فصل: 46- كتاب تفسير القرآن عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


46- كتاب تفسير القرآن عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

التفسير تفعيل من الفسر وهو البيان، تقول‏:‏ فسرت الشيء بالتخفيف أفسره فسراً وفسرته بالتشديد، أفسره تفسيراً إذا بينته، وأصل الفسر نظر الطبيب إلى الماء ليعرف العلة، واختلفوا في التفسير والتأويل‏.‏ قال أبو عبيدة وطائفة‏:‏ هما بمعنى وفرق بينهما آخرون، فقال أبو عبيد الهروي‏:‏ التأويل رد أحد المحتملين إلى ما يطابق الظاهر، والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل‏.‏ وحكى صاحب النهاية أن التأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ، وقيل التأويل إبداء احتمال اللفظ معتضد بدليل خارج عنه، ومثل بعضهم بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا ريب فيه‏}‏ قال من قال لا شك فيه فهو التفسير ومن قال لأنه حق في نفسه لا يقبل الشك فهو التأويل كذا في الفتح‏.‏

1806- باب ما جاء في الّذِي يُفَسّرُ القُرْآنَ بِرَأْيِه

3029- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنِ، أخبرنا بِشْرُ بنُ السّرّي، أخبرنا سُفْيَانُ عن عَبْدِ الأعْلَى عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاس‏.‏ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ قالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3030- حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيَعٍ، أخبرنا سُوَيْدُ بنُ عَمْرٍو الْكَلْبِيّ، أخبرنا أَبُو عَوَانَةَ عن عَبْدِ الأعْلَى عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏اتّقُوا الْحَديثَ عَنّي إلاّ مَا عَلِمْتُمْ فَمَنْ كَذَبَ عَلَىّ مُتَعَمّداً فَلْيَتَبَوّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ، وَمَنْ قالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

3031- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ حدثني حَبّانُ بنُ هِلاَلٍ أخبرنا سُهَيْلُ بنُ عَبْدِ الله وَهُوَ ابنُ أَبي حَزْمٍ أَخُو حَزْمٍ القُطَعِيّ حدثنا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ عن جُنْدُبِ بنِ عَبْدِ الله قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏مَنْ قالَ في القُرْآنِ بِرَأْيِه فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏ وَقَدْ تَكَلّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ في سُهيْلِ بنِ أَبي حَزْمٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وهَكَذَا رُويَ عن بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ أَنّهُمْ شَدّدُوا فِي هَذَا فِي أَنْ يُفَسّرَ القُرْآنُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَمّا الذِي رُوِيَ عن مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِماَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّهُمْ فَسّرُوا القُرْآنَ فَلَيْسَ الظّنّ بِهِمْ أَنَهُمْ قَالُوا فِي القُرْآنِ أَوْ فَسّرُوهُ بِغَيْرٍ عِلْمٍ أَو مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ مَا يَدُلّ عَلَى مَا قُلْنا، أَنّهُمْ لَمْ يَقُولُوا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ‏.‏ وقد تكلم بعض أَهل الحديث في سهيل بن ابي حزم‏.‏

3032- حدثنا الحُسَيْنُ بنُ مَهْدِيّ البَصْرِيّ حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ عن مَعْمَرٍ عن قَتادَةَ قالَ‏:‏ مَا فِي القُرْآنِ آيَةٌ إلاّ وَقَدْ سَمِعْتُ فِيهَا بشيءٍ‏.‏

3033- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ أخبرنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن الأَعمشِ قالَ‏:‏ قالَ مُجاهِدٌ لَوْ كُنْتُ قَرَأْتُ قِرَاءَةَ ابنِ مَسْعُودٍ لَمْ أَحْتَجْ إلى أَن أَسْأَلَ ابنَ عَبّاسٍ عن كَثِيرٍ مِنَ القُرْآنِ مِمّا سَألْتُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا سفيان‏)‏ هو الثوري ‏(‏عن عبد الأعلى‏)‏ هو ابن عامر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من قال في القرآن بغير علم‏)‏ أي بغير دليل يقيني أو ظني نقلي أو عقلي مطابق للشرعي، قاله القاري‏.‏ وقال المناوي أي قولاً يعلم أن الحق غيره وقال في مشكله بما لا يعرف ‏(‏فليتبوأ مقعده من النار‏)‏ أي ليهييء مكانه من النار قيل الأمر للتهديد والوعيد، وقيل الأمر بمعنى الخبر‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ وأحق الناس بما فيه من الوعيد، قوم من أهل البدع سلبوا لفظ القرآن ما دل عليه، وأريد به أو حملوه على ما لم يدل عليه ولم يرد به في كلا الأمرين مما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى فهم مخطئون في الدليل والمدلول مثل تفسير عبد الرحمن بن كيسان الأصم والجبائي وعبد الجبار والهاني والزمخشري وأمثالهم‏.‏ ومن هؤلاء من يدس البدع والتفاسير الباطلة في كلامهم الجذل فيروج على أكثر أهل السنة كصاحب الكشاف، ويقرب من هؤلاء تفسير ابن عطية، بل كان الإمام ابن العرفة المالكي يبالغ في الحط عليه ويقول إنه أقبح من صاحب الكشاف لأن كل أحد يعلم اعتزال ذلك فيجتنبه، بخلاف هذا فإنه يوهم الناس أنه من أهل السنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي وابن جرير‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏اتقوا الحديث‏)‏ أي أحذروا روايته ‏(‏عني‏)‏ والمعنى لا تحدثوا عني ‏(‏إلا ما علمتم‏)‏ أي أنه من حديثي‏.‏ قال القاري‏:‏ والظاهر أن العلم هنا يشتمل الظن فأنهم إذا جوز الشهادة به مع أنها أضيق من الرواية اتفاقاً فلأن تجوز به الرواية أولى، ويؤيده أنه يجوز في الرواية أولى، ويؤيده أنه يجوز في الرواية الاعتماد على الخط بخلاف الشهادة عند الجمهور ‏(‏ومن قال‏)‏ أي من تكلم ‏(‏في القرآن‏)‏ أي في معناه أو قراءته ‏(‏برأيه‏)‏ أي من تلقاء نفسه من غير تتبع أقوال الأئمة من أهل اللغة والعربية المطابقة للقواعد الشرعية بل بحسب ما يقتضيه عقله وهو مما يتوقف على النقل بأنه لا مجال للعقل فيه كأسباب النزول والناسخ والمنسوخ وما يتعلق بالقصص والأحكام أو بحسب ما يقتضيه ظاهر النقل وهو مما يتوقف على العقل كالمتشابهات التي أخذ المجسمة بظواهرها وأعرضوا عن استحالة ذلك في العقول أو بحسب ما يقتضيه بعض العلوم الإلهية مع عدم معرفته ببقيتها وبالعلوم الشرعية فيها يحتاج لذلك، ولذا قال البيهقي المراد رأي غلب من غير دليل قام عليه أما ما يشده برهان فلا محذور فيه، فعلم أن علم التفسير إنما يتلقى من النقل أو من أقوال الأئمة أو من المقاييس العربية أو القواعد الأصولية المبحوث عنها في علم أصول الفقة أو أصول الدين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد من وجه آخر‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثني حبان‏)‏ بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ‏(‏وهو‏)‏ أي سهيل ابن عبد الله ‏(‏ابن أبي حزم‏)‏ فأبو حزم كنية والدسهيل وعبد الله اسمه ويقال له مهران أيضاً ‏(‏أخو حزم‏)‏ بدل من ابن أبي حزم أي سهيل بن أبي حزم هو أخو حزم ‏(‏القطعي‏)‏ بضم القاف وفتح الطاء‏.‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ سهيل ابن أبي حزم واسمه مهران ويقال عبد الله أبو بكر البصري روى عن أبي عمران الجوني وغيره وعنه حبان بن هلال وغيره‏.‏ وقال في التقريب ضعيف من السابعة ‏(‏عن جندب بن عبد الله‏)‏ بضم الجيم والدال تفتح وتضم ابن سفيان البجلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من قال في القرآن‏)‏ أي في لفظه أو معناه ‏(‏برأيه‏)‏ أي بعقله المجرد ‏(‏فأصاب‏)‏ أي ولو صار مصيباً بحسب الاتفاق ‏(‏فقد أخطأ‏)‏ أي فهو مخطئ بحسب الحكم الشرعي‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ أي أخطأ طريق الاستقامة بخوضه في كتاب الله بالتخمين والحدس لتعديه بهذا الخوض مع عدم استجماعه لشروطه فكان إثماً به مطلقاً ولم يعتد بموافقته للصواب لأنها ليست عن قصد ولا تحر بخلاف من كملت فيه آلات التفسير وهي خمسة عشر علماً اللغة والنحو والتصريف والاشتقاق لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين اختلف المعنى باختلافهما كالمسيح هل هو من السياحة أو المسح والمعاني والبيان والبديع والقراءات والأصلين وأسباب النزول والقصص والناسخ والمنسوخ والفقه والأحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم وعلم الموهبة وهو علم يورثه الله لمن عمل بما علم، وبعض هذه العلوم كان موجوداً عند السلف بالفعل وبعضها بالطبع من غير تعلم فإنه مأجور بخوضه فيه وإن أخطأ لأنه لا تعدى منه فكان مأجوراً أجرين كما في رواية أو عشرة أجور كما في أخرى إن أصاب، وأجراً إن أخطأ كالمجتهد في الأحكام لأنه بذل وسعه في طلب الحق واضطره الدليل إلى ما رآه فلم يكن منه تقصير بوجه‏.‏

وقد أخطأ الباطنية الذين يعتقدون أن للقرآن ظهراً وبطناً وأن المراد باطنه دون ظاهره‏.‏ ومن هذا ما يسلكه بعض الصوفية من تفسيرهم فرعون بالنفس، وموسى بالقلب إن زعموا أن ذلك مراد بالاَية لا إشارات ومناسبات للاَيات وقد صرح الغزالي وغيره بأنه يحرم صرف شيء من الكتاب والسنة عن ظاهره من غير اعتصام فيه بنقل من الشارع ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل عقلي، ونقل الطيبي عن التوربشتي‏:‏ أن المراد بالرأي ما لا يكون مؤسساً على علوم الكتاب والسنه بل يكون قولاً تقوله برأيه على ما يقتضيه عقله، وعلم التفسير يؤخذ من أفواه الرجال، كأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، ومن أقوال الأئمة وتأويلاتهم بالمقاييس العربية كالحقيقة والمجاز والمجمل والمفصل والعام والخاص ثم يتكلم على حسب ما يقتضيه أصول الدين، فيأول القسم المحتاج إلى التأويل على وجه يشهد بصحته ظاهر التنزيل، فمن لم يستجمع هذه الشرائط كان قوله مهجوراً وحسبه من الزاجر أنه مخطئ عند الإصابة، فيابعد ما بين المجتهد والمتكلف، فالمجتهد مأجور على الخطأ والتكلف مأخوذ بالصواب، كذا في المرقاة‏.‏

وقال النيسابوري في تفسيره‏:‏ ذكر العلماء أن النهي عن تفسير القرآن بالرأي لا يخلو‏:‏ إما أن يكون المراد به الاقتصار على النقل والمسموع وترك الاستنباط، أو المراد به أمر آخر وباطل أن يكون المراد به أن لا يتكلم أحد في القرآن إلا بما سمعه فإن الصحابة رضي الله عنهم قد فسروا القرآن واختلفوا في تفسيره على وجوه وليس كل ما قالوه سمعوه، كيف وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس‏:‏ ‏"‏اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل‏"‏ فإن كان التأويل مسموعاً كالتنزيل فما فائدة تخصيصه بذلك وإنما النهي يحمل على وجهين‏:‏ أحدهما أن يكون له في الشيء رأي وإليه ميل من طبعه وهواه فيأول القرآن على وفق هواه ليحتج على تصحيح غرضه ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى، لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى، وهذا قد يكون مع العلم بأن المراد من الاَية ليس ذلك ولكن يلبس على خصمه وقد يكون مع الجهل وذلك إذا كانت الاَية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه ويترجح ذلك الجانب برأيه وهواه، ولولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه، وقد يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلاً من القرآن ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول المراد بفرعون في قوله تعالى ‏{‏إذهب إلى فرعون إنه طغى‏}‏ هو النفس‏.‏ الوجه الثاني‏:‏ أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغريب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة والاختصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير، فالنقل والسماع لا بد منه في ظاهر التفسير أولاً ليتقي به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع للتفهيم والاستنباط‏.‏ والغرائب التي لا تفهم إلا بالسماع كثيرة، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها‏}‏ معناه آية مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها، فالناظر إلى ظاهر العربية بظن المراد أن الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء وما يدري بما ظلموا وأنهم ظلموا غيرهم أو أنفسهم‏.‏ وما عدا هذين الوجهين فلا يتطرق النهي إليه ما دام على قوانين العلوم العربية والقواعد الأصلية والفرعية، انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن جرير ‏(‏وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي حزم‏)‏ قال المنذري‏:‏ وقد تكلم فيه الإمام أحمد والبخاري والنسائي وغيرهم ‏(‏وهكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم شددوا في هذا‏)‏ قد ذكر الحافظ ابن كثير في أوائل تفسيره آثاراً عديدة عن الصحابة والتابعين في التحرج عن تفسير ما لا علم لهم به ‏(‏في أن يفسر القرآن بغير علم‏)‏ هذا بيان لقوله في هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الحسين بن مهدي البصري‏)‏ قال في التقريب‏:‏ الحسين بن مهدي ابن مالك الأبلي بضم الهمزة والموحدة، أبو سعيد صدوق من الحادية عشرة، قال في لب اللباب‏:‏ الأبلي بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وتشديد اللام نسبة إلى أبلة بلدة على أربعة فراسخ من البصرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج أن أسأل ابن عباس الخ‏)‏ أي لما وقع في قراءته من تفسير كثير من القرآن‏.‏

1807- باب ومن سُورةِ فَاتِحَةِ الكِتاب

هي مكية في قوله الأكثر، وقيل مدنية، وقيل نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة‏.‏ قال ابن كثير‏:‏ والأول أشبه، وهي سبع آيات بالاتفاق

3034- حدثنا قُتَيْبَةُ أخبرنا عَبْدُ العزيز بنُ مُحمّد عن العَلاَءِ بنِ عَبْد الرّحْمَن عن أَبِيِهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ صَلّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأَمّ القُرْآنِ فَهِي خِدَاجٌ وهي خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ‏"‏ قالَ‏:‏ قُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إنّي أَحْيَاناً أَكُونُ وَرَاءَ الإِماَم قالَ‏:‏ يَا ابنَ الفَارِسِيّ فَاقْرَأْهَا فِي نَفْسِكَ، فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏قال الله تَعَالَى‏:‏ قَسَمْتُ الصّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدي مَا سأَلَ، يقرأ العَبْدُ فَيَقُولُ الْحَمْدُ لله رَبّ الْعَالَمِينَ، فَيقُولُ الله تَبَارَكَ وتَعالَى‏:‏ حَمِدَني عَبْدِي، فَيَقُولُ‏:‏ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ‏.‏ فَيَقُولُ الله أَثْنَى عَلَيّ عَبْدي، فَيَقُولُ‏:‏ مَالِكِ يَوْمِ الدّينِ، فَيَقُولُ مَجّدَني عَبْدِي، وَهَذَا لِي، وَبَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي إيّاكَ نَعْبُدُ، وَإيّاكَ نَستْعيِنُ‏.‏ وَآخِرُ السّورَةِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، يَقُولُ‏:‏ اهْدِنَا الصّرَاطَ المُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضّالّينَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ وَإسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عن العَلاَء بنِ عَبْد الرّحْمَن عن أَبيه عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ‏.‏ وَرَوَى ابنُ جُرَيْجٍ وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ عن العَلاَء بن عَبْد الرّحْمَن عن أَبي السّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بنِ زُهْرَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هذا وَرَوَى ابنُ أَبي أُوَيْسٍ عن أَبِيهِ عن العَلاَءِ بنِ عَبْد الرّحْمَن قالَ حدثني أبي وَأَبُو السّائِبِ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا‏.‏

3035- حدثنا بِذَلِكَ مُحمّدُ بنُ يَحْيى وَيَعْقُوبُ بنُ سُفْيَانَ الفَارِسِيّ قالاَ حدثنا إسْمَاعِيلَ ابنُ أَبي أُوَيْسٍ عن أَبِيهِ عن العَلاَء بنِ عَبْد الرّحْمَن قال حدثني أَبي وَأَبُو السّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بنِ زُهْرَةَ وَكَانَا جَليسَيْنِ لأبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ صَلّى صَلاَةً لَمْ يَقرَأْ فِيهَا بِأُمّ القُرْآنِ فَهِي خِدَاجٌ فَهِي خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ‏"‏ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بنِ أَبي أُوَيْس أَكْثَرُ مِنْ هَذَا‏.‏ وَسأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عن هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ‏:‏ كلاَ الْحَدِيثَيْنِ صحيحٌ واحْتَجّ بِحَدِيثِ ابنِ أَبي أُوَيْسٍ عن أَبِيِه عن العَلاَءِ‏.‏

3036- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْد الرّحْمَن بنُ سَعْدٍ، أخبرنا عَمْرُو بنُ أَبي قَيْسٍ عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عن عَبّادِ بنِ حُبَيْشٍ عن عَدِيّ بنِ حَاتِمٍ قالَ‏:‏ ‏"‏أَتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ فَقَالَ الْقَوْمُ‏:‏ هَذَا عَدِيّ بنُ حَاتِمٍ، وَجِئْتُ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلاَ كِتَابٍ‏.‏ فَلَمّا دُفِعْتُ إِلَيْهِ أَخَذَ بِيَدي وَقَدْ كَانَ قالَ قَبْلَ ذَلِكَ‏:‏ ‏"‏إِنّي لأرْجُو أَنْ يَجْعَلَ الله يَدَهُ فِي يَدِي‏"‏، قالَ فَقَامَ بِي فَلَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَصَبِيّ مَعَهَا فَقَالاَ‏:‏ إِنّ لَنَا عَلَيْكَ حاَجَةً‏.‏ فَقَامَ مَعَهُمَا حَتّى قَضَى حَاجَتَهُمَا، ثمّ أَخَذَ بِيَدِي حَتّى أَتَى بِي دَارَهُ فَأَلْقَتْ لَهُ الْوَلِيدَةُ وِسَادَةً فَجَلَسَ عَلَيْهَا وَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثمّ قالَ‏:‏ ‏"‏مَا يُفِرّكَ أَنْ تَقُولَ لا إِلَهَ إِلاّ الله فَهَلْ تَعْلَمُ مِنْ إِلَهٍ سِوَى الله‏؟‏ قالَ‏:‏ قُلْتُ لاَ‏.‏ قالَ‏:‏ ثمّ تَكَلّمَ سَاعَةً ثمّ قالَ‏:‏ ‏"‏إِنّمَا تَفِرّ أَنْ تَقُولَ الله أَكْبَرُ‏.‏ وَتَعْلَمُ أنّ شَيْئاً أَكْبَرَ مِنَ الله‏؟‏‏"‏ قالَ‏:‏ قُلْتُ لاَ، قالَ ‏"‏فَإِنّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَإِنّ النّصَارَى ضُلاّلٌ‏"‏، قالَ‏:‏ قلت‏:‏ فَإنّي حَنِيفٌ مُسْلِمٌ‏.‏ قالَ‏:‏ فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ تَبَسّطَ فَرَحاً‏.‏ قالَ‏:‏ ثمّ أَمَرَ بي فَأُنْزِلْتُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ جَعَلْتُ أَغْشَاهُ طَرَفَىْ النّهَارِ، قالَ فَبَينْمَاَ أَنَا عِنْدَهُ عَشِيّةً إذْ جَاءَهُ قَوْمٌ فِي ثِيَابٍ مِنَ الصّوفِ مِنْ هَذِهِ النّمَارِ‏.‏ قالَ‏:‏ فَصَلّى وَقامَ فَحَثّ عَلَيْهِمْ‏.‏ ثمّ قالَ‏:‏ ‏"‏وَلَوْ صَاعٌ وَلَوْ بِنِصْفِ صِاعٍ وَلَوْ بقُبْضَةٌ وَلَوْ بِبِعْضِ قُبْضَةٍ يَقِي أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ حَرّ جَهَنّمَ أَوْ النّارَ وَلَوْ بِتَمْرَةِ وَلَوْ بِشِقّ تَمّرَةٍ فإِنّ أَحَدَكُمْ لاَ قِيَ الله وَقائِلُ لَهُ مَا أَقُولُ لَكُمْ، أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ سَمْعاً وَبَصَرَاً فَيَقُولُ بَلَى‏.‏ فَيَقُولُ أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ مَالاً وَوَلَداً‏؟‏ فَيَقُولُ بَلَى، فَيَقُولُ أَيْنَ مَا قَدّمْتَ لِنَفْسِكَ‏؟‏ فَيَنْظُرُ قُدّامَهُ وَبَعْدَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ‏.‏ ثمّ لاَ يَجِدُ شَيئاً يَقي بِهِ وَجْهَهُ حَرّ جَهَنّمَ‏.‏ لِيَقِ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ النّارَ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيّبَةٍ فَإِنّي لاَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ الفَاقَةَ فَإِنّ الله نَاصِرُكُمْ وَمُعْطِيكُمْ حَتّى تَسِيرَ الظعِينَةُ فِيمَا بَيْنَ يَثْرِبَ وَالْحَيْرَةِ أو أَكْثَرَ، مَا تَخَافُ عَلَى مَطِيّتَهَا السَرّقُ، قال‏:‏ فَجَعَلْتُ أَقُولُ فِي نَفْسِي فَأَيْنَ لُصُوصُ طَيّئ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيِثِ سَماكِ بنِ حَرْبٍ وَرَوَى شُعْبَةُ عن سَماكِ بنِ حَرْبٍ عن عَبّادِ بنِ حُبَيْشٍ عن عَدِيّ بنِ حَاتِمٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الْحَدِيثَ بِطُولِه‏.‏

