فصل: 278- باب مَا جَاءَ في كَرَاهيةِ كفّ الشّعْرِ في الصّلاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


278- باب مَا جَاءَ في كَرَاهيةِ كفّ الشّعْرِ في الصّلاة

‏(‏باب ما جاء في كراهة كف الشعر في الصلاة‏)‏ الكف الضم والجمع‏.‏

381- حدثنا يحيى بنُ موسى حدثنا عبدُ الرزاقِ أخبرنا ابنُ جُرَيجٍ عن عمرانَ بن مُوسَى عن سعيدِ بنِ أبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ عنْ أبيهِ عنْ أبي رَافعٍ ‏"‏أنه مرّ بالحسنِ بنِ علي وَهو يصلّي وقد عَقص ضَفْرَتَهُ في قفاهُ فحلّها فالتفتَ إليهِ الحسنُ مُغْضَباً فقالَ أقبلْ عَلَى صلاتِكَ ولا تغضبْ فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك كِفْلُ الشّيْطانِ‏"‏‏.‏

‏(‏قال‏)‏ وفي الباب عن أمّ سلمةَ وعبدِ الله بنِ عباسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أبي رافعٍ حديثٌ حسنٌ‏.‏ والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلمِ كرِهُوا أن يصليَ الرجلُ وهو معقوصٌ شعرُهُ‏.‏

‏(‏قال‏)‏ ‏(‏أبو عيسى‏)‏ وعمرانُ بنُ موسُى هو القُرَشيّ المكيّ وَهو أخو أيوبَ بنِ مُوسى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمران بن موسى‏)‏ بن عمرو بن سعيد بن العاص هو أخو أيوب مقبول كذا في التقريب، وقال في الخلاصة‏:‏ وثقه ابن حبان ‏(‏عن سعيد بن أبي سعيد المقبري‏)‏ ثقة تغير قبل موته بأربع سنين ‏(‏عن أبيه‏)‏ وهو أبو سعيد واسمه كيسان ثقة ثبت من الثانية ‏(‏عن أبي رافع‏)‏ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه ابراهيم وقيل أسلم أو ثابت أو هرمز مات في أول خلافة علي على الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏وقد عقص ضفرته‏"‏ قال في المجمع‏:‏ العقص جمع الشعر وسط رأسه أو لف ذوائبه حول رأسه كفعل النساء، وقال فيه أصل العقص اللي وإدخال أطراف الشعر في أصوله انتهى‏.‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ وقد غرز ضفره أي لو ى شعره وأدخل أطرافه في أصوله والمراد من الضفر المضفور من الشعر، وأصل الضفر الفتل والضفير والضفائر هي العقائص المضفورة قاله الخطابي ‏(‏في قفاه‏)‏ القفا بالفارسية يس سر يذكر ويؤنث ‏(‏فحلها‏)‏ أي أطلق ضفائره المغروزة في قفاه ‏(‏مغضباً‏)‏ بفتح الضاد ‏(‏ذلك‏)‏ أي الظفر المغروز ‏(‏كفل الشيطان‏)‏ بكسر الكاف وسكون الفاء أي موضع قعود الشيطان، وفي رواية أبي داود‏:‏ ذلك كفل الشيطان، يعني مقعد الشيطان، يعني مغرز ضفره، فقال الخطابي‏:‏ وأما الكفل فأصله أن يجمع الكساء على سنام البعير ثم يركب، قال الشاعر‏.‏

وراكب على البعير مكتفل *** يحفى على آثارها وينتعل

وإنما أمره بإرسال الشعر ليسقط على الموضع الذي يصلي فيه صاحبه من الأرض فيسجد معه، وقد روى عنه أيضاً عليه السلام‏:‏ أمرت أن أسجد على سبعة آراب وأن لا أكف شعراً ولا ثوباً انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أم سلمة وعبد الله بن عباس‏)‏ أما حديث أم سلمة فأخرجه ابن أبي حاتم في العلل‏.‏ وأما حديث عبد الله بن عباس فأخرجه الشيخان باللفظ الذي ذكره الخطابي وقد تقدم آنفاً‏.‏ وفي الباب أيضاً عن ابن مسعود أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح، وعن أبي موسى أخرجه أبو علي الطوسي في الأحكام، وعن جابر أخرجه ابن عدي في الكامل وفيه علي بن عاصم وهو ضعيف ذكره الشوكاني في النيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي رافع حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه وسكت عنه أبو داود، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يصلي الرجل وهو معقوص شعره‏)‏ قال العراقي‏:‏ وهو مختص بالرجال دون النساء لأن شعرهن عورة يجب ستره في الصلاة فإذا نقضته ربما استرسل وتعذر ستره فتبطل صلاتها، وأيضاً فيه مشقة عليها في نقضه للصلاة، وقد رخص لهن صلى الله عليه وسلم في أن لا ينقضن ضفائرهن في الغسل مع الحاجة إلى بل جميع الشعر‏.‏

