فصل: 45- كتاب القراءات عن رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


45- كتاب القراءات عن رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم

1802- باب في فاتحة الكتاب

3004- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الأمَويّ عن ابنِ جُرَيْجٍ عن ابنِ أَبي مُلَيْكَةَ عن أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏"‏كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُقَطّعُ قِرَاءَتَهُ يَقْرَأُ‏:‏ الْحَمْدُ لله رَبّ الْعَالِمِينَ‏.‏ ثُمّ يَقِفُ‏.‏ الرّحمَنِ الرّحِيمِ‏.‏ ثُمّ يقِفُ‏.‏ وَكَانَ يَقْرَأُهَا‏:‏ مَلِكِ يَوْمِ الدّينِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏ وَبِهِ يَقول أَبُو عُبَيْدٍ وَيَخْتَارُهُ، هَكَذَا رَوَى يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ الأمَويّ، وَغَيْرُهُ عن ابنِ جُرَيْجٍ عن ابنِ أَبي مُلَيْكَةَ عن أُمّ سَلَمَةَ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتّصِلٍ لأنّ اللّيْثَ بنَ سَعْدٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عن ابن أَبي مُلَيْكَةَ عن يَعْلَى بن مَمْلَكٍ عن أُمّ سَلَمَةَ أَنّهَا وَصَفَتْ قِرَاءَةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم حَرْفاً حَرْفاً‏.‏ وَحَدِيثُ اللّيْثِ أَصَحّ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ اللّيْثِ، وَكَانَ يَقْرَأُ ‏{‏مَلِكِ يَوْمِ الدّينِ‏}‏‏.‏

3005- حدثنا أَبُو بَكْرٍ مُحمّدُ بنُ أَبَانَ أخبرنا أَيّوبُ ابنُ سُوَيْدٍ الرّمْلِيّ عن يُونُسَ بن يَزِيدَ عن الزّهْرِيّ عن أَنَسٍ‏:‏ ‏"‏أن النبيّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأُرَاهُ قَالَ‏:‏ وَعُثْمَانَ كَانُوا يَقْرَؤُونَ‏:‏ مَالِكٍ يَوْمِ الدّينِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الزّهْرِيّ عن أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ إلا مِنْ حَدِيثِ هَذَا الشّيْخِ أَيّوبَ بنِ سُوَيْدٍ الرّمْلِيّ‏.‏ وَقَدْ رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ الزّهْرِيّ هَذَا الْحَدِيثَ عن الزّهْرِيّ‏:‏ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَقْرَأُونَ مَالِكِ يَوْمِ الدّينِ‏"‏ وقد رَوَى عَبْدُ الرّزّاق عن مَعْمَرٍ عن الزّهْرِيّ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ‏:‏ ‏"‏أَن النبيّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كاَنُوا يَقْرَؤُونَ‏:‏ مَالِكِ يَوْمِ الدّينِ‏"‏‏.‏

3006- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ أخبرنا بنُ المُبَارَكِ عن يُونُسَ بنِ يَزِيدَ عن أَبي عَلِيّ بنِ يَزِيدَ عن الزّهْرِيّ عن أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ‏:‏ ‏"‏أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ ‏{‏أَنّ النّفْسَ بالنّفْسِ وَالْعَيْنُ بالْعَيْنِ‏}‏‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏- حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ أخبرنا عبد الله ابنُ المُبَارَكِ عن يُونُسَ بنِ يَزِيدَ بِهَذَا الإسْنَادِ نَحْوَهُ‏.‏ وَأَبُو عَليّ بن يَزيدَ هُوَ أَخُو يُونُسَ بنِ يَزِيدَ وَهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ قالَ مُحّمدٌ‏:‏ تَفَرّدَ ابنُ المُبَارَكِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عن يُونُسَ بنِ يَزِيدَ، وَهَكَذَا قَرَأَ أَبُو عُبَيْدٍ ‏"‏الْعَيْنُ بالْعَيْنِ‏"‏ اتباَعاً لِهَذَا الْحدِيثِ‏.‏

3007- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ أخبرنا رِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ عن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ زِيَادِ بنِ أَنْعَمَ عن عُتْبَةَ بنِ حُمَيْدٍ عن عُبَادَةَ بنِ نُسَىٍ عن عَبْد الرّحْمَن بنِ غَنْمٍ عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ‏:‏ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ‏:‏ هَلْ تستطيع رَبّكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بنِ سَعْدٍ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيّ‏.‏ وَرِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ، وَعَبْد الرّحْمَن بنُ زِيَادِ ابن أَنْعَمَ الإفْرِيقيّ يُضَعّفَانِ فِي الْحَدِيثِ‏.‏

3008- حدثنا حُسَيْنُ بنُ مُحمّدٍ الْبَصْرِيّ أخبرنا عَبْدِ الله بنُ حَفْصٍ أخبرنا ثَابِتٌ البُنَانيّ عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عن أُمّ سَلَمَةَ‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَؤهَا ‏{‏إِنّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عن ثَابِتٍ البُنَانِيّ نَحْوَ هَذَا، وَهُوَ حَدِيثُ ثَابِتٍ البُنَانيّ‏.‏ وقد رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضاً عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عن أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قال وَسَمِعْتُ عَبْدَ بنَ حُمَيْد، يَقُولُ‏:‏ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ هِيَ أُمّ سَلَمَةَ الأَنْصَارِيّةُ، كِلاَ الحَدِيثَيْنِ عِنْدِي وَاحِدٌ، وَقَدْ رَوَى شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ غَيْرَ حَدِيثٍ عن أُمّ سَلَمَةَ الأنْصَارِيّةِ، وَهِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزيِدَ، وَقَدْ رُوِيَ عن عَائِشَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا‏.‏

3009- حدثنا يَحْيَ بنُ مُوسَى حدثنا وَكيعٌ وَحَبّانُ بن هِلاَلٍ، قالا‏:‏ حدثنا هَارُونُ النّحْويّ عن ثَابِتٍ البُنَانيّ عن شَهْرٍ حَوْشَبٍ عن أُمّ سَلَمَةَ‏:‏ ‏"‏أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هَذَهِ الاَيَةَ ‏{‏أَنّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ‏}‏‏.‏

3010- حدثنا أَبُو بَكْرِ بنِ نَافِعٍ البَصْرِيّ أخبرنا أُمَيّةُ بنُ خَالِدٍ أخبرنا أَبُو الْجَارِيَةِ العَبْدِيّ عن شُعْبَةَ عن أَبي إسْحَاقَ عن سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ عن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏قَدْ بَلّغْتّ مِنْ لَدُنّي عُذْراً‏}‏ مُثَقّلَةً‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأُمَيّةُ بنُ خَالِدٍ ثِقَةٌ، وَأَبُو الْجَارِيَةِ العَبْدِيّ شَيْخٌ مَجْهُولٌ لا أدري من هو وَلاَ يعرف اسْمَهُ‏.‏

3011- حدثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى أخبرنا مُعَلّى بنُ مَنْصُورٍ حدثنا مُحمّدٍ بنِ دِينَارٍ عن سَعْدِ بنٍ أَوْسٍ عن مِصْدَعٍ أَبي يَحْيَى عن ابنِ عَبّاسٍ عن أُبيّ بن كَعْب‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ ‏{‏فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ وَالصّحِيحُ مَا رُوِيَ عن ابنِ عَبّاس قِرَاءَتُهُ، وَيُرْوَى أَنّ ابنَ عَبّاسٍ وَعَمْرَو بنَ الْعَاصِ اخْتَلَفَا فِي قِرَاءَةِ هَذِهِ الاَيَةِ وَارْتَفَعَا إِلَى كَعْبِ الأحْبَارِ فِي ذَلِكَ‏.‏ فَلَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ رِوَايَةٌ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم لاسْتَغْنَى بِرِوَايَتِهِ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى كَعْبٍ‏.‏

3012- حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ حدثنا المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ عن أَبيه عن سُلَيْمَانَ الأعَمشِ عن عَطيّةَ عن أَبي سَعِيدٍ قالَ‏:‏ ‏"‏لَمّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ظَهَرَتِ الرّومُ عَلَى فَارِسَ فَأَعَجبَ ذَلِكَ المؤْمِنِينَ فَنَزَلَتْ ‏{‏آلم غُلِبَتِ الرّومُ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏{‏يَفْرَحُ المؤْمِنُونَ‏}‏ قال يفرح المُؤْمِنُونَ بظُهُورٍ الرّومِ عَلَى فَارِسَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَيُقْرَأُ‏:‏ غَلَبَتْ، وَغُلِبَتْ، يَقُولُ‏:‏ كَانَتْ غَلَبَتْ ثُمّ غَلَبَتْ‏.‏ هَكَذَا قَرَأَ نَصْرُ بنُ عَلِيّ غَلَبَتْ‏.‏

3013- حدثنا مُحمّدُ بنُ حُميْدٍ الرازِيّ أخبرنا محمد بنُ مَيسّر النّحْويّ عن فُضَيْلِ بنِ مَرْزُوقٍ عن عَطِيّةَ العَوْفِيّ عن ابن عُمَرَ‏:‏ ‏"‏أَنّهُ قَرَأَ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏{‏خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ‏}‏ فَقَالَ‏:‏ مِنْ ضُعْفٍ‏"‏‏.‏

3014- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ عن فُضَيْل بنِ مَرْزُوقٍ عن عَطِيّةَ عن ابنِ عُمَرَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفهُ إلا مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلِ بنِ مَرْزُوقٍ‏.‏

