فصل: الجزء التاسع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


الجزء التاسع

1827- باب ومن سورة الأنبياء

مكية وهي مائة وإحدى أو اثنتا عشرة آية

3276- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا الحَسَنُ بنُ مُوسَى، أخبرنا ابنُ لَهِيعَةَ عَنْ دَرّاجٍ عَن أَبِي الهَيْثَمِ عَن أَبِي سَعيدٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏الويل وَادٍ في جَهَنّمَ يَهْوِي فيهِ الكافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفاً قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعرَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إلاّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ لَهَيعَةَ‏.‏

3277- حدثنا مُجَاهِدُ بنُ مُوسَى البَغْدَادِيّ و الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ الأعْرَجُ وغَيْر واحِدٍ قَالوُا‏:‏ أخبرنا عَبْدُ الرْحمَنِ بنُ غَزْوَانَ أبُو نُوحٍ أخبرنا اللّيْثُ بنُ سَعدٍ عَن مَالِك بنِ أَنَسٍ عَن الزّهْرِيَ عَن عُروَةَ عَن عَائِشَةَ أَنّ رَجُلاً قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ الله‏:‏ إنّ لِي مَمْلُوكِينَ يَكْذِبُونَنِي وَيَخُونُونَنِي ويَعْصُونَنِي وَأَشْتِمُهُم وَأَضْرِبُهُمْ فَكَيْفَ أَنَا مِنْهُمْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏يُحْسَبُ مَا خَانُوكَ وَعَصَوْكَ وكَذّبُوكَ وعِقَابكَ إيّاهُم فَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إيّاهُمْ بِقَدْرِ ذُنُوبِهمْ كَانَ كَفَافاً لاَ لَكَ وَلاَ عَلَيْكَ، وإنْ كَانَ عِقَابُكَ إيّاهُمْ دُونَ ذُنُوبهم كَانَ فَضْلاً لَكَ، وإنْ كَانَ عِقَابُكَ إيّاهُمْ فَوْقَ ذُنُوبهم اقْتُصّ لَهُمْ مِنْكَ الفَضْلُ، قَالَ فَتَنَحّى الرّجُلُ فَجَعَلَ يَبْكِي ويَهْتِفُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ الله ‏{‏وَنَضَعْ الموَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وإن كان مثقال‏}‏ الاَيَة فَقَالَ الرّجُلُ‏:‏ والله يَا رَسُولَ الله مَا أَجِدُ لِي ولهؤلاء شَيْئاً خَيْراً مِنْ مُفَارَقَتِهم أُشْهِدُكَ أَنّهُمْ أَحْرَارٌ كُلّهُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حدِيثِ عَبْد الرّحمَنِ بنِ غَزْوَانَ وقَدْ رَوَى أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنْ عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ غَزْوَانَ هَذَا الحَدِيثَ‏.‏

3278- حدثنا سَعِيدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَعيِدٍ الأَمَوِيّ حدثني أَبِي حدثنا مُحمّدُ بنُ اسْحَاقَ عَن أَبي الزّنَادِ عَن عَبْدِ الرّحمَنِ الأعْرجِ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهيمُ عَلَيهِ السّلاَمُ في شَيءٍ قَطّ إِلا في ثَلاَثٍ‏:‏ قَوْلِهِ ‏{‏إنّي سَقِيمٌ‏}‏ وَلَمْ يَكُنْ سَقِيمَا، وَقوله‏:‏ لِسَارّةَ أُخْتِي، وَقوله‏:‏ ‏{‏بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا‏}‏‏.‏ وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر يستغرب من حديث ابن اسحاق عن أبي الزناد‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3279- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا وَكِيعٌ وَ وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ وَ أَبُو دَاوُدَ قَالُوا‏:‏ حدثنا شُعْبَةُ عَن المُغِيرةِ بن النّعْمَانِ عَن سَعِيدِ بن جُبَيْرِ عَن ابنِ عَبّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏قَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بالمَوْعِظَةِ فَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّكُمْ مَحْشُورُونَ إلى الله عُرَاةً غُرْلاً، ثُمّ قَرَأَ ‏{‏كَمَا بَدَأْنَا أَوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وعداً علينا‏}‏ إلى آخِرِ الاَيَةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ أَوّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ القيامةِ إِبْرَاهيمُ، وإنّهُ سَيُئْوتَى بِرِجَالٍ مِنْ أُمّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشّمَالِ فَأَقُولُ رَبّ أَصحْابِي فَيُقَالُ‏:‏ إِنّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُول‏:‏ كمَا قَالَ العَبْدُ الصّالِحُ ‏{‏وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذّبُهُمْ فَإنّهُمْ عِبَادُكَ وإن تَغْفِرْ لَهُمْ‏}‏ إلى آخر الاَيَة، فَيُقَالُ هَؤُلاء لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ‏"‏‏.‏

3280- حَدّثنَا مُحمّدُ بنُ بَشّارِ حدثنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ حدثنا شُعْبَةُ عن المِغيرَةِ بنِ النّعْمَانِ نَحْوَهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثّوْرِيّ عَن المُغَيِرَةِ بنِ النّعْمَانِ نَحْوَهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مجاهد بن موسى‏)‏ الخوارزمي الختلي أو علي نزيل بغداد ثقة من العاشرة ‏(‏حدثنا عبدالرحمن بن غزوان‏)‏ بمعجمة مفتوحة وزاي ساكنة أبو نوح الضبي المعروف بقراد ثقة له أفراد من التاسعة‏.‏ قوله ‏(‏أن رجلاً قعد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي قدامه ‏(‏إن لي مملوكين‏)‏ بكسر الكاف أي مماليك ‏(‏يكذبونني‏)‏ أي يكذبون في إخبارهم لي ‏(‏ويخونونني‏)‏ أي في مال ‏(‏ويعصونني‏)‏ أي في أمري ونهى ‏(‏وأشتمهم‏)‏ بكسر التاء ويضم أي أسبهم ‏(‏فكيف أنا منهم‏)‏ أي كيف يكون حالي من أجلهم وبسببهم عند الله تعالى ‏(‏قال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم ‏"‏يحسب‏"‏ بصيغة المجهول ‏"‏ما خانوك وعصوك وكذبوك‏"‏ أي مقدارها ‏"‏وعقابك‏"‏ عطف على ما خانوك أي ويحسب أيضاً قدر شتمك وضربك إياهم ‏"‏كان‏"‏ أي أمرك ‏"‏كفافاً‏"‏ بفتح الكاف في القاموس كفاف الشيء كسحاب مثله ومن الرزق ما كف عن الناس وأغنى وفي النهاية‏:‏ الكفاف الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة إليه ‏"‏لا لك ولا عليك‏"‏ أي ليس لك فيه ثواب ولا عليك فيه عقاب ‏"‏دون ذنوبهم‏"‏ أي أقل منها ‏"‏كان فضلاً لك‏"‏ أي عليهم، قيل فإن قصدت الثواب تجز به وإلا فلا‏.‏ قاله القاري ‏"‏فوق ذنوبهم‏"‏ أي أكثر منها ‏"‏اقتص لهم‏"‏ بصيغة المجهول أي أخذ بمثله لأجلهم ‏"‏منك الفضل‏"‏ أي الزيادة ‏"‏فتنحى الرجل‏"‏ أي بعد عن المجلس ‏"‏فجعل يبكي ويهتف‏"‏ بكسر التاء أي شرع يبكي ويصيح ‏{‏ونضع الموازين القسط‏}‏ أي ذوات العدل ‏{‏ليوم القيامة‏}‏ أي فيه ‏{‏فلا تظلم نفس شيئاً‏}‏ من نقص حسنة أو زيادة سيئة، وبقية الاَية ‏{‏وإن كان‏}‏ أي العمل ‏{‏مثقال‏}‏ زنة حبة ‏{‏من خردل أتينا بها‏}‏ أي أحضرناها ‏{‏وكفى بنا حاسبين‏}‏ إذ لا مزيد على علمنا ووعدنا ‏"‏ما أجد لي ولهم شيئاً‏"‏ أي مخلصاً والجار والمجرور هو المفعول الثاني ‏(‏خيراً‏)‏ صفة لما قبله ‏(‏من مفارقتهم‏)‏ أي من مفارقتي إياهم لأن المحافظة على مراعاة المحاسبة والمطالبة عسر جداً ‏(‏أشهدك‏)‏ بصيغة المضارع المتكلم من الإشهاد ‏(‏كلهم‏)‏ بالنصب على التأكيد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه بن جرير في تهذيبه والبيهقي ‏(‏وقد روى أحمد ابن حنبل عن عبد الرحمن بن غزوان هذا الحديث‏)‏ قال الإمام أحمد في مسنده حدثنا أبو نوح قراد أنبأنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس بين يديه فقال يا رسول الله إن لي مملوكين الحديث‏.‏ وأبو نوح قراد هو عبد الرحمن ابن غزوان‏.‏

‏(‏حدثنا الحسن بن موسى‏)‏ وقع في بعض النسخ الحسين بن موسى بالتصغير وهو غلط لأنه ليس في شيوخ عبد بن حميد ولا في أصحاب ابن لهيعة من اسمه الحسين بن موسى ولأن الترمذي قد أخرج في باب صفة قعر جهنم حديث أبي سعيد‏:‏ ‏"‏الصعود جبل من نار يتصعد فيه الكافر سبعين خريفاً ويهوى فيه كذلك أبداً‏"‏‏.‏ بعين هذا السند وفيه الحسن بن موسى بالتكبير قوله ‏"‏الويل واد‏"‏ أي اسم واد ‏"‏يهوى‏"‏ أي يسقط قال في مختار الصحاح‏:‏ هوى يهوى كرمي يرمي هوياً بالفتح سقط إلى أسفل ‏"‏أربعين خريفاً‏"‏ أي عاماً‏.‏ قال الخازن‏:‏ الويل كلمة تقولها العرب لكل من وقع في هلكة وأصلها في اللغة العذاب والهلاك‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ الويل شدة العذاب ثم ذكر حديث أبي سعيد هذا‏.‏ قلت‏:‏ إن ثبت هذا الحديث فهو مغن عن جميع ما ذكروه في معنى الويل‏.‏ قوله ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج ‏(‏لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث ابن لهيعة‏)‏ قال الحافظ ابن كثير لم يتفرد به ابن لهيعة بل تابعه عمرو بن الحارث ولكن الاَفة ممن بعده، وهذا الحديث بهذا الإسناد مرفوعاً، منكر انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏لم يكذب إبراهيم عليه السلام في شيء قط إلا في ثلاث قوله إني سقيم ولم يكن سقيماً‏"‏ يجر قوله على أنه بدل من ثلاث ويجوز الرفع والنصب وذلك عندما طلبوا منه عليه الصلاة والسلام أن يخرج معهم إلى عيدهم فأراد أن يتخلف عنهم للأمر الذي هم به فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم، وفيه إيهام منه أنه استدل بأمارة علم النجوم على أنه سيسقم ليتركوه فيفعل بالأصنام ما أراد أن يفعل أو سقيم القلب لما فيه من الغيظ باتخاذكم النجوم آلهة أو بعبادتكم الأصنام ‏"‏وقوله لسارة أختي‏"‏ بالوجوه الثلاثة وذلك أنه قدم أرض جبار ومعه سارة وكانت أحسن الناس فقال لها من هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك فإن سألك فأخبريه أنك أختي في الإسلام ‏"‏وقوله بل فعله كبيرهم هذا‏"‏ قال ذلك حين كسر عليه الصلاة والسلام أصنامهم إلا كبيرها وعلق الفأس في عنقه‏.‏ قال النووي‏:‏ قال الماذري‏:‏ أما الكذب فيما طريقه البلاغ عن الله تعالى فالأنبياء معصومون منه سواء كثيره وقليله، وأما ما لا يتعلق بالبلاغ ويعد من الصغائر كالكذبة الواحدة في حقير من أمور الدنيا ففي إمكان وقوعه منهم وعصمتهم منه القولان المشهوران للسلف والخلف‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ الصحيح أن الكذب فيما يتعلق بالبلاغ لا يتصور وقوعه منهم سواء جوزنا الصغائر منهم وعصمتهم منها أم لا، وسواء قل الكذب أم كثر لأن منصب النبوة يرتفع عنه وتجويزه يرفع الوثوق بأقوالهم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ثنتين في ذات الله وواحدة في شأن سارة‏"‏‏.‏ فمعناه أن الكذبات المذكورة إنما هي بالنسبة إلى فهم المخاطب والسامع وأما في نفس الأمر فليست كذباً مذموماً لوجهين‏:‏ أحدهما- أنه ورى بها فقال في سارة أختي في الإسلام وهو صحيح في باطن الأمور‏.‏ والوجه الثاني- أنه لو كان كذباً لا تورية فيه لكان جائزاً في دفع الظالمين‏.‏ قال الماذري‏:‏ وقد تأول بعضهم هذه الكلمات وأخرجها عن كونها كذباً ولا معنى لامتناع من إطلاق لفظ أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي‏:‏ أما إطلاق لفظ الكذب عليها فلا يمتنع لورود الحديث به وأما تأويلها فصحيح لا مانع منه وقد جاء ذلك مفسراً في غير مسلم فقال‏:‏ ما فيها كذبة إلا بها عن الإسلام أي يجادل ويدافع انتهى ملخصاً‏.‏ قوله ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان قوله ‏(‏وأبو داود‏)‏، هو الطيالسي‏.‏

- ‏"‏إنكم محشورون‏"‏ أي ستبعثون ‏"‏عراة‏"‏ بضم العين جمع عار وهو من لا ستر له ‏(‏غرلا‏)‏ بضم المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف وزنه ومعناه وهو من بقيت غرلته وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر ‏{‏كما بدأنا أو خلق نعيده‏}‏ الكاف متعلق بمحذوف دل عليه نعيده أي نعيد الخلق إعادة مثل الأول، والمعنى بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلا نعيدهم يوم القيامة وبقية الاَية ‏{‏وعداً علينا‏}‏ منصوب بوعدنا مقدر قبله وهو مؤكد لمضمون ما قبله ‏{‏إنا كنا فاعلين‏}‏ أي ما وعدناه قال ‏"‏أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم‏"‏ تقدم الكلام عليه مبسوطاً في باب شأن الحشر من أبواب صفة القيامة وتقدم فيه بقية الكلام على قوله عراة ‏"‏وأنه سيؤتى برجال من أمتي‏"‏ أي جماعة منهم والتنكير للتقليل ‏"‏فيؤخذ بهم ذات الشمال‏"‏ أي إلى جهة النار ‏"‏فأقول رب أصحابي‏"‏ خبر مبتدأ محذوف تقديره هؤلاء ‏"‏إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك‏"‏ المراد من الإحداث الارتداد عن الإسلام كما يدل عليه قوله الاَتي ‏"‏فيقال هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم‏"‏ وفي حديث عن أبي هريرة عند البخاري من طريق عطاء بن يسار عنه ‏"‏أنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى‏"‏ قال القاضي يريد بهم من ارتد من الأعراب الذين أسلموا في أيامه كأصحاب مسيلمة والأسود وأضرابهم، فإن أصحابه وإن شاع عرفا فيمن يلازمه من المهاجرين والأنصار شاع استعماله لغة في كل من تبعه أو أدرك حضرته ووفد عليه ولو مرة، وقيل أراد بالارتداد إساءة السيرة والرجوع عما كانوا عليه من الإخلاص وصدق النية والإعراض عن الدنيا انتهى ‏"‏فأقول كما قال العبد الصالح‏"‏ هو عيسى عليه الصلاة والسلام ‏{‏وكنت عليهم‏}‏ أي على أمتي ‏{‏شهيداً‏}‏ أي مطلعاً رقيباً حافظاً ‏{‏ما دمت فيهم‏}‏ أي موجوداً ‏{‏فلما توفيتني‏}‏ أي قبضتني بالرفع إلى السماء ‏{‏كنت أنت الرقيب عليهم‏}‏ الحفيظ لأعمالهم ‏{‏وأنت على كل شيء‏}‏ من قولي وقولهم بعدي وغير ذلك ‏{‏شهيداً‏}‏ أي مطلع عالم به ‏{‏إن تعذبهم‏}‏ أي من أقام على الكفر منهم ‏{‏فإنهم عبادك‏}‏ أنت مالكهم تتصرف فيهم كيف شئت لا اعتراض عليك ‏{‏وإن تغفر لهم‏}‏ أي لمن آمن منهم، وتمام الاَية‏:‏ فإنك أنت العزيز الغالب على أمره ‏{‏والحكيم‏}‏ في صنعه ‏"‏فيقال هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم‏"‏ هذا يؤيد قول من قال إن المراد من الإحداث في قوله‏:‏ إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك هو الارتداد عن الإسلام‏.‏