3037- حدثنا مُحمّدُ بنُ المُثَنّى وَمُحمّدُ بنُ بَشّارٍ قالاَ‏:‏ حدثنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، أخبرنا شُعْبَةُ عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عن عَبّادِ بنِ حُبَيْشٍ عن عَدِيّ بنِ حَاتِمٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهمْ والنّصَارَى ضُلاّلٌ‏"‏‏.‏

فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏من صلى‏)‏ إماماً كان أو مقتدياً أو منفرداً ‏(‏صلاة‏)‏ جهرية كانت أو سرية، فريضة أو نافلة ‏(‏لم يقرأ فيها بأم القرآن‏)‏ أي بفاتحة الكتاب‏.‏ قال النووي‏:‏ أم القرآن اسم الفاتحة، وسميت أم القرآن لأنها فاتحته كما سميت مكة أم القرى لأنها أصلها ‏(‏فهي خداج‏)‏ أي ناقص نقص فساد وبطلان، وقد تقدم معنى الخداج في باب ما جاء أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ‏(‏غير تمام‏)‏ بيان خداج أو بدل منه‏.‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ هو صريح فيما ذهب إليه علماؤنا من نقصان صلاته، فهو مبين لقوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏لا صلاة‏"‏، أن المراد بها نفي الكمال لا نفي الصحة، فبطل قول ابن حجر، والمراد بهذا الحديث أنها غير صحيحة وبنفي لا صلاة نفي صحتها لأنها موضوعة، ثم قال‏:‏ ودليل ذلك أحاديث لا تقبل تأويلاً، منها خبر ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في صحاحهم بإسناد صحيح‏:‏ لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، ورواه الدارقطني بإسناد حسن، وقال النووي‏:‏ رواته كلهم ثقات، وفيه أنه محمول على الإجزاء الكامل، انتهى ما في المرقاة‏.‏

قلت‏:‏ حديث ابن خزيمة وابن حبان والحاكم بلفظ‏:‏ لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، دليل صحيح صريح واضح على أن المراد بالخداج في حديث أبي هريرة نقصان الذات، أعني نقصان الفساد والبطلان، وأن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة نفي الصحة، وأما قول القارى إنه محمول على الإجزاء الكامل فغلط مردود عليه فإنه ليس بعد الإجزاء إلا الفساد والبطلان، فماذا بعد الحق إلا الضلال‏.‏ وقد سبق تحقيق هذه المسألة في محلها، وبسطنا الكلام فيها في كتابنا ‏"‏أبكار المنن في نقد آثار السنن‏"‏ ‏(‏إني أحياناً أكون وراء الإمام‏)‏ أي فهل أقرأ أم لا ‏(‏قال يا ابن الفارسي‏)‏ لعله كان فارسي النسل ‏(‏فأقرأها في نفسك‏)‏ أي سراً غير جهر ‏(‏قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين‏)‏ قال العلماء‏:‏ المراد بالصلاة هنا الفاتحة سميت بذلك لأنها لا تصح إلا بها، كقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الحج عرفة‏"‏، ففيه دليل على وجوبها بعينها في الصلاة‏.‏ قال العلماء‏:‏ والمراد قسمتها من جهة المعنى، لأن نصفها الأول تحميد لله تعالى وتمجيد وثناء عليه وتفويض إليه، والنصف الثاني سؤال وطلب وتضرع وافتقار ‏(‏حمدني عبدي‏)‏ قال النووي‏:‏ قوله تعالى‏:‏ حمدني عبدي وأثنى علي ومجدني إنما قاله لأن التحميد الثناء بجميل الفعال، والتمجيد الثناء بصفات الجلال، ويقال أثنى عليه في ذلك كله، ولهذا جاء جواباً للرحمن الرحيم لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية ‏(‏وبيني وبين عبدي إياك نعبد وإياك نستعين‏)‏ قال القرطبي‏:‏ إنما قال الله تعالى هذا لأن في ذلك تذلل العبد لله تعالى وطلبه الاستعانة منه، وذلك يتضمن تعظيم الله وقدرته على ما طلب منه ‏(‏وآخر السورة لعبدي‏)‏ يعني من قوله اهدنا الصراط المستقيم الخ ‏(‏ولعبدي ما سأل‏)‏ أي غير هذا ‏(‏يقول اهدنا الصراط المستقيم‏)‏ أي ثبتنا على دين الإسلام أو طريق متابعة الحبيب عليه الصلاة والسلام ‏(‏صراط الذين أنعمت عليهم‏)‏ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ‏(‏غير المغضوب عليهم‏)‏ أي اليهود ‏(‏ولا الضالين‏)‏ أي النصارى‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا بذلك محمد بن يحيى‏)‏ هو الذهلي ‏(‏ويعقوب بن سفيان الفارسي‏)‏ أبو يوسف الفسوي ثقة حافظ من الحادية عشرة ‏(‏حدثنا ابن أبي أويس‏)‏ اسمه إسماعيل بن أبي أويس ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو أويس المدني قريب مالك وصهره صدوق يهم من السابعة ‏(‏وأبو السائب مولى هشام بن زهرة‏)‏ قال في التقريب‏:‏ أبو السائب الأنصاري المدني مولى ابن زهرة، يقال اسمه عبد الله بن السائب ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث‏)‏ أي سألته عن أن حديث من قال عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة صحيح، أو حديث من قال عن العلاء عن أبي السائب عن أبي هريرة ‏(‏فقال‏)‏ أي أبو زرعة ‏(‏كلا الحديثين صحيح‏)‏ أي حديث من قال عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، وحديث من قال عن العلاء عن أبي السائب عن أبي هريرة كلاهما صحيح ‏(‏واحتج بحديث ابن أبي أويس عن أبيه عن العلاء‏)‏ أي احتج أبو زرعة على قوله كلا الحديثين صحيح برواية ابن أبي أويس، فإنه قال عن أبيه عن العلاء بن عبد الرحمن، قال حدثني أبي وأبو السائب عن أبي هريرة، فظهر من روايته أن العلاء أخذ هذا الحديث عن أبيه عبد الرحمن وأبي السائب كليهما‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الرحمن بن سعد‏)‏ هو عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن عثمان الدشتكي ‏(‏عن عباد‏)‏ بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة ‏(‏بن حبيش‏)‏ بمهملة وموحدة ومعجمة مصغراً الكوفي مقبول من الثالثة ‏(‏عن عدي بن حاتم‏)‏ ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج بفتح المهملة وسكون المعجمة آخره جيم الطائي صحابي شهير وكان ممن ثبت على الإسلام في الردة وحضر فتوح العراق وحروب علي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما دفعت‏)‏ بصيغة المجهول أي أحضرت وأتى القوم بي ‏(‏إليه‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏وقد كان قال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏فألقت له الوليدة‏)‏ أي الجارية ‏(‏ما يفرك‏)‏ بضم الياء وكسر الفاء يقال أفررته أفره أي فعلت به ما يفر منه ويهرب أي ما يحملك على القرار وكثير من المحدثين يقولون بفتح الياء وضم الفاء والصحيح الأول‏.‏ قاله الجزري ‏(‏إنما تفر‏)‏ من الفرار أي تهرب ‏(‏وتعلم‏)‏ أي هل تعلم ‏(‏فإن اليهود مغضوب عليهم وإن النصارى ضلال‏)‏ بضم الضاد جمع ضال وفيه أن المراد بقوله تعالى المغضوب عليهم اليهود بالضالين النصارى‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ روى أحمد وابن حبان من حديث عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏{‏المغضوب عليهم‏}‏ اليهود ‏{‏ولا الضالين‏}‏ النصارى، هكذا ورده مختصراً وهو عند الترمذي في حديث طويل وأخرجه ابن مردويه بإسناد حسن عن أبي ذر وأخرجه أحمد من طريق عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وقال ابن أبي حاتم‏:‏ لا أعلم بين المفسرين في ذلك اختلافاً‏.‏ قال السهيلي‏:‏ وشاهد ذلك قوله تعالى في اليهود‏:‏ ‏{‏فباءوا بغضب على غضب‏}‏ وفي النصارى‏:‏ ‏{‏قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً‏}‏ ‏(‏فإني حنيف مسلم‏)‏ أي ماثل عن كل الأديان إلى الإسلام ‏(‏تبسط‏)‏ بصيغة الماضي المعلوم من التبسط، أي انبسط ‏(‏فرحاً‏)‏ بفتح الفاء والراء، أي سروراً منصوب على التمييز ‏(‏فأنزلت‏)‏ بصيغة المجهول من الإنزال ‏(‏جعلت أغشاه‏)‏ أي آتي النبي صلى الله عليه وسلم، من غشيه يغشاه إذا جاءه ‏(‏عنده‏)‏ أي عند النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏من هذه النمار‏)‏ بكسر النون، جمع نمرة بالفتح، وهي كل شملة مخططة من مآزر الأعراب كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض، وهي من الصفات الغالبة، أي جاءه قوم لابسي أزر مخططة من صوف ‏(‏فحث عليهم‏)‏ أي فحث الناس على أن يتصدقوا عليهم بما تيسر لهم ‏(‏ولو صاع‏)‏ أي ولو تيسر لهم صاع ‏(‏ولو بنصف صاع‏)‏ أي ولو كان تصدقهم بنصف صاع ‏(‏ولو قبضة‏)‏ القبضة من الشيء ملء الكف منه، وهي بضم القاف وربما بفتح ‏(‏وقائل له‏)‏ أي وهو قائل له وضمير قائل لله وضمير له لأحدكم والجملة حالية ‏(‏ما أقول لكم‏)‏ هو مفعول لقوله قائل ‏(‏ألم أجعل لك‏)‏ بدل من قوله ما أقول لكم ‏(‏وبعده‏)‏ أي خلفه ‏(‏حتى تسير الظعينة‏)‏ بفتح الظاء المعجمة وكسر العين المهملة، المرأة في الهودج، وهو في الأصل اسم للهودج ‏(‏يثرب‏)‏ أي المدينة المنورة ‏(‏والحيرة‏)‏ بكسر المهملة وسكون التحتانية وفتح الراء، كانت بلد ملوك العرب الذين تحت حكم آل فارس، وكان ملكهم يومئذ إياس بن قبيصة الطائي وليها من تحت يد كسرى بعد قتل النعمان بن المنذر ‏(‏أكثر ما يخاف على مطيتها السرق‏)‏ كذا في النسخة الأحمدية وقد سقط عنها لفظة أو قبل أكثر، تدل على ذلك رواية أحمد، ففيها‏:‏ حتى تسير الظعينة بين الحيرة ويثرب أو أكثر ما تخاف السرق على ظعينتها، وكلمة ما في قوله ما يخاف نافية ويخاف على بناء المجهول والسرق بالرفع على أنه نائب الفاعل وهو بفتحتين بمعنى السرقة‏.‏ والمعنى‏:‏ حتى تسير الظعينة فيما بين يثرب والحيرة أو في أكثر من ذلك لا يخاف على راحلها السرق ‏(‏فأين لصوص طيء‏)‏ اللصوص جمع لص بكسر اللام ويفتح ويضم وهو السارق والمراد قطاع الطريق، وطيء قبيلة مشهورة منها عدى بن حاتم المذكور، وبلادهم ما بين العراق والحجاز، وكانوا يقطعون الطريق على من مر عليهم بغير جوار، ولذلك تعجب عدي كيف تمر المرأة عليهم وهي غير خائفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرج نحوه أحمد في مسنده‏.‏ قال الحافظ ابن كثير في تفسيره‏:‏ وقد روى حديث عدي هذا من طرق وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها‏.‏

1808- باب ومن سُورةِ البَقَرَة

هي مدنية بلا خلاف ومائتان وست أو سبع وثمانون آية

بسم الله الرّحْمَن الرّحِيمِ 3038- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ وَابنُ أَبي عَدِيّ وَمُحمّدُ بنُ جَعْفَرِ وَعَبْدُ الْوَهَابِ قَالُوا‏:‏ أخبرنا عَوْفُ بنُ أَبي جَمِيْلَةَ الأعْرَابيّ عن قَساَمَةَ بنِ زُهَيْرٍ عن أَبي مُوسَى الأشْعَرِيّ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الله تعالى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قُبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأرْض، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأرْضِ، فَجَاءَ مِنْهُمْ الأحْمَرُ وَالأبْيَضُ وَالأسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالسّهْلُ وَالْحَزْنُ وَالْخَبِيثُ وَالطّيّبُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3039- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أَخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ عن مَعْمَرٍ عن هَمّامٍ بن مُنَبّهٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في قَوْلَه تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ادْخُلُوا البَابَ سُجّداً‏}‏ قالَ‏:‏ ‏"‏دَخَلُوا مُتَزَحّفِينَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ ‏(‏أَيْ مُنْحَرِفِينَ‏)‏‏"‏ وَبِهَذَا الإسْنَادِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏{‏فَبَدّلَ الْذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَذِي قِيلَ لَهُمْ‏}‏ قالَ‏:‏ ‏"‏قَالُوا حَبّةٌ في شَعيرةٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3040- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا وَكِيعٌ أخبرنا أَشْعَثُ السّمّانُ عن عَاصِمٍ بنِ عُبَيْدِ الله عن عَبْدِ الله بنِ عَامِرِ بنِ رَبِيعَةَ عن أَبِيِه قالَ‏:‏ ‏"‏كُنّا مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَره فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ فَصَلّى كُلّ رَجُلٍ مِنّا عَلَى حِيَالِهِ، فَلَمّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِك للنبي صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ ‏{‏فَأَيْنَمَا تُوَلّوا فَثَمّ وَجْهُ الله‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُه إلا مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ السّمّانِ أَبي الرّبِيعِ عن عَاصِمِ بنِ عُبَيْدِ الله، وَأَشْعَثُ يُضَعّفُ فِي الْحَدِيثِ‏.‏

3041- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ أخبرنا عَبُدُ المَلِكِ بنُ أَبي سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ سَعِيدَ بنَ جُبَيْرٍ يُحَدّثُ عن ابنِ عُمَرَ، قالَ ‏"‏كَان النبيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي عَلَى رَاحِلَتِهِ تَطَوّعاً أينما تَوَجّهَتْ بِهِ وَهْوَ جَاء مِنْ مَكّةَ إِلَى المَدِينَةِ، ثمّ قَرَأَ ابنُ عَمَر هَذِهِ الاَيَةَ ‏{‏ولله الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ‏}‏ الاَيَةَ‏.‏ فقال ابنُ عُمَرَ في هَذه أُنْزِلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَيُرْوَى عن قَتَادَةَ أَنّهُ قالَ في هَذِهِ الاَية‏:‏ ‏{‏ولله المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلّوا فَثَمّ وَجْهُ الله‏}‏قال قتادة هِيَ مَنْسُوخَةٌ نسخها قوله‏:‏ ‏{‏فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ أَي تِلْقَاءَهُ‏.‏

3042- حدثنا بذلك مُحمّدُ بنُ عَبْدِ المَلكِ بن أَبي الشوَارِبِ أخبرنا يَزيدُ بنُ زُرَيْعٍ عن سَعِيدٍ عن قَتَادَةَ‏.‏ وَيُرْوَى عن مُجَاهِدٍ في هَذِهِ الاَيَةِ ‏{‏فأينما تُوَلّوا فَثَمّ وَجْهُ الله‏}‏ قال‏:‏ فَثَمّ قبْلَةُ الله‏.‏

3043- حدثنا بِذَلِكَ أَبُو كُرَيْبٍ مُحمّدُ بنُ العَلاّء أخبرنا وَكِيعٌ عن النّضْرِ بنِ عَرَبِيّ عن مُجَاهِدٍ بِهَذَا‏.‏

3044- حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أخبرنا الْحَجّاجُ بن مِنْهَالٍ أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عن حُمَيْدٍ عن أَنَسٍ ‏"‏أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ يا رَسُولُ الله لَوْ صَلّيْنَا خَلْفَ المَقَامِ، فَنَزَلَتْ ‏{‏وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّي‏}‏‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3045- حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنيَعٍ أخبرنا هُشَيْمٌ أخبرنا حُمَيْدٌ الطّويلُ عن أَنَسٍ قال‏:‏ قال عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رضي الله عنه‏:‏ قُلْتُ يا رَسُولُ الله‏:‏ لَو اتّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلّى فَنَزَلَتْ ‏{‏وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهيمَ مُصَلي‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيح وفي الباب عنِ ابنِ عُمَر‏.‏

3046- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ أخبرنا الأَعْمَشُ عن أَبِي صَالحٍ عن أَبي سَعِيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قَوْلِهِ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطاً‏}‏ قَالَ عَدْلاَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3047- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ أخبرنا الأعمَشُ عن أَبي صَالحٍ عن أَبي سَعيدٍ قَالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏يُدْعَى نُوحٌ فَيُقَالُ هَلْ بَلّغْتَ‏؟‏ فَيَقُولُ نَعَمْ، فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ‏:‏ هَلْ بَلّغَكُمْ‏؟‏ فَيَقُولُونَ‏:‏ مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ وَمَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ‏.‏ فَيُقَالُ‏:‏ مَنْ شُهُودُكَ‏؟‏ فيقولُ‏:‏ محمّدٌ وَأمّتُهُ، قالَ فَيُؤْتَى بكُمْ تَشْهَدُونَ أَنّهُ قَدْ بَلّغَ فَذَلِكَ قَوْلُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً‏}‏ وَالْوَسُطُ الْعَدْلُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3048- حدثنا محمّدُ بْنُ بَشّارٍ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ عنِ الأعَمشِ نَحْوَهُ‏.‏