3015- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا أَبُو أَحْمَدَ الزّبَيْرِيّ أخبرنا سُفْيَانُ عن أَبي إِسْحَاقَ عن الأسْودِ بنِ يَزِيدَ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ ‏{‏فَهَلْ مِنْ مُدّكِرٍ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3016- حدثنا بِشْرُ بنُ هِلاَلِ الصّوّافُ البَصْرِيّ أخبرنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الضّبعَيّ عن هَارُونَ الأعْوَرِ عن بُدَيْلٍ بن ميسرة عن عَبْدِ الله بن شَقِيقٍ عن عَائِشَةَ‏:‏ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ ‏{‏فُرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنّةُ نَعِيمٍ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَديثِ هَارُونَ الأَعْوَرِ‏.‏

3017- حدثنا هنّادٌ أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عن الأعْمَشِ عن إبْرَاهِيمَ عن عَلْقَمَةَ قالَ‏:‏ قَدِمْنَا الشّامَ فَأَتَانَا أَبُو الدّرَدَاءِ، فَقَالَ‏:‏ أَفِيكُمْ أَحَدُ يَقْرَأُ عَلَيّ قِرَاءَةَ عَبْد الله‏؟‏ قالَ فَأَشَارُوا إِليّ، فَقلت‏:‏ نَعَمْ أنا، قالَ‏:‏ كَيْفَ سَمِعْتَ عَبْدَ الله يَقْرَأُ هَذِهِ الاَيَةَ‏:‏ ‏{‏وَاللّيْلِ إِذَا يَغْشَى‏}‏ قالَ‏:‏ قُلْتُ سَمِعْتُهُ يَقْرَؤهَا وَاللّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالذّكَرِ وَالأُنْثى، فَقَالَ‏:‏ أَبُو الدّرْدَاءِ، وَأَنَا وَالله هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْرَؤُهَا، وَهَؤُلاَءِ يُرِيدُونَنِي أَنْ أَقْرَأَهَا‏:‏ وَمَا خَلَقَ‏.‏ فَلاَ أُتَابِعُهُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَهَكَذَا قِرَاءَةُ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ ‏(‏وَاللّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنّهَارِ إذَا تَجَلّى وَالذّكَرِ وَالأُنْثَى‏)‏‏.‏

3018- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا عُبَيْدُ الله بن موسى عن إِسْرَائِيلَ عن أبي إسْحَاقَ عن عَبْد الرّحْمَن بنِ يَزِيدَ عن عَبْد الله بن مَسْعُودٍ قالَ‏:‏ ‏"‏أَقْرَأَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إنّي أنَا الرّزّاقُ ذُو القُوّةِ المُتِينُ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3019- حدثنا أَبُو زُرْعَةَ وَ الفَضْلُ بنُ أَبي طَالِبٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا‏:‏ أخبرنا الْحَسَنُ بنُ بِشْرٍ عن الْحَكَمِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ عن قَتَادَةَ عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ ‏{‏وَتَرَى النّاسَ سُكَارَىَ وَمَاهُمْ بِسُكاَرَى‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ، وهَكَذَا رَوَى الْحَكَمُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ عن قَتَادَةَ وَلاَ نَعْرِفُ لِقَتَادَةَ سَمَاعاً مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم إِلاّ مِنْ أَنَسِ‏.‏ وأَبو الطّفَيْلٍ، هو عِنْدِي حديث مُخْتَصَرٌ إِنّما يُرْوَى عن قَتَادَة عن الْحَسَن عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ قالَ‏:‏ ‏"‏كُنّا مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم في السَفَر فَقَرأ ‏{‏يَا أَيّهَا النّاسُ اتقّوُا رَبّكُم‏}‏ الْحَدِيثَ بطولِهِ، وَحَدِيثُ الْحَكَمِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ عِنْدِي مخْتَصَرٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ‏.‏

