فصل: 1891- باب ومن سورة لم يكن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


1891- باب ومن سورة لم يكن

وتسمى سورة البينة وهي مدنية قاله الجمهور وفي رواية عن ابن عباس أنها مكية وهي ثمان آيات وقيل تسع ايات

3478- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ حدثنا سُفْيَانُ عَن المُخْتَارِ بنِ فُلْفلٍ قالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنِ مالِكٍ يقُولُ‏:‏ ‏"‏قالَ رَجُلٌ للنبيّ صلى الله عليه وسلم يا خَيْرَ البَرِيّةِ، قالَ ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يا خير البرية‏)‏ بتشديد الياء ويجوز تسكينها وهمز بعدها ومعناها الخليفة‏.‏ قال في النهاية البرية الخلق تقول براه الله يبروه برواً أي خلقه ويجمع على البرايا والبريات من البري التراب هذا إذا لم يهمز ومن ذهب إلى أن أصله الهمز أخذه من برأ الله الخلق يبرأهم أي خلقهم ثم ترك فيها الهمز تخفيفاً ولم تستعمل مهموزة انتهى ‏(‏قال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ذاك‏"‏ أي المشار إليه الموصوف بخير البرية هو ‏"‏إبراهيم‏"‏ الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ قال العلماء إنما قال صلى الله عليه وسلم هذا تواضعاً واحتراماً لإبراهيم صلى الله عليه وسلم لخلته وأبوته وإلا فنبينا صلى الله عليه وسلم أفضل كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أنا سيد ولد آدم‏"‏ ولم يقصد به الافتخار ولا التطاول على من تقدمه بل قاله بياناً لما أمر ببيانه وتبليغه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ولا فخر‏"‏‏.‏ لينفي ما قد يتطرق إلى بعض الأفهام السخيفة، وقيل يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إبراهيم خير البرية‏"‏ قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

1892- باب ومن سورة إذا زلزلت الأرض

مكية وقيل مدنية وهي ثمان آيات وقيل تسع آيات

بسم الله الرحمن الرحيم 3479- حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ أخبرنا سَعِيدُ بنُ أبي أَيّوبَ عَن يَحْيى بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ‏:‏ ‏"‏قَرَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الاَيةَ ‏{‏يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا‏}‏ قالَ‏:‏ أَتَدْرُونَ ما أَخْبَارُها‏؟‏ قالُوا الله وَرَسُولُهُ أَعْلَم‏.‏ قالَ فإِنّ أَخْبَارَها أن تَشْهَدَ عَلَى كُلّ عَبْدٍ أو أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا تَقُولُ عَمِلَ يَوْمَ كَذَا كَذَا وكَذَا فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريب‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية ‏{‏يومئذ تحدث أخبارها‏}‏ الخ‏)‏‏.‏ قد تقدم هذا الحديث مع شرحه قبل باب الصور من أبواب صفة القيامة‏.‏

1893- باب ومن سورة ألهاكم التكاثر

مكية وهي ثمان آيات

بسم الله الرحمن الرحيم 3480- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا وهْبُ بنُ جريرٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَن قَتَادَةَ عَن مُطَرّفِ بنِ عبْدِ الله بنِ الشّخّيرِ عَن أَبِيهِ أَنّهُ انْتَهى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْرَأُ ‏{‏أَلْهَاكُمُ التّكَاثُرُ‏}‏ قالَ ‏"‏يقولُ ابنُ آدَمَ مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إلاّ ما تَصَدّقْتَ فأمْضَيْتَ أَوْ أَكَلْتَ فأفْنَيْتَ أَو لَبست فأبْلَيْتَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3481- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا حَكّامُ بنُ أسلمِ الرّازِيّ عَن عَمْرِو بنِ أَبي قَيْس عَن الحَجّاجِ عَن المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو عَن زِرّ بنِ حُبَيْشٍ عَن عَلِيّ رضي الله عنه قالَ‏:‏ ‏"‏مَا زِلْنَا نَشُكّ في عَذَابِ القَبْرِ حَتّى نَزَلَتْ ‏{‏الْهَاكُمُ التَكَاثُرُ‏}‏‏.‏ قالَ أبُو كُرَيْبٍ مَرّةً عَن عَمْرِو بنِ أبي قَيْسٍ هو رازي وعمرو بن قيس الملائي كوفيّ عَن ابنِ أبي لَيْلَى عَن المِنْهَالِ بن عمرو‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏

3482- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ حدثنا سُفْيانُ بن عيينة عَن مُحمّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ عَن يَحْيَى بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ حَاطِبٍ عَن عبدِ الله بنِ الزّبَيْرِ بنِ العَوّامِ عَن أَبِيهِ قالَ‏:‏ ‏"‏لَمّا نَزَلَتْ ‏{‏ثُمّ لَتُسْألُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ‏}‏ قالَ الزّبَيْرُ يا رسُولَ الله وَأيّ النّعِيم نُسْألَ عَنْهُ وإِنّمَا هُمَا الأسْوَدَانِ‏:‏ التّمْرُ والمَاءَ‏؟‏ قالَ‏:‏ أَما إنّهُ سَيَكُونُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ‏.‏

3483- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ حدثنا أَحْمَدُ بنُ يُونُسَ عَن أبي بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ عَن مُحمّدِ بنِ عَمْرٍو عنْ أبي سَلَمَةَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ ‏{‏ثُمّ لَتُسْألُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ‏}‏ قالَ النّاسُ يا رَسُولَ الله عَن أَيّ النّعِيمِ نُسْألُ‏؟‏ فَإنّمَا هُمَا الأسْوَدَانِ والعَدُوّ حاضِرٌ وَسُيُوفُنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا‏؟‏ قالَ‏:‏ إِنّ ذَلِكَ سَيَكُونُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَحدِيثُ ابنِ عُيَيْنَةَ عَن مُحمّدِ بنِ عَمْرٍو عِنْدِي أَصَحّ مِنْ هَذَا‏.‏ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ أحْفَظُ وَأَصَحّ حَدِيثاً مِنْ أبي بكْرِ بنِ عَيّاشٍ‏.‏

3484- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا شَبَابَةُ عَن عَبْدِ الله بنِ العَلاءِ عَن الضّحّاكِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَرْزَمٍ الأشْعَرِيّ قالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ أَوّلَ مَا يُسْألُ عَنْهُ يَوْمَ القيامَةِ- يَعْنِي العَبْد مِنَ النّعِيمِ- أَنْ يُقَالَ له أَلَمْ نُصِحّ لَكَ جِسْمَكَ ونُرْوِيكَ مِنَ المَاءِ البَارِدِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ‏.‏ وَالضحّاكُ هُوَ ابنُ عَبْدِ الرّحُمَنِ بنِ عَرْزَبٍ وَيُقَال ابنُ عَرْزَمٍ وابنُ عَرْزَمٍ أَصَحّ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ‏{‏ألهاكم التكاثر‏}‏ الخ‏)‏ قد سبق هذا الحديث مع شرحه في باب الزهادة في الدنيا من أبواب الزهد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا حكام‏)‏ بفتح الحاء وتشديد الكاف ‏(‏بن سلم‏)‏ بفتح السين المهملة وسكون اللام ‏(‏عن عمرو بن أبي قيس‏)‏ الرازي ‏(‏عن الحجاج بن أرطاة‏)‏ بفتح الهمزة ‏(‏عن المنهال بن عمرو‏)‏ الأسدي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت ‏{‏ألهاكم التكاثر‏}‏‏)‏ أي هذه السورة والمراد بالتكاثر التفاخر أي أشغلتكم المفاخرة والمباهاة والمكاثرة بكثرة المال والعدد والمناقب عن طاعة الله ربكم وما ينجيكم عن سخطه حتى زرتم المقابر أي حتى متم ودفنتم في المقابر، يقال لمن مات زار قبره وزار رمسه فيكون معنى الاَية ‏{‏ألهاكم‏}‏ حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم حتى أتاكم الموت وأنتم على ذلك‏.‏ قال ابن جرير في تفسيره‏:‏ وفي هذا دليل على صحة القول بعذاب القبر، لأن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاكم التكاثر أنهم سيعلمون ما يلقون إذا هم زاروا القبور وعيداً منه لهم وتهدداً، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل فذكر حديث علي هذا ثم قال وقوله‏:‏ ‏{‏كلا سوف تعلمون‏}‏ يعني تعالى ذكره بقوله كلا ما هكذا ينبغي أن تفعلوا أن يلهيكم التكاثر، وقوله ‏{‏سوف تعلمون‏}‏ يقول جل ثناؤه سوف تعلمون إذا زرتم المقابر أيها الذين ألهاكم التكاثر غب فعلكم واشتغالكم بالتكاثر في الدنيا عن طاعة الله ربكم، وقوله‏:‏ ‏{‏ثم كلا سوف تعلمون‏}‏ ثم ما هكذا ينبغي أن تفعلوا أن يلهيكم التكاثر بالأموال وكثرة العدد سوف تعلمون إذا زرتم المقابر ما تلقون إذا انتم زرتموها من مكروه اشتغالكم عن طاعة ربكم بالتكاثر، وكرر قوله‏:‏ ‏{‏كلا سوف تعلمون‏}‏ مرتين لأن العرب إذا أرادت التغليظ في التخويف والتهديد يذكروا الكلمة مرتين انتهى‏.‏

تنبيه‏:‏

اعلم أن في القرآن المجيد آيات تدل على ثبوت عذاب القبر إحداها هذه الاَية أعني قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر‏}‏ الخ وأصرحها وأوضحها الاَية التي في سورة المؤمن وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏النار يعرضون علهيا غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب‏}‏ قال العلامة نظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري في تفسير هذه الاَية ص 83 ج 42 ما لفظه‏:‏ وفي الاَية دلالة ظاهرة على إثبات عذاب القبر لأن تعذيب يوم القيامة يجيء في قوله‏:‏ ‏{‏ويوم تقوم الساعة‏}‏ انتهى وقال الحافظ ابن كثير‏:‏ وهذه الاَية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور وهي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏النار يعرضون عليها غدواً وعشياً‏}‏ انتهى‏.‏ وقال الرازي‏:‏ احتج أصحابنا بهذه الاَية على إثبات عذاب القبر قالوا الاَية تقضي عرض النار عليهم غدواً وعشياً وليس المراد منه يوم القيامة لأنه قال‏:‏ ‏{‏ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب‏}‏ وليس المراد منه أيضاً الدنيا لأن عرض النار عليهم غدواً وعشياً ما كان حاصلاً في الدنيا فثبت أن هذا العرض إنما حصل بعد الموت وقبل يوم القيامة وذلك يدل على إثبات عذاب القبر في حق هؤلاء، وإذا ثبت في حقهم ثبت في حق غيرهم لأنه لاقائل بالفرق‏.‏ فإن قيل لم لا يجوز أن يكون المراد من عرض النار عليهم غدواً وعشياً عرض النصائح عليهم في الدنيا لأن أهل الدين إذا ذكروا لهم الترغيب والترهيب وخوفوهم بعذاب الله فقد عرضوا عليهم النار، ثم نقول في الاَية ما يمنع من حملها على عذاب القبر وبيانه من وجهين‏:‏ الأول- أن ذلك العذاب يجب أن يكون دائماً غير منقطع‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏يعرضون عليها غدواً وعشياً‏}‏ يقتضي أن لا يحصل ذلك العذاب إلا في هذين الوقتين فثبت أن هذا لا يمكن حمله على عذاب القبر‏.‏ الثاني- أن الغدوة والعشية إنما يحصلان في الدنيا أما في القبر فلا وجود لهما فثبت بهذين الوجهين أنه لا يمكن حمل هذه الاَية على عذاب القبر، والجواب عن السؤال الأول أن في الدنيا عرض عليهم كلمات تذكرهم أمر النار لا أنه يعرض عليهم نفس النار، فعل قولهم يصير معنى الاَية الكلمات المذكرة لأمر النار كانت تعرض عليهم وذلك يفضي إلى ترك ظاهر اللفظ والعدول إلى المجاز‏.‏ أما قوله‏:‏ الاَية تدل على حصول هذا العذاب في هذين الوقتين وذلك لا يجوز قلنا لم لا يجوز أن يكتفي في القبر بإيصال العذاب إليه في هذين الوقتين ثم عند قيام القيامة يلقى في النار فيدوم عذابه بعد ذلك، وأيضاً لا يمتنع أن يكون ذكر الغدوة والعشية كناية على الدوام كقوله‏:‏ ‏{‏ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا‏}‏ أما قوله إنه ليس في القبر والقيامة غدوة وعشية قلنا لم لا يجوز أن يقال عند حصول هذين الوقتين لأهل الدنيا يعرض عليهم العذاب انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏{‏ثم لتسألن يومئذ عن النعيم‏}‏ أي عن شكر ما أنعم الله به عليكم من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك ‏(‏إنما هما الأسودان‏)‏ أي إنما عندنا نعمتان ليستا مما نسأل عنهما لدناءتهما وهما الأسودان ‏(‏التمر والماء‏)‏ بيان لـ ‏(‏الأسودان‏)‏ أما التمر فأسود وهو الغالب على تمر المدينة فأضيف الماء إليه ونعت بنعته أتباعاً والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان فيسميان معاً بإسم الأشهر منها كالقمرين والعمرين كذا في النهاية ‏"‏أما‏"‏ بالتخفيف حرف تنبيه ‏"‏إنه سيكون‏"‏ هذا يحتمل وجهين أحدهما أن النعيم الذي تسألون عنه سيكون والثاني أن السؤال سيكون عن الأسودين فإنهما نعمتان عظيمتان من نعم الله تعالى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن أبي حاتم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن يونس‏)‏ هو أحمد بن عبد الله بن يونس ‏(‏عن محمد ابن عمرو‏)‏ بن علقمة ‏(‏والعدو حاضر‏)‏ أي ويريد أن يستأصلنا ‏(‏وسيوفنا على عواتقنا‏)‏ أي لقتال العدو والعواتق جمع عاتق وهو ما بين المنكب والعنق‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا شبابة‏)‏ بن سوار المدائني ‏(‏عن عبد الله بن العلاء‏)‏ بن زبر بفتح الزاي وسكون الموحدة الدمشقي الربعي ثقة من السابعة ‏(‏عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزم الأشعري‏)‏ قال في التقريب الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب بفتح المهملة وسكون الراء وفتح الزاي ثم موحدة وقد تبدل ميماً أبو عبد الرحمن أو أبو زرعة الطبراني ثقة من الثالثة قوله‏:‏ ‏"‏إن أول ما يسأل عنه‏"‏ ما موصولة أي أول شيء يحاسب به في الاَخرة ‏(‏يعني العبد‏)‏ تفسير لنائب الفاعل من بعض الرواة ‏"‏أن يقال له‏"‏ خبر إن ‏"‏ألم نصح‏"‏ من الإصحاح وهو إعطاء الصحة ‏"‏جسمك‏"‏ أي بدنك وصحته أعظم النعم بعد الإيمان ‏"‏ونرويك‏"‏ كذا في النسخ الحاضرة بالياء والظاهر حذفها لأنه عطف على نصح وكذلك في المشكاة وهو من التروية أو من الإرواء من الري بالكسر وهو عند العطش ‏"‏من الماء البارد‏"‏ أي الذي هو من ضرورة بقائك ولولاه لفنيت بل العالم بأسره‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن حبان والحاكم‏.‏