3049- حدثنا هَنّادٌ حدثنا وَكِيعٌ عن إسْرَائِيلَ عن أبي إِسْحَاقَ عن الْبَرَاءِ بن عازبٍ قالَ‏:‏ ‏"‏لمّا قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ صَلّى نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتّةَ أَوْ سَبْعَةَ عَشْرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُحِبّ أن يُوَجّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَأَنْزَلَ الله عَزّ وَجَلّ ‏{‏قَدْ نَرَى تَقَلّبَ وَجْهِكَ فِي السّمَاءِ فَلنُوَلّينّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ‏}‏ فَوُجّهَ نَحْوَ الّكَعْبَةِ وَكانَ يُحِبّ ذَلِكَ، فَصَلّى رَجُلُ مَعَهُ الْعَصْرَ قالَ ثمّ مَرّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأنْصَارِ وَهُمْ رُكُوعٌ في صَلاَةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ فَقَالَ هُوَ يَشْهَدُ أَنّهُ صَلّى مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأَنّهُ قَدْ وُجّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، قالَ فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رواه سُفْيَانُ الثّوْرِيّ عن أبي إسْحَاقَ‏.‏

3050- حدثنا هَنّادٌ أخبرنا وَكِيعٌ عن سُفْيَانَ عن عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ عن ابنِ عُمَرَ قَالَ ‏"‏كَانُوا رُكُوعاً في صَلاَةِ الْفَجْرِ‏"‏‏.‏

وفي الباب عن عَمْرِو بنِ عَوْفٍ المُزنِيّ وَابنِ عُمَرَ وَعُمَارَةَ بنِ أَوْسٍ وَأَنَس بنِ مالِكٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ ابن عُمَرَ حَدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3051- حدثنا هَنّادٌ وَأَبُو عَمّارٍ قَالاَ حدثنا وَكِيعٌ عن إِسْرَائِيلَ عن سِمَاكٍ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عبّاسٍ قالَ‏:‏ ‏"‏لمّا وُجّهَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْكَعْبَةِ قَالُوا‏:‏ يا رَسُولَ الله كَيْفَ بِإِخْوَانِنَا مَاتُوا وَهُمْ يُصَلّونَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ‏؟‏ فأَنْزَلَ الله تَعَالَى ‏{‏وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إيمَانكُمْ‏}‏ الاَيَةَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3052- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ أخبرنا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزّهْرِيّ يُحَدّثُ عن عُرْوَةَ قَالَ ‏"‏قُلْتُ لِعَاَئِشَةَ مَا أَرَى عَلَى أَحَدٍ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصّفَا وَالمَرْوَةِ شَيْئاً وَمَا أُبَالِي أَنْ لاَ أَطُوفَ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتْ بِئْسَ ما قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي، طَافَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَطَاف المُسْلِمُونَ، وَإنّمَا كَانَ مَنْ أَهَلّ لِمَنَاةَ الطّاغِيَةِ الّتِي بالمُشَلّلِ لا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصّفَا وَالمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏{‏فَمَنْ حَجّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطّوَفَ بِهِمَا‏}‏ وَلَوْ كَانَتْ كما تَقُولُ لَكَانَتْ‏:‏ فَلاَ جُنَاحَ علَيْهِ أنْ لاَ يَطّوَفَ بهما‏.‏

قالَ الزّهْرِيّ‏:‏ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأبي بَكْرِ بنِ عَبْد الرّحْمَن بنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فأَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَقَالَ إِنّ هَذَا لَعِلمٌ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ إِنّمَا كَانَ مَنْ لاَ يَطُوفُ بَيْنَ الصّفَا وَالمَرْوَةِ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُونَ إِنّ طَوَافَنَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَجَرَيْنِ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِليّة، وَقَال آخَرُونَ مِنَ الأنْصَارِ‏:‏ إِنّمَا أُمِرْنَا بالطّوَافِ بالْبَيْتِ وَلَمْ نُؤْمَرْ بِهِ بين الصّفَا وَالمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى ‏{‏إِنّ الصّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله‏}‏ قالَ أَبُو بَكْرِ بن عَبْدِ الرّحْمَنِ فأُرَاهَا قَدْ نَزَلَتْ في هَؤُلاَء وَهَؤُلاَء‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3053- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ أَبي حَكِيمٍ عن سُفْيَانَ عن عَاصِمٍ الأحْوَلِ قالَ‏:‏ ‏"‏سَأَلْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ عن الصّفَا وَالمَرْوَةِ فَقَالَ‏:‏ كَانَا مِنْ شَعَائِرِ الجَاهِلِيّةِ، قالَ‏:‏ فَلَمّا كَانَ الإسْلاَمُ أَمْسَكْنَا عَنْهُمَا فَأَنْزَلَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏{‏إِنّ الصّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله فَمَنْ حَجّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطّوّفَ بِهِمَا‏}‏ قالَ‏:‏ هُمَا تَطَوّعٌ ‏{‏وَمَنْ تَطَوّعَ خَيْراً فَإِنّ الله شَاكِرٌ عَلِيمٌ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3054- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عن جَعْفَرِ بنِ مُحمّدٍ عن أَبِيهِ عن جَابِرِ بنِ عَبْد الله قالَ‏:‏ ‏"‏سَمِعْتُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مَكّةَ طَافَ بالْبَيْتِ سَبْعاً فَقَرَأَ ‏{‏وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى‏}‏ فَصَلّى خَلْفَ المَقَامِ، ثُمّ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمّ قالَ نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ الله بِهِ وَقَرَأَ ‏{‏إنّ الصّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3055- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عن إسْرَائيلَ بن يُونُسَ عن أَبي إسْحَاقَ عن البَرَاءِ قالَ‏:‏ ‏"‏كَانَ أَصْحَابُ النبيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ الرّجُلُ صَائِماً فَحَضَرَ الإفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأَكُلْ لَيْلَتهُ وَلاَ يَوْمَهُ حَتّى يُمْسِىَ، وَإِنّ قَيْسَ بنَ صِرْمَةٍ الأَنْصَارِيّ كَانَ صَائِماً فَلَمّا حَضَرَهُ الإفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكِ طَعَامٌ‏؟‏ قَالَتّ‏؟‏ لاَ وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ- وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ- فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ وَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَمّا رَأَتْهُ قَالَتْ خَيْبَةً لَكَ، فَلَمّا انْتَصَفَ النّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ للنبيّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ‏:‏ ‏{‏أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيَام الرّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ‏}‏ فَفَرِحُوا بِهاَ فَرَحاً شَدِيداً ‏{‏وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3056- حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عن الأعْمَشِ عن ذَرّ عن يُسَيعٍ الكِنْدِيّ عن النّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ ‏"‏‏{‏وَقالَ رَبّكُمْ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏}‏ قالَ‏:‏ ‏"‏الدّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ وَقَرَأَ ‏{‏وَقالَ رَبّكُمْ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكْمْ- إِلَى قَوْلِهِ- دَاخِرِينَ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ رواه منصور‏.‏

3057- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا هُشَيْمٌ، أخبرنا حُصَيْنٌ عن الشّعبِيّ، أخبرنا عَدِيّ بنُ حَاتِمٍ‏.‏ قالَ‏:‏ لَمّا نَزَلَتْ ‏"‏حَتّى يَتَبَيّنَ لَكُمْ الْخِيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ‏"‏ قالَ لِيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنّمَا ذَلِكَ بَيَاضُ النّهَارِ مِنْ سَوَادِ الّليْلِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3058- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا هُشَيْمٌ، أخبرنا مُجَالِدٌ عن الشّعْبَِ عن عَدِيّ بنِ حَاتِمٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ‏.‏

3059- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عن مُجَالِدٍ عن الشّعْبيّ عن عَدِيّ بنِ حَاتِمٍ قالَ‏:‏ ‏"‏سَأَلْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الصّوْمِ فَقَالَ ‏{‏حَتّى يَتَبَيّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ‏}‏ قَالَ فَأَخَذْتُ عِقَالَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْيَضُ وَالاَخَرُ أَسْوَدُ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إلَيْهِمَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم شَيْئاً لَمْ يَحْفَظهُ سُفْيَانُ، قَالَ إنّمَا هُوَ اللّيْلُ وَالنّهارُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3060- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا الضّحّاكُ بنُ مَخْلَدٍ أَبُو عَاصِمٍ النّبِيلُ عن حَيْوَةَ بنِ شُرَيْحٍ عن يَزِيدَ بنِ أَبي حَبِيبٍ عن أَسْلَمَ أَبي عِمْرَان التّجِيبيّ قالَ‏:‏ ‏"‏كُنّا بِمَدِينَةِ الروّمِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفّاً عَظِيماً مِنَ الروّمِ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ مِنَ المُسْلِمِينَ مِثْلُهُمْ أَوْ أَكْثَرُ، وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بنُ عَامِرٍ وَعَلى الْجَمَاعَةِ فَضَالَةُ بنُ عُبَيْدٍ فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ المسْلمِينَ عَلَى صَفّ الروّمِ حَتّى دَخَلَ عَلَيهِمْ فَصَاحَ النّاسُ وَقَالُوا سُبْحَانَ الله يُلْقِي بِيَدَيْهِ إِلَى التّهْلُكَةِ، فَقَامَ أَبُو أَيّوبَ الأنْصَارِيّ فَقَالَ‏:‏ يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّكُمْ لَتُأَوّلُونَ هَذِهِ الاَيَة هَذَا التّأْوِيلُ، وَإنّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَة فِينَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ لَمّا أَعَزّ الله الإسْلاَمَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضِ سِرّا دُونَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنّ أَمْوَالَناَ قَدْ ضَاعَتْ وَإنّ الله قَدْ أَعَزّ الإسْلاَمَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا فأَصْلَحْنَا مَا ضَاع مِنْهَا، فَأَنْزَلَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى نَبِيّهِ صلى الله عليه وسلم يَرُدْ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا ‏{‏وَأَنْفِقُوا في سَبِيلِ الله وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيِكُمْ إلَى التّهْلُكَةِ‏}‏ فَكَانَتْ التّهْلُكَةُ الإقَامَةَ عَلَى الأمْوَالِ وَإصْلاَحَهَا وَتَرْكَنَا الغَزْوَ‏.‏ فَمَا زَالَ أَبُو أَيّوبَ شَاخِصاً في سَبِيلِ الله حَتّى دُفِنَ بِأَرْضِ الرّمِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏

3061- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا هُشَيْمٌ، أخبرنا مُغِيرَةُ عن مُجَاهَدٍ‏.‏ قالَ‏:‏ قالَ كَعْبُ بنُ عُجْرَةَ‏:‏ ‏"‏وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَفِيّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ وَلإِيّايَ عَنَى بِهَا ‏"‏فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيِامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَو نُسُكٍ‏"‏ قالَ كُنّا مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بالحُدَيْبِيّة وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ‏.‏ وَقَدْ حَصَرَنَا المُشْرِكُونَ وَكَانَتْ لِيَ وَفْرَةٌ فَجَعَلَتِ الْهَوَامّ تَسَاقَطُ عَلَى وَجْهِي فَمَرّ بِيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ‏:‏ ‏"‏كأنّ هَوَامّ رَأسِكَ تُؤْذِيكَ‏"‏ قالَ قُلْتُ نَعَمْ قالَ‏:‏ ‏"‏فَاحْلِقْ‏"‏‏.‏ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ‏.‏ قالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ الصّيَامُ ثَلاَثَةُ أَيّامٍ وَالطّعَامُ لِسِتّةِ مَسَاكِينَ وَالنّسُكُ شَاةٌ فَصَاعداً‏"‏‏.‏

3062- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا هُشَيْمٌ عن أبي بِشْر عن مُجَاهِدٍ عن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أَبي لَيْلَى عن كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ ذَلِكَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3063- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، حدثنا هُشَيْمٌ عن أَشْعَثَ بنِ سَوّارٍ عن الشّعْبيّ عن عَبْد الله بنِ مَعْقِلٍ عن كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ ذلك‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وَقد رواه عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ الاصْبَهَانِيّ عن عَبْدِ الله بنِ مَعْقِلٍ نَحْوَ هَذَا‏.‏

3064- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ إبْرِاهِيمَ، عن أَيّوبَ عن مُجَاهِدٍ عن عَبْد الرّحْمَن بن أَبي لَيْلَى عن كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏أَتَي عَلَىّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى جَبْهَتيِ أو قالَ حَاجِبِي، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏أَتؤذيك هوامّكَ‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ قُلْتُ نَعَمْ، قالَ ‏"‏فَاحْلِقْ رَأسَكَ وَانْسُكْ نَسِيكَةً أَوْ صُمْ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ أو أَطْعِمْ سِتّةَ مَسَاكِينَ‏"‏ قالَ أَيّوبُ لاَ أَدْرِي بأَيّتِهِنّ بَدَأَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسن صحيحٌ‏.‏

3065- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عن بُكَيْرِ بنِ عَطَاءٍ عن عَبْد الرّحْمَن بن يَعْمَرَ‏.‏ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الْحَجّ عَرَفَاتٌ، الْحَجّ عَرَفَاتٌ، الْحَجّ عَرَفَاتٌ‏.‏ أَيّامُ مِنًى ثَلاَثٌ ‏{‏فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخّرَ فلاَ إثْمَ عَلَيْهِ‏}‏ وَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يُطْلُعَ الفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجّ‏"‏‏.‏

قالَ ابنُ أَبي عُمَرَ‏:‏ قالَ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ‏:‏ وَهَذَا أَجْوَدُ حَدِيثٍ رَوَاهُ الثّوْرِيّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عن بُكَيْرِ بنِ عَطَاءٍ وَلاَ نَعْرِفُهِ إِلاّ مِنْ حدِيثِ بُكَيْر بن عَطَاءٍ‏.‏

3066- حدثنا ابنُ أَبِي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ عن ابنِ جُرَيْجٍ عن ابنِ أَبي مُلَيْكَةَ عن عَائِشَةَ قالَتْ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَبْغَضُ الرّجَالِ إِلَى الله الألَدّ الْخَصِمُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

3067- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثني سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ، حدثنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عن ثَابِتٍ عن أَنَسٍ، قالَ ‏"‏كَانَتْ الْيَهُودُ إِذَا حَاضَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ لَمْ يؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُشَارِبُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ، فُسُئلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذَلِكَ فَأَنْزَلَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عن المَحيِضِ قُلْ هُوَ أَذىً‏}‏ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يُؤَاكِلُوهُنّ وَيُشَارِبُوهُنّ وَأَنْ يَكُونُوا مَعَهُنّ فِي الْبُيُوتِ وَأَنْ يَفْعَلُوا كُلّ شَيْءٍ مَا خَلاَ النّكَاحَ‏.‏ فَقَالَتْ الْيَهُودُ‏:‏ مَا يُرِيدُ أَنْ يَدَعَ شَيْئاً مِنْ أَمْرِنَا إلاّ خَالَفَنَا فِيهِ‏.‏ قالَ فَجَاءَ عَبّادُ بنُ بِشْرٍ وَأُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَاهُ بِذَلِكَ‏.‏ وَقالاَ‏:‏ يَا رَسُولَ الله أَفَلاَ نَنْكِحُهُنّ فِي المَحِيض فَتَعَمّر وَجْهُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حَتّى ظَنَنّا أَنّهُ قَدْ غَضِبَ عَلَيْهِمَا، فَقَامَا فاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيّةٌ مِنْ لَبَنٍ فَأَرْسَلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فِي أَثَرِهِمَا فَسَقَاها فَعَلِمْنَا أَنّهُ لَمْ يَغْضَبْ عَلَيْهِمَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3068- حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ الأعْلَى أخبرنا عَبْد الرّحْمَن بنُ مَهْدِيٍ عن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ عن ثابت أنس نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ‏.‏

3069- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ حدثنا سُفْيَانُ عَنِ ابنِ المُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ‏:‏ ‏"‏كَانَت الْيَهُودُ تقُولُ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ في قُبُلِهَا مِنْ دُبُرِهَا كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ، فَنَزَلَتْ ‏{‏نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّىَ شِئْتُم‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3070- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ أخبرنا سُفْيَانُ عن ابنِ خُثَيْمٍ عن ابنِ سَابطٍ عن حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْد الرّحْمَن عن أُمّ سَلَمَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله‏:‏ ‏{‏نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّىَ شِئْتُمْ‏}‏ يَعْنِي صِمَاماً وَاحِداً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَابْنُ خُثَيْمٍ هُوَ عَبْدُ الله بنُ عُثْمانَ بنِ خُثَيْمٍ‏.‏ وَابْنُ سَابِطٍ هُوَ عَبْد الرّحْمَن بنُ عبدِ الله بنِ سَابِطٍ الْجُمَحِيّ المَكّيّ وَحَفْصَةُ هِيَ بِنْتُ عَبْد الرّحْمَن بنِ أَبي بَكْرٍ الصّدّيقِ، وَيُرْوَى في سِمَامٍ وَاحِدٍ‏.‏

3071- حدثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى أخبرنا يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الله الأشْعَرِيّ عن جَعْفَر بن أَبي المُغِيرَةِ عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ جَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ الله هَلَكْتُ، قالَ‏:‏ ‏"‏وَمَا أَهْلَكَكَ‏؟‏‏"‏ قالَ‏:‏ حَوّلْتُ رَحْلِيَ الّلْيلَة، قالَ‏:‏ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم شَيْئاً، قالَ فأَوحى عَلَى رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الاَيَةُ ‏{‏نِسَاؤكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ‏}‏ أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ وَاتّقِ الدّبُرَ وَالْحيْضَةَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وَيَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الله الأشْعَرِيّ هُوَ يَعْقُوبُ الْقُمّيّ‏.‏

3072- حدثنا عَبْدُ بنِ حُمَيْدٍ أخبرنا الهاشم بْنُ الْقَاسِمِ عن المُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عن الْحَسَنِ عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ ‏"‏أَنّهُ زَوّجَ أُخْتَهُ رَجُلاَ مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَكَانَتْ عِنْدَهُ مَا كَانَتْ، ثمّ طَلّقَهَا تَطْلِيقَةً لَمْ يُرَاجِعْها حَتّى انْقَضَت الْعِدّةُ فَهَوِيَها وَهَوِيَتْهُ، ثمّ خَطَبَهَا مَعَ الْخُطّابِ فقالَ لهُ‏:‏ يا لَكَعُ أَكْرَمْتُكَ بِهَا وَزَوّجْتُكَهَا فَطَلّقْتَهَا والله لاَ تَرْجِعُ إلَيْكَ أَبداً آخِرُ مَا عَلَيْكَ، قال فَعَلِمَ الله حَاجَتَهُ إلَيْهَا وَحَاجَتَهَا إِلَى بَعْلِهَا، فأْنْزَلَ الله تبَارَك وتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهنّ- إِلَى قَوْلِهِ وأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ فَلَمّا سَمِعَهَا مَعْقِلُ قَالَ سَمْعاً لرَبّي وَطَاعَةٌ، ثمّ دَعَاهُ فَقَالَ‏:‏ أُزَوّجُكَ وَأُكْرِمُكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن الْحَسَنِ وَفي هَذَا الْحَدِيثِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنّهُ لاَ يَجُوزُ النّكَاحُ بِغَيْرِ وَليّ لأنّ أُخْتَ مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ كانَتْ ثَيّباً، فَلَوْ كَانَ الأمْرُ إِلَيْهَا دُونَ وَليّهَا لَزَوّجَتْ نَفْسَهَا وَلَمْ تحتج إِلَى وَلِيّهَا مَعْقِلِ بْنِ يَسَارِ‏.‏ وَإِنّمَا خَاطَبَ الله في هذه الاَية الأوْلِياءَ فقال‏:‏ ‏{‏لاَ تَعْضُلُوهُنّ أن يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنّ‏}‏ ففي هذه الاَية دَلاَلَةٌ عَلَى أنّ الأمْرَ إِلَى الأوْليَاءِ في التّزْويِجِ مَعَ رِضَاهُنّ‏.‏

