فصل: 1823- باب وَمِنْ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


1823- باب وَمِنْ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيل

مكية إلا ‏(‏وإن كانود ليفتنونك‏)‏ الاَيات الثمان ومائة وعشر آيات أو إحدى عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3240- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عن الزّهْرِيّ، أخبرني سَعِيدُ بنُ المُسَيّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ قال‏:‏ قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏حِينَ أُسْرِيَ بِي لَقِيتُ مُوسَى- قال فَنَعَتَهُ- فإِذَا رَجُلٌ، قال حَسِبْتُهُ قال مُضْطَرِب رجلِ الرّأْسِ، كأَنّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، قال وَلَقِيتُ عِيسَى- قال فَنَعَتَهُ- قال رَبْعَةً أَحْمَرَ كأَنّهُ خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ، يَعْني الْحَمّامَ، وَرَأَيْتُ إبراهِيمَ، قال‏:‏ وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ، قال‏:‏ وَأُتِيتُ بِإِنَائَيْنِ أحدهما لَبَنٌ وَالاَخَرُ فِيهِ خَمْرٌ، فَقِيلَ لِي خُذْ أَيّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذْتُ اللّبَنَ فَشَرِبْتُهُ، فَقِيلَ لِي‏:‏ هُدِيتَ لِلْفِطْرَةِ، أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا إِنّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمّتُكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3241- حدثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عن قَتَادَةَ عن أنَسٍ ‏"‏أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِالْبُرَاقِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مُلْجَماً مُسْرَجاً، فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ‏:‏ أَبِمُحَمّدٍ تَفْعَلُ هَذَا، فَمَا رَكِبَكَ أَحَداٌ أَكْرَمُ عَلَى الله مِنْهُ‏.‏ قال‏:‏ فَارْفَضّ عَرَقاً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ ولا نَعْرِفُهُ إلاّ من حديثِ عَبْدِ الرّزّاقِ‏.‏

3242- حدثنا يعقُوبُ بنُ إبراهِيمَ الدّوْرَقِيّ، أخبرنا أبو ثُمَيلَةَ عن الزّبَيْرِ بنِ جُنَادَةَ، عن ابنِ بُرَيْدَةَ، عن أبِيهِ قال‏:‏ قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَمّا انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ قال جِبْرَيلُ بَأَصْبُعِهِ فَخَرَقَ بِهِ الْحَجَرَ وَشَدّ بِهِ الْبُرَاقَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

3243- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا اللّيْثُ عن عُقَيْلٍ عن الزّهْرِيّ عن أبي سَلَمَةَ عن جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله، أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لَمّا كَذّبْتَنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ في الْحِجْرِ فَجَلّى الله لِي بَيْتَ المَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وفي البابِ عن مالِكِ بنِ صَعْصَعَةَ وأبي سَعِيدٍ وابنِ عَبّاسٍ وأبي ذَرّ وابنِ مَسْعُودٍ‏.‏

3244- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا الرّؤْيَا الّتِي أَرْيَنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ‏}‏ قال‏:‏ هِيَ رؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا النّبيّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ ‏{‏وَالشّجَرَةَ الَملْعُونَةَ في الْقَرْآنِ‏}‏ هِيَ شَجَرَةُ الزّقُومِ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3245- حدثنا عُبَيْدُ بنُ أَسْبَاط بنِ مُحمّدٍ الْقُرَشِيّ الْكُوفِيّ، أخبرنا أبي عن الأعمَشِ عن أبي صَالحٍ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً‏}‏ قال‏:‏ تَشْهَدُ مَلاَئِكَةُ اللّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النّهَارِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وروى عَلِيّ بنُ مُسْهِرٍ عن الأعمَشِ عن أبي صَالِحٍ عن أبي هُرَيْرَةَ وَأَبي سَعِيدٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه‏.‏

حدثنا بِذَلِكَ عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، حدثنا عَلِيّ بنُ مُسْهِرٍ عن الأعْمَشِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

3246- حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عن إسْرَائِيلَ عن السّدّيّ عن أبِيهِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قَوْلِ الله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ نَدْعُوا كُلّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ‏}‏ قال‏:‏ يُدْعَى أَحَدُهُمْ، فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَيُمَدّ لَهُ في جِسْمِهِ سِتّونَ ذِرَاعاً، وَبُبَيّضُ وَجْهُهُ، وَيَجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ يَتَلأْلأُ، فَيَنْطَلِقُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَيَرَوْنَهُ مِنْ بعيدٍ، فَيَقُولُونَ‏:‏ اللّهُمّ ائْتِنَا بِهَذَا، وَبَارِكْ لَنَا في هَذَا، حَتّى يَأْتِيهُمْ، فَيَقُولُ لَهُمْ‏:‏ أَبْشِرُوا، لِكُلّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلُ هَذَا، قال‏:‏ وَأَمّا الْكَافِرُ فَيُسوّدُ وَجْهُهُ، وَيُمَدّ لَهُ في جِسْمِهِ سِتّونَ ذِرَاعاً عَلَى صُورَةِ آدَمَ، وَيُلْبَسُ تَاجاً، فَيَرَاهُ أَصْحَابُهُ، فَيَقُولُونَ‏:‏ نَعُوذُ بالله مِنْ شَرّ هَذَا، اللّهُمّ لا تَأْتِنَا بِهَذَا‏.‏ قال‏:‏ فَيَأْتِيهِمْ، فَيَقُولُونَ‏:‏ اللّهُمّ أَخْزِهِ، فَيَقُولُ‏:‏ أَبْعَدَكُم الله، فَإِنّ لِكُلّ رَجُلٌ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وَالسّدّيّ اسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ‏.‏

3247- حدثنا أبو كُرَيْبٍ، أخبرنا وَكِيعٌ، عن دَاوُدَ بنِ يَزِيدَ الزّغافِرِيّ عن أبِيهِ عن أبي هُرَيْرَةَ قال‏:‏ ‏"‏قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم في قوله‏:‏ ‏{‏عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً‏}‏، سُئِلَ عَنْهَا، قال‏:‏ هِيَ الشّفَاعَةُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ وَدَاوُدُ الزّغَافِرِيّ هُوَ داود الأوْدِيّ بنُ يَزِيدَ بنِ عَبْدِ الله، وَهُوَ عَمّ عَبْدِ الله بنِ إِدْرِيسَ‏.‏

3248- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ عن مُجَاهِدٍ عن أبي مَعْمَرٍ عن ابنِ مَسْعُودٍ قال‏:‏ ‏"‏دَخَلَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَكّةَ عامَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلاَثُمَائَةٍ وَسِتّون نُصُباً، فَجَعَلَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَطْعَنُهَا بِمِخْصَرَةٍ في يَدِهِ، وَرُبّمَا قال بِعُودٍ، ويقولُ‏:‏ جاء الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً جاء الْحَقّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَما يُعِيدُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَفِيهِ عن ابن عُمَرَ‏.‏

3249- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا جَرِيرٌ، عن قَابُوسَ بنِ أَبي ظَبْيَانُ عن أبِيهِ، عن ابنِ عَبّاسٍ قال‏:‏ ‏"‏كَانَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بِمَكّةَ، ثُمّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ‏:‏ ‏{‏وَقُلْ رَبّ أَدْخِلْني مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي منْ لَدُنْكَ سُلْطَانَاً نَصِيراً‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3250- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا يَحْيَى بنُ زَكَرِيّا بنِ أبي زَائِدَةَ عن دَاوُدَ بنِ أبي هِنْدٍ عن عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عَبّاسٍ قال‏:‏ ‏"‏قالَتْ قُرَيْشٌ لِيَهُودَ‏:‏ أَعْطُونَا شَيْئاً نَسْأَلُ عَنْهَ هَذَا الرّجُلَ‏.‏ فقال‏:‏ سَلُوهُ عَنِ الرّوْحِ‏.‏ فَسَأَلُوهُ عَنِ الرّوحِ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً‏}‏، قَالُوا‏:‏ أُوتِينَا عِلْماً كَبِيراً، أُوْتِينَا التّوْرَاةَ، وَمَنْ أُوتِيَ التّوْرَاةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً، فَأُنْزِلَتْ‏:‏ ‏{‏قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبّي لَنَفِذَ الْبَحْرُ‏}‏ إِلى آخِرِ الاَيةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الْوَجْهِ‏.‏

3251- حدثنا عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ، أخبرنا عِيسَى بنُ يُونُسَ، عن الأعمَشِ عن إبراهِيمَ، عن عَلْقَمَةَ عن عَبْدِ الله قال‏:‏ ‏"‏كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حَرْثٍ بِالمَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكّأُ عَلَى عَسِيبٍ، فَمَرّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ، فقال بَعْضُهُمْ‏:‏ لَوْ سَأَلْتُمُوهُ، فقال بَعْضُهُمْ‏:‏ لا تَسْأَلُوهُ فَإِنّهُ يُسْمِعُكُمْ ما تَكْرَهُونَ، فقالُوا له‏:‏ يَا أَبَا الْقَاسِمِ حَدّثْنا عَنِ الرّوحِ، فَقامَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سَاعَةً وَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السّماءِ، فَعَرَفْتُ أَنّهُ يُوحَى إِلَيْهِ حَتّى صَعَدَ الْوَحْيُ، ثُمّ قال‏:‏ ‏{‏الروحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3252- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا الْحَسَنُ بنُ مُوسَى وَسُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ، قال أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ، عن عَلِيّ بنِ زَيْدٍ، عن أَوْسِ بنِ خَالِدٍ عن أبي هُرَيْرَةَ قال‏:‏ قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يُحْشَرُ النّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاَثَةَ أَصْنَافٍ‏:‏ صِنْفاً مُشَاةً وَصِنْفاً رُكْبَاناً وَصِنْفاً عَلى وُجُوهِهِمْ‏.‏‏"‏ قِيلَ‏:‏ يَا رَسُولَ الله وَكَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ‏؟‏ قال‏:‏ إنّ الّذي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَقْدَامِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيهِمْ عَلَى وُجُوهِهمْ، أَمَا إِنّهُمْ يَتّقُونَ بِوُجُوهِهِمْ كُلّ حَدَبٍ وشوكٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ وقد رَوَى وَهِيبٌ عن ابنِ طَاوُسٍ عن أبِيهِ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً من هذا‏.‏

3253- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أخبرنا بَهْزُ بنُ حَكِيمٍ عن أبِيهِ عن جَدّهِ قالَ‏:‏ قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنّكُمْ مَحْشُورُنَ رِجَالاً وَرُكْبَاناً وَيجرّونَ عَلَى وُجُوهِهمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسَ‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

3254- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ وَأبو دَاوُدَ وَأبو الْوَلِيدِ- وَاللّفْظُ لَفْظُ يَزِيدَ وَالمَعْنَى وَاحِدٌ- عن شُعْبَةَ عن عَمْرِو بنِ مُرّةَ عن عَبْدِ الله بنِ سَلَمَةَ عن صَفْوَانَ بنِ عَسّالٍ المُرَادِيّ ‏"‏أَنّ يَهُودِيّيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ‏:‏ اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النّبيّ نَسْأَلُهُ‏.‏ فقال‏:‏ لا تَقُلْ لَهُ نَبِيّ، فإِنّهُ إنْ يَسْمَعْهَا تَقُولُ لَهُ نَبِيّ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ‏.‏ فأَتَيَا النّبِيّ فَسَأَلاَهُ عَنْ قَوْلِ الله عز وجل‏:‏ ‏"‏وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيات بَيّنَات‏"‏، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تُشْرِكُوا بالله شَيْئاً، ولا تَزْنُوا، ولا تَقْتُلُوا النّفْسَ الّتِي حَرّمَ الله إلاّ بِالْحَقّ، ولا تَسْرِقُوا، ولا تَسْحَرُوا، ولا تَمْشُوا بِبَرِيء إِلَى سُلْطَانٍ فَيْقْتُلَهُ، ولا تأْكُلُوا الرّبَا، ولا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، ولا تَفِرّوا مِنَ الزّحْفِ- شَكّ شُعْبَة- وَعلَيْكُمْ يا معشر الْيَهُودَ خاصّةً، أَلاّ تَعْتَدُوا في السّبْتِ‏.‏ فَقَبّلاَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالاَ‏:‏ نَشْهَدُ أَنّكَ نِبيّ‏.‏ قال‏:‏ فمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تُسْلِمَا‏؟‏ قالا‏:‏ إنّ دَاوُدَ دَعا الله أَنْ لا يَزَالَ في ذُرّيّتِهِ نَبِيّ، وَإِنّا نَخَافُ إِنْ أَسْلَمْنَا أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3255- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا سُلَيْمانُ بنُ دَاوُدَ عن شُعْبَةَ عن أبي بِشْرٍ عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، ولم يَذْكُرْ عن ابنِ عَبّاسٍ وَهُشَيْمٍ، عن أبي بِشْرٍ عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ ‏{‏وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا‏}‏ قال‏:‏ نَزَلَتْ بِمَكّةَ، كَانَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا رَفَعَ صَوْتَهُ بالْقُرْآنِ سَبّهُ المُشْرِكُونَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فأَنْزَلَ الله‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ‏}‏ فَيُسبوا الْقُرْآنُ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جاءَ بِهِ، وَلاَ تُخَافِتْ بها عَنْ أَصْحَابِكَ بِأَنْ تُسْمِعَهُمْ حَتّى يَأْخُذُوا عَنْكَ الْقُرْآنَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

3256- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا هُشَيْمٌ، أخبرنا أبو بِشْرٍ عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ في قوله‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بها وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً‏}‏ قال‏:‏ نَزَلَتْ ورَسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُخْتَفٍ بِمَكّةَ، وكَانَ إذَا صَلّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صوته بِالْقُرْآنِ، فَكَانَ المُشْرِكُونَ إذَا سَمِعُوا شَتَمُوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فقال الله تَعَالَى لِنَبِيّهِ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ‏}‏ أيْ بِقِرَاءَتِكَ، فَيَسْمَعُ المُشْرِكُونَ فَيُسبوا الْقُرْآنُ ‏{‏وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا‏}‏ عَنْ أصْحَابِكَ ‏{‏وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3257- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عن مِسْعَرٍ عن عاصِمِ بنِ أبي النّجُودِ عن زِرّ بنِ حُبَيْشٍ قال‏:‏ ‏"‏قُلْتُ لِحُذَيْفَةَ بنِ الْيَمانِ‏:‏ أَصَلّى رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَيْتِ المَقْدِسِ‏؟‏ قال‏:‏ لاَ‏.‏ قلت‏:‏ بَلَى‏.‏ قال‏:‏ أَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَصْلَعُ، بِمَ تَقُولُ ذَلِكَ‏؟‏ قلت‏:‏ بِالْقُرْآنِ‏.‏ بَيْنِي وبَيْنَكَ الْقُرْآنُ‏.‏ فقال حُذَيْفَةُ‏:‏ مَنْ احْتَجّ بالْقُرْآنِ فَقَدْ أَفْلَحَ‏.‏ قال سُفْيَانُ‏:‏ يقولُ قَدْ احْتَجّ، وَرُبّمَا قال‏:‏ قَدْ فَلَجَ‏.‏ فقال‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأقْصَى‏}‏‏.‏ قال‏:‏ أَفَتُرَاهُ صَلى فِيهِ‏؟‏ قلت‏:‏ لاَ‏.‏ قال‏:‏ لَوْ صَلّى فِيهِ لَكُتِبَتْ عَلَيْكُمْ الصّلاَةُ فِيهِ كَمَا كُتِبَتْ الصّلاَةُ في المَسْجِدِ الْحَرامِ‏.‏ قال حُذَيْفَةُ‏:‏ قَدْ أُتِيَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِدَابّةٍ طَوِيلَةِ الظّهْرِ مَمْدُودَةٍ هَكَذَا‏.‏ خَطْوُهُ مَدّ بَصَرِهِ، فمَا زَايَلاَ ظَهْرَ الْبُرَاقِ حَتّى رَأَيَا الْجَنّةَ وَالنّارَ وَوَعْد الاَخِرَةِ أَجْمَعَ، ثُمّ رَجَعَا عَوْدَهُما عَلَى بَدْئِهِمَا‏.‏ قال‏:‏ وَيَتَحَدّثُونَ أَنّهُ رَبَطَهُ لِمَا أيفرّ مِنْهُ وَإِنّمَا سَخّرَهُ لَهُ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3258- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عن عَلِيّ بنِ زَيْدِ بنِ جُدْعَانَ عن أبي نَضْرَةَ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قال‏:‏ قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَنَا سَيّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلاَ فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيّ يَوْمَئِذٍ، آدَمَ فَمَنْ سِوَاهُ إلاّ تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوّلُ مَنْ تَنْشَقّ عَنْهُ الأرْضُ وَلاَ فَخْرَ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فَيَفْزَعُ النّاسُ ثَلاَثَ فَزَعاتٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ‏:‏ أَنْتَ أبُونَا آدَمُ فَاشْفَعَ لَنَا إلَى رَبّكَ، فَيقولُ‏:‏ إنّي أَذْنَبْتُ ذَنْباً أُهْبِطْتُ مِنْهُ إلى الأرْضِ، وَلَكِنْ ائْتُوا نُوحاً، فَيَأْتُونَ نُوحاً فَيَقُولُ‏:‏ إني دَعَوْتُ عَلَى أهْلِ الأرْضِ دَعْوَةً فَأُهْلِكُوا، وَلَكِنْ اذْهَبُوا إلى إبراهِيمَ، فَيَأْتُونَ إبراهِيمَ فيقولُ‏:‏ إنّي كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذِباتٍ‏.‏ ثمّ قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ مَا مِنْهَا كَذِبَةٌ إلاّ مَا حَلّ بها عَنْ دِينِ الله، وَلَكِنْ ائْتُوا مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى فيقولُ‏:‏ إني قَدْ قَتَلْتُ نَفْساً، وَلَكِنْ ائْتُوا عِيسَى، فيأتونَ عِيسَى فيقولُ‏:‏ إني عُبِدْتُ مِنْ دُونِ الله، وَلَكِنْ ائْتُوا مُحمّداً صلى الله عليه وسلم‏.‏ قَالَ‏:‏ فيأتونّي فَأَنْطَلِقُ مَعَهُمْ‏"‏‏.‏