1894- باب ومن سورة الكوثر

مكية قال ابن عباس والجمهور وقيل إنها مدنية قاله الحسن وعكرمة وقتادة وهي ثلاث آيات

بسم الله الرحمن الرحيم 3485- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثنا عبْدُ الرّزّاقِ عَن مَعْمَرٍ عَن قَتَادَةَ عَن أنَسٍ في قَوْلِهِ تعالى ‏{‏إنّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ‏}‏ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏هُوَ نَهْرٌ في الجَنّةِ حافتاه قِبَابُ اللّؤْلُؤِ، قُلْتُ مَا هَذَا يا جِبْرِيلُ‏؟‏ قالَ هَذَا الكَوْثَرُ الّذِي أَعْطَاكَهُ الله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3486- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيع، حدثنا شَرْيَحُ بنُ النّعْمَانِ، أخبرنا الحَكَمُ بنُ عَبْدِ المَلكِ عَن قَتَادَةَ عَن أنَسٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏بَيْنَا أنَا أسِيرُ في الجَنّةِ إذْ عرضَ لِي نَهْرٌ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللّؤْلُؤِ، قُلْتُ لِلْمَلَكِ مَا هَذَا‏؟‏ قالَ هَذَا الكَوْثَرُ الّذِي أعْطَاكَهُ الله، قالَ ثُمّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلى طِينَةٍ فاسْتَخْرَجَ مِسْكاً، ثُمّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَة المُنْتَهى فَرَأَيْتُ عِنْدَهَا نُوراً عَظِيماً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن أنَسٍ‏.‏

3487- حدثنا هَنّادٌ، حدثنا مُحمّدُ بنُ فُضَيْلٍ عَن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ عَن مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ عَن عبْدِ الله بنِ عُمَرَ قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الكَوْثَرُ نَهْرٌ في الجَنّةِ حَافَتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ ومَجْرَاهُ عَلَى الدّرّ وَاليَاقُوتِ، تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِن المِسْكِ وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنَ العَسَلِ وَأَبْيَضُ مِنَ الثّلْجِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس ‏{‏إنا أعطيناك الكوثر‏}‏‏)‏ أي عن أنس في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنا أعطيناك الكوثر‏}‏ وهو على وزن فوعل من الكثرة سمي به النهر لكثرة مائه وآنيته وعظم قدره وخيره، والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد أو القدر والخطر كوثراً ‏"‏حافتيه‏"‏ بتخفيف الفاء أي جانبيه قال في القاموس حافتي الوادي وغيره جانباه والجمع حافات وفي بعض النسخ حافتاه بالألف على أنه مبتدأ وخيره ‏"‏قباب اللؤلو‏"‏ والقباب بكسر القاف وتخفيف الباء الموحدة الأولى جمع قبة وهو بناء سقفه مستدير مقمر ‏"‏قلت ما هذا‏"‏ أي ما هذا النهر ‏"‏قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله‏"‏ هذا نص صريح في أن المراد بالكوثر في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنا أعطيناك الكوثر‏}‏ هو هذا النهر المذكور في هذا الحديث وروى البخاري في صحيحه عن أبي عبيدة عن عائشة قال سألتها عن قوله تعالى ‏{‏إنا أعطيناك الكوثر‏}‏ قالت نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم الحديث، وروى من طريق أبي بشر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه‏.‏ قال أبو بشر قلت لسعيد إن ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة فقال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه‏.‏ قال الحافظ هذا تأويل من سعيد بن جبير جمع به بين حديثي عائشة وابن عباس، وحاصل ما قاله سعيد بن جبير أن قول ابن عباس إنه الخير الكثير لا يخالف قول غيره إن المراد به نهر في الجنة‏.‏ لأن النهر فرد من أفراد الخير الكثير ولعل سعيداً أومأ إلى أن تأويل ابن عباس أولى لعمومه لكن ثبت تخصيصه بالنهر من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فلا معدل عنه‏.‏ انتهى قال الحافظ ابن جرير في تفسيره اختلف أهل التأويل في معنى الكوثر فقال بعضهم هو نهر في الجنة أعطاه الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ثم ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون عنى بالكوثر الخير الكثير ثم ذكر من قال به، ثم قال وقال آخرون هو حوض أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة ثم قال وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي قول من قال هو إسم النهر الذي أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة وصفه الله بالكثرة لعظمة قدره، وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك لتتابع الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك كذلك انتهى‏.‏

قلت‏:‏ الأمر كما قال الحافظ ابن جرير والحافظ بن حجر رحمهما الله تعالى‏.‏ وقال الحافظ ابن جرير في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فصل لربك وانحر‏}‏ اختلف أهل التأويل في الصلاة التي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصليها بهذا الخطاب ومعنى قوله وانحر‏.‏ فقال بعضهم حضه على المواظبة على الصلاة المكتوبة وعلى الحفظ عليها في أوقاتها بقوله‏:‏ ‏{‏فصل لربك وانحر‏}‏ ثم ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون بل عنى بقوله‏:‏ ‏{‏فصل لربك‏}‏ الصلاة المكتوبة وبقوله‏:‏ وانحر أن يرفع يديه إلى النحر عند افتتاح الصلاة والدخول فيها، ثم ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون عنى بقوله‏:‏ ‏{‏فصل لربك‏}‏ المكتوبة وبقوله‏.‏ وانحر نحر البدن، ثم ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون بل عنى بذلك‏:‏ صل يوم النحر صلاة العيد وانحر نسكك، ثم ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون قيل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لأن قوماً كانوا يصلون لغير الله وينحرون لغيره فقيل له اجعل صلاتك ونحرك لله إذ كان من يكفر بالله يجعله لغيره‏.‏ ثم ذكر من قال به ثم قال وقال آخرون‏:‏ بل أنزلت هذه الاَية يوم الحديبية حين حصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصدوا عن البيت فأمره الله أن يصلي وينحر البدن وينصرف ففعل، ثم ذكر من قال به ثم قال‏:‏ وقال آخرون بل معنى ذلك فصل وادع ربك وسله ثم ذكر من قال به ثم قال وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال معنى ذلك‏:‏ فاجعل صلاتك كلها لربك خالصاً دون ما سواه من الأنداد والاَلهة‏.‏ وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان شكراً له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفء له وخصك به من إعطائه إياك الكوثر‏.‏ وإنما قلت ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك لأن الله جل ثناؤه أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بما أكرمه به من عطيته وكرامته وإنعامه عليه بالكوثر ثم أتبع ذلك قوله‏:‏ ‏{‏فصل لربك وانحر‏}‏ فكان معلوماً بذلك أنه خصه بالصلاة له والنحر على الشكر له على ما أعلمه من النعمة التي أنعمها عليه بإعطائه إياه الكوثر، فلم يكن لخصوص بعض الصلاة بذلك دون بعض‏.‏ وبعض النحر دون بعض وجه إذا كان حثاً على الشكر على النعم، فتأويل الكلام إذاً‏:‏ إنا أعطيناك يا محمد الكوثر إنعاماً منا عليك به وتكرمة منا لك فأخلص لربك العبادة وأفرد له صلاتك ونسكك خلافاً لما يفعله من كفر به وعبد غيره ونحر للأوثان انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين‏}‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح وأخرجه الشيخان‏)‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏بينا أنا أسير في الجنة‏"‏ أي لما عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء كما في رواية البخاري ‏"‏قباب اللؤلؤ‏"‏ وفي رواية للبخاري قباب الدر المجوف ‏"‏قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله‏"‏ إشارة إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنا أعطيناك الكوثر‏}‏ ‏"‏ثم ضرب بيده‏"‏ أي ضرب الملك بيده، وفي رواية البيهقي فأهوى الملك بيده فاستخرج من طينه مسكاً أذفر ‏"‏ثم رفعت لي سدرة المنتهى‏"‏ أي قربت وكشفت وعرضت‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏حافتاه من ذهب‏"‏ لا تخالف بين هذا وبين قوله‏:‏ ‏"‏حافتاه قباب اللؤلؤ‏"‏ لأن حافتيه تكونان من الذهب وأما القباب من اللؤلؤ فتكون مبنية عليهما ‏"‏ومجراه على الدر والياقوت‏"‏ أي جريان مائه عليهما ‏"‏تربته أطيب من المسك‏"‏ أي ترابه أطيب ريحاً منه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن جرير‏.‏

1895- باب ومن سورة النصر

وتسمى سورة النصر أيضاً مدينة وهي ثلاث آيات

بسم الله الرحمن الرحيم 3488- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ عَن شُعْبَةَ عَن أَبي بِشْرٍ عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏كَانَ عُمَرُ يَسْأَلُنِي مَعَ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ‏:‏ أَنَسأَلُهُ وَلَنَا بَنُون مِثْلُهُ‏؟‏ قَالَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ إِنّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ، فَسَأَلَهُ عَن هَذِهِ الاَيَة ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله وَالفَتْحُ‏}‏ فَقُلْتُ إنمّا هُوَ أَجَلُ رُسولِ الله صلى الله عليه وسلم اعْلَمَهُ إِيّاهُ وَقَرَأَ السّورَةَ إِلى آخِرهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ وَالله مَا أعْلَمُ مِنْهَا إِلاّ مَا تَعْلَمُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3489- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، أخبرنا شُعْبَةُ عَن أَبِي بِشْرٍ بِهَذَا الإسْنَادِ نَحْوَهُ إِلاّ أَنّهُ قَالَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرّحمَنِ بنُ عَوْفٍ أَتَسْأَلُهُ ولَنَا ابناءُ مِثْلُهُ‏؟‏ ‏(‏هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏)‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سليمان بن داود‏)‏ بن الجارود أبو داود الطيالسي ‏(‏عن أبي بشر‏)‏ إسمه جعفر بن إياس‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏كان عمر‏)‏ أي ابن الخطاب ‏(‏يسألني مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ وفي رواية البخاري في التفسير‏:‏ كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر‏.‏ وفي روايته في علامات النبوة‏:‏ كان عمر بن الخطاب يدنى ابن عباس ‏(‏فقال له عبد الرحمن بن عوف‏)‏ الزهري أحد المبشرة ‏(‏ولنا بنون مثله‏)‏ أي مثل ابن عباس في السن لا في الفضل والقرابة من النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏إنه من حيث تعلم‏)‏ أي من أجل أنك تعلم أنه عالم وكان ذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ‏(‏فسأله عن هذه الاَية‏)‏ أي فسأل عمر ابن عباس عن معنى هذه الاَية ‏(‏إذا جاء نصر الله‏)‏ أي نبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه ‏(‏إنما هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه إياه‏)‏ أي يجيء النصر والفتح ودخول الناس في الدين علامة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ أخير الله رسوله بذلك ‏(‏ما أعلم منها‏)‏ أي من هذه السورة ‏(‏إلا ما تعلم‏)‏ وفي رواية البخاري في التفسير‏:‏ ما أعلم منها إلا ما تقول‏.‏ وفي الحديث فضيلة ظاهرة لابن عباس وتأثير لإجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه التأويل ويفقهه في الدين، وفيه جواز تحديث المرء عن نفسه بمثل هذا لأظهار نعمة الله عليه وإعلام من لا يعرف قدره لينزله منزلته وغير ذلك من المقاصد الصالحة لا للمفاخرة والمباهاة، وفيه جواز تأويل القرآن بما يفهم من الإشارات، وإنما يتمكن من ذلك من رسخت قدمه في العلم ولهذا قال على رضي الله عنه‏:‏ أو فهما يؤتيه الله رجلاً في القرآن‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏أتسأله ولنا ابن مثله‏)‏ وفي رواية البخاري ولنا أبناء مثله‏.‏