1828- باب ومن سورة الحج

مكية إلاّ ‏{‏ومن الناس من يعبد الله‏}‏ الاَيتين أو إلا ‏{‏وهذان خصمان‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الست آيات فمدينات، وهي أربع أو خمس أو ست أو سبع أو ثمان وسبعون آية

3281- حدثنا ابنُ أَبِي عُمَرَ حدثنا سُفيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَن ابنِ جُدْعَان عَن الحَسَنِ عَن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏لمّا نَزَلَتْ ‏{‏يا أَيّهَا النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ إنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ‏}‏ إلى قَوْلِهِ ‏{‏وَلَكِنّ عَذَابَ الله شَدِيدٌ‏}‏‏"‏ قَالَ‏:‏ أُنْزِلَتْ عَلَيه هذه الاَيَةُ وَهُوَ في سَفَرٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏أَتَدْرُونَ أَيّ يَوْمٍ ذَلكَ‏؟‏ فقَالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ‏.‏ قَالَ ذَلك يَوْم يَقُولُ الله لاَدَمَ ابْعَثْ بَعْثَ النّارِ، فقَالَ يَا رَبّ ومَابَعَثُ النّارِ‏؟‏ قَالَ تِسْعُمَائَةٍ وتِسْعَةٌ وتِسْعُونَ في النّارِ وَوَاحِدٌ إلى الجَنّةِ، قال‏:‏ فَأَنْشَأَ المُسْلِمُونَ يَبْكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قَارِبُوا وَسَدّدُوا فإِنّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوّةٌ قَطّ إلاّ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهَا جَاهِلِيّةٌ‏.‏ قَالَ فَيُؤْخَذُ العَدَدُ مِنَ الجاهِليّةِ فَإِنْ تَمّتْ وإلاّ كَمُلَتْ مِنَ المُنَافِقِينَ‏.‏ وَمَا مَثَلُكُمْ والأُمَمِ إِلاّ كَمَثَلِ الرّقْمَةِ في ذِرَاعِ الدّابّةِ أَو كالشّامَةِ في جَنْبِ البَعِير ثُمّ قَالَ‏:‏ إِنّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبْعَ أَهْلِ الجَنّةِ فَكَبّروا ثُمّ قَالَ إِنّي لأرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنّةِ فَكَبّروا، ثُمّ قَالَ إِنّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الجَنّةِ فَكَبّروا، قَالَ لاَ أَدْرِي قَالَ الثّلُثَيْنِ أَمْ لاَ‏؟‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذَا حَديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيرِ وَجْهٍ عَن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

3282- حدثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ أخبرنا هِشَامُ بنُ عَبْدِ الله عَن قَتَادَة عَن الحَسَنِ عَن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏كُنّا مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَتَفَاوَتَ بَيْنَ أَصحْابِهِ فِي السّيْرِ، فَرَفَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صَوْتَهُ بِهَاتَيْنِ الاَيَتَيْنِ ‏{‏يا أيّها النّاس اتّقُوا رَبّكُمْ إِنّ زَلزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم‏}‏، إِلى قَوْلِهِ ‏{‏وَلَكنّ عَذَابَ الله شَدِيدٌ‏}‏ فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ حَثّوا المُطِيّ وَعَرَفُوا أَنّهُ عِنْدَ قَوْلٍ يَقُولُه‏.‏ فَقَالَ هَلْ تَدْرُون أَيّ يَوْمٍ ذَلِكَ‏؟‏ قَالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَم‏.‏ قَالَ‏:‏ ذَلِكَ يَوْمُ يُنَادِي الله فيهِ آدَمَ فَيُنَادِيهُ رَبّهُ فَيَقُولُ يا آدَمُ ابْعَثْ بَعْثَ النَار فَيَقُولُ يا رَبّ وما بعثُ النّارِ‏؟‏ فَيقُولُ مِنْ كلّ أَلْفٍ تِسْعُمَائَةٍ وتِسْعَةٌ وتِسْعُونَ إلى النّارِ وَوَاحِدٌ إلى الجَنّةِ، فَيئِسَ القَوْمُ حَتّى مَا أَبْدَوْا بضَاحِكَةٍ‏.‏ فَلَمّا رَأَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الّذِي بأَصْحَابِهِ قَالَ اعْمَلُوا وَأَبْشِروا فَوَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ إِنّكُمْ لَمَعَ خَليقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ شيْءٍ إِلاّ كَثّرَتَاهُ‏:‏ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ومَنْ مَاتَ مِنْ بَنِي آدَمَ وَبنِي إِبْليسَ‏.‏ قَالَ فَسُرّيَ عَن القَوْمِ بَعْضُ الّذْي يَجدُونَ، فقَالَ اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَوَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِه مَا أَنْتُمْ في النّاس إِلا كالشّامَةِ في جَنْبِ البَعِيرِ أَو كَالرّقْمَةِ في ذِرَاعِ الدّابّةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3283- حدثنا مُحَمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا أخبرنا عَبْدُ الله بنُ صَالحٍ قَالَ حدثني اللّيْثُ عَن عَبْدِ الرّحمنِ بنِ خَالِدٍ عَن ابنِ شِهَابٍ عَن مُحَمّدِ بنِ عُرْوَةَ بنِ الزبير عن عبد الله بنِ الزّبَيْرِ قَالَ‏:‏ ‏"‏قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِنّمَا سُمّيَ البَيْتُ العَتِيقَ لأَنّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيه جَبّارٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غرِيب وقد رُوِيَ هذا الحديث عَن الزّهْرِيّ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً‏.‏

3284- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عَن عُقَيْلٍ عَن الزّهْرِيّ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏

3285- حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيع حدثنا أَبِي وإسْحَاقُ بنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ عَن سُفيانَ الثّوْرِيّ عَن الأَعْمَشِ عَن مُسْلِم البَطِينِ عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابن عَبّاسٍ قَالَ ‏"‏لَمّا أُخْرِجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكّةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَخْرَجُوا نَبِيّهُمْ لِيَهْلِكُنّ‏.‏ فَأَنْزَلَ الله تَعَالى‏:‏ ‏{‏أُذِنَ لِلّذِينَ يُقَاتَلَوُنَ بِأَنّهُمْ ظُلِمُوا وإنّ الله عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير‏}‏ الاَيَة، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنّهُ سَيَكُونُ قِتَالٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرّحمَنِ بنُ مَهْدِيّ وَغَيْرُهُ عَنْ سفيانَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم فِيهِ عنْ ابنِ عَبّاسٍ وقد رواه غير واحد عن سفيان عَنْ الأَعْمَشِ عَن مُسْلِمِ البَطِينِ عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلاً لَيْسَ فيه عَن ابنِ عَبّاسِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن الحسن‏)‏ هو البصري‏.‏ قوله ‏{‏يا أيها الناس اتقوا ربكم‏}‏ أي احذروا عقابه واعملوا بطاعته ‏{‏إن زلزلة الساعة شيء عظيم‏}‏ الزلزلة شدة الحركة على الحال الهائلة ووصفها بالعظم ولا شيء أعظم مما عظمه الله تعالى قيل هي من أشراط الساعة قبل قيامها وقال ابن عباس‏:‏ زلزلة الساعة قيامها فتكون معها واختاره ابن جرير في تفسير وبعده ‏{‏يوم ترونها‏}‏ أي الساعة وقيل الزلزلة ‏{‏تذهل‏}‏ قال ابن عباس تشغل وقيل تنسى ‏{‏كل مرضعة عما أرضعت‏}‏ أي كل امرأة معها ولد ترضعه ‏{‏وتضع كل ذات حمل حملها‏}‏ أي تسقط من هول ذلك اليوم كل حامل حملها‏.‏ قال الحسن‏:‏ تذهل المرضعة عن ولدها غير فطام وتضع الحامل ما في بطنها غير تمام، فعلى هذا القول تكون الزلزلة في الدنيا لأن بعد البعث لا يكون حبل ومن قال تكون الزلزلة في القيامة قال هذا على وجه تعظيم الأمر وتهويله لا على حقيقته كما تقول أصابنا أمر يشيب فيه الوليد تريد به شدته ‏{‏وترى الناس سكارى‏}‏ على التشبيه ‏(‏وما هم بسكارى‏)‏ على التحقيق ولكن ما رهقهم من خوف عذاب الله هو الذي أذهب عقولهم وأزال تمييزهم، وقيل سكارى من الخوف وما هم بسكارى من الشراب ‏{‏ولكن عذاب الله شديد‏}‏ أي فهم يخافونه ‏"‏قال‏"‏ أي عمران بن حصين ‏"‏وهو في سفر‏"‏ جميلية حالية والضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ابعث بعث النار‏"‏ وفي حديث أبي سعيد عند البخاري‏:‏ أخرج بعث النار وفي حديث أبي هريرة عنده‏:‏ أخرج بعث جهنم من ذريتك‏.‏ قال الحافظ البعث بمعنى المبعوث وأصلها في السرايا التي يبعثها الأمير إلى جهة من الجهات للحرب وغيرها ومعناها هنا‏:‏ ميز أهل النار من غيرهم وإنما خص بذلك آدم لكونه والد الجميع ولكونه كان قد عرف أهل السعادة من أهل الشقاء‏.‏ فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وعن يمينه أسودة وعن شماله أسودة الحديث ‏"‏وما بعث النار‏"‏ الواو عاطفة على شيء محذوف تقديره سمعت وأطعت وما بعث النار أي وما مقدار مبعوث النار، وفي حديث أبي هريرة ‏"‏فيقول يا رب كم أخرج‏"‏ ‏"‏قال تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد إلى الجنة‏"‏ وفي حديث أبي سعيد ‏"‏من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون‏"‏، وفي حديث أبي هريرة ‏"‏أخرج من كل مائة تسعة وتسعين‏"‏، فحديث أبي هريرة مخالف لحديث عمران بن حصين وأبي سعيد مخالفة ظاهرة، وأجاب الكرماني بأن مفهوم العدد لا اعتبار له فالتخصيص بصدد لا يدل على نفي الزائد والمقصود من العددين واحد وهو تقليل عدد المؤمنين وتكثير عدد الكافرين‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ومقتضى كلامه الأول تقديم حديث أبي هريرة على حديث أبي سعيد فإنه يشتمل على زيادة‏.‏ فإن حديث أبي سعيد يدل على أن نصيب أهل الجنة من كل ألف واحد‏.‏ وحديث أبي هريرة يدل على أنه عشرة‏.‏ فالحكم للزائد ومقتضى كلامه الأخير أن لا ينظر إلى العدد أصلاً بل القدر المشترك بينهما ما ذكره من تقليل العدد، قال وقد فتح الله تعالى في ذلك بأجوبة أخر‏.‏ وهو حمل حديث أبي سعيد ومن وافقه على جميع ذرية آدم فيكون من كل ألف واحد، وحمل حديث أبي هريرة ومن وافقه على من عدا يأجوج ومأجوج فيكون من كل ألف عشرة، ويقرب ذلك أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة، ويحتمل أن يكون الأول يتعلق بالخلق أجمعين والثاني بخصوص هذه الأمة‏.‏ ويقربه قوله في حديث أبي هريرة‏:‏ ‏"‏إذا أخذ منا‏"‏‏.‏ لكن في حديث ابن عباس‏:‏ ‏"‏وإنما أمتي جزء من ألف‏"‏، ويحتمل أن تقع القسمة مرتين مرة من جميع الأمم قبل هذه الأمة فقط فيكون من كل ألف واحد، ومرة من هذه الأمة فقط فيكون من كل ألف عشرة، ويحتمل أن يكون المراد ببعث النار الكفار ومن يدخلها من العصاة فيكون من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كافراً ومن كل مائة تسعة وتسعون عاصياً انتهى ‏"‏فأنشأ المسلمون يبكون‏"‏ قال في النهاية أنشأ يفعل كذا ويقول كذا أي ابتدأ يفعل ويقول ‏"‏قاربوا‏"‏ أي اقتصدوا في الأمور كلها واتركوا الغلو فيها والتقصير يقال قارب فلان في أموره إذا اقتصد ‏"‏وسددوا‏"‏ أي اطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة وهو القصد في الأمر والعدل فيه ‏"‏فإنها لم تكن نبوة قط‏"‏ قال في القاموس ما رأيته قط ويضم ويخفقان وقط مشددة مجرورة بمعنى الدهر مخصوص بالماضي أي في ما مضى من الزمان انتهى ‏"‏إلا كان بين يديها جاهلية‏"‏ قال في النهاية الجاهلية هي الحال التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك انتهى‏.‏ والمراد بالجاهلية هنا الحال التي كان عليها الناس قبل بعثة نبيهم ‏"‏فيؤخذ العدد‏"‏ أي عدد بعث النار ‏"‏فإن تمت‏"‏ أي هذه العدة من الجاهلية ‏"‏إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة‏"‏ قال في النهاية الرقمة هنا الهنة الناتئة في ذراع الدابة من داخل وهما رقمتان في ذراعيها انتهى‏.‏ وفي القاموس الرقمتان هنتان شبه ظفرين في قوائم الدابة‏.‏

وقال النووي في شرح مسلم الرقمة بفتح الراء وإسكان القاف قال أهل اللغة الرقمتان في الحمار هما الأثران في باطن عضديه وقيل هي الدائرة في ذراعيه وقيل هي الهنة الناتئة في ذراع الدابة من داخل انتهى ‏"‏أو كالشامة‏"‏ أي الخال في الجسد معروفة ‏(‏فكبروا‏)‏ تكبيرهم لسرورهم بهذه البشارة العظيمة ولم يقل أولاً نصف أهل الجنة لفائدة حسنة وهي أن ذلك أوقع في نفوسهم وأبلغ في إكرامهم فإن إعطاء الإنسان مرة بعد أخرى دليل على الاعتناء به ودوام ملاحظته، وفيه فائدة أخرى هي تكرار البشارة مرة بعد أخرى، وفيه أيضاً حملهم على تجديد شكر الله تعالى وتكبيرة وحمده على كثرة نعمه‏.‏ ثم إنه وقع في هذا الحديث‏:‏ ‏"‏نصف أهل الجنة‏"‏‏.‏ وقد ثبت في حديث بريدة أن ‏"‏أهل الجنة عشرون ومائة صف ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم‏"‏‏.‏ أخرجه الترمذي في باب كم صف أهل الجنة‏.‏ فهذا دليل على أنهم يكونون ثلثي أهل الجنة فيكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أولاً بحديث النصف ثم تفضل الله سبحانه بالزيادة فأعمله بحديث الصفوف فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ولهذا نظائر كثيرة في الحديث معروفة‏.‏ قوله ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