3020- حدثنا مَحمود بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا أَبُو دَاوُدَ قال أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عن مَنْصُورٍ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ عن عَبْد الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏بِئْسَمَا لأَحَدِهِمْ أَوْ لأَحَدِكُمْ أنْ يَقُولَ‏:‏ نَسِيتُ آيةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ هُوَ نُسّيَ فَاسْتَذْكِرُوا القُرْآنَ، فَوَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدّ تَقَصّياً مِنْ صُدُورِ الرّجَالِ مِنَ النّعَمِ مِنْ عُقُلِهِ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يقطع قراءته‏)‏ زاد في رواية أبي داود آية آيه أي يقف عند كل آية ‏(‏يقرأ الحمد لله رب العالمين ثم يقف الرحمن الرحيم ثم يقف‏)‏ هذا بيان لقوله يقطع قراءته ‏(‏وكان يقرؤها‏)‏ في بعض النسخ يقرأ بحذفها ‏(‏ملك يوم الدين‏)‏ على وزن كتف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وسكت عنه وزاد بسم الله الرحمن الرحيم قبل الحمد لله رب العالمين، وقال بعد روايته وسمعت أحمد يقول القراءة القديمة مالك يوم الدين انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبه يقرأ أبو عبيد ويختاره‏)‏ أبو عبيد هذا اسمه القاسم بن سلام بتشديد اللام البغدادي الإمام المشهور ثقة فاضل مصنف قاله الحافظ في التقريب‏.‏ وقال‏:‏ ولم أر له في الكتب حديثاً مسنداً بل أقواله في شرح الغريب انتهى‏.‏ وذكر في تهذيب التهذيب ترجمته مبسوطة‏.‏ وقال السيوطي في الإتقان‏:‏ أول من صنف في القراءة أبو عبيد القاسم بن سلام انتهى‏.‏ وقال الحافظ بن كثير في تفسيره‏:‏ قرأ بعض القراء ملك يوم الدين وقرأ آخرون مالك وكلاهما صحيح متواتر في السبع ويقال ملك بكسر اللام وبإسكانها، ويقال مليك أيضاً، وأشبع نافع كسرة الكاف فقرأ ملكي يوم الدين، وقد رجح كلا من القراءتين مرجحون من حيث المعنى وكلاهما صحيحة حسنة‏.‏ ورجح الزمخشري ملك لأنها قراءة أهل الحرمين، ولقوله ‏{‏لمن الملك اليوم‏}‏ وقوله ‏{‏الحق وله الملك‏}‏ وحكى عن أبي حنيفة أنه قرأ‏:‏ ملك يوم الدين، على أنه فعل وفاعل ومفعول وهذا شاذ غريب جداً وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئاً غريباً حيث قال حدثنا أبو عبد الرحمن الأزدي حدثنا عبد الوهاب بن عدي بن الفضل عن أبي المطرف عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنة يزيد ابن معاوية كانوا يقرؤون مالك يوم الدين‏.‏ قال ابن شهاب وأول من أحدث ملك مروان‏.‏ قلت‏:‏ مروان عنده علم بصحة ما قرأه لم يطلع عليه ابن شهاب والله أعلم‏.‏ وقد روى من طرق متعددة أوردها ابن مردويه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها‏:‏ مالك يوم الدين انتهى كلام الحافظ ابن كثير‏.‏ وقال البغوي‏:‏ قرأ عاصم والكسائي ويعقوب مالك وقرأ الاَخرون ملك، قال قوم معناهما واحد مثل فرهين وفارهين وحذرين وحاذرين انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليس إسناده بمتصل لأن الليث بن سعد روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك عن أم سلمة‏)‏ فزاد الليث بين ابن أبي مليكة وأم سلمة يعلى بن مملك فعلم أن حديث يحيى بن سعيد الأموي وغيره بدون ذكر يعلى بن مملك بينهما منقطع ‏(‏وحديث الليث أصح‏)‏ أي من حديث يحيى بن سعيد الأموي وغيره عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة‏.‏ قلت‏:‏ صرح الحافظ في تهذيب التهذيب أن ابن أبي مليكة روى عن أسماء وعائشة وأم سلمة، وفي البخاري قال ابن أبي مليكة أدركت ثلاثين من الصحابة فيجوز أن ابن أبي مليكة كان يروي الحديث أولاً عن يعلى عن أم سلمة ثم لقيها فسمعه منها فروى عنها بلا واسطة والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أيوب بن سويد الرملي أبو مسعود الحميري الشيباني صدوق يخطئ كذا في التقريب‏.‏ وقال المنذري وأيوب بن سويد هذا قال عبد الله بن المبارك أرم به وضعفه غير واحد انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏كانوا يقرؤون مالك يوم الدين‏)‏ أي بالألف بعد الميم على وزن فاعل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ في سنده أيوب بن سويد وضعفه غير واحد كما عرفت‏.‏ وقال البخاري يتكلمون فيه ‏(‏وقد روى بعض أصحاب الزهرى هذا الحديث عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم الخ‏)‏ يعني رواه بعض أصحاب الزهري مرسلاً ‏(‏وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن النبي الخ‏)‏ هذا أيضاً مرسل وهذا المرسل أخرجه أبو داود في سننه ثم قال هذا أصح من حديث الزهري عن أنس والزهري عن سالم عن أبيه انتهى يعني حديث الزهري المرسل أصح من حديث الزهري عن أنس المتصل ومن حديث الزهري عن سالم عن أبيه المتصل، وحديث الزهري عن سالم عن أبيه أخرجه الدارقطني في الإفراد قاله المنذري‏.‏ وفي الدر المنثور وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي داود في المصاحف من طريق سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقرؤون مالك يوم الدين، وأخرج الطبراني في معجمه الكبير عن ابن مسعود أنه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك يوم الدين بالألف‏.‏ وأخرج وكيع والفريابي وأبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر من طرق عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ مالك يوم الدين بالألف‏.‏ وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي داود عن أبي هريرة أنه كان يقرؤها مالك يوم الدين بالألف‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي علي بن يزيد‏)‏ الأيلي هو أخو يونس بن يزيد قال في تهذيب التهذيب‏:‏ ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم مجهول انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعين بالعين‏)‏ أي بالرفع عطف على محل أن النفس‏.‏ قال البيضاوي في تفسيره‏:‏ رفعها الكسائي على أنها جمل معطوفة على أن وما في حيزها باعتبار المعنى انتهى‏.‏ وقال البغوي في المعالم‏:‏ وقرأ الكسائي والعين وما بعدها بالرفع، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو جعفر وعمرو والجروح بالرفع فقط، وقرأها الاَخرون كلها بالنصب كالنفس انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال سويد بن نصر‏)‏ المروزي أبو الفضل المعروف بالشاه‏.‏ ‏(‏حدثنا سويد بن نصر أخبرنا ابن المبارك عن يونس بن يزيد بهذا الإسناد نحوه‏)‏ هذه العبارة لم توجد في بعض النسخ ووجدت في بعضها وحذفها هو الظاهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وسكت عنه هو والمنذري ‏(‏قال محمد‏)‏ يعني البخاري ‏(‏تفرد ابن المبارك بهذا الحديث عن يونس بن يزيد‏)‏ وقال الطبراني في الأوسط‏:‏ لم يروه عن الزهري إلا أبو علي ولا عنه إلا يونس تفرد به ابن المبارك كذا في تهذيب التهذيب‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هل يستطيع ربك‏)‏ بالتاء ونصب باء ربك أي هل تستطيع أن تسأل ربك هذه قراءة الكسائي وقراءة غيره هل يستطيع ربك بالياء ورفع باء ربك‏.‏ والاَية بتمامها هكذا ‏{‏إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء‏.‏ قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حسين بن محمد البصري‏)‏ السعدي الذارع ‏(‏أخبرنا عبد الله ابن حفص‏)‏ الأرطباني بمهملتين وموحدة أبو حفص البصري روى عن ثابت البناني قال أحمد ما أرى به بأساً كذا في الخلاصة، وقال في التقريب صدوق ‏(‏عن أم سلمة‏)‏ اسمها أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية الأشهلية روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنها شهر بن حوشب وغيره بايعت النبي صلى الله عليه وسلم وشهدت اليرموك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها‏)‏ أي الاَية‏:‏ إنه عَمَلٌ غيرُ صالح ‏(‏إنه عَمِلَ غيرَ صالح‏)‏ بصيغة الماضي ونصب راء غير، وفي رواية لأبي داود عن شهر بن حوشب قال سألت أم سلمة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الاَية ‏(‏إنه عمل غير صالح‏)‏‏؟‏ فقالت قرأها ‏(‏إنه عمل غير صالح‏)‏ قال الخازن‏:‏ قرأ الكسائي ويعقوب عمل بكسر الميم وفتح اللام وغير بفتح الراء على عود ضمير الفعل على الابن ومعناه إنه عمل الشرك والكفر والتكذيب، وكل هذا غير صالح، وقرأ الباقون من القراء عمل بفتح الميم ورفع اللام مع التنوين وغير بضم الراء ومعناه أن سؤالك إياي أن أنجيه من الغرق عمل غير صالح لأن طلب نجاة الكافر بعدما حكم عليه بالهلاك بعيد انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث قد رواه غير واحد عن ثابت البناني‏)‏ والحديث أخرجه أبو داود وسكت عنه، وقال المنذري وشهر بن حوشب قد تكلم فيه غير واحد ووثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين ‏(‏وقد روى هذا الحديث عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد‏)‏ أخرجه أبو داود ‏(‏وسمعت عبد بن حميد‏)‏ صاحب المسند ثقة حافظ روى عنه مسلم والترمذي وخلق ‏(‏كلا الحديثين عندي واحد‏)‏ هذا قول الترمذي ‏(‏وقد روى شهر بن حوشب غير حديث‏)‏ أي أحاديث عديدة ‏(‏عن أم سلمة الأنصارية وهي أسماء بنت يزيد‏)‏ قال المنذري‏:‏ وكانت أم سلمة هذه خطيبة النساء، وقد روى شهر بن حوشب أيضاً عن أم سلمة بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو بكر بن نافع البصري‏)‏ اسمه محمد بن أحمد بن نافع العبدي ‏(‏أخبرنا أمية بن خالد‏)‏ بن الأسود القيسي بالقاف ثم تحتانية أخو هدية يكنى أبا عبد الله البصري صدوق ‏(‏أخبرنا أبو الجارية العبدي‏)‏ قال الحافظ مجهول ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو عمرو بن عبد الله السبيعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه قرأ قد بلغت من لدني عذراً مثقلة‏)‏ أي قرأ النون في لدني مثقلة يعني مشددة وفي رواية أبي داود أنه قرأ قد بلغت من لدني وثقلها فقراءة الأكثر بضم الدال وتشديد النون، قال البغوي قرأ أبو جعفر ونافع وأبو بكر من لدني خفيفة النون وقرأ الاَخرون بتشديدها انتهى‏.‏ وقال البيضاوي في تفسيره‏:‏ وقرأ نافع لدني بتحرك النون والاكتفاء بها عن نون الوقاية وقرأ أبو بكر لدني بتحريك النون وإسكان الدال انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب الخ‏)‏ وأخرجه أبو داود‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا معلى بن منصور‏)‏ الرازي أبو يعلى نزيل بغداد ثقة سني ففيه طلب للقضاء فامتنع أخطأ من زعم أن أحمد رماه بالكذب ‏(‏عن محمد بن دينار‏)‏ الأزدي ثم الطاحي بمهملتين البصري صدوق سيء الحفظ رمي بالقدر تغير قبل موته ‏(‏عن سعد بن أوس‏)‏ العدوي البصري روى عن مصدع أبو يحيى وعنه محمد بن دينار الطاحي وثقة ابن حبان وضعفه ابن معين كذا في الخلاصة، وقال في التقريب صدوق له أغاليط ‏(‏عن مصدع‏)‏ على وزن منبر ‏(‏أبي يحيى‏)‏ الأعرج المعرقب مقبول قاله الحافظ‏.‏ وقال الخزرجي مصدع الأعرج أبو يحيى المعرقب بفتح القاف عرقبه بشر بن مروان موثق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في عين حمئة‏)‏ بفتح الحاء وكسر الميم بعدها همزة مفتوحة وفي رواية أبو داود أقرأني أبي بن كعب كما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم في عين حمئة مخففة أي بحذف الألف بعد الحاء يعني لا حامية بإثبات الألف كما في قراءة‏.‏ قال البغوي قرأ أبو جعفر وأبو عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر حامية بالألف غير مهموزة أي حارة، وقرأ الاَخرون حمئة مهموزاً بغير الألف أي ذات حمأه وهي الطينة السوداء‏.‏ وقال بعضهم يجوز أن يكون معنى قوله في عين حمئة أي عندها عين حمئة أو في رأي العين وذلك أنه بلغ موضعاً من المغرب لم يبق بعده شيء من العمران فوجد الشمس كأنها تغرب في وهدة مظلمة كما أن راكب البحريرى الشمس كأنها تغيب في البحر، وقد جاء في قراءة في عين حامية حديث مرفوع أخرج أبو داود في سننه عن أبي ذر قال كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حمار والشمس عند غروبها فقال ‏"‏هل تدري أين تغرب هذه‏"‏‏؟‏ قلت الله ورسوله أعلم‏.‏ قال ‏"‏فإنها تغرب في عين حامية‏"‏‏.‏ والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري‏.‏ وقال ابن جرير‏:‏ والصواب أنهما منافاة بين معنيهما إذ قد تكون حارة لمجاورتها وهج الشمس عند غروبها وملاقاتها الشعاع بلا حائل وحمئة في ماء وطين أسود كما قال كعب الأخبار وغيره انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه‏)‏ وأخرجه أبو داود ‏(‏والصحيح ما روى ابن عباس قراءته‏)‏ يعني الصحيح أن هذا الحديث موقوف على ابن عباس وهو قرأ في عين حمئة لا النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏ويروى أن ابن عباس وعمر وبن العاص اختلفا في قراءة هذه الاَية وارتفعا إلى كعب الأحبار في ذلك‏)‏ أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس قال‏:‏ خالفت عمرو بن العاص عند معاوية في حمئة وحامية قرأتها في عين حمئة فقال عمرو حامية فسألنا كعباً فقال إنها في كتاب الله المنزل تغرب في طين سوداء‏.‏ كذا في الدر المنثور وفيه‏:‏ وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عثمان بن أبي حاضر أن ابن عباس ذكر له أن معاوية بن أبي سفيان قرأ الاَية التي في سورة الكهف‏:‏ تغرب في عين حامية قال ابن عباس فقلت لمعاوية ما نقرؤها إلا حمئة فسأل معاوية عبد الله بن عمرو كيف تقرؤها‏؟‏ فقال عبد الله كما قرأتها، قال ابن عباس فقلت لمعاوية في بيتي نزل القرآن فأرسل إلى كعب فقال له أين تجد الشمس تغرب في التوراة‏؟‏ فقال له كعب سل أهل العربية فأنهم أعلم بها وأما أنا فأني أجد الشمس تغرب في التوراة في ماء وطين‏.‏ وأشار بيده إلى المغرب ‏(‏فلو كانت عنده‏)‏ أي عند ابن عباس ‏(‏رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم لاستغنى بروايته ولم يحتج‏)‏ من الاحتياج ‏(‏إلى كعب‏)‏ فعلم أن الصحيح ما روى عن ابن عباس قراءته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو سليمان بن طرخان ‏(‏عن عطية‏)‏ هو ابن سعد بن جنادة العوفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ظهرت الروم على فارس‏)‏ أي غلبوا عليهم ‏(‏فنزلت ألم غلبت الروم إلى قوله يفرح المؤمنون‏)‏ أي فقرئت لأن نزول هذه الاَية كان بمكة‏.‏ قال في تفسير الجلالين ‏(‏ألم غلبت الروم‏)‏ وهم أهل كتاب غلبتها فارس وليسوا أهل كتاب بل يعبدون الأوثان ففرح كفار مكة بذلك وقالوا للمسلمين نحن نغلبكم كما غلبت فارس الروم في أدنى الأرض أي أقرب أرض الروم إلى فارس بالجزيرة فالتقى فيما الجيشان والبادي بالفوز الفارس ‏(‏وهم‏)‏ أي الروم ‏(‏من بعد غلبهم‏)‏ أضيف المصدر إلى المفعول أي غلبة فارس إياهم سيغلبون فارس في بضع سنين هو ما بين الثلاث إلى التسع أو العشر فالتقى الجيشان في السنة السابعة من الالتقاء الأول وغلبت الروم فارس ‏(‏لله الأمر من قبل ومن بعد‏)‏ أي من قبل غلب الروم ومن بعده، والمعنى أن غلبة فارس أولاً وغلبة الروم ثانياً بأمر الله أي إرادته ‏(‏ويومئذ‏)‏ أي يوم تغلب الروم ويفرح المؤمنون بنصر الله، إياهم على فارس وقد فرحوا بذلك وعلموا به يوم وقوعه يوم بدر بنزول جبرئيل بذلك فيه مع فرحهم بنصرهم على المشركين فيه ‏(‏ينصر من يشاء وهو العزيز‏)‏ الغالب ‏(‏الرحيم‏)‏ بالمؤمنين‏.‏ قال ابن جرير رحمه الله قوله‏:‏ غلبت الروم في أدنى الأرض اختلفت القراء في قراءته، فقرأته عامة قراء الأمصار‏.‏ غلبت الروم بضم الغين بمعنى أن فارس غلبت الروم، وقرأ غلبت الروم بفتح الغين، والذين قرأوا بفتح الغين قالوا‏:‏ نزلت هذه الاَية خبراً من الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن غلبة الروم قال والصواب من القراءة في ذلك عندنا الذي لا يجوز غيره ألم غلبت الروم بضم الغين لإجماع الحجة من القراء عليه، فإذا كان ذلك كذلك فتأويلي الكلام غلبت فارس الروم في أدنى الأرض من أرض الشام إلى أرض فارس، وهم من بعد غلبهم، يقول والروم من بعد غلبة فارس إياهم سيغلبون فارس في بضع سنين، لله الأمر من قبل غلبتهم فارس، ومن بعد غلبتهم إياها، يقضي في خلقه ما يشاء ويحكم ما يريد ويظهر من شاء منهم على من أحب إظهاره عليه، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، يقول‏:‏ ويوم يغلب الروم فارس يفرح المؤمنون بالله ورسوله بنصر الله إياهم على المشركين ونصرة الروم على فارس ينصر الله تعالى من يشاء من خلقه على من يشاء، وهو نصرة المؤمنين على المشركين ببدر قال وأما قوله سيغلبون فإن القراء أجمعين على فتح الياء فيها‏.‏ والواجب على قراءة من قرأ‏:‏ ألم غلبت الروم بفتح الغين أن يقرأ قوله سيغلبون بضم الياء فيكون معناه‏.‏ وهم من غلبتهم فارس سيغلبهم المسلمون حتى يصح معنى الكلام، وإلا لم يكن للكلام كبير معنى إن فتحت الياء لأن الخبر عما قد كان يصير إلى الخبر عن أنه سيكون وذلك إفساد أحد الخبرين بالاَخر انتهى كلامه ملخصاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه‏)‏ وأخرجه بن جرير وابن أبي حاتم والبزار وفي إسناده عطية بن سعد العوفي تقدم ترجمته من التقريب‏.‏ وقال الذهبي في الميزان تابعي شهير ضعيف، قال أبو حاتم يكتب حديثه ضعيف وقال ابن معين صالح، وقال أحمد ضعيف الحديث، وقال بلغني أن عطيه كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير وكان يكنيه بأبي سعيد فيقول‏:‏ قال أبو سعيد، قال الذهبي يعني يوهم أنه الخدري‏.‏ وقال النسائي وجماعة ضعيف انتهى، وقد بسط الحافظ ترجمته في تهذيب التهذيب‏.‏ وقال فيه قال أحمد وحدثنا أبو أحمد الزبير سمعت الكلبي يقول‏:‏ كناني عطية أبو سعيد انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وفي عطية ثلاثة أشياء‏:‏ الأول أنه مدلس، والثاني أنه عند أكثر الأئمة ضعيف، والثالث أنه كان يأخذ التفسير عن الكلبي ويكتبه بأبي سعيد، فيقول عن أبي سعيد يوهم أنه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فحديثه هذا ضعيف غير مقبول وفي قول الترمذي ‏"‏هذا حديث حسن‏"‏ نظر ‏(‏ويقرأ غلبت‏)‏ أي بفتح الغين واللام على بناء الفاعل‏.‏ قال البيضاوي‏:‏ وقرئ غلبت بالفتح وسيغلبون بالضم ومعناه أن الروم غلبوا على ريف الشام والمسلمون سيغلبونهم، وفي السنة التاسعة من نزوله غزاهم المسلمون، وفتحوا بعض بلادهم، وعلى هذا يكون إضافة الغلب إلى الفاعل انتهى ‏(‏وغلبت‏)‏ أي بضم الغين وكسر اللام على بناء المفعول ‏(‏يقول كانت غلبت‏)‏ بضم الغين وكسر اللام ‏(‏ثم غلبت‏)‏ بفتح الغين واللام ‏(‏هكذا قرأ نصر بن علي غلبت‏)‏ أي بفتح الغين واللام ونصر بن علي هذا هو الجهضمي شيخ الترمذي‏.‏