1896- باب ومن سورة تبت يدا

وتسمى سورة أبي لهب أيضاً مكية وهي خمس آيات

بسم الله الرحمن الرحيم 3490- حدثنا هَنّادٌ وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ قَالاَ‏:‏ حدثنا أبُو مُعَاوِيَةَ أخبرنا الأَعْمَشُ عَن عَمْرِو بنِ مُرّةَ عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ قَالَ ‏"‏صَعدَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الصّفَا فَنَادَى يَا صَبَاحَاهُ، فَاجْتَمَعَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَقَالَ‏:‏ إنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ أرَأَيْتُمْ لَوْ أَنّي أَخْبَرْتُكُمْ أَنّ العَدُوّ مُمَسّيكُمْ أَو مُصَبّحُكُمْ أَكُنْتُمْ تُصَدّقُوني‏؟‏ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا تَبّا لَكَ، فأَنْزَلَ الله تَبَارَكَ وتعَالَى‏:‏ ‏{‏تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏صعد‏)‏ من التصعيد أي رقي‏.‏ قال في القاموس صعد في السلم كسمع صعوداً وصعد في الجبل وعليه تصعيداً رقي ولم يسمع صعد فيه ‏"‏يا صباحاه‏"‏ هذه كلمة يقولها المستغيث وأصلها إذا صاحوا للغارة لأنهم أكثر ما كانوا يغيرون بالصباح ويسمون يوم الغارة يوم الصباح، وكأن القائل يا صباحاه يقول قد غشينا العدو ‏"‏إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد‏"‏ أي قبل نزول عذاب عظيم وعقاب أليم، والمعنى أنكم إن لم تؤمنوا بي ينزل عليكم عذاب قريب، قال الطيبي قوله بين يدي ظرف لغد نذير وهو بمعنى قدام لأن كل من يكون قدام أحد يكون بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله، وفيه تمثيل مثل إنذاره لقوم بعذاب الله تعالى النازل على القوم بنذير قوم يتقدم جيش العدو فينذرهم ‏"‏أرأيتم‏"‏ أي أخبروني ‏"‏ممسيكم أو مصبحكم‏"‏ كلاهما بصيغة إسم الفاعل من باب تفعيل أي مغيركم في المساء أو الصباح ‏(‏فقال أبو لهب‏)‏ هو ابن عبد المطلب واسمه عبد العزى وأمه خزاعية وكني أبا لهب إما لابنه لهب وإما لشدة حمرة وجنته، وقد أخرج الفاكهي من طريق عبد الله بن كثير قال‏:‏ إنما سمي أبا لهب لأن وجهه كان يتلهب من حسنه انتهى، ووافق ذلك ما آل إليه أمره من أنه سيصلي ناراً ذات لهب‏.‏ ولهذا ذكر في القرآن بكنيته دون اسمه ولكونه بها أشهر، ولأن في اسمه إضافة إلى الصنم، ومات بعد وقعة بدر ولم يحضرها بل أرسل عنه بديلاً فلما بلغه ما جرى لقريش مات عنها ‏(‏ألهذا‏)‏ الهمزة للاستفهام على وجه الإنكار ‏(‏تبا لك‏)‏ أي خسراناً وهلاكاً ونصبه بعامل مضمر‏.‏ قاله القاضي فهو إما نصب على المصدر والمعنى تب تبا أو بإضمار فعل أي ألزمك الله هلاكاً وخسراناً وألزم تبا ‏{‏تبت‏}‏ أي خسرت ‏{‏يدا أبي لهب‏}‏ أي جملته وعبر عنها باليدين مجازاً لأن أكثر الأفعال تزاول بهما وهذه الجملة دعاء ‏{‏وتب‏}‏ أي خسر هو وهذه خبر كقولهم أهلكهم الله وقد هلك‏.‏ ولما خوفه النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب فقال إن كان ما يقول ابن أخي حقاً أفتدى منه بمالي وولدي نزل ‏{‏ما أغنى عنه ماله‏}‏ ما للنفي ‏{‏وما كسب‏}‏ مرفوع وما موصولة أو مصدرية أي ومكسو به أو وكسبه أي لم ينفعه ماله الذي ورثه من أبيه والذي كسبه بنفسه أو ماله التالد والطارف، وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما كسب ولده ‏{‏سيصلى‏}‏ أي سيدخل ‏{‏ناراً ذات لهب‏}‏ أي ذات توقد وتلهب ‏{‏وامرأته‏}‏ عطف على ضمير يصلى سوغه الفصل بالمفعول وصفته وهي أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان وكانت في نهاية العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏{‏حمالة الحطب‏}‏ قرأ الجمهور حمالة بالرفع على الخبرية على أنها جملة مسوقة للإخبار بأن امرأة أبي لهب حمالة الحطب، وأما على ما قدمنا من عطف وامرأته على الضمير في يصلي فيكون رفع حمالة على النعت لامرأته والإضافة حقيقية لأنها بمعنى المضي أو على أنه خبر متبدأ محذوف أي هي حمالة، وقرأ عاصم بالنصب على الذم أي أعني حمالة الحطب أو على أنه حال من امرأته واختلف أهل التأويل في معنى قوله حمالة الحطب فقيل كانت تحمل الشوك والحسك والعضاه بالليل فتطرحه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتؤذيهم بذلك وهي رواية عن ابن عباس، وقيل كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث وتلقى العداوة بين الناس وتوقد نارها كما توقد النار الحطب يقال فلان يحطب على فلان إذا نم به ‏{‏في جيدها‏}‏ أي عنقها ‏{‏حبل من مسد‏}‏ أي ليف، وهذه الجملة حال من الضمير المستكين في حمالة الحطب الذي هو نعت لامرأته أو خبر مبتدأ مقدر أو خبر ثان لقوله وامرأته‏.‏ قال الرازي في تفسيره قوله تعالى‏:‏ ‏(‏في جيدها حبل من مسد‏)‏ قال الواحدي‏:‏ المسد في كلام العرب الفتل، يقال مسد الحبل يمسده مسدا إذا أجاد قتله، وحبل ممدود إذا كان مجدول الخلق، والمسد ما مسد أي فتل من أي شيء كان فيقال لما فتل من جلود الإبل ومن الليف والخوص مسد ولما فتل من الحديد أيضاً مسد‏.‏ إذا عرفت هذا فنقول ذكر المفسرون وجوها أحدها في جيدها حبل مما مسد من الحبال لأنها كانت تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون‏.‏ والمقصود بيان خساستها تشبيها لها بالحطابات إيذاء لها ولزوجها، وثانيها- أن يكون المعنى أن حالها يكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل الحزمة من الشوك فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم وفي جيدها حبل من سلاسل النار‏.‏ فإن قيل الحبل المتخذ من المسد كيف يبقى أبداً في النار، قلنا كما يبقى الجلد واللحم والعظم أبداً في النار‏.‏ ومنهم من قال ذلك المسد يكون من الحديد وظن من ظن أن المسد لا يكون من الحديد خطأ لأن المسد هو المفتول سواء كان من الحديد أو من غيره‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان والنسائي‏.‏

1897- باب ومن سورة الإخلاص

مكية وقيل مدنية وهي أربع أو خمس آيات

بسم الله الرحمن الرحيم 3491- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعِ، حدثنا أَبُو سَعْدٍ هُوَ الصنْعَانِيّ عَن أَبِي جَعْفَرٍ الرّازِيّ عَن الرّبِيعِ بنِ أَنَسٍ عَن أَبِي العَالِيَةِ عَن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ المُشْرِكِينَ قَالُوا لرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ انْسُبُ لَنَا رَبّكَ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ هُوَ الله أحَدٌ الله الصّمَدُ‏}‏ فَالصّمَدُ الّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ لأَنّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إلاّ سَيَمُوتُ وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إلاّ سَيُورَثُ وإنّ الله عز وجلّ لاَ يَمُوتُ ولاَ يُورَثُ ‏{‏وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْواً أَحَدٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلاَ عِدْلٌ ولَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ‏"‏‏.‏

3492- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بنِ مُوسَى عَن أَبِي جَعْفَرٍ الرّازِيّ عَن الرّبيعِ عَن أَبِي العَالِيَةَ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ آلِهَتُهمْ فَقَالُوا انْسُبْ لَنَا رَبّكَ، قَالَ فأَتَاه جِبْرِيلُ عليهِ السّلاَمُ بِهَذِهِ السّورَةِ ‏{‏قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ‏}‏ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فيهِ عَن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ وهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ أبي سَعْدٍ وأبو سعدٍ اسْمُهُ محَمّدُ بنُ مُيَسّر‏.‏

وأبو جعفر الرازي اسمه عيسى، وأبو العالية اسمه رفيع وكان عبداً اعتقته امرأةٌ سابيةٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي جعفر الرازي‏)‏ اسمه عيسى بن أبي عيسى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏انسب لنا ربك‏)‏ بصيغة الأمر من باب نصر وضرب أي صفه لنا يقال نسب الرجل إذا وصفه وذكر نسبه ‏(‏والصمد الذي لم يلد ولم يولد‏)‏ قال الحافظ ابن كثير قال الربيع بن أنس‏:‏ الصمد هو الذي لم يلد ولم يولد كأنه جعل ما بعده تفسيراً له وهو قوله لم يلد ولم يولد وهو تفسير جيد‏.‏ وحديث أبي بن كعب صريح فيه انتهى‏.‏ وقال البخاري في صحيحه‏:‏ باب قوله‏:‏ الله الصمد والعرب تسمى أشرافها الصمد، وقال أبو وائل السيد الذي انتهى سؤدده انتهى‏.‏ قال العيني‏:‏ أشار بهذا إلى أن معنى الصمد عند العرب الشرف ولهذا يسمون رؤساءهم الأشراف بالصمد، وعن ابن عباس هو السيد الذي قد كمل فيه أنواع الشرف والسؤدد، وقيل هو السيد المقصود في الحوائج تقول العرب صمدت فلانا أصمده صمداً بسكون الميم إذا قصدته والمصمود صمد ويقال بيت مصمود ومصمد إذا قصده الناس في حوائجهم انتهى‏.‏ وقال الخازن‏:‏ قال ابن عباس الصمد الذي لا جوف له، وبه قال جماعة من المفسرين، ووجه ذلك من حيث اللغة أن الصمد الشيء المصمد الصلب الذي ليس فيه رطوبة ولا رخاوة، ومنه يقال لسداد القارورة الصماد فإن فسر الصمد بهذا كان من صفات الأجسام ويتعالى الله عز وجل عن صفات الجسمية، وقيل وجه هذا القول أن الصمد الذي ليس بأجوف معناه هو الذي لا يأكل ولا يشرب وهو الغني عن كل شيء، فعلى هذا الاعتبار هو صفة كمال، والقصد بقوله الله الصمد التنبيه على أنه تعالى بخلاف من أثبتوا له الالهية وإليه الإشارة بقوله تعالى ‏{‏ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام‏}‏ وروى البخاري في أفراده عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال‏:‏ الصمد هو السيد الذي انتهى سؤدده وهي رواية عن ابن عباس أيضاً، قال هو السيد الذي كمل فيه جميع أوصاف السؤدد، وقيل هو السيد المقصود في جميع الحوائج المرغوب إليه في الرغائب، المستعان به عند المصائب وتفريج الكرب، وقيل هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وتلك دالة على أنه المتناهي في السؤدد والشرف والعلو والعظمة والكمال والكرم والإحسان، وقيل الصمد الدائم الباقي بعد فناء خلقه، وقيل الصمد الذي ليس فوقه أحد وهو قول علي، وقيل هو الذي لا تعتريه الاَفات، ولا تغيره الأوقات، وقيل هو الذي لا عيب فيه، وقيل الصمد هو الأول الذي ليس له زوال والاَخر الذي ليس لملكه انتقال، والأولى أن يحمل لفظ الصمد على كل ما قيل فيه لأنه محتمل له، فعلى هذا يقتضي أن لا يكون في الوجود صمد سوى الله تعالى العظيم القادر على كل شيء وأنه اسم خاص بالله تعالى انفرد به له الأسماء الحسنى والصفات العليا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير انتهى ما في الخازن مختصراً ‏(‏لأنه‏.‏ ليس شيء يولد إلا سيموت الخ‏)‏ هذا دليل لقوله لم يولد ‏(‏ولا عدل‏)‏ بكسر العين وسكون الدال أي مثل‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبيد الله بن موسى‏)‏ العبسي الكوفي ‏(‏عن الربيع‏)‏ بن أنس‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ذكر آلهتهم‏)‏ أي آلهة المشركين‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهذا أصح من حديث أبي سعد‏)‏ أي حديث عبيد الله بن موسى مرسلاً أصح من حديث أبي سعد متصلاً لأن عبيد الله بن موسى ثقة وأبا سعد ضعيف، وحديث أبي بن كعب هذا أخرجه أيضاً أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم ‏(‏وأبو سعد اسمه محمد بن ميسر‏)‏ بوزن محمد وقد وقعت بعد هذا في بعض النسخ هذه العبارة وأبو جعفر الرازي اسمه عيسى وأبو العالية اسمه رفيع وكان عبداً أعتقته امرأة صابئة انتهت ووقع في بعض النسخ امرأة سايبية‏.‏