قال ابنُ جُدْعانَ‏:‏ قال أَنَسٌ‏:‏ ‏"‏فَكَأَنّي أَنْظُرُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال‏:‏ فَآخُذُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنّةِ فَأُقْعَقِعُهَا فَيُقَالُ‏:‏ مَنْ هَذَا‏؟‏ فَيُقَالُ‏:‏ مُحمّدٌ، فَيَفْتَحُونَ لِي وَيرَحّبُونَ بي، فَيَقُولُونَ‏:‏ مَرْحَباً، فَأَخِرّ سَاجِداً، فَيُلْهِمُني الله مِنَ الثّنَاءِ وَالْحَمْدِ، فَيُقَالُ لِي‏:‏ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تَعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفّعْ، وَقُلْ يُسْمَعْ لِقَوْلِكَ، وَهُوَ المَقَامُ المَحمُودُ الّذِي قَالَ الله‏:‏ ‏{‏عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبكَ مَقَاماً مَحْمُوداً‏}‏ قال سُفْيَانُ‏:‏ لَيْسَ عَنْ أَنَسٍ إلاّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ‏.‏ فَآخُذُ بِحَلَقَةِ بَابِ الْجَنّةِ فَأُقَعْقِعُهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رَوَى بَعْضُهُمْ هذا الحديثَ عن أبي نَضْرَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ الحديثَ بِطُولِهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏قال‏)‏ أي أبو هريرة ‏(‏فنعته‏)‏ أي وصف النبي صلى الله عليه وسلم موسى ‏(‏فإذا رجل قال حسبته قال مضطرب‏)‏ وعند البخاري‏:‏ فإذا رجل حسبته، قال مضطرب بحذف قال قبل حسبته، وكذلك في بعض نسخ الترمذي قال الحافظ في الفتح‏:‏ القائل حسبته هو عبد الرزاق، والمضطرب الطويل غير لشديد، وقيل الخفيف اللحم‏.‏ وتقدم في رواية هشام بلفظ ضرب وفسر بالنحيف ولا منافاة بينهما انتهى ‏(‏الرجل الرأس‏)‏ بفتح الراء وكسر الجيم، دهين الشعر مسترسله‏.‏ وقال ابن السكيت‏:‏ شعر رجل‏:‏ أي غير جعد ‏(‏كأنه من رجال شنوءة‏)‏ بفتح المعجمة وضم النون وسكون الواو بعدها همزة ثم هاء تأنيث حي من اليمن ينسبون إلى شنوءة، وهو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر ابن الأزد، ولقب شنوءة لشنئان كان بينه وبين أهله، والنسبة إليه شنوئي بالهمز بعد الواو، وبالهمزة بغيروا‏.‏

وقال الداودي‏:‏ رجال الأزد معروفون بالطول ‏(‏قال ربعة‏)‏ بفتح الراء وسكون الموحدة ويجوز فتحها وهو المرفوع، والمراد أنه ليس بطويل جداً ولا قصير جداً بل وسط ‏(‏من ديماس‏)‏ بكسر المهملة وسكون التحتانية وآخره مهملة ‏(‏يعني الحمام‏)‏ هو تفسير عبد الرزاق كما في الفتح، والديماس في اللغة‏.‏ السرب، ويطلق أيضاً على الكن والحمام من جملة الكن‏.‏ والمراد من ذلك وصفه بصفاء اللون ونضارة الجسم وكثرة ماء الوجه حتى كأنه كان في موضع كن فخرج منه وهو عرقان‏.‏

وفي رواية ابن عمر عند البخاري‏:‏ ينطف رأسه ماء‏.‏ وهو محتمل لأن يراد الحقيقه وأنه عرق حتى قطر الماء من رأسه، ويحتمل أن يكون كناية عن مزيد نضارة وجهه‏.‏ ويؤيده أن في رواية عبد الرحمن بن آد عن أبي هريرة عند أحمد وأبي داود‏:‏ يقطر رأسه ماء وإن لم يصبه بلل ‏(‏قال وأنا أشبه ولده به‏)‏ أي قال النبي صلى الله عليه وسلم أنا أشبه أولاد إبراهيم عليه الصلاة والسلام به صورة، ومعنى ‏(‏وأتيت بإنائين أحدهما لبن‏)‏ قيل ولم يقل فيه لبن كأنه جعله لبناً كله تغليباً للين على الإناء لكثرته وتكثيراً لما اختاره، ولما كان الخمر منهياً عنه فلله فقال ‏(‏والاَخر فيه خمر‏)‏ أي خمر قليل‏.‏

إعلم أنه قد اختلفت الروايات في عدد الاَتية، ففي بعضها أتيت بإنائين أحدهما لبن والاَخر فيه خمر كان في هذه الرواية، وفي بعض روايات البخاري‏:‏ ثم رفع لي البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل‏.‏

وفي حديث أبي سعيد عند ابن إسحاق في قصة الإسراء فصلى بهم يعني الأنبياء ثم أتى بثلاثة آنية‏:‏ إناء فيه لبن، وإناء فيه خمر، وإناء فيه ماء، فأخذت اللبن‏.‏

واختلفت الروايات أيضاً في مكان عرض الاَنية، ففي رواية مسلم عن أنس‏:‏ ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاء جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فأخذت اللبن‏.‏ وفي بعض روايات البخاري‏:‏ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به بإيلياء بإناء فيه خمر وإناء فيه لبن، فنظر إليهما فأخذ اللبن‏.‏ فهاتان الروايتان تدلان على أن عرض الاَنية كان في بيت المقدس‏.‏ وفي بعض روايات البخاري المذكورة‏:‏ أنه كان في السماء‏.‏

قال الحافظ بعد ذكر هذه الروايات وغيرها‏:‏ يجمع بين هذا الاختلاف إما بحمل ثم على غير بابها من الترتيب، وإنما هي بمعنى الواو هنا، وإما بوقوع عرض الاَنية مرتين، مرة عند فراغه من الصلاة ببيت المقدس، وسببه ما وقع له من العطش كما في حديث شداد‏:‏ فصليت من المسجد حيث شاء الله وأخذني من العطش أشد ما أخذني، فأتيت بإناءين أحدهما لبن والاَخر عسل الخ، ومرة عند وصوله إلى سدرة المنتهى، ورؤية الأنهار الأربعة وأما الاختلاف في عدد الاَنية وما فيها فيحمل على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الاَخر، ومجموعها أربعة آنية فيها أربعة أشياء من الأنهار الأربعة التي رآها نخرج من أصل سدرة المنتهي‏.‏ ووقع في حديث أبي هريرة عند الطبري لما ذكر سدرة المنتهي‏:‏ يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، ومن لبن لم يتغير طعمه، ومن خمر لذة للشاربين، ومن عسل مصفى، فلعله عرض عليه من كل نهر إناء انتهى ‏(‏هديت للفطرة أو أصبت الفطرة‏)‏ شك من الراوي، والأول بصيغة الخطاب مجهولاً، والثاني معلوماً‏.‏

قال القرطبي‏:‏ يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة لأنه أول شيء يدخل بطن المولود ويشق أمعاءه، والسر في ميل النبي صلى الله عليه وسلم إليه دون غيره لكونه كان مألوفاً له ولأنه لا ينشأ عن جنسه مفسدة ‏(‏أما‏)‏ بالتخفيف حرف التنبيه ‏(‏إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك‏)‏ أي ضلت نوعاً من الغواية المترتبة على شربها، بناء على أنه لو شربها لأحل للأمة شربها فوقعوا في ضررها وشرها، وفيه إيماء إلى أن استقامة المقتدي من النبي والعالم والسلطان ونحوهم سبب لاستقامة أتباعهم لأنهم بمنزلة القلب للأعضاء كذا في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتى بالبراق‏)‏ بضم الموحدة وتخفيف الراء، مشتق من البريق، فقد جاء في لونه أنه أبيض أو من البرق لأنه وصفه بسرعة السير، أو من قولهم شاة برقاء إذا كان خلال صوفها الأبيض طاقات سود، ولا ينافية وصفه في بعض الأحاديث بأن البراق أبيض، لأن البرقاء من الغنم معدودة في البياض ‏(‏ليلة أسرى‏)‏ بصيغة الماضي المجهول من الإسراء ‏(‏به‏)‏ أي بالنبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏ملجماً‏)‏ اسم مفعول من الإلجام قال في القاموس‏:‏ ألجم الدابة ألبسها اللجام وهو ككتاب، فارسي معرب ‏(‏مسرجاً‏)‏ اسم مفعول من الإسراج، يقال أسرجت الدابة‏:‏ إذا شددت عليها السرج ‏(‏فاستصعب عليه‏)‏ أي صار البراق صعباً على النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏أبمحمد‏)‏ صلى الله عليه وسلم والهمزة للإنكار ‏(‏تفعل هذا‏)‏ أي الاستصعاب ‏(‏فما ركبك أحد أكرم على الله منه‏)‏ أي من محمد صلى الله عليه وسلم ‏(‏فارفض عرقاً‏)‏ أي جرى عرقه وسال، ثم سكن وانقاد وترك الاستصعاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وصححه ابن حبان، وذكر ابن إسحاق عن قتادة أنه لما شمس وضع جبرئيل يده على معرفته، فقال أما تستحي، فذكر نحوه مرسلاً لم يذكر أنساً‏.‏ وللنسائي وابن مردويه من طريق يزيد بن أبي مالك عن أنس نحوه موصولا‏؟‏ وزاد وكانت تسخر للأنبياء قبله، ونحوه في حديث أبي سعيد عند ابن إسحاق، وفيه دلالة على أن البراق كان معداً لركوب الأنبياء خلافاً لمن نفي ذلك كابن دحية، وأول قول جبريل فما ركبك أكرم على الله منه‏:‏ أي ما ركبك أحد قط، فكيف يركبك أكرم منه‏.‏

وقد جزم السهيلي‏:‏ أن البراق إنما استصعب عليه لبعد عهده بركوب الأنبياء قبله قال النووي قال الزبيدي في مختصر العين وتبعه صاحب التحرير‏:‏ كان الأنبياء يركبون البراق، قال وهذا يحتاج إلى نقل صحيح‏.‏

قال الحافظ‏:‏ قد ذكرت النقل بذلك ثم ذكر الحافظ آثاراً تشهد لذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الزبير بن جنادة‏)‏ بمضمومة وخفة نون وإهمال دال، الهجرى كنيته أبو عبد الله الكوفي، روى عن عبد الله بن يريدة عطاء بن أبي رباح، وعنه عيسى بن يونس وأبو تميلة يحيى بن واضح وغيرهما‏.‏ قال أبو حاتم‏:‏ شيخ ليس بالمشهور، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال فيه جنادة المعلم‏:‏ سكن مرو، له عند الترمذي حديث واحد في ربط البراق‏.‏

قلت‏:‏ وقال الحاكم في المستدرك مروزي ثقة ‏(‏عن ابن بريدة‏)‏ اسمه عبد الله ‏(‏لما انتهيا إلى بيت المقدس‏)‏ أي وصلنا إليه ‏(‏قال جبرئيل بأصبعه‏)‏ أي أشار بها‏.‏ قال في النهاية‏:‏ العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال وتطظلقه على غير الكلام واللسان، فتقول قال بيده‏:‏ أي أخذ، وقال برجله‏:‏ أي مشى قال الشاعر‏:‏

وقالت له العينان سمعاً وطاعة ***

أي أومأت‏.‏ وقال بالماء على يده‏:‏ أي قلب، وقال بثوبه‏:‏ أي رفعه، وكل ذلك على المجاز والاتساع ‏(‏فخرق به الحجر‏)‏ وفي البزار‏:‏ لما كان ليله أسرى به فأتى جبريل الصخرة التي يبيت المقدس فوضع أصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق‏.‏ وفي حديث أنس عند مسلم‏:‏ فركبته حتى بيت المقدس، قال فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه البزار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لما كذبتني قريش‏)‏ أي نسبوني إلى الكذب فيما ذكرت من قضية الإسراء وطلبوا مني علامات بيت المقدس ‏(‏قمت في الحجر‏)‏ بالكسر‏:‏ اسم الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الشمالي ‏(‏فجلى الله لي بيت المقدس‏)‏ بتشديد اللام من النجلية‏:‏ أي أظهره لي قال الحافظ‏:‏ قيل معناه كشف الحجب بيني وبينه حتى رأيته، ووقع في رواية عبد الله بن الفضل عن أم سلمة عند مسلم قال‏:‏ فسألوني عن أشياء لم أثبتها، فكربت كرباً لم أكرب مثله قط، فرفع الله لي بيت المقدس أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا نبأتهم به‏.‏ ويحتمل أنه حمل إلى أن وضع بحيث يراه ثم أعيد‏.‏

وفي حديث ابن عباس عند أحمد والبزار‏:‏ بإسناد حسن‏:‏ فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع عند دار عقيل، فنعته وأنا أنظر إليه، وهذا أبلغ في المعجزة ولا استحالة فيه، فقد أحضر عرش بلفيس في طرفة عين لسليمان وهو يقتضي أنه أزيل من مكانه حتى أحضر إليه وما ذاك في قدرة الله بعزيز انتهى ‏(‏فطفقت‏)‏ بكسر الفاء قيل القاف‏:‏ أي فشرعت ‏(‏أخبرهم عن آياته‏)‏ أي علامات بيت المقدس ودلالاته ‏(‏وأنا أنظر إليه‏)‏ جملة حالية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن مالك بن صعصعة وأبي سعيد وابن عباس وأبي ذر وابن مسعود‏)‏ أما حديث مالك بن صعصعة فأخرجه الترمذي في تفسير سورة ألم نشرح مختصراً، وأخرجه الشيخان مطولاً‏.‏ وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البيهقي وابن جرير وابن أبي حاتم وأما حديث ابن عباس فأخرجه الشيخان‏.‏ وأما حديث ابن مسعود فأخرجه مسلم‏.‏

تنبيه‏:‏

اعلم أن الترمذي ذكر هذه الأحاديث في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏"‏سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصري‏"‏ وقد اختلف أهل العلم هل كان الإسراء بجسده صلى الله عليه وسلم مع روحه أو بروحه فقط، فذهب معظم السلف والخلف إلى إلى الأول، وذهب إلى الثاني طائفة من أهل العلم، منهم‏:‏ عائشة ومعاوية والحسن وابن اسحاق‏.‏ وحكاه ابن جرير عن حذيفة بن اليمان، وذهبت طائفة إلى التفصيل فقالوا‏:‏ كان الإسراء بجسده يقظة إلى بيت المقدس، وإلى السماء بالروح، واستدلوا على هذا التفصيل بقوله‏:‏ ‏"‏إلى المسجد الأقصى‏"‏ فجعله غاية للإسراء بذاته صلى الله عليه وسلم، فلو كان الإسراء من بيت المقدس إلى السماء وقع بذاته لذكره، والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة، هو ما ذهب إليه معظم السلف والخلف من الإسراء بجسده وروحه يقظة إلى بيت المقدس، ثم السماوات وهو الحق، والصواب لا يجوز العدول عنه ولا حاجة إلى التأويل وصرف هذا النظم القرآني وما يماثله من ألفاظ الأحاديث إلى ما بخالف الحقيقة، ولا مقتضى لذلك إلا مجرد الاستبعاد وتحكيم محض العقول القاصرة عن فهم ما هو معلوم من أنه لا يستحيل عليه سبحانه شيء‏.‏ ولو كان ذلك مجرد رؤيا كما يقوله من زعم أن الإسراء كان بالروح فقط وأن رؤيا الأنبياء حق لم يقع التكذيب من الكفرة للنبي صلى الله عليه وسلم عند إخباره لهم بذلك حتى ارتد من ارتد ممن لم يشرح بالإيمان صدراً، فإن الإنسان قد يرى في نومه ما هو مستبعد بل هو محال ولا ينكر ذلك أحد، والكلام في هذه المسألة مبسوط في المطولات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في قوله تعالى‏:‏ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس‏)‏ قال الحافظ ابن جرير في تفسيره‏:‏ اختلف أهل التأويل في ذلك‏:‏ فقال بعضهم هو رؤيا عين، وهي ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم لما أسرى به من مكة إلى بيت المقدس ثم ذكر من قال ذلك تم قال‏.‏‏.‏‏.‏ وقال آخرون‏:‏ هي رؤياه التي رأى أنه يدخل مكة فروى بإسناده عن ابن عباس قوله‏.‏ ‏"‏وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس‏"‏ قال يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى أنه دخل مكة هو وأصحابه وهو يومئذ بالمدينة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة قبل الأجل فرده المشركون، فقالت أناس‏:‏ قد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان حدثنا أنه سيدخلها، فكانت رجعته فتنتهم ثم قال‏:‏ وقال آخرون ممن قال‏:‏ هي رؤيا منام إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في منامه قوماً يعلون منبره فذكر من قال ذلك، قال وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال عني به الرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى من الاَيات والعبر في طريقه إلى بيت المقدس ويبيت المقدس ليلة أسري به، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن هذه الاَية إنما نزلت في ذلك، وإياه عني الله عز وجل بها‏.‏ فإذا كان ذلك كذلك فتأويل الكلام وما جعلنا رؤياك التي أريناك ليلة أسرينا بك من مكة إلى بيت المقدس، إلا فتنة للناس، يقول الإبلاء للناس الذين ارتدوا عن الإسلام لما أخبروا بالرؤيا التي رآها عليه الصلاة والسلام، وللمشركين من أهل مكة الذين ازدادوا بسماعهم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم تمادياً في غيهم وكفراً إلى كفرهم انتهى ‏(‏قال هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به‏)‏ أريها بضم الهمزة وكسر الراء من الإرادة ولم يصرح بالمرئي، وعند سعيد بن منصور من طريق أبي مالك قال‏:‏ هو ما أرى في طريقه إلى بيت المقدس، وزاد عن سفيان في آخر الحديث‏:‏ وليست رؤيا منام، واستدل به على إطلاق لفظ الرؤيا على ما يرى بالعين في اليقظة وقد أنكره الحريري تبعاً لغيره وقالوا‏:‏ إنما يقال رؤيا في المنام، وأما التي في اليقظة فيقال رؤية، وممن استعمل الرؤيا في اليقظة المتنبي في قوله‏.‏