- وله‏:‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن ميسرة النحوي‏)‏ الكوفي نزل الري يكنى أبا عمر صدوق من الثامنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خلقكم من ضعف‏)‏ أي بفتح الضاد المعجمة‏.‏ والمعنى بدأكم وأنشأكم على ضعف، وقيل من ماء ضعيف، وقيل هو إشارة إلى أحوال الإنسان، كان جنيناً ثم طفلاً مولوداً ومفطوماً فهذه أحوال غاية الضعف ‏(‏فقال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم يعني بالضم، وفي رواية أبي داود عن عطية العوفي قال‏:‏ قرأت عند عبد الله بن عمر ‏{‏الله الذي خلقكم من ضعف‏}‏ فقال من ضعف قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأتها علي فأخذ علي كما أخذت عليك قال البغوي‏:‏ قرئ بضم الضاد وفتحها فالضم لغة قريش والفتح لغة تميم انتهى‏.‏ وقال النسفي‏:‏ فتح الضاد عاصم وحمزة وضم غيرهما وهو اختيار حفص وهما لغتان، والضم أقوى في القراءة لما روى عن ابن عمر قال قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضعف فأقرني من ضعف انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود، ومدار هذا الحديث على عطية العوفي قال المنذري‏:‏ لا يحتج بحديثه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يقرأ فهل من مذكر‏)‏ بالدال المهملة كما هو قراءة حفص وسبب ذكر ذلك أن بعض السلف قرأها بالمعجمة، وهو منقول أيضاً عن قتادة، وأصل مذكر مذتكر بمثناة بعد ذال معجمة فأبدلت التاء دالاً مهملة ثم أهملت المعجمة لمقاربتها ثم أدغمت، وفي رواية للبخاري عن عبد الله قال‏:‏ قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم فهل من مذكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فهل من مدكر‏"‏، وفي رواية أخرى له قال‏:‏ وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأها ‏"‏فهل من مذكر‏"‏ دالاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن هارون الأعور‏)‏ هو هارون بن موسى الأزدي العتكي مولاهم النحوي البصري ثقة مقرئ إلا أنه رمي بالقدر من السابعة ‏(‏عن بديل‏)‏ بالتصغير هو ابن ميسرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يقرأ ‏"‏فروح‏"‏‏)‏ أي بضم الراء قاله السيوطي، والقراءة المشهورة بفتح الراء، قال البغوي‏:‏ قرأ يعقوب بضم الراء والباقون بفتحها، فمن قرأ بالضم قال الحسن معناه يخرج روحه في الريحان، وقال قتادة الروح الرحمة، أي له الرحمة وقيل معناه فحياة وبقاء لهم، ومن قرأ بالفتح معناه‏:‏ فله روح‏.‏ وهو الراحة، وهو قول مجاهد، وقال سعيد بن جبير فرح، وقال الضحاك مغفرة ورحمة انتهى ‏(‏وريحان‏)‏ أي رزق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏قدمنا الشأم فأتانا أبو الدرداء‏)‏ وفي رواية البخاري من طريق حفص عن الأعمش قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء ‏(‏أفيكم أحد يقرأ على قراءة عبد الله‏)‏ أي ابن مسعود رضي الله عنه ‏(‏قال فأشاروا إلي فقلت نعم‏)‏ أي أنا أقرأ على قراءة عبد الله‏.‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ فقال أيكم يقرأ على قراءة عبد الله، قال كلنا، قال‏:‏ فأيكم أحفظ فأشاروا إلى علقمة ‏(‏كيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الاَية والليل إذ يغشى‏)‏ قال قلت‏:‏ سمعته يقرأها ‏(‏والليل إذا يغشى والذكر والأنثى‏)‏ وفي رواية البخاري من طريق سفيان عن الأعمش فقرأت‏:‏ والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى‏.‏ قال أأنت سمعت من في صاحبك قلت نعم، قال الحافظ‏:‏ هذا صريح في أن ابن مسعود كان يقرأها كذلك‏.‏ وفي رواية إسرائيل عن مغيرة في المناقب‏.‏ والليل إذا يغشى والذكر والأنثى، بحذف ‏"‏والنهار إذا تجلى‏"‏ كذا في رواية أبي ذر وأثبتها الباقون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وهكذا قراءة عبد الله بن مسعود ‏(‏والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى‏)‏ قال الحافظ‏:‏ هذا القراءة لم تنقل إلا عمن ذكر هنا ومن عداهم قرأوا ‏"‏وما خلق الذكر والأنثى‏"‏ وعليها استقر الأمر مع قوة إسناد ذلك إلى أبي الدرداء ومن ذكر معه‏.‏ والعجب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة وابن مسعود وإليهما تنتهي القراءة بالكوفة ثم لم يقرأ بها أحد منهم، وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحد منهم بهذا فهذا مما يقوي أن التلاوة بها نسخت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبيد الله‏)‏ هو ابن موسى ‏(‏عن اسرائيل‏)‏ هو ابن يونس ‏(‏عن أبي اسحاق‏)‏ هو السبيعي ‏(‏عن عبد الرحمن بن يزيد‏)‏ هو ابن قيس النخعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني أنا الرزاق ذو القوة المتين‏)‏ هذه قراءة بن مسعود والقراءة المتواترة ‏(‏إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو زرعة‏)‏ اسمه عبيد الله بن عبد الكريم الرازي ‏(‏والفضل ابن أبي طالب‏)‏ قال في التقريب الفضل بن جعفر بن عبد الله البغدادي أبو سهل ابن أبي طالب أخو يحيى بن أبي طالب أخو يحيى بن أبي طالب واسطي الأصل ثقة من الحادية عشرة ‏(‏أخبرنا الحسن بن بشر‏)‏ بن سلم بفتح المهملة وسكون اللام الهمداني البجلي أبو علي الكوفي صدوق يخطئ من العاشرة ‏(‏عن الحكم عن عبد الملك‏)‏ القرشي البصري نزيل الكوفة ضعيف من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وترى الناس سكارى‏)‏ بضم المهملة وفتح الكاف وهي القراء المتواترة وقرأ حمزة والكسائي سكرى كعطشى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ في سنده الحكم بن عبد الملك وهو ضعيف وفيه انقطاع كما أشار إليه الترمذي بقوله ولا نعرف لقتادة سماعاً الخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الحديث بطوله‏)‏ بالنصب أي أقرأ الحديث بطوله وأتمه، وهذا الحديث الطويل أخرجه الترمذي في تفسير سورة الحج وأخرجه أيضاً أحمد في مسنده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو داود‏)‏ هو الطيالسي ‏(‏عن منصور‏)‏ هو ابن المعتمر ‏(‏سمعت أبا وائل‏)‏ اسمه شقيق بن سلمة ‏(‏عن عبد الله‏)‏ أي ابن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بئسما لأحدهم‏)‏ ما نكرة موصوفة وقوله ‏(‏أن يقول‏)‏ مخصوص بالذم كقوله تعالى ‏{‏بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله‏}‏ أي بئس شيئاً كائنا للرجل قوله ‏(‏نسيت‏)‏ بفتح النون وكسر السين المخففة ‏(‏آية كيت وكيت‏)‏ أي آية كذا وكذا وهو بفتح التاء على المشهور وحكى الجوهري فتحها وكسرها عن أبي عبيدة ‏(‏بل هو نسي‏)‏ بضم النون وكسر السين المشددة‏.‏ وقال النووي فيه كراهة قول نسيت آية كذا وهي كراهة تنزيه وأنه لا يكره قوله أنسيتها وإنما نهى عن نسيتها لأنه يتضمن التساهل فيها والتغافل عنها، وقال الله تعالى ‏{‏أتتك آيتنا فنسيتها‏}‏ وقال القاضي عياض‏:‏ أولى ما يتأول عليه الحديث أن معناه ذم الحال لازم القول أي بئست الحالة حالة من حفظ القرآن فغفل عنه حتى نسيه انتهى ‏(‏فاستذكروا القرآن‏)‏ أي واظبوا على تلاوته واطلبوا من أنفسكم المذاكرة به واستحضروه في القلب ‏(‏لهو أشد تفصياً‏)‏ بفتح الفوقانية والفاء وكسر الصاد المهملة الثقيلة بعدها تحتانية خفيفة أي تفلتا وتخلصا وهو منصوب على التمييز ‏(‏من صدور الرجال‏)‏ متعلق بتفصياً وتخصيص الرجال بالذكر لأن حفظ القرآن من شأنهم ‏(‏من النعم‏)‏ بفتحتين قال النووي‏:‏ النعم أصلها الإبل والبقر والغنم والمراد هنا الإبل خاصة لأنها التي تعقل انتهى‏.‏ وهو متعلق بأشد أي أشد من تفصي النعم المعقلة ‏(‏من عقله‏)‏ بضم العين والقاف جمع عقال ككتب جمع كتاب وهو الحبل الذي يشد به ذراع البعير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان والنسائي‏.‏

