏:‏ هذا حديث منكر وتصحيح الحاكم مردود انتهى‏.‏ وذكر الحافظ هذا الحديث في الفتح في فضائل القرآن وعزاه للترمذي والحاكم وأبي الشيخ وقال صححه الحاكم وفي سنده يمان بن المغيرة وهو ضعيف عندهم انتهى‏.‏ لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة قال البخاري وأبو حاتم‏:‏ وهو منكر الحديث يروي المناكير التي لا أصول لها فاستحق الترك كذا في تهذيب التهذيب‏.‏

1788- باب مَا جَاءَ في سُورَةِ الإِخْلاَص

2972- حدثنا قُتَيْبَةُ ومحمد بنُ بشارٍ قالاَ‏:‏ أخبرنا عَبْد الرّحْمَن بنُ مَهْدِي، أخبرنا زَائِدَةُ عن مَنْصُورٍ عن هِلاَلِ بنِ يَسَافٍ عن رَبِيعٍ بنِ خُثَيْمٍ عن عَمْرٍو بنِ مَيْمُونٍ عن عَبْد الرّحْمَن بن أَبي لَيْلَى عن امْرَأَةِ وهي امْراة أَبي أَيّوبَ وروى بعضهم عن امرأة أَبي أيوب عن أَبي أَيّوبَ قال‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَيَعْجَزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقَرَأَ في لَيْلَةٍ ثُلُثَ القُرْآنِ‏؟‏ مَنْ قَرَأَ‏:‏ الله الوَاحِدُ الصّمَدُ فَقَدْ قرَأَ ثُلُثَ القُرْآنِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أَبي الدّرْدَاءِ وَأَبي سَعِيدٍ وَقَتَادَةَ بن النّعْمَانِ وأَبي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وابنِ عُمَرَ وابِي مَسْعُودٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ وَلاَ نَعْرِفُ أَحَدَاً رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَحْسَنَ من رِوَايَةِ زَائِدَةَ‏.‏ وَتَابَعَهُ عَلَى رِوَايَتِهِ إِسْرَائِيلُ وَالْفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ‏.‏

وقد رَوَى شُعْبَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ من الثّقَاتِ هَذَا الْحَدِيثَ عن مَنْصُورٍ وَاضْطَرَبُوا فِيهِ‏.‏

2973- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ أخبرنا إِسحَاقُ بنُ سُلَيْمَانَ عن مالِكٍ بنِ أَنَسٍ عن عُبَيْدِ الله بنِ عَبْد الرّحْمَن عن أبي حُنَيْنٍ مَوْلَى لاَلِ زَيْدٍ بن الْخَطّابِ أَوْ مَوْلَى زَيْدِ بن الخَطّابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏أَقْبَلْتُ مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏وَجَبَتْ‏"‏‏.‏ قلت‏:‏ ومَا وَجَبَتْ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الْجَنّةَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بن أَنَسٍ‏.‏ وابو حُنَيْنٍ هُوَ عُبَيْدُ بنُ حُنَيْنٍ‏.‏

2974- حدثنا محمدُ بنُ مَرْزُوقٍ البَصْرِيّ أخبرنا حَاتِمُ بنُ مَيْمُونٍ أَبُو سَهْلٍ عن ثَابِتٍ الْبُنَانِيّ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ قَرَأَ كلّ يَوْمٍ مَائَتَيْ مَرّةٍ‏:‏ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ‏.‏ مُحيَ عَنْهُ ذُنُوبُ خَمْسِينَ سَنَةً إِلاّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ‏"‏ وبهذا الإِسْنَادِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ عَلَى فِرَاشِهِ فَنَامَ عَلَى يَمِينِهِ ثمّ قَرَاً قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ‏.‏ مائة مَرّةٍ إِذا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ يَقُولُ لَهُ الرّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا عَبْدِي ادْخُل عَلَى يَمِينِكَ الْجَنّةَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ من حديثِ ثَابِتٍ عن أَنَسٍ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضَاً عَنْ ثَابِتٍ‏.‏

2975- حدثنا الْعَبّاسُ بنُ محمد الدّوْرِيّ أخبرنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ أخبرنا سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَلٍ حدثني سُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2976- حدثنا محمدُ بنُ بَشّار أخبرنا يَحْيىَ بنُ سَعِيد أخبرنا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ حدثني أَبُو حَازِم عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏احْشُدُوا فَإِنّي سَأَقْرأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ القُرْآنِ، قالَ فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ ثمّ خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ‏:‏ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ‏.‏ ثمّ دَخَلَ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْض قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَإِنّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ القُرْآنِ، إِنّي لأَرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السّمَاءِ ثمّ خَرَجَ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إِنّي قُلْتُ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ القُرْآنِ أَلاَ وَإِنّهَا تُعْدَلُ بِثُلُثِ القُرْآنِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجهِ وَأَبُو حَازِمٍ الأَشْجَعِيّ اسْمُهُ سَلْمَانُ‏.‏

2977- حدثنا محمدُ بنُ إسْمَاعِيلَ أخبرنا إسْمَاعِيلَ بنُ أَبي أُوَيْسٍ حدثني عَبْدُ الْعَزِيز بنُ محمدٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ عن ثَابِتٍ البُنَانِيّ عن أَنَسِ بنِ مالِكٍ قال‏:‏ ‏"‏كَانَ رَجُلٌ مِنَ الانْصَارِ يَؤُمّهُمْ في مَسْجِدِ قِبَاءَ فَكَانَ كلّمَا افْتَتَحَ سُورَةً فَقْرَأُ لَهُمْ في الصّلاَةِ يَقْرأُ بهَا افْتَتَحَ بِقُلْ هُوَ الله أَحَدٌ‏.‏ حَتّى يَفْرُغَ مِنْهَا ثمّ يَقْرَأُ بسُورَةَ أُخْرَى مَعَهَا وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ في كُلّ رَكْعَةٍ، فَكَلّمَهُ أَصحَابُهُ فَقَالُوا إِنّكَ تَقْرَأُ بِهَذَهِ السّورَةِ ثمّ لاَ تَرَى أَنّهَا تُجْزِئُكَ حَتّى تَقْرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى فَإِمّا أَنْ تَقْرَأُ بِهَا وَإِمّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى، قالَ‏:‏ مَا أَنَا بِتَارِكِهَا إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمّكُمْ بِهَا فَعَلْتُ وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ‏.‏ وَكَانُوا يَرَوْنَهُ أَفْضَلَهُمْ وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمّهُمْ غَيْرُهُ، فَلَمّا أَتَاهُم النبيّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏يَا فَلاَنُ مَا يَمْنَعُكَ ممّا يَامُرُ بِهِ أَصْحَابُكَ، وَمَا يَحْمِلُكَ أَنْ تَقْرَأَ هَذِهِ السّورَةَ في كُلّ رَكْعَةٍ‏؟‏‏"‏ فقال يَا رَسُولَ الله إِنّي أُحِبّهَا، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إِنّ حُبّهَا أَدْخَلَكَ الْجَنّة‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ مِن هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيّ‏.‏ وقد روى مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عن ثَابِتٍ البُنَانِيّ عن أَنَسٍ ‏"‏أَنّ رَجُلا قالَ يَا رَسُولُ الله إِنّي أُحِبّ هَذِهِ السُورَةَ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ، فقال‏:‏ إِنّ حُبّكَ إِيّاهَا يُدْخِلُكَ الْجَنّة‏"‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا زائدة‏)‏ هو ابن قدامة ‏(‏عن منصور‏)‏ هو ابن المعتمر ‏(‏عن عمرو بن ميمون‏)‏ هو الأودي ‏(‏عن امرأة أبي أيوب‏)‏ هي أم أيوب الأنصارية صحابية ‏(‏عن أبي أيوب‏)‏ الأنصاري اسمه خالد بن زيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن‏)‏ وكذا رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري وزاد‏:‏ فشق ذلك عليهم فسألوا أينا يطيق ذلك يا رسول الله ‏(‏من قرأ الله الواحد الصمد‏)‏ وفي بعض النسخ‏:‏ من قرأ قل هو الله أحد، الله الصمد‏.‏ وقد وقع في حديث أبي سعيد الخدري المذكور فقال الله الواحد الصمد ثلث القرآن قال الحافظ في الفتح عند الاسماعيلي من رواية أبي خالد الأحمر عن الأعمش فقال يقرأ قل هو الله أحد فهي ثلث القرآن فكأن رواية الباب بالمعنى، ويحتمل أن يكون سمى السورة بهذا الاسم لاشتمالها على الصفتين المذكورتين أو يكون بعض رواته كان يقرأها كذلك‏.‏ فقد جاء عن عمر أنه كان يقرأ الله أحد الله الصمد بغير قل في أولها ‏(‏فقد قرأ ثلث القرآن‏)‏ كذا في رواية أبي أيوب‏:‏ فقد قرأ ثلث القرآن وفي حديث أي سعيد المذكور فقال الله الواحد الصمد ثلث القرآن كما عرفت‏.‏

قال الحافظ‏:‏ حمله بعض العلماء على ظاهره فقال هي ثلث باعتبار معاني القرآن لأنه أحكام وأخبار وتوحيد‏.‏ وقد اشتملت هي على القسم الثالث فكانت ثلثاً بهذا الاعتبار، ويستأنس لهذا بما أخرجه أبو عبيدة من حديث أبي الدرداء قال‏:‏ جزأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد جزءاً من أجزاء القرآن‏.‏ وقال القرطبي‏:‏ اشتملت هذه السورة على اسمين من أسماء الله تعالى يتضمنان جميع أوصاف الكمال لم يوجدا في غيرها من السور وهما الأحد الصمد لأنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال وبيان ذلك أن الأحد يشعر بوجوده الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره، والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال لأنه الذي انتهى إليه سؤدده فكان مرجع الطلب منه وإليه، ولا يتم ذلك على وجه التحقيق إلا لمن جاز جميع خصال الكمال وذلك لا يصلح إلا لله تعالى، فلما اشتملت هذه السورة على معرفة الذات المقدسة كانت بالنسبة إلى تمام المعرفة بصفات الذات وصفات الفعل ثلثاً انتهى‏.‏ ومنهم من حمل المثلية على تحصيل الثواب فقال معنى كونها ثلث القرآن أن ثواب قراءتها يحصل للقارى مثل ثواب من قرأ ثلث القرآن وقيل مثله بغير تضعيف‏.‏ وهي دعوى بغير دليل ويؤيد الإطلاق ما أخرجه مسلم من حديث أبي الدرداء فذكر نحو حديث أبي سعيد الأخير وقال فيه‏:‏ قل هو الله تعدل ثلث القرآن‏.‏ ولمسلم أيضاً من حديث أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن فخرج فقرأ قل هو الله أحد ثم قال ألا إنها تعدل ثلث القرآن‏"‏‏.‏ ولأبي عبيد من حديث أبي بن كعب‏:‏ من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن‏.‏ وإذا حمل ذلك على ظاهره فهل ذلك لثلث من القرآن معين أو لأي ثلث فرض منه فيه نظر، ويلزم على الثاني أن من قرأها ثلاثاً كان كمن قرأ ختمة كاملة، وقيل المراد من عمل بما تضمنته من الإخلاص والتوحيد كان كمن قرأ ثلث القرآن‏.‏ وادعى بعضهم أن قوله تعدل ثلث القرآن يختص بصاحب الواقعة لأنه لما رددها في ليلته كان كمن قرأ ثلث القرآن بغير ترديد قال القابسي‏:‏ ولعل الرجل الذي جرى له ذلك لم يكن يحفظ غيرها فلذلك استقل عمله فقال له الشارع ذلك ترغيباً له في عمل الخير وإن قل‏.‏ وقال ابن عبد البر‏:‏ من لم يتأول هذا الحديث أخلص ممن أجاب فيه بالرأي‏.‏