ورؤياك أحلى في العيون من الغمض

وهذا التفسير يرد على من خطأه كذا في الفتح ‏(‏والشجرة الملعونة‏)‏ بالنصب عطف على الرؤيا تقديره‏:‏ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس ‏(‏قال هي شجرة الزقوم‏)‏ هذا هو الصحيح‏.‏ وذكره ابن أبي حاتم عن بضعة عشر نفساً من التابعين‏.‏ وأما الزقوم، فقال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات‏:‏ الزقرم شجرة وغبراء تنبت في السهل صغير الورق مدورته لا شوك لها، زفرة مرة ولها نور أبيض ضعيف تجرسه النحل ورؤوسها قباح جداً وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال قال‏:‏ المشركون يخبرنا محمد أن في النار شجرة والنار تأكل الشجرة فكان ذلك فتنة لهم‏.‏

فإن قلت‏:‏ أين لعنت شجرة الزقوم في القرآن‏.‏

قلت لعنت حيث لعن الكفار الذين يأكلونها، لأن الشجرة لا ذنب لها حتى تلعن، وإنما وصفت بلعن أصحابها على المجاز‏.‏ وقيل وصفها الله تعالى باللعن لأن اللعن الإبعاد من الرحمة وهي في أصل جهنم في أبعد مكان من الرحمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وقرآن الفجر‏)‏ قبله أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل، فقوله وقرآن الفجر، عطف على الصلاة والمراد من قرآن الفجر صلاة الفجر سميت الصلاة قرآناً لأنها لا نجوز إلا بالقرآن ‏(‏تشهده‏)‏ أي تحضر قرآن الفجر، يعني صلاته‏.‏ قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الاَية‏:‏ يقول تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم آمراً له بإقامة الصلوات المكتوبات في أوقاتها‏:‏ أقم الصلاة لدلوك الشمس قيل لغروبها قاله ابن مسعود ومجاهد وابن زيد‏.‏ وقال هشيم عن مغيرة عن الشعبي عن ابن عباس دلوكها زوالها، ورواه نافع عن ابن عمر، ورواه مالك في تفسيره عن الزهري عن ابن عمر، وقاله أبو برزة الأسلمي وهو رواية أيضاً عن ابن مسعود ومجاهد، وبه قال الحسن والضحاك وأبو جعفر الباقر وقتادة واختاره ابن جرير ومما استشهد عليه ما رواه بإسناده عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شاء من أصحابه فطعموا عندي ثم خرجوا حين زالت الشمس فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أخرج يا أبا بكر‏.‏ فهذا حين دلكت الشمس، فعلى هذا تكون هذه الاَية دخل فيها أوقات الصلوات الخمس، فمن قوله لدلوك الشمس إلى غسق الليل وهو ظلامه وقيل غروب الشمس أخذ منه الظهر والعصر والمغرب والعشاء وقوله وقرآن الفجر يعني صلاة الفجر‏.‏ وقد بينت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تواتراً من أقواله وأفعاله تفاصيل هذه الأوقات على ما عليه أهل الإسلام اليوم مما تلقوه خلفاً عن سلف وقرناً بعد قرن كما هو مقرر في مواضعه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن‏)‏ هو الإمام الدارمي ‏(‏أخبرنا عبيد الله بن موسى‏)‏ العبسى الكوفي ‏(‏عن إسرائيل بن يونس‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم ندعو كل أناس بإمامهم‏)‏ قال الحافظ ابن كثير في تفسيره‏:‏ يخبر تبارك وتعالي عن يوم القيامة أنه يحاسب كل أمة بإمامهم واختلفوا في ذلك فقال مجاهد وقتادة أي نبهم وهذا كقوله تعالى ‏"‏ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط‏"‏ الاَية‏.‏ وقال بعض السلف هذا أكبر شرف لأصحاب الحديث لأن إمامهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن زيد بكتابهم الذي أنزل على نبيهم من التشريع واختاره ابن جرير، وروى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال بكتبهم فيحتمل أن يكون أراد هذا وأن يكون أراد ما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله يوم ندعو كل أناس بإمامهم، أي بكتاب أعمالهم‏.‏ وكذا قال أبو العالية والحسن والضحاك، وهذا القول هو الأرجح لقوله تعالى ‏"‏وكل شيء أحصيناه في إمام مبين‏"‏ وقال تعالى‏:‏ ‏"‏ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه‏"‏ الاَية وهذا لا ينافي أن يجاء بالنبي إذا حكم الله بين أمته فإنه لا بد أن يكون شاهداً على أمته بأعمالها ولكن المراد ههنا بالإمام هو كتاب الأعمال، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏"‏يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتى كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم الخ‏"‏ انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيد القول الأرجح حديث أبي هريرة هذا، فإنه نص صريح في أن المراد بقوله بإمامهم كتاب أعمالهم ‏(‏فيعطى كتابه‏)‏ أي كتاب أعماله ‏(‏ويمد له في جسمه‏)‏ أي يوسع له فيه ‏(‏اللهم أخزه‏)‏ بفتح الهمزة من الإخزاء، بمعنى الإذلال والإهانة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه البزار بسند الترمذي إلا أن شيخه غير شيخه وقال لا يروي إلا من هذا الوجه انتهى‏.‏ وفي مسنده عبد الرحمن بن أبي كريمة والد السدي وهو مجهول الحال ‏(‏والسدي اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن‏)‏ ابن أبي كريمة، وهو السدي الكبير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً‏)‏ قال الحافظ ابن كثير‏:‏ أي افعل هذا الذي أمرتك به لنقيمك يوم القيامة مقاماً محموداً، بحمدك فيه الخلائق كلهم وخالقهم تبارك وتعالى‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ قال أكثر أهل التأويل ذلك هو المقام الذي يقومه محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم انتهى ‏(‏وسئل‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏عنها‏)‏ أي عن هذه الاَية ‏(‏قال هي الشفاعة‏)‏ أي المقام المحمود، هو المقام الذي أشفع فيه، وتأنيث الضمير لتأنيث الخبر‏.‏ وفي رواية أحمد قال‏:‏ هو المقام الذي أشفع لأمتي فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد في مسنده وابن جرير في تفسيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وداود الزعافري‏)‏ بزاي مفتوحة ومهملة وكسر فاء ‏(‏هو داود الأودي‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الواو وبالدال المهملة ‏(‏ابن يزيد بن عبد الرحمن‏)‏ الأعرج الكوفي ضعيف من السادسة ‏(‏وهو عم عبد الله بن إدريس‏)‏ بن يزيد ابن عبد الله الأودي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة ‏(‏عن ابن أبي نجيح‏)‏ هو عبد الله، واسم أبي نجيح يسار ‏(‏وعن أبي معمر‏)‏ هو عبد الله بن سخبرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثمائة وستون نصباً‏)‏ بضم النون والصاد المهملة وقد تسكن بعدها موحدة‏:‏ هي واحدة الأنصاب، وهو ما ينصب للعبادة من دون الله تعالى‏.‏ ووقع في رواية ابن أبي شيبة عن ابن عيينة ضماً بدل نصباً، ويطلق النصب ويراد به الحجارة التي كانوا يذبحون عليها للأصنام وليست مرادة هنا، وتطلق الأنصاب على أعلام الطريق وليست مرادة هنا ولا في الاَية ‏(‏فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يطعنها‏)‏ بضم العين وبفتحها والأول أشهر ‏(‏بمخصرة‏)‏ كمكنسة مما يتوكأ عليه كالعصا ونحوه‏.‏ وما يأخذه الملك، يشير به إذا خاطب، والخطيب إذا خطب ‏(‏وربما قال بعود‏)‏‏.‏

وفي حديث أبي هريرة عند مسلم‏:‏ يطعن في عينيه بسية القوس‏.‏ وفي حديث ابن عمر عند الفاكهي وصححه ابن حبان‏:‏ فيسقط الصنم ولا يمسه، وللفاكهي والطبراني من حديث ابن عباس فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه مع أنها كانت ثابتة بالأرض، وقد شد لهم إبليس أقدامها بالرصاص، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لإذلال الأصنام وعابديها، ولإظهار أنها لا تنفع ولا تضر ولا تدفع عن نفسها شيئاً‏.‏ كذا في الفتح ‏(‏جاء الحق وزهق الباطل‏)‏ أي جاء الإسلام وبطل الكفر ‏(‏إن الباطل كان زهوقاً‏)‏ أي مضمحلاً زائلاً ‏(‏جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد‏)‏ أي زال الباطل وهلك، لأن الإبداء والإعادة من صفة الحيى فعدمهما عبارة عن الهلاك والمعنى جاء الحق وهلك الباطل‏.‏ وقيل الباطل الأصنام‏.‏ وقيل إبليس لأنه صاحب الباطل، أو لأنه هالك، كما قيل له الشيطان من شاط، إذا هلك، أي لا يخلق الشيطان ولا الصنم أحداً ولا يبعثه، فالمنشئ والباعث هو الله تعالى لا شريك له، وهذه الاَءَة أعني ‏"‏جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد‏"‏ في سورة سبأ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفيه عن ابن عمر‏)‏ أخرجه الفاكهي وصححه ابن حبان كما تقدم في عبارة الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا جرير‏)‏ هو ابن عبد الحميد ‏(‏عن أبيه‏)‏ اسمه حصين بن جندب ابن الحارث الجنبي الكوفي، ثقة من الثانية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقل ربي أدخلني‏)‏ أي المدينة ‏(‏مدخل صدق‏)‏ أي إدخالاً مرضياً لا أرى فيه ما أكره ‏(‏وأخرجني‏)‏ أي من مكة ‏(‏مخرج صدق‏)‏ أي إخراجاً لا ألتفت بقلبي إليها ‏(‏واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً‏)‏ أي قوة تنصرني بها على أعدائك‏.‏

قال الحسن البصري في تفسير هذه الاَية‏:‏ إن كفار أهل مكة لما ائتمروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه أو يطردون أو يوثقوه، فأراد قتال أهل مكة، أمره أن يخرج إلى المدينة، فهو الذي قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق‏"‏ الاَية‏.‏

وقال قتادة‏:‏ وقل رب أدخلني مدخل صدق‏:‏ يعني المدينة، وأخرجني مخرج صدق‏:‏ يعني مكة، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‏.‏ وهذا القول هو أشهر الأقوال‏.‏

وقال العوفي‏:‏ عن ابن عباس‏:‏ أدخلني مدخل صدق‏:‏ يعني الموت وأخرجني مخرج صدق يعني الحياة بعد الموت، وقيل غير ذلك من الأقوال، والأول أصح وهو اختبار ابن جرير، كذا في تفسير ابن كثير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نسأل عنه هذا الرجل‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏فقال سلوه‏)‏ كذا في النسخ الحاضرة عندنا بلفظ الواحد ونقل الحافظ هذا الحديث في الفتح عن الترمذي، وفيه‏:‏ فقالوا بلفظ الجمع وهو الظاهر‏.‏

وقد روى الإمام أحمد هذا الحديث في مسنده بسند الترمذي وفيه أيضاً‏:‏ فقالوا بصيغة الجمع ‏(‏فأنزل الله تعالى يسألونك عن الروح‏)‏ حديث ابن عباس هذا يدل على أن هذه الاَية نزلت بمكة‏.‏ وفي حديث ابن مسعود الاَتي‏:‏ قال كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب، فمر بنفر من اليهود إلخ‏.‏ وأخرجه البخاري في كتاب العلم من صحيحه وفيه‏:‏ بينا أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في خرب المدينة إلخ، وهو صريح في أن هذه الاَية نزلت بالمدينة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول بحمل سكونه في المرة الثانية على توقع مزيد بيان في ذلك وإن ساغ هذا، وإلا فما في الصحيح أصح، قال والأكثر على أنهم سألوه عن حقيقة الروح الذي في الحيوان، وقيل عن جبريل، وقيل عن عيسى، وقيل عن القرآن، وقيل عن خلق عظيم روحاني، وقيل غير ذلك‏.‏ وجنح ابن القيم في كتاب الروح‏:‏ إلى ترجيح أن المراد بالروح المسئول عنها في الاَية ما وقع في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏يوم يقوم الروح والملائكة صفاً‏"‏ قال وأما أرواح بني آدم فلم يقع تسميتها في القرآن إلا نفساً، كذا قال، ولا دلالة في ذلك لما رجحه بل الراجح الأول يعني روح الإنسان‏.‏ فقد أخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في هذه القصة أنهم قالوا عن الروح‏:‏ وكيف يعذب الروح الذي في الجسد وإنما الروح من الله‏؟‏ فنزلت الاَية، هذا تلخيص كلام الحافظ ‏(‏قل الروح من أمر ربي‏)‏‏.‏

قال الخازن‏:‏ تكلم قوم في ماهية الروح، فقال بعضهم‏:‏ هو الدم، ألا ترى أن الإنسان إذا مات لا يفوت منه شيء إلا الدم، وقال قوم‏:‏ هو نفس الحيوان، بدليل أنه يموت باحتباس النفس، وقال قوم‏:‏ هو عرض، وقال قوم‏:‏ هو جسم لطيف يحيى به الإنسان، وقيل‏:‏ الروح معنى اجتمع فيه النور والطب والعلم والعلو والبقاء، ألا ترى أنه إذا كان موجوداً يكون الإنسان موصوفاً بجميع هذه الصفات، وإذا خرج منه ذهب الكل‏.‏

وأقاويل الحكماء والصوفية في ماهية الروح كثيرة، وأولى الأقاويل أن يوكل علمه إلى الله عز وجل وهو قول أهل السنة‏.‏

قال عبد الله بن بريدة‏:‏ إن الله لم يطلع على الروح ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً بدليل قوله‏:‏ ‏(‏قل الروح من أمر ربي‏)‏ أي من علم ربي الذي استأثر به ‏(‏قالوا‏)‏ أي لليهود ‏(‏أوتينا علماً كبيراً‏)‏ وفي بعض النسخ‏:‏ كثيراً مكان كبيراً‏.‏ ‏(‏قل لو كان البحر‏)‏ أي ماؤه ‏(‏مداداً‏)‏ هو ما يكتب به ‏(‏لكلمات ربي‏)‏ الدالة على حكمه وعجائبه بأن تكتب به ‏(‏لنفد البحر‏)‏ في كتابتها، وبقية الاَية‏:‏ قبل أن تنفد‏.‏ بالتاء والياء ‏(‏تفرغ كلمات ربي ولو جئنا بمثله‏)‏ أي البحر ‏(‏مدداً‏)‏ أي زيادة ولم تفرغ هي ونصبه على التمييز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رجاله رجال مسلم وهو عند ابن إسحاق من وجه آخر عن ابن عباس نحوه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في حرث‏)‏ بفتح المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة ‏(‏وهو يتوكأ‏)‏ أي تعتمد ‏(‏على عسيب‏)‏ بمهملتين وآخره موحدة بوزن عظيم، وهي الجريدة التي لا خوص فيها، ووقع في رواية ابن حبان ومعه جريدة‏.‏