1803- باب ما جَاءَ أنّ القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُف

3021- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيع أخبرنا الْحَسَنُ بنُ مُوسَى أخبرنا شَيْبَانُ عن عَاصِمٍ عن زِرّ بنِ حُبَيْشٍ عن أُبيّ بنِ كَعْبٍ قالَ‏:‏ ‏"‏لَقِيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جِبْرَيلَ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏يَا جِبْرَيلُ إِنّي بُعِثْتُ إِلَى أُمّةٍ أُمّيينَ مِنْهُمْ العَجُوزُ وَالشّيْخُ الكَبِيرُ وَالغلاَمُ وَالْجَارِيَةُ وَالرّجُلُ الّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَاباً قَطّ،‏"‏ قالَ‏:‏ يَا مُحمّدُ إِنّ القُرآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن عُمَرَ وَحُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ‏.‏ وأَبي هُرَيْرَةَ وَأُمّ أَيّوبَ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبي أَيّوبَ الأَنْصَارِيّ وَسَمُرَةَ، وَابنِ عبّاسٍ وأبي هريرة وَأَبي جُهَيْمِ بنِ الْحَارِثِ بنِ الصّمّةِ وعمرو بن العاص وأبي بكرة‏.‏

قال أدبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وقدْ رُوِي مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن أُبيّ بنِ كَعْبٍ‏.‏

3022- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍ الْطخَلاّلُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا‏:‏ حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ أخبرنا مَعْمرٌ عن الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ عن المِسْورِ بنِ مَخْرمَةَ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بن عَبْدٍ القَارّيّ أَخْبَرَاهُ أَنّهُمَا سَمِعاَ عُمَرَ بنَ الْخَطّابِ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَرَرْتُ بِهِشَامِ بنِ حَكَيمِ بنِ حِزَامٍ، وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ في حَيَاةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَاسْتَمَعْتُ قِرَاءَتَهُ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَي حُرُوفٍ كَثِيَرةٍ لَمْ يُقْرِئْنيهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصّلاَةِ فَنَظَرْتُ حَتّى سَلّمَ، فَلَمّا سلّمَ لَبّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَقلت‏:‏ مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السّورَةَ الّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَؤُهَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قلْتُ لَهُ‏:‏ كَذَبْتَ وَالله إِنّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَهُوَ أَقْرَأَنِي هَذِهِ السّورَةَ الّتِي تَقْرَؤهَا، فَانْطَلَقْتُ أَقَودُه إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقلت‏:‏ يَا رَسُولَ الله إِنّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرئينهَا، وَأَنْتَ أَقْرَأْتَنِي سُورَةَ الفُرْقَانِ، فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ اقْرَأْ يَا هِشَامُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الّتِي سَمِعْتُ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏هَكَذَا أُنْزِلَتْ‏"‏‏.‏ ثُمّ قالَ لِيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏اقرَأْ يَا عُمَرُ‏"‏‏.‏ فَقَرَأْتُ بالقِرَاءَةِ الّتِي أَقْرَأَنِي النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏هَكَذَا أُنْزِلَتْ، ثُمّ قَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسر مِنْهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وَقَدْ روى مَالِكُ بنُ أَنَسٍ عن الزّهْرِيّ بِهَذَا الإسْنَادِ نَحْوَهُ إلاّ أَنّهُ لَمْ يَذْكُرْ فيهِ المِسْورَ بنَ مَخْرَمَةَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا الحسن بن موسى‏)‏ الأشيب أبو علي البغدادي قاضي الموصل وغيرها ثقة‏.‏ قال ابن عمار الحافظ‏.‏ كان في الموصل بيعة للنصاري فجمعوا له مائة ألف على أن يحكم بأن تبنى فردها وحكم بأن لا تبنى، مات بالري سنة تسع ومائتين ‏(‏أخبرنا شيبان‏)‏ بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي ‏(‏عن عاصم‏)‏ بن بهدلة وهو ابن أبي النجود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني بعثت إلى أمة أميين‏)‏ قال الله تعالى ‏{‏هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم‏}‏ والأمي من لا يكتب ولا يقرأ كتاباً‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب‏"‏، أراد أنهم على أصل ولادة أمهم لم يتعلموا الكتابة والحساب فهم على جبلتهم الأولى ‏(‏منهم العجوز والشيخ الكبير‏)‏ وهما عاجزان عن التعلم للكبر ‏(‏والغلام والجارية‏)‏ وهما غير متمكنين من القراءة المصغر ‏(‏والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط‏)‏ المعنى أني بعثت إلى أمة أميين منهم هؤلاء المذكورون فلو أقرأتهم على قراءة واحدة لا يقدرون عليها ‏(‏قال يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف‏)‏ أي على سبعة أوجه يجوز أن يقرأ بكل وجه منها، وليس المراد أن كل كلمة ولا جملة منه تقرأ على سبعة أوجه بل المراد أن غاية ما انتهى إليه عدد القراءات في الكلمة الواحدة إلى سبعة فإن قيل فإنا نجد بعض الكلمات يقرأ على أكثر من سبعة أوجه، فالجواب أن غالب ذلك إما لا يثبت الزيادة وإما أن يكون من قبيل الاختلاف في كيفية الأداء كما في المد والإمالة ونحوهما‏.‏ وقيل ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد بل المراد التسهيل والتيسير ولفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة في الاَحاد كما يطلق السبعين في العشرات والسبع مائة في المئين ولا يراد العدد المعين، وإلى هذا جنح عياض ومن تبعه‏.‏ وذكر القرطبي عن ابن حبان أنه بلغ الاختلاف في معنى الأحرف السبعة إلى خمسة وثلاثين قولاً وقال المنذري أكثرها غير مختار كذا في فتح الباري‏.‏ قلت‏:‏ وقد أطال الحافظ ابن جرير في أول تفسيره الكلام في بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف وكذا الحافظ ابن حجر في الفتح فعليك أن تطالعهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر وحذيفة بن اليمان الخ‏)‏ أما حديث عمر فأخرجه الترمذي بعد هذا، وأما حديث حذيفة بن اليمان فأخرجه البخاري، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد، في مسنده عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أنزل القرآن على سبعة أحرف عليماً حكيماً غفوراً رحيماً‏"‏‏.‏ وأما حديث أم أيوب وحديث سمرة فأخرجها أحمد في مسنده‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث أبي جهيم فأخرجه أحمد وأبو عبيد والطبري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن المسور بن مخرمة‏)‏ بن نوفل له ولأبيه صحبة ‏(‏وعبد الرحمن ابن عبد‏)‏ بالتنوين بغير إضافة ‏(‏القاري‏)‏ تشديد الياء التحتانية نسبة إلى القارة بطن من خزيمة بن مدركة ‏(‏مررت بهشام بن حكيم بن حزام‏)‏ بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي صحابي ابن صحابي وكان اسلامهما يوم الفتح ‏(‏فكدت أساوره بالسين المهملة أي أخذ برأسه قاله الجرجاني‏)‏ وقال غيره‏:‏ أواثبه وهو أشبه‏.‏