قلت‏:‏ حديث أبي أيوب المذكور بلفظ‏:‏ من قرأ قل هو الله أحد فقد قرأ ثلث القرآن صريح في أن قراءة سورة قل هو الله أحد تعدل قراءة ثلث القرآن، وكذا حديث أبي الدرداء الذي أشار إليه الترمذي وحديث أبي هريرة الاَتي في هذا الباب يدلان على ذلك، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن يحمل على أن قراءتها تعدل قراءة ثلث القرآن ويحصل لقارئها ثواب قراءة ثلث القرآن، فالروايات بعضها يفسر بعضاً هذا ما عندي والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي الدرداء وأبي سعيد الخ‏)‏ أما حديث أبي الدرداء فأخرجه مسلم بلفظ‏:‏ أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن‏؟‏ قالوا وكيف يقرأ ثلث القرآن‏؟‏ قال قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن‏.‏ وأما حديث أبي سعيد وحديث قتادة بن النعمان فأخرجهما البخاري، وأما حديث أبي هريرة وحديث أنس فأخرجهما الترمذي في هذا الباب، وأما حديث ابن عمر فأخرجه أبو الشيخ عنه مرفوعاً‏:‏ ‏"‏من قرأ قل هو الله أحد عشية عرفة ألف مرة أعطاه الله ما سأل‏"‏‏.‏ وأما حديث أبي مسعود فأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي وذكره المنذري في ترغيبه ونقل تحسين الترمذي وأقره‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا إسحاق بن سليمان‏)‏ الرازي أبو يحيى ‏(‏عن عبيد الله بن عبد الرحمن‏)‏ يقال اسم جده السائب بن عمير صدوق من السادسة ‏(‏عن ابن حنين‏)‏ اسمه عبيد كما صرح به الترمذي فيما بعد وصرح مالك أيضاً في روايته حيث قال عن عبيد الله بن عبد الرحمن عن عبيد بن حنين مولى آل زيد بن الخطاب الخ‏.‏ وقال الحافظ في التقريب‏:‏ عبيد بن حنين بنونين مصغراً المدني أبو عبد الله ثقة قليل الحديث من الثالثة‏.‏ ووقع في النسخة الأحمدية عن أبي حنين وهو غلط لأنه ليس في الكتب الستة راو كنيته أبو حنين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجبت‏)‏ أي له ‏(‏قلت ما وجبت‏)‏ أي ما معنى قولك جزاء لقراءته وجبت أو ما فاعل وجبت ‏(‏قال الجنة‏)‏ أي بمقتضى وعد الله وفضله الذي لا يخلفه كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله لا يخلف الميعاد‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه مالك والنسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد ‏(‏وابن حنين هو الخ‏)‏ وقع في النسخة الأحمدية أبو حنين مكان ابن حنين وهو غلط كما عرفت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن مرزوق‏)‏ نسب إلى جده واسم أبيه محمد قال في التقريب‏:‏ محمد بن محمد بن مرزوق الباهلي البصري ابن بنت مهدي وقد ينسب لجده مرزوق صدوق له أوهام من الحادية عشرة ‏(‏أخبرنا حاتم بن ميمون أبو سهل‏)‏ الكلابي البصري صاحب السقط بفتح المهملة والقاف ضعيف من الثامنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من قرأ كل يوم مائتي مرة قل هو الله أحد‏)‏ أي إلى آخره أو هذه السورة ‏(‏محى عنه‏)‏ أي عن كتاب أعماله ‏(‏إلا أن يكون عليه دين‏)‏ قال الشيخ عبد الحق ما محصله‏:‏ إن لهذا الاستثناء معنيين‏:‏ الأول أن هذا الذنب أي الدين لا يمحى عنه ولا يغفر، وجعل الدين من جنس الذنوب تهويلاً لأمره، والثاني أنه محى عنه ذنوبه إذا كان عليه الدين ولا تؤثر قراءة هذه السورة في محوها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أراد أن ينام على فراشه فنام‏)‏ قال الطيبي‏:‏ الفاء للتعقيب وجزاء الشرط شرط مع جزائه أي قوله فإذا كان يوم القيامة ولم يعمل الشرط الثاني في جزائه أعني يقول لأن الشرط ماض فلم يعمل فيه إذا فلا يعمل في الجزاء كما في قول الشاعر‏:‏

وإن أتاه خليل يوم مسغبة *** يقول لا غائب مالي ولا حرم

‏(‏على يمينه‏)‏ أي على وجه السنة ‏(‏أدخل على يمينك الجنة‏)‏ قال الطيبي‏:‏ قوله على يمينك حال من فاعل أدخل فطابق هذا قوله فنام على يمينه يعني إذا أطعت رسولي واضطجعت على يمينك وقرأت السورة التي فيها صفاتي فأنت اليوم من أصحاب اليمين فاذهب من جانب يمينك إلى الجنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ في سنده حاتم بن ميمون وهو ضعيف كما عرفت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن ماجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يحيى بن سعيد‏)‏ هو القطان ‏(‏أخبرنا يزيد بن كيسان‏)‏ اليشكري أبو إسماعيل أو أبو منين بنون مصغراً الكوفي صدوق يخطئ من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحشدوا‏)‏ أي اجتمعوا واستحضروا الناس، والحشد الجماعة واحتشد القوم لفلان تجمعوا له وتأهبوا كذا في النهاية‏.‏ وقال في الصراح‏:‏ الحشد من باب ضرب يضرب ونصر ينصر وحشدوا أي اجتمعوا واحتشدوا وتحشدوا كذلك انتهى ‏(‏ثم خرج‏)‏ أي من الحجرة الشريفة ‏(‏إني لأرى‏)‏ بفتح اللام وضم الهمزة وفتح الراء أي لأظن ‏(‏هذا خبراً جاءه من السماء‏)‏ زاد في رواية مسلم فذلك الذي أدخله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا خالد بن مخلد‏)‏ القطواني بفتح القاف والطاء أبو الهيثم البجلي مولاهم الكوفي صدوق يتشبع وله أفراد من كبار العاشرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن إسماعيل‏)‏ هو الإمام البخاري رحمه الله ‏(‏حدثني عبد العزيز بن محمد‏)‏ هو الدراوردي ‏(‏عن عبيد الله بن عمر‏)‏ هو العمري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكان كلما افتتح سورة يقرأ لهم في الصلاة يقرأ بها افتتح بقل هو الله أحد‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بقل هو الله أحد‏.‏

قال الحافظ‏:‏ قوله مما يقرأ به أي من السورة بعد الفاتحة، فلفظ البخاري هذا معناه واضح وأما لفظ الترمذي فالظاهر أن في قوله يقرأ بها تكراراً فتفكر ‏(‏فكلمه أصحابه‏)‏ يظهر منه أن صنيعه ذلك خلاف ما ألفوه من النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏فقالوا إنك تقرأ بهذه السورة‏)‏ أي سورة قل هو الله أحد ‏(‏مما يأمر به أصحابك‏)‏ أي يقولون لك ولم يرد الأمر بالصيغة المعروفة لكنه لازم من التخيير الذي ذكروه كأنهم قالوا له افعل كذا وكذا ‏(‏وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ سأله عن أمرين فأجابه بقوله إني أحبها وهو جواب عن الثاني مستلزم للأول بانضمام شيء آخر وهو إقامته السنة المعهودة في الصلاة فالمانع مركب من المحبة والأمر المعهود والحامل على الفعل المحبة وحدها ‏(‏إن حبها أدخلك الجنة‏)‏ دل تبشيره له بالجنة على الرضا بفعله، وعبر بالفعل الماضي في قوله أدخلك وإن كان دخول الجنة مستقبلاً تحقيقاً لوقوع ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه البخاري معلقاً والبزار والبيهقي‏.‏

تنبيه‏:‏

روى الشيخان عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏سلوه لأي شيء يصنع ذلك‏"‏ فسألوه فقال‏:‏ لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أخبروه أن الله يحبه‏"‏، والظاهر أن قصة حديث عائشة هذا وقصة حديث أنس رضي الله عنه المذكور في الباب قصتان متغايرتان لا أنهما قصة واحدة، ويدل على تغايرهما أن في حديث الباب‏:‏ أنه كان يبدأ بقل هو الله أحد‏.‏ وفي حديث عائشة، أن أمير السرية كان يختم بها، وفي هذا أنه كان يصنع ذلك في كل ركعة، ولم يصرح بذلك في قصة الاَخر، وفي هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله، وفي حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يسألوا أميرهم، وفي هذا أنه قال إنه يحبها فبشره بالجنة، وأمير السرية قال‏:‏ إنها صفة الرحمن فبشره بأن الله يحبه، والله تعالى أعلم‏.‏

1789- باب مَا جَاءَ في المَعوّذَتَين

بكسر الواو المشددة أي قل أعوذ برب القلق وقل أعوذ برب الناس

2978- حدثنا محمد بن بشار أخبرنا يَحْيىَ بن سَعِيدٍ أخبرنا إسْمَاعِيلُ بنُ أَبي خَالِدٍ أَخْبَرَنِي قَيْسُ بنُ أَبي حَازِمٍ عن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏قَدْ أَنْزَلَ الله عَلَيّ آيَاتٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنّ‏"‏ قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ إِلَى آخِرِ السّورَةِ، و قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الفَلَقِ إِلَى آخِرِ السّورَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2979- حدثنا قُتَيْبَةُ أخبرنا ابنُ لَهِيْعَةَ عن يَزِيدَ بنِ أَبي حَبِيبٍ عن عَلِيّ بنِ رَبَاحٍ عن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ قالَ‏:‏ ‏"‏أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقْرَأَ بِالمُعَوّذَتَيْنِ فِي دُبُرِ كُلّ صَلاَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى بن سعيد‏)‏ هو القطان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم ير مثلهن‏)‏ بصيغة المجهول وبرفع مثلهن أي في بابها وهو التعوذ، يعني لم يكن آيات سورة كلهن تعويذاً للقارئ غير هاتين السورتين، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان وعين الإنسان فلما نزلت المعوذتان أخذهما وترك ما سواهما، ولما سحر استشفى بهما‏.‏ وإنما كان كذلك لأنهما من الجوامع في هذا الباب ‏(‏قل أعوذ برب الناس إلى آخر السورة الخ‏)‏ خبر مبتدأ أي هي قل أعوذ برب الناس الخ وفي الحديث بيان عظم فضل هاتين السورتين وفيه دليل واضح على كونهما من القرآن، وفيه أن لفظة قل من القرآن ثابتة من أول السورتين بعد البسلمة، وقد اجتمعت الأمة على هذا كله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن علي بن رباح‏)‏ بفتح العين مكبراً والمشهور بضم العين مصغراً وكان يغضب منها ‏(‏في دبر كل صلاة‏)‏ بضم الدال والموحدة أي في عقب كل صلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وفي بعض النسخ حسن غريب وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي في الدعوات الكبير‏.‏