قال ابن فارس‏:‏ العسبان من النخل كالقضبان من غيرها ‏(‏بنفر من اليهود‏)‏ هذا اللفظ معرفة تدخله الللام تارة وتارة يتجرد وحذفوا منه ياء النسبة ففرقوا بين مفرده وجمعه كما قالوا‏:‏ زنج وزنجي ‏(‏حتى صعد الوحي‏)‏ أي حامله ‏(‏ثم قال الروح من أمر ربي‏)‏‏.‏

قال الرازي في تفسيره‏:‏ المختار أنهم سألوه عن الروح الذي هو سبب الحياة، وأن الجواب وقع على أحسن الوجوه، وبيانه أن السؤال عن الروح يحتمل عن ماهيته، وهل هي متحيزة أم لا‏؟‏ وهل هي حالة في متحيز أم لا‏؟‏ وهل هي قديمة أو حادثة‏؟‏ وهي تبقى بعد انفصالها من الجسد أو تفني‏؟‏ وما حقيقة تعذيبها وتنعيمها وغير ذلك من متعلقاتها، قال‏:‏ وليس في السؤال ما يخصص أحد هذه المعاني إلا أن الأظهر أنهم سألوه عن الماهية وهل الروح قديمة أو حادثة‏.‏

والجواب‏:‏ يدل على أنها شيء موجود مغاير للطبائع والأخلاط وتركيبها فهو جوهر بسيط مجرد لا يحدث إلا بمحدث، وهو قوله تعالى ‏"‏كن‏"‏ فكأنه قال‏:‏ هي موجودة محدثة بأمر الله وتكوينه، ولها تأثير في إفادة الحياة للجسد، ولا يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة نفيه‏.‏ قال ويحتمل أن يكون المراد بالأمر في قوله‏:‏ ‏"‏من أمر ربي‏"‏ الفعل، كقوله‏:‏ ‏"‏وما أمر فرعون برشيد، أي فعله‏.‏

فيكون الجواب‏:‏ الروح من فعل ربي إن كان السؤال هل هي قديمة أو حادثة فيكون الجواب‏:‏ أنها حادثة، إلى أن قال‏:‏ وقد سكت السلف عن البحث في هذه الأشياء والتعمق فيها انتهى ‏(‏وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً‏)‏ أي بالنسبة إلى علمه تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن علي بن زيد‏)‏ هو ابن جدعان ‏(‏عن أوس بن خالد‏)‏ قال في التقريب‏:‏ أوس بن أبي أوس، واسم أبي أوس خالد الحجازي، يكنى أبا خالد مجهول، وقيل إنه أبو الجوزاء، فإن صح فلعل له كنيتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صنفاً مشاة‏)‏ بضم الميم جمع ماش، وهم المؤمنون الذين خلطوا صالح أعمالهم بسيئها ‏(‏وصنفاً ركباناً‏)‏ أي على النوق، وهو بضم الراء وهم السابقون الكاملون الإيمان، وإنما بدأ بالمشاة جبراً لخاطرهم كما قيل في قوله تعالى ‏"‏فمنهم ظالم لنفسه‏"‏ وفي قوله سبحانه وتعالى ‏"‏يهب لمن يشاء إناثاً‏"‏ أو لأنهم المحتاجون إلى المغفرة أولاً، أو لإرادة الترقي وهو ظاهر‏.‏

وقال التوربشتي رحمه الله‏:‏ فإن قيل لم بدأ بالمشاة بالذكر قبل أولى السابقة‏؟‏

قلنا‏:‏ لأنهم هم الأكثرون من أهل الإيمان ‏(‏وصنفاً على وجوههم‏)‏ أي يمشون عليها وهم الكفار ‏(‏قيل يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم‏)‏ أي والعادة أن يمشى على الأرجل ‏(‏قال‏)‏ إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم يعني وقد أخبر في كتابه بقوله ‏(‏ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً‏)‏ وإخباره حق ووعده صدق وهو على كل شيء قدير، فلا ينبغي أن يستعد مثل ذلك ‏(‏أما‏)‏ بالتخفيف للتنبيه ‏(‏إنهم‏)‏ أي الكفار ‏(‏يتقون‏)‏ أي يحترزون ويدفعون ‏(‏كل حدب‏)‏ أي مكان مرتفع ‏(‏وشوكة‏)‏ واحدة الشوك، وهي بالفارسية خار‏.‏

قال القاضي رحمه الله‏:‏ يتقون بوجوههم، يريد به بيان هوانهم واضطرارهم إلى حد جعلوا وجوههم مكان الأيدي والأرجل في التوقي عن مؤذيات الطرق والمشي إلى المقصد لما لم يجعلوها ساجدة لمن خلقها وصورها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه ابن جرير وابن مردويه والبيهقي ‏(‏وقد روى وهيب‏)‏ بن خالد ‏(‏عن ابن طاوس‏)‏ اسمه عبد الله ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو كيسان ابن سعيد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إنكم محشورون رجالاً‏)‏ بكسر الراء جمع راجل بمعنى ماش ‏(‏يجرون‏)‏ على وجوهكم بصيغة المجهول من الجر أي تسحبون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ تقدم هذا الحديث في باب شأن الحشر من أبواب صفة القيامة وتقدم هناك تخريجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إن يهوديين قال أحدهما لصاحبه اذهب بنا الخ‏)‏ تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب قبلة اليد والرجل من أبواب الاستئذان والأدب‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سليمان بن داود‏)‏ هو أبو داود الطيالسي ‏(‏عن أبي بشر‏)‏ هو جعفر بن إياس ‏(‏وهشيم‏)‏ بالجر عطف على شعبة ‏(‏قال نزلت‏)‏ أي هذه الاَية ‏(‏سبه المشركون‏)‏ الضمير المنصوب للقرآن ‏(‏ومن أنزله‏)‏ عطف على الضمير المنصوب وكذلك قوله ‏(‏ومن جاء به‏)‏ أي سبوا القرآن والله سبحانه وجبريل ‏(‏ولا تجهر بصلاتك‏)‏ أي لا تعلن بقراءة القرآن إعلاناً شديداً فيسمعك المشركون ‏(‏فيسب بصيغة المجهول وهو منصوب بتقدير أن بعد الفاء ‏(‏القرآن‏)‏ نائب الفاعل ‏(‏ولا تخافت بها‏)‏ أي لا تخفض صوتك بالقراءة ‏(‏بأن تسمعهم حتى يأخذوا عنك القرآن‏)‏ يعني أقرأ القرآن بحيث يسمعه أصحابك ويأخذونه عنك ولا يسمعه المشركون فيسبونه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان من طريق هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موصولاً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة‏)‏ يعني في أول الإسلام ‏(‏لا تجهر بصلاتك أي بقراءتك‏)‏ وهو من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء ‏(‏وابتغ‏)‏ أي طلب ‏(‏بين ذلك سبيلاً‏)‏ أي طريقاً وسطاً بين الجهر والإخفاء‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن مسعر‏)‏ هو ابن كدام ‏(‏قال لا‏)‏ أي قال حذيفة لم يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس، وقوله هذا مبني على أنه لم يبلغه أحاديث صلاته صلى الله عليه وسلم فيه ‏(‏قلت بلى‏)‏ أي قد صلى فيه ‏(‏يا أصلع‏)‏ هو الذي انحسر الشعر عن رأسه‏.‏ قاله الجزري، وقال في القاموس‏:‏ الصلع محركة انحسار شعر مقدم الرأس لنقصان مادة الشعر في تلك البقعة وقصورها عنها واستيلاء الجفاف عليها ‏(‏بم تقول ذلك‏)‏ أي بأي دليل تقول إنه صلى الله عليه وسلم صلى فيه ‏(‏قلت بالقرآن‏)‏ أي أقول بالقرآن ‏(‏بيني وبينك القرآن‏)‏ أي بحكم بيني وبينك القرآن ويفصل ‏(‏من احتج بالقرآن فقد أفلح‏)‏ أي فاز بمرامه ‏(‏قال سفيان‏)‏ أي في بيان مراد حذيفة بقوله أفلح ‏(‏يقول‏)‏ أي حذيفة، يعني يريد ‏(‏قد احتج‏)‏ أي أني بالحجة الصحيحة ‏(‏وربما قال‏)‏ أي سفيان ‏(‏قد فلج‏)‏ من الفلج‏:‏ بفتح الفاء وسكون الللام، وبالجيم، وهو الظفر والفوز، وفلج على خصمه من باب نصر كذا في مختار الصحاح، وفي بعض النسخ‏:‏ أفلح من باب الأفعال وهو بمعنى الفلج‏.‏ قال في القاموس‏:‏ الفلج والظفر والفوز كالإفلاج ‏(‏فقال‏)‏ أي زر بن حبيش ‏(‏سبحان الذي أسرى بعيد ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى‏)‏ يعني إذا أسرى به صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى ودخله‏.‏

فالظاهر أنه قد صلى فيه ‏(‏قال‏)‏ أي حذيفة ‏(‏أفتراه صلى فيه‏)‏ يعني في هذه الاَية تصريح لصلاته صلى الله عليه وسلم ‏(‏قلت لا‏)‏ يعني ليس فيها تصريح لكن الظاهر من الاَية أنه صلى فيه ‏(‏قال لو صلى فيه لكنبت الصلاة عليكم فيه كما كتبت الصلاة في المسجد الحرام‏)‏ قد أجاب الحافظ في الفتح عن قول حذيفة هذا فقال‏:‏ ‏(‏والجواب عنه منع التلازم في الصلاة إن كان أراد بقوله كتب عليكم الفرض، وإن أراد التشريع فنلتزمه وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في بيت المقدس فقرنه بالمسجد الحرام ومسجده في شد الرحال، وذكر فضيلة الصلاة فيه في غير ما حديث‏.‏ وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي‏:‏ حتى أتيت بيت المقدس فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء تربط بها، وفيه‏:‏ فدخلت أنا وجبريل بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين، وفي رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه نحوه، وزاد‏:‏ ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد، تم أقيمت الصلاة فأممتهم‏.‏ وفي حديث ابن مسعود عند مسلم‏:‏ وحانت الصلاة فأمتهم انتهى كلام الحافظ مختصراً ‏(‏بدابة‏)‏ هي البراق ‏(‏طويلة الظهر ممدودة هكذا‏)‏ أي أشار حذيفة لطول ظهرها ومد بيده ‏(‏خطوة‏)‏ في القاموس‏:‏ خطا خطواً مشى،

والخطوة ويفتح‏:‏ ما بين القدمين ‏(‏مد بصره‏)‏ أي منتهى بصره ‏(‏فما زايلها ظهر البرق‏)‏ أي ما فارق النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل ظهره، في القاموس‏:‏ زايله مزايلة وزيالاً‏:‏ فارقه انتهى‏.‏ وفيه دليل على أن جبريل عليه السلام كان راكباً مع النبي صلى الله عليه وسلم على البراق‏.‏

وفي صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود‏:‏ أن جبريل حمله على البراق رديفاً له، وفي رواية الحرث في مسنده‏:‏ أتى بالبراق فركب خلف جبريل فسار بهما، فهذا صريح في ركوبه معه‏.‏

فهذه الروايات حجة على من أنكر ركوب جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم على البراق ‏(‏ثم رجعا عودهما على بدئهما‏)‏ قال في القاموس‏:‏ رجع عوداً على بدء وعوده على بدئه‏:‏ أي لم يقطع ذهابه حتى وصله برجوعه ‏(‏ويتحدثون أنه ربطه لما ليفر منه الخ‏)‏ قد أجاب البيهقي عن قول حذيفة هذا وقوله المتقدم فقال‏:‏ المثبت مقدم على النافي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ بعد ذكر كلام البيهقي هذا يعني من أثبت ربط البراق والصلاة في بيت المقدس معه زيادة علم على من نفى ذلك فهو أولى بالقبول ووقع في رواية بريدة عند البزار لما كان ليلة أسري به فأتى جبريل الصخرة التي ببيت المقدس فوضع إصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق، ونحوه للترمذي انتهى‏.‏ وقوله لما يعني‏:‏ لأي شيء ربط البراق، ثم قال على وجه الإنكار ليفر منه‏:‏ أي هل ربطه لخوف فراره منه، ثم قال‏:‏ إنما سخره الخ يعني لا يمكن منه الفرار، لأنه مسخر من الله تعالى فلا حاجة إلى ربطه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي نضرة‏)‏ اسمه المنذر بن مالك بن قطنة العبدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنا سيد ولد آدم‏)‏ قاله إخباراً عما أكرمه الله تعالى من الفضل والسؤدد، وتحدثاً بنعمة الله تعالى عنده وإعلاماً منه لأمته ليكون إيمانهم به على حسبه وموجبه، ولهذا أتبعه بقوله ‏(‏ولا فخر‏)‏ أي أن هذه الفضيلة التي نلتها كرامة من الله لم أنلها من قبل نفسي ولا بلغتها بقوتي فليس لي أن أفتخر بها، قاله الجزري‏.‏ وقال النووي‏:‏ فيه وجهان‏:‏ أحدهما قاله امتثالاً لأمر الله تعالى‏:‏ ‏"‏وأما بنعمه ربك فحدث‏"‏ وثانيهما‏.‏ أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه إلى أمته ليعرفوه ويعتقدوه ويعملوا بمقتضاه في توقيره صلى الله عليه وسلم كما أمرهم الله تعالى به انتهى ‏(‏لواء الحمد‏)‏ اللواء بالكسر وبالمد‏:‏ الرراية، ولا يمسكها إلا صاحب الجيش، قاله الجزري في النهاية‏.‏

قال الطيبي‏:‏ لواء الحمد عبارة عن الشهرة وانفراده بالحمد على رؤوس الخلائق ويحتمل أن يكون لحمده لواء يوم القيامة حقيقة يسمى لواء الحمد‏.‏ وقال التوربشتي‏:‏ لا مقام من مقامات عباد الله الصالحين أرفع وأعلى من مقام الحمد، ودونه تنتهي سائر المقامات، ولما كان نينا سيد المرسلين، أحمد الخلائق في الدنيا والاَخرة أعطى لواء الحمد ليأوى إلى لوائه الأولون والاَخرون، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ آدم ومن دونه تحت لوائي انتهى‏.‏

قلت‏:‏ حمل لواء الحمد على معناه البيهقي هو الظاهر بل هو المتعين، لأنه لا يصار إلى المجاز مع إمكان الحقيقة ‏(‏وما يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي‏)‏ قال الطيبي‏:‏ نبي نكرة وقعت في سياق النفي وأدخل عليه من الاستغراقية، فيفيد استغراق الجنس، وقوله آدم فمن‏:‏ إما أو بدل من محله، ومن فيه موصولة وسواه صلته، وصح لأنه ظرف، وأوثر الفاء التفصيلية في فمن سواه على الواو للترتيب، على منوال قولهم‏:‏ الأمثل فالأمثل ‏(‏وأنا أول من ينشق عنه الأرض‏)‏ أي للبعث فلا يتقدم أحد عليه بعثاً فهو من خصائصه ‏(‏فيفزع الناس ثلاث فزعات‏)‏‏.‏

قال القرطبي‏:‏ كأن ذلك يقع إذا جيء بجهنم، فإذا زفرت فزع الناس حينئذ وجثوا على ركبهم ‏(‏إني أذنبت ذنباً‏)‏ يعني أكله من الشجرة وقد نهى عنها ‏(‏أهبطت منه‏)‏ بسببه والجملة صفة لقوله ذنباً ‏(‏فيقول إني دعوت دعوة على أهل الأرض دعوة فأهلكوا‏)‏ وفي رواية‏:‏ إني دعوت بدعوة أغرقت أهل الأرض، والمارد بهذه الدعوة قوله‏:‏ ‏"‏رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً‏"‏ وفي رواية قال‏:‏ إنه لو كانت لي دعوة دعوت بها على قومي، وفي رواية‏:‏ ويذكر سؤال ربه ما ليس له به علم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويجمع بينه اعتذر بأمرين، أحدهما‏:‏ نهى الله تعالى له أن يسأل ما ليس له به علم، فخشى أن تكون شفاعته لأهل الموقف من ذلك، ثانيهما‏:‏ أن له دعوة واحدة محققة الإجابة، وقد استوفاها بدعائه على أهل الأرض، فخشى أن يطلب فلا يجاب ‏(‏فيقول إني كذبت ثلاث كذبات‏)‏ يأتي بيان هذه الكذبات في تفسير سورة الأنبياء، قال البيضاوي‏:‏ الحق أن الكلمات الثلاث إنما هي من معاريض الكلام لكن لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق منها ساتصغاراً لنفسه عن الشفاعة مع وقوعها، لأن من كان أعرف بالله وأقرب إليه منزلة كان أعظم خوفاً ‏(‏إلا ما حل بها‏)‏ بالحاء المهملة‏.‏ قال في النهاية‏:‏ أي دفع وجادل من المحال بالكسر وهو الكيد، وقيل المكر، وقيل القوة والشدة وميمه أصلية، ورجل محل أي ذو كيد ‏(‏فيقول إني قد قتلت نفساً‏)‏ وفي رواية عند سعيد بن منصور‏:‏ إني قتلت نفساً بغير نفس وإن يغفر لي اليوم حسبي ‏(‏فيقول إني عبدت من دون الله‏)‏ وفي رواية أحمد والنسائي من حديث ابن عباس‏:‏ إني اتخذت إلهاً من دون الله، وفي رواية عند سعيد بن منصور ونحوه، وزاد‏:‏ وإن يغفر لي اليوم حسبي ‏(‏قال ابن جدعان، قال أنس‏:‏ فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعقها‏)‏ أخذ ابن جدعان هذا القدر من حديث أنس لا من حديث أبي سعيد ولذا صرح به، وأما قوله‏:‏ فيقال من هذا فيقال محمد إلى آخر الحديث، فهو من حديث أبي سعيد لا من حديث أنس كما صرح به سفيان بقوله ليس عن أنس إلا هذه الكلمة فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها ‏(‏فأقعقعها‏)‏ أي أحركها لتصوت والقعقعة حكاية حركة الشيء يسمع له صوت ‏(‏فيقولون مرحباً‏)‏ هذا بيان لقوله يرحبون بي ‏(‏واشفع تشفع‏)‏ بصيغة المجهول من التفعيل، أي تقبل شفاعتك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه مختصراً، وأخرجه أيضاً الترمذي في أوائل المناقب مختصراً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى بعضهم هذا الحديث عن أبي نضرة عن ابن عباس الحديث بطوله‏)‏ أخرجه أحمد‏.‏