- قوله ‏(‏حدثنا يحيى بن سعيد‏)‏ هو القطان ‏(‏أخبرنا هشام بن أبي عبدالله‏)‏ هو الدستوائي‏.‏ قوله ‏(‏فتفاوت بين أصحابه في السير‏)‏ أي وقع التفاوت والبعد ‏(‏حثوا المطى‏)‏ أي حضوها والمطى جمع المطية وهي الدابة تمطو في سيرها أي تجد وتسرع في سيرها ‏(‏وعرفوا أنه‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏عند قوله يقوله‏)‏ أي يريد أن يقول قولاً ‏(‏حتى ما أبدوا بضاحكة‏)‏ أي ما تبسموا والضواحك الأسنان التي تظهر عند التبسم ‏(‏الذي بأصحابه‏)‏ أي من اليأس وعدم التبسم ‏"‏إنكم لمع خليقتين‏"‏ أي مخلوقين ‏"‏إلا كثرتاه‏"‏ من التكثير ‏"‏يأجوج ومأجوج‏"‏ بدل من خليقتين ويجوز الرفع أي هما يأجوج ومأجوج ‏"‏ومن مات‏"‏ عطف على يأجوج ‏(‏فسرى‏)‏ أي كشف وأزيل يقال سروت الثوب وسريته إذا خلعته والتشديد فيه المبالغة ‏"‏وأبشروا‏"‏ من باب سمع يسمع أو من باب الأفعال، قال في مختار الصحاح يقال بشره بكذا بالتخفيف فأبشر إبشاراً وتقول أبشر بخير بقطع الألف ومنه قوله تعالى ‏{‏وأبشروا بالجنة‏}‏ وبشر بكذا استبشر به وبابه طرب انتهى‏.‏ قوله هذا حديث حسن صحيح وأخرجه أحمد والنسائي والحاكم‏.‏

- قوله ‏(‏حدثنا محمد بن إسماعيل‏)‏ بن يوسف السلمي أبو إسماعيل الترمذي نزيل بغداد ثقة حافظ من الحادية عشرة ‏(‏حدثنا عبدالله بن صالح‏)‏ هو الجهني أبو صالح المصري كاتب الليث ‏(‏حدثني الليث‏)‏ هو بن سعد ‏(‏عن عبد الرحمن بن خالد‏)‏ بن مسافر الفهمي أمير مصر صدوق من السابعة ‏(‏عن محمد بن عروة بن الزبير‏)‏ بن العوام الأسدي صدوق من الرابعة قوله ‏"‏إنما سمي البيت‏"‏ الذي هو الكعبة ‏(‏العتيق‏)‏ بالنصب على أنه مفعول ثان لمسمى ‏"‏لأنه لم يظهر عليه جبار‏"‏ أي لم يغلب عليه والجبار هو الذي يقتل على الغضب، وفي رواية لأن الله أعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه جبار قط قال المناوي أراد بنفي الظهور نفي الغلبة والاستيلاء من الكفار وقصة الفيل مشهورة وقال قتادة عن الحسن البصري في قوله ‏{‏وليطوفوا بالبيت العتيق‏}‏ قال لأنه أول بيت وضع، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وعن عكرمة أنه قال إنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق يوم الغرق زمان نوح وقيل غير ذلك، وما في حديث الباب هو المعتمد‏.‏ قوله ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الحاكم في مستدركه والبيهقي في شعب الإيمان وقال الحاكم على شرط مسلم وأقروه قاله المناوي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ليهلكن‏)‏ بالبناء المفعول من الإهلاك أو للفاعل من الهلاك ‏{‏أذن‏}‏ أي رخص وقرئ على البناء للفاعل أي أذن الله تعالى ‏{‏للذين يقاتلون‏}‏ أي يقاتلهم المشركون والمأذون فيه محذوف لدلالة المذكور عليه فإن مقاتلة المشركين إياهم دالة على مقاتلتهم إياهم دلالة نيرة، وقرئ على صغية المبنى للفاعل أي يريدون أن يقاتلوا المشركين فيما سيأتي ويحرصون عليه فدلالته على المحذوف أظهر وهي أول آية نزلت في الجهاد ‏{‏بأنهم‏}‏ أي بسبب أنهم ‏{‏ظلموا‏}‏ أي بظلم الكافرين إياهم ‏{‏وإن الله على نصرهم لقدير‏}‏ أي هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال ولكن هو يريد من عباده أن يبلوا جهدهم في طاعته قوله ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي وابن جرير وأبن أبي حاتم‏.‏

1829- باب ومن سورة المؤمنين

مكية وهي مائة وثماني أو تسع عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3286- حدثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وَغيرُ وَاحِدٍ المَعْنَى وَاحِدٌ قَالُوا‏:‏ حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ عَن يُونُسَ بنِ سُلَيْمٍ عَن الزّهْرِيّ عَن عُروةَ بنِ الزّبَيْرِ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَبدٍ القَارِيّ قَالَ‏:‏ ‏"‏سَمِعْتُ عُمَر بنَ الخَطّاب رضي الله عنه يَقُولُ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا أَنْزَلَ عَلَيه الوَحْيُ سُمِعَ عِنْدَ وَجْهِهِ كَدَوِيّ النّحْلِ فأُنْزِلَ عَلَيه يَوْماً فمَكَثْنا سَاعَةً فسُرّيَ عَنْهُ فاسْتَقْبَلَ القِبْلَة وَرَفَعَ يَدَيهِ وَقَال اللّهُمّ زِدْنَا وَلاَ تُنْقِصْنَا وَأَكْرِمْنَا وَلاَ تُهِنّا وَأَعطِنَا وَلاَ تَحْرِمُنا وآثِرْنَا وَلاَ تُؤْثِرْ عَلَيْنَا وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنّا ثُمّ قَالَ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أُنْزلَ عَلَيّ عَشْرُ آياتٍ مَنْ أَقَامَهُنّ دَخَلَ الجَنّةَ ثُمّ قَرَأَ ‏{‏قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ‏}‏ حَتّى خَتَمَ عَشَرَ آيَاتٍ‏.‏

3287- حدثنا مُحَمّدُ بنُ أَبَان حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ عَن يُونسَ بنِ سُليْمٍ عَن يُونُسَ بنِ يَزِيدَ عَن الزّهْرِيّ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ بمَعْنَاهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذَا أَصَحّ مِنْ الحَديثِ الأَوّلِ سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ مَنْصُورٍ يَقُولُ رَوَى أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَعَليّ بنُ المَدِينِيّ وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ عَن عَبْد الرّزّاقِ عَن يُونسَ بن سُلَيْمٍ عَن يُونُسَ بنِ يَزِيدَ عَن الزّهْريّ هَذَا الحديثَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَمَنْ سَمِعَ مِنْ عَبْد الرّزّاقِ قَدِيماً فإِنّهُم إِنّما يَذْكُرُونَ فِيهِ عَن يُونُسَ بنِ يَزِيدَ وَبَعْضُهُمْ لاَ يَذُكُرُ فِيهِ عَنْ يُونُسَ بنِ يَزِيدَ وَمَنْ ذَكَرَ فِيهِ عَن يُونُسَ بنِ يَزيدَ فَهُوَ أَصَحّ وَكَانَ عَبْدُ الرّزّاقِ رُبّمَا ذَكَرَ في هَذَا الحَدِيثِ يُونُسَ بنَ يَزيدَ وَرُبّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ‏.‏ وإذا لم يذكر فيه يونس فهو مرسل‏.‏

3288- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ حدثنا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ عنْ سَعيِدٍ عَن قَتَادَةَ عَن أَنَسِ بنَ مَالِكِ ‏"‏أَنّ الرّبَيّعَ بِنْتَ النّضْرِ أَتَتْ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ ابْنُهَا حَارِثَةُ بنُ سُرَاقَةَ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فأتَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فقَالَتْ أَخْبِرْنِي عَن حَارِثَةَ لئِنْ كَانَ أَصَابَ خَيْراً احْتَسَبْتُ وَصَبَرْتُ وَإِنْ لَمْ يُصِب الخَيْرَ اجْتَهَدْتُ في الدّعَاءِ، فَقَالَ النَبِيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ يَا أُمّ حَارِثَةَ إِنّها جِنَةٌ في جَنّةٍ وإنّ ابْنَكِ أَصَابَ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى‏.‏ والفِرْدَوْس رَبْوَةُ الجَنّةِ وَأَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3289- حدثنا ابنُ أَبِي عُمَر حدثنا سُفْيَانُ حدثنا مَالِكُ بنُ مُغَوّلٍ عَن عبدِ الرّحْمَنِ بنِ سَعِيدِ بنِ وَهْبٍ أيْ الهَمْدَانِيّ أَنّ عَائِشَةَ زَوْجَ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ ‏"‏سَأَلْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَن هَذِهِ الاَيَةِ ‏{‏وَالّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ‏}‏ قَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ أَهُم الّذِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ ويَسْرِقُونَ‏؟‏ قال‏:‏ لا يا بنْتَ الصّدّيقِ‏.‏ وَلكَنّهُم الّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلّونَ وَيَتَصَدّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أن لا يُقْبَلَ مِنْهُم‏:‏ أُولَئِكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ في الخَيْراتِ وَهُمْ لَهَا سَابقُونَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَن عَبْد الرْحمَنِ بن سَعِيدٍ عَن أَبِي حَازمٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا‏.‏

3290- حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بن المبارك عَن سَعِيدِ بنِ يَزيدَ أَبِي شُجَاعٍ عَن أَبِي السّمْحِ عَن أَبِي الهَيْثَمِ عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏{‏وَهُمْ فيها كَالحُونَ‏}‏ قَال تَشْوِيهِ النّارُ فَتَقَلّصُ شَفَتُهُ العالية حَتّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأْسِهِ، وَتَسْتَرْخِيَ شَفَتُهُ السّفْلَى حَتّى تَضْرِبَ سُرّتَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذَا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏سمع‏)‏ على بناء المجهول ‏(‏عند وجهه‏)‏ أي عند قرب وجهه بحذف المضاف ‏(‏كدوي النحل‏)‏ بفتح الدال وكسر الواو وتشديد الياء أي سمع عند وجهه دوي مثل دوي النحل، والدوي صوت لا يفهم منه شيء وهذا الصوت هو صوت جبريل عليه الصلاة السلام يبلغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ولا يفهم الحاضرون من صوته شيئاً‏.‏ وقال الطيبى رح أي سمع من جانب وجهه وجهته صوت خفي كأن الوحي كان يؤثر فيهم وينكشف لهم انكشافاً غير تام فصاروا كمن يسمع دوي صوت ولا يفهمه أو أراد لهما سمعوه من غطيطه وشدة تنفسه عند نزول الوحي انتهى‏.‏ وقال في اللمعات‏:‏ وهذا الدوي إما صوت الوحي أو ما كانوا يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم من شدة تنفسه من ثقل الوحي والأول أظهر لأنه قد وصف الوحي بأنه كان تارة مثل صلصلة الجرس انتهى ‏(‏يوماً‏)‏ أي نهاراً أو وقتاً ‏(‏فمكثنا‏)‏ بفتح الكاف وضمها أي لبثنا ‏(‏ساعة‏)‏ أي زمناً يسيراً ننتظر الكشف عنه ‏(‏فسرى‏)‏ عنه بصيغة المجهول من التسرية وهو الكشف والإزالة أي كشف عنه وأزيل ما اعتراه من برحاء الوحي وشدته ‏"‏اللهم زدنا‏"‏ أي من الخير والترقي أو كثرنا ‏"‏ولا تنقصنا‏"‏ أي خيرنا ومرتبتنا وعددنا‏.‏ قال الطيبي رح عطفت هذه النواهي على الأوامر للمبالغة والتأكيد وحذف المفعولات للتعميم ‏"‏وأكرمنا‏"‏ بقضاء مآربنا في الدنيا ورفع منازلنا في العقبى ‏"‏ولا تهنا‏"‏ من الإهانة أي لا تذلنا ‏"‏ولا تحرمنا‏"‏ بفتح التاء أي لا تمنعنا أو لا تجعلنا محرومين ‏"‏وآثرنا‏"‏ من الإيثار أي اخترنا برحمتك وإكرامك وعنايتك ‏"‏لا تؤثر علينا‏"‏ أي غيرنا بلطفك وحمايتك وقيل لا تغلب علينا أعداءنا ‏"‏وأرضنا‏"‏ من الإرضاء أي بما قضيت لنا أو علينا بإعطاء الصبر وتوفيق الشكر وتحمل الطاعة والتقنع بما قسمت لنا ‏"‏وأرض علينا‏"‏ أي بالطاعة اليسيرة الحقيرة التي في جهدنا ولا تؤاخذنا بسوء أعمالنا ثم قال ‏"‏أنزل على‏"‏ أي آنفاً ‏"‏من أقامهن‏"‏ أي حافظ وداوم عليهن وعمل بهن ‏"‏دخل الجنة‏"‏ أي دخولاً أولياً‏.‏

- قوله ‏(‏حدثنا محمد بن أبان‏)‏ هو أبو بكر البلخي ‏(‏عن يونس بن يزيد‏)‏ هو ابن أبي النجاد الأيلي وحديث عمر بن الخطاب هذا أخرجه أيضاً أحمد والنسائي وفي سنده يونس بن سليم الصنعاني قال في الميزان في ترجمته حدث عنه عبد الرزاق وتكلم فيه ولم يعتمد في الرواية ومشاه غيره، وقال العقيلي‏:‏ لا يتابع على حديثه ولا يعرف إلا به انتهى‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ قال النسائي هذا حديث منكر لا نعلم أحداً رواه غير يونس‏.‏ ويونس لا نعرفه وذكره ابن حبان في الثقات‏.‏

- قوله ‏(‏عن سعيد‏)‏ ابن أبي عروبة ‏(‏أن الربيع بنت النضر‏)‏ الأنصارية الخزرجية عمة أنس بن مالك صحابية ‏(‏كان أصيب‏)‏ أي قتل ‏(‏أصابه سهم غرب‏)‏ أي لا يعرف راميه أو لا يعرف من أين أتى أو جاء على غير قصد من راميه، قاله الحافظ وقال الطيبي أي لا يعرف راميه وهو بفتح الراء وسكونها وبالإضافة والوصف وقيل بالسكون إذا أتاه من حيث لا يدري وبالفتح إذا رماه فأصاب غيره انتهى ‏(‏لئن كان أصاب خيراً احتسبت وصبرت‏)‏ وفي رواية البخاري فإن كان في الجنة صبرت ‏(‏وإن لم يصب الخير اجتهدت في الدعاء‏)‏ وفي رواية البخاري وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء‏.‏ قال الخطابي أقرها النبي صلى الله عليه وسلم هذا أى فيؤخذ منه الجواز‏.‏