1790- باب ما جَاءَ فِي فَضْلِ قارئ الْقُرْآن

2980- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا أَبُو دَاودَ الطّيَالِسِي أخبرنا شُعْبَةُ وَهِشَامٌ عن قَتَادَةَ عن زُرَارَةَ بنِ أَوْفَى عن سَعْدِ بنِ هِشَامٍ عن عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السّفَرَةِ الكِرَامِ الْبَرَرةِ، وَالّذِي يَقْرَأُهُ- قَالَ هِشَامٌ- وَهُوَ شَدِيدٌ عَلَيْهِ- قالَ شُعْبَةُ- وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌ له أَجْرَانِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2981- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا حَفْصُ بنُ سُلَيْمَانَ عن كَثِيرِ بنِ زَاذَانَ عن عَاصِمِ بنِ ضَمْرَةَ عن عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ واستظهره فَأَحَلّ حَلاَلَهُ، وَحَرّمَ حَرَامَهُ أَدْخَلَهُ الله بِهِ الْجَنّةَ، وَشَفّعَهُ فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلّهُمْ وَجَبَتْ لَهُ النّارُ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَيْسَ إِسْنَادَهُ بصحيحٌ‏.‏ وَحَفْصُ بنُ سُلَيْمَانَ أَبُو عُمَرَ بَزَازٌ كُوفيٌ يُضَعّفُ فِي الْحَدِيثِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وهشام‏)‏ هو الدستوائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له‏.‏ قال النووي‏:‏ الماهر الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا يشق عليه القراءة لجودة حفظه وإتقانه ‏(‏مع السفرة الكرام البررة‏)‏ السفرة جمع سافر ككاتب وكتبة والسافر الرسول والسفرة الرسل لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله وقيل السفرة الكتبة والكرام جمع الكريم أي المكرمين على الله المقربين عنده لعصمتهم ونزاهتهم عن دنس المعصية والمخالفة، والبررة جمع البار وهم المطيعون من البر وهو الطاعة قال القاضي‏.‏ يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الاَخرة منازل يكون فيها رفيقاً للملائكة السفرة لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى، قال ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم ‏(‏إبراهيم والذي يقرأه قال هشام‏)‏ أي في روايته ‏(‏وهو شديد عليه‏)‏ أي يصيبه شدة ومشقة ‏(‏قال شعبة‏)‏ أي في روايته ‏(‏وهو عليه شاق‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ ‏"‏والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق‏"‏‏.‏ قال النووي‏:‏ وأما الذي يتتعتع فيه فهو الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه ‏(‏فله أجران‏)‏ أجر القراءة وأجر بتعتعته في تلاوته ومشقته، قال القاضي وغيره من العلماء‏:‏ وليس معناه أن الذي يتتعتع عليه له من الأجر أكثر من الماهر به، بل الماهر أفضل وأكثر أجراً لأنه مع السفرة وله أجور كثيرة، ولم يذكر هذه المنزلة لغيره، وكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله تعالى وحفظه وإتقانه وكثرة تلاوته ودرايته، كاعتنائه حتى مهر فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن كثير بن زادان‏)‏ النخعي الكوفي مجهول من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من قرأ القرآن فاستظهره‏)‏ أي حفظه، تقول‏:‏ قرأت القرآن عن ظهرٍ قلبي، أي قرأته من حفظي‏.‏ قاله الجزري ‏(‏فأحل حلاله وحرم حرامه‏)‏ أي اعتقد حلاله حلالا وحرامه حراماً ‏(‏أدخله الله به الجنة‏)‏ أي في أول الوهلة ‏(‏وشفعه‏)‏ بالتشديد، أي قبل شفاعته ‏(‏في عشرة من أهل بيته كلهم‏)‏ أي كل العشرة ‏(‏قد وجبت له النار‏)‏ إفراد الضمير للفظ الكل‏.‏ قال الطيبي‏:‏ فيه رد على من زعم أن الشفاعة إنما تكون في رفع المنزلة دون حط الوزر بناء على ما افتروه أن مرتكب الكبيرة، يجب خلوده في النار ولا يمكن العفو عنه والوجوب هنا على سبيل المواعدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه والدارمي ‏(‏وحفص ابن سليمان الخ‏)‏ قال في التقريب‏:‏ حفص بن سلمان الأسدي أبو عمر البزار الكوفي الغاضري بمعجمتين‏.‏ وهو حفص بن أبي داود القارى صاحب عاصم، ويقال له حفيص متروك الحديث مع إمامته في القراءة من الثامنة‏.‏

1791- باب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ القُرآن

2982- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا حُسَيْنُ بنُ عَلِيّ الجُعْفيّ قال سمعت حَمْزَةُ الزّيّاتُ عن أَبي المُخْتَارِ الطّائِيّ عن ابنِ أَخي الْحَارِثِ الأَعْوَرِ عن الحارِثِ الاعْوَرِ قالَ‏:‏ مَرَرْتُ فِي المَسْجِدِ فَإِذَا النّاسُ يَخُوضُونَ فِي الأَحَادِيثِ فَدَخَلْتُ عَلَى عَلِي، فَقلت‏:‏ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَلاَ تَرَى النّاسَ قَدْ خَاضُوا فِي الاحَادِيثِ‏؟‏ قالَ‏:‏ وقد فَعَلُوهَا‏؟‏ قلت‏:‏ نَعَمْ، قالَ‏:‏ أَمَا إِني قد سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏أَلاَ إِنّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، فَقلت‏:‏ مَا المَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ الله‏؟‏ قالَ‏:‏ كِتَابُ الله فِيهِ نَبَأُ مَا كان قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبّارٍ قَصَمَهُ الله، وَمَنْ ابَتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلّهُ الله، وَهُوَ حَبْلُ الله المَتِينُ، وَهُوَ الذّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، هُوَ الّذِي لاَ تَزِيعُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الالْسِنَةُ، وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلاَ يَخْلُقُ عَلى كَثْرَةِ الرّدّ، وَلاَ تَنْقَضَي عَجَائِبُهُ، هُوَ الّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتّى قالُوا ‏{‏إِنّا سَمِعْنَا قُرْآنَا عَجَبَاً يَهْدِي إِلَى الرّشْدِ فَآمَنّا بِهِ‏}‏، مَنْ قالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏"‏ خُذْهَا إِلَيْكَ يَا أَعْوَرُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هذا الوجه، وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ‏.‏ وَفي حَدِيثِ الْحَارِثِ مَقَالٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي المختار الطائي‏)‏ قيل اسمه سعد مجهول من السادسة ‏(‏عن ابن أخي حارث الأعور‏)‏ مجهول من السادسة‏.‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ ابن أخي الحارث الأعور روى عن الحارث عن علي، وروى عنه أبو المختار الطائي لم يسم لا هو ولا أبوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مررت في المسجد‏)‏، قال الطيبي‏:‏ في المسجد ظرف والمرور به محذوف يدل عليه قوله‏:‏ ‏(‏فإذا الناس يخوضون في الأحاديث‏)‏، أي أحاديث الناس وأباطيلهم من الأخبار والحكايات والقصص ويتركون تلاوة القرآن وما يقتضيه من الأذكار والآثار، والخوض أصله الشروع في الماء والمرور فيه ويستعار الشروع في الأمور وأكثر ما ورد في القرآن، ورد فيما يذم الشروع فيه نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فذرهم في خوضهم يلعبون‏}‏ ‏(‏وقد فعلوها‏؟‏‏)‏‏.‏

قال الطيبي‏:‏ أي ارتكبوا هذه الشنيعة وخاضوا في الأباطيل، فإن الهمزة والواو العاطفة يستدعيان فعلاً منكراً معطوفاً عليه، أي فعلوا هذه الفعلة الشنيعة وقال القارى‏:‏ أي أتركوا القرآن وقد فعلوها، أي وخاضوا في الأحاديث ‏(‏أما‏)‏ للتنبيه ‏(‏ألا‏)‏ للتنبيه أيضاً ‏(‏إنها‏)‏ الضمير للقصة ‏(‏ستكون فتنة‏)‏ أي عظيمة‏.‏ قال ابن الملك‏:‏ يريد بالفتنة ما وقع بين الصحابة أو خروج التتار أو الدجال أو دابة الأرض انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ وغير الأول لا يناسب المقام كما لا يخفى ‏(‏فقلت ما المخرج منها‏)‏ بفتح الميم، اسم ظرف أو مصدر ميمي، أي ما طريق الخروج والخلاص من الفتنة يا رسول الله‏.‏ قال الطيبي‏:‏ أي موضع الخروج أو السبب الذي يتوصل به إلى الخروج عن الفتنة ‏(‏قال كتاب الله‏)‏ أي طريق الخروج منها تمسك كتاب الله على تقدير مضاف ‏(‏فيه نبأ ما قبلكم‏)‏ أي من أحوال الأمم الماضية ‏(‏وخبر ما بعدكم‏)‏ وهي الأمور الاَتية من أشراط الساعة وأحوال القيامة وفي العبارة تفنن ‏(‏وحكم بينكم‏)‏ بضم الحاء وسكون الكاف، أي حاكم ما وقع أو يقع بينكم من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان‏.‏ والحلال والحرام وسائر شرئع الاسلام ‏(‏وهو الفصل‏)‏ أي الفاصل بين الحق والباطل أو المفصول والمميز فيه الخطأ والصواب، وما يترتب عليه الثواب والعذاب، وصف بالمصدر مبالغة ‏(‏ليس بالهزل‏)‏ أي جد كله، وحق جميعه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه‏.‏ والهزل في الأصل القول المعرى عن المعنى المرضي، واشتقاقه من الهزال ضد السمن، والحديث مقتبس من قوله تعالى ‏{‏إنه لقول فصل وما هو بالهزل‏}‏ ‏(‏من تركه‏)‏ أي القرآن إيماناً وعملاً ‏(‏من جبار‏)‏ بين التارك بمن جبار ليدل على أن الحامل له على الترك إنما هو التجبر والحماقة‏.‏

قال الطيبي‏:‏ من ترك العمل بآية أو بكلمة من القرآن مما يجب العمل به أو ترك قراءتها من التكبر كفر، ومن ترك عجزاً أو كسلاً أو ضعفاً مع اعتقاد تعظيمه فلا إثم عليه، أي بترك القراءة ولكنه محروم، كذا في المرقاة ‏(‏قصمه‏)‏ أي أهلكه أو كسر عنقه، وأصل القصم الكسر والإبانة ‏(‏ومن ابتغى الهدى‏)‏ أي طلب الهداية من الضلالة ‏(‏في غيره‏)‏ من الكتب والعلوم التي غير مأخوذة منه ولا موافقة معه ‏(‏أضله الله‏)‏ أي عن طريق الهدى وأوقعه في سبيل الردى ‏(‏وهو‏)‏ أي القرآن ‏(‏حبل الله المتين‏)‏ أي الحكم القوي، والحبل مستعار للوصل ولكل ما يتوصل به إلى شيء، أي الوسيلة القوية إلى معرفة ربه وسعادة قربه ‏(‏وهو الذكر‏)‏ أي ما يذكر به الحق تعالى، أو ما يتذكر به الخلق، أي يتعظ، ‏(‏الحكيم‏)‏ أي ذو الحكمة ‏(‏هو الذي لا تزيغ‏)‏ بالتأنيث والتذكير أي لا تميل عن الحق ‏(‏به‏)‏ أي باتباعه ‏(‏الأهواء‏)‏ أي الهوى إذا وافق هذا الهدى حفظ من الردى، وقيل‏:‏ معناه لا يصير به مبتدعاً وضالاً، يعني لا يميل بسببه أهل الأهواء والاَراء‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ أي لا يقدر أهل الأهواء على تبديله وتغييره وإمالته، وذلك إشارة إلى وقوع تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فالباء للتعدية، وقيل الرواية من الإزاغة بمعنى الإمالة والباء لتأكيد التعدية، أي لا تميله الأهواء المضلة عن نهج الاستقامة إلى الإعوجاج وعدم الإقامة، كفعل اليهود بالتوراة حين حرفوا الكلم عن مواضعه لأنه تعالى تكفل بحفظه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون‏}‏ ‏(‏ولا تلتبس به الألسنة‏)‏ أي لا تتعسر عليه ألسنة المؤمنين ولو كانوا من غير العرب قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإنما يسرناه بلسانك‏}‏ ‏{‏ولقد يسرنا القرآن للذكر‏}‏ وقيل لا يختلط غيره بحيث يشتبه الأمر، ويلتبس الحق بالباطل فإن الله تعالى يحفظه، أو يشتبه كلام الرب بكلام غيره لكونه كلاماً معصوماً دالاً على الإعجاز ‏(‏ولا يشبع منه العلماء‏)‏ أي لا يصلون إلى الإحاطة بكنهه حتى يقفوا عن طلبه وقوف من يشبع من مطعوم بل كلما اطلعوا على شيء من حقائقه اشتاقوا إلى آخر أكثر من الأول، وهكذا فلا شبع ولا سآمة ‏(‏ولا يخلق‏)‏ بفتح الياء وضم اللام، وبضم الياء وكسر اللام من خلق الثوب إذا بلى، وكذلك أخلق ‏(‏عن كثرة الرد‏)‏، أي لا تزول لذة قراءته وطراوة تلاوته، واستماع أذكاره وأخباره من كثرة تكراره‏.‏