1898- باب ومن سورة المعوذتين

بكسر الواو المشددة أي سورة ‏{‏الفلق وسورة الناس‏}‏ وهما مدنيتان وقيل مكيتان والأولى خمس آيات والثانية ست آيات

بسم الله الرحمن الرحيم 3493- حدثنا مُحمّدُ بنُ المُثَنّى، حدثنا عَبْدُ المَلِكِ بنِ عَمْرٍو العقديّ عَن ابنِ أبِي ذِئْبٍ عَن الحَارِثِ بنِ عَبْدِ الرحْمَنِ عَن أبِي سَلَمَةَ عَن عَائِشَةَ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ إلى القَمَر فقالَ‏:‏ يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بالله مِنْ شَرّ هَذَا‏؟‏ فَإِنّ هَذَا هُوَ الغَاسِقُ إذَا وَقَبَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3494- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عَن إسْماعِيلَ بنِ أبِي خَالِدٍ، أخبرنا قَيْسٌ وَهُوَ ابنُ أَبِي حَازِمٍ عَن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيّ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏قَدْ أَنْزَلَ الله عَلَيّ آيَاتٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنّ ‏{‏قُلْ أعُوذُ بِرَبّ النّاس‏}‏ إِلى آخِرِ السّورَةِ ‏{‏وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الفَلَقِ‏}‏ إِلى آخِرِ السّورةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن الحارث بن عبد الرحمن‏)‏ القرشي العامري خال ابن أبي ذئب صدوق من الخامسة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏استعيذي بالله من شر هذا‏"‏ أي هذا القمر ‏"‏فإن هذا هو الغاسق إذا وقب‏"‏ قال في القاموس‏:‏ الغسق محركة ظلمة أول الليل وغسق الليل غسقاً اشتدت ظلمته، والغاسق القمر أو الليل إذا غاب الشفق وقال فيه وقب الظلام دخل والشمس وقبا وقوباً غابت والقمر دخل في الخسوف ومنه غاسق إذا وقب انتهى‏.‏ قال الطيبي‏:‏ إنما استعاذ من كسوفه لأنه من آيات الله الدالة على حدوث بلية ونزول نازلة كما قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏ولكن يخوف الله به عباده‏"‏‏.‏ ولأن اسم الإشارة في الحديث كوضع اليد في التعيين وتوسيط ضمير الفصل بينه وبين الخبر المعرف يدل على أن المشار إليه هو القمر لا غير انتهى‏.‏ وقال الخازن في تفسيره بعد ذكر حديث عائشة هذا ما لفظه‏:‏ فعل هذا الحديث المراد به القمر إذا خسف واسود ومعنى وقب دخل في الخسوف أو أخذ في الغيبوبة، وقيل سمي به لأنه إذا خسف اسود وذهب ضوؤه، وقيل إذا وقب دخل في المحاق وهو آخر الشهر وفي ذلك الوقت يتم السحر المورث للتمريض وهذا مناسب لسبب نزول هذه السورة، وقال ابن عباس الفاسق الليل إذا وقب أي أقبل بظلمته من المشرق، وقيل سمي الليل غاسقاً لأنه أبرد من النهار والغسق البرد وإنما أمر بالتعوذ من الليل لأن فيها تنتشر الاَفات ويقل الغوث وفيه يتم السحر، وقيل الغاسق الثريا إذا سقطت وغابت، وقيل إن الإسقام تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها فلهذا أمر بالتعوذ من الثريا عند سقوطها انتهى‏.‏ وقال ابن جرير في تفسيره‏:‏ وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شر غاسق وهو الذي يظلم يقال قد غسق الليل يغسق غسوقاً إذا أظلم إذا وقب يعني إذا دخل في ظلامه، والليل إذا دخل في ظلامه غاسق والنجم إذا أفل غاسق‏.‏ والقمر غاسق إذا وقب ولم يخصص بعد ذلك بل عم الأمر بذلك فكل غاسق فإنه صلى الله عليه وسلم كان يؤمر بالاستعاذة من شره إذا وقب انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي والحاكم وصححه وابن جرير‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏قد أنزل الله على آيات لم ير مثلهن الخ‏"‏ قد سبق هذا الحديث مع شرحه في فضائل القرآن‏.‏

1899- باب

3495- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا صَفْوَانُ بنُ عِيسَى، أخبرنا الْحَارِثُ بنُ عَبْدِ الرحْمَنِ بنِ أَبِي ذُبَابٍ عَن سَعِيدِ بنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ عَن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَمّا خَلَقَ الله آدَمَ وَنَفَخَ فيهِ الرّوحَ عَطَس فَقَالَ‏:‏ الْحَمْدُ لله فَحَمِدَ الله بإِذْنِهِ، فَقَالَ لَهُ رَبّهُ‏:‏ رحَمُكَ الله يَا آدَمُ اذْهَبْ إِلى أُولَئِكَ المَلاَئِكَةِ- إِلى ملإٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ- فَقُل‏:‏ السّلاَمُ عَلَيْكُمْ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَعَلَيْكَ السّلاَمُ وَرَحْمَةُ الله‏.‏ ثُمّ رَجَعَ إلى رَبّهِ فقالَ‏:‏ إِنّ هَذِهِ تَحِيّتُكَ وَتَحِيّةُ بَنِيكَ بَيْنَهُمْ فَقَال الله لَهُ‏:‏ وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ اخْتَرْ أَيّهُمَا شِئْتَ، قَالَ‏:‏ اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبّي وكِلْتَا يَدَيْ ربّي يَمِينٌ مبَارَكَةٌ ثُمّ بَسَطَهَا فإِذَا فِيها آدَمُ وذُرّيَتُهُ، فَقَال‏:‏ أيْ رَبّ مَا هَؤُلاَءِ قَالَ هَؤُلاَءِ ذُرّيّتُكَ فَإِذَا كلّ إنْسَانٍ مَكْتُوبٌ عُمْرُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَإِذَا فِيهم رَجُلٌ أضْوَأُهُمْ أوْ مِنْ أضْوَئِهِمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ يَا رَبّ مَنْ هَذَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ وَقَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمْرَ أَرْبَعينَ سَنَةً‏.‏ قَالَ‏:‏ يَا رَبّ زِدْهُ في عُمْرِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ ذَاكَ الّذِي كُتِبَتْ لَهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ أيْ رَبّ فَإِنّي قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمْرِي سِتّينَ سَنَةً قَالَ أَنْتَ وَذَاكَ، قَالَ‏:‏ ثُمّ أُسْكِنَ الجَنّةَ مَا شَاءَ الله ثُم اهْبِط مِنْهَا فَكَانَ آدَمُ يَعُدّ لِنَفْسِهِ، قَالَ‏:‏ فَأَتَاهُ مَلَكُ المَوْتِ فَقَالَ لَهُ آدَمُ قَدْ عَجِلْتَ، قَدْ كُتِبَ لِي أَلفُ سَنَةٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ بَلَى وَلَكِنّكَ جَعَلْتَ لابْنِكَ دَاوُدَ سِتّينَ سَنَةً فَجَحَدَ فَجَحَدَتْ ذُرّيّتُهُ وَنَسِيَ فَنَسِيَتْ ذُرّيّتُه‏.‏ قَالَ‏:‏ فَمِنْ يَوْمَئِذٍ أُمِرَ بالكِتَابِ والشّهُودِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوجْهِ وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ من رواية زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب‏)‏ في التقريب الحارث ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن أبي ذباب بضم المعجمة وموحدتين الدوسي بفتح الدال المدني صدوق يهم من الخامسة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏عطس‏"‏ من باب نصر وضرب ‏"‏فقال الحمد لله‏"‏ أي فأراد أن يقول الحمد لله ‏"‏فحمد الله بإذنه‏"‏ أي بأمره وحكمه أو بقضائه وقدره أو بتيسيره وتوفيقه ‏(‏إلى ملأ منهم‏)‏ يحتمل أن يكون بدلاً فيكون من كلام الله تعالى‏.‏ ويحتمل أن يكون حالاً فيكون من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً لكلام الله تعالى وهو إلى الحال أقرب منه إلى البدل، يعني قال الله تعالى أولئك مشيراً به إلى ملأ منهم ‏(‏جلوس‏)‏ بالجر صفة ملأ أي جالسين أو ذوي جلوس ‏"‏فقل السلام عليكم‏.‏ قالوا وعليك السلام ورحمة الله‏"‏ هذا اختصار والتقدير‏:‏ فقل السلام عليكم فذهب آدم إليهم فقال السلام عليكم فقال وعليك السلام ورحمة الله ‏"‏قال‏"‏ أي الرب سبحانه ‏"‏إن هذه‏"‏ أي الكلمات المذكورة ‏"‏وتحية بنيك‏"‏ فيه تغليب أي ذريتك ‏"‏بينهم‏"‏ أي فيما بينهم عند ملاقاتهم فهذه سنة قديمة ‏(‏ويداه مقبوضتان‏)‏ الجملة حال والضمير لله‏.‏ قال القاري‏:‏ مذهب السلف من نفي التشبيه وإثبات التنزيه مع التفويض أسلم انتهى‏.‏ قلت‏:‏ بل هو الصواب ‏(‏اختر أيهما‏)‏ أي من اليدين‏.‏ وفي المشكاة أيتهما وهو الظاهر ‏(‏وكلتا يدي ربي يمين‏)‏ من كلام آدم أو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقوله‏:‏ ‏(‏مباركة‏)‏ صفة كاشفة ‏(‏ثم بسطها‏)‏ أي فتح الرب سبحانه وتعالى يمينه ‏(‏فإذا فيها‏)‏ أي موجود ‏(‏آدم وذريته‏)‏ قال الطيبي‏:‏ يقول النبي صلى الله عليه وسلم يعني رأى آدم مثاله ومثال بنيه في عالم الغيب ‏(‏هؤلاء ذريتك‏)‏ الظاهر من كونهم في اليمين اختصاصهم بالصالحين من أصحاب اليمين والمقربين ويدل عليه أيضاً قوله‏:‏ فإذا كل إنسان الخ ‏(‏فإذا فيهم رجل أضوؤهم‏)‏ فيه دلالة على أن لكلهم ضياء لكنه يختلف فيهم بحسب نور إيمانهم ‏(‏أو من أضوئهم‏)‏ الظاهر أنه شك من الراوي ‏(‏من هذا‏)‏ قال الطيبي ذكر أولاً ما هؤلاء لأنه ما عرف ما رآه ثم لما قيل له هم ذريتك فعرفهم فقال من هذا ‏(‏وقد كتبت له عمر أربعين سنة‏)‏ قال الطيبي‏:‏ قوله عمر أربعين مفعول كتبت ومؤدي المكتوب لأن المكتوب عمره أربعون سنة ونصب أربعين على المصدر على تأويل كتبت له أن يعمر أربعين سنة ‏(‏قال يا رب زده في عمره‏)‏ أي من عندك وفضلك ‏(‏ذاك الذي كتب له‏)‏ بصيغة المجهول، وفي بعض النسخ‏:‏ كتبت بصيغة المتكلم المعلوم‏.‏ قال الطيبي‏:‏ ذاك الذي مبتدأ وخبر معرفتان فيفيد الحصر أي لا مزيد على ذلك ولا نقصان ‏(‏قال‏)‏ يعني آدم ‏(‏أي رب‏)‏ أي يا رب ‏(‏فإني‏)‏ أي إذا أبيت من عندك فإني ‏(‏قد جعلت له من عمري‏)‏ أي من جملة مدة عمري وسنيه ‏(‏ستين سنة‏)‏ أي تكملة للمائة، والظاهر أن المراد بهذا الخبر الدعاء والاستدعاء من ربه أن يجعله سبحانه كذلك فإن أحداً لم يقدر على هذا الجعل، وقوله قد جعلت له من عمري ستين سنة هنا يخالف ما وقع في رواية أبي هريرة في تفسير سورة الأعراف بلفظ‏:‏ زده من عمري أربعين سنة وقد تقدم وجه الجمع هناك ‏(‏قال أنت وذاك‏)‏ قال القاري‏:‏ يحتمل البراءة ويحتمل الإجابة‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ هو نحو قولهم كل رجل وضيعته أي أنت مع مطلوبك مقرونان ‏(‏ثم أسكن‏)‏ بصيغة المجهول من الإسكان ‏(‏ثم أهبط‏)‏ أي أنزل ‏(‏منها‏)‏ أي من الجنة ‏(‏يعد لنفسه‏)‏ أي يقدر له ويراعي أوقات أجله سنة فسنة ‏(‏فأتاه ملك الموت‏)‏ أي امتحاناً بعد تمام تسعتمائة وأربعين سنة ‏(‏قد عجلت‏)‏ بكسر الجيم أي استعجلت وجئت قبل أوانه ‏(‏فجحد‏)‏ أي أنكر آدم ‏(‏فجحدت ذريته‏)‏ أي بناء على أن الولد من سر أبيه ‏(‏ونسي فنسيت ذريته‏)‏ لأن الولد من طينة أبيه والظاهر أن معناه أن آدم نسي هذه القضية فجحد فيكون اعتذاراً له إذا يبعد منه عليه السلام أن ينكر مع التذكر ‏(‏قال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏أمر‏)‏ بصيغة المجهول أي أمر الناس أو الغائب ‏(‏بالكتاب والشهود‏)‏ أي بكتابة القضايا والشهود فيها‏.‏