قال الحافظ‏:‏ كان ذلك قبل تحريم النوح فلا دلالة فيه فإن تحريمه كان عقب غزوة أحد وهذه القصة كانت عقب غزوة بدر، ووقع في رواية سعيد بن أبي عروبة اجتهدت في الدعاء بدل قوله في البكاء وهو خطأ ووقع ذلك في بعض النسخ دون بعض ووقع في رواية حميد الاَتية في صفة الجنة من الرقاق، وعند النسائي فإن كان في الجنة لم أبك عليه وهو دال على صحة الرواية بلفظ البكاء‏.‏ وقال في رواية حميد هذه‏:‏ وإلا فسترى ما أصنع ونحوه في رواية حماد عن ثابت عند أحمد ‏"‏إنها جنان في جنة‏"‏ وفي رواية أبان عند أحمد إنها جنان كثيرة في جنة‏.‏ وفي رواية حميد‏:‏ ‏"‏إنها جنان كثيرة‏"‏‏.‏ والضمير في قوله إنها جنان يفسره ما بعده وهو كقولهم هي العرب تقول ما شاءت والقصد بذلك التفخيم والتعظيم‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ ويجوز أن يكون الضمير للشأن وجنان مبتدأ والتنكير فيه للتعظيم‏.‏ والمراد بالجنان الدرجات فيها لما ورد أن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها ‏(‏والفردوس ربوة الجنة‏)‏ أي أرفعها، والربوة بالضم والفتح ما ارتفع من الأرض ‏(‏وأوسطها وأفضلها‏)‏ المراد بالأوسط هنا الأعدل والأفضل كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكذلك جعلناكم أمة وسطا‏}‏ فعطف الأفضل عليه للتأكيد‏.‏ قوله ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه البخاري والنسائي وابن خزيمة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبدالرحمن بن وهب‏)‏ هو عبدالرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني الخيراني ثقة من الرابعة ولم يدرك عائشة‏.‏ قوله‏:‏ ‏{‏والذي يؤتون‏}‏ أي يعطون ‏{‏ما آتوا‏}‏ أي ما أعطوا من الصدقة والأعمال الصالحة ‏{‏وقلوبهم وجلة‏}‏ أي خائفة أن لا تقبل منهم وبعده ‏{‏أنهم إلى ربهم راجعون‏}‏ أي لأنهم يوقنون أنهم إلى الله صائرون ‏{‏أولئك الذين يسارعون في الخيرات‏}‏ كذا في هذه الرواية، وفي القرآن ‏{‏أولئك يسارعون‏}‏ أي يبادرون إلى الأعمال الصالحة ‏{‏وهم لها سابقون‏}‏ أي في علم الله وفيل أي لأجل الخيرات سابقون إلى الجنات أو لأجلها سبقوا الناس‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ سبقت لهم من الله السعادة وحديث عائشة هذا أخرجه أيضاً أحمد وابن أبي حاتم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وروى هذا الحديث عن عبد الرحمن ابن سعيد‏)‏ هو عبد الرحمن بن وهب المذكور في الإِسناد السابق ‏(‏عن أبي حازم‏)‏ اسمه سلمان الأشجعي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبدالله‏)‏ هو ابن المبارك ‏(‏عن أبي السمح‏)‏ اسمه دراج بن سمعان السهمي ‏(‏عن أبي الهيثم‏)‏ اسمه سليمان بن عمرو العتواري‏.‏ قوله‏:‏ ‏{‏وهم فيها كالحون‏}‏ أي عابسون وقد بدت أسنانهم وتقلصت شفاههم كالرأس المشوي على النار قال في القاموس كلح‏:‏ كمنح كلوحا وكلاحاً بضمهما تكشر في عبوس أوله ‏{‏تلفح وجوههم النار‏}‏ أي تحرقها ‏"‏تشويه‏"‏ بفتح أوله من باب رمي يرمي أي تحرق الكافر ‏(‏فتقلص‏)‏ بحذف إحدى التائين أي تنقبض ‏"‏حتى تبلغ‏"‏ أي تصل شفته ‏"‏وتسترخي‏"‏ أي تسترسل ‏"‏شفته السفلى‏"‏ تأنيث الأسفل كالعليا تأنيث الأعلى ‏"‏حتى تضرب سرته‏"‏ أي تقرب شفته سرته‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والحاكم وصححه‏.‏

1830- باب سورة النور

مدنية وهي ثنتان أو أربع وسبعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3291- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثنا رَوْحَ بنُ عُبَادَةَ عَن عُبيْدِ الله بنِ الأَخْنَسِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَمْروُ بنُ شُعَيْبٍ عَن أَبيهِ عَن جَدّهِ قَالَ ‏"‏كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَرْثَدُ بنُ أَبي مَرْثَدٍ وكَانَ رَجُلاً يَحْمِلُ الأَسْرَى مِنْ مَكّةَ حَتّى يَأْتي بِهمْ المَدِينَةَ‏.‏ قَالَ وكَانَت امْرَأَةٌ بَغِيّ بِمَكّةَ يُقَالُ لَهَا عَنَاقُ وكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ، وَأَنّهُ كَان وَعَدَ رَجُلاً مِنْ أسَارَى مَكّةَ يَحْمِلُهُ، قَالَ فَجِئْتُ حَتّى انْتَهَيْتُ إلى ظِلّ حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ مَكّةَ في لَيْلَةٍ مُقْمِرةٍ، قَالَ فَجَاءَتْ عَنَاقُ فأَبْصَرَتْ سَوَادَ ظِلّي بِجَنْبِ الحَائِطِ فَلَمّا انْتَهَتْ إليّ عَرَفَتْه، فَقَالَتْ مَرْثَدٌ‏؟‏ فَقُلْتُ مَرْثَدٌ‏.‏ فَقَالتْ مَرْحَباً وَأَهْلاً هَلُمّ فبِتْ عِنْدَنَا اللّيْلَةَ، قُلْتُ يا عَنَاقُ حَرّمَ الله الزّنَا‏.‏ قَالَتْ يَا أَهْلَ الخِيَامِ هَذَا الرّجُلُ يَحْمِلُ أُسْرَاكُم قَالَ فَتَبعَنِيَ ثَمَانِيَةٌ وسَلَكْتُ الخَنْدَمَةَ فانتهَيْتُ إلى غَارٍ أَوْ كَهفٍ فَدَخَلْتُ فَجَاؤوا حَتّى قَامُوا عَلَى رَأْسِي فبَالُوا فَظَلّ بَوْلُهمْ عَلَى رَأسِي وَأَعمّاهُم الله عَنّي قَالَ ثُمّ رَجَعُوا وَرَجَعْتُ إلى صَاحبي فَحَمَلْتُهُ وكَانَ رَجُلاً ثَقِيلاً حَتّى انْتَهيْتُ إلى الإذْخِر فَفَكَكْتُ عَنُهُ أكْبُلَهُ فَجَعَلْتُ أَحْمِلُه ويعينني حَتّى قَدِمتُ المَدِينَةَ فأَتَيْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ يا رَسُولَ الله أَنْكِحُ عَنَاقاً مَرّتْينِ فأَمْسَكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَلَم يَرُدّ عَلَيّ شَيْئاً حَتّى نَزَلَتْ ‏{‏الزّاني لاَ يَنْكِحُ إِلاّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إِلاَ زَانٍ أَوْ مُشركٌ وحرّم ذلك على المؤمنين‏}‏ فَقَال رسُول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يَا مَرْثَدُ الزّاني لاَ يَنْكِحُ إِلاَ زَانِيَةً أَوْ مُشركَةً وَالزانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إِلاّ زَانٍ أَوْ مُشركٌ فَلاَ تَنْكِحْهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيب لاَ نَعْرِفُه إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏

3292- حدثنا هَنّادٌ، حدثنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ عَن عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبي سُلَيْمَانَ عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏سُئِلْتُ عَن المُتَلاَعِنَيْنِ في إمَارَةِ مُصْعَبِ بنِ الزّبَيْرِ أَيفَرّقُ بَيْنَهُمَا فَمَا دَرَيْتُ مَا أَقُولُ، فَقُمْتُ مِنْ مَكاني إلى مَنْزِلِ عَبْدِ الله بنِ عُمَر فاسْتَأْذَنْتُ عَلَيهِ فَقيلَ لِي إنّهُ قَائِلٌ فَسَمِعَ كَلاَمِيَ فَقَالَ لِي‏:‏ ابنَ جُبَيْرٍ‏؟‏ ادْخُلْ مَا جَاءَ بِكَ إلاّ حَاجَة، قَالَ فَدَخَلْتُ فإِذَا هُوَ مُفْترِشٌ بَرْدَعَةَ رَحْلٍ لَهُ‏.‏ فَقُلْتُ يَا أَبا عَبْدِ الرّحْمَنِ المُتَلاعِنَانِ أَيُفَرّقُ بَيْنَهُما‏؟‏ فَقَالَ سُبْحَانَ لله نَعَمْ إِنّ أَوّلَ مَنْ سَأَلَ عَن ذَلِكَ فُلاَنُ بنُ فُلاَنٍ أَتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَرَأَيْتَ لَوْ أَنّ أَحَدَنَا رَأَى امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ كَيْفَ يَصْنَعُ‏؟‏ إنْ تكلم تكلّمَ بأَمْرٍ عَظِيمٍ وَإنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ‏.‏ قال‏:‏ فَسَكَتَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُجبْهُ فَلَمّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ إِنّ الّذي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَد ابْتُلِيتُ بِهِ فَأَنْزَلَ الله هذه الاَيَاتِ في سُورَةِ النّورِ ‏{‏والّذِينَ يَرمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاّ أَنْفُسُهُم فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بالله‏}‏ حَتّى خَتَمَ الاَيَاتِ‏.‏ قَال فَدَعَا الرّجُل فَتَلاَهُنّ عَليهِ وَوَعَظَهُ وَذَكَرَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنّ عَذَابَ الدّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الاَخِرَةِ‏.‏ فَقَالَ لاَ والّذِي بَعَثَكَ بالحَقّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا‏.‏ ثُمّ ثَنّى بالمرأةِ وَوَعَظهَا وَذَكّرَهَا وأَخْبَرَها أَنّ عَذَابَ الدّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الاَخِرَةِ فَقَالَتْ لاَ والّذِي بَعَثَكَ بالحَقّ مَا صَدَقَ، فَبَدأَ بالرّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بالله إِنَهُ لِمَنَ الصّادِقينَ والخَامِسَةَ أَنّ لَعْنَةَ الله عَلَيْه إِنْ كَانَ مِنَ الكَاذِبينَ، ثُمّ ثنّى بالمرأَةِ فَشَهِدَتْ أَرْبَع شَهَادَاتٍ بالله إِنّهُ لِمَنَ الكَاذِبينَ والخَامِسَةَ أَنّ غَضَبَ الله عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنَ الصّادِقِينَ ثُمّ فَرّقَ بَيْنَهُمَا‏"‏‏.‏

وفي البابِ عَن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3293- حدثنا محمد بن بشار، أخبرنا مُحَمّدُ بنُ أَبي عَدِيّ، أخبرنا هِشَامُ بنُ حَسّانَ قال‏:‏ حدثني عِكْرمَةُ عَن ابنِ عَبّاسٍ ‏"‏أَنّ هِلاَلَ بنَ أُمَيّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بِشَرِيكِ بنِ سَحْماءَ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم البَيّنَةَ وَإِلاّ حَدّ في ظَهْرِكَ، قَالَ فَقَالَ هِلاَلٌ‏:‏ يَا رَسُولَ الله إِذَا رَأَى أَحَدُنَا رَجُلاً عَلَى امْرَأَتِهِ أَيَلْتَمِسُ البَيّنَةَ، فَجَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ البَيّنَةَ وَالا حَدّ في ظَهْرِكَ، قَالَ فقَالَ هِلاَلٌ وَالّذِي بَعثَكَ بالحَقّ إني لَصَادِقٌ وَلْيُنْزِلَنّ فِي أَمْرِي مَا يُبَرّئُ ظَهْرِي مِنَ الحَدّ فَنَزَلَ ‏{‏وَالّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُم ولَمْ يَكُنْ لَهمْ شُهَدَاءُ إِلاّ أَنْفُسُهُم فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بالله إِنّهُ لِمَنَ الصّادِقِين فَقَرَأَ حتى بَلَغَ الخَامِسَةَ أَنّ غَضَبَ الله عَلَيْهَا إنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ قَالَ فانْصَرَفَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ إليْهِمَا فَجَاءَا فَقَامَ هِلاَلُ بنُ أُمَيّةَ فَشَهَد والنبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ إنّ الله يَعْلَمُ أَنّ أحدكما كاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ ثُمّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ فَلَمّا كانَتْ عِنْدَ الخَامِسَةِ أَنّ غَضَبَ الله عَلَيْها إنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ‏.‏ قَالُوا لَهَا إنّهَا مُوجِبَةٌ، فَقَال ابنُ عَبّاسٍ فَتَلَكّأَتْ وَنَكَسَتْ حَتّى ظَنَنّا أَنْ سَتَرْجِع فَقَالَتْ لاَ أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ اليَوْمِ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَبْصروهَا‏.‏ فإِنْ جَاءَتْ بِهِ اكْحَلَ العَيْنَينِ سَابِغَ الأَلْيَتَيْنِ خَدَلّجَ السّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بنِ سَحْمَاءَ فَجَاءَتْ به كَذَلِكَ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ لَوْلاَ مَا مَضَى مِنْ كِتابِ الله عز وجلّ لَكانَ لَنَا وَلهَا شَأْنٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريب من هذا الوجه من حديث هشام بن حسان وهَكَذَا رَوَى عَبّادُ بنُ مَنْصُورٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عِكْرِمَةَ مرسلاً عَن ابنِ عَبّاسٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَرَوَاهُ أَيّوبُ عَن عِكْرِمَةَ ولَمْ يَذْكُرْ فيه عَن ابنِ عَبّاسٍ‏.‏