قال القاري‏:‏ وعن على بابها، أي لا يصدر الخلق من كثرة تكراره كما هو شأن كلام غيره تعالى، وهذا أولى مما قاله ابن حجر، من أن عن بمعنى مع انتهى‏.‏ قلت‏:‏ قد وقع في بعض نسخ الترمذي على مكان عن، وهو يؤيد ما قاله ابن حجر ‏(‏ولا تنقضي عجائبه‏)‏ أي لا ينتهي غرائبه التي يتعجب منها، قيل كالعطف التفسيري للقرينتين السابقتين ذكره الطيبي ‏(‏هو الذي لم تنته الجن‏)‏ أي لم يقفوا ولم يلبثوا ‏(‏إذ سمعته‏)‏ أي القرآن ‏(‏حتى قالوا‏)‏ أي لم يتوقفوا ولم يمكثوا وقت سماعهم له عنه بل أقبلوا عليه لما بهرهم من شأنه، فبادروا إلى الإيمان على سبيل البداهة لحصول العلم الضروري، وبالغوا في مدحه حتى قالوا ‏(‏إنا سمعنا قرآناً عجبا‏)‏ أي شأنه من حيثية جزالة المبني، وغزارة المعنى ‏(‏يهدي إلى الرشد‏)‏ أي يدل على سبيل الصواب أو يهدي الله به الناس إلى طريق الحق ‏(‏فآمناً به‏)‏ أي بأنه عن عبد الله ويلزم منه الإيمان برسول الله ‏(‏من قال به‏)‏ من أخبر به ‏(‏صدق‏)‏ أي في خبره، أو من قال قولاً ملتبساً به، بأن يكون على قواعده، ووفق قوانينه وضوابطه صدق ‏(‏ومن عمل به‏)‏ أي بما دل عليه ‏(‏أجر‏)‏ أي أثيب في عمله أجراً عظيماً وثواباً جسيماً، لأنه لا يحث إلا على مكارم الأخلاق والأعمال ومحاسن الاَداب ‏(‏ومن حكم به‏)‏ أي بين الناس ‏(‏عدل‏)‏ أي في حكمه لأنه لا يكون إلا بالحق ‏(‏ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم‏)‏ قال في اللمعات‏:‏ روى مجهولاً أي من دعا الناس إلى القرآن وفق للهداية، وروى معروفاً كأن المعنى من دعا الناس إليه هداهم انتهى ‏(‏خذها‏)‏ أي هذه الكلمات الطيبات واحفظها ‏(‏يا أعور‏)‏ هو الحارث الأعور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه الدارمي ‏(‏وإسناده مجهول‏)‏ لجهالة أبي المختار الطائي وابن أخي الحارث الأعور ‏(‏وفي حديث الحارث مقال‏)‏ قال الحافظ في ترجمته كذبه الشعبي في رأيه ورمى بالرفض، وفي حديثه ضعف‏.‏

1792- باب مَا جَاءَ في تَعْلِيمِ القُرْآن

2983- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا أَبُو دَاودَ أنْبَأَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ، قالَ‏:‏ سَمِعْتُ سَعْدَ بنَ عُبَيْدَةَ يُحَدّثُ عن أَبي عَبْد الرّحْمَن عن عُثْمَانَ بنِ عَفّانَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلّمَ القُرْآنَ وَعَلّمَهُ‏"‏ قالَ أَبُو عَبْد الرّحْمَن فَذَاكَ الّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا، وَعَلّمَ الْقُرْآنَ فِي زمن عُثْمَانَ حَتّى بَلَغَ الْحَجّاجَ بنَ يُوسُفَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2984- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا بشْرُ بنُ السّرِيّ أخبرنا سُفْيَانُ عن عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثدٍ عن أَبي عَبْد الرّحْمَنِ السلمي عن عُثْمَانَ بنِ عفّان قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏خَيْرُكُمْ أوْ أَفْضَلُكُمْ مَنْ تَعَلّمَ القُرْآنَ وَعلّمَهُ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ هَكَذَا رَوَى عَبْد الرّحْمَن بنُ مَهْدِي، وَغَيْرُ واحِدٍ عن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عن عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ عن أَبي عَبْد الرّحْمَنِ عن عُثْمَانَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَسُفْيَانُ لاَ يَذْكُرُ فِيهِ عن سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ‏.‏ وَقَدْ رَوَى يَحْيىَ بنُ سَعِيدٍ القَطّانُ هَذَا الْحَدِيثَ عن سُفْيَانَ، وَشُعْبَةُ عن عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ عن سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ عن أَبي عَبْد الرّحْمَنِ عن عُثْمَانَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏- حدثنا بِذَلِكَ مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا يَحْيىَ بنُ سَعِيدٍ عن سُفْيانَ وَشُعْبَةَ، قالَ مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ يَحْيىَ بنُ سَعِيدٍ عن سُفْيَانَ وَ شُعْبَةَ غَيْرَ مَرّةٍ عن عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ عن سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ عن أَبي عَبْد الرّحْمَن عن عُثْمَانَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قالَ مُحمّدُ بنُ بَشّارَ‏:‏ وأَصْحَابُ سُفْيَانَ لاَ يَذْكرُونَ فِيهِ عن سُفْيَانَ عن سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ‏.‏ قالَ مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ وَهُوَ أَصَحّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَقَدْ زَادَ شُعْبَةُ في إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ سَعْدَ بنَ عُبَيْدَةَ، وَكَأَنّ حَدِيثَ سُفْيَانَ أَصح‏.‏

قَالَ عَلِيّ بنُ عَبْدِ الله، قالَ يَحْيىَ بنُ سَعِيدٍ‏:‏ مَا أَحَدٌ يَعْدِلُ عِنْدِي شُعْبَةَ، وَإِذَا خَالَفَهُ سُفْيَانُ أَخَذْتُ بِقَوْلِ سُفْيَانَ،

قال أبو عيسى‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا عَمّارٍ يَذْكُرُ عن وَكِيعٍ، قال‏:‏ قالَ شُعْبَةُ‏:‏ سُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنّي، وَمَاَ حَدّثَنِي سُفْيَانُ عن أَحَدٍ بِشَيء فَسَأَلَتُهُ إِلاّ وَجَدْتُهُ كَمَا حَدّثَنِي‏.‏ وفي البابِ عن عَلِيّ وَسَعْدٍ‏.‏

2985- حدثنا قُتَيْبَةُ أخبرنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بنُ زِيَادٍ عن عَبْد الرّحْمَنِ بنِ إِسْحَاقَ عن النّعْمَانِ بنِ سَعْدٍ عن عَلِيّ بَنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلّمَ القُرْآنَ وَعَلّمَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وهذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إِلاّ مِنْ حَدِيثِ عَبْد الرّحْمَن بنِ إِسْحَاقَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو داود‏)‏ هو الطيالسي ‏(‏قال سمعت سعد بن عبيدة‏)‏ بضم العين مصغراً السلمي‏.‏ ‏(‏يحدث عن أبي عبد الرحمن السلمي‏)‏ اسمه عبد الله ابن حبيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خيركم من تعلم القرآن وعلمه‏)‏ قال الطيبي‏:‏ أي خير الناس باعتبار التعلم والتعليم، من تعلم القرآن وعلمه انتهى‏.‏ قال القارى في المرقاة‏:‏ ولا يتوهم أن العمل خارج عنهما لأن العلم إذا لم يكن مؤرثاً للعمل ليس علماً في الشريعة إذ أجمعوا على أن من عصى الله فهو جاهل انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ فإن قيل يلزم أن يكون المقرئ أفضل من الفقيه، قلنا لا لأن المخاطبين بذلك كانوا فقهاء النفوس لأنهم كانوا أهل اللسان، فكانوا يدرون معاني القرآن بالسليقة أكثر مما يدريها من بعدهم بالاكتساب، فكان الفقه لهم سجية، فمن كان في مثل شأنهم شاركهم في ذلك لا من كان قارئاً أو مقرئاً محضاً لا يفهم شيئاً من معاني ما يقرأه أو يقرئه، فإن قيل فيلزم أن يكون المقرئ أفضل ممن هو أعظم عناء في الإسلام بالمجاهدة والرباط والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلاً، قلنا حرف المسألة يدور على النفع المتعدي، فمن كان حصوله عنده أكثر كان أفضل، فلعل من مضمرة في الخبر، ويحتمل أن تكون الخيرية وإن أطلقت لكنها مقيدة بناس مخصوصين خوطبوا بذلك، كان اللائق بحالهم ذلك، أو المراد خير المتعلمين من يعلم غيره لا من يقتصر على نفسه‏.‏ انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الرحمن‏:‏ فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا‏)‏ أي هذا الحديث الذي حدثني به عثمان هو الذي أجلسني مجلسي هذا‏.‏ يعني هو الذي حملني على جلوسي مجلسي هذا للإقراء ‏(‏وعلم‏)‏ أي أبو عبد الرحمن ‏(‏في زمان عثمان حتى بلغ الحجاج‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ وأقرأ أبو عبد الرحمن في أمرة عثمان حتى كان الحجاج قال الحافظ‏:‏ أي حتى ولى الحجاج على العراق، قال بين أول خلافة عثمان وآخر ولاية الحجاج اثنتان وسبعون سنة إلا ثلاثة أشهر، وبين آخر خلافة عثمان وأول ولاية الحجاج العراق ثمان وثلاثون سنة ولم أقف على تعيين إبتداء إقراء أبي عبد الرحمن وآخره فالله أعلم بمقدار ذلك، ويعرف من الذي ذكرته أقصى المدة وأدناها، والقائل وأقرأ إلخ‏.‏ هو سعد بن عبيدة انتهى كلام الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا سفيان‏)‏ هو الثوري ‏(‏عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن‏)‏ لم يذكر سفيان سعد بن عبيدة بين علقمة وأبي عبد الرحمن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خيركم أو أفضلكم‏)‏ شك من بعض الرواة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال محمد بن بشار وأصحاب سفيان لا يذكرون فيه عن سفيان عن سعد بن عبيدة‏.‏ قال محمد بن بشار وهو أصح‏)‏ وهكذا حكم علي بن المديني على يحيى القطان فيه بالوهم‏.‏ وقال بن عدي‏.‏ جمع يحيى القطان بين شعبة وسفيان، فالثوري لا يذكر في إسناده سعد بن عبيدة، وهذا مما عد في خطأ يحيى القطان على الثوري قال ابن عدي إن يحيى القطان لم يخطئ قط إلا في هذا الحديث، كذا في الفتح‏.‏ ‏(‏قال أبو عيسى‏:‏ ‏(‏وقد زاد شعبة في إسناد هذا الحديث سعد بن عبيدة، وكأن حديث سفيان أشبه‏)‏ والبخاري أخرج الطريقين، فكأنه ترجح عنده أنهما جميعاً محفوظان، فيحمل على أن علقمة سمعه أولاً من سعد، ثم لقي أبا عبد الرحمن فحدثه به أو سمعه مع سعد من أبي عبد الرحمن فثبته فيه سعد قاله الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال علي بن عبد الله هو ابن المديني‏)‏ ‏(‏قال يحيى بن سعيد‏)‏ هو القطان ‏(‏ما أحد يعدل عندي شعبة‏)‏ أي ليس عندي أحد يساوي شعبة في الحفظ والإتقان ‏(‏وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان‏)‏ لأن سفيان أحفظ وأتقن من شعبة، وقد اعترف به شعبة نفسه كما بينه الترمذي بقوله ‏(‏سمعت أبا عمار يذكر عن وكيع الخ‏)‏ ‏(‏وما حدثني سفيان عن أحد بشيء فسألته إلا وجدته كما حدثني‏)‏ هذا دليل شعبة على أن سفيان أحفظ منه يعني لم يحدثني سفيان بشيء عن رجل فسألت ذلك الرجل عن ذلك الشيء إلا وجدت ذلك الشيء عن ذلك الرجل كما حدثني به سفيان فبطل قول بعض الجهلة إن قول شعبة سفيان أحفظ مني محمول على أنه قاله هضماً لنفسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وسعد‏)‏ أما حديث علي فأخرجه الترمذي في هذا الباب، وأما حديث سعد فأخرجه ابن ماجه والدارمي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الواحد بن زياد‏)‏ العبدي مولاهم البصري ثقة في حديثه عن الأعمش وحده مقال ‏(‏عن عبد الرحمن بن إسحاق‏)‏ ابن الحارث الواسطي يكنى بأبي شيبة‏.‏ قال الحافظ في التقريب ضعيف‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ قال البخاري فيه نظر‏.‏ وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه‏:‏ ليس بذاك، وهو الذي يحدث عن النعمان بن سعد أحاديث مناكير، انتهى ‏(‏عن النعمان بن سعد‏)‏ الأنصاري الكوفي، روى عن علي وغيره، وعنه ابن أخته أبو شيبة عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي ولم يرو عنه غيره فيما قال أبو حاتم وذكره بن حبان في الثقات قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ والراوي عنه ضعيف فلا يحتج بخبره، انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث لا نعرفه الخ‏)‏ لم يحكم الترمذي على هذا الحديث بشيء من الضعف أو الصحة، وهو حديث ضعيف لضعف عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي‏.‏