1900- باب

3496- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ هارُونَ، أخبرنا العَوّامُ بنُ حَوْشَبٍ عَن سُلَيْمَانَ بنِ أبي سُلَيْمانَ عَن أنَسِ بنِ مالِكٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لَمّا خَلَقَ الله الأرْضَ جَعَلَتْ تَمِيدُ فَخَلَقَ الجِبَالَ فعَادَ بِهَا عَلَيْهَا فاسْتَقَرّتْ فَعَجِبَتِ المَلاَئِكَةِ مِنْ شِدّةِ الْجبَالِ فقالُوا يا رَبّ هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدّ مِنَ الجِبَالِ‏؟‏ قالَ نَعَمْ الحدِيدُ‏.‏ فقالُوا يا رَبّ فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدّ مِنَ الحدِيدِ‏؟‏ قالَ نَعَمْ النّارُ، فقالُوا يا رَبّ فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدّ مِنَ النّارِ‏؟‏ قالَ نَعَمْ المَاءُ، قالُوا يا رَبّ فَهَلْ في خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدّ مِنَ المَاءِ‏؟‏ قالَ نَعَمْ الرّيحُ، قالُوا يا رَبّ فَهَلْ في خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدّ منَ الرّيحِ‏؟‏ قالَ نَعَمْ ابنُ آدَمَ تَصَدّقَ بِصَدَقَةٍ بِيَمِينِهِ يُخْفِيهَا مِنْ شِمالِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إلاّ مِنْ هَذَا الْوجهِ‏.‏‏.‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا العوام بن حوشب‏)‏ بن يزيد الشيباني أبو عيسى الواسطي ثقة ثبت فاضل من السادسة ‏(‏عن سليمان بن أبي سليمان‏)‏ الهاشمي مقبول من الثالثة‏.‏ قوله ‏"‏لما خلق الله الأرض‏"‏ أي أرض الكعبة ودحيت وبسطت من جوانبها وبقيت كلوحة على وجه الماء ‏"‏جعلت تميد‏"‏ بالدال المهملة أي شرعت تميل وتتحرك وتضطرب شديدة ولا تستقر حتى قالت الملائكة لا ينتفع الإنس بها ‏"‏فخلق الجبال‏"‏ قيل أولها أبو قبيس ‏"‏فقال بها عليها‏"‏ أي أمر وأشار بكونها واستقرارها عليها ‏"‏فاستقرت‏"‏ أي الجبال عليها أو فثبتت الأرض في مكانها أو ما مادت ولا مالت عن حالها ومحلها‏.‏ قال الطيبي‏:‏ قد مر مراراً أن القول يعبر به عن كل فعل وقرينة اختصاصه اقتصاء المقام فالتقدير ألقى بالجبال على الأرض كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم‏}‏ فالباء زائدة على المفعول كما في قوله تعالى ‏{‏ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة‏}‏ وإيثار القول على الإلقاء والإرسال لبيان العظمة والكبرياء وأن مثل هذا الأمر العظيم يتأتى من عظيم قدرته بمجرد القول، وقيل ضمن القول معنى الأمر أي أمر الجبال قائلاً ارسي عليها، وقيل أي ضرب بالجبال على الأرض حتى استقرت ‏"‏هل من خلقك‏"‏ أي مخلوقاتك ‏"‏قال نعم الحديد‏"‏ فإنه يكسر به الحجر ويقلع به الجبال ‏"‏النار‏"‏ فإنها تلين الحديد وتذيبه ‏"‏قال نعم الماء‏"‏ لأنه يطفئ النار ‏"‏قال نعم الريح‏"‏ من أجل أنها تفرق الماء وتنشقه‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ فإن الريح تسوق السحاب الحامل للماء ‏"‏نعم ابن آدم تصدق بصدقه الخ‏"‏ أي التصدق من بني آدم أشد من الريح ومن كل ما ذكر‏.‏ وذلك لأن فيه مخالفة النفس وقهر الطبيعة والشيطان ولا يحصل ذلك من شيء مما ذكر، أو لأن صدقته تطفئ غضب الرب، وغضب الله تعالى لا يقابله شيء في الصعوبة والشدة، وإذا فرض نزول عذاب الله بالريح على أحد وتصدق في السر على أحد تدفع العذاب المذكور فكان أشد من الريح، قاله في اللمعات‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ فإن من جبلة ابن آدم القبض والبخل الذي هو من طبيعة الأرض‏.‏ ومن جبلته الاستعلاء وطلب انتشار الصيت وهما من طبيعتي النار والريح فإذا راغم بالإعطاء جبلته الأرضية وبالإخفاء جبلته النارية والريحية كان أشد من الكل انتهى‏.‏

اعلم أن إيراد الترمذي هذين البابين في آخر التفسير كإيراده أحاديث شتى في آخر أبواب الدعوات، فحديث أبي هريرة في الباب الأول يتعلق بقوله تعالى ‏{‏ولقد عهدنا إلى آدم‏}‏ أي وصيناه أن لا يأكل من الشجرة ‏(‏من قبل‏)‏ أي قبل أكله منها ‏{‏فنسي‏}‏ أي عهدنا ‏{‏ولم نجد له عزما‏}‏ جزما وصبرا عما نهيناه عنه‏.‏ قال الطيبي تحت قوله ونسي فنسيت ذريته‏:‏ يشير إلى قوله تعالى ‏{‏ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما‏}‏ وحديث أنس بن مالك في الباب الثاني يتعلق بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم‏}‏‏.‏

47- كتاب الدعوات عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

بفتح المهملتين جمع الدعوة بفتح أوله بمعنى الدعاء وهو طلب الأدنى بالقول من الأعلى شيئاً على جهة الاستكانة‏.‏ قال النووي‏:‏ أجمع أهل الفتاوي في الأمصار في جميع الاعصار على استحباب الدعاء، وذهب طائفة من الزهاد وأهل المعارف إلى أن تركه أفضل استسلاماً، وقال جماعة إن دعا للمسلمين فحسن وإن خص نفسه فلا، وقيل إن وجد باعثاً للدعاء استجب وإلا فلا، ودليل الفقهاء ظواهر القرآن والسنة والأخبار الواردة عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين انتهى ‏(‏عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي المأثورة عنه ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ لم يقع البسملة هنا في بعض النسخ‏.‏

1901- باب ما جاء في فضل الدعاء

3497- حدثنا عَبّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيمِ العَنْبَرِيّ وغير واحد قالوا، حدثنا أَبُو دَاوُدَ الطّيَالِسيّ، حدثنا عِمْرَانُ القَطّانُ عَن قَتَادَةَ عَن سَعِيدِ بنِ أَبِي الحَسَنِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ‏:‏ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى الله تَعَالَى مِنَ الدّعَاءِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حسنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إِلاّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ القَطّانِ‏.‏ وعِمْرَانُ القَطّانُ هُوَ ابنُ داود وَيُكَنّى أَبا العَوّامِ‏.‏

3498- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا عَبْدُ الرحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ عَنِ عِمْرَانَ القَطّانِ بِهذا الإسناد نحوه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد بن أبي الحسن‏)‏ البصري هو أخو الحسن البصري ثقة من أوساط التابعين واسم أبيه يسار‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏ليس شيء‏"‏ أي من الأذكار والعبادات فلا ينافيه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن أكرمكم عند الله أتقاكم‏}‏ ‏"‏أكرم‏"‏ بالنصب خبر ليس أي أفضل ‏"‏على الله‏"‏ أي عند الله ‏"‏من الدعاء‏"‏ لأن فيه إظهار الفقر والعجز والتذلل والاعتراف بقوة الله وقدرته‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عمران القطان‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم وقال صحيح وأقره الذهبي ‏(‏وعمران القطان هو ابن داور ويكنى أبا العوام‏)‏ لم تقع هذه العبارة في بعض النسخ‏.‏

1902- باب منه

3499- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ عَن ابنِ لَهِيعَةَ عَن عُبَيْدِ الله بنِ أَبي جَعْفَرٍ عَن أَبَانَ بنِ صَالِحٍ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏الدّعَاءُ مُخّ العِبَادَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجِه لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ لَهِيعَةَ‏.‏

3500- حدثنا أَحْمَدُ بنَ مَنِيعٍ، حدثنا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ عَن الأَعْمَشِ عَن ذَرّ عَن يُسَيَ عَن النّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏الدّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ‏.‏ ثُمّ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏وقَالَ رَبّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلونَ جَهَنّمَ دَاخِرينَ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَاهُ مَنْصُورٌ والأعْمَشُ عَنْ ذَرّ وَلاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ هو ذَرٍ بن عبد الله الهمداني ثقة وابن عمر بن ذرّ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله بن أبي جعفر‏)‏ قال في هامش النسخة الأحمدية في نسخة المنقول عنه وأمثاله عبد الله مكبراً وفي بعض النسخ الصحيحة عبيد الله مصغراً وهو الذي يظهر من التقريب بعد التأمل وإمعان النظر انتهى‏.‏ قلت‏:‏ عبد الله بن أبي جعفر مكبراً ليس من رجال جامع الترمذي بل هو من رجال أبي داود، وعبيد الله بن أبي جعفر مصغراً من رجال الصحاح الستة فتعين أن النسخ التي فيها عبيد الله بالتصغير هي الصحيحة وكونه في بعض النسخ عبد الله بالتكبير غلط صريح، وعبيد الله بن أبي جعفر هذا مصري يكنى أبا بكر ثقة وقيل عن أحمد إنه لينه وكان فقيهاً عابداً‏.‏ قال أبو حاتم هو مثل يزيد بن أبي حبيب من الخامسة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏الدعاء مخ العبادة‏"‏ المخ بالضم نقي العظم والدماغ وشحمة العين وخالص كل شيء، والمعنى أن الدعاء لب العبادة وخالصها لأن الداعي‏.‏ إنما يدعو الله عند انقطاع أمله مما سواه وذلك حقيقة التوحيد والإخلاص ولا عبادة فوقهما‏.‏ قال ابن العربي‏:‏ وبالمخ تكون القوة للأعضاء فكذا الدعاء مخ العبادة به تتقوى عبادة العابدين فإنه روح العبادة‏.‏ قال بعض المفسرين في قوله تعالى ‏{‏إن الذين يستكبرون عن عبادتي‏}‏ أي عن دعائي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة‏)‏ وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره كما صرح به الترمذي في باب الرخصة في استقبال القبلة بغائط أو بول ومع ضعفه فهو مدلس يدلس عن الضعفاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ذر‏)‏ بن عبد الله المرهبي ‏(‏عن يسيع‏)‏ الكندي‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏الدعاء هو العبادة‏"‏ قال ميرك أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام ليدل على الحصر في أن العبادة ليست غير الدعاء مبالغة ومعناه أن الدعاء معظم العبادة كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الحج عرفة‏"‏‏.‏ أي معظم أركان الحج الوقوف بعرفة، أو المعنى أن الدعاء هو العبادة سواء استجيب أو لم يستجب لأنه إظهار العبد العجز والاحتياج من نفسه والاعتراف بأن الله تعالى قادر على إجابته كريم لا بخل له ولا فقر ولا احتياج له إلى شيء حتى يدخر لنفسه ويمنعه من عباده وهذه الأشياء هي العبادة بل مخها انتهى ثم قرأ‏:‏ ‏{‏وقال ربكم ادعوني أستجب لكم‏}‏ قيل استدل بالاَية على أن الدعاء عبادة لأنه مأمور به والمأمور به عبادة وقال القاضي استشهد بالاَية لدلالتها على أن المقصود يترتب عليه ترتب الجزاء على الشرط والمسبب على السبب ويكون أتم العبادات ويقرب من هذا قوله مخ العبادة أي خالصها ‏{‏إن الذين يستكبرون عن عبادتي‏}‏ أي من دعائي كذا فسره الحافظ ابن كثير وغيره من المفسرين ‏{‏سيدخلون جهنم داخرين‏}‏ أي صاغرين ذليلين‏.‏ قال الشيخ تقي الدين السبكي‏:‏ الأولى حمل الدعاء في الاَية على ظاهره وأما قوله بعد ذلك عن عبادتي فوجه الربط أن الدعاء أخص من العبادة فمن استكبر عن العبادة استكبر عن الدعاء، وعلى هذا الوعيد إنما هو في حق من ترك الدعاء استكباراً ومن فعل ذلك كفر، وأما من تركه لمقصد من المقاصد فلا يتوجه إليه الوعيد المذكور‏.‏ وإن كنا نرى أن ملازمة الدعاء والاستكثار منه أرجح من الترك لكثرة الأدر الواردة في الحث عليه انتهى‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ معنى حديث النعمان أن تحمل العبادة على المعنى اللغوي إذ الدعاء هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له وما شرعت العبادات إلا للخضوع للباري وإظهار الافتقار إليه ولهذا ختم الاَية بقوله‏:‏ ‏{‏إن الذين يستكبرون عن عبادتي‏}‏ حيث عبر عن عدم التذلل والخضوع بالاستكبار ووضع عبادتي موضع دعائي وجعل جزاء ذلك الاستكبار الصغار والهوان انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد وابن أبي شيبة وأخرجه الترمذي أيضاً في تفسير سورة البقرة وفي تفسير سورة المؤمن‏.‏