قال النابغة‏:‏

فبت كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السم نافع

أي‏:‏ واثبتي، وفي بانت سعاد‏:‏

إذا يساور قرناً لا يحق لهأن يترك القرن إلا وهو مجدول

كذا في الفتح ‏(‏فنظرت حتى سلم‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ فتصبرت حتى سلم، وفي رواية مالك‏:‏ ثم أمهلته حتى انصرف أي من الصلاة ‏(‏لببته بردائه‏)‏ من التلبيب، قال الحافظ أي جمعت عليه ثيابه عند لبته لئلا يتفلت مني، وكان عمر شديداً بالأمر بالمعروف وفعل ذلك عن اجتهاد منه لظنه أن هشاماً خالف الصواب ولهذا لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بل قال له أرسله انتهى‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ لببه تلبيباً جمع ثيابه عند نحره في الخصومة ثم جره انتهى‏.‏ وقال في النهاية‏:‏ يقال لببت الرجل ولببته إذا جعلت في عنقه ثوباً أو غيره وجررته به ‏(‏قلت له كذبت‏)‏ فيه إطلاق ذلك على غلبة الظن أو المراد بقوله كذبت أي أخطأت لأن أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ، قاله الحافظ ‏(‏إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف‏)‏ أوردة النبي صلى الله عليه وسلم تطميناً لعمر لئلا ينكر تصويب الشيئين المختلفين ‏(‏فاقرؤا ما تيسر منه‏)‏ أي من المنزل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود النسائي‏.‏

1804- باب

3023- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا أَبُو أُسَامَةَ أخبرنا الأعْمَشُ عن أَبي صَالِحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏مَنْ نَفّسَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مَنْ كُرَبِ الدّنْيَا نَفّسَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمِنْ سَتَرَ مُسْلِمَاً سَتَرَهُ الله فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةٍ، وَمَنْ يَسّر عَلَى مُعْسِرٍ، يَسّرَ الله عَلَيْهِ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ، والله فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيِه، وَمَنْ سَلَكَ طَريقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهّلَ الله لَهُ طَرِيقاً إِلَى الْجَنّةِ، وَمَا قَعَدَ قَوْمٌ فِي مَسْجِدٍ يَتْلُونَ كِتَابَ الله، وَيتدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إلاّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السّكِينَةُ، وَغَشِيتْهُمْ الرّحْمَةُ، وَحَفّتْهُمْ المَلاَئِكَةُ، وَمَنْ أَبْطأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عن الأعْمَشِ عن أَبي صَالِحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرَوَى أَسْبَاطُ بنُ مُحمّدٍ عن الأعمَشِ، قَالَ‏:‏ حُدّثْثُ عن أَبي صَالِحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏من نفس‏)‏ من التنفيس ‏(‏عن أخيه كربة من كرب الدنيا‏)‏ أي أزالها وفرجها‏.‏ قال الطيبي‏:‏ كأنه فتح مداخل الأنفاس فهو مأخوذ من قولهم أنت في نفس أي سعة، كأن في كربة سد عنه مداخل الأنفاس فإذا فرج عنه فتحت، والمراد من أخيه أخوة في الإيمان، وفي رواية مسلم‏:‏ من نفس عن مؤمن ‏(‏نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة‏)‏ لما كان الخلق كلهم عيال الله وتنفيس الكرب إحسان فجزاه الله جزاء وفاقاً لقوله تعالى ‏{‏هل جزاء الإحسان إلا الإحسان‏}‏ ‏(‏ومن ستر مسلماً‏)‏ أي في قبيح يفعله فلا يفضحه أو كساه ثوباً ‏(‏ستره الله‏)‏ أي عيوبه أو عورته‏.‏ قال النووي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة‏"‏‏.‏ رواه مسلم في حديث ابن عمر‏.‏ وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفاً بالأذى والفساد، فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه بل يرفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة، لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وإنتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله، هذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت أما معصية رآه عليها وهو بعد متلبس بها فتجب المبادرة بإنكارها عليه ومنعه منها على من قدر على ذلك ولا يحل تأخيرها فإن عجز لزم رفعها إلى ولي الأمر إذا لم تترب على ذلك مفسدة انتهى ‏(‏ومن يسر على معسر‏)‏ أي سهل على فقير وهو يشمل المؤمن والكافر أي من كان له دين على فقير فسهل عليه بإمهال أو بترك بعضه أو كله ‏(‏يسر الله عليه‏)‏ بدل تيسيره على عبده مجازاة يجنسه ‏(‏والله في عون العبد‏)‏ الواو للاستئناف وهو تذييل للكلام السابق ‏(‏ما كان العبد‏)‏ أي ما دام كان ‏(‏في عون أخيه‏)‏ أي في قضاء حاجته ‏(‏ومن سلك‏)‏ أي دخل أو مشى ‏(‏طريقاً‏)‏ أي قريباً أو بعيداً قيل التنوين للتعميم إذ النكرة في الإثبات قد تفيد العموم ‏(‏يلتمس فيه‏)‏ حال أو صفة ‏(‏علماً‏)‏ نكرة ليشمل كل نوع من أنواع علوم الدين قليلة أو كثيرة ‏(‏سهل الله له‏)‏ زاد في رواية مسلم‏:‏ به‏.‏ أي بذلك السلوك أو الالتماس ‏(‏طريقاً إلى الجنة‏)‏ أي طريقاً موصلاً إلى الجنة مع قطع العقبات الشاقة دونها يوم القيامة ‏(‏وما قعد قوم في مسجد‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ في بيت من بيوت الله ‏(‏يتلون‏)‏ حال من قوم ‏(‏كتاب الله‏)‏ أي القرآن ‏(‏ويتدارسونه بينهم‏)‏ التدارس قراءة بعضهم على بعض تصحيحاً لألفاظه أو كشفاً لمعانيه قال ابن الملك‏.‏ وقال الجزري في النهاية‏:‏ تدارسوا القرآن أي اقرؤه وتعهدوه لئلا تنسوه يقال درس يدرس ودراسة وأصل الدراسة الرياضة والتعهد للشيء انتهى‏.‏ وقال القارى في المرقاة‏:‏ ويمكن أن يكون المراد بالتدارس المدارسة المعروفة بأن يقرأ بعضهم عشراً مثلاً وبعضهم عشراً اخر وهكذا فيكون أخص من التلاوة أو مقابلاً لها والأظهر أنه شامل لجميع ما يناط بالقرآن من التعليم والتعلم انتهى ‏(‏إلا نزلت عليهم السكينة‏)‏ يجوز في مثل هذا التركيب كسر الهاء وضم الميم وهو الأكثر وضمهما وكسرهما قيل المراد بالسكينة ههنا الرحمة وهو الذي اختاره القاضي عياض وهو ضعيف لعطف الرحمة عليه، وقيل الطمأنينة والوقار وهو أحسن‏.‏ قاله النووي ‏(‏وحفظتهم الملائكة‏)‏ أي أحاطوا بهم، وزاد في رواية مسلم وذكرهم الله فيمن عنده ‏(‏ومن أبطأ به عمله‏)‏ من الإبطاء وفي رواية مسلم‏:‏ من بطأ به عمل من التبطئة وهما ضد التعجل والبطوء نقيض السرعة والباء للتعدية والمعنى من أخره عمل عن بلوغ درجة السعادة ‏(‏لم يسرع به نسبه‏)‏ من الإسراع أي لم يقدمه نسبه، يعني لم يجبر نقيصته لكونه نسيباً في قومه إذ لا يحصل التقرب إلى الله تعالى بالنسب بل بالأعمال الصالحه‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن أكرمكم عند الله أتقاكم‏}‏، وشاهد ذلك أن أكثر علماء السلف والخلف لا أنساب لهم يتفاخر بها، بل كثير من علماء السلف موال، ومع ذلك هم سادات الأمة وينابيع الرحمة، وذوو الأنساب العلية الذين ليسوا كذلك في مواطن جهلهم نسياً منسياً، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏إن الله يرفع بهذا الدين أقواماً ويضع به آخرين‏"‏ كذا قال القارى في المرقاة وقد صدق القاري‏.‏

