فصل: 1913- باب مَا جَاءَ في الدّعَاءِ إذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


1913- باب مَا جَاءَ في الدّعَاءِ إذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى

3516- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ أخبرنا أَبُو دَاوُدَ وهُوَ الطّيَالِسِيّ حدثنا عَبْدُ الرّحمنِ بنُ أبي الزّنَادِ عَن أَبيهِ عَن أبَانَ بنِ عُثْمَانَ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفّانَ رضي الله عنه يقول قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ في صَبَاحِ كُلّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلّ لَيْلَةٍ بِسْمِ الله الّذِي لا يَضُرّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ في الأرْضِ وَلا في السّمَاءِ وَهُوَ السّمِيعُ العَلِيمُ ثَلاَثَ مَرّاتٍ لم يضُرّهُ شَيْءٌ‏"‏‏.‏

وكَانَ أَبَانُ قَدْ أَصَابَهُ طَرَفُ فَالِج فَجَعَلَ الرّجُلُ يَنْظُرُ إلَيْهِ فقَالَ لَهُ أَبَانُ ما تَنْظُرُ‏؟‏ أمَا إِنّ الْحَدِيثَ كَمَا حَدّثْتُكَ ولَكِنّي لَمْ أَقُلْهُ يَوْمَئِذٍ لِيُمْضِيَ الله عَلَيّ قَدَرَهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ‏.‏

3517- حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ أخبرنا عُقْبَةُ بنُ خَالِدٍ عَن أبي سَعْدٍ سَعِيدِ بنِ المرْزُبَانِ عَن أبي سَلَمَةَ عَن ثَوْبَانَ رضي الله عنه قالَ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ قالَ حِينَ يُمْسِي رَضِيتُ بالله رَبّا وبِالإسْلاَمِ دِيناً وَبِمُحمّدٍ نَبِيّا كانَ حَقّا عَلَى الله أَنْ يُرْضِيهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏

3518- حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ أخبرنا جَريرٌ عَن الحَسنِ بنِ عُبَيْدِ الله عَن إبْرَاهِيمَ بنِ سُوَيْدٍ عَن عَبْدِ الرحمنِ بنِ يَزِيدَ عَن عَبْدِ الله قالَ‏:‏ ‏"‏كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إذَا أَمْسَى قالَ‏:‏ أَمْسَيْنَا وَأمْسَى المُلْكُ لله والْحَمْدُ لله ولاَ إِلَهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ أُرَاهُ قالَ فيها‏:‏ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي هَذِهِ اللّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا وأعُوذُ بِكَ مِنَ شَرّ هَذِهِ اللّيْلَةِ وَشَرّ مَا بَعْدهَا وأعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وسُوءِ الكِبَرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النّارِ وَعَذَابِ القَبْرِ، وإذَا أَصْبَحَ قالَ ذَلِكَ أَيْضاً أصْبَحْنَا وَأصْبَحَ المُلْكُ لله والْحَمْدُ لله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ بِهذَا الإسْنَادِ عَن ابنِ مَسْعُودٍ لَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏

3519- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ جَعْفَرٍ أخبرنا سُهَيْلُ بنُ أَبي صَالحٍ عَن أَبِيهِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏"‏كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعَلّمُ أَصْحَابَهُ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ إذا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ اللّهُمّ بِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ المَصِيرُ‏.‏ وإذَا أمْسَى فَلْيَقُلْ‏:‏ الّلهُمّ بِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ أصْبَحْنَا وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نَمُوتُ وَإلَيْكَ النّشُورُ‏"‏‏.‏

هَذا حديثٌ حَسَنٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبان‏)‏ بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة يصرف لأنه فعال ويمنع لأنه أفعل والصحيح الأشهر الصرف ‏"‏ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة‏"‏ أي في أوائلهما‏.‏ قال في القاموس الصبح الفجر أو أول النهار وهو الصبيحة والصباح والإصباح والمصبح والمساء ضد الصباح ‏"‏بسم الله‏"‏ أي أستعين أو أتحفظ من كل مؤذ بإسم الله ‏"‏الذي لا يضر مع إسمه‏"‏ أي مع ذكره باعتقاد حسن ونية خالصة ‏"‏ولا في السماء‏"‏ أي من البلاء النازل منها ‏"‏وهو السميع‏"‏ أي بأقوالنا ‏"‏العليم‏"‏ أي بأحوالنا ‏"‏ثلاث مرات‏"‏ ظرف يقول ‏"‏فيضره شيء‏"‏ بالنصب جواب ما من عبد، قال الطيبي وبالرفع عطفاً على يقول على أن الفاء هنا كهي في قوله لا يموت لمؤمن ثلاثة من الولد فتمسه النار أي لا يجتمع هذا القول مع المضرة كما لا يجتمع مس النار مع موت ثلاثة من الولد بشرطه ‏(‏وكان أبان‏)‏ بالوجهين ‏(‏قد أصابه طرف فالج‏)‏ أي نوع منه وهو يفتح اللام استرخاء لأحد شقي البدن لانصباب خلط بلغمي تنسد منه مسالك الروح ‏(‏فجعل الرجل‏)‏ أي المستمع ‏(‏ينظر إليه‏)‏ أي إلى أبان تعجباً ‏(‏ما تنظر‏)‏ زاد أبو داود إلى، قال الطيبي ما هي استفهامية وصلتها محذوفة وتنظر إلى حال أي مالك تنظر إلى ‏(‏أما‏)‏ للتنبيه وقيل بمعنى حقاً ‏(‏ولكني لم أقله‏)‏ أي ما قدر الله لي أن أقوله ‏(‏يومئذ ليمضي الله على قدره‏)‏ بفتح الدال أي مقدرة، قال الطيبي قوله ليمضي الله عليه لعدم القول وليس بغرض له كما في قعدت عن الحرب حيناً، وقيل اللام فيه للعاقبة كما في قوله لدوا للموت وأبنوا للخراب، ذكره القاري، وفي رواية أبي داود فجعل الرجل الذي سمع منه الحديث ينظر إليه فقال له مالك‏:‏ تنظر إلي فوالله ما كذبت على عثمان ولا كذب عثمان على النبي صلى الله عليه وسلم ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبت فنسيت أن أقولها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ وأخرجه النسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة وأبو داود، وفي روايته لم تصبه فجاءة بلاء حتى يصبح ومن قالها حين يصبح لم تصبه فجاءة بلاء حتى يمسي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عقبة بن خالد‏)‏ السكوني ‏(‏عن أبي سعيد بن المرزبان‏)‏ العبسي مولاهم البقال الكوفي الأعور ضعيف مدلس من الخامسة ‏(‏عن أبي سلمة‏)‏ بن عبد الرحمن‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏رضيت بالله‏"‏ أي بقضائه ‏"‏ربا وبالإسلام‏"‏ أي بأحكامه ‏"‏دينا وبمحمد‏"‏ أي بمتابعته ‏"‏نبياً‏"‏ والمنصوبات تمييزات ويمكن أن تكون حالات مؤكدات ‏"‏وكان حقاً على الله‏"‏ هو خبر كان ‏"‏أن يرضيه‏"‏ من الإرضاء أي يعطيه ثواباً جزيلاً حتى يرضى وهو إسم كان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا جرير‏)‏ بن عبد الحميد ‏(‏عن الحسن بن عبيد الله‏)‏ النخعي ‏(‏عن إبراهيم بن سويد‏)‏ النخعي ثقة لم يثبت أن النسائي ضعفه من السادسة ‏(‏عن عبد الرحمن بن يزيد‏)‏ بن قيس النخعي‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏أمسينا وأمسى الملك لله‏"‏ أي دخلنا في المساء ودخل فيه الملك كائناً لله ومختصاً به، أو الجملة حالية بتقدير قد أو بدونه أي أمسينا وقد صار بمعنى كان ودام الملك لله ‏"‏والحمد لله‏"‏ قال الطيبي عطف على أمسينا وأمسى الملك أي صرنا نحن وجميع الملك وجميع الحمد لله انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ أي عرفنا فيه أن الملك لله وأن الحمد لله لا لغيره ويمكن أن يكون جملة الحمد لله مستقلة والتقدير والحمد لله على ذلك ‏"‏وحده‏"‏ حال مؤكدة أي منفرداً بالألوهية ‏"‏أراه قال‏:‏ له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير‏"‏ أي أظن إبراهيم بن سويد أنه قال له الملك وله الحمد الخ، وقائل أراه الحسن بن عبيد الله، وفي رواية لمسلم قال الحسن فحدثني الزبيد أنه حفظ عن إبراهيم في هذا ‏"‏له الملك وله الحمد‏"‏ الخ، وفي رواية أخرى له قال الحسن بن عبيد الله وزادني فيه زبيد عن إبراهيم بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله رفعه أنه قال‏:‏ ‏"‏لا إله إلا الله وحده لا شريك له‏"‏، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ‏"‏أسألك خير ما في هذه الليلة‏"‏ قال الطيبي أي خير ما ينشأ فيها وخير ما يسكن فيها، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وله ما سكن في الليل‏}‏ وقال ابن حجر أي ما أردت وقوعه فيها لخواص خلقك من الكمالات الظاهرة والباطنة وخير ما يقع فيها من العبادات التي أمرنا بها فيها أو المراد خير الموجودات التي قارن وجودها هذه الليلة وخير كل موجود الاَن ‏"‏وخير ما بعدها‏"‏ أي من الليالي أو مطلقاً ‏"‏وأعوذ بك من الكسل‏"‏ بفتحتين أي التثاقل في الطاعة مع الاستطاعة‏.‏ قال الطيبي الكسل التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه ويكون ذلك لعدم انبعاث النفس للخير مع ظهور الاستطاعة ‏"‏وسوء الكبر‏"‏ قال النووي قال القاضي رويناه الكبر بإسكان الباء وفتحها فالإسكان بمعنى التعاظم على الناس والفتح بمعنى الهرم والخوف والرد إلى أر ذل العمر كما في الحديث الاَخر، قال القاضي وهذا أظهر وأشهر بما قبله، قال وبالفتح ذكره الهروي وبالوجهين ذكره الخطابي وصوب الفتح وتعضده رواية النسائي وسوء العمر انتهى ‏"‏وإذا أصبح‏"‏ أي دخل صلى الله عليه وسلم في الصباح ‏"‏قال ذلك‏"‏ أي ما يقول في المساء ‏"‏أيضاً‏"‏ أي لكن يقول بدل أمسينا وأمسى الملك لله ‏"‏أصبحنا وأصبح الملك لله‏"‏ ويبدل اليوم بالليلة فيقول أسألك خير هذا اليوم ويذكر الضمائر بعده‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا الحديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن أبي شيبة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن جعفر‏)‏ بن نجبح السعدي‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏إذا أصبح أحدكم‏"‏ أي دخل في الصباح ‏"‏أللهم بك أصبحنا‏"‏ الباء متعلق بمحذوف وهو خبر أصبحنا ولا بد من تقدير مضاف أي أصبحنا ملتبسين بحفظك أو مغمورين بنعمتك أو مشتغلين بذكرك أر مستعينين بإسمك أو مشمولين بتوفيتك أو متحركين بحولك وقوتك أو متقلبين بإرادتك وقدرتك ‏"‏وبك نحي وبك نموت‏"‏ أي أنت تحيينا وأنت تميتنا يعني يستمر حالنا على هذا في جميع الأوقات وسائر الأحوال ‏"‏وإليك‏"‏ لا إلى غيرك ‏"‏المصير‏"‏ أي المرجع بالبعث ‏"‏وإذا أمسى‏"‏ عطف على إذا أصبح ‏"‏بك أمسينا وبك أصبحنا‏"‏ بتقديم أمسينا ‏"‏وإليك النشور‏"‏ قال في النهاية بقال نشر الميت ينشر نشوراً إذا عاش بعد الموت أو نشره الله أي أحياه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وأبو عوانة‏.‏

1914- باب منه

3520- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو دَاودَ قَالَ أَنْبَأنَا شُعْبَةُ عَن يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَاصِمٍ الثّقَفِيّ يُحدّثُ عَن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ ‏"‏قَالَ أبُو بَكْرٍ‏:‏ يَا رَسُولَ الله مُرْنِي بِشَيْءٍ أَقُولُهُ إذَا أَصْبَحْتُ وَإذَا أَمْسَيْتُ‏.‏ قَالَ‏:‏ قُلْ‏:‏ اللّهُمّ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشّهَادَةِ، فَاطِرَ السّمَاواتِ والأَرْضِ، رَبّ كُلّ شَيءٍ وَمَلِيكَهُ أشْهَدُ أَن لاَ إِله إِلاّ أنْتَ أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ نَفْسِي وَمِنْ شَرّ الشّيْطَانِ وشِرْكِهِ‏.‏ قَالَ قُلْهُ إذَا أَصْبَحْتَ وَإذَا أَمْسَيْتَ وإِذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن يعلى بن عطاء‏)‏ العامري الطائفي ‏(‏سمعت عمرو بن عاصم‏)‏ بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث الثقفي الحجازي ثقة من الثالثة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏أللهم عالم الغيب والشهادة‏"‏ أي ما غاب من العباد وظهر لهم ‏"‏فاطر السماوات والأرض‏"‏ أي مخترعهما وموجدهما على غير مثال سبق ‏"‏رب كل شيء مليكه‏"‏ فعيل بمعنى فاعل للمبالغة كالتقدير بمعنى القادر ‏"‏أعوذ بك من شر نفسي‏"‏ أي من ظهور السيئات الباطنية التي جبلت النفس عليها ‏"‏ومن شر الشيطان‏"‏ أي وسوسته وإغوائه وإضلاله ‏"‏وشركه‏"‏ بكسر الشين وسكون الراء أي ما يدعو إليه من الإشراك بالله، ويروى بفتحتين أي مصائده وحبائله التي يفتتن بها الناس، والإضافة على الأول إضافة المصدر إلى الفاعل وعلى الثاني معنوية والعطف على التقديرين للتخصيص بعد التعميم للاهتمام به ‏"‏قله‏"‏ أي قل هذا القول‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي والدارمي وابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة‏.‏

1915- باب منه

3521- حدثنا الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ أَبي حَازِمٍ عَن كُثَيّر بنِ زَيْدٍ عن عُثْمَانَ بنِ رَبِيعَةَ عَن شَدّادِ بنِ أَوْسٍ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ‏:‏ ألاَ أَدُلّكَ عَلَى سَيّدِ الاسْتِغْفَارِ‏؟‏ اللّهُمّ أَنْتَ رَبّي لاَ إِله إلاّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأنَا عَبْدُكَ وَأنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِن شَرّ ما صَنَعْتُ وأَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيّ وأعتَرِفُ بِذُنُوبِي فاغْفِرْ لِي ذُنُوبي إنّهُ لا يَغْفِرُ الذّنُوبَ إلاّ أنْتَ‏.‏ لاَ يَقُولُهَا أحَدُكُمْ حِينَ يُمْسِي فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ إلاّ وَجَبَتْ لَهُ الجَنّةُ وَلاَ يَقُولُهَا حِينَ يُصْبِحُ فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أنْ يُمْسِي إلاّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنّةُ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ وابنِ عُمَرَ وابنِ مَسْعُودٍ وابنِ أَبْزَى وَبُرَيْدَةَ رضي الله عنهم‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ‏.‏ وَعَبْدُ العَزِيزِ بنُ أَبي حَازِمٍ هُوَ ابنُ أَبي حَازِمٍ الزّاهِدُ‏.‏ وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه عن شداد بن أوس رضي الله عنه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن كثير بن زيد‏)‏ الأسلمي المدني ‏(‏عن عثمان بن ربيعة‏)‏ بن عبد الله ابن الهدير التيمي المدني مقبول من الرابعة، قوله‏:‏ ‏"‏ألا أدلك على سيد الاستغفار‏"‏ قال الطيبي لما كان هذا الدعاء جامعاً لمعاني التوبة كلها استعير له إسم السيد وهو في الأصل الرئيس الذي يقصد في الحوائج ويرجع إليه في الأمور ‏"‏خلقتني‏"‏ استئناف بيان للتربية ‏"‏وأنا عبدك‏"‏ أي مخلوقك ومملوكك وهو حال كقوله‏:‏ ‏(‏وأنا على عهدك ووعدك‏)‏ أي أنا مقيم على الوفاء بعهد الميثاق وأنا موقن بوعدك يوم الحشر والتلاق ‏"‏ما استطعت‏"‏ أي بقدر طاقتي، وقيل أي أنا على ما عاهدتك ووعدتك من الإيمان بك والإخلاص من طاعتك، أو أنا مقيم على ما عاهدت إلى من أمرك ومتمسك به ومتنجز وعدك في المثوبة والأجر عليه وإشتراط الاستطاعة اعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب في حقه تعالى أي لا أقدر أن أعبدك حق عبادتك ولكن أجتهد بقدر طاقتي ‏"‏وأبوء لك بنعمتك على‏"‏ أي أعترف بها من قولهم باء بحقه أي أقربه وأصله البواء ومعناه اللزوم ومنه بوأه الله منزلاً إذا أسكنه فكأنه ألزمه به ‏"‏وأعترف بذنوبي‏"‏ قال الطيبي‏:‏ أعترف أولاً بأنه تعالى أنعم عليه ولم يقيده ليشمل جميع أنواع النعم ثم أعترف بالتقصير وأنه لم يقم بأداء شكرها ثم بالغ فعده ذنباً مبالغة في هضم النفس تعليماً للأمة انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويحتمل أن يكون قوله أبوء لك بذنبي اعتراف بوقوع الذنب مطلقاً ليصح الاستغفار منه لا أنه عد ما قصر فيه من أداء شكر النعم ذنباً ‏"‏لا يغفر الذنوب‏"‏ أي ما عدا الشرك ‏"‏لا يقولها‏"‏ أي هذه الكلمات ‏"‏فيأتي عليه قدر الخ‏"‏ المراد من القدر الموت وفي رواية البخاري قال‏:‏ ‏"‏ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة‏"‏‏.‏ فإن قيل المؤمن وإن لم يقلها فهو من أهل الجنة، وأجيب بأنه يدخلها ابتداء من غير دخول النار لأن الغالب أن الموقن بحقيقتها المؤمن بمضمونها لا يعصي الله تعالى أو لأن الله يعفو عنه ببركة هذا الاستغفار‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وابن عمر وابن مسعود وابن أبزى وبريدة‏)‏ أما حديث بريدة فأخرحه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم، وأما أحاديث الباقين فلينظر من أخرجها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري والنسائي‏.‏