3294- حدثنا مَحْمُودُ بن غَيْلاَن أَخبرنا أَبُو أُسَامَة عَنَ هِشَامِ بن عُرْوَةَ أَخْبَرني أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ ‏"‏لَمّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْتُ بِه قَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فيّ خَطِيباً فَتَشَهّدَ فَحَمَدَ الله وأَثْنَى عَلَيهِ بِما هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَال ‏"‏أَمّا بَعْدُ أَشِيروا عَليّ في أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلي والله مَا عَلمْتُ عَلَى أَهْلي مِنْ سُوءٍ قَطّ، وَأَبَنُوا بمَنْ والله مَا عَلِمْتُ عَلَيهِ مِنْ سُوءٍ قَطّ وَلاَ دَخَلَ بَيْتي قَطّ إِلاّ وَأَنَا حَاضِرٌ ولاَ غِبْتُ في سَفر إِلاّ غَابَ مَعيِ، فَقَامَ سَعْدُ بُن مُعَاذٍ رضي الله عنه فَقَال‏:‏ ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أخرب أَعْنَاقَهُمْ، وقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْخَزرَجِ وكَانَتْ أُمّ حَسّانَ بنِ ثَابِتٍ مِنْ رَهْطٍ ذَلِكَ الرّجُل فَقَالَ كذَبْتَ أَمَا وَالله أَن لوْ كَانُوا مِنَ الأوْسِ مَا أَحَبَبْت أَنْ تَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ حَتّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَين الأَوْسِ والْخَزرَجِ شَرّ في المَسْجِدِ، ومَا عَلِمْتُ بِه، فَلَمّا كانَ مَسَاءُ ذَلِكَ اليَوْمِ خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي وَمَعِي أُمّ مِسْطَحٍ فَعَثَرتْ فَقَالَت تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ لَهَا أَيْ أُم تَسُبّينَ ابْنَكِ فَسكَتَتْ ثُمَ عَثَرَت الثّانِيَةَ فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ لَهَا أي أَم تَسُبّينَ ابْنَكِ فَسكَتَتْ ثُمّ عَثَرَت الثّالِثَةَ فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَأْنَتَهَرْتُهَا فَقُلْتُ لَهَا أَي أَم تَسُبّينَ ابْنَكِ فَقَالَتْ والله مَا أَسُبّهُ إِلاّ فِيكِ فَقُلْتُ في أَيّ شَأْنِي‏؟‏ قَالَتْ فَبَقَرتْ لي الْحَدِيثَ قُلْتُ قَدْ كَانَ هَذَا‏؟‏ قَالَتْ نَعَمْ والله لقَدْ رَجَعْتُ إِلى بَيْتِي وَكَأَنّ الّذِي خَرَجْتُ لَهُ لَمْ أَخرُجْ‏.‏ لاَ أَجِدُ مِنهُ قَليلاً وَلاَ كَثِيراً وَوُعِكْتُ فَقُلْتُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَرسِلْني إِلى بَيْتِ أَبِي فأَرْسَلَ مَعِي الغُلاَمَ فَدَخَلْت الدّارَ فَوَجَدْتُ أُمّ رُومَانَ في السفْلِ وَأَبُو بَكْرِ فوْقَ البَيْتِ يَقْرأُ، فَقَالَتْ أُمّي مَا جَاءَ بِكِ يَا بُنَيّةُ قَالَتْ فأَخْبَرْتُها وَذَكَرْتُ لَهَا الْحَدِيثَ فإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنيّ فَقَالَتْ يَا بُنَيّةُ خَفّفِي عَلَيْكِ الشّأْنَ فإِنّهُ والله لَقلّمَا كَانَت امْرأَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلاّ حَسَدْنَهَا وقِيلَ فِيهَا فإِذَا هِيَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنّي، قَالَتْ قُلْتُ وقَدْ عَلِمَ بِهِ أَبي قَالَتْ نَعَمْ قُلْتُ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قَالت نَعَمْ، واسْتَعبَرْتُ وَبَكَيْتُ فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتي وَهُو فَوْقَ البَيْتِ يَقْرَأُ فَنَزَلَ فَقَالَ لأُمّي مَا شَأْنُهَا قَالَتْ أَبْلِغْهَا الّذِي ذُكِرَ مِنْ شَأْنِهَا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ يَا بُنيّةُ إلاّ رَجَعْتِ إلى بَيْتِكِ فَرَجَعْتُ، وَلَقَدْ جَاءَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إلى بَيْتِي وَسَأَلَ عَنّي خَادِمَتِي فَقَالَتْ لاَ وَالله مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا عَيْباً إلاّ أَنّها كانَتْ تَرْقُدُ حَتّى تَدْخُلَ الشّاةُ فَتَأْكلَ خَمِيرَتَهَا أَوْ عَجِينَتَهَا، وانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ أصْدقِي رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم حَتّى أَسْقَطُوا لهَا بِهِ فَقَالَتْ سُبْحَانَ الله والله مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إلاّ مَا يَعْلَمُ الصّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَهَب الأَحْمَرِ فَبَلَغَ الأَمرَ ذَلِكَ الرّجُلَ الّذي قِيلَ لَهُ، فَقَالَ سُبْحَانَ الله والله مَا كَشْفتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطّ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُتِلَ شَهِيداً في سَبِيلِ الله قَالتَ وأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي فَلَمْ يَزَالاَ عِنْدِي حَتّى دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وقَدْ صَلّى العَصْرَ ثُمّ دَخَلَ وقَدْ اكتَنَفنى أَبَوَايَ عَن يَمينِي وَشِمالِي فَتَشَهّدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فحَمِدَ الله وَأَثْنى عَلَيْهِ بمَا هُوَ أَهْلُه ثُمّ قَالَ‏:‏ أَمّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ إنْ كُنْتِ قَارفْتِ سُوءاً أو ظَلَمْتِ فَتُوبي إلى الله فإنّ الله يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَن عبَادِهِ، قَالتْ وَقَدْ جَاءَت امْرأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَهِيَ جَالِسَةٌ بالبَابِ فَقُلْتُ أَلاَ تَسْتَحْيي مِنْ هَذِهِ المرأَةِ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئاً‏.‏ وَوَعَظَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَالْتَفتّ إلى أَبي فَقُلتُ أَجِبْهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَمَاذَا أَقُولُ‏؟‏ فَالْتَفَتّ إِلَى أُمّي فقُلْتُ أَجيبيهِ قَالتْ أَقُولُ مَاذَا‏؟‏ قَالتْ فَلَمّا لمْ يُجيبَا تَشَهّدْتُ فَحَمِدْتُ الله وَأَثْنَيتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قُلْتُ أَمَا وَالله لئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إنّي لمْ أَفْعَلْ وَالله يَشْهَدُ إنّي لَصَادِقَةٌ مَا ذَاكَ بِنَافِعي عِنْدَكُمْ لِي لَقَدْ تَكَلّمْتُم وَأُشْرِبتْ قُلُوبُكُمْ وَلَئِنْ قُلْتُ إنّي قَدْ فَعَلْتُ وَالله يَعْلَمُ أَنّي لمْ أَفْعَلْ لَتَقُولُنّ إِنّهَا قَدْ بَاءَتْ بِهَا عَلَى نَفْسِهَا‏.‏ وَإِنّي وَالله مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلاً قَالتْ وَالْتَمسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ إلاّ أَبَا يُوسُفَ حينَ قَال‏:‏ ‏{‏فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ‏}‏ قَالتْ وَأُنْزِلَ عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ سَاعَتِهِ فَسَكَتْنَا فَرُفِعَ عَنْهُ وَإني لأَتَبَينُ السّرورَ في وَجْهِهِ وَهُوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ‏:‏ وَيَقولُ أَبْشرِي يَا عَائِشَةُ فقَدْ أَنْزَلَ الله بَرَاءَتَكِ، قَالتْ فَكنْتُ أَشَدّ مَا كُنْتَ غَضَباً فَقَال لِيَ أَبَوَايَ قُومِي إلَيْهِ فَقْلتُ لاَ وَالله لاَ أَقُومُ إليْهِ وَلاَ أَحْمَدُهُ وَلاَ أَحْمَدُكُما وَلكِنْ أَحْمَدُ الله الّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتي، لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ وَلاَ غَيّرتُمُوهُ‏.‏ وكانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ أَمّا زَيْنَبُ بنت جَحْشٍ فَعَصَمَهَا الله بِدِينِهَا فَلَمْ تَقلْ إلاّ خَيْراً وَأَمَا أُخْتُها حَمْنَةُ فَهلَكَتْ فيمَنْ هَلَكَ وكانَ الّذِي يَتَكَلّمُ فِيهِ مِسْطَحٌ وحَسّانُ بنُ ثَابِتٍ والمُنَافِقُ عَبْدُ الله بنُ أُبيّ بن سلول وهو الذي كانَ يَسْتَوْشِيهِ وَيَجمَعُهُ وهُوَ الّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ هو وحَمْنَةُ‏.‏ قَالتْ فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أنْ لاَ يَنْفَعَ مِسْطَحاً بِنَافِعَةٍ أَبَداً، فأَنْزَلَ الله تَعالَى هَذِهِ الاَيةَ ‏{‏وَلاَ يَأْتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ والسّعَةِ‏}‏ إلى آخر الاَية يَعْنِيَ أَبَا بَكْرٍ ‏{‏أَنْ يُؤتُوا أُولِي القُرْبَى والمَسَاكِينَ والمُهَاجِرينَ في سَبِيلِ الله‏}‏ يَعْنِي مِسْطَحاً إلى قَوْلِهِ ‏{‏أَلاَ تُحِبّونَ أَنْ يَغْفِرَ الله لَكُمْ والله غَفُورٌ رَحيمٌ‏}‏ قَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ بَلَى وَالله يَا رَبّنَا إنّا لنُحِبّ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا وعَادَ لَهُ بمَا كانَ يَصْنَعُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَديثَ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ‏.‏ وَقَدْ رَوَاه يُونُسُ بنُ يَزِيدَ ومَعْمَرٌ وغَيْرُ وَاحدٍ عَن الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ وَسعيدِ بنِ المسَيّبِ وَعَلْقَمَةَ بنِ وَقّاصٍ اللّيْثِيّ وعُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله عَنْ عَائِشَةَ هَذَا الحَدِيثَ أَطْوَلَ مِنْ حديثِ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ وَأَتَمّ‏.‏

3295- حدثنا محمد بن بشار، حدثنا ابنُ أَبي عَدِيّ عَن مُحَمّدِ بنِ اسْحَاقَ عَن عبْد الله بنِ أَبي بَكْرٍ عَن عَمْرَةَ عَن عائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏"‏لَمّا نَزَلَ عُذْرِي قَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى المِنْبَرِ فَذَكَرَ ذَلِك وَتَلاَ القُرآنَ فَلَمّا نَزَلَ أَمَرَ برَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ فَضُرِبُوا حَدّهُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذَا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حديثِ مُحَمّدِ بنِ إِسْحَاقَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيدالله بن الأخنس‏)‏ النخعي كنيته أبو مالك الخزاز صدوق، قال ابن حبان كان يخطئ من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان رجل يقال له مرثد بن أبي المرثد‏)‏ بفتح الميم وسكون الراء المهملة وفتح الثاء المثلثة وبعدها دال مهملة الغنوى بفتح الغين المعجمة وبعدها نون مفتوحة صحابي بدرى استشهد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث أو أربع ‏(‏وكان‏)‏ أي مرثد ‏(‏يحمل الأسرى‏)‏ جمع الأسير ‏(‏بغى‏)‏ أي فاجرة وجمعها البغايا ‏(‏وكانت صديقة له‏)‏ أي حبيبة لمرثد ‏(‏يحمله‏)‏ أي أن يحمله ‏(‏في ليلة مقمرة‏)‏ أي مضيئة ‏(‏سواد ظلى‏)‏ أي شخصه ‏(‏فلما انتهت إلى‏)‏ أي بلغت إلى ‏(‏عرفت‏)‏ أي عرفتني ‏(‏فقالت مرثد‏)‏ أي أنت مرثد ‏(‏فقلت مرثد‏)‏ أي نعم أنا مرثد ‏(‏هلم‏)‏ أي تعالى ‏(‏فبت‏)‏ أمر من بات يبيت بيتوتة ‏(‏حرم الله الزنا‏)‏ أي فلا يجوز لي أن أبيت عندك ‏(‏يا أهل الخيام‏)‏ بكسر الخاء المعجمة جمع الخيمة ‏(‏هذا الرجل يحمل أسراءكم‏)‏ بضم الهمزة وفتح السين جمع أسير والمعنى تنبهوا يا أهل الخيام وخذوا هذا الرجل الذي يذهب بأساراكم ‏(‏سلكت الخندمة‏)‏ بفتح الخاء المعجمة وسكون النون جبل معروف عند مكة ‏(‏إلى غار أو كهف‏)‏ الكهف كالبيت المنقور في الجبل جمعه كهوف أو كالغار في الجبل إلا أنه واسع فإذا صغر فغار ‏(‏فظل بولهم على رأسي‏)‏ أي صار ووقع عليه ‏(‏وعماهم الله‏)‏ من التعمية أي صيرهم عمياناً ‏(‏إلى صاحبي‏)‏ أي الذي كنت وعدت أن أحمله ‏(‏حتى انتهيت إلى الأذخر‏)‏ وفي رواية النسائي‏:‏ فلما انتهت به إلى الأراك والظاهر أن المراد بالأذخر والأراك هنا مكان خارج مكة ينبت فيه الأراك والأذخر ويحتمل أن يكون المراد بالأذخر أذاخر وهو موضع قرب مكة كما في القاموس ‏(‏ففككت‏)‏ أي أطلقت ‏(‏أكبله‏)‏ جمع قلة للكبل وهو قيد ضخم ‏(‏ويعيينى‏)‏ من الأعياء أي يكلني ‏(‏أنكح عناقاً‏)‏ بحذف همزة الاستفهام ‏(‏فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ فسكت عني ‏(‏فلا تنكحها‏)‏ فيه دليل على أنه لا يحل للرجل أن يتزوج بالزواني، ويدل على ذلك الاَية المذكورة في الحديث لأن في آخرها‏:‏ وحرم ذلك على المؤمنين‏.‏ فإنه صريح في التحريم‏.‏ قال ابن القيم‏:‏ وأما نكاح الزانية فقد صرح الله بتحريمه في سورة النور وأخبر أن من نكحها فهو زان أو مشرك فهو إما أن يلتزم حكمه تعالى ويعتقد وجوبه عليه أو لا فإن لم يعتقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان، ثم صرح بتحريمه فقال ‏{‏وحرم ذلك على المؤمنين‏}‏ وأما جعل الإشارة في قوله ‏{‏وحرم ذلك‏}‏ إلى الزنا فضعيف جداً إذ يصير معنى الاَية الزاني لا يزنى إلا بزانية أو مشركة والزانية لا يزنى بها إلا زانٍ أو مشرك وهذا مما ينبغي أن يصان عنه القرآن ولا يعارض ذلك حديث ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏ فقال‏:‏ ‏"‏إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال غربها قال أخاف أن تتبعها نفسي قال فاستمتع بها‏"‏، فإنه في الاستمرار على نكاح الزوجة الزانية والاَية في ابتداء النكاح، فيجوز للرجل أن يستمر على نكاح من زنت وهي تحته ويحرم عليه أن يتزوج بالزانية‏.‏ انتهى‏.‏

وقال المنذري‏:‏ وللعلماء في الاَية خمسة أقوال‏:‏ أحدها- أنها منسوخة قاله سعيد بن المسيب‏.‏ قال الشافعي في الاَية القول فيها كما قال سعيد بن المسيب إن شاء الله أنها منسوخة، وقال غيره الناسخ لها ‏{‏وأنكحوا الأيامى منكم‏}‏ فدخلت الزانية في أيامى المسلمين وعلى هذا أكثر العلماء يقولون من زنى بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها‏.‏ والثاني- أن النكاح ههنا الوطء والمراد أن الزاني لا يطاوعه على فعله ويشاركه في مراده إلا زانية أو مشركة‏.‏ والثالث- أن الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة أو مشركة وكذا الزانية‏.‏ والرابع- أن هذا كان في نسوة كان الرجل يتزوج إحداهن على أن تنفق عليه مما كسبته من الزنا‏.‏ واحتج بأن الاَية نزلت في ذلك والخامس- أنه عام في تحريم نكاح الزانية على العفيف والعفيف على الزانية‏.‏ انتهى‏.‏

قلت‏:‏ هذا القول الخامس هو الظاهر الراجح وبه قال الإمام أحمد وغيره قال الحافظ ابن كثير‏:‏ قال الإمام أحمد لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغى ما دامت كذلك حتى تستتاب فإن تابت صح العقد عليها وإلا فلا، وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبة صحيحة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وحرم ذلك على المؤمنين‏}‏‏.‏ انتهى‏.‏ وقد بسط صاحب فتح البيان في هذه المسألة وقال في آخر البحث‏:‏ وقد اختلف في جواز تزوج الرجل بامرأة قد زنى هو بها فقال الشافعي وأبو حنيفة بجواز ذلك‏.‏ وروى عن ابن عباس وعمر وابن مسعود وجابر أنه لا يجوز‏.‏ قال ابن مسعود إذا زنى الرجل بالمرأة ثم نكحها بعد ذلك فهما زانيان أبداً وبه قال مالك‏.‏ انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي وغيرهم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏سئلت عن المتلاعنين في إمارة مصعب بن الزبير أيفرق بينهما إلخ‏)‏‏.‏