1824- باب ومن سورَةَ الْكَهْف

مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية

3259- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قال‏:‏ ‏"‏قُلْتُ لاِبنِ عَبّاسٍ‏:‏ إنّ نَوْفاً الْبِكَالِيّ يَزْعُمُ أَنّ مُوسَى صَاحِبَ بَنِي إسْرَائِيلَ لَيْسَ بِمُوسَى صَاحِبِ الْخَضِرِ‏.‏ قال‏:‏ كَذَبَ عَدُوّ الله، سَمِعْتُ أُبَيّ بنَ كَعْبٍ يقولُ‏:‏ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ‏:‏ قَامَ مُوسَى خَطِيباً في بَنِي إسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ‏:‏ أَيّ النّاسِ أَعْلَمُ‏؟‏ قال‏:‏ أَنَا أَعْلَمُ‏.‏ فَعَتِبَ الله عَلَيْهِ، إذْ لَمْ يَرُدّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى الله إِلَيْهِ أَنّ عَبْداً مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنكَ‏.‏ قال مُوسَى‏:‏ أَي رَبّ، فَكَيْفَ لِي بِهِ‏؟‏ فقالَ لهُ‏:‏ احْمِلْ حُوتاً في مِكْتَلٍ، فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثُمّ‏.‏ فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ، وَهُوَ يُوشَعُ بنُ نُونٍ، فَجَعَلَ مُوسَى حُوتاً في مِكْتَلٍ، فَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يَمْشِيَانِ حَتّى إذَا أَتَيَا الصّخْرَةَ، فَرَقَدَ مُوسَى وَفَتَاهُ، فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ في المِكْتَلِ حَتّى خَرَجَ مِنَ المِكْتَلِ فَسَقَطَ في الْبَحْرِ‏.‏ قال‏:‏ فَأَمْسَكَ الله عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ حَتّى كَانَ مِثْلَ الطّاقِ وكَانَ لِلْحُوتِ سَرَباً، وكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَباً، فَانْطَلَقَا بِقَيّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا، وَنَسِيَ صَاحِبُ مُوسَى أَنْ يُخْبِرَهُ، فَلَمّا أَصْبَحَ مُوسَى قَالَ لِفَتَاهُ‏:‏ ‏{‏آتِنَا غَدَائَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنَ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً‏}‏‏.‏ قال‏:‏ وَلَمْ يَنْصَبْ حَتّى جَاوَزَ المَكَانَ الّذِي أُمِرَ بِهِ‏.‏ قال‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصّخْرَةِ فَإِنّي نَسِيتُ الْحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاّ الشّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، وَاتّخَذَ سَبِيلَهُ في الْبَحْرِ عَجَباً‏}‏‏.‏ قال مُوسَى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ مَا كُنّا نَبْغِ، فَارْتَدّا عَلَى آثَارِهِما قَصَصاً‏}‏‏.‏ قال‏:‏ فكانا يَقَصّانِ آثَارَهُمَا‏.‏ قال سُفْيَانُ‏:‏ يَزْعَمُ نَاسٌ أَنّ تِلْكَ الصّخْرَةَ عِنْدَهَا عَيْنُ الْحَيَاةِ، لا يُصِيبُ مَاءَهَا مَيّتاً إلاّ عَاشَ‏.‏ قال‏:‏ وكَانَ الْحُوتُ قَدْ أُكِلَ مِنْهُ، فَلَمّا قُطِرَ عَلَيْهِ الْمَاءُ عَاشَ‏.‏ قال‏:‏ فَقَصّا آثَارَهُما حَتّى أَتَيَا الصّخْرَةَ، فَرَأَى رَجُلاً مُسَجّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ، فَسَلّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فقال‏:‏ أَنّي بِأَرْضِكَ السّلاَمُ‏؟‏ فقال‏:‏ أَنَا مُوسَى، فقال‏:‏ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ‏؟‏ قال‏:‏ نَعَمْ، قال‏:‏ يَا مُوسَى إِنّكَ عَلَى علْمٍ مِنْ عِلْمِ الله عَلَمَكَهُ الله لا أعْلَمُهُ، وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ الله عَلّمِنِيهِ لا تَعْلَمُهُ‏.‏ فقال مُوسَى‏:‏ ‏{‏هَلْ أَتّبِعُكَ عَلَى أَنْ تعَلّمنِ مِمّا عُلّمْتَ رُشْداً0 قال‏:‏ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً‏؟‏ قال‏:‏ سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ الله صَابِراً وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْراً‏}‏ قال لهُ الْخَضِرُ‏:‏ ‏{‏فإن اتّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْء حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً‏}‏ قال‏:‏ نَعَمْ‏.‏ فَانْطَلَقَ الْخَضِرُ وَمُوسَى يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَمَرّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ، فَكَلّمَاهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُما، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ، فَحَمَلُوهُما بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَعَمِدَ الْخَضِرُ إلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السّفِينَةِ فَنَزَعَهُ، فقال لَهُ مُوسَى‏:‏ قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمِدْتُ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فخَرَقْتَهَا ‏{‏لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إمراً‏.‏ قال‏:‏ أَلَمْ أَقُلْ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قال‏:‏ لا تُؤَاخِذْني بِمَا نَسِيتُ ولا تُرْهقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً‏}‏ ثمّ خَرَجَا مِنَ السّفِينَةِ، فَبَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السّاحِلِ وَإذَا غُلاَمٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأَسِهِ فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ فَقَتَلَهُ، فقال لهُ مُوسَى‏:‏ ‏{‏أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيّةً بِغَيْرِ نَفْسِ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً‏.‏ قال‏:‏ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً‏}‏ قال‏:‏ وَهَذِهِ أَشَدّ مِنَ الاْولَى ‏{‏قال‏:‏ إنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْء بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنّي عُذْراً‏.‏ فَانْطَلَقَا حَتّى إذَا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيّفُوهُمَا، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضّ‏}‏ يقولُ مَائِلٌ- فقال الْخَضِرُ بِيَدِهِ هَكَذَا ‏{‏فَأَقَامَهُ‏}‏ فـ ‏{‏قال‏}‏ لَهُ مُوسَى‏:‏ قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فلَمْ يُضَيّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا، ‏{‏لَوْ شِئْتَ لاَتّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً‏.‏

قال‏:‏ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وبَيْنِكَ سَأُنَبّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً‏}‏‏.‏

قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يَرْحَمُ الله مُوسَى، لَوَدِدْنَا أَنّهُ كَانَ صَبَرَ حَتّى يَقُصّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهَما‏.‏ قال‏:‏ فقال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ الاْولَى كَانَتْ مِنْ مُوسَى نِسْيَاناً‏.‏ قال‏:‏ وَجَاءَه عُصْفُورٌ حَتّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السّفِينَةِ ثمّ نَقَرَ في الْبَحْرِ، فقال لهُ الْخِضرُ‏:‏ ما نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ الله إلاّ ما نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْ الْبَحْرِ‏.‏ قال سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ- وكَانَ يَعْني ابنَ عَبّاسٍ- يَقْرَأُ‏:‏ وكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأخُذُ كُلّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصباً، وكَانَ يَقْرَأُ‏:‏ وَأَمّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِراً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَرَوَاهُ الزّهْرِيّ عن عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ، عن ابنِ عَبّاسٍ، عن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد رَوَاهُ أبو إسْحَاقَ الْهَمْدَانيّ عن سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ عن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال أبو مُزَاحِمٍ سمعت أبا مُزَاحِمٍ السّمَرْقَنْدِيّ، يقول‏:‏ قال عَلِيّ بنُ المَدنِيّ يقول‏:‏ حَجَجْتُ حَجّةً وَلَيْسَ لِي هِمّةٌ إلاّ أَنْ أَسْمَعَ مِنْ سُفْيَانَ يَذْكُرُ في هذا الحديثِ الْخَبَرَ حَتّى سَمِعْتُهُ يقولُ‏:‏ حدثنا عَمْرُو بن دِينَارٍ، وقد كُنْتُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سُفْيَانَ من قَبْل ذَلِكَ، ولم يَذْكُرْ الْخَبَرَ‏.‏

3260- حدثنا أبو حَفْصٍ عَمْرِو بنُ عَلِيّ، أخبرنا أبو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بنُ قُتَيْبَةَ، أخبرنا عَبْدُ الْجَبّارِ بنُ عَبّاسٍ عن أبي إسْحَاقَ عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ عن أُبَيّ بن كَعْبٍ عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏الْغُلاَمُ الّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ طُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِراً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏

3261- حدثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ، عن هَمّامِ بنِ مُنَبّهٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ قال‏:‏ قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنّمَا سُمّيَ الْخَضِرُ لأنّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَاهْتَزّتْ تَحْتَهُ خَضْرَاءَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏

3262- حدثنا جَعْفَرُ بنُ مُحمّدٍ بنِ فُضَيْلٍ الْجَزَرِيّ وغيرُ وَاحِدٍ، قالُوا أخبرنا صَفْوَانُ بنُ صَالِحٍ، أخبرنا الْوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ عن يَزِيدَ بنِ يُوسُفَ الصّنْعَانِيّ عن مَكْحُولٍ عن أُمّ الدّرْدَاءِ عن أبي الدّرْدَاءِ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله‏:‏ ‏{‏وكَانَ تَحَتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا‏}‏ قال‏:‏ ذَهَبٌ وَفِضّةٌ‏"‏‏.‏

حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الْخَلاّلُ، أخبرنا صَفْوَانُ بنُ صَالِحٍ، أخبرنا الْوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ عن يَزِيدَ بنِ يُوسُفَ الصّنْعَانِيّ عن يَزِيدَ بنِ يَزِيدَ بنِ جَابِرٍ عن مَكْحُولٍ بهَذَا الإسْنَادِ نحْوَهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث غريب‏.‏

3263- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ وغيرُ وَاحِدٍ- المَعْنَى وَاحِدٌ- وَاللّفْظُ لِ رج مُحَمّدِ بنِ بَشّارٍ، قالُوا حدثنا هِشَامُ بنُ عَبْدِ الملِكِ، حدثنا أبو عَوانَةَ عن قَتَادَةَ عن أبي رَافِعٍ من حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في السّدّ قال‏:‏ ‏"‏يَحْفُرُونَهُ كُلّ يَوْمٍ حَتّى إذَا كَادُوا يَخْرِقُونَهُ قال الّذِي عَلَيْهِمْ‏:‏ ارْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَداً‏.‏ قال‏:‏ فَيُعِيدُهُ الله كأمْثَلِ مَا كَانَ حَتّى إذَا بَلَغَ مُدّتَهُمْ وَأَرَادَ الله أنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النّاسِ قال الّذِي عَلَيْهِمْ‏:‏ ارْجِعُوا فَسَتَخْرِقُونَهُ غَداً إنْ شَاءَ الله، وَاسْتَثْنَى‏.‏ قال‏:‏ فَيَرْجِعُونَ فَيَجِدُونَهُ كَهَيْئَتِةِ حِينَ تَرَكُوهُ، فَيَخْرِقُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النّاسِ فَيَسْتَقُونَ المِيَاهَ، وَيَفرّ النّاسُ مِنْهُمْ فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إلَى السّمَاءِ فَترْجِعُ مُخْضَبَةً بِالدّمَاءِ، فيقولُونَ‏:‏ قَهَرْنَا مَنْ في الأرْضِ وَعَلَوْنَا مَنْ في السّماءِ- قَسْوَةً وَعُلُوّا- فَيَبْعَثُ الله عَلَيْهِمْ نَغَفاً في أقْفَائِهِمْ فَيُهْلَكُونَ‏.‏ قال‏:‏ فَوَالّذِي نَفْسُ مُحمّدٍ بِيَدِهِ إنّ دَوَابّ الأرْضِ تَسْمُنُ وَتَبْطَرُ وَتَشْكُرُ شُكْراً مِنْ لُحُومِهِمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ إنما نَعْرِفُهُ من هذا الْوَجْهِ مِثْلَ هذا‏.‏

3264- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ وغيرُ وَاحِدٍ، قالُوا أخبرنا مُحمّدُ بنُ بَكْر الْبُرْسَانيّ عن عَبْدِ الْحَمِيدِ بنِ جَعْفَرٍ، قال أخبرني عن ابنِ مِينَاءَ عن أبي سَعِيدِ بنِ أبي فَضَالَةَ الأنْصَارِيّ- وكَانَ مِنَ الصّحَابَةِ- قال سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ‏:‏ ‏"‏إذَا جَمَعَ الله النّاسَ يوم القيامة لِيَوْمٍ لاَ رَيْبَ فِيهِ، نَادَى مُنَادٍ‏:‏ مَنْ كَانَ أَشْرَكَ في عَمَلٍ عَمِلَهُ لله أحَداً، فَلَيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ الله، فَإِنّ الله أَغْنَى الشّرَكَاءِ عَنِ الشّرْكِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ من حديثِ مُحمّدِ بنِ بَكْرٍ‏.‏

- ‏(‏إن نوفاً‏)‏ بفتح النون وسكون الواو بعدها فاء‏:‏ هو ابن فضالة ‏(‏البكالى‏)‏ بكسر الموحدة وبالكاف مخففاً وبعد الألف لام وهو منسوب إلى بني بكال بن دعمي بن دسعد بن عوف بطن من حمير، ويقال إنه ابن امرأة كعب الأحبار، وقيل ابن أخيه، وهو تابعي صدوق ‏(‏يزعم أن موسى صاحب بني إسرائيل ليس بموسى صاحب الخضر‏)‏ وفي رواية ابن إسحاق عن سعيد بن جبير عند النسائي قال‏:‏ كنت عند ابن عباس وعنده قوم من أهل الكتاب، فقال بعضهم يا ابن عباس‏:‏ إن نوفاً يزعم عن كعب الأحبار أن موسى الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا أي ابن إفراثيم بن يوسف عليه السلام، فقال ابن عباس‏:‏ أسمعت ذلك منه يا سعيد‏؟‏ قلت نعم، قال‏:‏ كذب نوف‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ في المبتدأ كان موسى بن ميشاقيل موسى بن عمران نبياً في بني إسرائيل، ويزعم أهل الكتاب أنه الذي صحب الخضر كذا في الفتح ‏(‏قال كذب عدو الله‏)‏ هذان اللفظان محمولان على إرادة المبالغة في الزجر والتنفير عن تصديق تلك المقابلة‏.‏ قال ابن التين‏:‏ لم يرد بان عباس إخراج نوف عن ولاية الله، ولكن قلوب العلماء تتنفر إذا سمعت غير الحق فيطلقون أمثال هذا الكلام لقصد الزجر وحقيقته غير مرادة ‏(‏فعتب الله عليه‏)‏ العتب من الله تعالى محمول على ما يليق به لا على معناه العرفي في الاَدميين كنظائره ‏(‏أن عبداً من عبادي بمجمع البحرين‏)‏ اختلف في مكان مجمع البحرين، فروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال‏:‏ بحر فارس والروم، وقيل غير ذلك، وذكر الحافظ في الفتح‏:‏ أقوال مختلفة فيه ثم قال هذا اختلاف شديد ‏(‏أي رب‏)‏ أصله ربي حذفت ياء المتكلم للتخفيف اكتفاء بالكسر ‏(‏فكيف لي به‏)‏ أي كيف الالتقاء لي بذلك العبد ‏(‏أحمل حوتاً في مكتل‏)‏ بكسر الميم وفتح المثناة من فوق قال في القاموس‏:‏ هو زنبيل خمسة عشر صاعاً‏.‏ وفي رواية أبي إسحاق عند مسلم‏:‏ فقيل له تزود حوتاً مالحاً‏.‏