1903- باب منه

3501- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا حَاتِمُ بنُ إِسْمَاعِيلَ عَن أبي المَلِيحِ عَنْ أَبي صَالِحٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إِنّهُ مَنْ لَمْ يَسْألِ الله يَغْضَبْ عَلَيْهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَن أَبي المَليحِ هَذَا الحَدِيثَ وَلاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ وأبو المليح اسمه صبيح سمعت محمداً يقوله وقال يقال له الفارسيّ

3502- حدثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا أَبُو عاصِمٍ عَن حُمَيْد بن أبي المَلِيحِ عَن أَبي صَالحٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي المليح‏)‏ الفارسي المدني الخواط إسمه صبيح وقيل حميد روى عن أبي صالح الخوزي وعنه حاتم بن إسماعيل وغيره وروى عنه أبو عاصم وسماه حميداً‏.‏ قال مضر بن محمد عن ابن معين ثقة وذكره ابن حبان في الثقات كذا في تهذيب التهذيب ‏(‏عن أبي صالح‏)‏ الخوزي بضم الخاء المعجمة وسكون الواو ثم زاي لين الحديث من الثالثة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏إنه‏"‏ الضمير للشأن ‏"‏من لم يسأل الله يغضب عليه‏"‏ لأن ترك السؤال تكبر واستغناء وهذا لا يجوز للعبد، ونعم ما قيل الله بغضب إن تركت سؤاله وترى ابن آدم حين يسأل يغضب‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ وذلك لأن الله يحب أن يسأل من فضله فمن لم يسأل الله يبغضه والمبغوض مغضوب عليه لا محالة انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى وكيع‏)‏ هو ابن الجراح ‏(‏عن غير واحد عن أبي المليح هذا الحديث‏)‏ ورواه ابن ماجة في سننه عن وكيع عن أبي المليح بغير واسطة حيث قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا حدثنا وكيع حدثنا أبو المليح المدني سمعت أبا صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من لم يدع الله غضب عليه‏"‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو عاصم‏)‏ إسمه الضحاك بن مخلد النبيل ‏(‏عن حميد أبي المليح‏)‏ بضم الحاء مصغراً كما سماه حميداً وقيل إسمه صبيح كما تقدم، وحديث الباب أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن ماجة والحاكم والبزار كلهم عن أبي هريرة كذا في الفتح‏.‏

1904- باب ما جاء في فضل الذكر

أي ذكر الله تعالى والمراد بالذكر هنا الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها مثل الباقيات الصالحات وهي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار ونحو ذلك والدعاء بخيري الدنيا والاَخرة، ويطلق ذكر الله أيضاً ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن وقراءة الحديث ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة، ثم الذكر يقع تارة باللسان ويؤجر عليه الناطق ولا يشترط استحضاره لمعناه ولكن يشترط ألا يقصد به غير معناه ولمن إنضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل فإن إنضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى ونفي النقائص عنه إزداد كمالاً فإن وقع ذلك في عمل صالح مهما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما إزداد كمالاً، فإن صحح التوبة وأخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال كذا في الفتح

3503- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ حدثنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ عَن مُعَاوِيَةَ بنِ صَالح عَن عَمْرِو بنِ قَيْسٍ عَن عَبْدِ الله بنِ بُسْرٍ رضي الله عنه أَنّ رَجُلاً قَالَ ‏"‏يا رَسُولَ الله إنّ شَرَائِعَ الإسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيّ فأخبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبّثُ بِهِ، قالَ‏:‏ لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ الله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حسن غَرِيبٌ مِنَ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن معاوية بن صالح‏)‏ بن حضير الحضرمي ‏(‏عن عمرو بن قيس‏)‏ الكندي السكوئي ‏(‏عن عبد الله بن بسر‏)‏ بضم الموحدة وسكون المهملة المازني صحابي صغير ولأبيه صحبة مات سنة ثمان وثمانين وقيل ست وتسعين وله مائة سنة وهو آخر من مات بالشام من الصحابة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إن شرائع الإسلام‏)‏ قال الطيبي‏:‏ الشريعة مورد الإبل على الماء الجاري والمراد ما شرع الله وأظهره لعباده من الفرائض والسنن انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ الظاهر أن المراد بها هنا النوافل لقوله‏:‏ ‏(‏قد كثرت علي‏)‏ بضم المثلثة ويفتح أي غلبت علي بالكثرة حتى عجزت عنها لضعفي ‏(‏فأخبرني بشيء‏)‏ قال الطيبي‏:‏ التنكير في بشيء للتقليل المتضمن لمعنى التعظيم كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ورضوان من الله أكبر‏}‏ ومعناه أخبرني بشيء يسير مستجلب لثواب كثير قال القاري وإلا ظهر أن التنوين لمجرد التنكير انتهى‏.‏ قلت‏:‏ بل الأظهر هو ما قال الطيبي فتأمل ‏(‏أتشبث به‏)‏ أي أتعلق به وأستمسك ولم يرد أنه يترك شرائع الإسلام رأساً بل طلب ما يتشبث به بعد الفرائض عن سائر ما لم يفترض عليه قاله الطيبي‏:‏ ‏"‏قال لا يزال‏"‏ أي هو أنه لا يزال ‏(‏لسانك رطباً من ذكر الله‏)‏ أي طرياً مشتغلاً قريب العهد منه وهو كناية عن المداومة على الذكر‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد‏.‏

1905- باب منه

3504- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ عَن دَرّاجٍ عَن أبي الْهَيْثَمِ عَن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ ‏"‏أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ أيّ العِبَادِ أفْضَلُ دَرَجَةً عِنْدَ الله يَوْمَ القِيَامَةِ‏؟‏ قالَ‏:‏ الذّاكِرُونَ الله كَثِيراً والذاكرات قالَ‏:‏ قلت‏:‏ يا رَسُولَ الله وَمَنِ الغَازِي في سَبِيلِ الله‏؟‏ قالَ‏:‏ ‏"‏لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ في الكُفّارِ والمُشْرِكِينَ حَتّى يَنْكَسِرَ وَيَخْتَضِبَ دَماً لَكَانَ الذّاكِرُونَ الله كَثِيراً أفْضَلَ مِنْهُ دَرَجَةً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ دَرّاجٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أي العباد أفضل درجة‏)‏ وفي رواية أحمد أي العباد أفضل وأرفع درجة ‏"‏قال الذاكرون‏"‏ كذا في بعض النسخ بالواو وكذلك في رواية أحمد وهو الظاهر، ووقع في بعضهما الذاكرين بالياء وهو على الحكاية قال الله عز وجل ‏{‏إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات‏}‏- إلى قوله- ‏{‏والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً‏}‏ قيل المراد بهم المداومون على ذكره وفكره والقائمون بالطاعة المواظبون على شكره، وقيل المراد بهم الذين يأتون بالأذكار الواردة في جميع الأحوال والأوقات ‏(‏ومن الغازي في سبيل الله‏)‏ أي الذاكرون أفضل من غيرهم ومن الغازي أيضاً قال ذلك تعجباً ‏(‏قال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه ‏"‏لو ضرب‏"‏ أي الغازي ‏"‏بسيفه في الكفار‏"‏ هذا من قبيل يجرج في عراقيبها نصلي حيث جعل المفعول به مفعولاً فيه مبالغة أن يوجد فيهم الضرب ويجعلهم مكاناً للضرب بالسيف لأن جعلهم مكاناً للضرب أبلغ من جعلهم مضروبين به فقط ‏"‏والمشركين‏"‏ تخصيص بعد تعميم اهتماماً بشأنهم فإنهم ضد الموحدين ‏"‏حتى ينكسر‏"‏ أي سيفه ‏"‏ويختضب‏"‏ أي هو أو سيفه ‏"‏دما‏"‏ وهو كناية عن الشهادة ‏"‏أفضل منه‏"‏ أي من الغازي ‏"‏درجة‏"‏ تحتمل الوحدة أي بدرجة واحدة عظيمة وتحتمل الجنس أي بدرجات متعددة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أحمد، وقال المنذري في الترغيب‏:‏ ورواه البيهقي مختصراً قال قيل‏:‏ يا رسول الله أي الناس أعظم درجة قال ‏"‏الذاكرون الله‏"‏‏.‏

1906- باب منه

3505- حدثنا الحُسَيْنُ بنُ حرَيْثٍ، حدثنا الفَضْلُ بنُ مُوسى عَن عبْدِ الله بنِ سَعِيدٍ هُوَ ابنُ أَبِي هِنْدٍ عَن زِيَادٍ مَوْلَى ابنِ عَيّاشٍ عن أبي بَحْرِيّةَ عن أبي الدّرْدَاءِ رضي الله عنه قالَ قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَلاَ أُنَبّئُكُمْ بِخَيْرِ أعمَالِكُمْ وأزْكَاها عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وأَرْفَعِهَا في دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أنْ تَلْقَوْا عَدُوّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أعْنَاقَكُمْ‏؟‏ قالُوا بَلَى، قالَ ذِكْرُ الله تَعَالَى‏"‏ فقالَ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ رضي الله عنه ما شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ الله مِنْ ذِكْرِ الله‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَن عَبْدِ الله بنِ سَعيدٍ مِثْلَ هَذَا بِهَذَا الإسْنَادِ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْهُ فَأرْسَلَهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن زياد‏)‏ هو ابن زياد ميسرة المخزومي المدني ثقة عابد من الخامسة ‏(‏عن أبي بحرية‏)‏ بفتح الموحدة وسكون الحاء المهملة وتشديد التحتانية هو عبد الله بن قيس الكندي السكوني حمصي مشهور مخضرم ثقة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏ألا أنبئكم‏"‏ أي ألا أخبركم ‏"‏وأزكاها‏"‏ أي أنماها وأنقاها، والزكاء الئماء والبركة ‏"‏عند مليككم‏"‏ المليك بمعنى المالك للمبالغة، وقال في القاموس الملك ككتف وأمير وصاحب والملك ‏"‏وخير لكم من إنفاق الذهب والورق‏"‏ بكسر الراء ويسكن أي الفضة، وقال الطيبي‏:‏ قوله وخير مجرور عطفاً على خير أعمالكم من حيث المعنى لأن المعنى ألا أنبئكم بما هو خير لكم من بذل أموالكم وأنفسكم في سبيل الله انتهى، وقيل عطف على خير أعمالكم عطف خاص على عام لأن الأول خير الأعمال مطلقاً وهذا خير من بذل الأموال والأنفس أو عطف مغاير بأن يراد بالأعمال الأعمال اللسانية فيكون ضد هذا لأن بذل الأموال والنفوس من الأعمال الفعلية ‏"‏قال ذكر الله‏"‏ قال شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام في قواعده‏:‏ هذا الحديث مما يدل على أن الثواب لا يترتب على قدر النصب في جميع العبادات بل قد يأجر الله تعالى على قليل الأعمال أكثر مما يأجر على كثيرها فإذاً الثواب يترتب على تفاوت الرتب في الشرف انتهى‏.‏ وحديث أبي الدرداء هذا أخرجه أيضاً مالك في الموطإ وأحمد في المسند وابن ماجة والحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان وابن شاهين في الترغيب في الذكر كلهم من حديث أبي الدرداء إلا أن مالكاً في الموطإ وقفه عليه وقد صححه الحاكم في المستدرك‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله‏)‏ من الأولى صلة أنجى والثانية تفضيلية‏.‏ إعلم أن قوله قال معاذ بن جبل متصل بما قبله ففي الموطإ مالك عن زياد بن أبي زياد قال قال أبو الدرداء ألا أخبركم بخير أعمالكم لكم وأرفعها في درجاتكم‏؟‏ إلى قوله قالوا بلى‏.‏ قال ذكر الله تعالى‏.‏ قال زياد بن أبي زياد وقال أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله‏.‏ وروى أحمد والبيهقي وابن عبد البر قول معاذ هذا مرفوعاً ‏(‏وقد روى بعضهم هذا الحديث عن عبد الله بن سعيد‏)‏ كيحيى بن سعيد ومكي عند أحمد والمغيرة بن عبد الرحمن عند ابن ماجة‏.‏