1793- باب مَا جَاءَ في مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ القُرْآنِ مالَهُ مِنَ الأَجر

2986- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيّ أخبرنا الضّحاكُ بنُ عُثْمَانَ عن أَيّوبَ بنِ مُوسَى، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ مُحمّدَ بنَ كَعْبٍ القُرَظِيّ يَقُولُ‏.‏ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ قَرَأَ حَرْفَاً مِنْ كِتَابِ الله فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لاَ أَقُولُ آلم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْف ولامٌ حَرْفٌ وَميمٌ حَرْفٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريب مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بنَ سَعِيدٍ، يَقُولُ‏:‏ بَلَغَنِي أَنّ مُحمّدَ بنَ كَعْبٍ القُرَظِيّ وُلِدَ في حَيَاةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ومحمد بن كعب يكنّى أبا حمزة، وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عن ابنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ أَبُو الأَحْوَصِ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ، وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ، ووَقَفَهُ بَعْضُهُمْ عن ابنِ مَسْعُودٍ‏.‏

2987- حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِيّ الْجُهْضَمِيّ أخبرنا عَبْدُ الصّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ أخبرنا شُعْبَةُ عن عَاصِمٍ عن صَالِحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏يَجِيءُ صَاحِبُ القُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ‏:‏ يَا رَبّ حَلّهِ فَيُلْبَسَ تَاجُ الكَرَامَةِ، ثُمّ يَقُولُ‏:‏ يَا رَبّ زِدْهُ، فَيُلْبَسَ حُلَةُ الكَرَامَةِ، ثُمّ يَقُولُ‏:‏ يَا رَبّ أَرْضَ عَنْهُ، فيرضى عنه فَيُقَالُ له اقْرَأْ وارق وَيُزَادُ بِكُلّ آيَةٍ حَسَنَةٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2988- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ أخبرنا شُعْبَةُ عن عَاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ عن أَبي صَالِحِ أَبي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ‏.‏

وَلَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَهَذَا أَصَحّ عِنْدَنَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الصّمَدِ عن شُعْبَةَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو بكر الحنفي‏)‏ اسمه عبد الكبير بن عبد المجيد وهو أبو بكر الحنفي الصغير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من قرأ حرفاً من كتاب الله‏)‏ أي القرآن ‏(‏والحسنة بعشر أمثالها‏)‏ أي مضاعفة بالعشر، وهو أقل التضاعف الموعود بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها‏}‏ ‏{‏والله يضاعف لمن يشاء‏}‏ والحرف يطلق على حرف الهجاء والمعاني والجملة المفيدة والكلمة المختلف في قراءتها، وعلى مطلق الكلمة‏.‏ ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف‏"‏ وفي رواية ابن أبي شيبة والطبراني‏:‏ ‏"‏من قرأ حرفاً من القرآن كتب له به حسنة، لا أقول ألم ذلك الكتاب، ولكن الألف واللام والميم والذال واللام والكاف، وفي رواية للبيهقي‏:‏ ‏"‏لا أقول بسم الله ولكن باء وسين وميم ولا أقول ألم، ولكن الألف واللام والميم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه‏)‏ وأخرجه الدارمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت قتيبة بن سعيد‏)‏ يقول‏:‏ بلغني أن محمد بن كعب القرظي ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ لا حقيقة له وإنما الذي ولد في عهده هو أبوه، فقد ذكروا أنه كان من سبي قريظة ممن لم يحتلم ولم ينبت فخلوا سبيله حكى ذلك البخاري في ترجمة محمد انتهى ‏(‏ومحمد بن كعب القرظي يكنى أبا حمزة‏)‏ وقيل يكنى أبا عبد الله مدني من حلفاء الأوس، وكان أبوه من سبي قريظة سكن الكوفة ثم المدينة‏.‏ قال ابن سعد‏:‏ كان ثقة عالماً كثير الحديث ورعاً‏.‏ قال العجلي‏:‏ مدني تابعي ثقة رجل صالح عالم بالقرآن‏.‏ وقال عون بن عبد الله‏:‏ ما رأيت أحداً أعلم بتأويل القرآن منه‏.‏ وقال ابن حبان‏:‏ كان من أفاضل أهل المدينة علماً وفقهاً، وكان يقص في المسجد فسقط عليه وعلى أصحابه سقف فمات هو وجماعة معه تحت الهدم سنة ثمان عشرة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عاصم‏)‏ ابن بهدلة وهو ابن أبي النجود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا رب حَلّه‏)‏ الظاهر أنه أمر من التحلية، يقال حَليتُه، أحليه تحليه إذا البسته الحلية‏.‏ والمعنى يا رب زينه ‏(‏إقرأ‏)‏ أمر من القراءة أي أتل ‏(‏وارق‏)‏ أمر من رَقأ يرقاً رقاً أي اصعد‏.‏ قال في القاموس‏.‏ رقأ في الدرجة صعد وهي المرقأة وتكسر‏.‏ أي يقال لصاحب القرآن اقرأ القرآن واصعد على درجات الجنة وسيأتي توضيحه عن قريب في شرح حديث عبد الله بن عمرو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه ابن خزيمة والحاكم‏.‏ وقال صحيح الإسناد كذا في الترغيب للمنذري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا أصح عندنا من حديث عبد الصمد عن شعبة‏)‏ أي هذا الحديث الموقوف الذي روى محمد بن جعفر أصح من حديث عبد الصمد عن شعبة المرفوع المذكور وذلك لأن عبد الصمد وإن كان ثقة في شعبة لكن محمد بن جعفر المدني البصري المعروف بغندر أوثق وأتقن منه في شعبة‏.‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ محمد بن جعفر المعروف بغندر صاحب الكرابيس روى عن شعبة فأكثر وجالسه نحواً من عشرين سنة وكان ربيبه‏.‏ وقال العجلي‏:‏ بصري ثقة، وكان من أثبت الناس في حديث شعبة‏.‏ وقال ابن المبارك‏:‏ إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم بينهم‏.‏

1794- باب

2989- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ أخبرنا أَبُو النّضْرِ أخبرنا بَكْرُ بنُ خُنَيْسٍ عن لَيْثِ بنِ أَبي سُلَيْمٍ عن زَيْدٍ بنِ أَرْطَأةَ عن أَبي أُمَامَةَ قالَ‏:‏ قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَا أَذِنَ الله لِعَبْدٍ في شَيءٍ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنٍ يُصَلّيهِمَا، وَإِنّ البِرّ لَيُذَرّ عَلَى رَأْسِ الْعَبْدِ مَا دَامَ فِي صَلاَتِهِ، وَمَا تَقَرّبَ الْعِبَادُ إِلَى الله عزّ وَجَلّ بِمِثْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ‏"‏‏.‏

قالَ أَبُو النّضْرِ‏:‏ يَعْنِي القُرْآنَ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عن زَيْدٍ بنِ أَرْطَأةَ عن جُبَيْر بنُ نُفَيْرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرْسَلٌ‏.‏

2990- حدثنا بِذَلِكَ إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِي عن مُعَاوِيَةَ عن الْعَلاَءِ بنِ الْحَارِثِ عن زَيْدِ بنِ أَرْطَأةَ عن جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ قالَ‏:‏ قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّكُمْ لَنْ تَرْجِعُوا إِلى الله بِأَفْضَلَ مِمّا خَرَجَ مِنْهُ يَعْنِي القُرْآنَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ وَبَكْرُ بنُ خُنَيْسٍ قَدْ تَكَلّمَ فِيهِ ابنُ المُبَارَكِ وَتَرَكَهُ فِي آخِرِ أَمْرِهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو النضر‏)‏ اسمه هاشم بن القاسم الليثي‏.‏ ‏(‏أخبرنا بكر بن خنيس‏)‏ بالخاء المعجمة وبالنون مصغراً كوفي عابد سكن بغداد صدوق له أغلاط أفرط فيه ابن حبان قاله الحافظ في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أذن الله‏)‏ أي ما أصغى وما استمع‏.‏ قال في القاموس‏:‏ أذن إليه وله كفرح استمع‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وههنا أذن عبارة عن الإقبال من الله بالرأفة والرحمة على العبد وذلك أن العبد إذا كان في الصلاة وقد فرغ من الشواغل متوجهاً إلى مولاه مناجياً له بقلبه ولسانه، فالله سبحانه أيضاً يقبل عليه بلطفه وإحسانه إقبالاً لا يقبل في غيره من العبادات ‏(‏لعبد في شيء‏)‏ أي في شيء من العبادات ‏(‏أفضل من ركعتين يصليهما‏)‏ يعني أفضل العبادات الصلاة، كما ورد في الصحيح‏:‏ ‏"‏الصلاة خير موضوع‏"‏‏.‏ أي خير من كل ما وضعه الله لعباده ليتقربوا إليه ‏(‏وإن البر ليذر‏)‏ بالذال المعجمة والراء المشددة على يناء المجهول أي ينثر ويفرق من قولهم، ذررت الحب والملح أي فرقته ‏(‏على رأس العبد‏)‏ أي ينزل الرحمة والثواب الذي هو أثر البر على المصلي ‏(‏وما تقرب العباد إلى الله عز وجل بمثل ما خرج منه‏)‏ قال في مجمع البحار‏:‏ أي ما ظهر من الله ونزل على نبيه، وقيل ما خرج من العبد بوجوده على لسانه محفوظاً في صدره مكتوباً بيده، وقيل ما ظهر من شرائعه وكلامه، أو خرج من كتابه المبين وما استفهامية الإنكار ويجوز كونها نافية، وهو أقرب أي ما تقرب بشيء مثل انتهى ما في المجمع‏.‏ ‏(‏قال أبو النضر‏)‏ الراوي عن بكر بن خنيس ‏(‏يعني القرآن‏)‏ هذا تفسير من أبي النضر لقوله ما خرج منه‏.‏ وهذا التفسير أولى عندي يعني ضمير منه يرجع إلى الله‏.‏ والمراد بما خرج منه ما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم وهو القرآن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أحمد، وفي سندهما بكر بن خنيس وهو متكلم فيه، وليث بن أبي سليم وقد اختلط أخيراً ولم يتميز حديثه فترك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبكر بن خنيس قد تكلم فيه ابن المبارك وتركه في آخر أمره‏)‏ قال ابن معين‏:‏ ليس بشيء، وقال مرة ضعيف، وقال مرة شيخ صالح لا بأس به، وقال النسائي وغيره‏:‏ ضعيف، وقال الدارقطني متروك، وقال أبو حاتم صالح غزاء ليس بالقوى وقال ابن حبان يروي عن البصريين والكوفيين أشياء موضوعة يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها‏.‏ كذا في الميزان‏.‏ وإلى قول ابن حبان هذا أشار الحافظ بقوله‏:‏ أفرط فيه ابن حبان‏.‏