3073- حدثنا قُتَيْبَةُ عن مالِكِ بن أَنَسٍ قال‏:‏ وحدثنا الأنْصَارِيّ أخبرنا مَعْنُ أخبرنا مالِكٌ عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عن القَعْقَاعِ بنِ حَكِيمٍ عن أبي يُونسَ مَوُلَى عَائِشَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏أَمَرَتْني عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنْ أَكْتُبَ لَهَا مُصْحَفاً فَقَالَتْ‏:‏ إذَا بَلَغْتَ هَذهِ الاَيَةَ فَآذِنّي ‏{‏حافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاَةِ الْوُسْطَى‏}‏ فَلَمّا بَلَغْتُها آذَنْتُهَا فأَمْلَتْ عَلَيّ‏:‏ حَافِظوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاَةِ الْوُسُطَى وَصَلاَة الْعَصْرِ وَقُومُوا لله قَانِتِين‏.‏ وَقَالَتْ‏:‏ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

وَفي الباب عَن حَفْصَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3074- حدثنا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عن سَعِيدٍ عن قَتَادَةَ أخبرنا الْحَسَنُ عن سُمُرَةَ بْنُ جُنْدُبٍ أَنّ نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏صَلاَةُ الْوُسْطَى صَلاَةُ الْعَصْرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3075- حدثنا هَنّادٌ حدثنا عَبْدَةُ عن سَعِيدِ بنِ أَبي عَرُوبَةَ عن قَتَادَةَ عن أبي حَسّانَ الأعْرَجِ عن عَبِيدَةَ السّلْمَانِيّ أَنّ عَلِيّاً حَدّثَهُ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ يَوْمَ الأحزَابِ‏:‏ ‏"‏اللّهُمّ امْلأ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَاراً كمَا شَغَلُونَا عن صَلاَةِ الْوُسْطَى حَتّى غَابَتِ الشّمْسُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن عَلِيّ‏.‏ وَأَبُو حَسّانَ الأعْرَجِ اسْمُهُ مُسْلِمٌ‏.‏

3076- حدثنا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ أخبرنا أَبُو النّضْرِ وَأَبُو دَاوُدَ عن محمّدِ بْنِ طَلْحَةَ بنِ مُصَرّفٍ عن زُبَيْدٍ عن مُرّةَ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قال‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏صَلاَةُ الْوُسْطَى صَلاَةُ الْعَصْر‏"‏‏.‏

وفي البابِ عَن زَيْدٍ بنِ ثَابِتٍ وَأَبي هَاشِمِ بنِ عُتْبَةَ وَأَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3077- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ أخبرنا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدُ بنُ هَارُونَ وَمُحمّدُ بنُ عُبَيْدٍ عن إسْمَاعِيلَ بنِ أبي خَالِدٍ عن الْحَارِثِ بنِ شُبَيْل عن أبي عَمْرٍو الشّيْبَانيّ عن زَيْدٍ بنِ أَرْقَمَ قَال‏:‏ ‏"‏كُنّا نَتَكَلّمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في الصّلاَةِ فَنَزَلَتْ ‏{‏وَقُومُوا لله قانِتِينَ‏}‏ فأُمِرْنَا بالسّكُوت‏"‏‏.‏

3078- حدثنا أَحْمَدُ بن مَنِيعٍ أخبرنا هُشَيْمٌ أخبرنا إسْمَاعِيلُ بنُ أَبي خَالِد نَحْوَهُ وَزَادَ فِيهِ ‏"‏وَنُهِينَا عنِ الْكلاَمِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَأَبُو عَمْرٍو الشيْبَانيّ اسْمُهُ سَعْدُ بنُ إيَاسٍ‏.‏

3079- حدثنا عَبْد الله بنُ عَبْد الرّحْمَن أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عن إسْرَائِيلَ عن السّدّيّ عن أَبي مَالِكٍ عن البَرَاءِ‏:‏ ‏"‏‏{‏وَلاَ تَيَمّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِينَا مَعْشَرَ الأنْصَارِ كُنّا أَصْحَابَ نَخْلٍ، فَكَانَ الرّجُلُ يَأْتِي مِنْ نَخْلِهِ عَلَى قَدْرٍ كَثْرَتِهِ وَقِلّتِهِ وَكَانَ الرّجُلُ يَأْتي بالْقِنْوِ وَالقِنْوِينِ فَيُعَلّقُهُ فِي المَسْجِدِ، وَكَانَ أَهْلُ الصّفّةِ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ فَكَانَ أَحَدُهُمْ إذَا جَاءَ أَتَى القِنْوَ فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ فَيَسْقُط من البُسْرُ وَالتّمْرُ فَيَأْكُلُ، وَكَانَ نَاسٌ مِمّنْ لاَ يَرْغَبُ فِي الْخَيْرِ يَأْتي الرّجُلُ بالقِنْوِفِيه الشّيْصُ وَالْحشَفُ وَبالْقِنْوِ قَدْ انْكَسَرَ فَيُعَلّقُهُ، فَأَنْزَلَ الله تَبَارَك تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيّبَاتِ مَاكَسَبْتُمْ، ومِمّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأرْضِ، وَلاَ تَيَمّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقونَ وَلَسْتُمْ بآخِذِيهِ إلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ‏}‏ قالوا‏:‏ لَوْ أَنّ أَحَدَكُمْ أُهْدِىِ إلَيْهِ مِثْلَ مَا أَعْطَى لَمْ يَأْخْذهُ إلاّ عَلَى إغْمَاضٍ أوْحَيَاءٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَكُنّا بَعْدَ ذَلِكَ يأْتِي أَحَدُنَا بِصَالِحِ مَا عِنْدَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صيحيحٌ‏.‏ وَأَبو مَالِكٍ هُوَ الغِفَارِيّ وَيُقَالُ اسْمُهُ غَزَوَانُ وَقَدْ رَوى سفيان الثّوْرِيّ عن السّدّيّ شَيْئاً مِنْ هَذَا‏.‏

3080- حدثنا هَنّادٌ أخبرنا أَبُو الأحْوَصِ عن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ عن مُرّةَ الْهَمْدَانيّ عَن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ لِلشّيْطَانِ لَمّةً بابنِ آدَمَ وَلِلْمُلَكِ لَمّةً فَأَمّا لَمّةُ الشّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بالشّرّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقّ، وَأَمّا لَمّةُ المَلَكِ فَإِيعَادٌ بالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بالْحَقّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنّهُ مِنَ الله فَلْيَحْمَدِ الله، وَمَنْ وَجَدَ الأخْرَى فَلْيَتَعَوّذْ بالله مِنَ الشّيْطَانِ الرجيم ثمّ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏الشّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ‏}‏‏"‏ الاَيَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وَهُوَ حَدِيثُ أبي الأحْوَصِ لاَ نعلمه مَرْفُوعاً إلاّ مِنْ حَدِيثِ أبي الأحْوَصِ‏.‏

3081- حدثنا عبد بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا أبُو نُعَيْمٍ أخبرنا فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوقٍ عن عَدِيّ بنِ ثَابِتٍ عن أبي حَازِمٍ عن أبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يَا أَيّهَا النّاسُ إنّ الله طَيّبٌ ولاَ يَقْبَلُ إلاّ طَيّباً، وَإِنّ الله أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏يَا أَيّهَا الرّسُلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إني بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ‏}‏ وَقالَ‏:‏ ‏{‏يا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيّبَاتِ مَا رَزَقْناكُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَذَكَرَ الرّجُلُ يُطِيلُ السّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ يَمُدّ يَدَهُ إلَى السّمَاءِ يَا رَبّ يَا رَبّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامُ، وَمَشْرَبَهُ حَرَامٌ‏.‏ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَانّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وَإِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلِ بنِ مَرْزُوقٍ‏.‏ وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ الأشْجَعِيّ اسْمُهُ سَلْمَانُ مَوْلَى عَزّةَ الأشْجَعِيّةِ‏.‏

3082- حدثنا عبدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا عُبَيدُ الله بنُ مُوسَى عن إسْرَائِيلَ عن السّدّيّ، قالَ‏:‏ حدثني مَنْ سَمِعَ عَلِيّا يَقُولُ‏:‏ ‏"‏لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيةُ‏:‏ ‏{‏إنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ، أوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ الله فَيَغْفِرُ لمَنْ يَشَآءُ وَيُعَذّبُ منْ يَشَاءُ‏}‏ الاَيَةُ أَحْزَنَتَنَا‏.‏ قالَ‏:‏ قُلْنَا يُحَدّثُ أحَدُنَا نَفْسَه فَيُحَاسَبُ بِهِ لاَ نَدْرِي مَا يُغْفَرُ مِنْهُ وَمَا لا يُغْفَرُ مِنْهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلّفُ الله نَفْساً إلاّ وُسْعَها، لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}‏‏.‏

3083- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا الحَسَنُ بنُ مُوسَى ورَوْحُ بنُ عُبَادَةَ عن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ عن عَلِيّ بنِ زَيْدٍ عن أُمَيّةَ أنّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ عن قَوْلِ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنْ تَبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يحَاسِبْكُمْ بِهِ الله‏}‏ وَعن قوله‏:‏ ‏{‏مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ‏}‏ فَقَالَتْ‏:‏ ‏"‏مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ‏"‏هَذِهِ مُعَاتَبَةُ الله العَبْدَ فيمَا يُصِيبُهُ مِنْ الحُمّى وَالنّكْبَةِ حَتّى البِضَاَعَةِ يَضَعُهَا فِي يَدِ قَمِيْصِهِ فَيَفْقِدُهَا فَيَفْزَعُ لَهَا حَتّى إنّ العَبْدَ لَيَخْرُجُ مِنْ ذنُوبِهِ كَمَا يَخْرُجُ التّبْرُ الأحْمَرُ مِنْ الكِيْرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ‏.‏

3084- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ أخبرنا وَكِيعُ أخبرنا سُفْيَانُ عن آدَمَ بنِ سُلَيْمَانَ عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ ‏"‏لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ‏:‏ ‏{‏إنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يحَاسِبْكُمْ بِهِ الله‏}‏ قال‏:‏ دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ مِنْ شَيْء، فَقَالُوا للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ ‏"‏قُولُوا سَمِعْنَا وَأطَعْنَا‏"‏ فَأَلْقَى الله الإيمَانَ فِي قُلُوبِهِم فَأَنْزَلَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏آمَنَ الرّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبّهِ وَالمُؤْمِنُونَ‏}‏ الاَيَةَ ‏{‏لاَ يَكُلّفُ الله نَفْساً إلاّ وُسْعَها لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِيْنَا أوْ أخْطَأْنَا‏}‏ قَالَ قَدْ فَعَلْتُ ‏{‏رَبّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا‏}‏ قَالَ قَدْ فَعَلْتُ ‏{‏رَبّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنّا واغْفِرْ لَنَا وارْحَمْنَا‏}‏ الاَيَةَ، قالَ‏:‏ ‏"‏قَدْ فَعَلْتُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ وقَدْ رُوِي هَذَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عن ابن عَبّاسٍ‏.‏

وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ‏.‏ وَآدَمُ بنُ سُلَيْمَانَ يُقالُ هُوَ وَالِدُ يَحْيَى بنِ آدَمَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يحيى بن سعيد‏)‏ هو القطان ‏(‏وابن أبي عدي‏)‏ اسمه محمد بن إبراهيم ‏(‏ومحمد بن جعفر‏)‏ المعروف بغندر ‏(‏وعبد الوهاب‏)‏ هو الثقفي ‏(‏عن قسامة ابن زهير‏)‏ بفتح القاف وخفة السين المهملة المازني البصري ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله خلق آدم من قبضة‏)‏ بالضم ملء الكف وربما جاء بفتح القاف، ومن ابتدائية متعلقة بخلق، أو بيانية حال من آدم ‏(‏قبضها‏)‏ أي أمر الملك بقبضها ‏(‏من جميع الأرض‏)‏ يعني وجهها ‏(‏فجاء بنو آدم على قدر الأرض‏)‏ أي مبلغها من الألوان والطباع ‏(‏فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود‏)‏ بحسب ترابهم، وهذه الثلاثة هي أصول الألوان وما عداها مركب منها وهو المراد بقوله ‏(‏وبين ذلك‏)‏ أي بين الأحمر والأبيض والأسود باعتبار أجزاء أرضه ‏(‏والسهل‏)‏ أي ومنهم السهل، أي اللين ‏(‏والحزن‏)‏ بفتح الحاء وسكون الزاي، أي الغليظ ‏(‏والخبيث‏)‏ أي خبيث الخصال ‏(‏والطيب‏)‏ على طبع أرضهم، وكل ذلك بتقدير الله تعالى لوناً وطبعاً وخلقاً‏.‏ قال الطيبي‏:‏ لما كانت الأوصاف الأربعة ظاهرة في الإنسان والأرض أجريت على حقيقتها وأولت الأربعة الأخيرة لأنها من الأخلاق الباطنة، فإن المعنى بالسهل الرفق واللين‏.‏ وبالحزن الخرق والعنف، وبالطيب الذي يعني به الأرض العذبة المؤمن الذي هو نفع كله، وبالخبيث الذي يراد به الأرض السبخة الكافر الذي هو ضر كله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏{‏ادخلوا الباب‏}‏ أراد به باب القرية التي ذكرها الله تعالى في قوله‏:‏ ‏(‏وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية سجداً‏)‏ أي ساجدين لله تعالى شكراً على إخراجهم من التيه، وقال ابن عباس‏:‏ منحنين ركوعاً، وقيل خشوعاً وخضوعاً ‏(‏قال‏:‏ دخلوا متزحفين على أوراكهم‏)‏ أي متمشين، والأوراك جميع ورك‏.‏ قال في القاموس‏:‏ الورك بالفتح والكسر وككتف ما فوق الفخذ، وفي رواية البخاري‏:‏ فدخلوا يزحفون على أستاههم ‏(‏أي منحرفين‏)‏ هذا تفسير من بعض الرواة، أي منحرفين ومائلين عما أمروا به من الدخول سجداً ‏{‏فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم‏}‏ التقدير‏:‏ فبدل الذين ظلموا بالذي قيل لهم قولاً غير الذي قيل لهم، ويحتمل أن يكون ضمن بدل معنى، قال يعني قيل لهم قولوا حطة أي مسألتنا أن تحط عنا خطايانا، فبدلوه قائلين حبة في شعيرة، وهو كلام مهمل وغرضهم به مخالفة ما أمروا به ‏(‏قال‏:‏ قالوا‏:‏ حبة في شعرة‏)‏ وفي بعض النسخ شعرة بفتحتين مكان شعيرة، والحاصل أنهم خالفوا ما أمروا به من الفعل والقول، فإنهم أمروا بالسجود عند انتهائهم شكراً لله تعالى وبقولهم حطة، فبدلوا السجود بالزحف وقالوا حبة في شعيرة بدل حطة، وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر الخ‏)‏ تقدم هذا الحديث بإسناده ومتنه في باب الرجل يصلي لغير القبلة في الغيم، وتقدم شرحه هناك‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته تطوعاً حيثما توجهت به‏)‏ فيه دليل على جواز التطوع على الراحلة للمسافر قبل جهة مقصده لكن لا بد من الاستقبال حال تكبير ‏"‏الإحرام ثم لا يضره الخروج بعد ذلك عن سمت القبلة، وهو إجماع كما قال النووي والحافظ والعراقي وغيرهم، وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في باب الصلاة على الدابة حيث ما توجهت به ‏(‏وقال ابن عمر في هذا أنزلت هذه الاَية‏)‏ ذهب إلى هذا بعض أهل العلم وقالوا إن الاَية نزلت في المسافر يصلي النوافل حيث تتوجه به راحلته، فمعنى الاَية‏:‏ فأينما تولوا وجوهكم لنوافلكم في أسفاركم فثم وجه الله، أي فقد صادفتم المطلوب إن الله واسع الفضل غني، فمن سعة فضله وغناه رخص لكم في ذلك لأنه لو كلفكم استقبال القبلة في مثل هذه الحال لزم أحد الضررين‏:‏ إما ترك النوافل، وإما النزول عن الراحلة والتخلف عن الرفقة بخلاف الفرائض فإنها صلوات معدودة محصورة، فتكليف النزول عن الراحلة عند أدائها واستقبال القبلة فيها لا يفضي إلى الحرج، بخلاف النوافل فإنها غير محصورة، فتكليف الاستقبال يفضي إلى الحرج‏.‏

وقال بعض أهل العلم‏:‏ إن هذه الاَية نزلت في قوم عميت عليهم القبلة فلم يعرفوا شطرها فصلوا على أنحاء مختلفة، فقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏برب المشارق والمغارب‏}‏ فأين وليتم وجوهكم فهنالك وجهي وهو قبلتكم، فيعلمكم بذلك أن صلاتكم ماضية‏.‏ وقد استدلوا على ذلك بحديث عامر بن ربيعة المذكور، وهو حديث ضعيف، لكن قال الشوكاني في النيل‏:‏ وهذا الحديث وإن كان فيه مقال عند المحدثين ولكن له شواهد تقويه فذكرها وقال بعد ذكرها‏:‏ وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً فتصلح للاحتجاج بها، انتهى‏.‏ وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره‏:‏ وهذه الأسانيد فيها ضعف ولعله يشد بعضها بعضاً، انتهى‏.‏

وقال آخرون‏:‏ بل أنزل هذه الاَية قبل أن يفرض التوجه إلى الكعبة، وإنما أنزلها ليعلم نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن لهم التوجه بوجوههم للصلاة حيث شاءوا من نواحي المشرق والمغرب، لأنهم لا يوجهون وجوههم وجهاً من ذلك وناحية إلا كان جل ثناؤه في ذلك الوجه وتلك الناحية، لأن له تعالى المشارق والمغارب، وأنه لا يخلو منه مكان، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا‏}‏ قالوا‏:‏ ثم نسخ ذلك بالفرض الذي فرض التوجه إلى المسجد الحرام، قاله ابن جرير‏.‏ قال ابن كثير‏:‏ وفي قوله وأنه تعالى لا يخلو منه مكان إن أراد علمه تعالى فصحيح، فإن علمه تعالى محيط بجميع المعلومات، وأما ذاته تعالى فلا تكون محصورة في شيء من خلقه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً انتهى‏.‏ وقد قال بهذا القول قتادة رحمه الله، كما ذكره الترمذي بقوله‏:‏ ويروي عن قتادة أنه قال الخ‏.‏ وفي سبب نزول هذه الاَية أقوال أخرى ذكرها الرازي في تفسيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وغيرهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يزيد بن زريع‏)‏ بتقديم الزاي مصغراً، البصري أبو معاوية ثقة ثبت من الثامنة ‏(‏عن سعيد‏)‏ هو ابن أبي عروبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويروى عن مجاهد في هذه الاَية‏:‏ ‏{‏فأينما تولوا فثم وجه الله‏}‏ فثم قبلة الله قال الحافظ ابن كثير في تفسيره‏:‏ قال مجاهد‏:‏ فأينما تولوا فثم وجه الله حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها الكعبة، انتهى‏.‏ والظاهر أن قول مجاهد هذا بيان لقوله الذي ذكره الترمذي ‏(‏عن النضر بن عربي‏)‏ الباهلي مولاهم أبي روح، ويقال أبو عمر الحراني لا بأس به من السادسة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لو صلينا خلف المقام‏)‏ أي لكان حسناً أو لو للتمني، والمراد من الصلاة خلف المقام صلاة الركعتين بعد الطواف فنزلت ‏{‏واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى‏}‏ المراد بالمقام هو الحجر الذي كان إبراهيم عليه السلام يقوم عليه لبناء الكعبة، لما ارتفع الجدار أتاه إسماعيل عليه السلام به ليقوم فوقه ويناوله الحجارة فيضعها بيده لرفع الجدار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان مطولاً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا هشيم‏)‏ بالتصغير ابن بشير بوزن عظيم ابن القاسم بن دينار السلمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر‏)‏ أخرجه أبو نعيم في الدلائل عنه أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عمر فمر به على المقام فقال له‏:‏ ‏"‏هذا مقام إبراهيم‏"‏، قال‏:‏ يا نبي الله ألا تتخذه مصلي‏؟‏ فنزلت‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو معاوية‏)‏ اسمه محمد بن خازم ‏(‏عن أبي صالح‏)‏ هو السمان واسمه ذكوان‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏وكذلك جعلناكم أمة وسطاً‏}‏ الكاف في قوله وكذلك كاف التشبيه جاء لشبه به، وفيه وجوه، أحدها‏:‏ أنه معطوف على ما تقدم من قوله في حق إبراهيم‏:‏ ‏{‏ولقد اصطفيناه في الدنيا‏}‏ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً‏.‏ الثاني‏:‏ أنه معطوف على قوله ‏{‏يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‏}‏، وكذلك هديناكم وجعلناكم أمة وسطاً‏.‏ الثالث قيل معناه‏:‏ كما جعلنا قبلتكم وسطاً بين المشرق والمغرب كذلك جعلناكم أمة وسطاً، يعني عدولاً خياراً ‏(‏قال عدلاً‏)‏ أي قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله تعالى ‏"‏وسطاً‏"‏ عدلا‏.‏ وروى البخاري في صحيحه هذا الحديث مطولاً، وكذا الترمذي بعد هذا وفي آخر حديثهما، والوسط‏:‏ العدل‏.‏