279- باب مَا جَاءَ في التَخَشّعِ في الصّلاة

‏(‏باب ما جاء في التخشع في الصلاة‏)‏ التخشع هو السكون والتذلل، قيل والخشوع قريب المعنى من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن والخشوع في البصر والبدن والصوت، وقيل الخضوع في الظاهر والخشوع في الباطن‏.‏

382- حدثنا سُوَيْدُ بنُ نصرٍ، حدثنا عبدُ الله بنُ المباركِ أخبرنا الليثُ بنُ سعدٍ أخبرنا عبدُ ربّه بنُ سعيدٍ عن عمرانَ بن أنسٍ عنْ عبدِ الله بن نافعِ بن العَمْيَاءِ عن ربيعةَ بن الحارِثِ عن الفضلِ بنِ عباسٍ قال‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الصلاةُ مثْنَى مثْنَى تشهّدُ في كل ركعتينِ، وَتَخَشّعُ وَتَضرّعُ وتَمسْكَنُ ‏(‏وتذرع‏)‏ وتُقْنِعُ يديكَ‏.‏ يقول تَرْفَعُهمَا إلى رَبّكَ مستقبِلا ببطونِهما وجْهَكَ وتقولُ يا ربّ يا ربّ ومن لم يَفْعَلْ ذلك فهُو كذا وكذا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وقال غيرُ ابنِ المبارِك في هذا الحديث‏:‏ من لَمْ يفعلْ ذلك فهو خداجٌ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ سمعتُ محمدَ بنَ إسْمَاعِيلَ يقولُ‏:‏ رَوَى شعبةُ هذا الحديثَ عنْ عبدِ ربّه بنِ سعيدٍ فأخْطأَ في مَوَاضِعَ فقال عن أنس بن أبي أنس‏:‏ وهو عمرانُ بنُ أبي أنسٍ‏.‏ وقالَ عن عَبْدِ الله بن الحارثِ‏:‏ وإنما هو عبدُ الله بنُ نافعِ بن العمياء، عن ربيعة بن الحارث وقال شعبة عنْ عبد الله بنِ الحارث عن المطلبِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ وإنما هو عن ربيعة بنِ الحارث بن عبدِ المطلبِ عن الفضلِ بن عباسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال محمدٌ‏:‏ وحديثُ الليثِ بن سعدٍ ‏(‏هو حديث صحيح يعنى‏)‏ أصح من حديثِ شعبةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد ربه بن سعيد‏)‏ بن قيس الأنصاري أخو يحيى المدني ثقة من الخامسة ‏(‏عن عمران بن أبي أنس‏)‏ عن عبد الله بن نافع ‏(‏العمياء‏)‏ مجهول من الثالثة كذا في التقريب‏.‏ وقال الذهبي في الميزان‏:‏ عبد الله بن نافع بن أبي العمياء وربما قيل ابن النافع بن العمياء عن ربيعة بن الحارث، قال البخاري‏:‏ لا يصح حديثه، وقال العقيلي‏:‏ روى عنه عمران بن أبي أنس حديثه الصلاة مثنى مثنى وتضرع وتخشع الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏الصلاة مثنى مثنى‏"‏ قيل الصلاة مبتدأ ومثنى مثنى خبره، والأول تكرير والثاني توكيد ‏(‏تشهد في كل ركعة‏)‏ خبر بعد خبر كالبيان لمثنى مثنى أي ذات تشهد وكذا المعطوفات، ولو جعلت أوامر أختل النظم وذهب الطراوة والطلاوة قاله الطيبي‏.‏ وقال التوربشتي‏:‏ وجدنا الرواية فيهن بالتنوين لا غير وكثير ممن لا علم له بالرواية يسردونها على الأمر ونراها تصحيفاً كذا في المرقاة شرح المشكاة‏.‏ وقال السيوطي في قوت المغتذى‏:‏ قال العراقي‏:‏ المشهور في هذه الرواية أنها أفعال مضارعة حذف منها إحدى التاءين ويدل عليه قوله في رواية أبي داود وأن تشهد، ووقع في بعض الروايات بالتنوين فيها على الإسمية وهو تصحيف من بعض الرواة انتهى ‏(‏وتخشع‏)‏ التخشع السكون والتذلل وقيل الخشوع قريب المعنى من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن والخشوع في البصر والبدن والصوت، وقيل الخضوع في الظاهر والخشوع في الباطن، والأظهر أنهما بمعنى لقوله عليه السلام‏:‏ لو خشع قلبه لخشعت جوارحه، كذا في المرقاة‏.