1795- باب

2991- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيع أخبرنا جَرِيرٌ عن قَابُوسَ بنِ أَبي ظَبْيَانَ عن أَبِيِه عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنّ الّذِي ليس فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2992- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا أَبُو دَاودَ اَلْحفَرِيّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ عن سُفْيَانَ عن عَاصِمِ بنِ أَبي النّجُودِ عن زِرٍ عن عَبْدِ الله بن عَمْرٍو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏يُقَالُ- يَعْنِي لٍصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتّلْ كَمَا كنْتَ تُرَتّلُ فِي الدّنْيَا، فَإنّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا عَبْد الرّحْمَن بنُ مَهْدِيٍ عن سُفْيَانَ عن عاصِمٍ بهَذَا الإْسْنَادِ نَحْوَهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا جرير‏)‏ هو ابن عبد الحميد ‏(‏عن قابوس بن أبي ظبيان‏)‏ الجنبي الكوفي‏.‏ قال في التقريب فيه لين‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ روى عن أبيه حصين بن جندب وآخرين، وعنه جرير بن عبد الحميد وآخرون ‏(‏عن أبيه‏)‏ أبي ظبيان واسمه حصين بن جندب الكوفي ثقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الذي ليس في جوفه‏)‏ أي قلبه ‏(‏شيء من القرآن كالبيت الخرب‏)‏ بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء أي الخراب لأن عمارة القلوب بالإيمان وقراءة القرآن وزينة الباطن بالاعتقادات الحقة والتفكر في نعماء الله تعالى‏.‏ وقال الطيبي أطلق الجوف وأريد به القلب إطلاقاً لاسم المحل على الحال، وقد استعمل على حقيقته في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه‏}‏ واحتيج لذكره ليتم التشبيه له بالبيت الخرب بجامع أن القرآن إذا كان في الجوف يكون عامراً مزيناً بحسب قلة ما فيه وكثرته، وإذا خلا عما لا بد منه من التصديق والاعتقاد الحق والتفكير في آلاء الله ومحبته وصفاته يكون كالبيت الخرب الخالي عما يعمره من الأثاث والتجمل انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ بعد نقل كلام الطيبي هذا ما لفظه‏:‏ وكأنه عدل عن ظاهر المقابلة المتبادر إلى الفهم، وإذا خلا عن القرآن لعدم ظهور إطلاق الخراب عليه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والدارمي والحاكم، وقال صحيح الإسناد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو داود الحفري‏)‏ بفتح الحاء المهملة، والفاء نسبة إلى حفر موضع بالكوفة ثقة عابد‏.‏ ‏(‏وأبو نعيم‏)‏ اسمه الفضل بن دكين ‏(‏عن زر‏)‏ هو ابن حبيش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقال‏)‏ أي عند دخول الجنة ‏(‏لصاحب القرآن‏)‏ أي من يلازمه بالتلاوة والعمل ‏(‏وأرق‏)‏ أمر من رقي يرقي أي أصعد إلى درجات الحنة، يقال رقي الجبل وفيه وإليه رقياً ورقياً أي صعد، وفي رواية أبي داود‏:‏ إقرأ وارتق ‏(‏ورتل‏)‏ أي اقرأ بالترتيل ولا تستعجل بالقراءة ‏(‏كما كنت ترتل في الدنيا‏)‏ من تجويد الحروف ومعرفة الوقوف ‏(‏فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها‏)‏ قال المنذري في الترغيب‏:‏ قال الخطابي‏:‏ جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة في الاَخرة، فيقال للقاري أرق في الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن، فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة في الاَخرة، ومن قرأ جزءاً منه كان رقيه في الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه‏.‏

1796- باب

2993- حدثنا عبدُ الْوَهّابِ الْوَرّاقُ البَغْدَادِيّ أخبرنا عبدُ المَجِيدِ بنُ عبدِ الْعَزِيزِ عن ابنِ جُرَيْج عَنِ المُطّلِبِ بنِ عبدِ الله بنِ حَنْطَبِ عن أْنسِ بنِ مَالكٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏عُرِضَتْ عَلَيّ أُجُورُ أُمّتِي حَتّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرّجُلُ مِنَ المَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيّ ذُنُوبُ أُمّتِي فلَمْ أَرَ ذَنْباً أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثمّ نَسِيَهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ قال‏:‏ وَذَاكَرْتُ بِهِ مُحَمّدَ بنَ إسْمَاعِيلَ فَلَمْ يَعْرِفْهُ وَاسْتَغْرَبَهُ‏.‏ قال محمدُ وَلاَ أَعْرِفُ للْمُطّلِبِ بنِ عَبْدِ الله بن حَنْطَبِ سَمَاعاً مَن أَحَدٍ مِن أَصْحاَبِ النبيّ صلى الله عليه وسلم إِلاّ قَوْلَهُ حدثني مَنْ شَهِدَ خُطْبَةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ وَسَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عَبْد الرّحْمَن يَقُولُ لاَ نَعْرِفُ للمُطّلِبِ سَمَاعاً مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصحاَبِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال عَبْدُ الله‏:‏ وَأَنْكَرَ عَلِيّ بنُ المَدِينِيّ أَنْ يَكُونَ المُطّلِبُ سَمِعَ مِنْ أَنسٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز‏)‏ بن أبي رواد بفتح الراء وتشديد الواو صدوق يخطئ وكان مرجئاً أفرط ابن حبان فقال متروك من التاسعة ‏(‏عن المطلب عن عبد الله بن حنطب‏)‏ قال في التقريب‏:‏ المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب بن الحارث المخزومي صدوق كثير التدليس والإرسال من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عرضت علي‏)‏ الظاهر أنه في ليلة المعراج ‏(‏أجور أمتي‏)‏ أي ثواب أعمالهم ‏(‏حتى القذاة‏)‏ بالرفع أو الجر وهي بفتح القاف‏.‏ قال الطيبي‏:‏ القذاة هي ما يقع في العين من تراب أو تبن أو وسخ ولا بد في الكلام من تقدير مضاف أي أجور أعمال أمتي وأجر القذاة أي أجر إخراج القذاة إما بالجر وحتى بمعنى إلى والتقدير إلى إخراج القذاة وعلى هذا قوله يخرجها الرجل من المسجد جملة مستأنفة للبيان وإما بالرفع عطفاً على أجور فالقذاة مبتدأ ويخرجها خبره ‏(‏فلم أر ذنياً‏)‏ أي يترتب على نسيان ‏(‏أعظم من سورة‏)‏ أي من ذنب نسيان سورة كائنة ‏(‏من القرآن‏)‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ فإن قلت هذا مناف لما مر في باب الكبائر، قلت إن سلم أن أعظم وأكبر مترادفان، فالوعيد على النسيان لأجل أن مدار هذه الشريعة على القرآن فنسيانه كالسعي في الإخلال بها، فإن قلت النسيان لا يؤاخذ به، قلت المراد تركها عمداً إلى أن يفضي إلى النسيان‏.‏ وقيل المعنى أعظم من الذنوب الصغائر إن لم تكن عن استخفاف وقلة تعظيم، كذا نقله ميرك عن الأزهار انتهى ‏(‏أو آية أوتيهاً‏)‏ أي تعلمها وأو للتنويع وإنما قال أوتيها دون حفظها إشعاراً بأنها كانت نعمة جسيمة أولاها الله ليشكرها فلما نسيها فقد كفر تلك النعمة ‏(‏ثم نسيها‏)‏ قال الطيبي‏:‏ فلما عد إخراج القذاة التي لا يؤبه لها من الأجور تعظيماً لبيت الله، عد أيضاً النسيان من أعظم الجرم تعظيماً لكلام الله سبحانه، فكأن فاعل ذلك عد الحقير عظيماً بالنسبة إلى العظيم فأزاله عنه وصاحب هذا عد العظيم حقيراً فأزاله عن قلبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه وسكت عنه أبو داود وقال المنذري‏:‏ وفي إسناده عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد الأزدي مولاهم المكي وثقه يحيى بن معين وتكلم فيه غير واحد‏.‏

1797- باب

2994- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا أَبُو أَحْمَدَ أخبرنا سُفْيَانُ عن الأعْمَشِ عن خَيْثَمَةَ عن الحَسَنِ عن عُمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ أَنّهُ مَرّ عَلَى قارئ يَقْرَأُ ثمّ سَأَلَ فَاسْتَرْجَعَ ثمّ قال سمِعْتُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَل الله بِهِ فَإِنّهُ سَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يَقْرَأُونَ الْقرْآنَ يَسْأَلُونَ بِهِ النّاسَ‏"‏‏.‏

وَقال محمودٌ وهَذَا‏:‏ خَيْثَمَةُ الْبَصْرِيّ الّذِي رَوَى عَنْهُ جَابرٌ الجُعْفِيّ وَلَيْسَ هُوَ خَيْثَمَةَ بنَ عَبْد الرّحْمَن‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ وَخَيْثَمَةُ هَذَا شَيْخٌ بَصْرِيّ يُكْنَى أَبَا نَصْرٍ قَدْ رَوَى عن أَنَسِ بنِ مالكٍ أَحَادِيثَ، وَقَدْ رَوَى جَابِرٌ الْجُعْفِيّ عَنْ خَيْثَمَةَ هَذَا أَيْضاً‏.‏

2995- حدثنا محمدُ بنُ إسْمَاعِيلَ الْوَاسِطِيّ حدثنا وَكِيعٌ حدثنا أَبُو فَرْوَةَ يَزِيدُ بنُ سِنَانٍ عَن أَبي المُبَارَكِ عَن صُهَيْبٍ قالَ‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَا آمَنَ بالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلّ مَحَارِمَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بالقوي‏.‏ وَقَدْ خُولِفَ وَكِيعٌ في رِوَايَتِهِ‏.‏ وقالَ محمدٌ‏:‏ أَبُو فَرْوَةَ يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ الرّهَاوِيّ لَيْسَ بِحَدِيِثِه بَأْس إِلاّ رِوَايَةَ ابْنِهِ محمدٍ عَنْهُ فَإِنّهُ يَرْوِي عَنْهُ مَنَاكِيرَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَقَدْ رَوَى محمدُ بْنُ سِنَانٍ عن أَبِيهِ هَذَا الحَدِيثَ فَزَادَ في هَذَا الإسْنَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ عَنْ صُهَيْبٍ وَلاَ يُتَابَعُ محمدُ بنُ يَزِيدَ عَلَى رِوَايَتِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَ أَبُو المُبَارَكِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ‏.‏