تقدم هذا الحديث بإسناده ومتنه في باب اللعان وتقدم هناك شرحه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن أبي عدي‏)‏ هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي قوله ‏(‏إن هلال بن أمية‏)‏ بضم الهمزة وفتح الميم وشدة الياء ‏(‏قذف امرأته‏)‏ أي نسبها إلى الزنا ‏"‏البينة‏"‏ بالنصب أي أقم البينة ‏"‏وإلا‏"‏ أي وإن لم تقم البينة ‏"‏حد في ظهرك‏"‏ أي يثبت حد في ظهرك ‏(‏أيلتمس البينة‏)‏ الهمزة للاستبعاد ‏(‏إنه‏)‏ أي هلال وفي بعض النسخ‏:‏ إني‏.‏ وهو الظاهر وكذلك في رواية البخاري ‏(‏الصادق‏)‏ أي في القذف ‏(‏ولينزلن‏)‏ بسكون اللام وضم التحتية وكسر الزاي المخففة وفي آخره نون مشددة للتأكيد من الإنزال وهو أمر بمعنى الدعاء والضمير يرجع إلى قوله الذي يحتمل أن يكون بفتح التحتية من النزول وفاعله ما يبرئ وفي رواية البخاري فلينزلن الله ‏(‏ما يبرئ‏)‏ بتشديد الراء المكسوره من التبرئة أي ما يدفع ويمنع ‏(‏فأرسل‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏إليهما‏)‏ أي إلى هلال بن أمية وزوجته ‏(‏فشهد‏)‏ أي لاعن والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب‏"‏ ظاهره أن ذلك كان قبل صدور اللعان بينهما ‏(‏فشهدت‏)‏ أي لاعنت ‏{‏أن غضب الله عليها‏}‏ جعل الغضب في جانبها لأن النساء يستعملن اللعن كثير كما ورد الحديث فربما يجترئن على الإقدام لكثرة جري اللعن على ألسنتهن وسقوط وقوعه عن قلوبهن فذكر الغضب في جانبهن ليكون رادعاً لهن ‏"‏إنها‏"‏ أي الخامسة ‏"‏موجبة‏"‏ أي للعذاب الأليم إن كانت كاذبة ‏(‏فتلكأت‏)‏ بتشديد الكاف أي توفقت يقال تلكأ في الأمر إذا تبطأ عنه وتوقف فيه ‏(‏ونكست‏)‏ أي خفضت رأسها وطأطأت إلى الأرض، وفي رواية البخاري‏:‏ نكصت بالصاد المهملة أي رجعت وتأخرت‏.‏ والمعنى أنها سكتت بعد الكلمة الرابعة ‏(‏أن‏)‏ مخففة من الثقيلة أي أنها ‏(‏سترجع‏)‏ أي عن مقالها في تكذيب الزوج ودعوى البراءة عما رماها به ‏(‏سائر اليوم‏)‏ أي في جميع الأيام وأبد الدهر أو فيما بقى من الأيام بالأعراض عن اللعان والرجوع إلى تصديق الزوج، وأريد اليوم الجنس ولذلك أجراه مجرى العام والسائر كما يطلق للباقي يطلق للجميع ‏"‏أبصروها‏"‏ بفتح الهمزة وسكون الموحدة وكسر المهملة من الأبصار أي انظروا وتأملوا فيما تأتي به من ولدها ‏(‏به‏)‏ أي بالولد ‏(‏أكحل العينين‏)‏ أي الذي يعلو جفون عينه سواد مثل الكحل من غير اكتحال ‏(‏وسابغ الأليتين‏)‏ تثنية الألية بفتح الهمزة وسكون اللام وهي العجيزة أو ما ركب العجز من شحم أو لحم أي تامهما وعظيمها من سبوغ النعمة والثوب ‏(‏خدلج الساقين‏)‏ بمعجمة ومهملة ولام مشددة مفتوحات وبالجيم أي عظيمها ‏(‏فهو‏)‏ أي الولد ‏(‏فجاءت به كذلك‏)‏ قال الطيبي في إتيان الولد على الوصف الذي ذكره صلوات الله عليه هنا وفي قصة عويمر بأحد الوصفين المذكورين مع جواز أن يكون على خلاف ذلك معجزة وإخبار بالغيب ‏{‏ولولا ما مضى من كتاب الله‏}‏ من بيان لما أي لولا ما سبق من حكمه بدرء الحد عن المرأة بلعانها ‏(‏لكان لنا ولها شأن‏)‏ أي في إقامة الحد عليها إثر المعنى لولا أن القرآن حكم بعدم الحد على المتلاعنين وعدم التغرير لفعلت بها ما يكون عبرة للناظرين وتذكرة للسامعين‏.‏

تنبيه- اعلم أن حديث ابن عباس هذا يدل على أن آية اللعان نزلت في قصة هلال بن أمية وحديث سهل بن سعد الذي أشار إليه الترمذي يدل على أنها نزلت في قصة عويمر العجلاني ولفظه ‏"‏فجاء عويمر فقال يا رسول الله رجل وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالامعنة‏"‏‏.‏ قال الحافظ قد اختلف الأئمة في هذا الموضع فمنهم من رجح أنها نزلت في شأن عويمر ومنهم من رجح أنها نزلت في شأن هلال، ومنهم من جمع بينهما بأن أول من وقع له ذلك هلال وصادف مجيء عويمر أيضاً فنزلت في شأنهما معاً في وقت واحد، وقد جنح النووي إلى هذا وسبقه الخطيب فقال لعلهما اتفق كونهما جاءا في وقت واحد ولا مانع أن تتعدى القصص ويتحد النزول، ويحتمل أن النزول سبق بسبب هلال فلما جاء عويمر ولم يكن علم بما وقع لهلال أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم ولهذا قال في قصة هلال فنزل جبريل وفي قصة عويمر ‏"‏قد أنزل الله فيك‏"‏ فيأول قوله‏:‏ ‏"‏قد أنزل الله فيك‏"‏ أي وفيمن كان مثلك وبهذا أجاب ابن صباغ في الشامل وجنح القرطي إلى تجويز نزول الاَية مرتين قال وهذه الاحتمالات وإن بعدت أولى من تغليط الرواة الحفاظ انتهى كلام الحافظ ملخصاً‏.‏ قوله ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجه ‏(‏وهكذا روى عباد بن منصور هذا الحديث إلخ‏)‏ أخرجه أحمد أحمد وأبو داود‏.‏

- قوله ‏(‏لما ذكر‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏من شأني‏)‏ بيان مقدم لقوله ‏(‏الذي ذكر‏)‏ وهو نائب الفاعل ‏(‏وما علمت به‏)‏ ما نافية والواو للحال ‏(‏في‏)‏ بتشديد الياء أي في شأني ‏"‏أشيروا علي‏"‏ من الإشارة ‏"‏أبنوا أهلي‏"‏ من باب نصر وضرب من الابن بفتحتين وهو التهمة أي اتهموا أهلي ورموا بالقبيح ‏"‏وأبنوا بمن والله ما علمت عليه من سوء قط‏"‏ هو صفوان بن المعطل السلمي ‏(‏فقام سعد بن معاذ فقال ائذن يا رسول الله‏)‏ استشكل ذكر سعد بن معاذ هنا بأن حديث الإفك كان سنة ست في غزوة المريسيع وسعد مات من الرمية التي رميها بالخندق سنة أربع، وأجيب بأنه اختلف في المريسيع ففي البخاري عن موسى بن عقبة أنها سنة أربع وكذلك الخندق وقد جزم ابن إسحاق بأن المريسيع كانت في شعبان والخندق في شوال وإن كانتا في سنة فلا يمتنع أن يشهدها ابن معاذ‏.‏ لكن الصحيح في النقل عن موسى بن عقبة أن المريسيع سنة خمس‏.‏ فالذي في البخاري حملوه على أنه سبق قلم والراجح أيضاً أن الخندق أيضاً سنة خمس فيصبح الجواب ‏(‏أن تضرب أعناقهم‏)‏ وفي رواية البخاري من طريق الزهري‏:‏ إن كان من الأوس ضربت عنقة وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك‏.‏ قال الحافظ في شرح الجملة الأولى‏:‏ إنما قال ذلك سعد لأنه كان سيد الأوس فجزم بأن حكمه فيهم نافذ ‏(‏وقام رجل من الخزرج‏)‏ وفي رواية البخاري فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج ‏(‏وكانت أم حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل‏)‏ اسم أم حسان الفريعة بنت خالد بن خنيس وكانت بنت عم سعد بن عباده من فخذه ‏(‏أما‏)‏ بالتخفيف للتنبيه ‏(‏إن لو كانوا‏)‏ كلمة إن زائدة ‏(‏حتى كاد أن يكون بين الأوس و الخزرج شر في المسجد‏)‏ وفي رواية البخاري فتشاور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر ‏(‏وما علمت به‏)‏ أي بما جرى في المسجد ‏(‏ومعي أم مسطح‏)‏ بكسر الميم وسكون السين وفتح الطاء وبعدها حاء مهملات واسمها سلمى وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف واسم أبي رهم أنيس ‏(‏فعثرت‏)‏ بالفاء والعين والراء المفتوحات من العثرة وهي الزلة يقال عثر في ثوبه يعثر بالضم عثاراً بالكسر وفي رواية البخاري فعثرت أم سطح في مرطها ‏(‏تعس مسطح‏)‏ بفتح المثناة وكسر العين المهملة وبفتحها أيضاً بعدها سين مهملة أي كب لوجهه أو هلك أو لزمه الشر أو بعد أقوال ‏(‏أي أم تسبين ابنك‏)‏ بحذف همزة الاستفهام وفي رواية البخاري أتسبين رجلاً بدراً ‏(‏فقالت والله ما أسبه إلا فيك‏)‏ أي إلا لأجلك ‏(‏فقالت‏)‏ أي أم مسطح ‏(‏فبقرت‏)‏ بفتح الموحدة والقاف والراء أي فتحت وكشفت، وفي رواية البخاري أو لم تسمعي ما قال‏؟‏ قلت وما قال‏؟‏ قالت كذا وكذا فأخبرتني بقول أهل الإفك ‏(‏قلت وقد كان هذا‏؟‏‏)‏ بحذف همزة الاستفاهم وكان تامة ‏(‏كأن الذي خرجت له لم أخرج‏)‏ أي كأن الحاجة التي خرجت لها لم أخرج لها ‏(‏لا أجد منه قليلاً ولا كثيراً‏)‏ علة لما قبلها قال العيني معناه إني دهشت بحيث ما عرفت لأي أمر خرجت من البيت ‏(‏ووعكت‏)‏ بصيغة المجهول من الوعك أي صرت محمومة ‏(‏فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي لما دخل علي ‏(‏فأرسل معي الغلام‏)‏ قال الحافظ لم أقف على اسم هذا الغلام ‏(‏فوجدت أم رومان‏)‏ تعني أمها، قال الكروماني واسمها زينب ‏(‏في السفل‏)‏ من البيت وهو بكسر السين وبضمها ‏(‏فإذا هو‏)‏ أي الحديث ‏(‏لم يبلغ منها ما بلغ مني‏)‏ أي لم يؤثر فيها مثل ما أثر في ‏(‏خففي عليك الشأن‏)‏ وفي رواية البخاري هوني عليك، وفي رواية له خفضي بالضاد المعجمة ‏(‏لها ضرائر‏)‏ جمع ضرة وقيل للزوجات ضرائر لأن كل واحدة يحصل لها الضرر من الأخرى بالغيرة ‏(‏وقيل فيها‏)‏ أي ما يشينها ‏(‏فإذا هي‏)‏ أي أم رومان ‏(‏لم يبلغ منها‏)‏ أي لم يؤثر الحديث فيها ‏(‏ما بلغ مني‏)‏ أي مثل ما أثر في ‏(‏استعبرت‏)‏ أي جرى دمعي‏.‏ قال في القاموس‏:‏ العبرة الدمعة واستعبر جرت عبرته وحزن ‏(‏الذي ذكر‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏أقسمت عليك يا بنية إلا رجعت إلى بيتك‏)‏ هذا مثل قولهم نشدتك بالله إلا فعلت أي ما أطلب منك إلا رجوعك إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏وسأل عني خادمتي‏)‏ المراد بها بريرة وفي رواية البخاري فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال‏:‏ ‏"‏أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك‏؟‏‏"‏ قال القسطلاني واستشكل هنا قوله ‏"‏بريرة‏"‏ بأن قصة الإِفك قبل شراء بريرة وعتقها لأنه كان بعد فتح مكة وهو قبله لأن حديث الإفك كان في سنة ست أو ربع وعتق بريرة كان بعد فتح مكة في السنة التاسعة أو العاشرة وأجاب الشيخ تقي الدين السبكي بأجوبة أحسنها احتمال أنها كانت تخدم عائشة قبل شرائها وهذا أولى من دعوى الإدراج وتغليظ الحفاظ انتهى كلامه مختصراً ‏(‏إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرتها أو عجينتها‏)‏ شك من الراوي، وفي رواية البخاري‏:‏ إن رأيت عليها أمراً أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله‏.‏