قال الحافظ في الفتح‏:‏ هو مرفوع من نفس الخبر وليس بمدرج من قول بعض الرواة كما وهم فيه بعضهم، وسيأتي في الاعتصام بلفظ‏:‏ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً عدلا‏.‏ وأخرج الإسماعيلي من طريق حفص بن غياث عن الأعمش بهذا السند في قوله وسطاً قال عدلاً، كذا أورده مختصراً مرفوعاً، وأخرجه الطبراني من هذا الوجه مختصراً مرفوعاً، ومن طريق وكيع عن الأعمش بلفظ والوسط العدل مختصراً مرفوعاً، ومن طريق أبي معاوية عن الأعمش مثله، قال الطبري‏:‏ الوسط في كلام العرب الخيار، يقولون فلان وسط في قومه وواسط إذا أرادوا الرفع في حسبه، قال‏:‏ والذي أرى أن معنى الوسط في الاَية الجزء الذي بين الطرفين، والمعنى أنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلم يغلوا كغلو النصارى، ولم يقصروا كتقصير اليهود، ولكنهم أهل وسط واعتدال‏.‏

قال الحافظ‏:‏ لا يلزم من كون الوسط في الاَية صالحاً لمعنى التوسط أن لا يكون أريد به معناه الاَخر كما نص عليه الحديث، فلا مغايرة بين الحديث وبين ما دل عليه معنى الاَية، انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يدعى نوح‏)‏ وفي رواية‏:‏ بحاء بنوح يوم القيامة ‏(‏فيقال‏)‏ أي لنوح ‏(‏فيقول نعم‏)‏ وهذا لا ينافي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم‏؟‏ قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب‏}‏ لأن الإجابة غير التبليغ، وهي تحتاج إلى تفصيل لا يحيط بكنهه إلا علمه سبحانه، بخلاف نفس التبلغ لأن من العلوم الضرورية البديهية ‏(‏ما أتانا من نذير‏)‏ أي منذر لا هو ولا غيره مبالغة في الإنكار توهماً أنه ينفعهم الكذب في ذلك اليوم عن الخلاص من النار، ونظيره قول جماعة من الكفار‏:‏ ‏{‏والله ربنا ما كنا مشركين‏}‏ ‏(‏وما أتانا من أحد‏)‏ أي غير النذير للتبليغ ‏(‏فيقال‏)‏ أي لنوح ‏(‏من شهودك‏)‏ وإنما طلب الله من نوح شهداء على تبليغه الرسالة أمته وهو أعلم به إقامة الحجة وإناقة لمنزلة أكابر هذه الأمة ‏(‏فيقول محمد وأمته‏)‏ والمعنى أن أمته شهداء وهو مزك لهم وقدم في الذكر للتعظيم ولا يبعد أنه صلى الله عليه وسلم يشهد لنوح عليه الصلاة والسلام أيضاً لأنه محل النصرة، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وإذ أخذ الله ميثاق النبيين‏.‏‏.‏ إلى قوله‏:‏ لتؤمنن به ولتنصرنه‏}‏ ‏(‏فيؤتي بكم تشهدون‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وقد روى هذا الحديث أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد أتم من سياق غيره وأشمل ولفظه‏:‏ يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل ويجيء النبي ومعه الرجلان ويجيء النبي ومعه أكثر من ذلك، قال‏:‏ فيقال لهم‏:‏ أبلغكم هذا‏؟‏ فيقولون‏:‏ لا، فيقال للنبي‏:‏ أبلغتهم، فيقول‏:‏ نعم، فيقال لهم‏:‏ من يشهد لك، الحديث أخرجه أحمد عنه والنسائي وابن ماجه ‏(‏أنه قد بلغ‏)‏ قال الحافظ‏:‏ زاد أبو معاوية فيقال وما علمكم فيقولون أخبرنا نبينا أن الرسل قد بلغوا فصدقناه ويؤخذ من حديث أبي بن كعب تعميم ذلك، فأخرج ابن أبي حاتم بسند جيد عن أبي العالية عن أبي بن كعب في هذه الاَية قال لتكونوا شهداء وكانوا شهداء على الناس يوم القيامة كانوا شهداء على قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وغيرهم أن رسلهم بلغتهم وأنهم كذبوا رسلهم‏.‏ قال أبو العالية وهي قراءة أبي‏:‏ لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة ومن حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما من رجل من الأمم إلا ود أنه منا أيتها الأمة، ما من نبي كذبه قومه إلا ونحن شهداؤه يوم القيامة أن قد بلغ رسالة الله ونصح لهم ‏(‏لتكنوا شهداء على الناس‏)‏ أي على من قبلكم من الكفار أن رسلهم بلغتهم ‏(‏ويكون الرسول‏)‏ أي رسولكم واللام للعوض أو اللام للعهد والمراد به محمد صلى الله عليه وسلم ‏(‏عليكم شهيداً‏)‏ أنه بلغكم ‏(‏والوسط العدل‏)‏ هو مرفوع من نفس الخبر وليس بمدرج من قول بعض الرواة كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري والنسائي وغيرهم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ستة أو سبعة عشر شهراً‏)‏ كذا وقع في هذه الرواية بالشك، وترفع في بعض الروايات ستة عشر بغير شك، ووقع في بعضها سبعة عشر بغير شك‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والجمع بين الروايتين سهل بأن يكون من جزم بستة عشر نفق من شهر القدوم وشهر التحويل شهراً وألغى الزائد، ومن جزم بسبعة عشر عدهما معاً‏.‏ ومن شك تردد في ذلك‏.‏ وذلك أن القدوم كان في شهر ربيع الأول بلا خلاف وكان التحويل في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح وبه جزم الجمهور ‏(‏وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه إلى الكعبة‏)‏ جاء بيان ذلك فيما أخرجه الطبري وغيره من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال‏:‏ لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واليهود أكثر أهلها يستقبلون بيت المقدس أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها سبعة عشر شهراً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم فكان يدعو ويظهر إلى السماء فنزلت‏.‏ ومن طريق مجاهد قال إنما كان يحب أن يتحول إلى الكعبة لأن اليهود قالوا يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا فنزلت‏.‏ وظاهر حديث ابن عباس هذا أن استقبال بيت المقدس إنما وقع بعد الهجرة إلى المدينة لكن أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه والجمع بينهما ممكن بأن يكون أمر صلى الله عليه وسلم لما هاجر أن يستمر على الصلاة ببيت المقدس، وأخرج الطبراني من طريق ابن جريج قال‏:‏ صلى النبي صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة فصلى ثلاث حجج ثم هاجر فصلى إليه بعد قدومه إلى المدينة ستة عشر شهراً ثم وجهه الله إلى الكعبة‏.‏ فقوله في حديث ابن عبس الأول أمره، الله يرد قول من قال إنه صلى إلى بيت المقدس باجتهاد، وقد أخرجه الطبري عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف وعن أبي العالية أنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس يتألف أهل الكتاب وهذا لا ينفي أن يكون يتوقيف‏.‏ وحديث البراء هذا قد تقدم بإسناده ومتنه في باب ابتداء القبلة من أبواب الصلاة ‏(‏وقد رواه سفيان الثوري عن أبي إسحاق‏)‏ كما في رواية الشيخين‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏قال كانوا ركوعاً في صلاة الفجر‏)‏ تقدم هذا الحديث مع شرحه أيضاً في الباب المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمرو بن عوف المزني الخ‏)‏ تقدم تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم في الباب المذكور‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لما وجه‏)‏ بصيغة المجهول من التوجيه أي أمر بالتوجه إلى الكعبة ‏(‏كيف بإخواننا الذي ماتوا‏)‏ أي كيف حالهم هل صلاتهم ضائعة أم مقبولة ‏(‏وهم يصلون إلى بيت المقدس‏)‏ جملة حالية ‏{‏وما كان الله ليضيع إيمانكم‏}‏ أي صلاتكم إلى بيت المقدس بل يثيبكم عليه أطلق الإيمان على الصلاة لأنها أعظم آثار الإيمان وأشرف نتائجه، وإنما خوطبوا تغليباً للأحياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم وابن جرير‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ما أرى على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئاً‏)‏ أي من الجناح ‏(‏وما أبالي أن لا أطوف بينهما‏)‏ يعني أن السعي بين الصفا والمروة ليس بواجب عندي إذ مفهوم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما‏}‏ عدم وجوب السعي لأنه دل على رفع الجناح وهو الإثم عن فاعله وذلك يدل على إباحته ولو كان واجباً لما قيل فيه مثل ذلك ‏(‏طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون‏)‏ أي بالصفا والمروة، وفي رواية للبخاري‏:‏ وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ‏(‏وإنما كان من أهل‏)‏ أي حج من الأنصار قبل أن يسلموا ‏(‏لمناة‏)‏ بفتح الميم وتخفيف النون وبعد الألف تاء مثناة من فوق وهو اسم صنم كان في الجاهلية، وقال ابن الكلبي كانت صخرة نصبها عمرو بن لحي بجهة البحر فكانوا يعبدونها، وقيل هي صخرة لهذيل بقديد، وسميت مناة لأن النسائك كانت تمنى بها أي تراق‏.‏ وقال الحازمي‏:‏ هي على سبعة أميال من المدينة وإليها نسبوا زيد مناة ‏(‏الطاغية‏)‏ صفه لمناة إسلامية وهي على زنة فاعلة من الطغيان ولو روى لمناة الطاغية بالإضافة ويكون الطاغية صفة للفرقة وهم الكفار لجاز ‏(‏التي بالشلل‏)‏ بضم الميم وفتح الشين المعجمة وتشديد اللام الأولى المفتوحة اسم وضع قريب من قديد من جهة البحر، ويقال هو الجبل الذي يهبط منه إلى قديد من ناحية البحر وقال البكري‏:‏ هي ثنية مشرفة على قديد‏.‏ وفي رواية لمسلم بالمشلل من قديد، وفي رواية للبخاري في تفسير سورة البقرة‏:‏ كانوا يهلون لمناة فكانت مناة حذو قديد أي مقابلة‏.‏ وقديد بقاف مصغر قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياة قاله أبو عبيد البكري، وكان لمن لا يهل لمناة صنمان بالصفا إساف بكسر الهمزة وتخفيف السين المهملة وبالمروة نائلة، وقيل إنهما كانا رجلاً وامرأة فزنيا داخل الكعبة فمسخهما الله حجرين فنصبا عند الكعبة وقيل على الصفا والمروة ليعتبر الناس بهما ويتعظوا ثم حولهما قصي بن كلاب فجعل أحدهما ملاصق للكعبة والاَخر بزمزم ونحر عندهما وأمر بعبادتهما فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة كسرهما ‏(‏لا يطوفون بين الصفا والمروة‏)‏ كراهية لذينك الصنمين وحبهم صنمهم الذي بالشلل وكان ذلك سنة في آبائهم‏.‏ من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة ‏(‏فلا جناح عليه‏)‏ أي فلا إثم عليه ‏(‏أن يطوف‏)‏ بتشديد الطاء أصله يتطوف فأبدلت التاء طاء لقرب مخرجهما، وادغمت الطاء طاء ‏(‏بهما‏)‏ أي بأن يسعى بينهما سبعاً ‏(‏ولو كانت‏)‏ أي هذه الاَية ‏(‏كما تقول‏)‏ أي كما تأولها عليه من الإباحة ‏(‏لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما‏)‏ بزيادة لا بعد أن فإنها كانت حينئذ تدل على رفع الإثم عن تاركه وذلك حقيقة المباح فلم يكن في الاَية نص على الوجوب ولا عدمه‏.‏ قال النووي‏:‏ قال العلماء هذا من دقيق علمها وفهمها الثاقب وكبير معرفتها بدقائق الألفاظ لأن الاَية الكريمة إنما دل لفظها على رفع الجناح عمن يطوف بهما وليس فيه دلالة على عدم وجوب السعي ولا على وجوبه فأخبرته عائشة أن الاَية ليست فيها دلالة للوجوب ولا لعدمه وبينت السبب في نزولها والحكمة في نظمها وأنها نزلت في الأنصار حين تحرجوا من السعي بين الصفا والمروة في الإسلام، وأنها لو كانت كما يقول عروة لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، وقد يكون الفعل واجباً ويعتقد إنسان أنه يمنع إيقاعه على صفة مخصوصة وذلك كمن عليه صلاة الظهر وظن أنه لا يجوز فعلها عند غروب الشمس فسأل عن ذلك فيقال في جوابه لا جناح عليك إن صليتها في هذا الوقت فيكون جواباً صحيحاً ولا يقتضي نفي وجوب صلاة الظهر انتهى ‏(‏فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام‏)‏ بن المغيرة المخزومي المدني قيل اسمه محمد وقيل المغيرة وقيل أبو بكر اسمه وكنيته أبو عبد الرحمن وقيل اسمه كنيته ثقة فقيه عابد من الثالثة ‏(‏فأعجبه ذلك‏)‏ أي كلام عائشة ‏(‏إن هذا لعلم‏)‏ بفتح اللام التي هي التأكيد وبالتنوين على أنه الخبر أي إن هذا لعلم عظيم ‏(‏إنما كان من لا يطوف‏)‏ أي في الإسلام ‏(‏وقال آخرون من الأنصار‏)‏ الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا في الجاهلية بالصفا والمروة ‏(‏وقال أبو بكر بن عبد الرحمن فأراها‏)‏ بضم الهمزة أي أظنها ‏(‏قد نزلت في هؤلاء وهؤلاء‏)‏ وفي رواية البخاري في كتاب الحج قال أبو بكر فاسمع هذه الاَية نزلت في الفريقين كليهما في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا في الجاهلية بالصفا والمروة والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام من أجل أن الله أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وحاصله أن سبب نزول الاَية على هذا الأسلوب كان للرد على الفريقين الذين تحرجوا أن يطوفوا بينهما لكونه عندهم من أفعال الجاهلية والذين امتنعوا من الطواف بينهما لكونها لم يذكرا انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يزيد بن أبي حكيم‏)‏ العدني أبو عبد الله صدوق من التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سألت أنس بن مالك عن الصفاء والمروة‏)‏ وفي رواية البخاري قلت لأنس بن مالك أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة قال نعم ‏(‏كانا من شعائر الجاهلية‏)‏ أي من العلامات التي كانوا يتعبدون بها ‏(‏أمسكنا عنهما‏)‏ أي عن السعي بينهما ‏(‏قال‏)‏ أي أنس ‏(‏هما تطوع‏)‏ أي السعي بينهما ليس بواجب، وهذا هو قول أنس‏.‏ واختلف أهل العلم في هذه المسألة قال العيني‏:‏ قال شيخنا زين الدين في شرحه للترمذي‏:‏ اختلفوا في السعي بين الصفا والمروة للحاج على ثلاثة أقوال‏:‏ أحدها‏:‏ أنه ركن لا يصح الحج إلا به وهو قول ابن عمر وعائشة وجابر، وبه قال الشافعي ومالك في المشهور عنه وأحمد في أصح الروايتين عنه وإسحاق وأبو ثور لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي‏"‏‏.‏ رواه أحمد والدارقطني والبيهقي من رواية صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تجرأة بإسناد حسن وقال عبد العظيم إنه حديث حسن‏.‏ قال العيني‏:‏ قال ابن حزم في المحلى إن حبيبة بنت أبي تجرأة مجهولة، وقال شيخنا هو مردود لأنها صحابية وكذلك صفية بنت شيبة صحابية‏.‏ والقول الثاني‏:‏ أنه واجب يجبر بدم، وبه قال الثوري وأبو حنيفة ومالك في العتبية كما حكاه ابن العربي‏.‏ والقول الثالث‏:‏ أنه ليس بركن ولا واجب بل هو سنة ومستحب، وهو قول ابن عباس وابن سيرين وعطاء ومجاهد وأحمد في رواية‏:‏ ومن طاف فقد حل انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن جعفر بن محمد‏)‏ المعروف بالصادق ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو محمد بن علي ابن الحسين أبو جعفر الباقر ‏(‏عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة الخ‏)‏ تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب ما جاء أنه يبدأ بالصفا قبل المروة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبيد الله بن موسى‏)‏ العبسي الكوفي ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي في أول افتراض الصيام ‏(‏فنام قبل أن يفطر الخ‏)‏ قال الحافظ في رواية زهير‏:‏ كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئاً ولا يشرب ليله ويومه حتى تغرب ولأبي الشيخ من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا‏.‏ فإذا ناموا لم يفعلوا شيئاً من ذلك إلى مثلها‏.‏ فاتفقت الروايات في حديث البراء على أن المنع من ذلك كان مقيداً بالنوم وهذا هو المشهور في حديث غيره، وقيد المنع من ذلك في حديث ابن عباس بصلاة العتمة أخرجه أبو داود بلفظ‏:‏ كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة، وهذا أخص من حديث البراء من وجه آخر‏.‏ ويحتمل أن يكون ذكر صلاة العشاء لكون ما بعدها مظنة النوم غالباً والتقييد في الحقيقة إنما هو بالنوم كما في سائر الأحاديث انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ومراد الحافظ بقوله وهذا أخص من حديث البراء من وجه آخر يعني أن بينهما عموماً وخصوصاً من وجه ‏(‏وإن قيس بن صرمة‏)‏ بكسر الصاد المهملة وسكون الراء، قال في الإصابة‏:‏ ووقع عند أبي داود من هذا الوجه صرمة ابن قيس، وفي رواية النسائي أبو قيس بن عمرو فإن حمل هذا الاختلاف على تعدد أسماء من وقع له ذلك وإلا فيمكن الجمع برد جميع الروايات إلى واحد فإنه قيل فيه صرمة بن قيس وصرمة بن مالك وصرمة بن أنس وصرمة بن أبي أنس وقيل فيه قيس بن صرمة وأبو قيس بن صرمة وأبو قيس بن عمرو فيمكن أن يقال إن كان اسمه صرمة بن قيس فمن قال قيس بن صرمة قلبه وإنما اسمه صرمة وكنيته أبو قيس أو العكس، وأما أبوه فاسمه قيس أو صرمة على ما تقرر من القلب وكنيته أبو أنس ومن قال فيه أنس حذف أداة الكنية ومن قال فيه ابن مالك نسبه إلى جد له والعلم عند الله تعالى قاله القسطلاني ‏(‏هل عندك‏)‏ بكسر الكاف ‏(‏طعام فقالت لا ولكن انطلق أطلب لك‏)‏ ظاهره أنه لم يجيء معه بشيء لكن في مرسل السدي‏:‏ أنه أتاها بتمر فقال استبدلي به طحيناً واجعليه سخيناً فإن التمر أحرق جوفي وفيه لعلي آكله سخناً وأنها استبدلته له وصنعته ‏(‏وكان يومه‏)‏ بالنصب ‏(‏يعمل‏)‏ أي في أرضه وصرح بها أبو داود وفي روايته وفي مرسل السدي‏:‏ كان يعمل في حيطان المدينة بالأجرة‏.‏ فعلى هذا فقوله في أرضه إضافة اختصاص ‏(‏فغلبته عينه‏)‏ أي نام ‏(‏قالت خيبة لك‏)‏ بالنصب وهو مفعول مطلق محذوف العامل وقيل إذا كان بغير لام يجب نصبه وإلا جاز والخيبة الحرمان يقال خاب يخيب إذا لم ينل ما طلب ‏(‏فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد في رواية زكريا عند أبي الشيخ‏:‏ وأتى عمر أمرأته وقد نامت فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاَية ‏{‏أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم‏}‏ ففرحوا بها فرحاً شديداً ‏{‏وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود‏}‏ كذا في هذه الرواية وشرح الكرماني على ظاهرها فقال لما صار الرفث وهو الجماع هنا حلالاً بعد أن كان حراماً كان الأكل والشرب بطريق الأولى، فلذلك فرحوا بنزولها وفهموا منها الرخصة، هذا وجه مطابقة ذلك لقصة أبي قيس‏.‏ قال ثم لما كان حلهما بطريق المفهوم نزل بعد ذلك ‏(‏وكلوا واشربوا‏)‏ ليعلم بالمنطوق تسهيل الأمر عليهم صريحاً، ثم قال أو المراد من الاَية هي بتمامها‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا هو المعتمد وبه جزم السهيلي وقال إن الاَية بتمامها نزلت في الأمرين معاً وقدم ما يتعلق بعمر لفضله قال الحافظ‏:‏ قد وقع في رواية أبي داود فنزلت ‏{‏أحل لكم ليلة الصيام‏}‏ إلى قوله ‏{‏من الفجر‏}‏ فهذا يبين أن محل قوله ففرحوا بها بعد قوله الخيط الأسود وقع ذلك صريحاً في رواية زكريا بن أبي زائدة ولفظه فنزلت ‏{‏أحل لكم‏}‏ إلى قوله ‏{‏من الفجر‏}‏ ففرح المسلمون بذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن ذر‏)‏ بفتح الذال المعجمة وشدة راء هو ابن عبد الله المرهبي بضم الميم وسكون الراء ثقة عابد رمي بالإرجاء من السادسة ‏(‏عن يسيع الكندي‏)‏ قال في التقريب يسيع بن معدان الحضرمي الكوفي ويقال له أسبع ثقة من الثالثة انتهى‏.‏ قلت‏:‏ يسيع هذا بضم التحتانية وفتح السين المهملة مصغراً ويقال له أسيع بضم الهمزة بدل التحتانية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هو العبادة‏)‏ أي هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة لدلالته على الإقبال على الله والإعراض عما سواه بحيث لا يرجو ولا يخاف إلا إياه ‏(‏وقرأ‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏وقال ربكم ادعوني أستجب لكم‏}‏- إلى قوله- ‏(‏داخرين‏)‏ هذه الاَية في سورة المؤمن لكن لما ورد تفسيرها عنه صلى الله عليه وسلم وكانت مثل قوله تعالى ‏{‏أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي‏}‏ الذي في سورة البقرة أوردها ههنا بهذه المناسبة‏.‏ وقد أخرج الترمذي هذا الحديث في أوائل الدعوات أيضاً ويأتي هناك بقية الكلام عليه وأخرجه أيضاً في تفسير سورة المؤمن‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا هشيم‏)‏ هو ابن بشير بن القاسم بن دينار ‏(‏أخبرنا حصين‏)‏ هو ابن عبد الرحمن السلمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما نزلت حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر‏)‏ زاد مسلم في روايته‏:‏ قال له عدي يا رسول الله إني أجعل تحت وسادتي عقالين عقالاً أبيض وعقالاً أسود أعرف الليل من النهار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن وسادك لعريض ‏(‏قال لي النبي صلى الله عليه وسلم الخ‏)‏ قال الحافظ‏:‏ ظاهره أن عدياً كان حاضراً لما نزلت هذه الاَية وهو يقتضي تقدم إسلامه وليس كذلك لأن نزول فرض الصوم كان متقدماً في أوائل الهجرة وإسلام عدي كان في التاسعة أو العاشرة كما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي، فإما أن يقال إن الاَية التي في حديث الباب تأخر نزولها عن نزول فرض الصوم وهو بعيد جداً وإما أن يأول قول عدي هذا على أن المراد بقوله لما نزلت أي لما تليت علي عند إسلامي أو لما بلغني نزول الاَية أو في السياق حذف تقديره لما نزلت الاَية ثم قدمت فأسلمت وتعلمت الشرائع قال لي ‏(‏إنما ذلك‏)‏ أي الخيط الأبيض من الخيط الأسود ‏(‏بياض النهار من سواد الليل‏)‏ وفي رواية مسلم إنما هو سواد الليل وبياض النهار‏.‏ فإن قلت‏:‏ الظاهر أن قوله من الفجر كان نزل حين سمع عدي بن حاتم هذه الاَية وهو بيان لقوله الخيط الأبيض من الخيط الأسود فكيف خفي عليه معناه‏.‏