قال الحافظ‏:‏ يستفاد من هذه الرواية أن الحوت كان ميتاً، لأنه لا يملح وهو حي ‏(‏فهو ثم‏)‏ بفتح الثاء المثلثة ظرف بمعنى هناك، وقالت النحاة‏:‏ هو اسم يشار به إلى المكان البعيد، أي فذلك العبد في ذلك المكان ‏(‏فتاه‏)‏ أي صاحبه ‏(‏وهو يوشع‏)‏ بضم التحتية وسكون الواو وفتح الشين المعجمة ‏(‏بن نون‏)‏ مصروف كنوح‏.‏ ويوشع بن نون هذا من أولاد يوسف عليه السلام، وإنما قال فتاه لأنه كن يخدمه ويتبعه، وقيل كان يأخذ العلم عنه وهو الذي قام في بني إسرائيل بعد موت موسى ‏(‏حتى إذا أتيا الصخرة‏)‏ أي التي عند مجمع البحرين، والصخرة في اللغة الحجر الكبير ‏(‏فأمسك الله عنه جرية الماء‏)‏ أي جريانه ‏(‏حتى كان مثل الطاق‏)‏ الطاق ما عطف من الأبنية أي جعل كالقوس من قنطرة ونافذة وما أشبه ذلك، وفي رواية لمسلم‏:‏ فاضطرب الحوت في الماء فجعل لا يلتئم عليه حتى صار مثل الكوة ‏(‏وكان للحوت سرياً‏)‏ أي مسكاً ومذهباً يسرب ويذهب فيه ‏(‏وكان لموسى وفتاه عجباً‏)‏ أي شيئاً يتعجب منه ‏(‏آتنا غداءنا‏)‏ أي طعامنا وزادنا ‏(‏نصباً‏)‏ أي شدة وتعباً ‏(‏لم ينصب‏)‏ أي لم يتعب من باب سمع يسمع‏.‏

وفي رواية البخاري‏:‏ ولم يجد موسى النصب ‏(‏أرأيت‏)‏ أي أخبرني ‏(‏إذ‏)‏ ظرف بمعنى حين وفيه حذف تقديره أرأيت ما دهاني إذ أوينا إلخ ‏(‏ذلك‏)‏ أي فقدان الحوت ‏(‏ما كنا نبغ‏)‏ أي هو الذي كنا نطلبه لأنه علامة وجدان المقصود ‏(‏فارتدا‏)‏ أي رجعا ‏(‏على آثارهما‏)‏ أي آثار سيرهما ‏(‏قصصاً‏)‏ أي يقصان قصصاً ‏(‏يقصان آثارهما‏)‏‏.‏

قال في القاموس‏:‏ قص أثره قصاً وقصصاً تتبعه، وقال فيه ‏(‏فارتدا على آثارهما قصصاً‏)‏ أي رجعاً من الطريق الذي سلكاه يقتضان الأثر‏.‏

قال سفيان‏:‏ يزعم ناس إلى قوله ‏(‏فلما قطر عليه الماء عاش‏)‏ وعند البخاري في التفسير‏:‏ قال سفيان وفي حديث غير عمر‏.‏ وقال وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة، لا يصيب من ماثها شيء إلا حيى، فأصاب الحوت من ماء تلك العين، قال فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر‏.‏

قال الحافظ‏:‏ هذه الزيادة التي ذكر سفيان أنها في حديث غير عمر، وقد أخرجها ابن مردويه من رواية إبراهيم بن يسار عن سفيان مدرجة في حديث عمرو، وأظن أن ابن عيينة أخذ ذلك عن قتادة، فقد أخرج بن أبي حاتم من طريقه قال‏:‏ فأتى على عين في البحر يقال لها عين الحياة فلما أصاب تلك العين رد الله روح الحوت إليه‏:‏ وقد أنكر الداودي فيما حكاه ابن التين هذه الزيادة فقال‏:‏ لا أرى هذا يثبت فإن كان محفوظاً فهو من خلق الله وقدرته انتهى وقوله قطر عليه الماء من القطر‏:‏ وهو بالفارسية جكيدن وجكانيدان لازم ومتعد ‏(‏مسجي‏)‏ اسم مفعول من التسجية أي مغطى ‏(‏فسلم عليه موسى‏)‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ فقال السلام عليكم، فكشف الثوب عن وجهه وقال وعليكم السلام ‏(‏فقال أني بأرضك السلام‏)‏ قال الحافظ‏:‏ هي بمعنى أين أو كيف، وهو استفهام استبعاد، يدل على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا إذ ذاك مسلمين ‏(‏فقال أنا موسى‏)‏ في رواية البخاري‏:‏ من أنت‏؟‏ قال‏:‏ أنا موسى ‏(‏إنك على علم من الله لا أعلمه‏)‏ أي لا أعلم جميع ‏(‏وأنا على علم من الله علمنيه لا تعلمه‏)‏ أي لا تعلم جميعه‏.‏ وتقدير ذلك متعين، لأن الخضر كان يعرف من الحكم الظاهر مالا غنى بالمكلف عنه، وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي ‏(‏رشداً‏)‏ صفة لمحذوف، أي علماً رشداً أي ذا رشد، وهو من قبيل رجل عدل ‏(‏إنك لن تستطيع معي صبراً‏)‏ كذا أطلق بالصيغة الدالة على استمرار النفي لما أطلعه الله عليه من أن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشرع، لأن ذلك شأن عصمته، ولذلك لم يسأله موسى عن شيء من أمور الديانة، بل مشى معه ليشاهد منه ما اطلع به على منزلته في العلم الذي اختص به ‏(‏وكيف تصبر‏)‏ استفهام عن سؤال تقديره لم‏.‏

قلت‏:‏ إني لا أصبر وأنا سأصبر قال‏:‏ كيف تصبر ‏(‏على ما لم تحط به خبراً‏)‏ أي علماً ‏(‏فانطلق الخضر وموسى بمشيان‏)‏ لم يذكر فتى موسى وهو يوشع لأنه تابع غير مقصود بالأصالة ‏(‏فكلما هم‏)‏ أي أهل السفينة ‏(‏بغير نول‏)‏ بفتح النون وسكون الواو وهو الأجرة ‏(‏فنزعه‏)‏ أي قلعه ‏(‏أمراً‏)‏ أي منكراً‏.‏ قاله مجاهد‏:‏ أو عظيماً، قاله قتادة‏:‏ ‏(‏لا تؤاخذني بما نسيت‏)‏ كلمة ما يجوز أن تكون موصولة أي بالذي نسيت والعائد محذوف أي نسيته، ويجوز أن تكون مصدرية أي بنسياني، ويجوز أن تكون نكرة بمعنى شيء، أي بشيء نسيته ‏(‏لا ترهقني‏)‏ أي لا تكلفني ‏(‏عسراً‏)‏ أي مشقة في صحبتي إياك، أي عاملني فيها بالعفو واليسر ‏(‏فأخذ الخضر برأسه فافتلعه‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ فأخذ غلاماً كافراً ظريفاً فأضجعه ثم ذبحه بالسكين ويجمع بينهما بأنه ذبحه ثم اقتله رأسه ‏(‏أقتلت نفساً ذكية‏)‏ أي طاهرة من الذنوب ‏(‏بغير نفس‏)‏ أي بغير قصاص لك عليها ‏(‏نكراً‏)‏ أي منكراً وعن قتادة وابن كيسان‏:‏ النكر أشد وأعظم من الأمر ‏(‏وهذه أشد من الأولى‏)‏ أي أوكد من الأولى حيث زاد كلمة لك ‏(‏فلا تصاحبني‏)‏ أي فارقني ‏(‏قد بلغت من لدني عذراً‏)‏ أي بلغت إلى الغاية التي تعذر بسببها في قراقي ‏(‏حتى إذا أتيا أهل قرية‏)‏ قيل الأيلة، وقيل أنطاكية، وقيل‏:‏ ازربيجان، وقيل غير ذلك‏.‏ وذكر الحافظ في الفتح أقوالاً عديدة ثم قال‏:‏ هذا الاختلاف قريب من الاختلاف في المراد بمجمع البحرين، وشدة المباينة في ذلك تقتضي أن لا يوثق بشيء من ذلك ‏(‏أن يضيفوهما‏)‏ أي ينزلوهما بمنزلة الأضياف ‏(‏فيها‏)‏ أي في القرية ‏(‏يريد أن ينقض‏)‏ هذا المجاز، لأن الجدار لا يكون له حقيقة إرادة، أي قرب ودني من الانقضاض وهو السقوط واستدل الأصوليون بهذا على وجود المجاز في القرآن وله نظائر معروفة ‏(‏يقول مائل‏)‏ هذا تفسير لقوله يريد أن ينقض من بعض الرواة ‏(‏فقال الخضر بيده هكذا أي أشار إليه بيده وهو من إطلاق القول على الفعل وهذا في كلام العرب كثير ‏(‏قوم‏)‏ أي هؤلاء قوم أو هم قوم ‏(‏لاتخذت عليه أجراً‏)‏ أي أجرة وجعلاً ‏(‏قال‏)‏ أي الخضر لموسى ‏(‏هذا فراق‏)‏ أي وقت فراق ‏(‏بيني وبينك‏)‏ فيه إضافة بين إلى غير متعدد سوغها تكريره بالعطف بالواو ‏(‏سأنبئك‏)‏ قبل فراقي ‏(‏يرحم الله موسى‏)‏ إخبار ولكن المارد منه الأنشاء لأنه دعاء له بالرحمة ‏(‏الأولى‏)‏ صفة موصوفها محذوف أي المسألة الأولى ‏(‏نسياناً‏)‏ خبر كانت وعند البخاري في التفسير كانت الأولى نسياناً والوسطى شرطاً والثالثة عمداً‏.‏ قال العيني قوله‏:‏ نسياناً حيث قال‏:‏ لا تؤاخدني بما نسيت‏؟‏ وشرطاً حيث قال‏:‏ إن سألتك عن شيء بعدها، وعمداً حيث قال‏:‏ لو شئت لاتخذت عليه أجراً ‏(‏وجاء عصفور‏)‏ بضم أوله طير مشهور وقيل هو الصرد ‏(‏على حرف السفينة‏)‏ أي على طرفها ‏(‏ما نقص علمي وعلمك من علم الله‏)‏ لفظ النقص ليس له ظاهر لأن علم الله لا يدخله النقص، فقيل معناه لم يأخذ، وهذا توجيه حسن ويكون التشبيه واقعاً على الأخذ لا على المأخوذ منه، وأحسن منه أن المراد بالعلم المعلوم بدليل دخول حرف التبعيض لأن العلم القائم بذات الله تعالى صفة قائمة لا تتبعض والمعلوم هو الذي يتبعض‏.‏ وقال الإسماعيلي‏:‏ المراد أي نقص العصفور لا ينقص البحر بهذا المعنى وهو كما قيل‏:‏

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهمبهن فلول من قراع الكتائب‏.‏

أي ليس فيهم عيب‏.‏

وحاصله‏:‏ أن نفي النقص أطلق على سبيل المبالغة، وقيل إلا بمعنى ولا، أي ولا كنقرة هذا العصفور‏.‏ وقد وقع في رواية ابن جريج بلفظ أحسن سياقاً من هذا وأبعد إشكالاً، فقال‏:‏ ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور بمنقاره من البحر، وهو تفسير للفظ الذي وقع هنا، كذا في الفتح ‏(‏يقرأ وكان أمامهم‏)‏ والقراءة المشهورة‏:‏ وكان وراءهم ‏(‏ملك يأخذ كل سفينة صالحة‏)‏ كذا كان يقرأ ابن عباس بزيادة صالحة بعد كل سفينة، وكذا كان يقرأ أبيّ ففي رواية النسائيّ‏:‏ وكان أبيّ يقرأ يأخذ كل سفينة صالحة غصباً، وفي رواية إبراهيم بن يسار عن سفيان، وكان ابن مسعود يقرأ كل سفينة صحيحة غصباً ‏(‏وكان يقرأ‏)‏ أي ابن عباس ‏(‏وأما الغلام فكان كافراً‏)‏ والقراءة المشهورة‏:‏ وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري في مواضع فوق العشرة، ومسلم في أحاديث الأنبياء، والنسائي ‏(‏قال أبو مزاحم السمرقندي‏)‏ اسمه سباع بكسر السين المهملة بعدها موحدة ابن النضر، مقبول من الثانية عشرة ‏(‏وليست لي همة‏)‏ بالكسر ويفتح ما هم به من أمر ليفعل وأول العزم والعزم القوي ‏(‏إلا أن أسمع من سفيان بذكر في هذا الحديث الخبر‏)‏ أي لفظ حدثنا أو أخبرنا ‏(‏حتى سمعته‏)‏ أي سفيان ‏(‏يقول حدثنا عمرو بن دينار، وقد كنت سمعت هذا‏)‏ أي هذا الحديث ‏(‏من سفيان قبل ذلك ولم يذكر الخبر‏)‏ أي لم يذكر سفيان لفظ‏:‏ حدثنا أو أخبرنا، بل ذكر لفظ عن أو اقل أو نحوهما، وإنما لم يقنع ابن المديني‏:‏ على ما سمع هذا الحديث من سفيان بغير لفظ، الخبر لأنه كان يدلس، وإن كان تدليسه من الثقات كما صرح به الحافظ في طبقات المدلسين‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الجبار بن عباس‏)‏ الشامي بكسر المعجمة ثم موحدة خفيفة، نزل الكوفة صدوق، يتشيع من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏طبع يوم طبع كافراً‏)‏ أي خلق يوم خلق كافراً، يعني خلق على أنه يختار الكفر، فلا ينافي خبر‏:‏ كل مولود يولد على الفطرة إذ المراد بالفطرة استعداد قبول الإسلام، وهو لا ينافي كونه شقياً في جبلته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود وابن جرير في تفسيره‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى بن موسى‏)‏ هو البلخي ‏(‏إنما سمى الخضر‏)‏ بفتح أوله وكسر ثانيه أو بكسر أوله وإسكان ثانيه، ثبتت بهما الرواية وبإثبات الألف واللام فيه وبحذفهما، قاله الحافظ ‏(‏جلس على فروة بيضاء‏)‏ زاد عبد الرزاق في مصنفه بعد أن أخرجه الفروة‏:‏ الحشيش الأبيض وما أشبهه‏.‏ قال عبد الله ابن أحمد بعد أن رواه عن أبيه عنه‏:‏ أظن هذا تفسيراً من عبد الرزاق انتهى‏.‏ وجزم بذلك عياض وقال الحربي‏:‏ الفروة من الأرض قطعة يابسة من حشيش، وهذا موافق لقول عبد الرزاق‏.‏ وعن ابن الأعرابي الفروة أرض بيضاء ليس فيها نبات وبهذا جزم الخطابي ومن تبعه ‏(‏فاهتزت‏)‏ أي تحركت الفروة ‏(‏خضراء‏)‏ بفتح فسكون أو فكسر منوناً أي نباتاً أخضر ناعماً، وهو إما تمييز أو حال‏.‏ وفي رواية البخاري خضراء على زنة حمراء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه البخاري وغيره‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن قتادة عن أبي رافع عن حديث أبي هريرة‏)‏ كذا وقع في النسخ الموجودة بذكر لفظ‏.‏ حديث بين عن وأبي هريرة، والظاهر أن يكون عن قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة بحذفه، وكذلك وقع في مسند أحمد وسنن ابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في السد‏)‏ أي الذي بناه ذو القرنين ‏(‏يحفرونه‏)‏ الضمير المرفوع ليأجوج ومأجوج والمنصوب للسد ‏(‏قال الذي عليهم‏)‏ أي الذي هو أمير عليهم ‏(‏فيعيده‏)‏ أي السد المخروق ‏(‏كأمثل ما كان‏)‏ وفي بعض النسخ كأشد ما كان ‏(‏حتى إذا بلغ مدتهم‏)‏ وفي رواية ابن ماجه‏:‏ حتى إذا بلغت مدتهم، أي المدة التي قدرت لهم ‏(‏واستثنى‏)‏ أي قال‏:‏ إنشاء الله ‏(‏قال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏فيستقون المياه‏)‏ وفي رواية ابن ماجه فينشفون الماء، وفي حديث أبي سعيد عن أحمد‏:‏ ويشربون مياه الأرض ‏(‏ويفر الناس منهم‏)‏ وفي رواية ابن ماجه‏:‏ ويتحصن الناس منهم في حصونهم، وفي حديث أبي سعيد عند ابن ماجه، وينحاز منهم المسلمون حتى تصير بقية المسلمين في مدائنهم وحصونهم ‏(‏فترجع مخضبة بالدماء‏)‏ أي فترجع السهام مصبوغة بالدماء إليهم ‏(‏وعلونا من في السماء‏)‏ أي غلبناهم ‏(‏قسوة وعلواً‏)‏ أي يقولون هذا القول غلظة وفظاظة وتكبراً ‏(‏فيبعث الله عليهم نغفاً‏)‏ بفتح النون والغين المعجمة‏:‏ دود يكون في أنوف الإبل والغنم جمع نغفة ‏(‏في أقفائهم‏)‏ جمع قفاً، وهو وراء العنق، وفي حديث النواس بن سمعان‏:‏ في رقابهم ‏(‏فيهلكون‏)‏ وفي حديث أبي سعيد عند ابن ماجه‏:‏ فيموتون موت الجراد، وفي حديث النواس بن سمعان عند مسلم‏:‏ فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ‏(‏إن دواب الأرض تسمن‏)‏ من السمن ضد الهزال ‏(‏وتبطر‏)‏ من البطر محركة النشاط والأشر ‏(‏وتشكر‏)‏ يقال شكرت الناقة‏:‏ امتلأ ضرعها لبناً والدابة سمنت، وهذه الأفعال الثلاثة من باب سمع يسمع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن بكر البرساني‏)‏ أبو عثمان البصري ‏(‏قال أخبرني أبي‏)‏ هو جعفر بن عبد الله بن الحكم الأنصاري ثقة، من الثالثة ‏(‏عن ابن ميناء‏)‏ اسمه زياد، مقبول من الثالثة ‏(‏عن أبي سعيد بن أبي فضالة‏)‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ أبو سعد بن أبي فضالة الأنصاري الحارثي، ويقال أبو سعيد بن فضالة بن أبي فضالة المدني، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن الله تعالى أغنى الشركاء الخ‏.‏ روى عنه زياد بن ميناء ذكره ابن سعد في طبقة أهل الخندق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليوم القيامة‏)‏ أي ليجزيهم فيه ‏(‏ليوم لا ريب فيه‏)‏ أي في وقوع ذلك اليوم ‏(‏أحداً‏)‏ منصوب على أنه مفعول أشرك‏:‏ أي أحداً غير الله ‏(‏فإن الله أغنى الشركاه‏)‏ أي هو أغنى من يزعم أنهم شركاء، على فرض أن لهم غنى ‏(‏عن الشرك‏)‏ أي عما يشركون به مما بينه وبين غيره في قصد العمل والمعنى ما يقبل إلا ما كان خالصاً لوجهه وابتغاء لمرضاته، فاسم المصدر الذي هو الشرك مستعمل في معنى المفعول‏.‏ وهذا الحديث أورده الترمذي ههنا في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏"‏فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان في صحيحة والبيهقي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا جعفر بن محمد بن فضيل الجزري‏)‏ الرسعني أبو الفضل، ويقال له الراسبي، صدوق حافظ من الحادية عشرة ‏(‏أخبرنا صفوان بن صالح‏)‏ الثقفي مولاهم أبو عبد الملك الدمشقي ثقة، وكان يدلس تدليس التسوية من العاشرة ‏(‏عن يزيد بن يوسف‏)‏ الرحبي ‏(‏الصنعاني‏)‏ صنعاء دمشق، ضعيف، من التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان تحته كنز لهما قال ذهب وفضة‏)‏ فيه دلالة على أن ذلك الكنز كان ذهباً وفضة، واختلف أهل العلم فيه فقال قتادة وعكرمة وغير واحد‏:‏ كان تحته مال مدفون لهما وهذا ظاهر السياق من الاَية، وهو اختيار ابن جرير رحمه الله تعالى‏.‏ وقال العوفي عن ابن عباس‏:‏ كان تحته كنز علم، كذا قال سعيد بن جبير، وقال مجاهد‏:‏ صحف فيها علم‏.‏