1916- باب ما جَاءَ في الدّعَاءِ إذَا أَوَى إِلى فِرَاشِه

3522- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَن أَبِي إِسْحاقَ الهَمْدانِيّ عَن البَراءِ بنِ عَازِبٍ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ له‏:‏ أَلاَ أُعَلّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهَا إذَا أَوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فإِن مُتّ مِنْ لَيْلَتِكَ مُتّ عَلَى الفِطْرَةِ وإِنْ أَصْبَحْتَ أصْبَحْتَ وقَدْ أَصَبْتَ خَيْراً‏؟‏ تَقُولُ اللّهُمّ إنّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ وَوَجّهْتُ وَجْهِي إلَيْكَ وَفَوّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْكَ وَأَلْجأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إلاّ إلَيْكَ‏.‏ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الّذِي أنْزَلْتَ وَبنبِيّكَ الذِي أَرْسَلْتَ- قَالَ البَرَاءُ فَقُلْتُ- وَبرَسُولِكَ الّذِي أرْسَلْتَ، قَالَ فَطَعَنَ بِيَدِهِ في صَدْرِي ثُمّ قَالَ‏:‏ وَبنبيّكَ الّذِي أرْسَلْتَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَريبٌ، وفي الباب عن دافع بن خديجٍ وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن البَرَاءِ وَرَوَاهُ مَنْصُورُ بنُ المُعْتَمِرِ عن سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ عَن البَرَاءِ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ إلاّ أنّهُ قَالَ‏:‏ إِذا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ وَأَنْتَ عَلَى وُضُوءٍ‏.‏

قال وفي البابِ عن رافِعِ بن خَدِيجٍ رضي الله عنه‏.‏

3523- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ، أخبرنا عَلِيّ بنُ المُبَارَكِ عَن يَحْيَى بنِ أبي كثِيرٍ عن يَحْيَى بنِ إسْحَاقَ عن أخِي رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه عَن رَافِعِ بنِ خَديجٍ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏إذَا اضْطَجَعَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَن ثُمّ قَالَ‏:‏ اللّهُمّ إنّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ وَوَجّهْتُ وَجْهي إلَيْكَ وَأُلْجأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ وَفَوّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ لاَ مَلْجَأ ولا منجى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَ أُومِنُ بِكِتَابِكَ وبِرَسُلِكَ فإِنْ مَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ دَخَلَ الْجَنّةَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه‏.‏

3524- حدثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا عَفّانُ بنُ مُسْلِمٍ، حدثنا حَمّاد بن سلمة عَنْ ثابِتٍ عَن أنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ‏"‏أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا أَوَى إِلى فِرَاشِهِ قالَ‏:‏ ‏"‏الْحَمْدُ لله الّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوانَا فَكَمْ مِمّنْ لاَ كَافِيَ لَهُ وَلاَ مُؤْوِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي إسحاق الهمداني‏)‏ السبيعي‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏إذا أويت إلى فراشك‏"‏ أي إذا أتيت إلى فراشك للنوم ‏"‏أصبت خيراً‏"‏ أي خيراً كثيراً أو خيراً في الدارين ‏"‏أسلمت‏"‏ أي أخلصت ‏"‏نفسي‏"‏ أي ذاتي ‏"‏إليك‏"‏ أي مائلة إلى حكمك ‏"‏ووجهت وجهي‏"‏ أي وجهتي وتوجهي وقصد قلبي، وسيأتي هذا الحديث مع شرحه في أحاديث شتى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن رافع بن خديج‏)‏ أخرجه الترمذي بعد هذا‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عثمان بن عمر‏)‏ العبدي البصري ‏(‏عن يحيى بن أبي كثير‏)‏ الطائي اليمامي ‏(‏عن يحيى بن إسحاق بن أخي رافع بن خديج‏)‏ قال الحافظ يحيى بن إسحاق ويقال ابن أبي إسحاق الأنصاري روى عن عمه رافع بن خديج في الاضطجاع على الشق الأيمن وعنه يحيى بن أبي كثير ثقة من الرابعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وألجأت ظهري إليك الخ‏"‏ سيأتي شرح ألفاظ هذا الحديث في شرح حديث البراء الاَتي في أحاديث شتى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عفان بن مسلم‏)‏ الصفار البصري ‏(‏أخبرنا حماد‏)‏ بن سلمة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏كان إذا أوى إلى فراشه‏)‏ أي انضم إليه ودخل فيه‏.‏ قال النووي‏:‏ إذا أوى إلى فراشه وأويت مقصور، وأما آوانا فمدود، هذا هو الصحيح الفصيح المشهور، وحكى القصر فيهما وحكى المد فيهما انتهى ‏"‏وكفانا‏"‏ أي دفع عنا شر المؤذيات أو كفى مهماتنا وقضى حاجاتنا ‏"‏وآوانا‏"‏ أي رزقنا مساكن وهيأ لنا المآوي ‏"‏فكم ممن لا كافي‏"‏ بفتح الياء ‏"‏ولا مؤوي‏"‏ بصيغة إسم الفاعل وله مقدر أي فكم شخص لا يكفيهم الله شر الأشرار بل تركهم وشرهم حتى غلب عليهم الأعداء، ولا يهيء لهم مأوى بل تركهم يهيمون في البوادي ويتأذون بالحر والبرد‏.‏ قال الطيبي ذلك قليل نادر فلا يناسب كم المقتضى لكثرة على أنه افتتح بقوله ‏"‏أطعمنا وسقانا‏"‏ ويمكن أن ينزل هذا على معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم‏}‏ فالمعنى أنا نحمد الله على أن عرفنا نعمه ووفقنا لأداء شكره فكم من منعم عليه لا يعرفون ذلك ولا يشكرون، وكذلك الله مولى الخلق كلهم بمعنى أنه ربهم ومالكهم لكنه ناصر للمؤمنين ومحب لهم فالفاء في فكم للتعليل‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

1917- باب منه

3525- حدثنا صَالِحُ بنُ عَبْدِ الله، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَن الْوَصّافيّ عَن عَطِيّةَ عَن أَبي سَعيدٍ رضي الله عنه عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ قالَ حِينَ يَأْوِي إِلى فِرَاشِهِ أَسْتَغْفِرُ الله العظيم الّذِي لا إلهَ إلاّ هُوَ الحَيّ القَيّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ثَلاَثَ مَرّاتٍ غَفَرَ الله لَهُ ذُنُوبَهُ وإنْ كَانَتَ مِثْلَ زَبَدِ البحْرِ، وإِنْ كانَتْ عَدَدَ وَرَقِ الشّجَرِ، وإِنْ كَانَتْ عَدَدِ رَمْلِ عَالِجٍ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ أيّامِ الدّنْيَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ الله بنِ الوَلِيدِ الْوَصّافِيّ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا صالح بن عبد الله‏)‏ بن ذكران الباهلي ‏(‏عن عطية‏)‏ هو العوفي‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم‏"‏ يجوز فيهما النصب صفة لله أو مدحاً والرفع بدلاً من الضمير أو على أنه خبر مبتدأ محذوف ‏"‏وأتوب إليه‏"‏ أي أطلب المغفرة وأريد التوبة فكأنه قال اللهم إغفر لي ووفقني للتوبة ‏"‏وإن كانت‏"‏ أي ولو كانت ذنوبه في الكثرة ‏"‏مثل زبد البحر‏"‏ الزبد محركة ما يعلو الماء وغيره من الرغوة ‏"‏وإن كانت عدد رمل عالج‏"‏ بفتح اللام وكسرها قال الطيبي‏:‏ موضع بالبادية فيه رمل كثير ونهايته العالج وتراكمهم من الرمل ودخل بعضه في بعض فعلى هذا لا يضاف الرمل إلى عالج لأنه صفة له أي رمل يتراكم، وفي التحرير عالج موضع مخصوص فيضاف‏.‏ قال ميرك الرواية بالإضافة فعلى قول صاحب النهاية وجهه أن يقال إنه من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة أو الإضافة بيانية كذا في المرقاة‏.‏ وفي الحديث فضيلة عظيمة ومنقبة جليلة في مغفرة ذنوب بهذا الذكر ثلاث مرات وإن كانت بالغة إلى هذا الحد الذي لا يحيط به عدد وفضل الله واسع وعطاؤه جم‏.‏

1918- باب منه

3526- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ عَن عَبْدِ الملِكِ بنِ عُمَيْرٍ عَن رِبْعِيّ بنِ حَرَاشٍ عَن حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ رضي الله عنه ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا أرَادَ أَنْ يَنَامَ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ ثُمّ قالَ‏:‏ اللّهُمّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَجْمَعُ عبادك أَوْ تَبْعَثُ عِبَادَكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3527- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ هو السلولي عَن إِبْرَاهِيمَ بنِ يُوسُفَ بنِ أبي إِسْحَاقَ عَن أبيهِ عَن أبي إِسْحَاقَ عَن أَبي بُرْدَةَ عَن البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قالَ‏:‏ ‏"‏كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتَوَسّدُ يَمِينَهُ عِنْدَ المَنَامِ ثمّ يَقُولُ‏:‏ رَبّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ وَرَوَى الثّوْرِيّ هَذَا الحَدِيثَ عن أبي إِسْحَاقَ عَن البَرَاءِ لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا أحَداً، ورواه شُعْبَةُ عنَ أبي إسْحَاقَ عَنْ أبي عُبَيْدَةَ وَرَجُلٍ آخَر عَن البَرَاءِ، ورواه شريك عَن أَبي إسْحَاقَ عَن عَبْدِ الله بنِ يَزِيدَ عَن البَرَاءِ وعَن أبي إِسْحَاقَ عَن أبي عُبَيْدَةَ عَن عَبْدِ الله عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وضع يده‏)‏ أي اليمنى كما في رواية أحمد ‏"‏اللهم قني‏"‏ أي أحفظني ‏"‏يوم تجمع أو تبعث عبادك‏"‏ أي يوم القيامة وأو للشك من الراوي، ولما كان النوم في حكم الموت والاستيقاظ كالبعث دعا بهذا الدعاء تذكراً لتلك الحالة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا إسحاق بن منصور‏)‏ السلولى ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ السبيعي ‏(‏عن أبي بردة‏)‏ أي ابن أبي موسى الأشعري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏يتوسد يمينه‏)‏ أي ينام عليها ويجعلها كالوسادة له‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي وسنده صحيح كما في الفتح ‏(‏وروى الثوري هذا الحديث عن أبي إسحاق عن البراء لم يذكر بينهما أحداً‏)‏ أي لا أبا بردة ولا غيره، ورواية الثوري هذه أخرجها أحمد في مسنده ‏(‏ورواه شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة ورجل آخر عن البراء‏)‏ فذكر شعبة بين أبي إسحاق والبراء أبا عبيدة ورجلاً آخر، وهذه الرواية أخرجها أيضاً أحمد ‏(‏ورواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد عن البراء‏)‏ أي بذكر عبد الله بن يزيد بينهما‏.‏ وهذه الرواية أيضاً أخرجها أحمد ‏(‏وعن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله‏)‏ أخرج هذه الرواية ابن ماجة في سننه‏.‏

1919- باب منه

3528- حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحمَنِ، أخبرنا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ أخبرنا خالِدُ بنُ عبْدِ الله عَن سُهَيْلٍ عَنْ أبيهِ عَن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال‏:‏ ‏"‏كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إِذَا أخَذَ أحَدُنَا مَضْجَعهُ أنْ يَقُولَ اللّهُمّ رَبّ السّمَواتِ ورَبّ الأرَضِيْنَ وَرَبّنَا وَرَبّ كُلّ شَيْءٍ فَالِقَ الحَبّ والنّوَى ومُنْزِلَ التّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالقُرْآنِ أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ كُلّ ذِي شَرّ أنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أنْتَ الأوّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ‏.‏ وَأنْتَ الاَخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ‏.‏ والظّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيءٌ والبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيءٌ اقْضِ عَنّي الدّيْنَ واغْنِنِي مِنَ الفَقْرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن‏)‏ هو الدارمي ‏(‏أخبرنا عمرو بن عون‏)‏ هو أبو عثمان الواسطي ‏(‏أخبرنا خالد بن عبد الله‏)‏ المزني الواسطي‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏اللهم رب السماوات ورب الأرضين‏"‏ أي خالقهما ومربي أهلهما ‏"‏ورب كل شيء‏"‏ تعميم بعد تخصيص ‏"‏فالق الحب‏"‏ الفلق بمعنى الشق ‏"‏والنوى‏"‏ جمع النواة وهي عظم النخل وفي معناه عظم غيرها والتخصيص لفضلها أو لكثرة وجودها في ديار العرب، يعني يا من شقهما فأخرج منهما الزرع والنخيل ‏"‏ومنزل التوراة‏"‏ من الإنزال وقيل من التنزيل ‏"‏والإنجيل والقرآن‏"‏ لعل ترك الزبور لأنه مندرج في التوراة أو لكونه مواعظ ليس فيه أحكام‏.‏ قال الطيبي‏:‏ فإن قلت ما وجه النظم بين هذه القرائن، قلت وجهه أنه صلى الله عليه وسلم لما ذكر أنه تعالى رب السماوات والأرض أي مالكهما ومدبر أهلهما عقبه بقوله فالق الحب والنوى لينتظم معنى الخالقية والمالكية، لأن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي‏}‏ تفسير لفالق الحب والنوى ومعناه يخرج الحيوان النامي من النطفة والحب من النوى ويخرج الميت من الحي أي يخرج هذه الأشياء من الحيوان النامي ثم عقب ذلك بقوله‏:‏ ‏"‏منزل التوراة‏"‏ ليئوذن بأنه لم يكن إخراج الأشياء من كتم العدم إلى فضاء الوجود إلا ليعلم ويعبد ولا يحصل ذلك إلا بكتاب ينزله ورسول يبعثه، كأنه قيل يا مالك يا مدبر يا هادي أعوذ بك ‏"‏أعوذ‏"‏ أي أعتصم وألوذ ‏"‏من شر كل ذي شر‏"‏ وفي رواية لمسلم من شر كل شيء ‏"‏أنت آخذ بناصيته‏"‏ أي من شر كل شيء من المخلوقات لأنها كلها في سلطانه وهو آخذ بنواصيها‏.‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ من شر كل دابة أنت آخذ بنواصيها‏.‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ‏"‏أنت الأول‏"‏ أي القديم بلا ابتداء ‏"‏فليس قبلك شيء‏"‏ قيل هذا تقرير للمعنى السابق وذلك أن قوله أنت الأول مفيد للحصر بقرينة الخبر باللام فكأنه قيل أنت مختص بالأولية فليس قبلك شيء ‏"‏وأنت الاَخر فليس بعدك شيء‏"‏ أي الباقي بعد فناء خلقك لا انتهاء لك ولا انقضاء لوجودك ‏"‏والظاهر فليس فوقك‏"‏ أي فوق ظهورك ‏"‏شيء‏"‏ يعني ليس شيء أظهر منك لدلالة الاَيات الباهرة عليك ‏"‏والباطن‏"‏ أي الذي حجب أبصار الخلائق عن إدراكك ‏"‏فليس دونك شيء‏"‏ أي لا يحجبك شيء عن إدراك مخلوقاتك ‏"‏أقض عني الدين‏"‏ قال النووي‏:‏ يحتمل أن المراد بالدين هنا حقوق الله تعالى وحقوق العباد كلها من جميع الأنواع‏.‏ وأما معنى الظاهر من أسماء الله فقيل هو من الظهور بمعنى القهر والغلبة وكمال القدرة ومنه ظهر فلان على فلان، وقيل الظاهر بالدلائل القطعية والباطن المحتجب عن خلقه، وقيل العالم بالخفيات وأما تسميته سبحانه وتعالى بالاَخر فقال الإمام أبو بكر الباقلاني معناه الباقي بصفاته من العلم والقدرة وغيرهما التي كان عليها في الأزل ويكون كذلك بعد موت الخلائق وذهاب علومهم وقدرهم وحواسهم وتفرق أجسامهم انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن أبي شيبة‏.‏