1907- باب مَا جَاءَ في القَوْمِ يَجْلِسُونَ فَيَذْكُرُونَ الله عز وجلّ مَا لَهُمْ مِنَ الفَضْل

3506- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، أخبرنا سُفْيَانُ عَن أَبِي إِسْحَاقَ عَن الأغَرّ أَبي مُسْلِمٍ أَنّهُ شَهِدَ عَلَى أَبي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيد الخدْرِيّ أنّهُمَا شَهِدَا عَلَى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أنّهُ قالَ‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ الله إلاّ حَفّتْ بِهِمْ المَلاَئِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرّحْمَةُ ونَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ الله فيمَنْ عِنْدَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3507- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا مَرْحُومُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ العَطّارُ حدثنا أبُو نَعَامَةَ عَن أَبي عُثْمَانَ النّهْدِيّ عَن أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ قالَ‏:‏ ‏"‏خَرَجَ مُعَاوِيَةُ إِلى المَسْجِدِ فقالَ‏:‏ ما يُجْلِسُكُمْ‏؟‏ قالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ الله، قالَ‏:‏ الله مَا أجْلَسَكُمْ إِلاّ ذَاكَ‏؟‏ قالُوا والله ما أجْلَسَنَا إلاّ ذَاكَ، قالَ‏:‏ أَمَا إِنّي لَمْ أسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَمَا كَانَ أَحَدٌ بَمَنْزِلَتِي مِنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أقَلّ حَدِيثاً عَنْهُ مِنّي‏.‏ إِنّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أصْحَابِهِ فقالَ‏:‏ ما يُجْلِسُكُمْ‏؟‏ قالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ الله وَنَحْمَدُهُ لِمَا هَدَانا للإسْلاَمِ وَمَنّ عَلَيْنَا بِهِ‏.‏ فقالَ الله ما أجْلَسَكُمْ إلاّ ذَاكَ‏؟‏ قَالُوا الله ما أجْلَسَنَا إِلاّ ذَاكَ‏.‏ قالَ‏:‏ أمَا أَنّي لَمْ أسْتَحْلِفْكُمْ لِتُهْمَةٍ لَكُمْ إنّهُ أتَانِي جِبْرِيلُ فَأخْبَرَنِي أنّ الله يُبَاهِي بِكُم الملاَئِكَةَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حسن غَريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ وأبُو نَعَامَةَ السّعْدِيّ اسْمُهُ عَمْرُو بنُ عِيسَى، وأَبُو عُثْمَانَ النّهْدِيّ اسْمُهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مُلّ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن الأغر أبي مسلم‏)‏ بفتح الهمزة والغين المعجمة وبالراء الثقيلة، قال في التقريب الأغر أبّو مسلم المديني نزيل الكوفة ثقة من الثالثة وهو غير سلمان الأغر الذي يكنى أبا عبد الله‏.‏ وقد قلبه الطبراني فقال إسمه مسلم ويكنى أبا عبد الله ‏(‏أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد الخدري‏)‏ ظاهر في أنه سمعه منهما قال ابن التين أراد بهذا اللفظ التأكيد للرواية انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏إلا حفت بهم الملائكة‏"‏ أي أحاطت بهم الملائكة الذين يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر ‏"‏وغشيتهم الرحمة‏"‏ أي غطتهم الرحمة ‏"‏ونزلت عليهم السكينة‏"‏ أي الطمأنينة والوقار لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ألا بذكر الله تطمئن القلوب‏}‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم‏}‏ ووقع في حديث عند مسلم‏:‏ وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة الحديث‏.‏ قال النووي في شرح مسلم في شرح هذا الحديث قيل المراد بالسكينة ههنا الرحمة وهو اختاره القاضي عياض وهو ضعيف لعطف الرحمة عليه، وقيل الطمأنينة والوقار وهو أحسن‏.‏ قال وفي هذا دليل لفضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال في مالك يكره وتأوله بعض أصحابه ويلتحق بالمسجد في تحصيل هذه الفضيلة الاجتماع في مدرسة ورباط ونحوهما إن شاء الله تعالى‏.‏ ويدل عليه الحديث الذي بعده فإنه مطلق يتناوله جميع المواضع ويكون التقييد في هذا الحديث خرج على الغالب لا سيما في ذلك الزمان فلا يكون له مفهوم يعمل به انتهى‏.‏ قلت‏:‏ أراد بالحديث الذي بعده حديث الباب الذي ئحن في شرحه فإنه قد أخرجه مسلم أيضاً ‏"‏وذكرهم الله فيمن عنده‏"‏ أي ذكرهم الله مباهاة وافتخاراً بهم بالثناء الجميل عليهم وبوعد الجزاء الجزيل لهم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجة وأبو داود الطيالسي وعبد بن حميد وأبو يعلى الموصلي وابن حبان وابن أبي شيبة وابن شاهين في الترغيب في الذكر‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا مرحوم بن عبد العزيز‏)‏ بن مهران الأموي أبو محمد البصري ثقة من الثامنة ‏(‏خرج معاوية‏)‏ بن أبي سفيان ‏(‏إلى المسجد‏)‏ وفي رواية مسلم خرج معاوية على حلقة في المسجد ‏(‏فقال ما يجلسكم‏)‏ ما استفهامية، وفي رواية مسلم‏:‏ ما أجلسكم والمعنى ما السبب الداعي إلى جلوسكم ‏(‏قال الله‏)‏ بالمد والجر‏.‏ قال السيد جمال الدين‏:‏ قيل الصواب بالجر لقول المحقق الشريف في حاشيته همزة الاستفهام وقعت بدلاً عن حرف القسم ويجب الجر معها انتهى‏.‏ وكذا صحح في أصل سماعنا من المشكاة ومن صحيح مسلم‏.‏ ووقع في بعض نسخ المشكاة بالنصب انتهى كلامه‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ قيل الله بالنصب أي أتقسمون بالله فحذف الجار وأوصل الفعل ثم حذف الفعل كذا في المرقاة ‏(‏قال‏)‏ أي معاوية ‏(‏أما‏)‏ بالتخفيف للتنبيه ‏(‏تهمة لكم‏)‏ بسكون الهاء ويفتح قال في النهاية التهمة وقد تفتح الهاء فعلة من الوهم والتاء بدل من الواو تهمته ظننت فيه ما نسب إليه أي ما أستحلفكم تهمة لكم بالكذب لكني أردت المتابعة والمشابهة فيما وقع له صلى الله عليه وسلم مع الصحابة، وقدم بيان قربه منه عليه الصلاة والسلام وقلة نقلته من أحاديثه دفعاً لتهمة الكذب عن نفسه في ما ينقله فقال ‏(‏وما كان أحد بمنزلتي‏)‏ أي بمرتبة قربي ‏(‏من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ لكونه محرماً لأم حبيبة أخته من أمهات المؤمنين ولكونه من أجلاء كتبة الوحي ‏(‏أقل‏)‏ خبر كان ‏(‏حديثاً عنه‏)‏ أي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏منى‏)‏ أي لاحتياطي في الحديث وإلا كان مقتضي منزلته أن يكون كثير الرواية ‏(‏ومن‏)‏ قعل ماضي من المن من باب نصر أي أنعم ‏(‏علينا‏)‏ أي من بين الأنام كما حكى الله تعالى عن مقول أهل دار السلام ‏{‏الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله‏}‏ ‏(‏به‏)‏ أي بالإسلام ‏(‏فقال آلله ما أجلسكم إلا ذاك‏)‏ لعله أراد به الإخلاص ‏(‏قال أما إني لم أستحلفكم لتهمة لكم‏)‏ لأنه خلاف حسن الظن بالمؤمنين‏.‏ قال الطيبي أي فأردت أن أتحقق ما هو السبب في ذلك، فالتحليف لمزيد التقرير والتأكيد لا التهمة كما هو الأصل في وضع التحليف فإن من لا يتهم لا يحلف انتهى ‏(‏إنه‏)‏ أي الشأن، وفي رواية مسلم ولكنه ‏{‏أن الله يباهي بكم الملائكة‏}‏ قيل معنى المباهاة بهم أن الله تعالى يقول لملائكته أنظروا إلى عبيدي هؤلاء كيف سلطت عليهم نفوسهم وشهواتهم وأهويتهم والشيطان وجنوده ومع ذلك قويت همتهم على مخالفة هذه الدواعي القوية إلى البطالة وترك العبادة والذكر فاستحقوا أن يمدحوا أكثر منكم لأنكم لا تجدون للعبادة مشقة بوجه، وإنما هي منكم كالتنفس منهم ففيها غاية الراحة والملاءمة للنفس‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه مسلم والنسائي ‏(‏وأبو نعامة السعدي إسمه عمرو بن عيسى‏)‏ قال في التقريب أبو نعامة السعدي إسمه عبد ربه وقيل عمرو ثقة من السادسة‏.‏

1908- باب في القَوْمِ يَجْلِسُونَ وَلاَ يَذْكُرُونَ الله

3508- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ حدثنا سُفْيَانُ عَن صَالِحٍ مَوْلَى التّوْأمَةِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُوا الله فِيهِ وَلَمْ يُصَلّوا عَلَى نَبِيّهِمْ إِلاّ كانَ عَلَيْهِمْ تَرِةً فإِنْ شَاءَ عَذّبَهمْ وَإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجُهٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏ولم يصلوا على نبيهم‏"‏ تخصيص بعد تعميم ‏"‏إلا كان‏"‏ أي ذلك المجلس ‏"‏عليهم ترة‏"‏ بكسر التاء وتخفيف الراء تبعة ومعاتبة أو نقصاناً وحسرة من وتره حقه نقصه وهو سبب الحسرة، ومنه قوله تعالى ‏"‏لن يتركم أعمالكم‏"‏ والهاء عوض عن الواو المحذوفة مثل عدة وهو منصوب على الخبرية ‏"‏فإن شاء عذبهم‏"‏ أي بذنوبهم السابقة وتقصيراتهم اللاحقة ‏"‏وإن شاء غفر لهم‏"‏ أي فضلاً منه ورحمة وفيه إيماء بأنهم إذا ذكروا الله لم يعذبهم حتماً بل يغفر لهم جزماً، ووقع في هامش النسخة الأحمدية هذه العبارة ومعنى قوله ترة يعني حسرة وندامة‏.‏ وقال بعض أهل المعرفة بالعربية الترة هو النار‏.‏ كذا في نسخة انتهى ما في هامشها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه أبو داود والترمذي واللفظ له وقال حديث حسن، ورواه بهذا اللفظ ابن أبي الدنيا والبيهقي‏.‏

1909- باب ما جَاءَ أَنّ دَعْوَةَ المُسْلِمِ مُسْتَجَابَة

لكن الإجابة تتنوع، فروى أحمد في مسنده عن أبي سعيد مرفوعاً‏:‏ ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الاَخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها‏.‏ وروى الترمذي في أواخر الدعوات عن أبي هريرة مرفوعاً‏:‏ ‏"‏ما من رجل يدعو الله بدعاء إلا استجيب له، فإما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الاَخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا‏"‏‏.‏‏.‏ الحديث

3509- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ عَنْ أبي الزّبَيْرِ عَن جَابِرٍ قالَ‏:‏ ‏"‏سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو بِدُعَاءٍ إِلاّ آتَاهُ الله مَا سَألَ أَوْ كفّ عَنْهُ مِنْ السُوءِ مِثْلَهُ مَا لَمْ يَدْعُ بإِثْمٍ أوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عَنْ أبي سَعِيدٍ وعُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ‏.‏

3510- حدثنا مُحمّدُ بنُ مَرْزُوقٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ وَاقِدٍ، أخبرنا سَعِيدُ بنُ عَطِيّةَ اللّيْثِيّ عَن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏مَنْ سَرّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ الله لَهُ عِنْدَ الشّدَائِدِ والكُرَبِ فَلْيُكْثِرِ الدّعَاءَ في الرّخَاءِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏

3511- حدثنا يَحْيَى بنُ حَبِيبٍ بنِ عَرَبِيّ حدثنا مُوسَى بنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ كَثِيرٍ الأنْصَارِيّ قالَ سَمِعْتُ طَلْحَةَ بنَ خِرَاشٍ قالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله رضي الله عنهما يَقُولُ سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ‏:‏ ‏"‏أَفْضَلُ الذّكْرِ لا إلهَ إلاّ الله وَأَفْضَلُ الدّعَاءِ الحمْدُ لله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَديثِ مُوسَى بنِ إبْرَاهيمَ‏.‏ وَقَدْ رَوى عَلِيّ بنُ المَدِينيّ وغَيْرُ واحِدٍ عَنْ مُوسَى بنِ إبرَاهيمَ هَذَا الْحَدِيثَ‏.‏