2996- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ حدثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَيّاشٍ عَنْ بَجيرِ بن سَعْدٍ عن خالدِ بنَ مَعْدَان عن كثِيرٍ بنِ مُرّةَ الْحَضْرَمِيّ عن عُقْبَةَ بن عَامِرٍ قال‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏الْجَاهِرُ بالْقُرْآنِ كاَلْجَاهِرِ بالصّدَقَةِ وَالمُسِرّ بالْقُرْآنِ كَالمُسِرّ بالصّدَقَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وَمَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ أَنّ الّذِي يُسِرّ بِقِرَاءَةِ القُرْآنِ أَفْضَلُ مِنَ الّذِي يَجْهَرُ بِقِرَاءَةِ القُرْآنِ لأنّ صَدَقَةَ السّرّ أَفْضَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ صَدَقَةِ الْعَلاَنِيَةِ‏.‏ وَإِنمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لِكَيْ يأْمَنَ الرّجُلُ مِنَ الْعُجْبِ لأَنّ الّذِي يُسِرّ الْعَمَلِ لاَ يُخَافُ عَلَيْهِ الْعُجْبِ مَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْعُجْبِ ما يُخَافُ عَلَيْهِ من علانِيَته‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو أحمد‏)‏ هو الزبيري ‏(‏عن الحسن‏)‏ هو البصري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مر على قارئ يقرأ‏)‏ أي القرآن ‏(‏ثم سأل‏)‏ أي طلب من الناس شيئاً من الرزق ‏(‏فاسترجع‏)‏ أي قال عمران‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏ لابتلاء القارئ بهذه المصيبة التي هي السؤال عن الناس بالقرآن أو لابتلاء عمران بمشاهدة هذه الحالة الشنيعة وهي مصيبة ‏(‏من قرأ القرآن فليسأل الله به‏)‏ أي فليطلب من الله تعالى بالقرآن ما شاء من أمور الدنيا والاَخرة، أو المراد أنه إذا مر بأية رحمة فليسألها من الله تعالى أو بآية عقوبة فيتعوذ إليه بها منها وإما أن يدعو الله عقيب القراءة بالأدعية المأثورة وينبغي أن يكون الدعاء في أمر الاَخرة وإصلاح المسلمين في معاشهم ومعادهم ‏(‏وقال محمود‏)‏ أي ابن غيلان ‏(‏هذا‏)‏ أي خيثمة المذكور في الإسناد ‏(‏خيثمة البصري الذي روى عنه جابر الجعفي‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ خيثمة بن أبي خيثمة واسمه عبد الرحمن فيما يقال أبو نصر البصري روى عن أنس والحسن البصري روى عنه الأعمش ومنصور وجابر الجعفي وغيرهم‏.‏ قال عباس عن ابن معين‏:‏ ليس بشيء، وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب هو لين الحديث ‏(‏وليس هو خيثمة بن عبد الرحمن‏)‏ يعني خيثمة المذكور في الإسناد غير خيثمة بن عبد الرحمن قال في التقريب‏:‏ خيثمة بن عبد الرحمن ابن أبي سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة الجعفي الكوفي ثقة وكان يرسل من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد ‏(‏وقد روى جابر الجعفي عن خيثمة هذا أيضاً‏)‏ يعني أن جابراً الجعفي أيضاً من أصحاب خيثمة هذا وروى عنه كما أن الأعمش من أصحابه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن إسماعيل الواسطي‏)‏ قال في التقريب‏:‏ محمد بن إسماعيل ابن البختري بفتح الموحدة والمثناة بينهما خاء معجمة ساكنة الحساني بمهملتين أبو عبد الله نزيل بغداد صدوق من الحادية عشرة ‏(‏عن صهيب‏)‏ هو ابن سنان أبو يحيى الرومي صحابي شهير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما آمن بالقرآن من استحل محارمه‏)‏ جمع محرم بمعنى الحرام الذي هو المحرم والضمير للقرآن، والمراد فرد من هذا الجنس قال الطيبي‏:‏ من استحل ما حرمه الله تعالى في القرآن فقد كفر مطلقاً وخص ذكر القرآن لعظمته وجلالته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى محمد بن يزيد بن سنان‏)‏ الجزري أبو عبد الله بن أبي فروه ليس بالقوى من التاسعة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو أبو فروة يزيد بن سنان المذكور في الإسناد ‏(‏ولا يتابع‏)‏ بصيغة المجهول أي لا يتابع أحد ‏(‏وأبو المبارك رجل مجهول‏)‏ قال في التقريب‏:‏ أبو المبارك عن عطاء مجهول من السادسة وروايته عن صهيب مرسلة ‏(‏وقال محمد‏)‏ يعني البخاري ‏(‏أبو فروة يزيد بن سنان الرهاوي ليس بحديثه بأس‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ وقال البخاري مقارب الحديث إلا أن ابنه محمداً يروي عنه مناكير وقال في التقريب هو ضعيف‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏الجاهر بالقرآن‏)‏ أي المعلن بقراءته ‏(‏كالجاهر بالصدقة‏)‏ أي كالمعلن باعطائها ‏(‏والمسر بالقرآن‏)‏ أي المخفي بقراءته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وسكت عنه أبو داود وقال المنذري‏:‏ في إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال ومنهم من يصحح حديثه عن الشاميين وهذا الحديث شامي الإسناد انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومعنى هذا الحديث أن الذي يسر بقراءة القرآن أفضل الخ‏)‏ قال الطيبي‏:‏ جاء آثار بفضيلة الجهر بالقرآن وآثار بفضيلة الإسرار به والجمع بأن يقال الإسرار أفضل لمن يخاف الرياء، والجهر أفضل لمن لا يخافه بشرط أن لا يؤذي غيره من مصل أو نائم أو غيرهما، وذلك لأن العمل في الجهر يتعدى نفعه إلى غيره أي من استماع أو تعلم أو ذوق أو كونه شعاراً للدين ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه ويطرد النوم عنه وينشط غيره للعبادة فمتى حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل‏.‏

1798- باب

2997- حدثنا صَالِحُ بنُ عَبْدِ الله أخبرنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ أَبي لُبَابةَ قال‏:‏ قالت عائِشَةُ‏:‏ ‏"‏كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لاَ يَنَامُ حَتّى يَقْرَأَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَالزّمُرَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وَأَبُو لُبَابةَ شَيْخٌ بَصْرِيّ قَدْ رَوَى عَنْهُ حَمّادُ بنُ زَيْدٍ غَيْرَ حَدِيثٍ وَيُقَالُ اسمُهُ مَرْوَانُ‏.‏

حدثنا بِذَلِكَ مُحمدُ بنُ إسْمَاعِيلَ في كِتَابِ التّارِيخِ‏.‏

2998- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرَ أخبرنا بَقِيّةُ بنُ الْوَلِيدِ عَنْ بَجيرِ بنِ سَعْدٍ عن خَالِدِ بن مَعْدَانَ عن عَبْدِ الله بنِ أَبي بلاَل عن عِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ أَنّهُ حَدّثَهُ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ الُمسَبّحَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ ويَقُولُ‏:‏ ‏"‏إِنّ فِيِهِنّ آيةً خَيْرٌ مِنْ أَلفِ آيَةٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي لبابة‏)‏ اسمه مروان الوراق البصري ثقة من الرابعه يقال أنه مولى عائشة أو هند بنت المهلب أو عبد الرحمن بن زياد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا ينام حتى يقرأ بني إسرائيل والزمر‏)‏ أي لم يكن عادته النوم قبل قراءتهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي والحاكم ‏(‏قد روى عنه حماد بن زيد غير حديث‏)‏ يعني روى عنه حماد بن زيد أحاديث متعددة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي بلال‏)‏ الخزاعي الشامي مقبول من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يقرأ المسبحات‏)‏ بكسر الباء نسبة مجازية وهي السور التي في أوائلها سبحان أو سبح بالماضي أو يسبح أو سبح بالأمر وهي سبعة‏:‏ سبحان الذي أسرى والحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن والأعلى ‏(‏قبل أن يرقد‏)‏ أي ينام ‏(‏يقول‏)‏ استئناف لبيان الحامل له على قراءة تلك السور كل ليلة قبل أن ينام ‏(‏إن فيهن‏)‏ أي في المسبحات ‏(‏آية‏)‏ أي عظيمة ‏(‏خير‏)‏ أي هي خير ‏(‏من ألف أية‏)‏ قيل هي لو أنزلنا هذا القرآن وهذا مثل اسم الأعظم من بين سائر الأسماء في الفضيلة فعلى هذا فيهن أي في مجموعهن‏.‏ وعن الحافظ ابن كثير أنها هو الأول والاَخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم انتهى‏.‏ قال القارى‏:‏ والأظهر أنها هي الاَية التي صدرت بالتسبيح، وفيهن بمعنى جميعهن والخيرية لمعنى الصفة التنزيهية الملتزمة للنعوت الإثباتية‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ أخفى الاَية فيها كإخفاء ليلة القدر في الليالي وإخفاء ساعة الإجابة في يوم الجمعة محافظة على قراءة الكل لئلا تشذ تلك الاَية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي قال المنذري بعد نقل تحسين الترمذي‏:‏ وفي إسناده بقية بن الوليد عن بحير بن سعد وبقية فيه مقال، وأخرجه النسائي من حديث معاوية بن صالح عن بحير بن سعد مرسلاً انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وبقية كثير التدليس وروى هذا الحديث عن بحير بالعنعنة‏.‏

1799- باب

2999- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا أَبُو أَحْمَدَ الزّبَيْرِيّ حدثنا خَالِدُ بنُ طَهْمَانَ أَبُو الْعَلاَءِ الخَفّافُ حدثني نَافِعُ بنُ أَبي نَافِعٍ عن مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ ثَلاَثَ مرّاتٍ‏:‏ أَعُوذُ بالله السّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ‏.‏ وَقَرَأَ ثَلاَثَ آيَاتٍ مِنّ آخِرِ سُورَةِ الحَشْرِ وَكّلَ الله بهِ سَبعْينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلّونَ عَلَيْهِ حَتّى يُمْسِىَ، وَإِنْ مَاتَ في ذَلِكَ الْيَوْمِ مَاتَ شَهِيداً، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِى كانَ بِتْلكَ المَنْزِلَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلا من هذا الوجْهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏من قال حين يصبح‏)‏ أي يدخل في الصباح ‏(‏ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم‏)‏ التكرار للإلحاح في الدعاء فإنه خبر لفظاً، دعاء معنى‏.‏ أو التثليث لمناسبة الاَيات الثلاث حتى لا يمنع القارئ عن قراءتها والتدبر في معانيها والتخلق بأخلاق ما فيها ‏(‏وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر‏)‏ أي من قوله ‏{‏هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب‏}‏ إلى آخر السورة فإنها مشتملة على الاسم الأعظم عند كثيرين ‏(‏يصلون عليه‏)‏ أي يدعون له بتوفيق الخير ودفع الشر أو يستغفرون لذنوبه ‏(‏ومن قالها‏)‏ أي الكلمات المذكورة ‏(‏كان بتلك المنزلة‏)‏ أي بالرتبة المسطورة، والظاهر أن هذا نقل بالمعنى اقتصاراً من بعض الرواة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الدارمي وفي سندهما خالد بن طهمان وكان قد خلط قبل موته بعشر سنين‏.‏