1920- باب منه

3529- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ المَكّيّ، حدثنا سُفْيَانُ عَن ابنِ عَجْلاَنَ عَن سَعِيدٍ المَقْبَرِيّ عَن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ من فِرَاشِهِ ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِ فَلْيَنْفُضْهُ بَصنفَةِ إزَارِهِ ثَلاَثَ مَرّاتٍ فَإِنّهُ لا يَدْرِي ما خَلَفَهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَإِذَا اضْطَجَعَ فَلْيَقُلْ باسْمِكَ رَبّي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أرْفَعُهُ فَإِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وإنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظهَا بمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصّالِحينَ، فإِذَا اسْتَيْقَظَ، فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ الله الّذِي عَافَانِي في جَسَدِي وَرَدّ عَلَى رُوحِي وأَذِنَ لِي بِذِكِرِهِ‏"‏‏.‏

قال وفي البابِ عن جَابِرٍ وعَائِشَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حَدِيثُ أَبي هُرَيْرَةُ حَدِيثٌ حَسَنٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏إذا قام أحدكم عن فراشه ثم رجع إليه‏"‏ وفي رواية الشيخان ‏"‏إذا أوى أحدكم إلى فراشه‏"‏ ‏"‏فلينفضه‏"‏ بضم الفاء أي فليحركه ‏(‏بصنفة إزاره‏)‏ قال في القاموس‏:‏ صنفة الثوب كفرحة وصنفه وصنفته‏.‏ بكسرهما حاشيته أي جانب كان أو جانبه الذي لا هدب له أو الذي فيه الهدب انتهى‏.‏ وفي رواية البخاري فلينفض فراشه بداخلة إزاره، وفي رواية مسلم فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه‏.‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ داخلة الإزار طرفه وحاشيته من داخل وإنما أمره بداخلته دون خارجته لأن المؤتزر يأخذ إزاره بيمينه وشماله فيلزق ما بشماله على جسده وهي داخلة إزاره ثم يضع ما بيمينه فوق داخلته فمتى عاجله أمر أو خشي سقوط إزاره مسكه بشماله ودفع عن نفسه بيمينه فإذا صار إلى فراشه فحل إزاره فإنما يحل بيمينه خارجة الإزار وتبقى الداخلة معلقة وبها يقع النفض لأنها غير مشغولة باليد انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ قيل النفض بإزاره لأن الغالب في العرب أنه لم يكن لهم ثوب غير ما هو عليهم من إزار ورداء، وقيد بداخل الإزار ليبقى الخارج نظيفاً ولأن هذا أيسر ولكشف العورة أقل وأستر، وإنما قال هذا لأن رسم العرب ترك الفراش في موضعه ليلاً ونهاراً ولذا علله وقال ‏"‏فإنه‏"‏ أي الشأن والمريد للنوم ‏"‏لا يدري ما خلفه‏"‏ بالفتحات والتخفيف ‏"‏عليه‏"‏ أي على الفراش ‏"‏بعده‏"‏ أي ما صار بعده خلفاً وبدلاً عنه إذا غاب‏.‏ قال الطيبي‏:‏ معناه لا يدري ما وقع في فراشه بعدما خرج منه من تراب أو قذاة أو هوام‏.‏ وقال النووي‏:‏ معناه أنه يستحب أن ينفض فراشه قبل أن يدخل فيه لئلا يكون قد دخل فيه حية أو عقرب أو غيرهما من المؤذيات وهو لا يشعر، ولينفض ويده مستورة بطرف إزاره لئلا يحصل في يده مكروه إن كان شيء هناك ‏"‏بإسمك ربي وضعت جنبي‏"‏ أي مستعيناً بإسمك يا ربي ‏"‏وبك أرفعه‏"‏ أي بإسمك أو بحولك وقوتك أرفعه فلا أستغني عنك بحال ‏"‏فإن أمسكت نفسي‏"‏ أي قبضت روحي في النوم ‏(‏فإرحمها‏)‏ أي بالمغفرة والتجاوز عنها ‏"‏وإن أرسلتها‏"‏ بأن رددت الحياة إلي وأيقظتني من النوم ‏"‏فإحفظها‏"‏ أي من المعصية والمخالفة ‏"‏بما تحفظ به‏"‏ أي من التوفيق والعصمة والأمانة ‏(‏عبادك الصالحين‏)‏ أي القائمين بحقوق الله وعباده‏.‏ والباء في بما تحفظ مثلها في كتبت بالقلم، وما موصولة مبهمة وبيانها ما دل عليها صلتها لأن الله تعالى إنما يحفظ عباده الصالحين من المعاصي ومن أن لا يتهاونوا في طاعته وعبادته بتوفيقه ولطفه ورعايته ‏"‏ورد علي روحي‏"‏ أي روحي المميزة برد تمييزها الزائل عنها بنومها‏.‏ قال الطيبي‏.‏ الحكمة في إطلاق الموت على النوم أن انتفاع الإنسان بالحياة إنما هو لتحري رضا الله عنه وقصد طاعته واجتناب سخطه وعقابه فمن نام زال عنه الانتفاع فكان كالميت فحمداً لله تعالى على هذه النعمة وزوال ذلك المانع انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر وعائشة‏)‏ لينظر من أخرج حديثهما‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وحديث أبي هريرة حديث حسن‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي‏.‏

1921- باب ما جَاءَ فِيمَنْ يَقْرَأُ القُرْآن عنْدَ المَنَام

3530- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا المُفَضّلُ بنُ فَضَالَةَ عَن عُقَيْلٍ عن ابنِ شِهَابٍ عن عُرْوَةَ عَن عَائِشَةَ ‏"‏أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَوَى إلى فِرَاشِهِ كلّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفّيْهِ ثُمّ نَفَثَ فِيهمَا فَقَرأَ فِيهمَا ‏{‏قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ‏}‏ ‏{‏وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الفَلَقِ‏}‏ ‏{‏وقُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ‏}‏ ثُمّ يَمْسَحُ بهِمَا ما اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُبِهمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرّاتٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا المفضل بن فضالة‏)‏ المصري أبو معاوية القتباني ‏(‏عن عقيل‏)‏ بضم العين مصغراً هو ابن خالد بن عقيل الأيلي ‏(‏ثم نفث فيهما‏)‏ من النفث بفتح النون وسكون الفاء بعدها مثلثة وهو إخراج الريح من الفم مع شيء من الريق ‏(‏فقرأ فيهما‏)‏ قال العيني قال المظهري في شرح المصابيح‏:‏ ظاهر الحديث يدل على أنه نفث في كفه أولاً ثم قرأ وهذا لم يقل به أحد ولا فائدة فيه ولعله سهو من الراوي والنفث ينبغي أن يكون بعد التلاوة ليوصل بركة القرآن إلى بشرة القارئ والمقروء له، وأجاب الطيبي عنه بأن الطعن فيما صحت روايته لا يجوز وكيف والفاء فيه مثل ما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذا قرأت القرآن فاستعذ‏}‏ فالمعنى جمع كفيه ثم عزم على النفث أو لعل السر في تقديم النفث فيه مخالفة السحرة انتهى‏.‏ وفي رواية البخاري‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بـ ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏ وبالمعوذتين جميعاً‏.‏

قال الحافظ‏:‏ أي يقرأها وينفث حالة القراءة ‏(‏يبدأ‏)‏ بيان أو بدل ليمسح ‏(‏بهما‏)‏ أي بمسحهما ‏(‏وما أقبل من جسده‏)‏ وعند البخاري في الطب ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي‏.‏

1922- باب منه

3531- حدثنا مَحْمُودُ بنَ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو دَاوُدَ قَالَ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَن أبي إِسحاقَ عَن رَجُلٍ عَن فَرْوَةَ بنِ نَوْفَلٍ رضي الله عنه ‏"‏أنّهُ أَتَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ الله عَلّمْنِي شَيْئاً أقُولُهُ إِذَا أَوَيْتُ إلى فِرَاشِي، فَقَالَ‏:‏ اقْرَأْ قُلْ يَا أَيّهَا الكَافِرُونَ فإِنّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشّرْكِ‏"‏‏.‏

قَالَ شُعْبَة أَحْيَاناً يَقُولُ مَرّةً وأَحْيَاناً لا يَقُولُها‏.‏

3532- حدثنا مُوسَى بنُ حِزَامٍ، أخبرنا يَحْيَى بنُ آدَمَ، عَن إسْرَائيلَ، عَن أَبي إِسحاق، عَن فَرْوَةَ بنِ نَوْفَلٍ، عَن أَبيه أَنّهُ أتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ نَحْوَهُ بمَعْنَاهُ، وهَذَا أصَحّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَرَوَى زُهَيْرٌ هَذَا الحَدِيثَ عَن إسحاقَ عَن فَرْوَةَ بنِ نَوْفَلٍ عَن أَبيهِ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ وهَذَا أشْبَهُ وَأصَحّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ‏.‏ وَقد اضْطَرَبَ أصْحَابُ أبي إِسْحَاقَ في هَذَا الحَدِيثِ، وقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ، قَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرحْمَنِ بنُ نَوْفَلٍ عَن أَبِيهِ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَعَبْدُ الرحْمَنِ هُوَ أخُو فَرْوَةَ بنِ نَوْفَلٍ‏.‏

3533- حدثنا هِشَامُ بنُ يُونُسَ الكُوفِيّ، أخبرنا المُحَارِبيّ عن لَيْثٍ عَن أبي الزّبَيْرِ عَن جَابِرٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لاَ يَنَامُ حَتّى يَقْرَأَ ‏{‏بتنزيل السّجْدَةَ‏}‏ و‏{‏بتبارك‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَكَذَا رَوَى سفيان الثّوْرِيّ وغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَن لَيْثٍ عَن أبي الزّبَيْرِ عَن جَابِرٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏ وَرَوَى زهَيْرٌ هَذَا الحَدِيثَ عَن أبي الزّبَيْرِ قَالَ ‏"‏قُلْتُ لَهُ سَمِعْتَهُ مِنْ جَابِرٍ‏؟‏ قَالَ لَمْ أسْمَعْهُ مِنْ جَابرٍ إنّما سَمِعْتُهُ مِنْ صَفْوانَ أو ابنِ صَفْوَانَ‏"‏‏.‏ وقد رَوَى شَبَابَةُ عَنْ مُغِيرَةَ بنِ مُسْلِمٍ عَنْ أبي الزّبَيْر عَنْ جَابِرٍ نَحْوَ حَدِيثِ لَيْثٍ‏.‏

3534- حدثنا صَالِحُ بنُ عَبْدِ الله، حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ أبي لُبَابَةَ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها ‏"‏كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لاَ يَنَامُ حَتّى يَقْرَأَ الزّمرَ وبَنِي إِسْرَائِيلَ‏"‏‏.‏

أخْبَرَنِي مُحمّدُ بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ أبُو لُبَابَةَ هَذَا اسْمُهُ مَرْوَانُ مَوْلَى عَبْدِ الرحْمَنِ بنِ زِيَادٍ وَسَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ سَمِعَ مِنْهُ حَمّادُ بنُ زَيْدٍ‏.‏

3535- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا بَقِيّةُ بنُ الوَليدِ عَن بجَيْرِ بنِ سَعْدٍ عَن خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ عَن عَبْدِ الله بنِ أبي بِلاَلٍ عَن العِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لاَ يَنَامُ حَتّى يَقْرَأَ المسَبّحاتِ وَيَقُولَ‏:‏ فِيهَا آيَةٌ خير مِنْ ألْفِ آيَةٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو داود‏)‏ أي الطيالسي ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي ‏(‏عن فروة بن نوفل‏)‏ الأشجعي مختلف في صحبته والصواب أن الصحبة لأبيه وهو من الثالثة ذكره ابن حبان في الثقات قتل في خلافة معاوية‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏اقرأ ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏‏"‏ أي إلى آخرها، زاد أبو داود في روايته ثم نم على خاتمتها ‏"‏فإنها‏"‏ أي هذه السورة ‏"‏براءة من الشرك‏"‏ أي ومفيدة للتوحيد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال شعبة أحياناً يقول مرة وأحياناً لا يقولها‏)‏ يعني قال شعبة إن أبا إسحاق أحياناً يزيد كلمة مرة بعد قوله‏:‏ ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏ وأحياناً لا يزيدها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا موسى بن حزام‏)‏ بكسر الحاء المهملة وبالزاي أبو عمران الترمذي ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي نوفل الأشجعي صحابي نزل الكوفة ‏(‏وهذا أصح‏)‏ أي حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن فروة عن أبيه متصلاً أصح من حديث شعبة عن أبي إسحاق عن رجل عن فروة مرسلاً لأن إسرائيل لم يتفرد بروايته هكذا بل تابعه زهير كما بينه الترمذي بقوله وروى زهير هذا الحديث عن أبي إسحاق الخ وحديث فروة بن نوفل عن أبيه هذا ذكره الحافظ في الفتح وقال أخرجه أصحاب السنن الثلاثة وابن حبان والحاكم انتهى‏.‏ وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الشوكاني في تحفة الذاكرين‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا المحاربي‏)‏ هو عبد الرحمن بن محمد بن زياد ‏(‏عن ليث‏)‏ هو ابن أبي سليم‏.‏ قوله ‏(‏كأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ بـ ‏{‏تنزيل السجدة‏}‏‏)‏ أي سورة السجدة و بـ ‏{‏تبارك‏}‏ أي سورة الملك‏.‏ قال الطيبي‏:‏ حتى غاية لا ينام ويحتمل أن يكون المعنى إذا دخل وقت النوم لا ينام حتى يقرأهما وأن يكون لا ينام مطلقاً حتى يقرأهما، والمعنى لم يكن من عادته النوم قبل القراءة فتقع القراءة قبل دخول وقت النوم أي وقت كان، ولو قيل‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأهما بالليل لم يفد هذه الفائدة انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ والفائدة هي إفادة القبلية ولا يشك أن الاحتمال الثاني أظهر لعدم احتياجه إلى تقدير يفضي إلى تضييق انتهى‏.‏ وحديث جابر هذا أخرجه أيضاً أحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي والدارمي وابن أبي شيبة والحاكم وقال صحيح، قال المناوي وتعقب بأن فيه اضطراباً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إنما سمعته من صفوان أو ابن صفوان‏)‏ كلمة أو للشك، وصفوان هذا هو صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية القرشي، والمراد من ابن صفوان هو صفوان هذا‏.‏ قال الحافظ في التقريب ابن صفوان شيخ أبي الزبير هو صفوان بن عبد الله بن صفوان نسب لجده، وقد ذكر الترمذي حديث جابر هذا في باب ما جاء في سورة الملك من أبواب فضائل القرآن وذكر هناك هذا الكلام وزاد وكأن زهيراً أنكر أن يكون هذا الحديث عن أبي الزبير عن جابر ‏(‏وقد روى شبابة‏)‏ بن سوار المدائني ‏(‏عن مغيرة بن مسلم‏)‏ القسملي السراج‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل‏)‏ أي لم يكن عادته النوم قبل قراءتهما‏.‏ وحديث عائشة هذا قد تقدم بهذا السند والمتن في أواخر فضائل القرآن‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي بلال‏)‏ الخزاعي الشامي مقبول من الرابعة‏.‏ قال الذهبي في الميزان‏:‏ عبد الله بن أبي بلال عن العرباض ما روى عنه سوى خالد بن معدان انتهى‏.‏ وقد وقع في النسخة الأحمدية عن عبد الرحمن بن أبي بلال وهو غلط فإنه ليس في الكتب الستة راو يسمى بعبد الرحمن بن أبي بلال، وقد أورد الترمذي هذا الحديث في أواخر فضائل القرآن بهذا السند وفيه عن عبد الله بن أبي بلال لا عن عبد الرحمن بن أبي بلال وتقدم شرحه هناك‏؟‏‏.‏