وفي رواية مقسم عند أبي عوانة والطبراني ما رأيت مذ كنت عندها إلا أني عجنت عجيناً لي فقلت احفظي هذه العجينة حتى اقتبس ناراً لأخبزها فغفلت فجاءت الشاة فأكلتها ‏(‏وانتهرها بعض أصحابه‏)‏ أي زجرها، وفي رواية أبي أويس عند أبي عوانة والطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي‏:‏ شأنك بالجارية فسألها علي وتوعدها فلم تخبره إلا بخير ثم ضربها وسألها فقالت والله ما علمت على عائشة سوءًا ‏(‏حتى أسقطوا لها به‏)‏ أي سبوها وقالوا لها من سقط الكلام وهو رديئه‏.‏‏.‏‏.‏ بسبب حديث الإِفك كذا في النهاية ‏(‏فقالت‏)‏ أي الخادمة ‏(‏سبحان الله‏)‏ قالتها استعظاماً أو تعجباً ‏(‏والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر‏)‏ أي كما لا يعلم الصائغ من الذهب الأحمر إلا الخلوص من العيب فكذلك أنا لا أعلم منها إلا الخلوص من العيب والتبر بكسر الفوقية وسكون الموحدة ما كان من الذهب غير مضروب فإذا ضرب دنانير فهو عين ولا يقال تبر إلا للذهب وبعضهم يقوله للفضة أيضاً ‏(‏فبلغ الأمر‏)‏ أي أمر الإِفك ‏(‏ذلك الرجل‏)‏ وهو صفوان ‏(‏الذي قيل له‏)‏ أي عنه من الإفك ما قيل، فاللام هنا بمعنى عن كما هي في قوله تعالى ‏{‏وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه‏}‏ أي عن الذين آمنوا أو بمعنى في، أي قيل فيه فهي كقوله ‏{‏يا ليتني قدمت لحياتي‏}‏ أي في حياتي ‏(‏والله ما كشفت كنف أنثى قط‏)‏ الكنف بفتح الكاف والنون وهو الجانب وأراد به الثوب يعني ما جامعتها في حرام وكان حصوراً ‏(‏فقتل‏)‏ أي صفوان ‏(‏شهيداً في سبيل الله‏)‏ في غزوة أرمينية سنة تسع عشرة في خلافة عمر كما قاله ابن إسحاق ‏(‏أكتنف أبواي‏)‏ قال في القاموس اكتنفوا فلاناً أحاطوا به ‏(‏إن كنت قارفت سوءًا‏)‏ من المقارفة أي كسبته ‏"‏أو ظلمت‏"‏ نفسك ‏(‏فقلت‏)‏ أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏من هذه المرأة‏)‏ أي الأنصارية ‏(‏أن تذكر شيئاً‏)‏ أي على حسب فهمها لا يليق بجلال حرمتك ‏(‏فقلت أجبه‏)‏ أي أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم عني ‏(‏قالت أقول ماذا‏)‏ قال ابن مالك فيه شاهد على أن ما الاستفاهمية إذا ركبت مع ذا لا يجب تصديرها فيعمل فيها ما قبلها رفعاً ونصباً ‏(‏إني لم أفعل‏)‏ أي ما قيل في شأني ‏(‏والله يشهد إني لصادقة‏)‏ في ما أقول من براءتي ‏(‏ما ذاك بنافعي‏)‏ بالإضافة إلى ياء المتكلم، وفي بعض النسخ بنافع بغير الإضافة وهو الظاهر ‏(‏لقد تكلمتم‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ لقد تكلمتم به أي بالإفك ‏(‏وأشربت‏)‏ على صيغة المجهول وفي رواية البخاري‏:‏ وأشربته، قال القسطلاني الضمير المنصوب يرجع إلى الإفك ‏(‏قلوبكم‏)‏ مرفوع بأشربت ‏(‏قد باءت‏)‏ أي أقرت واعترفت بها ‏(‏أى بقصة الإفك‏)‏ وفي بعض النسخ به أي بأمر الإفك ‏(‏والتمست‏)‏ من الالتماس أي طلبت ‏(‏اسم يعقوب‏)‏ عليه السلام حين قال‏:‏ ‏{‏فصبر جميل‏}‏ أي هو أجمل وهو الذي لا شكوى فيه إلى الخلق ‏{‏على ما تصفون‏}‏ أي على احتمال ما تصفونه ‏(‏وإن لأتبين السرور‏)‏ أي أعرفه ‏(‏وهو يمسح جبينه‏)‏ أي من العرق ‏"‏وأبشري‏"‏ بقطع الهمزة ‏"‏قل أنزل الله براءتك‏"‏ وفي رواية فليح عند البخاري في الشهادات‏:‏ ‏"‏يا عائشة أحمدي الله فقد برأك الله‏"‏ ‏(‏فكنت أشد‏)‏ بالنصب خبر كان ‏(‏ما كنت غضباً أي فكنت حين أخبر صلى الله عليه وسلم ببراءتي أقوى ما كنت غضباً‏)‏ من غضبي قبل ذلك ‏(‏أما زينب ابنة جحش‏)‏ أم المؤمنين ‏(‏فعصمها الله‏)‏ أي حفظها ومنعها ‏(‏بدينها‏)‏ أي المحافظة على دينها ومجانبة ما تخشى سوء عاقبته ‏(‏فلم تقل‏)‏ أي في ‏(‏فهلكت فيمن هلك‏)‏ أي حدت فيمن حد‏:‏ أو أثمت مع من أثم لخوضها في حديث الإفك لتخفض منزلة عائشة وترفع منزلة أختها زينب ‏(‏وكان الذي يتكلم فيه‏)‏ أي الإفك ‏(‏وكان يستوشيه‏)‏ أي يستخرج الحديث بالبحث عنه ثم يفتشه ويشيعه، ولا يدعه يخمد ‏(‏وهو الذي تولى كبره‏)‏ أي تحمل معظمه فبدأ بالخوض فيه ‏(‏ينافق أبداً‏)‏ أي بعد الذي قال عن عائشة ‏{‏ولا يأتل‏}‏ أي لا يحلف من الألية وهي القسم ‏{‏أولو الفضل منكم‏}‏ أي في الدين وهو أبو بكر ‏{‏والسعة‏}‏ يعني في المال ‏{‏أن يؤتوا‏}‏ ألا يؤتوا ‏{‏أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله‏}‏ صفات لموصوف واحد وهو مسطح لأنه كان مسكيناً مهاجراً بدرياً ‏{‏وليعفوا وليصفحوا‏}‏ أي عن خوض مسطح في أمر عائشة ‏{‏ألا تحبون‏}‏ خطاب لأبي بكر ‏{‏أن يغفر الله لكم‏}‏ على عفوكم وصفحكم وإحسانكم إلى من أساء إليكم ‏{‏والله غفور رحيم‏}‏ فتخلقوا بأخلاقه تعالى ‏(‏قال أبو بكر‏)‏ أي لما قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الاَية ‏(‏وعاد‏)‏ أي أبو بكر ‏(‏له‏)‏ أي لمسطح ‏(‏لما كان يصنع‏)‏ أي إلى مسطح من الإنفاق عليه‏.‏ قوله ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري معلقاً وأخرجه مسلم مختصراً ‏(‏وقد روى يونس بن يزيد ومعمر وغير واحد عن الزهري عن عروة بن الزبير إلخ‏)‏ أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي‏.‏

- قوله ‏(‏عن عبدالله بن أبي بكر‏)‏ بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري قوله ‏(‏لما نزل عذرى‏)‏ أي الاَيات الدالة على براءتها شبهتها بالعذر الذي يبرئ المعذور من الجرم ‏(‏قام رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي خطيباً ‏(‏فذكر ذلك‏)‏ أي عذرى ‏(‏وتلا القرآن‏)‏ تعني قوله تعالى ‏{‏إن الذين جاءوا بالإفك‏}‏ إلى آخر الاَيات ‏(‏فلما نزل‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر ‏(‏أمر برجلين‏)‏ أي بحدهما أو بإحضارهما وهما حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة ‏(‏وامرأة‏)‏ بالجر عطف على رجلين وهي حمنة بنت جحش ‏(‏فضربوا‏)‏ مبنى للمفعول ‏(‏حدهم‏)‏ أي حد القاذفين هو مفعول مطلق أي فحدوا حدهم‏.‏

اعلم أنه لم يذكر عبدالله بن أبي فيمن أقيم عليه الحد في هذا الحديث وكذا لم يذكر في حديث أبي هريرة عند البزار، وبنى على ذلك صاحب الهدى فأبدى الحكمة في ترك الحد على عبد الله بن أبي وفاته أنه ورد أنه ذكر أيضاً فيمن أقيم عليه الحد، ووقع ذلك في رواية أبي أويس وعن حسن بن زيد عن عبد الله بن أبي بكر‏.‏ أخرجه الحاكم في الإكليل، وفيه رد على الماوردي حيث صحح أنه لم يحدهم مستنداً إلى أن الحد لا يثبت إلا ببينة أو إقرار ثم قال وقيل إنه حدهم وما ضعفه هو الصحيح المعتمد قاله الحافظ في الفتح‏.‏ قوله ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

1831- باب ومن سورة الفرقان

بسم الله الرحمن الرحيم

مكية إلا ‏{‏والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر‏}‏ إلى ‏{‏رحيماً‏}‏ فمدني وهي سبع وسبعون آية‏.‏

3296- حدثنا محمد بن بشار، أخبرنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بن مَهْدِيّ، أخبرنا سُفْيَانُ عن وَاصِلٍ عَن أَبي وَائِلٍ عَن عَمْرو بنِ شُرَحْبِيلَ عَن عَبْدِ الله قَال‏:‏ ‏"‏قُلْتُ يَا رَسُولَ الله أَيّ الذّنْبِ أَعْظَمُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَنْ تَجْعَلَ لله نِدّا وَهُو خَلَقَكَ‏.‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ ثُمّ مَاذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، قَالَ قُلْتُ ثُمّ مَاذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريب‏.‏

3297- حدثنا محمد بن بشار، أخبرنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بن مهدي، أخبرنا سُفْيَانُ عَن مَنْصُورٍ والأَعْمَشِ عَن أَبي وَائل عَن عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيلَ عَن عَبْدِ الله عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم بمثلِهِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3298- حدثنا عَبدُ بنُ حُمَيْدِ أخبرنا سَعِيدُ بنُ الرّبيع أَبُو زَيْدٍ أخبرنا شُعْبَةُ عَن وَاصِلٍ الأَحْدَبِ عَن أَبي وَائِلٍ عَن عَبْدِ الله قَالَ‏:‏ ‏"‏سأَلْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَيّ الذّنْبِ أَعْظَمُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَنْ تَجْعَلَ لله نِدّا وَهُوَ خَلَقَكَ، وَأَنْ تَقْتُل وَلَدَكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأَكُلَ مَعَكَ أَوْ مِنْ طَعَامِكَ، وَأَنْ تَزْنيَ بِحليلة جَارِكَ‏.‏ قَالَ وَتَلاَ هَذِهِ الاَيةَ ‏{‏وَالّذينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلهَا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النّفْسَ الّتِي حَرّمَ الله إلاّ بالحَقّ وَلاَ يَزْنُوَنَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ القيامَةِ ويَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ سفيَانَ عَن مَنْصُورٍ والأَعْمَشِ أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ شعْبَةَ عَن وَاصِلٍ لأنّهُ زَادَ في إسْنَادِهِ رَجُلاً‏.‏

3299- حدثنا مَحَمّدُ بنُ المَثَنّى، أخبرنا مُحَمّدُ بنُ جَعْفَرٍ عَن شُعْبَةَ عَن وَاصِلٍ عَن أَبي وَائِلٍ، عَن عَبْدِ الله عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏ قال‏:‏ وهَكذَا رَوَى شُعْبَةُ عَن وَاصِلٍ عَن أَبي وَائِلٍ عَن عَبْدِ الله وَلَمْ يَذْكُر فيه عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيل‏.‏

- قوله ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري ‏(‏عن واصل‏)‏ بن حيان الأحدب الأسدي الكوفي بياع السابري ثقة ثبت من السادسة ‏(‏عن أبي وائل‏)‏ هو شقيق ابن سلمة ‏(‏عن عمرو بن شرحبيل‏)‏ هو الهمداني ‏(‏عن عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود قوله ‏(‏أي الذنب أعظم‏)‏ وفي رواية البخاري في تفسير سورة الفرقان أي الذنب عند الله أكبر ‏"‏نداً‏"‏ بكسر النون وتشديد الدال أي مثلاً ونظيراً ‏"‏وهو خلقك‏"‏ الجملة حال من الله أو من فاعل أن تجعل وفيه إشارة إلى ما استحق به تعالى أن تتخذه رباً وتعبده فإنه خلقك أو إلى ما به امتيازه تعالى عن غيره في كونه إلهاً أو إلى ضعف الند أي أن تجعل له نداً وقد خلقك غيره وهو لا يقدر على خلق شيء ‏"‏أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك‏"‏ أي من جهة إيثار نفسه عليه عند عدم ما يكفي أو من جهة البخل مع الوجدان ‏"‏أن تزني بحليلة جارك‏"‏ أي بزوجته من حل يحل بالكسر إذ كل منهما حلال للاَخر أو من حل يحل بالضم لأنها تحل معه ويحل معها‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا عبدالرحمن‏)‏ هو ابن مهدي‏.‏ قوله ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله ‏(‏قال‏)‏ أي ابن مسعود ‏(‏وتلا‏)‏ أي قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏{‏ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق‏}‏ أي لا يقتلون النفس التي هي معصومة في الأصل إلا محقين في قتلها ‏{‏ومن يفعل ذلك‏}‏ أي واحداً من الثلاثة ‏{‏يلق أثاماً‏}‏ قيل معناه جزاء إثمه وهو قول الخليل وسيبيويه وأبي عمرو الشيباني وغيرهم وقيل معناه عقوبة‏.‏ قاله يونس وأبو عبيد وقيل معناه جزاء قاله ابن عباس والسدي، وقال أكثر المفسرين أو كثيرون منهم‏:‏ هو واد في جهنم عافانا الله منها قاله النووي ‏{‏يضاعف له العذاب‏}‏ أي يكرر عليه ويغلظ ‏{‏ويخلد فيه مهاناً‏}‏ حال أي حقيراً ذليلاً، وفي رواية البخاري ونزلت هذه الاَية تصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال الحافظ هكذا قال ابن مسعود‏:‏ والقتل والزنا في الاَية مطلقان وفي الحديث مقيدان أما القتل فبالولد خشية الأكل معه وأما الزنا فبزوجة الجار والاستدلال لذلك بالاَية سائغ لأنها وإن وردت في مطلق الزنا والقتل لكن قتل هذا والزنا بهذه أكبر وأفحش‏.‏ قوله ‏(‏لأنه زاد‏)‏ أي سفيان وهو أحفظ من شعبة ‏(‏رجلاً‏)‏ وهو عمرو بن شرحبيل وأما شعبة فأسقطه ولكن لم يتفرد شعبة بالإسقاط بل تابعه على ذلك غيره كما يظهر من كلام الحافظ في شرح هذا الحديث في تفسير سورة الفرقان‏.‏

1832- باب سورة الشعراء

مكية إلا ‏(‏والشعراء‏.‏‏.‏‏)‏ إلى آخرها‏.‏ فمدني، وهي مائتان وسبع وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3300- حدثنا أَبُو الأَشْعَثِ أَحْمَدُ بنُ الْمِقدَامِ العجِليّ، حدثنا مُحَمّد بنُ عَبْدِ الرحْمَنِ الطّفَاوِيّ، حدثنا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عَن أَبِيهِ عَن عَائِشَةَ قالت ‏"‏لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ ‏{‏وَأَنْذرِ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبينَ‏}‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا صَفِيّةُ بِنْتَ عَبْدِ المُطّلِبِ‏.‏ يا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمّدٍ‏.‏ يا بَنِي عَبْدِ المُطّلِبِ إنّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله شَيْئاً سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُم‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ وهَكَذَا رَوَى وَكِيعُ وَغيرُ واحدٍ هَذَا الحدِيثَ عَن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَن أَبيهِ عَن عَائِشةَ نَحْوَ حَدِيث محمدِ بنِ عَبْدِ الرحْمَنِ الطّفَاوِي‏.‏ وَرَوَى بَعْضُهُم عَن هِشَامِ بن عُرْوَةَ عَن أَبيهِ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسلاً ولَمْ يَذْكرْ فِيهِ عَن عَائِشَةَ‏.‏ وفي البابِ عَن عَلِيّ وابنِ عَبّاسٍ‏.‏

3301- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، قَالَ أخبرني زَكَرِيّا بنُ عَدِيّ حدثنا عُبَيْدُ الله بنُ عَمْرٍو الرّقّيّ عَن عَبْدِ المَلِكِ بن عُمَيْرٍ عَن مُوسَى بنِ طَلْحَةَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏لَمّا نَزَلت ‏{‏وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبينَ‏}‏ جَمَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قرَيْشاً فَخَصّ وَعَمّ فَقَالَ يَا مَعْشرَ قُرَيْشٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النّارِ فَإِنّي لاَ أَملِكُ لَكُمْ مِنَ الله ضَرّا وَلاَ نَفْعاً‏.‏ يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النّارِ فَإِنّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله ضَرّا ولاَ نَفْعاً‏.‏ يَا مَعْشَرَ بَنِي قُصَيّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النّارِ فإني لاَ أَملِكُ لَكُمْ ضَرّا وَلاَ نَفْعاً، يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ المُطّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النّارِ فَإِنّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّا وَلاَ نَفْعاً، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمّدٍ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النّارِ فَإِنّي لاَ أَمْلِكُ لَكِ ضَرّا وَلاَ نَفْعاً‏.‏ إنّ لَكِ رَحِماً وسَأبُلّها بِبَلاَلهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏ يعرف من حديث محمد بن طلحة‏.‏