قلت‏:‏ كان عدياً لم يكن في لغة قومه استعارة الخيط للصبح وحمل قوله من الفجر على السببية فظن أن الغاية تنتهي إلى أن يظهر تمييز أحد الخيطين من الاَخر بضياء الفجر أو نسي قوله من الفجر حتى ذكره بها النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الاستعارة معروفة عند بعض العرب‏.‏ قال الشاعر‏:‏

ولما تبدت لنا سدفة *** ولاح من الصبح خيط أنارا

فإن قلت‏:‏ حديث عدي هذا يقتضي أن قوله من الفجر نزل متصلاً بقوله من الخيط الأسود وروى الشيخان عن سهل بن سعد قال أنزلت‏:‏ ‏{‏كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود‏}‏ ولم ينزل من الفجر فكان رجال إذاً أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعد ‏{‏من الفجر‏}‏ فعلموا إنما يعني الليل والنهار‏.‏ فحديث سهل بن سعد هذا ظاهر في أن قوله ‏(‏من الفجر‏)‏ نزل بعد ذلك لرفع ما وقع لهم من الإشكال فما وجه الجمع ما بين هذين الحديثين‏.‏

قلت‏:‏ الجمع بينهما أن حديث عدي متأخر من حديث سهل فكأن عدياً لم يبلغه ما جرى في حديث سهل وإنما سمع الاَية مجردة ففهمها على ما وقع له، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بقوله ‏(‏من الفجر‏)‏ أن ينفصل أحد الخيطين عن الاَخر، وأن قوله من الفجر متعلق بقوله ‏(‏يتبين‏)‏، ويحتمل أن تكون القصتان في حالة واحدة وأن بعض الرواة في قصة عدي تلا الاَية تامة كما ثبت في القرآن وإن كان حال النزول إنما نزلت مفرقة كما ثبت في حديث سهل‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا الثاني ضعيف لأن قصة عدي متأخرة لتأخر إسلامه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن مجالد‏)‏ بن سعيد بن عمير الهمداني الكوفي ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره من صغار السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخذت عقالين‏)‏ بكسر العين المهملة أي حبلين وفي رواية خيطين من شعر ‏(‏شيئاً لم يحفظه سفيان‏)‏ وحفظه غيره وهو قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن وسادك لعرض‏.‏ كما في رواية مسلم المتقدمة ‏(‏فقال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏إنما هو الليل والنهار‏)‏ يعني أن المراد بالخيط الأسود الليل وبالخيط الأبيض النهار والمعنى حتى يظهر الفجر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ في سنده مجالد وهو ضعيف فتصحيح الترمذي له لأنه قد جاء بأسانيد صحيحة من غير طريق مجالد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أسلم‏)‏ بن يزيد ‏(‏أبي عمران التجيبي‏)‏ المصري ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم‏)‏ وفي رواية أبي داود قال غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة ‏(‏وعلى الجماعة‏)‏ أي أميرهم ‏(‏معشر الأنصار‏)‏ بالنصب على الاختصاص ‏(‏فما زال أبو أيوب شاخصاً‏)‏ قال الجزري في النهاية شخوص المسافر خروجه عن منزله، ومنه حديث عثمان رضي الله عنه إنما يقصر الصلاة من كان شاخصاً أو بحضرة عدو أي مسافراً، ومنه حديث أبي أيوب فلم يزل شاخصاً في سبيل الله تعالى انتهى‏.‏ والحديث يدل على أن المراد بإلقاء الأيدي إلى التهلكة هو الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد، وقيل هو البخل وترك الإنفاق في الجهاد‏.‏ روى البخاري في صحيحه عن حذيفة ‏{‏وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة‏}‏ قال نزلت في النفقة‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ قوله في النفقة أي في ترك النفقة في سبيل الله عز وجل وهذا الذي قاله حذيفة جاء مفسراً في حديث أبي أيوب فذكره بتمامه ثم قال‏:‏ وصح عن ابن عباس وجماعة من التابعين نحو ذلك في تأويل الاَية‏.‏ وروى ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم أنها كانت نزلت في ناس كانوا يغزون بغير نفقة‏.‏ فيلزم على قوله اختلاف المأمورين، فالذين قيل لهم أنفقوا وأحسنوا أصحاب الأموال، والذين قيل لهم ولا تلقوا الغزاة بغير نفقة ولا يخفي ما فيه، ومن طريق الضحاك بن أبي جبيرة‏:‏ كان الأنصار يتصدقون فأصابتهم سنة فأمسكوا فنزلت، وروى ابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح عن مدرك بن عوف قال‏:‏ إني لعند عمر فقلت إن لي جاراً رمى بنفسه في الحرب فقتل فقال ناس ألقى بيده إلى التهلكة‏.‏ فقال عمر‏:‏ كذبوا لكنه اشترى الاَخرة بالدنيا وجاء عن البراء ابن عازب في الاَية تأويل آخر أخرجه ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عنه بإسناد صحيح عن أبي إسحاق قال‏:‏ قلت للبراء أرأيت قول الله عز وجل ‏{‏ولا تلقوا بأيديكم‏}‏ هو الرجل يحمل على الكتيبة فيها ألف‏؟‏ قال لا ولكنه الرجل يذنب فيلقي بيده فيقول، لا توبة لي وعن النعمان بن بشير نحوه والأول أظهر لتصدير الاَية بذكر النفقة فهو المعتمد في نزولها، وأما قصرها عليه ففيه نظر لأن العبرة بعموم اللفظ‏.‏

أما مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدد فصرح الجمهور بأنه إن كان لفرط شجاعته وظنه أنه يرهب العدو بذلك أو يجرأ المسلمين عليهم أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن، ومتى كان مجرد تهور فممنوع ولا سيما إن ترتب على ذلك وهن في المسلمين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏، وأخرجه أبو داود والنسائي وابن جرير وأبو يعلى في مسنده، وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال على شرط الشيخين ولم يخرجاه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا هشيم‏)‏ بن بشير بن القاسم ‏(‏أخبرنا مغيرة‏)‏ بن مقسم بكسر الميم الضبي مولاهم أبو هشام الكوفي الأعمى ثقة متقن، إلا أنه كان يدلس ولا سيما عن إبراهيم من السادسة ‏(‏قال كعب بن عجرة الخ‏)‏ قد سبق حديث كعب بن عجرة هذا في باب المحرم يحلق رأسه في إحرامه ما عليه من أبواب الحج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لفي‏)‏ بشدة الياء، أي في شأني ‏(‏ولإياي عني بها‏)‏ اللام للتأكيد وإياي مفعول مقدم لعني ‏(‏وكانت لي وفرة‏)‏ هي شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن ‏(‏فجعلت الهوام‏)‏ بتشديد الميم، جمع هامة وهي ما يدب من الأخفاش والمراد بها ما يلازم جسد الإنسان عالباً إذا طال عهده بالتنظيف، وقد عين في كثير من الروايات، إنها القمل ‏(‏تساقط‏)‏ بحذف إحدى التائين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي بشر‏)‏ اسمه جعفر بن إياس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن معقل‏)‏ بفتح الميم، وسكون العين المهملة بعدها قاف مكسورة، ابن مقرن المزني الكوفي ثقة من كبار الثالثة ‏(‏أيضاً‏)‏ أي كما روى عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ ونقل ابن عبد البر عن أحمد بن صالح المصري قال‏:‏ حديث كعب بن عجرة في الفدية سنة معمول بها، لم يروها من الصحابة غيره، ولا رواها عنه إلا ابن أبي ليلى وابن معقل، قال وهي سنة أخذها أهل المدينة عن أهل الكوفة‏.‏ قال الزهري‏:‏ سألت عنها علماءنا كلهم حتى سعيد بن المسيب فلم يبينوا كم عدد المساكين‏.‏

قال الحافظ‏:‏ فيما أطلقه ابن صالح نظر فقد جاءت هذه السنة من رواية جماعة من الصحابة غير كعب‏.‏ ورواه عن كعب بن عجرة غير عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن معقل‏.‏ وقد أورد البخاري حديث كعب هذا في أربعة أبواب متوالية وأورده أيضاً في المغازي والطب، وكفارات الأيمان من طرق أخرى مدار الجميع على ابن أبي ليلى، وابن معقل فيقيد إطلاق أحمد بن صالح بالصحة فإن بقية الطرق لا تخلو عن مقال إلا طريق أبي وائل عند النسائي انتهى ملخصاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم، ‏(‏وقد روى عبد الرحمن بن الأصبهاني‏)‏، هو عبد الرحمن بن عبد الله بن الأصبهاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم‏)‏ المعروف بابن علية‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يتناثر‏)‏، من النثر أي يتساقط ‏(‏وأنسك نسيكة‏)‏، أي اذبح ذبيحة وفي رواية للبخاري‏:‏ أنسك بشاة‏.‏

قال النووي في شرح مسلم‏:‏ روايات الباب كلها متفقة في المعنى، ومقصودها أن من احتاج إلى حلق الرأس لضرر من قمل أو مرض أو نحوهما فله حلقه في الإحرام، وعليه الفدية، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏}‏ وبين النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أن الصيام ثلاثة أيام، والصدقة ثلاثة أصع لستة مساكين لكل مسكين نصف صاع والنسك شاة، وهي شاة تجزئ في الأضحية، ثم أن الاَية الكريمة والأحاديث متفقة على أنه مخير بين هذه الأنواع الثلاثة‏.‏ وهكذا الحكم عند العلماء أنه مخير بين الثلاثة‏.‏ وأما قوله في رواية‏:‏ هل عندك نسك‏.‏ قال ما أقدر عليه فأمره أن يصوم ثلاثة أيام، فليس المراد به أن الصوم لا يجزئ إلا لعادم الهدي‏.‏ بل هو محمول على أنه سأل عن النسك فإن وجده أخبره بأنه مخير بينه وبين الصيام والإطعام وإن عدمه فهو مخير بين الصيام والإطعام، واتفق العلماء على القول بظاهر هذا الحديث إلا ما حكي عن أبي حنيفة والثوري، أن نصف الصاع لكل مسكين إنما هو في الحنطة، فأما التمر والشعير وغيرهما فيجب صاع لكل مسكين، وهذا خلاف نصه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث‏:‏ ‏"‏ثلاثة أصع من تمر‏"‏، وعن أحمد بن حنبل رواية أنه لكل مسكين مد من حنطة أو نصف صاع من غيره، وعن الحسن البصري وبعض السلف أنه يجب إطعام عشرة مساكين أو صوم عشرة أيام، وهذا ضعيف منابذ للسنة مردود‏.‏ انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن بكير بن عطاء‏)‏ بضم الياء الموحدة وفتح الكاف مصغراً الليثي الكوفي ثقة من الرابعة، ‏(‏عن عبد الرحمن بن يعمر‏)‏ بفتح التحتانية وسكون المهملة وفتح الميم الديلي بكسر الدال وسكون التحتانية صحابي‏.‏ نزل الكوفة ويقال مات بخراسان