1923- باب منه

3536- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أبُو أحْمَد الزّبَيْرِيّ حدثنا سُفْيَانُ عَن الجُرَيْرِيّ عَن أبي العَلاَءِ بنِ الشّخّيرِ عَن رَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏صَحِبْتُ شَدّادَ بنَ أوْسٍ رضي الله عنه في سَفَرٍ فَقَالَ‏:‏ ألاَ أُعَلّمُكَ مَا كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعَلّمُنَا أنْ نَقُولَ‏؟‏ اللّهُمّ إِنّي أسْألُكَ الثّبَاتَ في الأَمْرِ وأسْألُكَ عَزِيمَةَ الرّشْدِ وَأسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وأسْألُكَ لِسَاناً صَادِقاً وَقَلْباً سَلِيماً وأعُوذُ بِكَ مِن شَرّ مَا تَعْلَم وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ ما تَعْلَمُ وأَسْتَغْفِرُكَ مِمّا تَعْلَمُ إنّكَ أنتَ عَلاّمُ الغُيُوبِ‏"‏ قَالَ وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ما مِنْ مُسْلِمٍ يَأْخُذُ مَضْجعَهُ يَقْرَأُ سُورَةً مِنْ كِتَابِ الله إلاّ وكّلَ الله مَلَكاً فَلاَ يَقْرَبهُ شَيْءٌ يُؤْذيِهِ حَتّى يَهُبّ مَتَى هَبّ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ إنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ والجريري هو سعيد بن إياس أبو مسعود الجريري وَأَبُو العَلاَءِ اسْمُهُ يَزِيدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ الشّخِير‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ألا أعلمك ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن نقول‏)‏ وفي رواية أحمد‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات ندعو بهن في صلاتنا أو قال في دبر صلاتنا ‏"‏اللهم إني أسألك الثبات في الأمر‏"‏ أي الدوام على الدين ولزوم الاستقامة عليه ‏"‏وأسألك عزيمة الرشد‏"‏ هي الجد في الأمر بحيث ينجز كل ما هو رشد من أموره، والرشد بضم الراء المهملة وإسكان الشين المعجمة هو الصلاح والفلاح والصواب، وفي رواية لأحمد‏:‏ أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد أي عقد القلب على إمضاء الأمر ‏"‏وأسألك شكر نعمتك‏"‏ أي التوفق لشكر إنعامك ‏"‏وحسن عبادتك‏"‏ أي إيقاعها على الوجه الحسن المرضي ‏"‏وأسألك لساناً صادقاً‏"‏ أي محفوظاً من الكذب ‏"‏وقلباً سليماً‏"‏ أي عن عقائد فاسدة وعن الشهوات ‏"‏وأعوذ بك من شر ما تعلم‏"‏ أي ما تعلمه أنت ولا أعمله أنا ‏"‏وأستغفرك مما تعلم‏"‏ مني من تفريط ‏"‏إنك أنت علام الغيوب‏"‏ أي الأشياء الخفية التي لا ينفذ فيها ابتداء إلا علم اللطيف الخبير ‏"‏ما من مسلم يأخذ مضجعه يقرأ سورة‏"‏ وفي رواية أحمد‏:‏ ما من رجل يأوي إلى فراشه فيقرأ سورة ‏"‏إلا وكل الله به ملكاً‏"‏ أي أمره بأن يحرسه من المضار وهو استثناء مفرغ ‏"‏فلا يقربه‏"‏ بفتح الراء ‏"‏شيء يؤذيه‏"‏ وفي رواية أحمد‏:‏ إلا بعث الله عز وجل إليه ملكاً يحفظه من كل شيء يؤذيه ‏"‏حتى يهب‏"‏ بضم الهاء ‏"‏متى هب‏"‏ أي يستيقظ متى استيقظ بعد طول الزمان أو قربه من النوم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه‏)‏ في سنده رجل من بني حنظلة وهو مجهول وأخرجه أحمد أيضاً من طريقه‏.‏

1924- باب ما جَاءَ في التّسْبِيحِ والتّكْبِيرِ وَالتّحْمِيدِ عِنْدَ المَنَام

3537- حدثنا أَبُو الخَطّابِ زِيَادُ بنُ يَحْيَى البَصْرِيّ، حدثنا أَزْهَرُ السّمّانُ عَن ابنِ عَوْنٍ عَن ابنِ سِيرِينَ عَن عُبَيْدَةَ عَن عَلِيّ رضي الله عنه قالَ‏:‏ ‏"‏شَكَتْ إِليّ فاطِمَةُ مَجْلَ يَدَيْهَا مِنَ الطّحِينِ فَقُلْتُ لَوْ أَتَيْتِ أَباكِ فَسَأَلته خَادِماً‏؟‏ فقالَ‏:‏ أَلاَ أدُلّكُمّا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنَ الخَادِمِ‏؟‏ إذَا أَخَذْتُمَا مَضْجَعَكُمَا تَقُولاَنِ ثَلاثَاً وثَلاَثِينَ وَثَلاثَاً وَثَلاَثِينِ وأَرْبَعاً وَثَلاَثِينَ مِنْ تَحْمِيدٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ‏"‏‏.‏

وفي الحَدِيثِ قِصَةٌ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابنِ عَوْنٍ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن عَلِيّ‏.‏

3538- حدثنا مُحمّدُ بنُ يَحْيى، حدثنا أَزْهَرُ السّمّانُ عَن ابنِ عَوْنٍ عَن مُحمّدٍ عَن عُبيدة عَن عَلِيّ رضي الله عنه قالَ‏:‏ ‏"‏جَاءَتْ فاطِمَةُ إِلى النبيّ صلى الله عليه وسلم تَشْكُو مَجْلاً بِيَدَيْهَا فأمَرَها بالتّسْبِيحِ والتّكْبِيرِ وَالتّحْمِيدِ‏"‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عون‏)‏ إسمه عبد الله بن عون بن أرطبان ‏(‏عن عبيدة‏)‏ هو ابن عمر السلماني المرادي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏شكت إلي فاطمة مجل يديها‏)‏ قال في القاموس‏:‏ مجلت يده كنصر وفرح مجلاً ومجلاً ومجولاً نفطت من العمل فمرنت كأمجلت‏.‏ وقال في النهاية‏:‏ يقال مجلت يده تمجل مجلاً ومجلت تمجل مجلاً إذا ثخن جلدها وتعجر وظهر فيها ما يشبه البتر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة ‏(‏من الطحين‏)‏ أي بسبب الطحين وهو الدقيق وفي بعض النسخ من الطحن ‏(‏فقلت لو أتيت أباك فسألتيه خادماً‏)‏ أي جارية تخدمك وهو يطلق على الذكر والأنثى ‏(‏فقال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ألا أدلكما على ما هو خير لكما من الخادمة‏"‏ وفي رواية للبخاري فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً فلم تجده فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته قال فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت أقوم فقال مكانك فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري‏.‏ فقال‏:‏ ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم‏.‏ قال العيني‏:‏ وجه الخيرية إما أن يراد به أنه يتعلق بالاَخرة والخادم بالدنيا‏.‏ والاَخرة خير وأبقى، وإما أن يراد بالنسبة إلى ما طلبته بأن يحصل لها بسبب هذه الأذكار قوة تقدر على الخدمة أكثر مما يقدر الخادم ‏"‏تقولان ثلاثا وثلاثين وثلاثا وثلاثين وأربعا وثلاثين من تحميد وتسبيح وتكبير‏"‏ وفي الرواية المتفق عليها كما في المشكاة ‏"‏فسبحا ثلاثا وثلاثين وأحمد ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين‏"‏ ‏(‏وفي الحديث قصة‏)‏ أخرج الشيخان وغيرهما هذا الحديث بالقصة مطولاً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن يحيى‏)‏ هو الذهلي ‏(‏عن محمد‏)‏ هو ابن سيرين‏.‏

1925- باب منه

3539- حدثنا أَحمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا إسْمَاعيلُ بنُ عُلَيّةَ، حدثنا عَطَاءُ بنُ السّائِبِ عَن أَبيهِ عَن عبْدِ الله بنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏خَلّتَانٍ لا يُحْصِيهما رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلاّ دَخَلَ الْجَنّةَ أَلاَ وَهُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلْ بِهِمَا قَلِيلٌ يُسَبّحُ الله في دُبُرِ كُلّ صَلاَةٍ عَشْراً وَيَحْمَدُهُ عَشْراً ويُكَبّرُهُ عَشْراً‏.‏ قالَ فأنا رأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَعْقِدُها بِيَدِهِ قالَ‏:‏ فَتِلْكَ خَمْسُونَ ومائَةٌ باللّسَانِ وَألْفٌ وَخَمْسُمَائَةِ في المِيزَانِ، وَإذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ تُسبّحُهُ وتُكَبّرُهُ وَتَحْمَدُهُ مائَةً فَتِلْكَ مائَةٌ باللّسَانِ، وَألْفٌ في الميزَانِ‏.‏ فأيّكُمْ يَعْمَلُ في اليَوْمِ وَاللّيْلَةِ أَلْفَيْن وَخَمْسُمَائَةِ سَيّئَةٍ قالُوا فَكَيْفَ لا نُحْصِيهَا‏؟‏ قالَ‏:‏ يَأْتِي أحَدَكُمُ الشّيْطَانُ وَهُوَ في صَلاَتِهِ فَيَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا حَتّى يَنْفَتِلَ فَلَعَلّهُ ألا يَفْعَل ويَأْتِيهِ وَهُوَ في مَضْجَعِهِ فَلاَ يَزَالُ يُنَوّمُهُ حَتّى يَنَامَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ وَالثّوْرِيّ عَن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ هَذَا الحَدِيثَ وَرَوَى الأعْمَشُ هَذَا الْحَديثَ عَن عطَاءِ بنِ السّائِبِ مُخْتَصراً‏.‏ وفي البابِ عَن زَيْدِ بنِ ثابِتٍ وَأنَسٍ وابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنه‏.‏

3540- حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ الأعْلَى الصّنعَانِيّ، حدثنا غَثّامُ بنُ عَلِيّ عَن الأعْمَشِ عَن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ عَن أبيهِ عَن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قالَ‏:‏ ‏"‏رَأيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَعْقِدُ التّسْبِيحَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَريبٌ مِنْ حَدِيثِ الأَعْمَشِ‏.‏

3541- حدثنا مُحمّدُ بنُ إسماعِيلَ بنِ سَمُرَةَ الأحْمَسِيّ الكُوفِيّ، حدثنا أَسْبَاطُ بنُ مُحمّدٍ، حدثنا عَمْرُو بنُ قَيْسٍ المُلاَئِيّ عَن الْحَكَمِ بنِ عُيينَةَ عَن عَبْدِ الرّحمنِ بنِ أَبي لَيْلَى عَن كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مُعَقّباتٌ لاَ يَخِيبُ قائِلُهُنّ يُسَبّحُ الله في دُبُرِ كُلّ صَلاَةٍ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ ويحمده ثلاَثاً وَثلاَثينَ وَيُكَبّرُهُ أَرْبَعاً وَثَلاَثينَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ وعَمْرُو بنُ قَيْسٍ المُلاَئِيّ ثِقَةٌ حافِظٌ‏.‏ وَرَوى شُعْبَةُ هَذَا الحَديثَ عَن الْحَكَمِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏ وروى مَنْصُورُ بنُ المُعْتَمِرِ عَن الحَكَمِ فرفعه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏خلتان‏"‏ بفتح الخاء أي خصلتان ‏"‏لا يحصيهما رجل مسلم‏"‏ أي لا يحافظ عليهما كما في رواية أبي داود ‏(‏إلا دخل الجنة‏)‏ أي مع الناجين وهو استثناء مفرع ‏"‏ألا‏"‏ بالتخفيف حرف تنبيه ‏"‏وهما‏"‏ أي الخصلتان وهما الوصفان كل واحد منهما ‏"‏يسير‏"‏ أي سهل خفيف لعدم صعوبة العمل بهما على من يسره الله ‏"‏ومن يعمل بهما‏"‏ أي على وصف المداومة ‏"‏قليل‏"‏ أي نادر لغرة التوفيق وجملة التنبيه معترضة لتأكيد التحضيض على الإتيان بهما والترغيب في المداومة عليهما، والظاهر أن الواو في وهما للحال والعامل فيه معنى التنبيه قاله القاري ‏"‏يسبح الله‏"‏ بأن يقول سبحان الله وهو بيان لإحدى الخلتين والضمير للرجل المسلم ‏"‏في دبر‏"‏ بضمتين أي عقب ‏"‏كل صلاة‏"‏ أي مكتوبة كما رواية أحمد ‏"‏عشراً‏"‏ من المرات ‏"‏ويحمده‏"‏ بأن يقول الحمد لله ‏"‏ويكبره‏"‏ بأن يقول الله أكبر ‏{‏قال‏}‏ أي ابن عمرو ‏(‏يعقدها‏)‏ أي العشرات وفي بعض النسخ يعدها ‏(‏بيده‏)‏ أي بأصابعها أو بأناملها أو بعقدها ‏(‏قال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏فتلك‏"‏ أي العشرات الثلاث دبر كل صلاة من الصلوات الخمس ‏"‏خمسون ومائة‏"‏ أي في يوم وليلة حاصلة من ضرب ثلاثين في خمسة أي مائة وخمسون حسنة ‏"‏باللسان‏"‏ أي بمقتضى نطقه في العدد ‏"‏وألف وخمسمائة في الميزان‏"‏ لأن كل حسنة بعشر أمثالها على أقل مراتب المضاعفة الموعودة في الكتاب والسنة ‏"‏وإذا أخذت مضجعك‏"‏ بيان للخلة الثانية ‏"‏تسبحه وتكبره وتحمده مائة‏"‏ وفي رواية أبي داود ‏"‏ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثاً وثلاثين ويسبح ثلاثاً وثلاثين‏"‏ ‏"‏فتلك‏"‏ أي المائة من أنواع الذكر ‏"‏مائة‏"‏ أي مائة حسنة ‏"‏وألف‏"‏ أي ألف حسنة على جهة المضاعفة ‏"‏فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفي وخمسمائة سيئة‏"‏ وفي المشكاة ألفين وخمسمائة سيئة وإلفاء جواب شرط محذوف وفي الاستفهام نوع إنكار يعني إذا حافظ على الخصلتين وحصل ألفان وخمسمائة حسنة في يوم وليلة فيعفى عنه بعدد كل حسنة سيئة كما قال تعالى ‏{‏إن الحسنات يذهبن السيئات‏}‏ فأيكم يأتي بأكثر من هذا من السيئات في يومه وليلته حتى لا يصير معفواً عنه فما لكم لا تأتون بهما ولا تحصونهما ‏"‏فكيف لا تحصيها‏"‏ أي المذكورات قال الطيبي‏:‏ أي كيف لا نحصي المذكورات في الخصلتين وأي شيء يصرفنا فهو استبعاد لإهمالهم في الإحصاء فرد استبعادهم بأن الشيطان يوسوس له في الصلاة حتى يغفل عن الذكر عقيبها وينومه عند الاضطجاع كذلك وهذا معنى قوله‏:‏ ‏(‏قال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏يأتي أحدكم‏"‏ مفعول مقدم ‏"‏فيقول‏"‏ أو يوسوس له أو يلقي في خاطره ‏"‏أذكر كذا أذكر كذا‏"‏ من الأشغال الدنيوية والأحوال النفسية الشهوية أو ما لا تعلق لها بالصلاة ولو من الأمور الأخروية ‏"‏حتى ينفتل‏"‏ أي ينصرف عن الصلاة ‏"‏فلعله‏"‏ أي فعسى ‏"‏أن لا يفعل‏"‏ أي الإحصاء، قيل الفاء في فلعله جزاء شرط محذوف يعني إذا كان الشيطان يفعل كذا فعسى الرجل ألا يفعل وإدخال أن في خبره دليل على أن لعل هنا بمعنى عسى‏.‏ وفيه إيماء إلى أنه إذا كان يغلبه الشيطان عن الحضور المطلوب المؤكذ في صلاته فكيف لا يغلبه ولا يمنعه عن الأذكار المعدودة من السنن في حال انصرافه عن طاعته ‏"‏ويأتيه‏"‏ أي الشيطان أحدكم ‏"‏فلا يزال ينومه‏"‏ بتشديد الواو أي يلقى عليه النوم ‏"‏حتى ينام‏"‏ أي بدون الذكر‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان ‏(‏وقد روى شعبة والثوري عن عطاء بن السائب هذا الحديث‏)‏ يعني بطوله من غير اختصار كما رواه إسماعيل بن علية عن عطاء بن السائب ‏(‏وروى الأعمش هذا الحديث عن عطاء بن السائب مختصراً‏)‏ وقد أخرج الترمذي رواية الأعمش المختصرة بعد هذا وأخرجها أيضاً في باب عقد التسبيح باليد‏.‏ وقال هناك بعد إخراجها‏:‏ وروى شعبة والثوري هذا الحديث عن عطاء بن السائب بطوله‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن زيد بن ثابت وأنس وابن عباس‏)‏ أما حديث زيد بن ثابت فأخرجه أحمد والنسائي والدارمي، وأما حديث أنس فأخرجه البزار كما في الترغيب، وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في باب التسبيح في أدبار الصلاة من كتاب الصلاة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يعقد التسبيح‏)‏ يأتي هذا الحديث مع شرحه في عقد باب التسبيح باليد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عمرو بن قيس الملائي‏)‏ بضم الميم وتخفيف اللام والمد أبو عبد الله الكوفي ثقة متقن عابد من السادسة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏معقبات‏"‏ بضم الميم وفتح المهملة وكسر القاف المشددة أي كلمات معقبات، قال في النهاية سميت معقبات لأنها عادت مرة بعد أخرى‏.‏ أو لأنها تقال عقيب الصلاة، والمعقب من كل شيء ما جاء عقب ما قبله انتهى ‏"‏لا يخيب قائلهن‏"‏ أي لا يحرم من الجنة والجزاء ‏"‏تسبح الله الخ‏"‏ بيان لمعقبات‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه مسلم والنسائي ‏(‏وروى شعبة هذا الحديث عن الحكم ولم يرفعه، ورواه منصور بن المعتمر عن الحكم فرفعه‏)‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ إعلم أن حديث كعب بن عجرة هذا ذكره الدارقطني في استداركاته على مسلم‏.‏ وقال الصواب أنه موقوف على كعب لأن من رفعه لا يقاومون من وقفه في الحفظ، وهذا الذي قاله الدارقطني مردود لأن مسلماً رواه من طرق كلها مرفوعة، وذكره الدارقطني أيضاً من طرق أخرى مرفوعة، وإنما روى موقوفاً من جهة منصور وشعبة وقد اختلفوا عليهما أيضاً في رفعه ووقفه وبين الدارقطني ذلك‏:‏ وقد قدمنا في الفصول السابقة في أول هذا الشرح أن الحديث الذي روي موقوفاً ومرفوعاً يحكم بأنه مرفوع على المذهب الصحيح الذي عليه الأصوليون والفقهاء والمحققون من المحدثين منهم البخاري وآخرون حتى لو كان الواقفون أكثر من الرافعين حكم بالرفع، كيف والأمر هنا بالعكس‏؟‏ ودليله ما سبق أن هذه زيادة ثقة فوجب قبولها ولا ترد لنسيان أو تقصير حصل ممن وقفه انتهى‏.‏