3512- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ ومُحمّدُ بنُ عُبَيْدٍ المُحَارِبيّ قالاَ‏:‏ حدثنا يَحْيَى بنُ زَكَرِيّا بنِ أَبي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَن خَالِدِ بنِ سَلَمَةَ عن البَهِيّ عَنْ عُرْوَةَ عَن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ‏:‏ ‏"‏كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الله عَلَى كُلّ أَحْيَانِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حسن غَرِيبٌ‏.‏ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بنِ زَكَرِيّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ‏.‏ وَالبَهِيّ اسْمُهُ عَبْدُ الله‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏إلا آتاه الله ما سأل‏"‏ أي إن جرى في الأزل تقدير إعطائه ما سأل ‏"‏أو كف عنه من السوء مثله‏"‏ أي دفع عنه من البلاء عوضاً مما منع قدر مسئوله إن لم يجر التقدير ‏"‏ما لم يدع بإثم‏"‏ أي بمعصية ‏"‏أو قطيعة رحم‏"‏ تخصيص بعد تعميم‏.‏ إعلم أن لإجابة الدعاء شروطاً منها الإخلاص لقوله تعالى‏:‏ ‏"‏فادعوا الله مخلصين له الدين‏"‏، ومنها أن لا يكون فيه إثم ولا قطيعة رحم لحديث جابر هذا، ومنها أن يكون طيب المطعم والملبس لحديث أبي هريرة عند مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك، ومنها أن لا يستعجل لحديث أبي هريرة الاَتي في باب من يستعجل في دعائه‏.‏ والحديث سكت عنه الترمذي وفي إسناده ابن لهيعة‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي سعيد وعبادة بن الصامت‏)‏ أما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد وصححه الحاكم وتقدم لفظه آنفاً، وأما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه الترمذي وسيأتي في أحاديث شتى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا سعيد بن عطية الليثي‏)‏ أبو سلمة مقبول من السادسة‏.‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ روى له الترمذي حديثاً واحداً في الدعاء‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏من سره‏"‏ أي أعجبه وفرح قلبه وجعله مسروراً ‏"‏أن يستجيب الله له عند الشدائد‏"‏ جمع الشديدة وهي الحادثة الشاقة ‏"‏والكرب‏"‏ بضم الكاف وفتح الراء جمع الكربة وهي الغم الذي يأخذ بالنفس ‏"‏فليكثر الدعاء في الرخاء‏"‏ بفتح الراء أي في حالة الصحة والفراغ والعافية لأن من شيمة المؤمن أن يريش السهم قبل أن يرمي ويلتجيء إلى الله قبل الإضطرار‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الحاكم وقال صحيح وأقره الذهبي وأخرجه الحاكم أيضاً من حديث سلمان وقال صحيح الإسناد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏أفضل الذكر لا إله إلا الله‏"‏ لأنها كلمة التوحيد والتوحيد لا يماثله شيء وهي الفارقة بين الكفر والإيمان، ولأنها أجمع للقلب مع الله وأنفى للغير وأشد تزكية للنفس وتصفية للباطن وتنقية للخاطر من خبث النفس وأطرد للشيطان ‏"‏وأفضل الدعاء الحمد لله‏"‏ لأن الدعاء عبارة عن ذكر الله وأن تطلب منه الحاجة والحمد يشملهما، فإن من حمد الله يحمده على نعمته والحمد على النعمة طلب المزيد وهو رأس الشكر، قال تعالى‏:‏ ‏{‏لئن شكرتم لأزيدنكم‏}‏ ويمكن أن يكون قوله الحمد لله من باب التلميح والإشارة إلى قوله‏:‏ ‏{‏إهدنا الصراط المستقيم‏}‏ وأي دعاء أفضل وأكمل وأجمع من ذلك كذا في المرقاة وشرح الجامع الصغير للمنادى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه النسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وقال صحيح‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن خالد بن سلمة‏)‏ بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي الكوفي المعروف بالفأفأ أصله مدني صدوق رمى بالإرجاء والنصب من الخامسة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏يذكر الله على كل أحيانه‏)‏ أي في كل أوقاته متطهراً ومحدثاً وجنباً وقائماً وقاعداً ومضطجعاً وماشياً‏.‏ قال النووي في شرح هذا الحديث‏:‏ ‏"‏واعلم أنه يكره الذكر في حالة الجلوس على البول والغائط وفي حالة الجماع‏"‏ فيكون الحديث مخصوصاً بما سوى هذا الأحوال انتهى ملخصاً‏.‏ وقال في آخر باب التيمم‏:‏ ‏"‏يكره للقاعد على قضاء الحاجة أن يذكر الله تعالى بشيء من الأذكار فلا يسبح ولا يهلل ولا يرد السلام ولا يشمت العاطس ولا يحمد الله تعالى إذا عطس ولا يقول مثل ما يقول المؤذن، وكذلك لا يأتي بشيء من هذه الأذكار في حال الجماع، وإذا عطس في هذه الأحوال يحمد الله تعالى في نفسه ولا يحرك به لسانه‏"‏، هذا الذي ذكرناه من كراهة الذكر في حال البول والجماع هو كراهة تنزية لا تحريم فلا إثم على فاعله، وكذلك يكره الكلام على قضاء الحاجة بأي نوع كان من أنواع الكلام ويستثنى من هذا كله موضع الضرورة كما إذا رأى ضريراً يكاد أن يقع في بير أو رأى حية أو عقرباً أو غير ذلك يقصد إنساناً أو نحو ذلك فإن الكلام في هذه المواضع ليس بمكروه بل هو واجب، وهذا الذي ذكرنا من الكراهة في حال الاختيار هو مذهبنا ومذهب الأكثرين وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس وعطاء ومعبد الجهني وعكرمة رضي الله عنهم، وحكى عن إبراهيم النخعي وابن سيرين أنهما قالا بأس به انتهى كلام النووي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة وعلقه البخاري ‏(‏والبهي إسمه عبد الله‏)‏ قال في التقريب عبد الله البهي بفتح الموحدة وكسر الهاء وتشديد التحتانية مولى مصعب بن الزبير يقال إسم أبيه يسار صدوق يخطئ من الثالثة‏.‏

1910- باب مَا جاءَ أَنّ الدّاعِيَ يَبْدأُ بِنَفْسِه

3513- حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِيّ الكُوفِيّ حدثنا أبُو قَطَنٍ عَن حَمْزَةَ الزّيّاتِ عَن أبي إسْحَاقَ عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ عَن أُبيّ بنِ كَعْبٍ ‏"‏أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا ذَكَرَ أَحَداً فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صحيحٌ‏.‏ وَأبُو قَطَنٍ اسْمُهُ عَمْرُو بنُ الْهَيْثَمِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا نصر بن علي الكوفي‏)‏ قال الحافظ صوابه ابن عبد الرحمن وهو الوشاء ‏(‏حدثنا أبو قطن‏)‏ بفتحتين إسمه عمرو بن الهيثم بن قطن القطعي البصري ثقة من صغار التاسعة مات على رأس المائتين ‏(‏عن حمزة الزيات‏)‏ هو حمزة بن حبيب القاري أبو عمارة الكوفي التيمي مولاهم صدوق زاهد ربما وهم قاله الحافظ في التقريب، وقال في تهذيب التهذيب قال أبو بكر بن منجوية كان من علماء زمانه بالقراءات، وكان من خيار عباد الله فضلاً وعبادة وورعاً ونسكاً وكان يجلب الزيت من الكوفة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فدعا له‏)‏ أي فأراد أن يدعو له ‏(‏بدأ بنفسه‏)‏ جزاء إذا ذكر قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ وهو عند مسلم في أول قصة موسى والخضر ولفظه‏:‏ وكان إذا ذكر أحداً من الأنبياء بدأ بنفسه، قال ويؤيد هذا القيل أنه صلى الله عليه وسلم دعا لغير نبي قلم يبدأ بنفسه كقوله في قصة هاجر‏:‏ ‏"‏يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عينا معينا‏"‏، وحديث أبي هريرة‏:‏ ‏"‏اللهم أيده بروح القداس‏"‏ يريد حسان بن ثابت، وحديث ابن عباس اللهم فقهه في الدين وغير ذلك من الأمثلة مع أن الذي جاء في حديث أبي لم يطرد فقد ثبت أنه دعا لبعض الأنبياء فلم يبدأ بنفسه كحديث أبي هريرة‏:‏ يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد انتهى كلام الحافظ‏.‏ قلت‏:‏ فظهر أن بداءته صلى الله عليه وسلم بنفسه عند ذكر أحد والدعاء لم يكن من عادته اللازمة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم كما في الجامع الصغير‏.‏

1911- باب ما جَاءَ في رَفْعِ الأيْدي عِنْدَ الدّعَاء

3514- حدثنا أَبُو مُوسَى مُحمّدُ بنُ المُثَنّى وَإِبْرَاهِيمُ بنُ يَعْقُوبَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قالُوا‏:‏ حدثنا حَمّادُ بنُ عِيسَى الْجُهَنِيّ عَنْ حَنْظَلَةَ بنِ أبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيّ عن سَالِمِ بنِ عَبْدِ الله عَن أبِيهِ عَن عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ رضي الله عنه قال‏:‏ ‏"‏كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ في الدّعَاءِ لَمْ يَحُطّهُمَا حَتّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ‏.‏ قالَ مُحمّدُ بنُ المُثَنّى في حَدِيثِهِ لَمْ يردهما حَتّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ صحيحٌ غَرِيبٌ‏.‏ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ حَمّادِ بنِ عِيسَى وقَدْ تَفَرّدَ بِهِ وَهُوَ قليلُ الحديثِ وقَدْ حدّثَ عَنْهُ النّاسُ، وَحَنْظَلَةُ بنُ أبي سُفْيَانَ الْجُمَحِيّ هو ثِقَةٌ وَثّقَهُ يَحْيى بنُ سَعِيدِ القَطّانُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حماد بن عيسى الجهني‏)‏ لقبه غريق الجحفة فإنه غرق بالجحفة سنة ثمان ومائتين‏.‏ قال في التقريب‏:‏ ضعيف، وقال في الميزان ضعفه أبو داود وأبو حاتم والدارقطني ولم يتركه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏لم يحطهما‏)‏ أي لم يضعهما ‏(‏حتى يمسح بهما وجهه‏)‏ قال ابن الملك وذلك على سبيل التفاؤل، فكأن كفيه قد ملئتا من البركات السماوية والأنوار الإلهية، وقال في السبل‏:‏ وفي الحديث دليل على مشروعية مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء، وقيل وكأن المناسبة أنه تعالى لما كان لا يردهما صفراً فكأن الرحمة أصابتهما فناسب إفاضة ذلك على الوجه الذي هو أشرف الأعضاء وأحقها بالتكريم انتهى‏.‏ وقد ورد في رفع الأيدي عند الدعاء أحاديث كثيرة صحيحة صريحة كما عرفت في باب‏:‏ ما يقول إذا سلم، والجمع بين هذه الأحاديث وبين حديث أنس لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء رواه الشيخان بأن المنفى صغة خاصة لا أصل الرفع‏.‏ قال الحافظ ما حاصله إن الرفع في الاستسقاء يخالف غيره إما بالمبالغة إلى أن تصير اليدان حذو الوجه مثلاً وفي الدعاء إلى حذو المنكبين ولا يعكر على ذلك أنه ثبت في كل منهما حتى يرى بياض إبطيه بل يجمع بأن تكون رواية البياض في الاستسقاء أبلغ منها في غيره، وأما أن الكفين في الاستسقاء يليان الأرض وفي الدعاء يليان السماء قال المنذري وبتقدير تعذر الجمع فجانب الإثبات أرجح انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح غريب الخ‏)‏ وقد تفرد به حماد بن عيسى وهو ضعيف كما عرفت فالحديث ضعيف‏.‏ قال الحافظ في بلوغ المرام‏:‏ وله شواهد منها حديث ابن عباس عند أبي داود ومجموعها يقتضي أنه حديث حسن انتهى‏.‏

1912- باب مَا جَاءَ فيمن يَسْتَعْجِلُ في دُعَائِه

3515- حدثنا الأنْصَارِيّ حدثنا مَعْنٌ حدثنا مَالِكٌ عَنِ ابنِ شِهَابٍ عَن أبي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابنِ أزْهَرَ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ وأَبُو عُبَيْدٍ اسْمُهُ سَعْدٌ وهُوَ مَوْلَى عَبْدِ الرّحمَن بنِ أَزْهَرَ ويُقَالُ مَوْلَى عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ عَوْفٍ وعبد الرحمَن بن أزهر هو ابن عم عبد الرحمَن بن عوف‏.‏

وفي البابِ عَن أَنَسٍ رضي الله عنه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏يستجاب لأحدكم‏"‏ أي بعد شروط الإجابة ‏"‏ما لم يعجل‏"‏ ما ظرف يستجاب بمعنى المدة أي مدة كونه لم يستعجل ‏"‏يقول دعوت فلم يستجب لي‏"‏ هذا بيان وتفسير للعجلة، وفي رواية مسلم يقول‏:‏ قد دعوت فلم أر يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وأبو عبيد إسمه سعد‏)‏ بن عبيد الزهري ثقة من الثانية وقيل له إدراك‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس‏)‏ أخرج حديثه أحمد مرفوعاً‏:‏ ‏"‏لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل قال يا بني الله وكيف يستعجل قال يقول قد دعوت ربي فلم يستجب لي‏"‏‏.‏ وأخرجه أبو يعلى أيضاً‏.‏ قال المنذري في الترغيب ورواتهما محتج بهم في الصحيح إلا أبا هلال الراسي انتهى‏.‏