قال ابن الصلاح في مقدمته روينا عن الزهري قال‏:‏ قدمت على عبد الملك بن مروان فقال‏:‏ من أين قدمت يا زهري‏؟‏ قلت من مكة‏.‏ قال فمن خلفت بها يسود أهلها‏؟‏ قلت‏:‏ عطاء بن أبي رباح، قال‏:‏ فمن العرب أم من الموالي‏؟‏ قال قلت من الموالي‏؟‏ قلت‏:‏ من الموالي، قال وبم سادهم‏؟‏ قلت بالديانة والرواية‏.‏ قال إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا‏.‏ قال فمن يسود أهل اليمن‏؟‏ قال قلت‏.‏ طاؤوس ابن كيسان، قال فمن العرب أم من الموالي‏؟‏ قال قلت من الموالي، قال وبم سادهم‏؟‏ قلت بما سادهم به عطاء، قال إنه لينبغي‏.‏ قال فمن يسود أهل مصر‏؟‏ قال قلت يزيد بن أبي حبيب، قال فمن العرب أم من الموالي‏؟‏ قال قلت‏:‏ من الموالي، قال فمن يسود أهل الشأم‏؟‏ قال قلت مكحول، قال فمن العرب أم من الموالي‏؟‏ قال قلت من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل‏؟‏ قال فمن يسود أهل الجزيرة‏؟‏ قلت ميمون بن مهران، قال فمن العرب أم من الموالي‏؟‏ قال قلت من الموالي‏.‏ قال فمن يسود أهل خراسان‏؟‏ قال قلت الضحاك بن مزاهم، قال فمن العرب أم الموالي‏؟‏ قال قلت من الموالي‏.‏ قال فمن يسود أهل البصرة‏؟‏ قال قلت الحسن بن أبي الحسن، قال فمن العرب أم من الموالي‏؟‏ قال قلت من الموالي‏.‏ قال فمن يسود أهل الكوفة‏؟‏ قال قلت‏:‏ إبراهيم النخعي، قال فمن العرب أم الموالي‏؟‏ قال قلت من العرب‏.‏ قال‏:‏ ويلك يا زهري فرجت عني، والله ليسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها‏.‏ قال قلت‏:‏ يا أمير المأمنين إذاً هو أمر الله ودينه، من حفظة ساده ومن ضيعه سقط‏.‏ انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هكذا روى غير واحد عن الأعمش عن أبي صالح الخ‏)‏ أي متصلاً ‏(‏وروى أسباط بن محمد عن الأعمش قال حدثت‏)‏ بصيغة المجهول من التحديث ‏(‏عن أبي صالح الخ‏)‏ ففي رواية أسباط هذه انقطاع بين الأعمش وأبي صالح، فإن الأعمش لم يذكر من حديثه عن أبي صالح، وحديثه عن أبي هريرة المذكور أخرجه الترمذي مختصراً في أبواب الحدود، وفي أبواب البر والصلة، وفي أبواب العلم‏.‏

1805- باب

3024- حدثنا عُبَيْدُ بنُ أَسْبَاطِ بنِ مُحمّدٍ الْقُرَشِيّ قال‏:‏ حدثني أَبي عن مُطَرّفٍ عن أَبي إسْحَاقَ عن أَبي بُرْدَةَ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو قالَ‏:‏ ‏"‏قُلْتُ يَا رَسُولَ الله في كَم أَقْرَأُ القُرْآنَ‏؟‏ قالَ‏:‏ ‏"‏اخْتِمْهُ في شَهْر‏"‏، قُلْتُ إنّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قالَ‏:‏ ‏"‏اخْتِمْهُ فِي عِشْرِينَ‏"‏، قُلْتُ إنّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قالَ‏:‏ ‏"‏اخْتِمْهُ في خَمْسَةَ عَشَرَ‏"‏، قلت‏:‏ إِنّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قالَ‏:‏ ‏"‏اخْتِمْهُ في عَشْرٍ‏"‏، قُلْتُ إِني أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قالَ‏:‏ ‏"‏اخْتِمْهُ فِي خَمْسٍ‏"‏، قُلْتُ إِني أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلَكَ، قَالَ فَمَا رَخّص ليِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ هذا الوجه يُسْتَغْرَبُ مِنْ حَدِيثِ أَبي بُرْدَةَ عن عَبدِ الله بنِ عَمْرٍو‏.‏

وَقد رُوِي هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وَرُوِيَ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلّ مِنْ ثَلاَثٍ‏"‏ وَرُوِيَ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ لَهُ‏:‏ ‏"‏اقْرَأْ الْقُرْآنَ في أَرْبَعينَ‏"‏ وَقَالَ إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيم‏:‏ وَلاَ نُحبّ لِلّرجُلِ أَنْ يَأْتيَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوماً‏.‏ وَلَمْ يَقْرَأْ الْقُرْآنَ لِهَذَا الْحَدِيثِ‏.‏ وَقالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ‏:‏ لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ في أَقَلّ مِنْ ثَلاثٍ‏.‏ لِلْحَدِيثِ الْذِي رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وَرَخّصَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الَعِلْمِ‏.‏ وَرُوِيَ عن عُثمانَ بنِ عَفّانَ أَنّهُ كَانَ يَقْرَأُ القُرْآنَ في رَكْعَةِ يُوتِرُ بِهَا‏.‏ وَرُوِيَ عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ أَنّهُ قَرَأَ الْقُرْآنَ في رَكْعَةٍ في الْكَعْبَةِ‏.‏ وَالتّرْتيلُ في الْقِرَاءَةِ أَحَبّ إلى أَهْلِ الْعِلْمِ‏.‏

3025- حدثنا أَبُو بَكْرِ بنُ أبي النّضْرِ البَغْدَادِيّ، أخبرنا عَلِيّ بنُ الْحَسَنِ وهو ابن شقيق عن عَبْدِ الله بنِ المُبَارَكِ عن مَعْمَرٍ عن سِمَاكِ بنِ الْفَضْلِ عن وَهْبِ بن مُنَبّهٍ عن عَبْدِ الله بن عَمْرو أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ لهُ‏:‏ ‏"‏اقْرَأْ القُرْآنَ في أرْبَعيِنَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وروى بَعْضَهُمُ عن مَعْمَرٍ عن سِمَاكِ بنِ الفَضْلِ عن وَهْبِ بن مُنَبّهٍ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عَبْدَ الله بنَ عَمْرٍو أَنْ يَقْرأَ الْقُرْآنَ فِي أَرْبَعِينَ‏"‏‏.‏

3026- حدثنانَصْرُ بنُ عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ، أخبرنا الْهَيْثَمُ بنُ الرّبيع حدثنا صَالِحُ الْمرّيّ عن قَتَادَةَ عن زُرَارَةَ بنِ أَوْفَي عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ ‏"‏قالَ رَجُلٌ يَا رَسُولُ الله أَيّ الْعَمَلِ أَحَبّ إِلَى الله‏؟‏ قالَ‏:‏ ‏"‏الْحَالّ المُرْتَحِلُ‏"‏ قال‏:‏ وما الحال المُرتحِلُ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حَلّ ارتحل‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ من حديث ابنِ عَبّاسٍ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وإسناده ليس بالقوي‏.‏

- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا صَالِحٌ المُرّيّ عن قَتَادَةَ عن زُرَارَةَ بنِ أَوْفَي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عن ابنِ عَبّاسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَهذَا عِنْدِي أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ نَصْرِ بنِ عَلِيّ عن الْهَيْثَمِ بنِ الرّبيعِ‏.‏

3027- حدثنا مَحمودُ بنُ غَيلاَنَ، حدثنا النّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، حدثنا شُعْبَةُ عن قَتَادَةَ عن يَزِيدَ بنِ عَبْدِ الله بنِ الشّخِيرِ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلّ مِنْ ثَلاَثٍ‏"‏ د‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3028- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا مُحمّدُ بن جعفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ بِهَذَا الإسْنَادِ نَحْوَهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن مطرف‏)‏ بضم أوله وفتح ثانيه وتشديد الراء المكسورة هو ابن طريف الكوفي ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو عمرو بن عبد الله السبيعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني أطيق أفضل من ذلك‏)‏ أي أكثر من ذلك المذكور ‏(‏فما رخص لي‏)‏ أي في أقل من الخمس‏.‏ وفي مسند الدارمي من طريق أبي فروة عن عبد الله بن عمرو‏.‏ قال قلت يا رسول الله في كم أختم القرآن‏؟‏ قال اختمه في شهر‏.‏ قلت إني أطيق، قال ‏"‏اختمه في خمسة عشر‏"‏ الحديث‏.‏ وفي آخره قال‏:‏ ‏"‏اختمه في خمس‏"‏‏.‏ قلت إني أطيق، قال ‏"‏لا‏"‏‏.‏ وفي رواية للبخاري‏.‏ قال اقرأ القرآن في شهر قلت إني أجد قوة، حتى قال ‏"‏فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك‏"‏‏.‏