قوله‏:‏ ‏(‏الحج عرفات‏)‏ أي ملاك الحج، ومعظم أركانه وقوف عرفات لأنه يفوت بفواته‏.‏ قال في القاموس‏:‏ يوم عرفة التاسع من ذي الحجة، وعرفات موقف الحاج، وذلك على اثني عشر ميلاً من مكة، وغلط الجوهري فقال موضع بمنى، سميت لأن آدم وحواء تعارفا بها، أو لقول جبريل لإبراهيم عليهما السلام لما علمه المناسك، أعرفت، قال عرفت اسم في لفظه الجمع فلا تجمع معرفة وإن كانت جمعاً لأن الأماكن لا تزول فصارت كالشيء الواحد معروفة لأن التاء بمنزلة الياء والواو في مسلمين ومسلمون والنسبة عرفي‏.‏ ‏(‏أيام منى ثلاث‏)‏ أراد بها أيام التشريق‏.‏ وهي الأيام المعدودات، وأيام رمي الجمار وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر، وليس يوم النحر منها لإجماع الناس على أنه لا يجوز النفر يوم ثاني النحر ولو كان يوم النحر من الثلاث لجاز أن ينفر من شاء في ثانية‏.‏ قاله الشوكاني‏:‏ ‏(‏فمن تعجل‏)‏ أي استعجل بالنفر أي الخروج من منى ‏(‏في يومين‏)‏ أي اليومين الأخيرين من أيام التشريق فنفر في اليوم الثاني منها بعد رمي جماره ‏(‏فلا إثم عليه‏)‏ بالتعجيل ‏(‏ومن تأخر‏)‏ أي عن النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الثالث حتى بات ليلة الثالث ورمى يوم الثالث جماره، وقيل المعنى‏:‏ ومن تأخر عن الثالث إلى الرابع ولم ينفر مع العامة‏.‏ قاله الشوكاني ‏(‏فلا إثم عليه‏)‏ وهو أفضل لكون العمل فيه أكمل لعمله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقد ذكر أهل التفسير أن أهل الجاهلية كانوا فئتين، إحداهما ترى المتعجل إثماً، وأخرى ترى المتأخر إثماً، فورد التنزيل بنفي الحرج عنهما ودل فعله عليه الصلاة والسلام على بيان الأفضل منهما ‏(‏ومن أدرك عرفة‏)‏ أي أدرك الوقوف بعرفة ‏(‏قبل أن يطلع الفجر‏)‏ أي من ليلة جمع‏.‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتم حجة ‏(‏فقد أدرك الحج‏)‏ فيه رد على من زعم أن الوقوف يفوت بغروب الشمس يوم عرفة‏.‏ ومن زعم أن وقته يمتد إلى ما بعد الفجر إلى طلوع الشمس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أبغض الرجال إلى الله‏)‏ قال الكرماني‏:‏ الأبغض هو الكافر، فمعنى الحديث‏.‏ أبغض الرجال الكفار الكافر المعاند‏.‏ أو أبغض الرجال المخاصمين قال الحافظ بن حجر‏:‏ والثاني هو المعتمد، وهو أعم من أن يكون كافراً أو مسلما فإن كان كافراً فأفعل التفضيل في حقه على حقيقتها في العموم، وإن كان مسلماً فسبب البغض أن كثرة المخاصمة تقضي غالباً إلى ما يذم صاحبه أو يخص في حق المسلمين بمن خاصم في باطل، ويشهد للأول حديث‏:‏ ‏"‏كفى بك إثماً أن تكون مخاصماً‏"‏‏.‏ أخرجه الطبراني عن أبي أمامة بسند ضعيف‏.‏ وورد في الترغيب في ترك المخاصمة فعند أبي داود من طريق سليمان بن حبيب عن أبي أمامة رفعه‏:‏ ‏"‏أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء‏"‏ وإن كان محقاً وله شاهد عند الطبراني من حديث معاذ بن جبل، والربض بفتح الراء والموحدة بعدها ضاد معجمة الأسفل انتهى‏.‏ ‏(‏الألد‏)‏ أفعل تفضيل من اللدد وهو شدة الخصومة ‏(‏الخصم‏)‏ بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد أي الشديد اللدد والكثير الخصومة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثني سليمان بن حرب‏)‏ الأزدي الواشحي بمعجمة ثم مهملة البصري القاضي بمكة ثقة، إمام حافظ من التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كانت اليهود‏)‏ جمع يهودي، كروم ورومي والظاهر أن اليهود قبيلة سميت باسم جدها يهودا أخي يوسف الصديق، واليهودي منسوب إليهم بمعنى واحد منهم‏.‏ وقال النووي‏:‏ يهود غير مصروف لأن المراد قبيلة، فامتنع صرفه للتأنيث والعلمية، ‏(‏لم يؤاكلوها‏)‏ بالهمز ويبدل واواً، ‏(‏ولم يجامعوها‏)‏ أي لم يساكنوها ولم يخالطوها فأنزل الله تبارك وتعالى‏.‏ ‏{‏ويسألونك عن المحيض قل هو أذى‏}‏ وتتمة الاَية ‏{‏فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله‏}‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ قال في الأزهار‏:‏ المحيض الأول في الاَية هو الدم بالاتفاق لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل هو أذى‏}‏ وفي الثاني ثلاثة أقوال‏:‏ أحدها‏:‏ الدم، والثاني‏:‏ زمان الحيض، والثالث‏:‏ مكانه وهو الفرج، وهو قول جمهور المفسرين، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ثم الأذى ما يتأذى به الإنسان‏.‏ قيل‏:‏ سمي بذلك لأن له لوناً كريهاً ورائحة منتنة ونجاسة مؤذية مانعة عن العبادة قال الخطابي والبغوي‏:‏ التنكير هنا للقلة، أي أذىً يسير لا يتعدى ولا يتجاوز إلى غير محله وحرمه فتجتنب وتخرج من البيت كفعل اليهود والمجوس نقله السيد، يعني الحيض أذى يتأذى معه الزوج من مجامعتها فقط دون المؤاكلة والمجالسة والافتراش، أي فابعدوا عنهن بالمحيض، أي في مكان الحيض وهو الفرج أو حوله مما بين السرة والركبة احتياطاً‏.‏ انتهى ما في المرقاة ‏(‏وأن يفعلوا كل شيء‏)‏ من الملامسة والمضاجعة ‏(‏ما خلا النكاح‏)‏، أي الجماع وهو حقيقة في الوطء‏.‏ وقيل في العقد فيكون إطلاقاً لاسم السبب على السبب، وهذا تفسير للاَية وبيان لقوله‏:‏ ‏(‏فاعتزلوا‏)‏ فإن الاعتزال شامل للمجانبة عن المؤاكلة والمضاجعة، والحديث بظاهره يدل على جواز الانتفاع بما تحت الإزر وهو قول أحمد وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي في قوله القديم وبعض المالكية ‏(‏ما يريد‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏أن يدع‏)‏ أي يترك ‏(‏من أمرنا‏)‏ أي من أمور ديننا ‏(‏شيئاً‏)‏ من الإشياء في حال من الأحوال ‏(‏إلا خالفنا‏)‏ بفتح الفاء ‏(‏فيه‏)‏ إلا حال مخالفته إيانا فيه، يعني لا يترك أمراً من أمورنا إلا مقروناً بالمخالفة، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها‏}‏ ‏(‏فجاء عباد ابن بشر‏)‏ من بني عبد الأشهل من الأنصار أسلم بالمدينة على يد مصعب بن عمير قبل سعد بن معاذ وشهد بدراً وأُحداً، والمشاهد كلها ووقع في بعض النسخ عباد ابن بشير وهو غلط ‏(‏وأسيد بن حضير‏)‏ بالتصغير فيهما أنصاري أوسي أسلم قبل سعد بن معاذ على يد مصعب بن عمير أيضاً، وكان ممن شهد العقبة الثانية وشهد بدراً وما بعدها من المشاهد، ‏(‏أفلا ننكحهن في المحيض‏)‏ أي أفلا نباشرهن بالوطء في الفرج أيضاً لكي تحصل المخالفة التامة معهم ‏(‏فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي تغير، لأن تحصيل المخالفة بارتكاب المعصية لا يجوز‏.‏ قال الخطابي‏:‏ معناه تغير، والأصل في التمعر قلة النضارة وعدم إشراق اللون ومنه مكان معر وهو الجدب الذي ليس فيه خصب انتهى‏.‏

قال محشي النسخة الأحمدية ما لفظه‏:‏ ووقع في رواية مسلم، أفلا نجامعهن كما هو في المشكاة أيضاً مكان أفلا ننكحهن، وفسره القاري في المرقاة والشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات‏.‏ أفلا نجامعهن في البيوت، وفي الأكل والشرب لمرافقتهم أو خوف ترتب الضرر الذي يذكرونه، انتهى مجموع عبارتهما‏.‏ ولا يخفي أن قوله أفلا ننكحهن كما وقع في هذا الكتاب، وكذا في سنن أبي داود يرد توجيه الشارحين في شرحي المشكاة، ثم رأيت شرح مسلم للنووي وشرح المشكاة للطيبي وحاشية السيد فلم أجد أحداً منهم متصدياً لبيانه انتهى‏.‏

قلت‏:‏ الأمر كما قال المحشي ‏(‏حتى ظننا‏)‏ أي نحن، ووقع في بعض النسخ ظناً أي هما، قال الخطابي يريد علمنا، فالظن الأول حسبان والاَخر علم ويقين‏.‏ والعرب تجعل الظن مرة حسباناً ومرة علماً ويقيناً، وذلك لاتصال طرفيهما فمبدأ العلم ظن وآخره علم ويقين‏.‏ قال الله عز وجل ‏{‏الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم‏}‏ معناه يوقنون ‏(‏فاستقبلتهما هدية من لبن‏)‏ أي استقبل الرجلين شخص معه هدية يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسناد مجازي‏.‏ ‏(‏في أثرهما‏)‏، بفتحتين أي عقبهما ‏(‏فعلمنا أنه لم يغضب عليهما‏)‏ أي لم يغضب غضباً شديداً باقياً بل زال غضبه سريعاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏كانت اليهود تقول من أتى امرأة في قبلها من دبرها‏)‏ قال ابن الملك كان يقف من خلفها ويولج في قبلها، فإن الوطء في الدبر محرم في جميع الأديان، ‏(‏كان الولد‏)‏ أي الحاصل بذلك الجماع ‏(‏أحول‏)‏ لتحول الواطئ عن الحال الجماع المتعارف، وهو الإقبال من القدام إلى القبل، وبهذا سمي قبلاً إلى حال خلاف ذلك من الدبر، فكأنه راعى الجانبين ورأى الجهتين فانتج إن جاء أحول وهو أفعل من الحول، وهو أن تميل إحدى الحدقتين إلى الأنف الأخرى إلى الصدغ، يقال حولت عينه يحول حولاً كان بها حول فهو أحول وهي حولاء ‏(‏فنزلت‏)‏ أي رداً عليهم فيما تخايل لهم ‏(‏نساؤكم‏)‏ أي منكوحاتكم ومملوكاتكم ‏(‏حرث لكم‏)‏ أي مواضع زراعة أولادكم، يعني هن لكم بمنزلة الأرض المعدة للزراعة ومحله القبل، فإن الدبر موضع الفرث لا محل الحرث‏.‏ ‏(‏فأتوا حرثكم أنى شئتم‏)‏ أي كيف شئتم من قيام أو قعود أو اضطجاع أو من الدبر في فرجها، والمعنى على أي هيئة كانت فهي مباحة لكم مفوضة إليكم، ولا يترتب منها ضرر عليكم في شرح السنة اتفقوا على أنه يجوز للرجل إتيان الزوجة في قبلها من جانب دبرها وعلى أية صفة كانت‏.‏ وعلية دل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أني شئتم‏}‏ أي هن لكم بمنزلة أرض تزرع ومحل الحرث هو القبل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يعني صماماً واحداً‏)‏ بكسر الصاد المهملة، أي ثقباً واحداً، والمراد القبل‏.‏ قال النووي‏:‏ قال العلماء وقوله تعالى ‏{‏فأتوا حرثكم أنى شئتم‏}‏ أي موضع الزرع من المرأة وهو قبلها الذي يزرع فيه المني لابتغاء الولد، ففيه إباحة وطئها في قبلها، إن شاء من بين يديها، وإن شاء من ورائها، وإن شاء مكبوبة‏.‏ وأما الدبر فليس هو بحرث ولا موضع زرع، ومعنى قوله ‏(‏أنى شئتم‏)‏ أي كيف شئتم‏.‏

واتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها حائضاً كانت أو طاهر‏؟‏ لأحاديث كثيرة مشهورة كحديث‏:‏ ملعون من أتى امرأة في دبرها قال أصحابنا‏.‏ لا يحل الوطء في الدبر في شيء من الاَدميين ولا غيرهم من الحيوان في حال من الأحوال انتهى كلام النووي رحمه الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وابن خثيم هو عبد الله بن عثمان بن خثيم‏)‏ بضم الخاء المعجمة وفتح المثلثة مصغراً القاري المكي وثقه ابن معين والعجلي ‏(‏وابن سابط هو عبد الرحمن ابن عبد الله بن سابط‏)‏ بكسر الموحدة وبالطاء المهملة ‏(‏الجمحي‏)‏ بضم الجيم المعجمة وفتح الميم ‏(‏وحفصة هي بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق‏)‏ ثقة من الثالثة‏.‏ ‏(‏ويروى في سمام واحد‏)‏ بكسر السين المهملة أي في ثقب واحد‏.‏ قال في النهاية في الحديث، فأتوا حرثكم أنى شئتم سماماً واحداً، أي مأتى واحداً، وهو من سمام الإبرة ثقبها وانتصب على الظرف، أي في سمام واحد لكنه ظرف محدود أجرى مُجرى المبهم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يعقوب بن عبد الله‏)‏ بن سعد الأشعري أبو الحسن القمي بضم القاف وتشديد الميم صدوق يهم من الثامنة ‏(‏عن جعفر بن أبي المغيرة‏)‏ الخزاعي القمي‏.‏ قيل اسم أبي المغيرة دينار صدوق بهم، من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حولت رحلي الليلة‏)‏، كنى برحله عن زوجته أراد به غشيانها في قبلها من جهة ظهرها لأن المجامع يعلو المرأة ويركبها مما يلي وجهها فحيث ركبها من جهة ظهرها، كنى عنه بتحويل رحله، إما نقلاً من الرحل بمعنى المنزل أو من الرحل بمعنى الكور وهو للبعير كالسرج للفرس كذا في المجمع‏.‏ ‏(‏أقبل‏)‏ أي جامع من جانب القبل ‏(‏وأدبر‏)‏ أي أولج في القبل من جانب الدبر ‏(‏واتق الدبر‏)‏ أي إيلاجه فيه قال الطيبي رحمه الله‏:‏ تفسير لقوله تعالى جل جلاله ‏{‏فأتوا حرثكم أني شئتم‏}‏ فإن الحرث يدل على إتقاء الدبر وأنى شئتم على إباحة الإقبال والإدبار والخطاب في التفسير خطاب عام وأن كل من يتأتى منه الإقبال والإدبار فهو مأمور بهما ‏(‏والحيضة‏)‏ بكسر الحاء اسم من الحيض والحال التي تلزم الحائض من التجنب والتحيض كالجلسة والقعدة من الجلوس‏.‏ كذا في النهاية‏.‏ والمعنى اتق المجامعة في زمانها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا هاشم بن القاسم‏)‏ ابن مسلم الليثي مولاهم البغدادي أبو النضر مشهور بكنيته ولقبه قيصر ثقة ثبت من التاسعة ‏(‏عن الحسن‏)‏ هو البصري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه زوج أخته‏)‏ اسمها جميل بالجيم مصغراً بنت يسار وقيل اسمها ليلى وقيل فاطمة ‏(‏رجلاً‏)‏ قيل هو أبو البداح بن عاصم الأنصاري، وقيل هو عبد الله بن رواحة ‏(‏ثم طلقها تطليقة‏)‏ وفي رواية أبي داود ثم طلقها طلاقاً له رجعة ‏(‏فهويها‏)‏ قال في القاموس‏:‏ هويه كرضيه أحبه ‏(‏يالكع‏)‏ بضم اللام وفتح الكاف كصُرد اللئيم والعبد والأحمق ‏(‏لا ترجع إليك أبداً‏)‏ وفي رواية لا أزوجك أبداً ‏(‏آخر ما عليك‏)‏ بالرفع‏.‏ أي ذلك آخر ما عليك من نكاحك إياها، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذا خرجوا لم يعودوا آخر ما عليهم‏"‏‏.‏ قال في المجمع بالرفع أي ذلك آخر ما عليهم من دخولهم ‏(‏إلى قوله الخ‏)‏ تتمة الاَية ‏{‏فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الاَخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون‏}‏ ‏(‏فلما سمعها‏)‏ أي هذه الاَية‏.‏ ‏(‏قال سمع لربي وطاعة‏)‏ أي على سمع لربي وطاعة‏.‏ ‏(‏ثم دعاه فقال‏:‏ أزوجك وأكرمك‏)‏ وفي رواية أبي داود قال‏:‏ فكفرت عن يميني فأنكحتها إياه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن جرير ‏(‏وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا يجوز النكاح بغير ولي‏)‏ إلى قوله ‏(‏ففي هذه الاَية دلالة على أن الأمر إلى الأولياء في التزويج مع رضاهن‏)‏ قال ابن جرير في هذه الاَية الدلالة الواضحة على صحة قول من قال‏:‏ لا نكاح إلا بولي من العصبة، وذلك أن الله تعالى منع الولي من عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك‏.‏ فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها أو كان لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها، لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم، إذ كان لا سبيل له إلى عضلها، وذلك أنها إن كانت متى أرادت النكاح جاز لها إنكاح نفسها أو إنكاح من توكله إنكاحها، فلا عضل هنالك لها من أحد فينهي عاضلها عن عضلها وفي فساد القول بأن لا معنى لنهي الله عما نهى عنه صحة القول بأن لولي المرأة في تزويجها حقاً لا يصح عقده إلا به انتهى‏.‏

قلت‏:‏ هذا مبني على أن الخطاب في ‏(‏لا تعضلوهن‏)‏ للأولياء واعترض عليه بأنه يلزم تفكك نظم كلام الله لو قيل وإذا طلقتم النساء أيها الأزواج فلا تعضلوهن أيها الأولياء لأنه لا يبق بين الشرط والجزاء نسبة‏.‏

وأجيب بأن الخطاب في لا تعضلوهن‏.‏ وكذا في قوله ‏(‏وإذا طلقتم‏)‏ للناس أي وإذا وقع بينكم الطلاق فلا يوجد فيما بينكم العضل لأنه إذا وجد بينهم العضل من جهة الأولياء وهم راضون كانوا في حكم العاضلين‏.‏ وتمسك الحنفية بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏أن ينحكن أزواجهن‏)‏ على أن النكاح بغير ولي جائز، وذلك أنه تعالى أضاف النكاح إليها إضافة الفعل إلى فاعله والتصرف إلى مباشره، ونهى الولي عن منعها من ذلك، ولو كان ذلك التصرف فاسداً لما نهى الولي عن منعها منه، ويتأكد هذا النص بقوله ‏{‏حتى تنكح زوجاً غيره‏}‏‏.‏

وأجيب بأن الفعل كما يضاف إلى المباشر فقد يضاف أيضاً إلى السبب مثل بنى بالأمير داراً‏.‏ قال الرازي في تفسيره بعد ذكر هذا الجواب‏:‏ وهذا وإن كان مجازاً إلا أنه يجب المصير إليه لدلالة الأحاديث على بطلان هذا النكاح‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي يونس مولى عائشة‏)‏ ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فآذني‏)‏ بمد الهمزة وكسر الذال المعجمة وتشديد النون، أي أعلمني ‏(‏فأملت علي‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الميم وفتح اللام الخفيفة من أملي وبفتح الميم واللام مشددة من أملل يملل أي ألقت عليّ، فالأولى‏:‏ لغة الحجاز وبني أسد، والثانية‏:‏ لغة بني تميم وقيس ‏(‏وصلاة العصر‏)‏ بالواو الفاصلة وهي تدل على أن الوسطى غير العصر لأن العطف يقتضي المغايرة وأجيب بوجوه أحدها‏:‏ أن هذه القراءة شاذة ليست بحجة ولا يكون له حكم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ناقلها لم ينقلها إلا على أنها قرآن، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر بالإجماع‏.‏ وإذا لم يثبت قرآناً لا يثبت خبراً قاله النووي وثانيها‏:‏ أن يجعل العطف تفسيرياً فيكون الجمع بين الروايات‏.‏ وثالثها‏:‏ أن تكون الواو فيه زائدة ويؤيده ما رواه أبو عبيد بإسناد صحيح عن أبي بن كعب أنه كان يقرأها ‏(‏والصلاة الوسطى صلاة العصر‏)‏ بغير واو قال الحافظ في الفتح‏:‏ قد اختلف السلف في المراد بالصلاة الوسطى وجمع الدمياطي في ذلك جزءاً مشهوراً سماه‏:‏ كشف الغطا عن الصلاة الوسطى فبلغ تسعة عشر قولاً، ثم ذكر الحافظ هذه الأقوال ورجح قول من قال إن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، فقال‏:‏ كونها صلاة العصر هو المعتمد، وبه قال‏:‏ ابن مسعود وأبو هريرة‏:‏ وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة، وقول أحمد والذي صار إليه معظم الشافعية لصحة الحديث فيه قال الترمذي‏:‏ هو قول أكثر علماء الصحابة‏.‏ وقال الماوردي هو قول جمهور التابعي، وقال ابن عبد البر‏:‏ هو قول أكثر أهل الأثر وبه قال من المالكية‏:‏ ابن حبيب وابن العربي وابن عطية انتهى‏.‏