‏ والخشوع من كمال الصلاة قال الله تعالى ‏{‏قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون‏}‏، قال القاري‏:‏ وفي قوله تخشع إشارة إلى أنه إن لم يكن له خشوع فيتكلف ويطلب من نفسه الخشوع ويتشبه بالخاشعين ‏(‏وتضرع‏)‏ في النهاية‏:‏ التضرع التذلل والمبالغة في السؤال والرغبة، يقال ضرع يضرع بالكسر والفتح إذا خضع وذل ‏(‏وتمسكن‏)‏ قال ابن الملك‏:‏ التمسكن إظهار الرجل المسكنة من نفسه‏.‏ وقال الجزري في النهاية‏:‏ وفي أنه قال للمصلي تبأس أن تذل وتخضع وهو تمفعل من السكون، والقيام أن يقال تسكن وهو الأكثر الأفصح، وقد جاء على الأول أحرف قليلة قالوا تمدرع وتمنطق وتمندل انتهى ‏(‏وتقنع يديك‏)‏ من إقناع اليدين رفعهما في الدعاء ومنه قوله تعالى ‏{‏مقنعي رؤوسهم‏}‏ أي ترفع بعد الصلاة يديك للدعاء فعطف على محذوف أي إذا فرغت منها فسلم ثم أرفع يديك سائلاً حاجتك، فوضع الخبر موضع الطلب‏.‏ قال المظهر‏:‏ فإن قلت لو جعلتها أوامر وعطفت أمراً على أمر وقطعت تشهد عن الجملة الأولى لاختلاف الخبر والطلب لكان لك مندوحة عن هذا التقرير‏.‏ قلت‏:‏ حينئذ خرج الكلام الفصيح إلى التعاظل في التركيب وهو مذموم‏.‏ وذكر ابن الأثير أن توارد الأفعال تعاظل ونقلنا عنه في التبيان شواهد نقله الطيبي، وقوله تعاظل المشالة ففي القاموس تعظلوا عليه اجتمعوا ويوم العظالى كحبارى معروف لأن الناس ركب بعضهم بعضاً أو لأنه ركب الاثنان والثلاثة دابة كذا في المرقاة ‏(‏يقول‏)‏ أي الراوي معناه ‏(‏ترفعهما‏)‏ أي لطلب الحاجة ‏(‏إلى ربك‏)‏ متعلق بقوله تقنع وقيل يقول فاعله النبي صلى الله عليه وسلم وترفعهما ويكون تفسيراً لقوله وتقنع يديك ‏(‏مستقبلاً ببطونهما وجهك‏)‏ أي ولو كان الدعاء أستعاذة ‏(‏وتقول يا رب يا رب‏)‏ الظاهر أن المراد بالتكرار التكثير ‏(‏ومن لم يفعل ذلك‏)‏ أي ما ذكر من الأشياء في الصلاة ‏(‏فهو‏)‏ أي فعل صلاته ‏(‏كذا وكذا قال الطيبي كناية عن أن صلاته ناقصة غير تامة يبين ذلك الرواية الأخرى‏)‏ أعني قوله فهو خداج ‏(‏وقال غير ابن المبارك في هذا الحديث‏)‏ أي مكان من لم يفعل كذا وكذا ‏(‏ومن لم يفعل ذلك فهو خداج‏)‏ بكسر الخاء المعجمة أي ناقص قيل تقديره فهو ذات خداج أي صلاته ذات خداج أو وصفها بالمصدر نفسه للمبالغة، والمعنى أنها ناقصة، وفي الفائق الخداج مصدر خدجت الحامل إذا ألقت ولدها قبل وقت النتاج فاستعير والمعنى ذات نقصان فحذف المضاف، وفي النهاية وصفها بالمصدر مبالغة كقوله فإنما هي إقبال وإدبار، كذا في المرقاة، وتقدم تفسير الخداج بالبسط فتذكر‏.‏ وقال المنذري في الترغيب‏:‏ والخداج معناه ههنا الناقص في الأجر والفضيلة انتهى فتفكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخطأ في مواضع‏)‏ أي من الإسناد ‏(‏فقال عن أنس بن أنيس‏)‏ بضم الهمزة مصغراً ‏(‏قال محمد وحديث الليث بن سعد أصح من حديث شعبة‏)‏ قال المنذري في الترغيب‏:‏ قال الخطابي‏:‏ أصحاب الحديث يغلطون شعبة في هذا الحديث ثم حكى قول البخاري المتقدم وقال‏:‏ قال يعقوب بن سفيان في هذا الحديث مثل قول البخاري وخطأ شعبة وصوب ليث بن سعد وكذلك قال محمد بن إسحاق بن خزيمة انتهى‏.‏ وقال المنذري بعد ذكر حديث الباب ما لفظه‏:‏ رواه الترمذي والنسائي وابن خزيمة في صحيحه وتردد في ثبوته، رووه كلهم عن ليث بن سعد بإسناد الترمذي، قال ورواه أبو داود وابن ماجه من طريق شعبة عن عبد ربه عن ابن أبي أنس عن عبد الله بن نافع بن العمياء عن عبد الله بن الحارث عن المطلب بن أبي وداعة انتهى‏.‏ وقال ابن حجر المكي‏:‏ إسناده حسن‏.‏ قلت‏:