3302- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْر أخبرنا شعَيْبُ بنُ صَفْوانَ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عَن مُوسَى بنِ طَلْحَةَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه بمَعْنَاهُ‏.‏

3303- حدثنا عَبْدُ الله بنُ أبي زِيَادٍ، أخبرنا أَبُو زَيْدٍ عَن عَوْفٍ عَن قَسَامَةَ بنِ زُهَيْرٍ قَالَ‏:‏ حدثني الأَشْعَرِيّ قَالَ‏:‏ ‏"‏لَمّا نَزَلَ ‏{‏وَأَنْذِرْ عَشِيرتكَ الأَقْرَبينَ‏}‏ وَضَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إصْبَعَيْهِ في أُذُنَيْهِ فَرَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ‏:‏ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ يا صَبَاحَاهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِن حَدِيثِ أَبي مُوسى وقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَن عَوْفٍ عَن قَسَامَةَ بنِ زُهَيْرٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَن أَبي مُوسَى وهُوَ أَصَحّ ذاكرتُ به محمد بن إسماعيل فلم يعرفه من حديث أبي موسى‏.‏

- قوله ‏"‏إني لا أملك لكم من الله شيئاً‏"‏ أي لا تتكلوا على قرابتي فإني لا أقدر على دفع مكروه يريده الله تعالى بكم، وسبق هذا الحديث في باب إنذار النبي صلى الله عليه وسلم قومه من كتاب الزهد‏.‏ قوله ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم‏.‏ قوله ‏(‏وفي الباب عن علي وابن عباس‏)‏ أما حديث علي فأخرجه أحمد، وأما حديث ابن عباس فأخرجه والبخاري ومسلم والترمذي في تفسير سورة ‏{‏تبت‏.‏‏.‏‏.‏ ‏}‏ والنسائي‏.‏

- قوله ‏(‏جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً‏)‏ أي قبائله زاد مسلم فاجتمعوا ‏(‏فخص وعم‏)‏ أي في النداء فقال‏:‏ ‏"‏يا معشر قريش‏"‏ إلخ هذا بيان لقوله خص وعم ‏"‏أنقذوا أنفسكم‏"‏ من الإنقاذ أي خلصوها ‏"‏فإني لا أملك لكم‏"‏ أي لجميعكم خاصكم وعامكم ‏"‏يا فاطمة بنت محمد‏"‏ يجوز نصب فاطمة وضمها والنصب أفصح وأشهر وأما بنت فمنصوب لا غير وهذا وإن كان ظاهراً معروفاً فلا بأس بالتنبيه عليه لمن لا يحفظه ‏"‏فإن لا أملك لك ضراً ولا نفعاً‏"‏ أي من غير إذنه تعالى، قال ترهيباً وإنذاراً وإلا فقد ثبت فضل بعض هؤلاء المذكورين ودخولهم الجنة وشفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل بيته وللعرب عموماً ولأمته عامة وقبول شفاعته فيهم بالأحاديث الصحيحة، ويمكن أن يكون ورود تلك الأحاديث بعد هذه القضية‏.‏ قاله الطيي ‏"‏إن لك رحما‏"‏ أي قرابة ‏(‏وسأبلها‏)‏ أي سأصلها ‏(‏ببلالها‏)‏ بفتح الموحدة وكسرها أي بصلتها وبالإحسان إليها من بله يبله، والبلال الماء شبهت قطيعة الرحم بالحرارة ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة ومنه‏:‏ بلوا أرحامكم أي صلوها قاله النووي وقاله في النهاية‏:‏ البلال جمع البلل والعرب يطلقون النداوة على الصلة كما يطلق اليبس على القطيعة، لأنهم لما رأوا أن بعض الأشياء يتصل بالنداوة ويحصل بينها التجافي والتفريق باليبس استعاروا البلل لمعنى الوصل واليبس لمعنى القطيعة، والمعنى أصلكم في الدنيا ولا أغني عنكم من الله شيئاً‏.‏ قوله ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم ورواه النسائي من حديث موسى بن طلحة مرسلاً ولم يذكر فيه أبا هريرة والموصول هو الصحيح وأخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قاله الحافظ ابن كثير في تفسيره‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا شعيب بن صفوان‏)‏ بن الربيع الثقفي أبو يحيى الكوفي الكاتب مقبول من السابعة‏.‏ قوله ‏(‏بمعناه‏)‏ أي بمعنى الحديث المذكور‏.‏

- قوله ‏(‏حدثنا عبدالله بن أبي زياد‏)‏ القطواني ‏(‏أخبرنا أبو زيد‏)‏ اسمه سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري النحوي البصري صدوق له أوهام ورمى بالقدر من التاسعة ‏(‏عن عوف‏)‏ هو ابن أبي جميلة الأعرابي ‏(‏حدثني الأشعري‏)‏ هو أبو موسى‏.‏ قوله ‏"‏يا صباحاه‏"‏ كلمة يعتادونها عند وقوع أمر عظيم فيقولونها ليجتمعوا ويتأهبوا له‏.‏ قوله ‏(‏هذا حديث غريب إلخ‏)‏ وأخرجه ابن جرير الطبري أيضاً موصولاً ومرسلاً‏.‏

1833- باب سورة النمل

مكية وهي ثلاث أو أربع أو خمس وتسعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3304- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ حدثنا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ عَن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ عَن عَلِيّ بنِ زَيْدٍ عَن أَوْسِ بنِ خَالِدٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏تَخْرُجُ الدّابّةُ مَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمان وعَصَا مُوسَى فتجلُو وَجْهَ المُؤْمِنِ وتَخْتِمُ أَنْفَ الكافِرِ بالخَاتَم حَتّى إنّ أَهْلَ الخُوَانِ لَيَجْتَمِعُونَ فَيَقُولُ هَاها يَا مُؤْمِنُ، ويَقُولُ هَذا يَا كَافِرُ وهذا يا مؤمن‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ وقَد رُوِيَ هَذَا الحديثُ عن أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ في دَابّةِ الأرْضِ‏.‏ وفي البابِ عَن أَبي أُمَامَةَ وحذَيْفَةَ بنِ أُسَيْدٍ‏.‏

- قوله ‏"‏تخرج الدابة‏"‏ قيل من مكة وقيل من غيرها ‏"‏فتجلو وجه المؤمن‏"‏ أي تصقله وتبيضه، وفي رواية ابن ماجه فتجلو وجه المؤمن بالعصا ‏"‏حتى إن أهل الخوان‏"‏ بضم الخاء وكسرها قال الجزرى هو ما يوضع عليه الطعام عند الأكل ومنه حديث الدابة‏:‏ ‏"‏حتى إن أهل الخوان ليجتمعون فيقول هذا يا مؤمن وهذا يا كافر‏"‏، وجاء في رواية الإخوان بهمزة وهي لغة فية انتهى ‏"‏فيقول هذا‏"‏ أي بعضهم لاَخر ‏"‏يا مؤمن‏"‏ أي لجلاء وجهه واستنارته ‏"‏ويقول هذا يا كافر‏"‏ أي للختم على أنفه‏.‏ قوله ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ أخرجه أحمد وابن ماجه وأبو داود الطيالسي‏.‏ قوله ‏(‏وفي الباب عن أبي أمامة وحذيفة بن أسيد‏)‏ أما حديث أبي أمامة فأخرجه أحمد وابن مردويه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏تخرج الدابة فتسم على خراطيمهم ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل الدابة فيقال له ممن اشتريتها فيقول من الرجل المخطم‏"‏‏.‏ وأما حديث حذيفة بن أسيد فأخرجه الترمذي في باب الخسف من كتبا الفتن‏.‏

اعلم أن الترمذي أورد هذا الحديث في تفسير قوله تعالى ‏{‏وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة‏}‏ إلخ وهذه الاَية مع تفسيرها هكذا ‏{‏إذا وقع القول عليهم‏}‏ يعني إذا وجب عليهم العذاب‏.‏ وقيل إذا غضب الله عليهم وقيل إذا وجبت الحجة عليهم وذلك أنهم لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر وقيل المراد من القول متعلقه وهو ما وعدوا به من قيام الساعة ووقوعه حصوله، والمراد مشارفة الساعة وظهور أشرطها ‏{‏أخرجنا لهم دابة من الأرض‏}‏ قال الرازي في تفسيره‏:‏ تكلم الناس في الدابة من وجوه‏:‏ أحدها في مقدار جسمها وفي الحديث أن طولها ستون ذراعاً وروي أيضاً أن رأسها تبلغ السحاب، وعن أبي هريرة ما بين قرنيها فرسخ للراكب‏.‏ وثانيها- في كيفية خلقتها، فروي لها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان، وعن ابن جريج في وصفها رأس ثور وعين خنزير وأذن فيل وقرن أيل وصدر أسد ولون نمر وخاصرة بقر وذنب كبش وخف بعير‏.‏ وثالثها- في كيفية خروجها عن علي عليه السلام أنها تخرج ثلاثة أيام والناس ينظرون فلا يخرج إلا ثلثها‏.‏ وعن الحسن لا يتم خروجها إلا بعد ثلاثة أيام‏.‏ ورابعها- في موضع خروجها سئل النبي صلى الله عليه وسلم من أين تخرج الدابة فقال ‏"‏من أعظم المساجد حرمة على الله تعالى المسجد الحرام‏"‏‏.‏ وقيل تخرج من الصفاء فتكلمهم بالعربية‏.‏ وخامسها- في عدد خروجها فروي أنها تخرج ثلاث مرات تخرج بأقصى اليمن ثم تكمن ثم تخرج بالبادية ثم تكمن دهراً طويلاً فبين الناس في أعظم المساجد حرمة وأكرمها على الله فما يهولهم إلا خروجها من بين الركن حذاء دار بني مخزوم عن يمين الخارج من المسجد فقوم يهربون وقوم يقفون‏.‏ واعلم أنه لا دلالة في الكتاب على شيء من هذه الأمور فإن صح الخبر فيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وإلا لم يلتفت إليه انتهى‏.‏ تكلمهم أي تكلم الموجودين ببطلان الأديان سوى دين الإسلام وقيل تكلمهم بما يسوءهم، وقيل تكلمهم بالعربية بقوله تعالى الاَتي ‏{‏أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون‏}‏ قاله ابن عباس أي بخروجها لأن خروجها من الاَيات وقال ابن عباس أيضاً تكلمهم تحدثهم قرأ الجمهور تكلمهم من التكليم وتدل عليه قراءة أبي تنبئهم وقرئ بفتح الفوقية وسكون الكاف من الكلم وهو الجرح قال عكرمة أي تسمهم وسماً ‏{‏أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون‏}‏ بكسر إن على الاستئناف وقرئ بفتحها قال الأخش‏:‏ المعنى على الفتح بأن الناس‏.‏ وبها قرأ ابن مسعود قال أبو عبيدة‏:‏ أي تخبرهم أن الناس إلخ وعلى هذه فالذي تكلم الناس به هو قوله إن الناس إلخ وأما على الكسر فالجملة مستأنفة كما قدمنا ولا يكون من كلام الدابة وقد صرح بذلك جماعة من المفسرين‏.‏ وقال الأخفش إن كسر إن هو على تقدير القول أي تقول لهم إن الناس فيرجع معنى القراءة الأولى على هذا إلى معنى الثانية والمراد بالناس في الاَية هم الناس على العموم فيدخل في ذلك كل مكلف، وقيل المراد الكفار خاصة، وقيل كفار مكة، والأول أولى كما صنع جمهور المفسرين والمعنى لا يؤمنون بالقرآن المشتمل على البعث والحساب والعقاب‏.‏

1834- باب سورة القصص

مكية إلا ‏{‏إن الذي فرض‏}‏ الاَية نزلت بالجحفة وإلا ‏{‏الذين آتيناهم الكتاب‏}‏ إلى ‏{‏لا نبتغي الجاهلين‏}‏ وهي سبع أو ثمان وثمانون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3305- حدثنا محمد بن بشار أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عَن يَزِيدَ بنِ كَيْسَان قال حدثني أَبُو حَازِمٍ الأشجعي هو كوفيّ اسمه سليمان مولى عزة الأشجعية عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِعَمّهِ‏:‏ ‏"‏قُلْ لاَ إلَهَ إلاّ الله أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ القيامةِ، فقَالَ لَوْلاَ أَنْ تعَيّرَني بِهَا قُرَيش إنّ مَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ الجَزَعُ لأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ فَأَنْزَلَ الله عز وجلّ ‏{‏إنّكَ لاَ تَهْدِيَ مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنّ الله يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بنِ كَيْسَانَ‏.‏

- قوله ‏(‏حدثنا يحيى بن سعيد‏)‏ هو القطان‏.‏ قوله ‏(‏لعمه‏)‏ هو أبو طالب ‏{‏أشهد‏}‏ بالجزم على أنه جواب قل وبالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، وفي رواية سعيد بن المسيب عن أبيه عند الشيخين فقال ‏"‏أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله‏"‏ من المحاجة، وفي رواية مجاهد عند الطبري‏:‏ ‏"‏أجادل عنك بها‏"‏ ‏(‏أن تعيرني‏)‏ من التعيير أي ينسبوني إلى العار ‏(‏إنما يحمله عليه الجزع‏)‏ بفتح الجيم والزاي هو نقيض الصبر، وفي رواية مسلم يقولون إنما حمله على ذلك الجزع‏.‏ قال النووي‏:‏ هكذا هو في جميع الأصول وجميع روايات المحدثين في مسلم وغيره بالجيم والزاي وكذا نقله القاضي عياض وغيره عن جميع روايات المحدثين، وذهب جماعات من أهل اللغة إلى أنه الخرع بالخاء المعجمة والراء المفتوحتين أيضاً وهو الضعف والخور وقيل هو الدهش انتهى مختصراً ‏(‏لأقررت بها عينك‏)‏ قال النووي أحسن ما يقال فيه ما قاله أبو العباس قال‏:‏ معنى أقر الله عينه أي بلغه الله أمنيته حتى يرضى نفسه وتقر عينيه فلا تستشرف لشيء‏.‏ وقال الأصمعي معناه أبرد الله دمعته لأن دمعة الفرح باردة‏.‏ وقيل معناه أراه الله ما يسره فأنزل الله‏:‏ ‏{‏إنك لا تهدي‏}‏ أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب وهي عامة فإنه لا يهدي ولا يضل إلا الله تعالى ‏(‏من أحببت‏)‏ أي هدايته وقيل أحببته لقرابته‏.‏

اعلم أن حديث أبي هريرة هذا يدل على أن أبا طالب مات على الكفر‏.‏ وحديث سعيد بن المسيب عن أبيه عند الشيخين صريح في ذلك ففيه‏:‏ فقال ‏"‏أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله‏"‏‏.‏ فقال أبو جهل بن أبي أمية‏:‏ أترغب عن ملة عبد المطلب‏؟‏ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيرانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم‏:‏ على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله‏.‏

فإن قلت في رواية ابن إسحاق من طريق العباس بن عبدالله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس قال فلما تقارب من أبي طالب الموت قال نظر العباس إليه يحرك شفتيه قال فأصغى إليه بأذنه قال فقال يا ابن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها‏.‏ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لم أسمع قلت في رواية ابن إسحاق هذه مجهول وهو بعض أهل العباس بن عبد الله بن معبد فهذه الرواية لا تقاوم حديث الصحيحين، ثم تفرد بهذه الرواية ابن إسحاق وما تفرد به لا يقاوم ما في الصحيحين أصلاً‏.‏ قوله ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم والطبري‏.‏