1926- باب مَا جَاءَ في الدّعَاءِ إِذَا انْتَبَهَ مِنَ اللّيْل

3542- حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ أَبي رِزْمَةَ حدثنا الوَليدُ بنُ مُسْلِمٍ حدثنا الأوْزَاعِيّ حَدّثني عُمَيْرُ بنُ هانِيءٍ قالَ حدثني جُنَادَةُ بنُ أَبي أُمَيّةَ حدثني عُبَادَةُ بنُ الصّامِتِ رضي الله عنه عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ تَعَارّ مِنَ اللّيْلِ فقالَ لا إِلَهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏.‏ وسُبْحَانَ الله والحَمْدُ لله ولاَ إلَه إلا الله وَالله أَكْبَرُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إلاّ بالله، ثُمّ قالَ رَبّ اغْفِرْ لِي أَوْ قالَ ثُمّ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ، فإِنْ عَزَمَ وتَوَضّأ ثُم صَلّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏

3543- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، حدثنا مَسْلَمَةُ بنُ عَمْرٍو قالَ‏:‏ ‏"‏كانَ عُمَيْرُ بنُ هَانِيءٍ يُصَلّي كُلّ يَوْمٍ أَلْفَ سَجْدَةٍ وَيُسَبّحُ مائَةَ أَلْفِ تَسْبِيحَةٍ‏"‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة‏)‏ بكسر الراء وسكون الزاي‏:‏ غزوان أبو عمرو المروزي ثقة من العاشرة ‏(‏حدثنا الوليد بن مسلم‏)‏ القرشي الدمشقي ‏(‏حدثني عمير بن هانئ‏)‏ العنسي أبو الوليد الدمشقي الداراني ثقة من كبار الرابعة ‏(‏حدثني جنادة بن أبي أمية‏)‏ بضم جيم وتخفيف نون وإهمال دال الأزدي أبو عبد الله الشامي يقال إسم أبي أمية كثير‏:‏ قال في التقريب مختلف في صحبته، فقال العجلي تابعي ثقة والحق أنهما إثنان صحابي وتابعي متفقان في الإسم وكنية الأدب وقد بينت ذلك كتابي في الصحابة، ورواية جنادة الأزدي عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن النسائي‏.‏ ورواية جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت في الكتب الستة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏من تعار‏"‏ بعين مهملة وراء مشددة أي انتبه من النوم واستيقظ ولا يكون إلا يقظة مع كلام، وقيل هو تمطي وأن كذا في النهاية، وقال الحافظ في الفتح وقال الأكثر‏:‏ التعار اليقظة مع صوت، وقال ابن التين‏:‏ ظاهر الحديث أن معنى تعار استيقظ لأنه قال من تعار فقال فعطف القول على التعار انتهى‏.‏ ويحتمل أن تكون الفاء تفسيرية لما صوت به المستيقظ لأنه قد يصوت بغير ذكر فخص الفضل المذكور عن صوت بما ذكر من ذكر الله تعالى‏.‏ وهذا هو السر في اختيار لفظ تعار دون استيقظ أو انتبه، وإنما يتفق ذلك لمن تعوذ الذكر واستأنس به وغلب عليه حتى صار حديث نفسه في نومه ويقظته، فأكرم من اتصف بذلك بإجابة دعوته وقبول صلاته ‏"‏ثم قال رب اغفر لي أو قال ثم دعا‏"‏ كلمة أو للشك والشك من الوليد ففي رواية الإسماعيلي‏:‏ ثم قال رب اغفر لي غفر له أو قال فدعا استجيب له شك الوليد وكذا في رواية أبي داود وابن ماجة غفر له قال الوليد أو قال دعا استجيب له ‏"‏استجيب له‏"‏ قال ابن الملك المراد بها الاستجابة اليقينية لأن الاحتمالية ثابتة في غير هذا الدعاء‏.‏ وقال بعض أهل العلم‏:‏ استجابة الدعاء في هذا الموطن وكذا مقبولية الصلاة فيه أرجى منهما في غيره ‏"‏فإن عزم‏"‏ قال في القاموس عزم على الأمر يعزم عزماً ويضم ومعزماً وعزماناً وعزيماً وعزيمة وعزمه واعتزمه وعليه وتعزم أراد فعله وقطع عليه وجد في الأمر ‏"‏قبلت صلاته‏"‏ قال ابن مالك‏:‏ وهذه المقبولية اليقينية على الصلاة المتعقبة على الدعوة الحقيقية كما قبلها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسلمة بن عمر‏)‏ الشامي أبو عمرو مجهول من الثامنة كذا في التقريب، قلت‏:‏ وذكره ابن حبان في الثقات‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ألف سجدة‏)‏ أي ألف ركعة‏.‏

1927- باب منه

3544- حدثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا النّضْرُ بنُ شُمَيْل وَوَهْبُ بنُ جَرِيرٍ وَ أَبُو عامِرٍ العَقَدِيّ و عَبْدُ الصّمَدِ بنُ عَبْدِ الوَارِثِ قالُوا‏:‏ حدثنا هِشَامٌ الدّسْتَوَائِيّ عَن يَحْيىَ بنِ أَبي كَثِيرٍ عَن أبي سَلَمَةَ قالَ‏:‏ حدثني رَبِيعَةُ بنُ كَعْبٍ الأسْلَمِيّ قالَ‏:‏ ‏"‏كُنْتُ أبِيتُ عِنْدَ بَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فأُعْطِيهُ وَضُوءَهُ فأسْمعُهُ الهَوِيّ مِنَ اللّيْلِ يَقُولُ‏:‏ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ‏.‏ وأَسْمَعُهُ الْهَوِيّ مِنَ اللّيْلِ يَقُولُ‏:‏ الْحَمْدُ لله رَبِ العَالمِينَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق بن منصور‏)‏ بن بهرام الكوسج ‏(‏عن أبي سلمة‏)‏ ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري ‏(‏حدثني ربيعة بن كعب‏)‏ بن مالك الأسلمي أبو فران المدني صحابي من أهل الصفة، ومنهم من فرق بين ربيعة وأبي فراس الأسلمي مات ربيعة سنة ثلاث وسبعين بعد الحرة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏كنت أبيت‏)‏ وفي رواية لأحمد كنت أنام ‏(‏عند باب النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ وفي رواية النسائي عند حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏فأعطيه وضوءه‏)‏ بفتح الواو أي ماء وضوئه ‏(‏فأسمعه‏)‏ بصيغة المتكلم والضمير المنصوب للنبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏الهويصس من الليل‏)‏‏.‏ بفتح الهاء وكسر الواو ونصب الياء المشددة قال الطيبي‏:‏ الحين الطويل من الزمان‏.‏ وقيل مختص بالليل، والتعريف هنا لاستغراق الحين الطويل بالذكر بحيث لا يفتر عنه بعضه والتنكير لا يفيده نصاً كما تقول‏:‏ قال زيد اليوم أي كله أو يوماً أي بعضه، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أسرى بعبده ليلاً‏}‏ أي بعضاً منه ‏"‏يقول سمع الله لمن حمده الخ‏"‏ وفي رواية النسائي فكنت أسمعه أي إذا أقام من الليل يقول ‏"‏سبحان رب العالمين الهوي‏"‏ ثم يقول ‏"‏سبحان الله وبحمده الهوي‏"‏، وفي رواية لأحمد‏:‏ فكنت أسمعه إذا قام من الليل يصلي يقول ‏"‏الحمد لله رب العالمين الهوي‏"‏ قال ثم يقول‏:‏ ‏"‏سبحان الله العظيم وبحمده الهوي‏"‏‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي‏.‏

1928- باب منه

3545- حدثنا عُمَرُ بنُ إِسْمَاعِيلَ بنُ مُجَالِدِ بنِ سَعِيدٍ الهَمْدَانِيّ، حدثنا أبِي عَن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عَن رِبْعيّ عَن حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ رضي الله عنهما ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قالَ‏:‏ اللّهُمّ باسْمِكَ أَمُوتُ وأحْيَا، وإذَا اسْتَيْقَظَ قالَ‏:‏ الْحَمْدُ لله الّذِي أحْيَا نَفْسِي بَعْدَ ما أَمَاتَهَا وَإِلَيْهِ النّشُورُ‏"‏‏.‏

هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد بن الهمداني‏)‏ الكوفي متروك من صغار العاشرة، ووقع في النسخة الاحمدية عمرو بن إسماعيل بالواو وهو غلط ‏(‏عن ربعي‏)‏ بن حراش‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏اللهم بإسمك أموت وأحيى‏"‏ أي بذكر إسمك أحيى ما حييت وعليه أموت، ويسقط بهذا سؤال من يقول بالله الحياة والموت لا بإسمه، ويحتمل أن يكون لفظ الإسم هنا زائداً كما في قول الشاعر‏:‏

إلى الحول ثم إسم السلام عليكما ***

‏"‏قال الحمد لله الذي أحيا نفسي بعد ما أماتها‏"‏ قيل هذا ليس إحياء ولا إماتة بل إيقاظ وإنامة، وأجيب بأن الموت عبارة عن انقطاع تعلق الروح بالبدن وذلك قد يكون ظاهراً فقط وهو النوم ولهذا يقال إنه آخر الموت أو ظاهراً وباطناً وهو الموت المتعارف أو أطلق الإحياء والإماتة على سبيل التشبيه وهو استعارة مصرحة‏.‏ وقال أبو إسحاق الزجاج‏:‏ النفس التي تفارق الإنسان عند النوم هي التي للتمييز والتي تفارقه عند الموت هي التي للحياة وهي التي تزول معها النفس، وسمي النوم موتاً لأنه يزول معه العقل والحركة تمثيلاً وتشبيهاً ‏"‏وإليه النشور‏"‏ أي البعث يوم القيامة والإحياء بعد الإماتة، يقال نشر الله الموتى فنشروا أي أحياهم فحيوا قاله الحافظ‏.‏ وقال في النهاية‏.‏ يقال نشر الميت نشوراً إذا عاش بعد الموت وأنشره الله أي أحياه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ في إسناده عمر بن إسماعيل بن مجالد وهو متروك كما عرفت فتصحيحه لمجيئه من طرق أخرى صحيحة والحديث أخرجه أيضاً البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأخرجه مسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه‏.‏