1800- باب ما جَاءَ كَيْفَ كَانَتْ قِراءَةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم

3000- حدثنا قُتَيْبَةُ أخبرنا اللّيْثُ عن عَبْدِ الله بنِ عُبِيْدِ الله بنِ أَبي مُلَيْكَةَ عن يَعْلَى بنِ مَمْلَكٍ‏:‏ أَنّهُ سَأَلَ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عن قِرَاءَةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَصَلاَتِهِ، فَقَالَتْ‏:‏ ‏"‏مَا لَكُمْ وَصَلاَتَهُ‏؟‏ كَانَ يُصَلّي ثُمّ يَنَامُ قَدْرَ مَا صَلّى، ثُمّ يُصَلّي قَدْرَ مَا نَامَ، ثُمّ ينَامُ قَدْرَ مَا صَلّى حَتّى يُصْبِحَ، ثُمّ نَعَتَتْ قِرَاءَتَهُ، فَإِذَا هِىَ تَنْعَتُ قِرَاءَةً مُفَسّرَةً حَرْفاً حَرْفاً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ لَيْثِ بنِ سَعْدٍ عن ابنِ أَبي مُلَيْكَةَ عن يَعْلَى بنِ مَمْلَكٍ عن أُمّ سَلَمَةَ‏.‏

وَقَدْ رَوَى ابنُ جُرَيْجٍ هَذَا الْحَدِيثَ عن ابنِ أَبي مُلَيْكَةَ عن أُمّ سَلَمَةَ‏:‏ ‏"‏أَن النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَطّعُ قِرَاءَتَهُ‏"‏ وَحَدِيثُ اللّيْث أَصَحّ‏.‏

3001- حدثنا قُتَيْبَةُ أخبرنا اللّيْثُ عن مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ عن عَبْدِ الله بنِ أَبي قَيْسٍ هو رجل بصريّ قالَ‏:‏ ‏"‏سَأَلْتُ عَائِشَةَ عن وِتْرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم كَيْفَ كَانَ يوترُ، مِنْ أَوّلِ اللّيْلِ أو مِنْ آخِرِهِ‏؟‏ فَقَالَتْ‏:‏ كُلّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يِصْنَعُ رُبّمَا أُوْتَرَ مِنْ أَوّلِ اللّيْلِ، وَرُبّمَا أَوْتَرَ مِنْ آخِرِهِ، فقلت‏:‏ الْحَمْدُ لله الّذِي جَعَلَ في الأمْرِ سَعَةً‏.‏ فَقلت‏:‏ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ أَكَانَ يُسِرّ بِالقِرَاءَةِ أُمْ يَجْهَرُ‏؟‏ قَالَتْ كُلّ ذَلِكَ قد كَانَ يَفْعَلُ قَدْ كَانَ رُبّمَا أَسَرّ، وَرُبّمَا جَهَرَ، قالَ فَقلت‏:‏ الْحَمْدُ لله الّذِي جَعَلَ فِي الأمْرِ سَعَةً‏.‏ قالَ‏:‏ قلت‏:‏ فَكَيْفَ كانَ يَصْنَعُ فِي الْجَنَابَةِ‏؟‏ أَكَانَ يَغْتَسِلُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ أَمْ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ كُلّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ رُبّمَا اغْتَسَلَ فَنَامَ، وَرُبّمَا تَوَضّأَ فَنَامَ‏.‏ قلت‏:‏ الْحَمْدُ لله الّذِي جَعَلَ فِي الأَمْرِ سَعَةً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْه‏.‏

3002- حدثنا مُحَمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ أخبرنا مُحَمّدُ بنُ كَثِيرٍ أخبرنا إسْرَائِيلُ أخبرنا عُثْمَانُ بنُ المُغِيرَةِ عن سَالِمِ بنِ أَبي الْجَعْدِ عن جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله قالَ‏:‏ ‏"‏كان النبيّ صلى الله عليه وسلم قَدْ يَعْرِضُ نَفْسَهُ بَالمَوْقِفِ، فَقَال‏:‏ أَلاَ رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ، فَإِنّ قُرَيْشاً قَدْ مَنَعُونِي أَن أُبَلّغَ كَلاَمَ رَبّي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة‏)‏ بالتصغير ابن عبد الله بن جدعان يقال اسم أبي مليكة زهير التيمي المدني أدرك ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثقة فقيه من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومالكم وصلاته‏)‏ بالنصب أي ما تصنعون بصلاته والمعنى أنكم لا تستطيعون أن تصلوا صلاته ‏(‏ثم نعتت‏)‏ أي وصفت ‏(‏قراءة مفسرة‏)‏ أي مبينة ‏(‏حرفاً حرفاً‏)‏ أي كان يقرأ بحيث يمكن عد حروف ما يقرأ والمراد حسن الترتيل والتلاوة على نعت التجويد‏.‏ قال الطيبي‏:‏ يحتمل وجهين‏:‏ الأول أن تقول كانت قراءته كيت وكيت، والثاني‏:‏ أن تقرأ مرتلة كقراءة النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس‏:‏ لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله بغير ترتيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي ‏(‏وقد روى ابن جريج هذا الحديث الخ‏)‏ كذا ذكره الترمذي ههنا معلقاً ووصله في أبواب القراءات وسيأتي الكلام عليه هناك‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏كل ذلك‏)‏ بالنصب على أنه مفعول مقدم لقوله قد كان يصنع ‏(‏ربما أوتر من أول الليل وربما أوتر من آخره‏)‏ وفي رواية مسروق أوتر أول الليل ووسطه وآخره ولكن انتهى وتره حين مات إلى السحر ‏(‏الحمد لله الذي جعل في الأمر‏)‏ أي في أمر الشرع ‏(‏سعة‏)‏ بالفتح أي وسعة وتسهيلاً وتيسيراً‏.‏ قال الطيبي‏:‏ دل على أن السعة من الله تعالى في التكاليف نعمة يجب تلقيها بالشكر ‏(‏قد كان ربما أسر وربما جهر‏)‏ فيه دليل على أن المرء مخير في صلاة الليل يجهر بالقراءة أو يسر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن إسماعيل‏)‏ هو الإمام البخاري ‏(‏أخبرنا محمد بن كثير‏)‏ العبدي البصري ثقة لم يصب من ضعفه من كبار العاشرة ‏(‏أخبرنا إسرائيل‏)‏ هو ابن يونس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى الله عليه وسلم قد يعرض نفسه‏)‏ أي على الناس ‏(‏بالموقف‏)‏ أي بالموسم ‏(‏يحملني إلى قومه‏)‏ أي لأبلغ كلام ربي ‏(‏فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي‏)‏ زاد في رواية غير الترمذي فأتاه رجل من همدان فأجابه ثم خشى أن لا يتبعه قومه فجاء إليه فقال آتى قومي فاخبرهم ثم آتيك من العام المقبل قال نعم فانطلق الرجل‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ ذكر ابن إسحاق وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد موت أبي طالب قد خرج إلى ثقيف بالطائف يدعوهم إلى نصره فلما امتنعوا منه رجع إلى مكة فكان يعرض نفسه على قبائل العرب في مواسم الحج، وذكر بأسانيد متفرقة أنه أتى كندة وبني كعب وبني حذيفة وبني عامر بن صعصعة وغيرهم فلم يجبه أحد منهم إلى ما سأل‏.‏ وقال موسى بن عقبة عن الزهرى‏:‏ فكان في تلك السنين أي التي قبل الهجرة يعرض نفسه على القبائل ويكلم كل شريف قوم لا يسألهم إلا أن يؤووه ويمنعوه، ويقول لا أكره أحداً منكم على شيء بل أريد أن تمنعوا من يؤذيني حتى أبلغ رسالة ربي فلا يقبله أحد بل يقولون قوم الرجل أعلم به، ثم ذكر حديث جابر هذا ثم قال‏:‏ وجاء وفد الأنصار في رجب‏.‏ وقد أخرج الحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل بإسناد حسن عن ابن عباس‏:‏ حدثني علي بن أبي طالب قال لما أمر الله نبيه أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر إلى منى حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب وتقدم أبو بكر- وكان نسابة- فقال من القوم‏؟‏ فقالوا من ربيعة‏.‏ فقال من أي ربيعة أنتم‏؟‏ قالوا من ذهل، فذكروا حديثاً طويلاً في مراجعتهم وتوقفهم أخيراً عن الإجابة‏.‏ قال ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج وهم الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار لكونهم أجابوه إلى إيوائه ونصره، قال فما نهضوا حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى‏.‏ ومناسبة هذا الحديث بالباب بأنه صلى الله عليه وسلم إذا بلغ قوماً القرآن يقرأه عليهم بالترتيل والتقطيع‏.‏ وتكون قراءته عليهم مفسرة حرفاً حرفاً ليتدبروا فيه ويتعظوا به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم‏.‏

1801- باب

3003- حدثنا مُحَمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ أخبرنا شِهَابُ بنُ عَبّادٍ العَبْدِيّ أخبرنا مُحمّدُ ابنُ الْحَسَنِ بنِ أَبي يَزِيدَ الْهَمْدَانيّ عن عَمْرِو بنِ قَيْس عن أَبي سَعِيدٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يَقُولُ الرّبّ عز وجل‏:‏ مَنْ شَغَلَهُ القُرْآنُ عن ذِكْرِى، مَسْألَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِى السّائِلِينَ، وَفَضْلُ كَلاَمِ الله عَلَى سَائِرِ الكَلاَمِ كَفَضْلِ الله عَلَى خَلْقِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن إسماعيل‏)‏ هو الإمام البخاري ‏(‏أخبرنا شهاب بن عباد العبدي‏)‏ أبو عمر الكوفي ثقة من العاشرة ‏(‏أخبرنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني‏)‏ بالسكون أبو الحسن الكوفي نزيل واسط ضعيف من التاسعة ‏(‏عن عطية‏)‏ هو العوفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من شغله القرآن عن ذكرى ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين‏)‏ أي من اشتغل بقراءة القرآن ولم يفرغ إلى ذكر ودعاء أعطى الله مقصوده ومراده أكثر وأحسن مما يعطي الذين يطلبون حوائجهم ‏(‏وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه‏)‏ قال ميرك‏:‏ يحتمل أن تكون هذه الجملة من تتمة قول الله عز وجل فحينئذ فيه التفات كما لا يخفي، ويحتمل أن تكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أظهر لئلا يحتاج إلى ارتكاب الالتفات انتهى‏.‏ وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين‏:‏ هذه الكلمة لعلها خارجة مخرج التعليل لما تقدمها من أنه يعطي المشتغل بالقرآن أفضل ما يعطي الله السائلين، ووجه التعليل أنه لما كان كلام الرب سبحانه وتعالى فائقاً على كل كلام كان أجر المشتغل فوق كل أجر‏.‏ والحديث لولا أن فيه ضعفاً لكان دليلاً على أن الاشتغال بالتلاوة عن الذكر وعن الدعاء يكون لصاحبه هذا الأجر العظيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رجاله ثقات إلا عطية العوفي ففيه ضعف انتهى‏.‏ قلت‏:‏ وفي سنده محمد بن الحسن ابن أبي يزيد الهمداني وهو أيضاً ضعيف‏.‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ قال الذهبي حسن الترمذي حديثه فلم يحسن انتهى‏.‏ والحديث أخرجه أيضاً الدارمي والبيهقي في شعب الإيمان‏.‏