قلت‏:‏ لا شك في أن القول الراجح المعول عليه هو قول من قال إنها صلاة العصر، وقد تقدم بقية الكلام في هذه المسألة في باب ما جاء في الصلاة الوسطى أنها العصر ‏{‏قانتين‏}‏ قبل معناه مطيعين وقيل ساكتين أي عن كلام الناس لا مطلق الصمت لأن الصلاة لا صمت فيها بل جميعها قرآن وذكر ‏(‏وقال سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏‏.‏ قال الباجي‏:‏ يحتمل أنها سمعتها على أنها قرآن ثم نسخت كما في حديث البراء الذي رواه مسلم، فلعل عائشة لم تعلم بنسخها أو اعتقدت أنها مما نسخ حكمه وبقي رسمه، ويحتمل أنه ذكرها صلى الله عليه وسلم على أنها من غير القرآن لتأكيد فضيلتها فظنتها قرآناً فأرادت إثباتها في المصحف‏.‏ لذلك قاله الزرقاني في شرح الموطأ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن حفصة‏)‏ أخرجه مالك في موطإه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏قال صلاة الوسطى صلاة العصر‏)‏ تقدم هذا الحديث وما يتعلق به في باب ما جاء في الصلاة الوسطى أنها العصر‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏قال يوم الأحزاب‏)‏ هي الغزوة المشهورة يقال لها الأحزاب والخندق وكانت سنة أربع من الهجرة وقيل سنة خمس ‏(‏كما شغلونا عن صلاة الوسطى‏)‏ بإضافة الصلاة إلى الوسطى وهو من باب قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وما كنت بجانب الغربي‏}‏ وفيه المذهبان المعروفان مذهب الكوفيين جواز إضافة الموصوف إلى صفته ومذهب البصريين منعه ويقدرون فيه محذوفاً وتقديره هنا عن صلاة الصلاة الوسطى أي عن فعل الصلاة الوسطى قاله النووي ‏(‏حتى غابت الشمس‏)‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً‏.‏ ثم صلاها بين العشائين بين المغرب والعشاء‏.‏ وحديث علي هذا نص صريح في أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر وهو أصح الأقوال في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وغيرهم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو النضر‏)‏ اسمه هاشم بن القاسم ‏(‏وأبو داود‏)‏ هو الطيالسي ‏(‏عن زبيد‏)‏ بموحدة مصغراً هو ابن الحارث اليامي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صلاة الوسطى صلاة العصر‏)‏ هذا الحديث أيضاً نص صريح في أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن زيد بن ثابت وأبي هاشم بن عتبة وأبي هريرة‏)‏ أما حديث زيد بن ثابت فأخرجه أحمد وأبو داود‏.‏ وأما حديث أبي هاشم فأخرج ابن جرير من طريق كهيل بن حرملة‏:‏ سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى فقال اختلفنا فيها ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفينا أبو هاشم بن عتبة فقال أنا أعلم لكم فقال فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلينا‏.‏ فقال أخبرنا أنها صلاة العصر‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أيضاً ابن جرير عنه مرفوعاً‏:‏ الصلاة الوسطى صلاة العصر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ومحمد بن عبيد‏)‏ بن أبي أمية الطنافسي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا نتكلم الخ‏)‏ تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب نسخ الكلام في الصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن إسرائيل‏)‏ هو ابن يونس ‏(‏عن السدي‏)‏ بضم السين المهملة وتشديد الدال هو إسماعيل بن عبد الرحمن وهو السدي الكبير ‏(‏عن أبي مالك‏)‏ اسمه غزوان الغفاري الكوفي مشهور بكنيته ثقة من الثالثة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏معشر الأنصار‏)‏ بالنصب على الاختصاص ‏(‏يأتي بالقنو‏)‏ بكسر القاف وسكون النون هو العذق بما فيه من الرطب يقال له بالفارسية خوشه خرما ‏(‏فيسقط البسر والتمر‏)‏ البسر بضم الموحدة وسكون السين المهملة مرتبة من مراتب ثمر النخل‏.‏ قال في الصراح‏:‏ أول ما بدأ من النخل طلع ثم خلال ثم بلح بالتحريك ثم بسر ثم رطب ثم تمر ‏(‏فيه الشيص والحشف‏)‏ الشيص بالكسر التمر الذي لا يشتد نواه ويقوى وقد لا يكون له نوى أصلاً كذا في النهاية‏.‏

والحشف بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة هو أردأ التمر أو الضعيف لا نوى له أو اليابس الفاسد ‏{‏يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم‏}‏ أي من جياد ما كسبتم ‏{‏ومما أخرجنا لكم من الأرض‏}‏ من الحبوب والثمار ‏{‏ولا تيمموا‏}‏ أي لا تقصدوا ‏{‏الخبيث‏}‏ أي الرديء ‏{‏منه‏}‏ أي المذكور ‏{‏تنفقون‏}‏ حال من ضمير تيمموا ‏{‏لستم بآخذيه‏}‏ أي الخبيث لو أعطيتموه في حقوقكم ‏{‏إلا أن تغمضوا فيه‏}‏ بالتساهل وغض البصر فكيف تؤدون منه حق الله قال أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏أهدى‏)‏ بصيغة المجهول من الإهداء ‏(‏إلا على إغماض‏)‏ أي مساهلة ومسامحة، يقال‏:‏ أغمض في البيع يغمض إذا استزاده من المبيع واستحطه من الثمن فوافقه عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إن للشيطان‏)‏ أي إبليس أو بعض جنده ‏(‏لمة‏)‏ بفتح اللام وشدة الميم من الإلمام ومعناه النزول والقرب والإصابة، والمراد بها ما يقع في القلب بواسطة الشيطان أو الملك ‏(‏بابن آدم‏)‏ أي بهذا الجنس فالمراد به الإنسان ‏(‏وللملك لمة‏)‏ فلمة الشيطان تسمى وسوسة ولمة الملك إلهاماً ‏(‏فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر‏)‏ كالكفر والفسق والظلم ‏(‏تكذيب بالحق‏)‏ أي في حق الله أو حق الخلق أو بالأمر الثابت كالتوحيد والنبوة والبعث والقيامة والنار والجنة ‏(‏وأما لمة الملك فإيعاد بالخير‏)‏ كالصلاة والصوم ‏(‏وتصديق بالحق‏)‏ ككتب الله ورسوله والإيعاد في اللمتين من باب الأفعال، والوعيد في الاشتقاق كالوعد إلا أن الإيعاد اختص بالشر عرفاً يقال أوعد إذا وعد بشر إلا أنه استعمله في الخير للازدواج والأمن عن الاشتباه بذكر الخير بعده كذا قالوا، والظاهر أن هذا التفصيل عند الإطلاق كما قال الشاعر‏:‏

وإني إن أوعدته أو وعدته *** لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

وأما عند التقييد فالأولى أن يقال بالتجريد فيهما أو بأصل اللغة واختيار الزيادة لاختيار المبالغة ‏(‏فمن وجد‏)‏ أي في نفسه أو أدرك وعرف ‏(‏ذلك‏)‏ أي لمة الملك على تأويل الإلمام أو المذكور ‏(‏فليعلم أنه من الله‏)‏ أي منة جسيمة ونعمة عظيمة واصلة إليه ونازلة عليه إذ أمر الملك بأن يلهمه ‏(‏فليحمد الله‏)‏ أي على هذه النعمة الجليلة حيث أهله لهداية الملك ودلالته على ذلك الخير ‏(‏ومن وجد الأخرى‏)‏ أي لمة الشيطان ‏(‏ثم قرأ‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم استشهاداً ‏{‏الشيطان يعدكم الفقر‏}‏ أي يخوفكم به ‏{‏ويأمركم بالفحشاء الاَية‏}‏ معناه الشيطان يعدكم الفقر ليمنعكم عن الإنفاق في وجوه الخيرات ويخوفكم الحاجة لكم أو لأولادكم في ثاني الحال سيما في كبر السن وكثرة العيال، ويأمركم بالفحشاء أي المعاصي، وهذا الوعد والأمر هما المرادان بالشر في الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه وابن أبي حاتم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يا أيها الناس إن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً‏)‏ قال القاضي رحمه الله الطيب ضد الخبيث فإذا وصفه به تعالى أريد به أنه منزه عن النقائص مقدس عن الاَفات، وإذا وصف به العبد مطلقاً أريد به أنه المتعري عن رذائل الأخلاق وقبائح الأعمال والمتحلي بأضداد ذلك، وإذا وصف به الأموال أريد به كونه حلالاً من خيار الأموال‏.‏ ومعنى الحديث أنه تعالى منزه عن العيوب فلا يقبل ولا ينبغي أن يتقرب إليه إلا بما يناسبه في هذا المعنى‏.‏ وهو خيار أموالكم الحلال كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون‏}‏ ‏(‏وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين‏)‏ ما موصولة والمراد بها أكل الحل وتحسين الأموال‏:‏ ‏{‏فقال‏:‏ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم‏}‏ هذا النداء خطاب لجميع الأنبياء لا على أنهم خوطبوا بذلك دفعة واحدة لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة بل على أن كلا منهم خوطب به في زمان، ويمكن أن يكون هذا النداء يوم الميثاق لخصوص الأنبياء ‏(‏وذكر‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏الرجل‏)‏ بالنصب على المفعولية ‏(‏يطيل السفر‏)‏ أي في وجوه الطاعات كحج وزيارة مستحبة وصلة رحم وغير ذلك قاله النووي ‏"‏أشعث أغبر‏"‏ حالان متداخلان أو مترادفان، وكذا قوله ‏"‏يمد يده‏"‏ وفي رواية مسلم‏:‏ يديه بالتثنية أي ماداً يديه رافعاً بهما ‏"‏يا رب يا رب‏"‏ أي قائلاً يا رب يا رب ‏"‏ومطعمه حرام‏"‏ مصدر ميمي بمعنى مفعول أي مطعومه حرام والجملة حال أيضاً وكذا قوله ‏"‏ومشربه حرام وملبسه حرام‏"‏ أي مشروبه حرام وملبوسه حرام ‏"‏وغذي‏"‏ بضم الغين وتخفيف الذال المعجمة المكسورة ‏"‏بالحرام‏"‏ أي ربي بالحرام‏.‏ قال الأشرف‏:‏ ذكر قوله وغذي بالحرام بعد قوله ومطعمه حرام إما لأنه لا يلزم من كون المطعم حراماً التغذية به، وإما تنبيهاً به على استواء حاليه أعني كونه منفقاً في حال كبره ومنفقاً عليه في حال صغره في وصول الحرام إلى باطنه، فأشار بقوله مطعمه حرام إلى حال كبره وبقوله وغذي بالحرام إلى حال صغره، وهذا دال على أن لا ترتيب في الواو‏.‏ قال القاري‏:‏ وذهب المظهر إلى الوجه الثاني ورجح الطيبي رحمه الله الوجه الأول ولا منع من الجمع فيكون إشارة إلى أن عدم إجابة الدعوة إنما هو لكونه مصراً على تلبس الحرام انتهى ‏"‏فأنى يستجاب لذلك‏"‏ أي من أين يستجاب لمن هذه صفته وكيف يستجاب له‏.‏ وفي الحديث الحث على الإنفاق من الحلال والنهي عن الإنفاق من غيره‏.‏ وفيه أن المشروب والمأكول والملبوس ونحوها ينبغي أن يكون حلالاً خالصاً لا شبهة فيه، وأن من أراد الدعاء كان أولى بالاعتناء بذلك من غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏احزنتنا‏)‏ جواب لما أي جعلتنا محزونين ‏(‏قال قلنا‏)‏ أي قال على قلنا معشر الصحابة ‏(‏لاندري‏)‏ بالنون وفي بعض النسخ لا يدري بالتحتية ‏(‏فنزلت هذه الاَية‏)‏ أي ‏{‏لا يكلف الله نفساً إلا وسعها‏}‏ ‏(‏بعدها‏)‏ أي بعد نزول آية ‏{‏وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه‏}‏ الخ ‏(‏فنسختها‏)‏ قال الحافظ‏:‏ المراد بقوله نسختها أي أزالت ما تضمنته من الشدة بينت أنه وإن وقعت المحاسبة به لكنها لا تقع المؤاخذة به، أشار إلى ذلك الطبري فراراً من إثبات دخول النسخ في الأخبار، وأجيب بأنه وإن كان خبراً لكنه يتضمن حكماً ومنهما كان من الأخبار يتضمن الأحكام أمكن دخول النسخ فيه كسائر الأحكام وإنما الذي لا يدخله النسخ من الأخبار ما كان خبراً محضاً لا يتضمن حكماً كالإخبار عما مضى من أحاديث الأمم ونحو ذلك، ويحتمل أن يكون المراد بالنسخ في حديث التخصيص فإن المتقدمين يطلقون لفظ النسخ عليه كثيراً، والمراد بالمحاسبة بما يخفي الإنسان ما يصمم عليه ويشرع فيه دون ما يخطر له ولا يستمر عليه انتهى ‏{‏لا يكلف الله نفساً إلا وسعها‏}‏ هذا بيان لقوله هذه الاَية، ومعنى وسعها أي ما تسعه قدرتها ‏{‏لها ما كسبت‏}‏ من الخير أي ثوابه ‏{‏وعليها ما اكتسبت‏}‏ من الشر أي وزره ولا يؤاخذ أحد بذنب أحد‏.‏ ولا بما لم يكسبه مما وسوست به نفسه‏.‏ وفي حديث علي رضي الله عنه هذا رجل مجهول وهو شيخ السدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن علي بن زيد‏)‏ هو ابن جدعان ‏(‏عن أميه‏)‏ بالتصغير ويقال لها أمينة من الثالثة‏.‏ قال في تهذيب التهذيب أمية بنت عبد الله عن عائشة وعنها ربيبها علي بن زيد بن جدعان، وقيل عن علي عن أم محمد وهي امرأة أبيه واسمها أمينة ووقع في بعض النسخ من الترمذي عن علي بن زيد بن جدعان عن أمه وهو غلط، فقد روى علي بن زيد عن امرأة أبيه أم محمد عدة أحاديث انتهى‏.‏ قلت‏:‏ ذكر الذهبي في الميزان أمية هذه في فصل المجهولات‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏إن تبدوا‏}‏ أي إن تظهروا ‏{‏ما في أنفسكم‏}‏ أي في قلوبكم من السوء بالقول أو الفعل ‏{‏أو تخفوه‏}‏ أي تضمروه مع الإصرار عليه إذ لا عبرة بخطور الخواطر ‏{‏يحاسبكم الله‏}‏ أي يجازيكم بسركم وعلنكم أو يخبركم بما أسررتم وما أعلنتم وعن قوله‏:‏ ‏{‏من يعمل‏}‏ أي ظاهراً وباطناً ‏{‏سوءاً‏}‏ أي صغيراً أو كبيراً ‏{‏يجز به‏}‏ أي في الدنيا أو العقبي إلا ما شاء ممن شاء ‏(‏فقالت‏)‏ أي عائشة ‏(‏ما سألني عنها‏)‏ أي عن هذه المسألة ‏(‏منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي عنها ‏(‏فقال هذه‏)‏ إشارة إلى مفهوم الاَيتين المسؤول عنهما أي محاسبة العباد أو مجازاتهم بما يبدون وما يخفون من الأعمال ‏(‏معاتبة الله العبد‏)‏ أي مؤاخذته العبد بما اقترف من الذنب ‏(‏بما يصيبه‏)‏ أي في الدنيا وهو صلة معاتبة ويصح كون الباء سببية ‏(‏من الحمى‏)‏ وغيرها مؤاخذة المعاتب وإنما خصت الحمى بالذكر لأنها من أشد الأمراض وأخطرها‏.‏ قال في المفاتيح‏:‏ العتاب أن يظهر أحد الخليلين من نفسه الغضب على خليله لسوء أدب ظهر منه مع أن في قلبه محبته يعني ليس معنى الاَية أن يعذب الله المؤمنين بجميع ذنوبهم يوم القيامة بل معناها أنه يلحقهم بالجوع والعطش والمرض والحزن وغير ذلك من المكاره حتى إذا خرجوا من الدنيا صاروا مطهرين من الذنوب‏.‏ قال الطيبي‏:‏ كأنها فهمت أن هذه مؤاخذة عقاب أخروي فأجابها بأنها مؤاخذة عتاب في الدنيا عناية ورحمة انتهى ‏(‏والنكبة‏)‏ بفتح النون أي المحنة وما يصيب الإنسان من حوادث الدهر ‏(‏حتى البضاعة‏)‏ بالجر عطف على ما قبلها وبالرفع على الابتداء وهي بالكسر طائفة من مال الرجل ‏(‏يضعها في يد قميصه‏)‏ أي كمه سمي باسم ما يحمل فيه ووقع في بعض النسخ في كم قميصه ‏(‏فيفقدها‏)‏ أي يتفقدها ويطلبها فلم يجدها لسقوطها أو أخذ سارق لها منه ‏(‏فيفزع لها‏)‏ أي يحزن لضياع البضاعة فيكون كفارة، كذا قاله ابن الملك‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ يعني إذا وضع بضاعة في كمه ووهم أنها غابت فطلبها وفزع كفرت عنه ذنوبه وفيه من المبالغة ما لا يخفي ‏(‏حتى‏)‏ أي لا يزال يكرر عليه تلك الأحوال حتى ‏(‏إن العبد‏)‏ قال القاري‏:‏ بكسر الهمزة وفي نسخة يعني في المشكاة بالفتح وأظهر العبد موضع ضميره إظهاراً لكمال العبودية المقتضى للصبر والرضا بأحكام الربوبية ‏(‏ليخرج من ذنوبه‏)‏ بسبب الابتلاء بالبلاء ‏(‏كما يخرج التبر الأحمر‏)‏ التبر بالكسر أي الذهب والفضة قبل أن يضربا دراهم ودنانير فإذا ضربا كانا عيناً ‏(‏من الكير‏)‏ بكسر الكاف متعلق بخرج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن آدم بن سليمان‏)‏ القرشى الكوفي والد يحيى صدوق من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دخل قلوبهم‏)‏ بالنصب ‏(‏منه‏)‏ أي من قوله تعالى هذا وفي رواية مسلم منها أي من هذه الاَية ‏(‏شيء‏)‏ بالرفع فاعل دخل أي شيء عظيم من الحزن ‏(‏لم يدخل‏)‏ أي قلوبهم والضمير المرفوع لشيء والجملة صفة له ‏(‏من شيء‏)‏ أي من الأشياء المحزنة ‏(‏فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي ذكروا له ما دخل قلوبهم من هذه الاَية ‏(‏سمعنا‏)‏ أي ما أمرتنا به سماع قبول ‏(‏فألقى الله الإيمان في قلوبهم‏)‏ أي أحكمه وأرسخه فيها واندفع ما كان دخلها ‏{‏آمن‏}‏ أي صدق ‏{‏الرسول‏}‏ أي محمد صلى الله عليه وسلم ‏{‏بما أنزل إليه من ربه‏}‏ أي القرآن ‏{‏والمؤمنون‏}‏ عطف على الرسول ‏(‏الاَية‏)‏ بالنصب أي أتم الاَية وتمامها ‏{‏كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير‏}‏ ‏{‏لا يكلف نفساً إلا وسعها‏}‏ أي ما تسعه قدرتها ‏{‏لها ما كسبت‏}‏ من الخير أي ثوابه ‏{‏وعليها ما اكتسبت‏}‏ من الشر أي زوره ‏{‏ربنا لا تؤاخذنا‏}‏ بالعقاب أي قولوا ربنا لا تؤاخذنا ‏{‏إن نسينا أو أخطأنا‏}‏ أي تركنا الصواب لا عن عمد كما أخذت به من قبلنا، وقد رفع الله ذلك عن هذه الأمة كما ورد في الحديث فسؤاله اعتراف بنعمة الله ‏(‏قال قد فعلت‏)‏ أي لا أؤاخذكم ‏{‏ربنا ولا تحمل علينا إصراً‏}‏ يثقل علينا حمله ‏{‏كما حملته على الذين من قبلنا‏}‏ أي بني إسرائيل من قتل النفس في التوبة وإخراج ربع المال في الزكاة، وقرض موضع النجاسة ‏(‏قال قد فعلت‏)‏ أي لا أحمل عليكم ‏{‏ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به‏}‏ أي لا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق القيام به لثقل حمله علينا‏.‏ وتكليف ما لا يطاق على وجهين أحدهما ما ليس في قدرة العبد احتماله كتكليف الأعمى النظر والزمن العدو فهذا النوع من التكليف الذي لا يكلف الله به عبده بحال‏.‏ الوجه الثاني من تكليف مالا يطاق هو ما في قدرة العبد احتماله مع المشقة الشديدة والكلفة العظيمة كتكليف الأعمال الشاقة والفرائض الثقيلة كما كان في ابتداء الإسلام صلاة الليل واجبة ونحوه، فهذا الذي سأل المؤمنون ربهم لا يحملهم ما لا طاقة لهم به ‏(‏الاَية‏)‏ تمامها ‏{‏مولانا فانصرنا على القوم الكافرين‏}‏ ‏(‏قال قد فعلت‏)‏ أي عفوت عنكم وغفرت لكم ورحمتكم ونصرتكم على القوم الكافرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم ‏(‏وقد روى هذا من غير هذا الوجه عن ابن عباس‏)‏ أخرجه أحمد من غير هذا الوجه وكذا الطبري كما في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه مسلم وفيه‏)‏ فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله ‏(‏لا يكلف الله نفساً إلا وسعها الخ‏)‏‏.‏