1929- باب مَا جاءَ مَا يَقُولُ إذَا قامَ مِنَ اللّيْلِ إلى الصّلاة

3546- حدثنا الأنْصَارِيّ، أخبرنا مَعْنٌ، حدثنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ عَن أبي الزّبَيْرِ عَن طَاوُسٍ اليَمَانيّ عَن عَبْدِ الله بنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قامَ إلى الصّلاةِ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ يَقُولُ‏:‏ اللّهُمّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السّمَاوَاتِ والأرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قيّامُ السّمَاواتِ والأَرْضِ‏.‏ وَلَكَ الْحَمدُ أَنْتَ رَبّ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنّ، أَنْتَ الحَقّ، وَوَعْدُكَ الحَقّ، ولِقَاؤُكَ حَقّ، والْجَنةُ حَقّ، والنّارُ حَقّ، والسّاعَةُ حَقّ‏.‏ اللّهُمّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وإلَيْكَ حَاكَمْتُ، فاغْفِرْ لِي مَا قَدّمْتُ وَما أَخّرْتُ وَما أَسْرَرْتُ ومَا أَعْلَنْتُ‏.‏ أَنْكَ إِلهِي لا إلَهَ إلاّ أَنْتَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ مِنَ غَيْرِ وَجْهٍ عَن ابنِ عمر عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل‏)‏ قال الحافظ‏:‏ ظاهر السياق أنه كان يقوله أول ما يقوم إلى الصلاة وترجم عليه ابن خزيمة الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول هذا التحميد بعد أن يكبر ثم ساقه من طريق قيس بن سعد عن طاؤس عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للتهجد قال بعدما يكبر‏:‏ اللهم لك الحمد انتهى ‏"‏لك الحمد‏"‏ تقديم الخبر يدل على التخصيص ‏"‏أنت نور السماوات والأرض‏"‏ أي منورهما وخالق نورهما، وقال ابن عباس هادي أهلهما‏.‏ وقيل ‏"‏منزه في السماوات والأرض من كل عيب ومبرؤ من كل ريبة‏"‏، وقيل هو إسم مدح يقال فلان نور البلد وشمس الزمان، وقال أبو العالية‏:‏ ‏"‏مزين السماوات بالشمس والقمر والنجوم ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء والأولياء‏"‏، وقال ابن بطال‏:‏ ‏"‏أنت نور السماوات والأرض‏"‏ أي بنورك يهتدي من في السماوات والأرض وقيل معناه ذو نور السماوات والأرض ‏"‏يأنت قيام السماوات والأرض‏"‏ وفي رواية قيم وفي أخرى قيوم وهي من أبنية المبالغة وهي من صفات الله تعالى ومعناها القائم بأمور الخلق ومدبر العالم في جميع أحواله وأصلها من الواو قيوام وقيوم وقيووم بوزن فيعال فيعول، والقيوم من أسماء الله تعالى المعدودة وهو القائم بنفسه مطلقاً لا بغيره وهو مع ذلك يقوم به كل موجود حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إلا به كذا في النهاية ‏"‏أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن‏"‏ قال في النهاية‏.‏ الرب يطلق في المغة على المالك والسيد والمدبر والمربى والمنعم والقيم، ولا يطلق غير مضاف إلا على الله تعالى وإذا أطلق على غيره أضيف فيقال رب كذا وقد جاء في الشعر مطلقاً على غير الله تعالى وليس بالكثير ‏"‏أنت الحق‏"‏ أي المتحقق الوجود الثابت بلا شك فيه‏.‏ قال القرطبي‏:‏ هذا الوصف له سبحانه وتعالى بالحقيقة خاص به لا ينبغي لغيره إذ وجوده لنفسه فلم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم بخلاف غيره‏.‏ وقال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يكون معناه أنت الحق بالنسبة إلى من يدعى فيه أنه إله أو بمعنى أن من سَمّاك إلهاً فقد قال الحق ‏"‏ووعدك الحق‏"‏ أي الثابت، قال الطيبي‏:‏ عرف الحق في أنت الحق ووعدك الحق ونكر في البواقي لأنه منكر سلفاً وخلفاً أن الله هو الثابت الدائم الباقي وما سواه في معرض الزوال وكذا وعده مختص بالإنجاز دون وعد غيره إما قصداً وإما عجزاً تعالى الله عنهما والتنكير في البواقي للتفخيم ‏"‏ولقاؤك حق‏"‏ اللقاء البعث أو رؤية الله تعالى، وقيل الموت وأبطله النووي، واللقاء وما ذكر بعده داخل تحت الوعد لكن الوعد مصدر وما ذكر بعده هو الموعود به ويحتمل أن يكون من الخاص بعد العام ‏"‏والساعة حق‏"‏ أي يوم القيامة، وأصل الساعة القطعة من الزمان وإطلاق إسم الحق على ما ذكر من الأمور معناه أنه لا بد من كونها وأنها مما يجب أن يصدق بها وتكرار لفظ حق للمبالغة في التأكيد ‏"‏اللهم لك أسلمت‏"‏ أي أستسلمت وانقدت لأمرك ونهيك ‏"‏وبك آمنت‏"‏ أي صدقت بك وبكل ما أخبرت وأمرت ونهيت ‏"‏وعليك توكلت‏"‏ أي فوضت الأمر إليك تاركاً للنظر في الأسباب العادية ‏"‏وإليك أتيت‏"‏ أي أطعت ورجعت إلى عبادتك أي أقبلت عليها، وقيل معناه رجعت إليك في تدبير أمري أي فوضت إليك ‏"‏وبك خاصمت‏"‏ أي بما أعطيتني من البراهين والقوة خاصمت من عاند فيك وكفر بك وقمعته بالحجة وبالسيف ‏"‏وإليك حاكمت‏"‏ أي كل من جحد الحق حاكمته إليك وجعلتك الحاكم بيني وبينه لا غيرك مما كانت تحاكم إليه الجاهلية وغيرهم من صنم وكاهن ونار وشيطان وغيرها فلا أرضى إلا بحكمك ولا أعتمد غيره، وقدم مجموع صلات هذه الأفعال عليها إشعاراً بالتخصيص وإفادة للحصر ‏"‏ما قدمت‏"‏ أي قبل هذا الوقت وما أخرت عنه ‏"‏وما أسررت وما أعلنت‏"‏ أي أخفيت وأظهرت أو ما حدثت به نفسي وما تحرك به لساني‏.‏ قال النووي‏:‏ ومعنى سؤاله صلى الله عليه وسلم المغفرة مع أنه مغفور له أنه يسأل ذلك تواضعاً وخضوعاً وإشفاقاً وإجلالاً وليقتدي به في أصل الدعاء والخضوع وحسن التضرع في هذا الدعاء المعين‏.‏ وفي هذا الحديث وغيره مواظبته صلى الله عليه وسلم في الليل على الذكر والدعاء والاعتراف لله تعالى بحقوقه والإقرار بصدقه ووعده ووعيده والبعث والجنة والنار وغير ذلك انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة‏.‏

1930- باب منه

3547- حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ عُمْرَانَ بنِ أَبي لَيْلَى، قالَ‏:‏ حدثني أبِي قال‏:‏ حدثني ابنُ أَبي لَيْلَى عَن دَاوُدَ بنِ عَلِيّ هُوَ ابنُ عَبْدِ الله بنِ عَبّاسٍ عَن أبِيهِ عَن جَدّهِ ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَيْلَةً حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ ‏"‏اللّهُمّ إِنّي أسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي، وتَجْمَعُ بهَا أمْرِي، وَتَلُمّ بهَا شَعَثِي، وتُصْلِحُ بهَا غائِبي، وَتَرْفَعُ بهَا شَاهِدِي، وَتُزَكّي بهَا عَمَلِي، وَتُلْهِمُنِي بهَا رُشْدِي، وتَرُد بهَا أُلْفَتِي، وَتَعْصِمُنِي بهَا مِنْ كُل سُوءٍ‏.‏ اللّهُمّ أعْطِني إيمَاناً وَيَقِيناً لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ‏.‏ ورَحْمَةً أَنَالُ بهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ في الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ‏.‏ اللّهُمّ إِنّي أَسْألُكَ الفَوْزَ في العطاء ويروي في القَضَاءِ وَنُزُلَ الشّهَدَاءِ وَعَيْشَ السّعَدَاءِ والنّصْرَ عَلَى الأعْدَاءِ‏.‏ اللّهُمّ إِنّي أُنْزِلُ بِكَ حَاجَتِي وَإِنْ قَصُرَ رَأْيِي وَضَعُفَ عَمَلِي افْتَقرْتُ إلى رَحْمَتِكَ‏.‏ فأسْأَلُكَ يا قَاضِيَ الأُمُورِ، وَيا شَافِيَ الصّدُورِ، كَمَا تُجِيرُ بَيْنَ البُحُورِ، أَنْ تُجِيرَني مِنْ عَذَابِ السّعِيرِ‏.‏ وَمِنْ دَعْوَةِ الثّبُورِ‏.‏ وَمِنْ فِتْنَةِ القُبُورِ‏.‏ اللّهُمّ مَا قَصُرَ عَنْهُ رَأْيِي وَلَمْ تَبْلُغْهُ نِيّتِي وَلَمْ تَبْلُغْهُ مَسْألَتِي مِنْ خَيْرٍ وعَدْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ خَيْرٍ أنْتَ مُعْطِيهِ أَحَداً مِنْ عِبَادِكَ فإِنّي أرْغَبُ إلَيْكَ فِيهِ وَأَسْأَلُكَهُ بِرَحْمَتِكَ رَبّ العَالِمِينَ‏.‏ اللّهُمّ ذَا الْحَبلِ الشّدِيدِ، وَالأمْرِ الرّشِيدِ، أَسْأَلُكَ الأمْنَ يَوْمَ الْوَعِيدِ، وَالْجَنَةَ يَوْمَ الْخُلُودِ مَعَ المُقَرّبِينَ الشّهُودِ، الرّكّعِ السّجُودِ، المُوفِينَ بالْعُهُودِ‏.‏ أنت رَحِيمٌ وَدُودٌ، وَإنّكَ تَفْعَلُ ما تُرِيدُ‏.‏ اللّهُمّ اجْعَلْنَا هادِينَ مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالّينَ وَلاَ مُضِلّينَ سَلْماً لأَوْلِيَائِكَ وَعَدُوّا لأَعْدَائِكَ نُحِبّ بِحُبّكَ مَنْ أحَبّكَ ونُعَادِي بِعَدَاوَاتِكَ مَنْ خالَفَكَ‏.‏ اللّهُمّ هَذَا الدّعاءُ وَعَلَيْكَ الاستجابَةُ وَهَذَا الْجُهْدُ وَعَلَيْكَ التّكْلاَنُ‏.‏ اللّهُمّ اجْعَلْ لِي نُوراً في قَبْرِي، وَنُوراً في قَلْبِي، ونُوراً مِنْ بَيْنِ يَدَيّ، ونُوراً مِنْ خَلْفِي، ونُوراً عَنْ يَمِيني، ونُوراً عنْ شِمَالِي، ونُوراً مِنْ فَوْقِي، وَنُوراً مِنْ تَحْتِي، وَنُوراً في سَمْعِي، وَنُوراً في بَصَرِي، وَنُوراً في شَعْرِي، وَنُوراً في بَشَرِي، وَنُوراً في لَحْمِي، وَنُوراً في دَمِي، ونوراً في عِظَامِي‏.‏ اللّهمّ أَعْظِمْ لِي نُوراً وأَعْطِنِي نُوراً وَاجْعَلْ لِي نوراً‏.‏ سُبْحَانَ الّذِي تَعَطّفَ العِزّ وقَال بِهِ، سُبْحَانَ الّذِي لَبِسَ المَجْدَ وَتكّرمَ بِهِ، سبحَان الّذِي لا يَنْبَغِي التّسْبِيحُ إلاّ لَهُ‏.‏ سُبْحَانَ ذِي الفَضْلِ وَالنّعَمِ‏.‏ سُبْحَانَ ذِي المَجْدِ والكَرَمِ، سُبْحَانَ ذِي الجَلاَلِ والإكْرَامِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَريبٌ لا نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ ابنِ أَبي لَيْلَى إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ وقَدْ رَوَى شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ الثّوْرِيّ عَن سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ عن كُرَيْبٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ ولَمْ يَذْكُرْه بِطُولِهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن‏)‏ هو الدارمي ‏(‏أخبرنا محمد بن عمران ابن أبي ليلى‏)‏ هو محمد بن عمران بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق من العاشرة ‏(‏حدثني أبي‏)‏ أي عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى مقبول من الثامنة ‏(‏حدثني ابن أبي ليلى‏)‏ هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي صدوق سيء الحفظ جداً من السابعة ‏(‏عن داود بن علي هو ابن عبد الله بن عباس‏)‏ قال في التقريب‏:‏ داود بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي أبو سلمان أمير مكة وغيرها مقبول من السادسة ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي ثقة عابد من الثالثة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏أللهم إني أسألك‏"‏ أي أطلب منك ‏(‏رحمة‏)‏ أي عظيمة كما أفاده تنكيره ‏"‏من عندك‏"‏ أي ابتداء من غير سبب ‏"‏تهدي‏"‏ أي ترشد ‏"‏بها قلبي‏"‏ إليك وتقربه لديك وخصه لأنه محل العقل ومناط التجلي ‏"‏وتجمع بها أمري‏"‏ أي أمري المتفرق، وفي رواية محمد بن نصر تجمع بها شملي أي ما تشتت من أمري وتفرق وهو من الأضداد يقال جمع الله شملهم أي ما تشتت من أمرهم وفرق الله شملهم أي ما اجتمع من أمرهم ‏"‏وتلم‏"‏ بفتح التاء وضم اللام أي تجمع ‏"‏شعثي‏"‏ بفتحتين أي ما تفرق من أمري، يقال لم الله شعث فلان أي قارب بين شتيت أموره وأصلح من حاله ما تشعث ‏"‏غائبي‏"‏ أي ما غاب عني أي باطني بكمال الإيمان والأخلاق الحسان والملكات الفاضلة ‏"‏شاهدي‏"‏ أي ظاهري بالعمل الصالح والخلال الحميدة ‏"‏وتزكي بها عملي‏"‏ أي تزيده وتنميه وتطهره من الرياء والسمعة ‏"‏وتلهمني بها رشدي‏"‏ أي تهديني بها ما يرضيك ويقربني إليك ‏"‏وترد بها ألفتي‏"‏ بضم الهمزة وتكسر أي أليفى أو مألوفي أي ما كنت آلفه ‏"‏وتعصمني‏"‏ أي تمنعني وتحفظني ‏"‏بها من كل سوء‏"‏ أي تصرفني عنه وتصرفه عني ‏"‏ليس بعده كفر‏"‏ فإن القلب إذا تمكن منه نور اليقين انزاح عنه ظلام الشك وغيم الريب ‏"‏ورحمة‏"‏ أي عظيمة ‏"‏أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والاَخرة‏"‏ أي علو القدر فيهما ‏"‏الفوز في القضاء‏"‏ أي الفوز باللطف فيه ‏"‏نزل الشهداء‏"‏ النزل بضمتين وقد تسكن الزاي أي منزلهم في الجنة أو درجتهم في القرب منك لأنه محل المنعم عليهم وهو صلى الله عليه وسلم وإن كان أعظم ومنزله أوفي وأفخم لكنه ذكره للتشريع‏.‏ قاله المناوي، وقال في المجمع أصله قرى الضيف يريد ما للشهداء من الأجر ‏"‏وعيش السعداء‏"‏ الذين قدرت لهم السعادة الأخروية ‏"‏إني أنزل‏"‏ بصيغة المتكلم من باب الأفعال أي أحل ‏"‏بك حاجتي‏"‏ أي أسألك قضاء ما أحتاجه من أمر الدارين ‏"‏وإن قصر رأيي‏"‏ بتشديد الصاد من التقصير أي عجز عن إدراك ما هو أنجح وأصله قاله المناوي ‏"‏وضعف عملي‏"‏ أي عبادتي عن بلوغ مراتب الكمال ‏"‏فأسألك‏"‏ أي فبسبب ضعفي وافتقاري إليك أطلب منك ‏"‏يا قاضي الأمور‏"‏ حاكمها ومحكمها ‏"‏ويا شافي الصدور‏"‏ أي مداوي القلوب من أمراضها التي إن توالت عليها أهلكتها هلاك العبد ‏"‏كما تجير‏"‏ أي تفصل وتحجز ‏"‏بين البحور‏"‏ أي تمنع أحدها من الإختلاط بالاَخر مع الإتصال ‏"‏أن تجيرني‏"‏ أي تمنعني ‏(‏من عذاب السعير‏)‏ بأن تحجزه عني وتمنعه مني ‏"‏ومن دعوة الثبور‏"‏ بضم المثلثة هو الهلاك أي أجرني من أن أدعو ثبوراً‏.‏