قال الحافظ‏:‏ أي لا تغير الحال المذكور إلى حالة أخرى فأطلق الزيادة، والمراد النقص والزيادة هنا بطريق التدلي أي لا تقرأه في أقل من سبع انتهى وسيأتي وجه الجمع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه الشيخان من وجوه أخرى بألفاظ ‏(‏وروى عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ قال ‏"‏لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث‏"‏ وصله الترمذي في آخر هذا الباب‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وشاهده عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح من وجه آخر عن ابن مسعود‏:‏ ‏"‏إقرأوا القرآن في سبع ولا تقرأوه في أقل من ثلاث‏"‏، ولأبي عبيد من طريق الطيب بن سليمان عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يختم القرآن في أقل من ثلاث، وهذا اختيار أحمد‏.‏ وأبي عبيد وإسحاق بن راهويه وغيرهم، وثبت عن كثير من السلف أنهم قرأوا القرآن في دون ذلك قال النووي‏:‏ والاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص فمن كان من أهل الفهم وتدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل بالمقصود من التدبر وإخراج المعاني، وكذا من كان له شغل بالعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه، ومن لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرأه هذرمة‏.‏ انتهى ما في الفتح‏.‏

وروى عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ ‏"‏إقرأ القرآن‏"‏ أي كله ‏(‏في أربعين‏)‏ أي يوماً أو ليلة ووصله الترمذي فيما بعد ‏(‏وقال إسحاق بن إبراهيم‏)‏ هو إسحاق بن راهويه ‏(‏ولم يقرأ القرآن‏)‏ أي كله ‏(‏وقال بعض أهل العلم لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث‏)‏ تقدم أسماؤهم ‏(‏ورخص فيه بعض أهل العلم‏)‏ أي رخص بعضهم في أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث‏.‏ قال محمد بن نصر في قيام الليل‏:‏ وكان سعيد بن المسيب يختم القرآن في ليلتين، وكان ثابت البناني يقرأ القرآن في يوم وليلة ويصوم الدهر‏.‏ وكان أبو حرة يختم القرآن كل يوم وليلة، وكان عطاء بن السائب يختم القرآن في كل ليلتين‏.‏

‏(‏وروى عن عثمان بن عفان أنه كان يقرأ القرآن في ركعة يوتر بها‏)‏ رواه محمد بن نصر في قيام الليل، وروى الطحاوي بإسناده عن ابن سيرين قال‏:‏ كان تميم الداري يحيى الليل كله بالقرآن كله في ركعة، عن عبد الله بن الزبير أنه قرأ القرآن في ركعة، وعن سعيد بن جبير أنه قرأ القرآن في ركعة في البيت، وقال محمد بن نصر في قيام الليل‏:‏ وخرج صالح بن كيسان إلى الحج فربما ختم القرآن مرتين في ليلة بين شعبتي رحله، وكان منصور بن زادان خفيف القراءة، وكان يقرأ القرآن كله في صلاة الضحى، وكان يختم القرآن بين الأولى والعصر ويختم في يوم مرتين، وكان يصلي الليل كله، وكان إذا جاء شهر رمضان ختم القرآن بين المغرب والعشاء ختمتين ثم يقرأ إلى الطواسين قبل أن تقام الصلاة‏.‏ وكانوا إذ ذاك يؤخرون العشاء لشهر رمضان إلى أن يذهب ربع الليل انتهى ما في قيام الليل بقدر الحاجة، ولو تتبعت تراجم أئمة الحديث لوجدت كثيراً منهم أنهم كانوا يقرأون القرآن في أقل من ثلاث، فالظاهر أن هؤلاء الأعلام لم يحملوا النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على التحريم، والمختار عندي ما ذهب إليه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهما والله تعالى أعلم ‏(‏والترتيل في القراءة أحب إلى أهل العلم‏)‏ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن بالترتيل، وكانت قراءته مفسرة حرفاً حرفاً باتباعه صلى الله عليه وسلم أحب وأولى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا علي بن الحسن‏)‏ هو ابن شقيق المروزي ‏(‏عن سماك بن الفضل‏)‏ الخولاني اليماني ثقة من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال له إقرأ القرآن في أربعين‏)‏ كذا رواه الترمذي مختصراً، ورواه أبو داود بلفظ‏:‏ أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، في كم يقرأ القرآن‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏في أربعين يوماً، ثم قال في شهر، ثم قال في عشرين، ثم قال في خمس عشرة، ثم قال في عشر، ثم قال في سبع، لم ينزل من سبع‏"‏‏.‏ قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ وعزوه لأبو داود والترمذي والنسائي ما لفظه، وهذا إن كان محفوظاً احتمل في الجمع بينه وبين رواية أبي فروة، يعني التي رواها الدارمي‏.‏ وقد تقدمت تعدد القصة فلا مانع أن يتعدد قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو ذلك تأكيداً ويؤيده الاختلاف الواقع في السباق وكأن النهي عن الزيادة ليس على التحريم كما أن الأمر في جميع ذلك ليس للوجوب وعرف ذلك من قرائن الحال التي أرشد إليها السياق، وهو النظر إلى عجزه عن سوى ذلك في الحال أو في المآل انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا الهيثم بن الربيع العقيلي أبو المثنى البصري أو الواسطي ضعيف من السابعة‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الحال المرتحل‏)‏ قال الجزري في النهاية هو الذي يختم القرآن بتلاوته ثم يفتتح التلاوة من أوله شبهة بالمسافر يبلغ المنزل فيُحل فيه، ثم يفتتح سيره أي يبتدئه وكذلك قراء مكة إذا ختموا القرآن ابتدأوا وقرأوا الفاتحة وخمس آيات من أول البقرة إلى ‏(‏وأولئك هم الفلحون‏)‏، ثم يقطعون القراءة ويسمون فاعل ذلك الحال المرتحل، أي ختم القرآن، وابتدأ بأوله ولم يفصل بينهما بزمان، وقيل أراد بالحال المرتحل الغازي الذي لا يقفل من غزو إلا عقبه بآخر انتهى‏.‏

وقال ابن القيم في الاعلام ‏"‏ص 289 ج 2‏"‏ بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه‏:‏ فهم من هذا بعضهم أنه إذا فرغ من ختم القرآن قرأ فاتحة الكتاب وثلاث آيات من سورة البقرة لأنه حل بالفراغ وارتحل بالشروع، وهذا لم يفعله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا استحبه أحد من الأئمة، والمراد بالحديث الذي كلما حل من غزاة ارتحل في أخرى، أو كلما حل من عمل ارتحل إلى غيره تكملاً له كما كمل الأول، وأما هذا الذي يفعله بعض القراء فليس مراد الحديث قطعاً وبالله التوفيق‏.‏ وقد جاء تفسير الحديث متصلاً به أن يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل، وهذا له معنيان‏.‏ أحدهما أنه كلما حل من سورة أو جزء ارتحل في غيره والثاني أنه كلما حل من ختمة ارتحل في أخرى انتهى‏.‏

قلت‏:‏ قد وقع في بعض نسخ الترمذي التفسير الذي أشار إليه ابن القيم متصلاً بهذا الحديث بلفظ، قال‏:‏ وما الحال المرتحل‏؟‏ قال الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره، كلما حل ارتحل، وحديث ابن عباس هذا رواه محمد بن نصر في قيام الليل بلفظ‏:‏ قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله أي العمل أفضل، أو قال‏:‏ أي العمل أحب إلى الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الحال المرتحل‏"‏، قال يا رسول الله، وما الحال المرتحل‏؟‏ قال ‏"‏فتح القرآن وختمه من أوله إلى آخره ومن آخره إلى أوله كلما حل ارتحل‏"‏، قال بعض العلماء‏:‏ المقصود من الحديث السير دائماً لا يفتر كما يشعر به، كلمة من أوله إلى آخره، ومن آخره إلى أوله، فقارئ خمس آيات ونحوها عند الختم لم يحصل تلك الفضيلة، وليس المراد الارتحال لفور الحلول، فالمسافر السائر لا بد أن ينزل فيقيم ليلة أو بعض ليلة أو بعض يوم أو يعرس انتهى‏.‏

قلت‏:‏ الأمر عندي كما قال والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب إلخ‏)‏ وأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل كما عرفت، وفي سندهما صالح المزي وهو ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا مسلم بن إبراهيم‏)‏ هو الأزدي ‏(‏وهذا عندي أصح‏)‏ أي حديث مسلم بن إبراهيم عن صالح المري مرسلاً أصح من حديث الهيثم بن الربيع عن صالح المري متصلاً لأن مسلم بن إبراهيم ثقة مأمون والهيثم بن الربيع ضعيف، ولكن لم يتفرد الهيثم بروايته متصلاً، بل تابعه على ذلك إبراهيم بن الفضل بن أبي سويد في رواية ابن نصر المذكورة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث‏)‏ أي لم يفهم ظاهر معانيه وأما فهم دقائقه فلا يفي به الأعمار، والمراد نفي الفهم لا نفي الثواب، كذا في المجمع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي والدارمي وابن ماجه‏.‏