قلت‏:‏ لا شك أن قول عكرمة وقتادة هو الظاهر، ويؤيده حديث أبي الدرداء هذا، وفي سنده يزيد بن يوسف وهو ضعيف، أخرجه أيضاً البخاري في تاريخه والطبراني والحاكم وصححه‏.‏

1825- باب وَمِنْ سُورَةِ مَرْيَم

مكية أو إلا سجدتها فمدنية أو إلا ‏(‏فخلف من بعدهم خلف‏)‏ آيتين فمدنيتان وهي ثمان أو تسع وتسعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3265- حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ وَأَبُو مُوسَى مُحمّدُ بنُ المُثَنّى، قالا‏:‏ أخبرنا ابنُ إِدْرِيسَ عن أبِيهِ عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عن عَلْقَمَةَ بنِ وَائِلٍ عن المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ قال‏:‏ ‏"‏بَعَثَنِي رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلَى نَجْرَانَ، فقالُوا لِي‏:‏ أَلَسْتُمْ تَقْرَأُونَ‏:‏ ‏{‏يَا أُخْتَ هَارُونَ‏}‏ وَقَدْ كَانَ بَيْنَ مُوسَى وعَيسَى مَا كَانَ‏؟‏ فلَمْ أَدْرِ مَا أُجِيبُهُمْ‏.‏ فَرَجَعْتُ إِلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فقال‏:‏ ‏"‏أَلا أَخْبَرْتَهُمْ أَنّهُمْ كَانُوا يُسَمّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصّالِحِينَ قَبْلَهُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ لا نَعْرِفهُ إلاّ من حديثِ ابنِ إدْرِيسَ‏.‏

3266- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا النّضْرُ بنُ إسماعِيلَ أبُو المُغِيرَةِ، عن الأعمَشِ‏.‏ عن أبي صَالِحٍ، عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قال‏:‏ ‏"‏قَرَأَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ‏}‏، قال‏:‏ ‏"‏يُؤْتَى بالمَوْتِ كأَنّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ حَتّى يُوقَفَ عَلَى السّورِ بَيْنَ الْجَنّةِ وَالنّارِ، فَيُقَالُ‏:‏ يَا أَهْلَ الْجَنّةِ، فَيَشْرَئِبّونَ، وَيُقَالُ‏:‏ يَا أَهْلَ النّارِ، فَيَشْرَئِبّونَ، فَيُقَالُ‏:‏ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا‏؟‏ فيقولُونَ‏:‏ نَعَمْ هَذَا المَوْتُ، فَيُضْجَعُ فَيُذْبَحُ، فَلَوْلاَ أنّ الله قَضَى لأهْلِ الْجَنّةِ الْحَيَاةَ فيها وَالْبَقَاءَ لَمَاتُوا فَرَحاً، وَلَوْلاَ أَنّ الله قَضَى لأهْلِ النّارِ الْحَيَاةَ فِيهَا والْبَقَاءَ لَمَاتُوا تَرَحاً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

3267- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا الحُسَيْنُ بنُ مُحمّدٍ أخبرنا شَيْبَانُ عن قَتَادَةَ في قوله‏:‏ ‏{‏وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّا‏}‏ قال‏:‏ حدثنا أَنَسُ بنُ مالِكٍ أَنّ نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لَمّا عُرِجَ بِي رَأَيْتُ إِدْرِيسَ في السّمَاءِ الرّابِعَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عن أبي سَعِيدٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقد رَوَى سَعِيدُ بنُ أبي عَرُوبَةَ وَهَمّامٌ وغيرُ وَاحِدٍ عن قَتَادَةَ عن أنَسٍ بنِ مَالِكٍ، عن مَالِكٍ بنِ صَعْصَعَةَ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَ المِعْرَاجِ بِطُولِهِ، وَهَذَا عِنْدِنا مُخْتَصَرٌ مِنْ ذاك‏.‏

3268- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، أخبرنا عُمَرُ بنُ ذَرّ عن أبِيهِ، عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن ابنِ عبّاسٍ قال‏:‏ قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِجِبْريلُ‏:‏ ‏"‏ما يَمْنَعَكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمّا تَزُورَنَا‏؟‏ قال‏:‏ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الاَيةُ‏:‏ ‏{‏وَمَا نَتَنَزّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنا‏}‏ إِلى آخِرِ الاَيةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ حدثنا الحسين بن حريث حدثنا وكيع عن عمر بن ذرّ نحوه‏.‏

3269- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عن إسْرَائِيلَ عن السّدّيّ قال‏:‏ ‏"‏سَأَلْتُ مُرّةَ الْهَمْدَانِيّ عَنْ قَوْلِ الله عز وجل‏:‏ ‏{‏وَإِنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُهَا‏}‏، فحدّثَني أَنّ عَبْدَ الله بنَ مَسْعُودٍ حَدّثَهُمْ قال‏:‏ قال‏:‏ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يَرِدُ النّاسُ النّارَ، ثُمّ يَصْدُرُونَ عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ، فَأَوّلُهُمْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، ثمّ كالرّيحِ، ثمّ كَحضْرِ الْفَرَسِ، ثمّ كالرّاكِبِ في رَحْلِهِ، ثمّ كَشّدّ الرّجُلِ، ثُمّ كَمَشْيِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عن السّدّيّ فلم يَرْفَعَهُ‏.‏

3270- حدثنا مُحمّدُ بنُ يحيى أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدِ، أخبرنا شُعْبَةُ عن السّدّيّ عن مُرّةَ عن عَبْدِ الله‏:‏ ‏{‏وَإِنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُهَا‏}‏ قال‏:‏ يَرِدُونَهَا ثمّ يَصْدُرُونَ بِأَعْمَالِهِمْ‏.‏

3271- ـ حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا عَبْدُ الرّحْمَنِ عن شُعْبَةَ عن السّدّيّ بِمِثْلِهِ‏.‏ قال عَبْدُ الرّحْمَنِ قُلْتُ لِشُعْبَةَ‏:‏ إن إِسْرَائِيلَ حدثني عن السّدّيّ عن مُرّةَ عن عَبْدِ الله عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال شُعْبَةُ‏:‏ وقد سَمِعْتُهُ مِنَ السّدّيّ مرفوعاً، وَلَكِنّي أَدَعُهُ عَمْداً‏.‏

3272- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بنُ مُحمّدٍ، عن سُهَيْلٍ بنِ أبي صَالِحٍ عن أبِيهِ عن أبي هُرَيْرَةَ، أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذَا أَحَبّ الله عَبْداً نَادَى جِبْرِيلَ‏:‏ إني قَدْ أَحْبَبْتُ فَلاَناً فَأَحِبّهُ‏.‏ قال‏:‏ فَيُنَادِي في السّمَاءِ، ثُمّ تُنْزَلُ لَهُ المَحَبّةُ في أهْلِ الأرْضِ، فَذَلِكَ قَوْلُ الله‏:‏ ‏{‏إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرّحْمَنُ وُدّا‏}‏ وَإِذَا أَبْغَضَ الله عَبْداً نَادَى جِبْرِيلَ‏:‏ إني قَدْ أَبْغَضْتُ فُلاَناً، فَيُنَادِي في السّماءِ، ثمّ تُنْزَلُ لَهُ الْبَغْضَاءُ في الأرضِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رُوِيَ عن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ عن أبِيهِ، عن أبي صَالِحٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحْوُ هَذَا‏.‏

3273- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عن الأعمَشِ عن أبي الضّحَى عن مَسْرُوقٍ قال‏:‏ سَمِعْتُ خَبّابَ بن الأرَتّ يقولُ‏:‏ ‏"‏جِئْتُ الْعاصَ بنَ وَائِلٍ السّهْمِيّ أَتَقَاضَاهُ حَقّا لِي عِنْدَهُ‏.‏ فقال‏:‏ لا أُعْطِيكَ حَتّى تَكْفُرَ بِمُحَمّدٍ‏.‏ فَقلت‏:‏ لاَ حَتّى تَمُوتَ ثمّ تُبْعَثَ‏.‏ قال‏:‏ وإني لَمَيّتٌ ثُمّ مَبْعُوثٌ‏؟‏ فَقلت‏:‏ نَعَمْ‏.‏ فقال‏:‏ إنّ لِي هُنَاكَ مَالاً وَوَلَداً فأَقْضِيكَ، فَنَزلَتْ‏:‏ ‏{‏أَفَرَأَيْتَ الّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنّ مالاً وَوَلداً‏}‏ الاَيةِ‏"‏‏.‏

3274- حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الأعمَشِ نحْوَهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا ابن إدريس‏)‏ اسمه عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى نجران‏)‏ قال في النهاية‏:‏ هو موضع معروف بين الحجاز والشام واليمن انتهى‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ نجران موضع باليمن، فتح سنة عشر، سمى بنجران بن زيدان بن سبا، وموضع بالبحرين، موضع بحوران قرب دمشق، وموضع بين الكوفة وواسط انتهى ‏(‏فقالوا‏)‏ أي أهل نجران ‏(‏ألستم تقرأون‏)‏ أي في القرآن في سورة مريم ‏(‏يا أخت هرون‏)‏ وبعده ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً‏.‏ قال ابن كثير‏:‏ أي يا شبيهة هارون في العبادة أنت من بيت طيب طاهر معروف بالصلاح والعبادة والزهادة فكيف صدر هذا منك قال على ابن أبي طلحة والسدي قيل لها أخت هارون أي أخي موسى وكانت من نسله، كما يقال للتميمي يا أخاتميم، والمضري يا أخا مضر، وقيل‏:‏ نسبت إلى رجل صالح كان فيهم اسمه هارون فكانت تتأسى به في الزهادة والعبادة انتهى ‏(‏وقد كان بين موسى وعيسى ما كان‏)‏ أي من طول الزمان مالاً يمكن أن تكون مريم عليها السلام أختاً لهارون أخي موسى عليهما الصلاة والسلام ‏(‏ألا‏)‏ بفتح الهمزة وتشديد اللام حرف التحضيض أي هلا ‏(‏أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم‏)‏ يعني أن هارون المذكور في قوله تعالى ‏(‏يا أخت هارون‏)‏ ليس هو هارون النبي أخاً موسى عليهما الصلاة والسلام، بل المراد بهارون هذا رجل آخر مسمى بهارون لأنهم كانوا يسمون أولادهم بأسماء الأنبياء والصالحين قبلهم‏.‏ قال ابن جرير‏:‏ اختلف أهل التأويل في السبب الذي قيل لها يا أخت هارون، ومن كان هارون هذا الذي ذكره الله وأخبر أنهم نسبوا مريم إلى أنها أخته، فقال بعضهم‏:‏ قيل لها هارون نسبة منهم لها إلى الصلاح، لأن أهل الصلاح فيهم كانوا يسمون هارون وليس بهارون أخي موسى‏.‏ ثم ذكر من قال بهذا القول ثم قال، وقال بعضهم عني به هارول أخو موسى، ونسبت مريم إلى أنها أخته لأنها من ولده، يقال للتميمي يا أخاتميم، وللمضري يا أخا مضر‏.‏ ثم ذكر من قال بهذا القول، ثم قال وقال آخرون‏:‏ بل كان ذلك رجلاً منهم فاسقاً معلن الفسق فنسوها إليه ثم قال‏:‏ والصواب من القول في ذلك ما جاء به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏يعني حديث المغيرة بن شعبة هذا‏)‏ وإنها نسبت إلى رجل من قومها انتهى ملخصاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وأنذرهم يوم الحسرة‏)‏ يعني خوف يا محمد الخلائق يوم الحسرة، سمى بذلك لأن المسيء يتحسر هلا أحسن العمل، والمحسن هلا زاد في الإحسان ‏(‏يؤتي بالموت كأنه كبش أملح‏)‏ تقدم شرحه في باب خلود أهل الجنة وأهل الجنة وأهل النار ‏(‏حتى يوقف على السور‏)‏ أي سور الأعراف ‏(‏فيشرئبون‏)‏ بمعجمة وراء مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم موحدة ثقيلة مضمومة من الأشريباب، أي يمدون أعناقهم ويرفعون رؤوسهم للنظر ‏(‏الحياة والبقاء‏)‏ أي الخلود ‏(‏فرحاً محركة أي سروراً ‏(‏فيها‏)‏ أي في النار ‏(‏ترحاً‏)‏ بفتحتين ضد الفرح أي هماً وحزناً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الحسين بن محمد‏)‏ بن بهرام التميمي ‏(‏حدثنا شيبان‏)‏ هو ابن عبد الرحمن النحوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورفعناه‏)‏ أي إدريس ‏(‏مكاناً علياً‏)‏ وهو السماء الرابعة، ولا شك في كونها مكاناً علياً‏.‏ واستشكل بأن غيره من الأنبياء أرفع مكاناً منه، وهذا الاستشكال ليس بشيء لأنه لم يذكر أنه أعلى من كل أحد‏.‏ وأجاب بعضهم بأن المراد أنه لم يرفع إلى السماء من هو حي غيره‏.‏

ورد بأن عيسى عليه الصلاة والسلام أيضاً قد رفع وهو حي على الصحيح‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وكون إدريس رفع وهو حي لم يثبت من طريق مرفوعة قوية ‏(‏لما عرج بين رأيت إدريس في السماء الرابعة‏)‏ هذا نص صريح في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى إدريس في السماء الرابعة وهو الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم مطولاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي سعيد‏)‏ أخرجه ابن مردويه نحو حديث أنس المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى سعيد بن أبي عروبة وهمام وغير واحد عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة إلخ‏)‏ أخرجه الشيخان ‏(‏وهذا عندي مختصر من ذلك‏)‏ أي حديث أنس المذكور في الباب مختصر من حديث أنس عن مالك ابن صعصعة الطويل‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمر بن ذر‏)‏ الهمداني المرهبي ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو ذر بن عبد الله المرهبي الهمداني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما يمنعك أن تزورنا‏)‏ أي تجيئنا وتتنزل علينا ‏(‏وما نتنزل إلا بأمر ربك‏)‏ أي قال الله سبحانه، قل يا جبريل‏:‏ ما نتنزل وقتاً غب وقت، إلا بإذن الله على ما تقتضيه حكمته ‏(‏له ما بين أيدينا‏)‏ أي أمامنا من أمور الاَخرة ‏(‏وما خلفنا‏)‏ من أمور الدنيا، وتمام الاَية‏:‏ وما بين ذلك، أي ما يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة‏.‏ أي له علم ذكل جميعه، وما كان ربك نسياً‏:‏ أي ناسياً يعني تاركاً لك بتأخير الوحي عنك كذا في الجلالين‏.‏

وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره‏:‏ قيل المراد بما بين أيدينا‏:‏ أمر الدنيا وما خلفنا‏:‏ أمر الاَخرة، وما بين ذلك‏:‏ ما بين النفختين، هذا قول أبي العالية وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة في رواية عنهما، والسدي والربيع بن أنس، وقيل ما بين أيدينا‏:‏ ما يستقبل من أمر الاَخرة، وما خلفنا‏:‏ أي ما مضى من الدنيا، وما بين ذلك‏:‏ أي ما بين الدنيا والاَخرة، يروي نحوه عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة وابن جريج والثوري، واختاره ابن جرير أيضاً انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد البخاري والنسائي في التفسير‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن قول الله‏)‏ ‏{‏وإن منكم لا واردها‏}‏‏.‏

قال الحافظ في الفتح‏:‏ اختلف السلف في المراد بالورود في الاَية، فقيل هو الدخول، روى عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار أخبرني من سمع من ابن عباس فذكره، وروى أحمد والنسائي والحاكم من حديث جابر مرفوعاً‏:‏ الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً‏.‏

وروى الترمذي وابن أبي حاتم من طريق السدي‏:‏ سمعت مرة يحدث عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ بردونها أو يلجونها ثم يصدرون عنها بأعمالهم، وقيل المراد بالورود الممر عليها‏.‏ رواه الطبري وغيره من طريق بشر بن سعيد عن أبي هريرة، ومن طريق أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود، ومن طريق معمر وسعيد عن قتادة، ومن طريق كعب الأحبار وزاد‏:‏ يستوون كلهم على متنها، ثم ينادي مناد أمسكي أصحابك ودعي أصحابي، فيخرج المؤمنون ندية أبدانهم، وهذان القولان أصح ما ورد في ذلك ولا تنافي بينهما، لأن من عبر بالدخول تجوز به عن المرور، ووجهه أن المار عليها فوق الصراط فيمعنى من دخلها، لكن تختلف أحوال المارة باختلاف أعمالهم، فأعلاهم درجة من يمر كلمح البرق ويؤيد صحة هذا التأويل ما رواه مسلم من حديث أم مبشر أن حفصة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم لما قال‏:‏ لا يدخل أحد شهد الحديبية النار، أليس يقول الله ‏"‏ثم ننجى الذين اتقوا‏"‏ الاَية‏.‏ وفي هذا بيان ضعف قول من قال الورود مختص بالكفار، ومن قال معنى الورود الدنو منها، ومن قال معناه الإشراف عليها، ومن قال معنى ورودها‏:‏ ما يصيب المؤمن في الدنيا من الحمى‏.‏ على أن هذا الأخير ليس ببعيد، ولا ينافيه بقية الأحاديث انتهى ‏(‏يرد الناس النار‏)‏ يرد على وزن يعد مضارع من الورود بمعنى الحضور، يقال وردت ماء كذا، أي حضرته وإنما سماه وروداً لأن المارة على الصراط يشاهدون النار ويحضرونها‏.‏

قال التوربشتي‏:‏ الورود لغة قصد الماء ثم يستعمل في غير، والمراد منه ههنا الجواز على جسر جهنم ‏(‏ثم يصدرون عنها‏)‏ بضم الدار أي ينصرفون عنها، فإن الصدر إذا عدى بعن اقتضى الانصراف، وهذا على الاتساع ومعناه النجاة، إذ ليس هناك انصراف وإنما هو المرور عليها، فوضع الصدر موضع النجاة للمناسبة التي بين الصدور والورود‏.‏

قال الطيبي‏:‏ ثم في ثم يصدرون مثلها في قوله تعالى ‏"‏ثم ننجى الذين اتقوا‏"‏ في أنها للتراخي في الرتبة لا الزمان، بين الله تعالى التفاوت بين ورود الناس النار وبين نجاة المتقين منها، فكذلك بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، التفاوت بين ورود الناس النار وبين صدورهم منها، على أن المراد بالصدور الانصراف انتهى‏.‏

قال القارى‏:‏ الحاصل أن الخلق بعد شروعهم في الورود يتخلصون من خوف النار ومشاهدة رؤيتها وملاصقة لهبها ودخانهغا وتعلق شوكها وأمثالها على مراتب شتى في سرعة المجاوزة وإبطائها‏.‏

- ‏(‏بأعمالهم‏)‏ أي بحسب مراتب أعمالهم الصالحة ‏(‏فأولهم‏)‏ أي أسبقهم ‏(‏كلح البرق‏)‏ أي كسرعة مروره ‏(‏ثم كحضر الفرس‏)‏ أي جريه، وهو بضم الحار وسكون الضاد العدو الشديد ‏(‏ثم كالراكب في رحله‏)‏ أي على راحلته وعداه بفي لتمكنه من السير‏.‏ كذا قاله الطيبي، وقيل أراد الراكب في منزلة ومأواه فإنه يكون حينئذ السير والسرعة أشد ‏(‏ثم كشد الرجل‏)‏ أي عدوه ‏(‏ثم كمشيه‏)‏ أي كمشى الرجل على هيئته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد والحاكم وصححه، والبيهقي والدارمي وابن أبي حاتم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الرحمن‏)‏ هو ابن مهدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولكني أدعه عمداً‏)‏ أي اتركه، يعني أترك روايته عنه مرفوعاً ولم يذكر وجه الترك فليتأمل‏.‏

تنبيه‏:‏

ذكر أهل العلم في فائدة دخول المؤمنين النار وجوهاً، أحدها‏:‏ أن ذلك مما يزيدهم سروراً إذا علموا الخلاص منه‏.‏ وثانيها‏:‏ أن فيه مزيدهم على أهل النار حيث يرون المؤمنين يتخلصون منها وهم باقون فيها‏.‏ وثالثها‏:‏ أنهم إذا شاهدوا ذلك العذاب على الكفار صار ذلك سبباً لمزيد التذاذهم بنعيم الجنة، ولا نقول صريحاً إن الأنبياء يدخلون النار أدباً معهم، ولكن نقول‏:‏ إن الخلق جميعاً يردونها كما دلت عليه أحاديث الباب‏.‏ فالعصاة يدخلونها بجرائمهم، والأولياء والسعداء يدخلونها لشفاعتهم، فبين الداخلين بون‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد العزيز بن محمد‏)‏ هو الدراوردي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أحب الله عبداً نادى جبرئيل‏)‏ بالنصب على المغعولية إني قد أحببت فلاناً فأحبه بفتح الموحدة المشددة، أمر من الإحباب، أي أحبه أنت أيضاً‏.‏

قال النووي‏:‏ قال العلماء‏:‏ محبة الله تعالى لعبده هي إرادته الخير له وهدايته وإنعامه عليه ورحمته وبعضه إرادة عقابه أو شقاوته، ونحوه، وحب جبرئيل والملائكة يحتمل وجهين‏.‏ أحدهما‏:‏ استغفارهم له وثناؤهم عليه ودعاؤهم، والثاني‏:‏ أن محبتهم على ظاهرها المعروف من المخلوقين وهو ميل القلب إليه واشتياق إلى لقائه وسبب حبهم إياه كونه مطبعاً لله تعالى محبوباً له انتهى‏.‏

وقال الحافظ‏:‏ وقع في بعض طرق الحديث بيان سبب هذه المحبة والمراد بها، ففي حديث ثوبان أن العبد ليلتمس مرضاة الله تعالى، فلا يزال كذلك حتى يقول‏:‏ يا جبريل إن عبدي فلاناً يلتمس أن يرضيني ألا وإن رحمتي غلبت عليه‏.‏ الحديث، أخرجه أحمد والطبراني، ويشهد له حديث أبي هريرة الاَني في الرقاق، ففيه‏:‏ ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه‏.‏ الحديث انتهى ‏(‏قال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏فينادي‏)‏ أي جبرئيل ‏(‏في السماء‏)‏ وفي حديث ثوبان‏:‏ أهل السماوات السبع، وفي رواية للشيخين‏:‏ فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ‏(‏ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض‏)‏ وفي رواية للشيخين ثم يوضع له القبول في الأرض‏.‏

قال النووي‏:‏ أي الحب في قلوب الناس ورضاهم عنه تميل إليه القلوب وترضى عنه ‏(‏فذلك قوله الله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً‏)‏‏.‏

قال ابن كثير في تفسيره يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وهي الأعمال التي ترضى الله لمتابعتها الشريعة المحمدية يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري ‏(‏عن أبي الضحى‏)‏ هو مسلم بن صبيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جئت العاص‏)‏ بفتح الصاد وكسرها أجوفاً وناقصاً قاله الكرماني ‏(‏ابن وائل السهمي‏)‏ هو والد عمرو بن العاص الصحابي المشهور‏:‏ وكان له قدر في الجاهلية ولم يرفق للإسلام ‏(‏اتقاضاه حقاً لي عنده‏)‏‏.‏

وفي رواية للبخاري قال‏:‏ كنت قيناً بمكة فعملت للعاص بن وائل سيفاً فجئت أنقاضاه وفي رواية لأحمد‏:‏ فاجتمعت لي عند العاص بن وائل دراهم ‏(‏فقلت لا‏)‏ أي لا أكفر ‏(‏حتى تموت ثم تبعث‏)‏ مفهومه أنه يكفر حينئذ لكنه لم يرد ذلك لأن الكفر حينئذ لا يتصور، فكأنه قال لا أكفر أبداً، والنكتة في تعبيره بالبعث تعيير العاص بأنه لا يؤمن به ‏(‏أفرأيت‏)‏ لما كان مشاهدة الأشياء ورؤيتها طريقاً إلى الإحاطة بها علماً وإلى صحة الخبر عنها استعملوا أرأيت في معنى أخبر والفاء جاءت لإفادة معناها الذي هو التعقيب كأنه قال‏:‏ أخبر أيضاً بقصة هذا الكافر، وأذكر حديثه عقيب حديث أولئك والفاء بعد همزة الاستفهام عاطفة على مقدر، أي أنظرت فرأيت ‏(‏الذي كفر‏)‏ يعني العاص بن وائل ‏(‏بآياتنا‏)‏ أي بالقرآن ‏(‏وقال لأوتين‏)‏ أي لأعطين ‏(‏مالاً وولداً‏)‏ يعني في الجنة بعد البعث وبعده ‏(‏أطلع الغيب‏)‏ أي أعلمه، وأن يؤتي ما قله، واستغنى بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل فخذفت ‏"‏أم اتخذ عند الرحمن عهداً‏"‏ بأن يؤتي ما قاله ‏(‏كلا‏)‏ أي لا يؤتي ذلك ‏(‏سنكتب‏)‏ فأمر بكتب ‏"‏ما يقول ونمد له من العذاب مداً‏"‏ أي نزيده بذلك عذاباً فوق عذاب كفره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي‏.‏

1826- باب وَمِنْ سُورَةِ طَه

مكية وهي مائة وخمس وثلاثون أو أربعون أو وثنتان آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3275- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا النّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، أخبرنا صَالحُ بنُ أبي الأخْضَرِ عن الزّهْرِيّ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ عن أبي هُرَيْرَةَ قال‏:‏ ‏"‏لَمّا قَفَلَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيْبَرَ أَسْرَى لَيْلَةً حَتّى أَدْرَكَهُ الْكَرَى أَنَاخَ فَعَرّسَ ثمّ قال‏:‏ ‏"‏يَا بِلاَلُ اكْلأْ لَنَا اللّيْلَة‏"‏‏.‏ قال‏:‏ فَصَلّى بِلاَلٌ، ثمّ تَسَانَدَ إلَى رَاحِلَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الْفَجْرِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ فلَمْ يَسْتَيْقِظْ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وكَانَ أُوّلَهُمْ اسْتِيْقَاظاً النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏أيْ بِلاَلُ‏"‏، فقال بِلاَلٌ‏:‏ بِأَبي أَنْتَ يَا رَسُولَ الله، أَخَذَ بِنَفْسِي الذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ، فقال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اقْتَادُوا، ثُمّ أَنَاخَ فَتَوَضّأَ فَأَقَامَ الصّلاَةَ، ثمّ صَلّى مِثْلَ صَلاَتِهِ في الْوَقْتِ في تَمَكّثٍ، ثمّ قال‏:‏ ‏{‏أَقِمِ الصّلاَةَ لِذِكْرَي‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث غير محفوظٍ، رواه غَيْرُ واحِدٍ من الحُفَاظِ عن الزّهريّ عن سعيد بن المسيَبِ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا فيه عن أبي هريرة‏.‏ وصالح بن أبي الأخضر يُضَعّفُ في الحديثِ، ضَعّفَهُ يَحْيَ بنُ سعيِد القَطان وغيرهُ من قيل حفظهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لما قفل‏)‏ أي رجع من القفول ‏(‏من خيبر‏)‏ أي من غزوة خيبر كما في رواية مسلم وكانت هذه الغزوة في المحرم سنة سبع أقام عليه السلام يحاصرها بضع عشرة ليلة عشرة إلى أن فتح الله عليه وهي من المدينة على ثلاثة أبراد ‏(‏أسرى ليلة‏)‏ أي سار ليلة ‏(‏حتى أدركه الكرى‏)‏ بفتحتين، هو النعاس‏.‏ وقيل النوم ‏(‏أناخ‏)‏ يقال أنخت الجمل فاستناخ، أي أبركته فبرك ‏(‏فعرس‏)‏ من التعريس‏:‏ أي نزل آخر الليل للاستراحة‏.‏ قال النووي‏:‏ التعريس نزول المسافرين آخر الليل للنوم والاستراحة، هكذا قاله الخليل والجمهور‏.‏ وقال أبو زيد‏:‏ هو النزول أي وقت كان من ليل أو نهار‏.‏ وفي الحديث‏:‏ معرسون في نحر الظهيرة ‏(‏أكلأ‏)‏ بهمز آخره‏:‏ أي أراقب واحفظ واحرس، ومصدره الكلاء بكسر الكاف والمد ‏(‏لنا الليلة أي آخرها لإدراك الصبح فصلى بلال‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ فصلى بلال وما قدر له ‏(‏ثم تساند إلى راحلته‏)‏ أي استند إليها ‏(‏مستقبل الفجر‏)‏ أي ليراقبه حتى يوقظهم عقب طلوعه ‏(‏فغلبته عيناه‏)‏ قال الطيبي‏:‏ هذا عبارة عن النوم، كان عينيه غالبتاه فغلبتا على النوم انتهى‏.‏

وحاصله‏:‏ أنه نام من غير اختيار ‏(‏فقال أي بلال‏)‏ والعتاب محذوف أو مقدر، أي لم نمت حتى فاتتنا الصلاة‏؟‏ ‏(‏فقال بلال‏)‏ أي معتذراً ‏(‏أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك‏)‏ يعني غلب على نفسي ما غلب على نفسك من النوم ‏(‏فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتادوا‏)‏ أمر من الاقتياد، يقال‏:‏ فاد البعير واقتاده‏:‏ إذا جر حبله أي سوقوا رواحلكم من هذا الموضع‏.‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ كل رجل برأس راحلته، فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان‏.‏ ‏(‏ثم أناخ‏)‏ أي بعد ما اقتادوا ‏(‏فأقام الصلاة‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بلالا فأقام الصلاة ‏(‏ثم صلى‏)‏ أي بهم الصبح ‏(‏مثل صلاته في الوقت في تمكث‏)‏ أي غير مستعجل ‏(‏ثم قال‏)‏ أي قرأ ‏(‏أقم الصلاة لذكرى‏)‏ أي لتذكرني فيها، وقيل لذكرى خاصة لا تشوبه بذكر غيري، وقيل الإخلاص ذكرى وطلب وجهى ولا ترائي فيها ولا تقصد بها غرضاً آخر، وقيل معناه إذا تركت صلاة ثم ذكرتها فأقمتها، كذا في الخازن‏.‏

قلت‏:‏ يؤيد المعنى الأخير حديث أبي هريرة هذا ويؤيده أيضاً حديث أنس ابن مالك مرفوعاً‏:‏ إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول‏:‏ أقم الصلاة لذكرى رواه أحمد ومسلم‏.‏

فإن قيل‏:‏ كيف نام النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة حتى طلعت الشمس، مع قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن عيني تنامان ولا ينام قلبي‏.‏

فجوابه من وجهين‏:‏ أصحهما وأشهرهما، أنه لا منافاة بينهما‏.‏ لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما، ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين، وإنما يدرك ذلك بالعين والعين نائمة، وإن كان القلب يقظان‏.‏ والثاني أنه كان له حالان‏:‏ أحدهما ينام فيه القلب وصادف هذا الموضع، والثاني‏:‏ لا ينام وهذا هو الغالب من أحواله، وهذا التأويل ضعيف، والصحيح المعتمد هو الأول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يذكروا فيه عن أبي هريرة وصالح بن أبي الأخضر يضعف في الحديث‏)‏ ولكنه لم يتفرد به بل تابعه يونس، ففي صحيح مسلم‏:‏ حدثني حرملة ابن يحيى التجيبي، قال أخبرنا ابن وهب، قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر، الحديث وتابعه أيضاً معمر عند أبي داود‏.‏ وصالح بن أبي الأخضر هذا هو اليمامي مولى هشام بن عبد الملك نزل البصرة، ضعيف يعتبر به من السابعة‏.‏