قال الله تعالى عن أهل النار ‏{‏إذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً‏}‏ ومن فتنة القبور بأن ترزقني الثبات عند سؤال منكر ونكير ‏"‏وما قصر عنه رأيي‏"‏ أي اجتهادي في تدبيري ‏"‏ولم تبلغه نيتي‏"‏ أي تصحيحها في ذلك المطلوب ‏"‏ولم تبلغه مسألتي‏"‏ إياك ‏"‏أو خير أنت معطيه أحداً من عبادك‏"‏ أي من غير سابقه وعدله بخصوصه فلا يعد مع ما قبله تكراراً ‏"‏فإني أرغب إليك فيه‏"‏ أي في حصوله منك لي ‏"‏برحمتك‏"‏ التي لا نهاية لسعتها ‏"‏اللهم ذا الحبل الشديد‏"‏ قال في النهاية هكذا يرويه المحدثون بالباء والمراد به القرآن أو الدين أو السبب ومنه قوله تعالى ‏{‏واعتصموا بحبل الله جميعاً‏}‏ وصفه بالشدة لأنها من صفات الحبال، والشدة في الدين الثبات والاستقامة، قال الأزهري‏:‏ الصواب الحيل بالياء وهو القوة يقال حول وحيل بمعنى انتهى ‏"‏والأمر الرشيد‏"‏ أي السديد الموافق لغاية الصواب أسألك الأمن من الفزع والأهوال ‏"‏يوم الوعيد‏"‏ للكفار بالعذاب وهو يوم القيامة ‏"‏يوم الخلود‏"‏ أي خلود أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ‏"‏الشهود‏"‏ جمع الشاهد أي الناظرين إلى ربهم ‏"‏الركع السجود‏"‏ المكثرين للصلاة ذات الركوع والسجود في الدنيا ‏"‏الموفين بالعهود‏"‏ بما عاهدوا الله عليه ‏"‏ودود‏"‏ أي شديد الحب لمن والاك ‏"‏وإنك تفعل ما تريد‏"‏ فتعطي من تشاء مسؤوله وإن عظم ‏"‏هادين‏"‏ أي دالين للخلق على ما يوصلهم إلى الحق ‏"‏مهتدين‏"‏ أي إلى إصابة الصواب قولاً وعملاً ‏"‏ير ضالين‏"‏ عن الحق ‏"‏ولا مضلين‏"‏ لأحد من الخلق ‏"‏سلماً‏"‏ بكسر السين المهملة وفتحها وسكون اللام أي صلحاً ‏"‏لأوليائك‏"‏ أي حزبك ‏"‏لأعدائك‏"‏ ممن اتخذ لك شريكاً أو نداً ‏"‏نحب بحبك‏"‏ أي بسبب حبناً لك ‏"‏بعداوتك‏"‏ أي بسبب عداوتك ‏"‏من خالفك‏"‏ أي خالف أمرك ‏"‏أللهم هذا الدعاء‏"‏ أي ما أمكننا منه قد أتينا به ولم نأل جهداً وهو مقدورنا ‏"‏وعليك الإجابة‏"‏ فضلاً منك لا وجوباً ‏"‏وهذا الجهد‏"‏ بالضم وتفتح الوسع والطاقة ‏"‏وعليك التكلان‏"‏ بضم التاء أي الاعتماد ‏"‏أللهم إجعل لي نوراً‏"‏ أي عظيماً فالتنوين للتعظيم ‏"‏ونوراً في قبري‏"‏ أستضيء به في ظلمة اللحد ‏"‏ونوراً من بين يدي‏"‏ أي يسعى أمامي ‏"‏ونوراً من خلفي‏"‏ أي من ورائي ليتبعني أتباعي ويقتدي بي أشياعي ‏"‏ونوراً عن يميني ونوراً عن شمالي ونوراً من فوقي ونوراً من تحتي‏"‏ يعني إجعل النور يحفني من جميع الجهات الست ‏"‏ونوراً في سمعي ونوراً في بصري‏"‏ وبزيادة ذلك تزداد المعارف ‏"‏ونوراً في بشري‏"‏ بفتح الباء والشين المعجمة أي ظاهر جلدي ‏"‏ونوراً في لحمي‏"‏ الظاهر والباطن ‏"‏ونوراً في دمي ونوراً في عظامي‏"‏ نص على المذكورات كلها لأن إبليس يأتي الإنسان من هذه الأعضاء فيوسوسهم فدعا بإثبات النور فيها ليدفع ظلمته ‏"‏أللهم أعظم لي نوراً وأعطني نوراً وإجعل لي نوراً‏"‏ عطف عام على خاص خاص أي إجعل لي نوراً شاملاً للأنوار المتقدمة وغيرها قال القرطبي‏:‏ هذه الأنوار التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكن حملها على ظاهرها فيكون سأل الله تعالى أن يجعل له في كل عضو من أعضائه نوراً يستضيء به يوم القيامة في تلك الظلم هو ومن تبعه أو من شاء الله منهم‏.‏ قال والأولى أن يقال هي مستعارة للعلم والهداية كما قال تعالى ‏{‏فهو على نور من ربه‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس‏}‏ ثم قال والتحقيق في معناه أن النور مظهر ما نسب إليه وهو يختلف بحسبه فنور السمع مظهر للمسموعات ونور البصر كاشف للمبصرات ونور القلب كاشف عن المعلومات ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات قال الطيبي‏:‏ معنى طلب النور للأعضاء عضواً عضواً أن يتحلى بأنوار المعرفة والطاعات ويتعرى عما عدهما فإن الشياطين تحيط بالجهات الست بالوساوس فكان التخلص منها بالأنوار السادة لتلك الجهات قال وكل هذه الأمور راجعة إلى الهداية والبيان وضياء الحق، وإلى ذلك يرشد قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الله نور السماوات والأرض‏}‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء‏}‏ انتهى ملخصاً ‏"‏تعطف العز‏"‏ قال الجزري في النهاية أي التردي بالعز العطاف والمعطف الرداء وقد تعطف به واعتطف وتعطفه واعتطفه وسمي عطافاً لوقوعه على عطفي الرجل وهما ناحيتا عنقه والتعطف في حق الله تعالى مجاز يراد به الاتصاف كأن العز شمله شمول الرداء ‏(‏وقال به‏)‏ أي أحبه واختصه لنفسه كما يقال فلان يقول بفلان أي بمحبته واختصاصه، د وقيل معناه حكم به، فإن القول يستعمل معنى الحكم وقال الأزهري‏:‏ معناه غلب به وأصله من القيل الملك لأنه ينفذ قوله كذا في النهاية ‏(‏لبس المجد‏)‏ أي ارتدى بالعظمة والكبرياء ‏"‏وتكرم به‏"‏ أي تفضل وأنعم على عباده ‏"‏لا ينبغي التسبيح إلا له‏"‏ أي لا ينبغي التنزيه المطلق إلا لجلاله تقدس ‏"‏ذي الفضل‏"‏ أي الزيادة في الخير ‏"‏والنعم‏"‏ جمع نعمة بمعنى إنعام ‏"‏ذي الجلال والإكرام‏"‏ أي الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم أو الذي يقال له ما أجلك وما أكرمك‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه محمد بن نصر المروزي في قيام الليل والطبراني في معجمه الكبير والبيهقي في كتاب الدعوات‏.‏

قال المناوي‏:‏ وفي أسانيده مقال لكنها تعاضدت ‏(‏لا نعرف مثل هذا‏)‏ أي مطولاً ‏(‏وقد روى شعبة وسفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بعض الحديث‏)‏ أي مختصراً ‏(‏ولم يذكره‏)‏ أي لم يذكر أحد منهما، ورواية شعبة والثوري هذه أخرجها الشيخان وغيرهما‏.‏

1931- باب مَا جَاءَ في الدّعَاءِ عنْدَ افْتِتَاحِ الصّلاَةِ باللّيْل

3548- حدثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا أخبرنا عُمَرُ بنُ يُونُسَ حدثنا عِكْرِمَةُ بنُ عَمّارٍ، أخبرنا يَحْيَى بنُ أبي كَثِيرٍ قَالَ‏:‏ حدثني أَبُو سَلَمَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها بِأَيّ شَيْءٍ كانَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَفْتَتِحُ صَلاَتَهُ إذَا قَامَ مِنَ اللّيْلِ‏؟‏ قَالَتْ كانَ إذَا قَامَ مِنَ اللّيْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ فَقَالَ‏:‏ اللّهُمّ رَبّ جِبْرِيلَ وَمِيكائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السّمَواتِ وَالأَرْضِ وعَالِمَ الغَيْبِ وَالشّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فيما كَانُوا فيه يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقّ بإِذْنِكَ إِنّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى بن موسى‏)‏ البلخي المعروف بخط ‏(‏حدثني أبو سلمة‏)‏ ابن عبد الرحمن بن عوف‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏أللهم رب جبرئيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض‏"‏ أي مبدعهما ومخترعهما‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ قال العلماء خصهم بالذكر وإن كان الله تعالى رب كل المخلوقات كما تقرر في القرآن والسنة من نظائره من الإضافة إلى كل عظيم المرتبة وكبير الشأن دون ما يستحقر ويستصغر فيقال له سبحانه وتعالى رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم ورب الملائكة والروح، رب المشرقين ورب المغربين، رب الناس ملك الناس إله الناس رب العالمين، فكل ذلك وشبهه وصف له سبحانه بدلائل العظمة وعظيم القدرة والملك، ولم يستعمل ذلك فيما يحتقر ويستصغر فلا يقال رب الحشرات وخالق القردة والخنازير وشبه ذلك على الإفراد وإنما يقال خالق المخلوقات وخالق كل شيء وحينئذ تدخل هذه في العموم انتهى ‏"‏عالم الغيب والشهادة‏"‏ أي بما غاب وظهر عند غيره ‏"‏أنت تحكم بين عبادك‏"‏ يوم القيامة ‏"‏فيما كانوا فيه يختلفون‏"‏ أي من أمر الدين في أيام الدنيا ‏"‏اهدني لما اختلف فيه‏"‏ أي تبتني عليه كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏اهدنا الصراط المستقيم‏}‏ ‏"‏من الحق‏"‏ بيان لما ‏"‏بإذنك‏"‏ أي بتقوفيقك وتيسيرك ‏"‏إنك على صراط مستقيم‏"‏ أي على طريق الحق والعدل، وفي رواية مسلم وغيره إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان‏.‏

1932- باب منه

3549- حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبي الشّوَارِبِ، حدثنا يُوسُفُ بنُ المَاجِشُونَ قالَ‏:‏ أَخْبَرني أبي عَن عَبْدِ الرّحْمَن الأَعْرَجِ عن عُبَيْدِ الله بنِ أبي رَافِعٍ عَن عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ في الصّلاةِ قَالَ‏:‏ وَجّهْتُ وَجْهِيَ لِلّذِي فَطَرَ السّمَاوَاتِ والأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكينَ إنّ صَلاَتي ونُسُكِي ومَحْيَايَ وَمَمَاتي لله رَبّ العَالِمَينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمينَ‏.‏ اللّهُمّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبّي وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلمْتُ نَفْسِي واعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبي جَمِيعاً إِنّهُ لاَ يَغْفِر الذّنُوبَ إلاّ أَنْتَ واهْدِني لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لا يَهْدِي لأحْسَنِها إلاّ أنْتَ واصْرِفْ عَنّي سَيّئَهَا إنّه لاَ يَصْرِفُ عَنّي سَيّئَهَا إلاّ أَنْتَ آمَنْتُ بِكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ‏.‏ فإِذَا رَكَعَ قَالَ‏:‏ اللّهُمّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي ومُخّي وَعظْمِي وعَصَبِي‏.‏ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَالَ‏:‏ اللّهّمّ رَبّنَا لَكَ الحَمدُ مِلْءَ السّمَاوَاتِ والأَرَضِينَ وَمَا بَيْنَهُمَا ومِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ فَإِذَا سَجَدَ قَالَ‏:‏ اللّهُمّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي للّذِي خَلَقَهُ فَصَوّرَهُ وشَقّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ فَتَبَارَكَ الله أحْسَنُ الخَالِقِينَ‏.‏ ثُمّ يَكُونُ آخِرُ مَا يَقُولُ بَيْنَ التّشَهّدِ والسّلاَمِ‏:‏ اللّهْمّ اغْفِرْ لِي مَا قَدّمْتُ وَمَا أخّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّي أَنْتَ المُقَدّمُ وَأنْتَ المُؤَخّرُ لاَ إلَهَ إلاّ أنْتَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ ذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3550- حدثنا الحَسَنُ بنُ عَلِيّ الخَلالُ، حدثنا أبُو الوَلِيدِ الطّيَالِسيّ، حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ أَبي سَلَمَةَ ويُوسُفُ بنُ المَاجِشُونَ قَالَ عَبْدُ العَزِيزِ، حدثني عَمّي وَقَالَ يُوسُفُ‏:‏ أَخْبَرَني أَبي قَالَ‏:‏ حدثني الأَعْرَجُ عَن عُبَيْدِ الله بنِ أَبي رَافِعٍ عَن عَلِيّ بنِ أبي طَالِبٍ ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ إلَى الصّلاةِ قَالَ‏:‏ ‏"‏وَجّهْتُ وَجْهِي لِلّذِي فَطَرَ السّمَاواتِ والأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إنّ صَلاَتِي وَنُسِكي وَمَحْيَايَ ومَمَاتِي لله رَبّ العَالِميَنَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأنَا مِنَ المُسْلِمِينَ‏.‏ اللّهُمّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ إلاّ أَنْت، أنْتَ رَبّي وَأنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي واعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذنوبي جَمِيعاً إنّهُ لا يَغْفِرُ الذّنُوبَ إلاّ أنْتَ واهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلاّ أَنْتَ واصْرِفْ عَنّي سَيّئَها لا يَصْرِفُ عَنّي سَيّئَهَا إلا أَنْتَ، لَبّيْكَ وَسَعْدَيْكَ والْخَيْرُ كُلّهُ في يَدَيْكَ، والشّرّ لَيْسَ إلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ‏.‏ فإِذَا رَكَعَ قالَ‏:‏ اللّهُمّ لَكَ رَكَعْتُ وبِكَ آمَنْتُ ولَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وبَصَرِي وعِظَامِي وعَصَبي‏.‏ وَإذَا رَفَعَ قالَ‏:‏ اللّهُمّ رَبّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السّمَاءِ ومِلْءَ الأرْضِ ومِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ‏.‏ فإِذَا سَجَدَ قالَ‏:‏ اللّهُمّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وجْهِي للّذِي خَلَقَهُ وصَوّرَهُ وشَقّ سَمْعَهُ وبَصَرَهُ فَتَبَارَكَ الله أَحسَنُ الْخَالِقِينَ‏.‏ ثُمّ يَقُولُ‏:‏ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التّشَهّدِ وَالتّسْلِيمِ‏:‏ اللّهُمّ اغْفِرْ لِي مَا قَدّمْتُ ومَا أخّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وما أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّي، أنْتَ المُقَدّمُ وَأنْتَ المُؤَخّرُ لا إله إلاّ أَنْتَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3551- حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الْخَلاّلُ، أخبرنا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيّ، أخبرنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ أَبي الزّنَادِ عَن مُوسَى بنِ عُقْبَةَ عَن عَبْدِ الله بنِ الفَضْلِ عَن عَبْدِ الرّحمَنِ الأعْرَجِ عَن عُبَيْدِ الله بنِ أَبي رَافِعٍ عَن عَلَيّ بنِ أَبي طَالِبٍ عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَنّهُ كانَ إِذَا قَامَ إلى الصّلاَةِ المَكْتُوبَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَصْنَعُ ذَلِكَ أيْضاً إِذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَصْنَعُهَا إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوعِ ولاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ في شَيْءٍ مِنْ صَلاَتِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فإِذَا قامَ مِنْ سَجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ فَكَبّرَ‏.‏ وَيَقُولُ حِينَ يَفْتَتِحُ الصّلاَةَ بَعْدَ التّكْبِيرِ‏:‏ وَجّهْتُ وَجْهِيَ لِلّذِي فَطَرَ السّمَوَاتِ والأرْضَ حَنِيفاً ومَا أنَا مِنَ المُشْرِكِينَ‏.‏ إنّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبّ العَالِميَنَ‏.‏ لا شَرِيكَ لَهُ وبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأَنَا مِنَ المُسْلِميِنَ، اللّهُمّ أَنْتَ المَلِكُ لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحَانكَ أَنْتَ رَبّي وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي واعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فاغْفِرْ لِي ذَنْبِي جَمِيعاً إِنّهُ لا يَغْفرُ الذّنُوبِ إلاّ أنْتَ وَاهْدِني لأحْسَنِ الأخْلاقِ لاَ يَهْدِي لأحْسَنِهَا إلاّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنّي سَيّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنّي سَيّئَهَا إلاّ أَنْتَ لَبّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وأَنَا بِكَ وَإليْكَ ولاَ مَنْجَا مِنْكَ وَلاَ مَلْجَأَ إلاّ إلَيْكَ‏.‏ أَسْتَغْفِرُكَ وَأتُوبُ إلَيْكَ‏"‏‏.‏ ثُمّ يَقْرَأُ فإِذَا رَكَعَ كانَ كَلاَمُهُ في رُكُوعِهِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ ‏"‏اللّهُمّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وَأَنْتَ رَبّي‏.‏ خَشَعَ سَمْعِي وَبَصَرِي ومُخّي وَعَظْمِي لله رَبّ العَالمِينَ‏"‏‏.‏ فإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرّكُوعِ قالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمّ يُتْبِعُهَا‏:‏ ‏"‏اللّهُمّ رَبّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السّماوَاتِ والأرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، فإِذَا سَجَدَ قالَ في سُجُودِهِ اللّهُمّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وأَنْتَ رَبّي سَجَدَ وَجْهِي للّذِي خَلَقَهُ وَشَقّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ الله أحْسَنُ الخَالِقينَ‏"‏‏.‏ وَيَقُولُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصّلاَةِ‏:‏ ‏"‏اللّهُمّ اغْفِرْ لِي مَا قَدّمْتُ وما أَخّرْتُ وما أَسْرَرْتُ ومَا أَعْلَنْتُ وأَنْتَ إلهِي لا إلَهَ إلاّ أنْتَ‏"‏ قال هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ الشّافِعِيّ وأَصْحَابِنَا‏.‏ ‏(‏وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ أَهْلِ الكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُ‏:‏ هَذَا في صَلاَةِ التّطَوّعِ ولاَ يَقُولُهُ في المَكْتُوبَةِ‏)‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وأحمد لا يراه، سَمِعْتُ أَبَا إسْمَاعيلَ يعني التّرْمِذِيّ محمد بن اسماعيل بن يوسف يَقُولُ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بنَ دَاوُدَ الهاشِمِيّ يَقُولُ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فقالَ هَذَا عِنْدَنَا مِثْلُ حَدِيث الزّهْرِيّ عَن سالِمٍ عَن أَبِيهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يوسف بن الماجشون‏)‏ هو يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون أبو سلمة المدني ثقة من الثامنة، والماجشون بكسر الجيم وضم الشين المعجمة وهو أبيض الوجه مورده لفظ أعجمي قاله النووي، وقال في المعنى بفتح جيم وقيل بكسرها وبشين معجمة مضمومة وبنون وهو معرب ما كون أي شبه القمر سمي به لحمرة وجنتيه يوسف الماجشون وفي بعضها ابن الماجشون وكلاهما صحيح وهو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة وهو لقب يعقوب وجرى على أولاده وأولاد أخيه ولذا وقع في بعض الروايات عبد العزيز الماجشون وفي بعضها ابنه انتهى ‏(‏أخبرني أبي‏)‏ أي يعقوب بن أبي سلمة الماجشون والتيمي مولاهم أبو يوسف المدني صدوق من الرابعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏كان إذا قام في الصلاة قال وجهت الخ‏)‏ وفي الرواية الثالثة الاَتية إذا قام إلى الصلاة المكتوبة وفيها ويقول حين يفتتح الصلاة بعد التكبير وجهت الخ ‏"‏وجهت وجهي‏"‏ بسكون الياء وفتحها أي توجهت بالعبادة بمعنى أخلصت عبادتي لله، وقيل صرفت وجهي وعملي ونيتي أو أخلصت وجهتي وقصدي ‏"‏للذي فطر السماوات والأرض‏"‏ أي إلى الذي ابتدأ خلقهما ‏"‏حنيفاً‏"‏ حال من ضمير وجهت أي مائلاً إلى الدين الحق ثابتاً عليه‏.‏ قال في النهاية‏:‏ الحنيف المائل إلى الإسلام الثابت عليه والحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم عليه السلام، وأصل الحنف الميل ‏"‏وما أنا من المشركين‏"‏ بيان للحنيف وإيضاح لمعناه، والمشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ويهودي ونصراني ومجوسي ومرتد وزنديق وغيرهم ‏"‏إن صلاتي ونسكي‏"‏ النسك الطاعة والعبادة وكل ما تقرب به إلى الله تعالى‏:‏ ‏"‏ومحياي ومماتي‏"‏ أي حياتي وموتي ويجوز فتح الياء فيهما وإسكانهما والأكثرون على فتح ياء محياي وإسكان مماتي ‏"‏لله‏"‏ أي هو خالقهما ومقدرهما وقيل طاعات الحياة والخيرات المضافة إلى الممات كالوصية والتدبير، أو حياتي وموتي لله لا تصرف لغيره فيها أو ما أنا عليه من العبادة في حياتي وما أموت خالصة لوجه الله ‏(‏رب العالمين‏)‏ بدل أو عطف بيان أي مالكهم ومربيهم وهم ما سوى الله على الأصح ‏"‏وبذلك أمرت‏"‏ أي بالتوحيد الكامل الشامل للإخلاص قولاً واعتقاداً ‏"‏وأنا من المسلمين‏"‏ وفي بعض النسخ وأنا أول المسلمين، وكذا في رواية لمسلم قال النووي أي من هذه الأمة، وفي أخرى له‏:‏ وأنا من المسلمين، وفي رواية أبي داود وأنا أول المسلمين‏.‏ قال أبو داود في سننه حدثنا عمرو بن عثمان أخبرنا شريح بن يزيد حدثني شعيب بن أبي حمزة قال قال لي ابن المنكدر وابن أبي فروة وغيرهما من فقهاء أهل المدينة فإذا قلت أنت فقل وأنا من المسلمين يعني قوله وأنا أول المسلمين انتهى‏.‏ وقال الشوكاني في النيل‏:‏ قال في الإنتصار إن غير النبي إنما يقول وأنا من المسلمين وهو وهم منشوء توهم أن معنى وأنا أول المسلمين أني أول شخص إتصف بذلك بعد أن كان الناس بمعزل عنه وليس كذلك بل معناه بيان المسارعة في الإمتثال لما أمر به‏.‏ ونظيره ‏{‏قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين‏}‏ وقال موسى ‏(‏وأنا أول المؤمنين‏)‏ وظاهر الإطلاق أنه لا فرق في قوله وأنا من المسلمين وقوله وما أنا من المشركين‏.‏ بين الرجل والمرأة وهو صحيح على إرادة الشخص وفي المستدرك للحاكم من رواية عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة‏:‏ ‏"‏قومي فاشهدي أضحيتك وقولي‏:‏ إن صلاتي ونسكي إلى قوله وأنا من المسلمين‏"‏‏.‏ فدل على ما ذكرناه انتهى‏.‏

‏"‏أللهم‏"‏ أي يالله والميم بدل عن حرف النداء ولذا لا يجمع بينهما إلا في الشعر ‏"‏أنت الملك‏"‏ أي القادر على كل شيء المالك الحقيقي لجميع المخلوقات ‏"‏وأنا عبدك‏"‏ أي معترف بأنك مالكي ومدبري وحكمك نافذ في ‏"‏ظلمت نفسي‏"‏ أي اعترفت بالتقصير قدمه على سؤال المغفرة أدباً كما قال آدم وحواء ‏{‏ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين‏}‏ ‏"‏إنه‏"‏ بالكسر استئناف فيه معنى التعليل والضمير للشأن ‏"‏لا يغفر الذنوب إلا أنت‏"‏ فإنك أنت الغفار الغفور ‏"‏واهدني لأحسن الأخلاق‏"‏ أي أرشدني لأكملها وأفضلها ووفقني للتخلق بها ‏"‏واصرف عني سيئها‏"‏ أي قبيحها ‏"‏تباركت‏"‏ أي استحققت الثناء، وقيل ثبت الخير عندك وقيل جئت بالبركات أو تكاثر خيرك، وأصل الكلمة للدوام والثبوت ‏"‏وتعاليت‏"‏ أي ارتفعت عظمتك وظهر قهرك وقدرتك على من في الكونين، وقيل أي عن مشابهة كل شيء ‏"‏اللهم لك ركعت وبك آمنت‏"‏ في تقديم الجار إشارة إلى التخصيص ‏"‏ولك أسلمت‏"‏ أي لك ذللت وانقدت أو لك أخلصت وجهي ‏"‏خشع‏"‏ أي خضع وتواضع أو سكن ‏"‏لك سمعي‏"‏ فلا يسمع إلا منك ‏"‏وبصري‏"‏ فلا ينظر إلا بك وإليك وتخصيصهما من بين الحواس لأن أكثر الاَفات بهما فإذا خشعتا قلت الوساوس قاله ابن الملك ‏"‏ومخي‏"‏ قال ابن رسلان المراد به هنا الدماغ وأصله الودك الذي في العظم وخالص كل شيء مخه ‏"‏وعظمي وعصبي‏"‏ فلا يقومان ولا يتحركان إلا بك في طاعتك وهن عمد الحيوان وأطنابه واللحم والشحم غاد ورائح ‏{‏فإذا رفع رأسه‏}‏ أي من الركوع ‏(‏قال‏)‏ أي بعد قوله سمع الله لمن حمده كما في الرواية الثالثة الاَتية ‏"‏ملء السماوات والأرضين‏"‏ بكسر الميم ونصب الهمزة بعد اللام ورفعها والنصب أشهر ومعناه حمداً لو كان أجساماً لملأ السماوات والأرض لعظمه‏.‏ قاله النووي ‏"‏سجد وجهي‏"‏ أي خضع وذل وانقاد ‏"‏فصوره‏"‏ زاد مسلم وأبو داود فأحسن صوره وهو الموافق لقوله تعالى فأحسن صوركم ‏"‏أحسن الخالقين‏"‏ أي المصورين والمقدرين فإنه الخالق الحقيقي المنفرد بالإيجاد والإمداد وغيره إنما يوجد صوراً مموهة ليس فيها شيء من حقيقة الخلق مع أنه تعالى خالق كل صانع وصنعته ‏{‏والله خلقكم وما تعملون‏}‏ ‏"‏ثم يكون‏"‏ أي بعد فراغه من ركوعه وسجوده ‏"‏ما قدمت‏"‏ من سيئة ‏"‏وما أخرت‏"‏ من عمل أي جميع ما فرط مني قاله الطيبي‏.‏ وقال الشوكاني في النيل‏:‏ المراد بقوله ‏"‏ما أخرت‏"‏ إنما هو بالنسبة إلى ما وقع من ذنوبه المتأخرة لأن الاستغفار قبل الذنب محال كذا قال أبو الوليد النيسابوري‏.‏ قال الإسنوي‏:‏ ولقائل أن يقول المحال إنما هو طلب مغفرته قبل وقوعه وأما الطلب قبل الوقوع أن يغفر إذا وقع فلا استحالة فيه ‏"‏وما أسررت وما أعلنت‏"‏ أي جميع الذنوب لأنها إما سر أو علن ‏"‏أنت المقدم وأنت المؤخر‏"‏ قال البيهقي قدم من شاء بالتوفيق إلى مقدمات السابقين وأخر من شاء عن مراتبهم، وقيل قدم من أحب من أوليائه على غيرهم من عبيده وأخر من أبعده عن غيره فلا مقدم لما أخر ولا مؤخر لما قدم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي مطولاً وابن ماجة مختصراً وابن حبان في صحيحه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد العزيز بن أبي سلمة‏)‏ هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ‏(‏حدثني عمي‏)‏ هو يعقوب الماجشون والد يوسف بن الماجشون قوله‏:‏ ‏"‏لبيك‏"‏ قال العلماء معناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة يقال لب بالمكان لباً وألب إلباباً أي أقام به، وأصل لبيك لبين فحذفت النون للإضافة ‏"‏وسعديك‏"‏ قال الأزهري وغيره‏.‏ معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة ومتابعة لدينك بعد متابعة ‏"‏والخير كله في يديك‏"‏ قال الخطابي وغيره‏:‏ فيه الإرشاد إلى الأدب في الثناء على الله تعالى ومدحه بأن يضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها على جهة الأدب ‏"‏والشر ليس إليك‏"‏ قال النووي‏:‏ هذا مما يجب تأويله لأن مذهب أهل الحق أن كل محدثات فعل الله تعالى وخلقه سواء خيرها وشرها وحينئذ يجب تأويله وفيه خمسة أقوال فذكرها، منها أن معناه لا يتقرب به إليك، ومنها أنه لا يضاف الشر إليك على انفراده لا يقال يا خالق القردة والخنازير ويا رب الشر ونحو هذا وإن كان خالق كل شيء ورب كل شيء أو رب كل شيء وحينئذ يدخل الشر في العموم، ومنها أن الشر لا يصعد إليك وإنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح، ومنها أن معناه والشر ليس شراً بالنسبة إليك فإنك خلقته بحكمة بالغة وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين ‏"‏أنا بك وإليك‏"‏ أي التجائي وانتمائي إليك وتوفيقي بك قاله النووي ‏"‏وعصبي‏"‏ العصب طنب المفاصل وهو ألطف من العظم ‏"‏وملء ما شئت من شيء بعد‏"‏ بالبناء على الضم أي بعد السماوات والأرض كالعرش والكرسي وغيرهما مما لم يعلمه إلا الله والمراد الاعتناء في تكثير الحمد ‏"‏ما أسررت‏"‏ أي أخفيت ‏"‏وما أسرفت‏"‏ أي جاوزت الحد ‏"‏وما أنت أعلم به مني‏"‏ أي من ذنوبي وإسرافي في أموري وغير ذلك ‏(‏أنت المقدم وأنت المؤخر‏)‏ أي تقدم من شئت بطاعتك وغيرها وتؤخر من شئت عن ذلك كما تقتضيه حكمتك وتعز من تشاء وتذل من تشاء‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا سليمان بن داود‏)‏ بن داود بن علي بن عبد الله بن عباس أبو أيوب البغدادي الهاشمي الفقيه ثقة جليل قال أحمد بن حنبل يصلح للخلافة من العاشرة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏لا منجا منك ولا ملجأ إلا إليك‏"‏ يأتي شرحه في الباب الذي بعد باب انتظار الفرج‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا الحديث عند الشافعي وبعض أصحابنا‏)‏ قال النووي في شرح مسلم في هذا الحديث استحباب دعاء الافتتاح في كل الصلوات حتى في النافلة وهو مذهبنا ومذهب كثيرين وفيه استحباب الاستفتاح بما في هذا الحديث إلا أن يكون إماماً لقوم لا يؤثرون التطويل، وفيه استحباب الذكر في الركوع والسجود والاعتدال والدعاء قبل السلام انتهى‏.‏

قلت‏:‏ القول الراجع المعول عليه هو ما ذهب إليه الشافعي ومن تبعه من العمل على هذا الحديث والله أعلم ‏(‏وقال بعض أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم يقول هذا في صلاة التطوع ولا يقوله في المكتوبة‏)‏ وهو مذهب الحنفية، وأجاب بعضهم عن هذا الحديث بأنه كان في أول الأمر‏.‏ قلت‏:‏ القول بأنه كان في أول الأمر ادعاء محض لا دليل عليه فهو مما لا يلتفت إليه، وقد تقدم الكلام في هذا مفصلاً في باب ما يقول عند افتتاح الصلاة ‏(‏سمعت أبا إسماعيل يعني الترمذي‏)‏ إسمه محمد بن إسماعيل بن يوسف ‏(‏فقال هذا عندنا مثل حديث الزهري عن سالم عن أبيه‏)‏ يعني أن حديث على هذا من أصح الأحاديث سنداً وأقواها مثل حديث الزهري عن سالم عن أبيه‏.‏

إعلم أن أهل العلم بالحديث قد اختلفوا في تعيين أصح الأسانيد، قال الحافظ ابن الصلاح في مقدمته روينا عن إسحاق بن راهويه أنه قال أصح الأسانيد كلها الزهري عن سالم عن أبيه وروينا نحوه عن أحمد بن حنبل، وروينا عن عمرو بن علي الفلاس أنه قال‏:‏ أصح الأسانيد كلها محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي، وروينا نحوه عن علي بن المديني‏.‏ وروى ذلك عن غيرهما ثم منهم من عين الراوي عن محمد وجعله أيوب الستختياني ومنهم من جعله ابن عون، وفيما نرويه عن يحي بن معين أنه قال‏:‏ أجودها الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، وروينا عن أبي بكر بن أبي شيبة أنه قال‏:‏ أصح الأسانيد كلها الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي، روينا عن أبي عبد الله البخاري صاحب الصحيح أنه قال‏:‏ أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر، وبني الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التيمي على ذلك أن أجل الأسانيد الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر واحتج بإجماع أصحاب الحديث على أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي رضي الله عنهم انتهى‏.‏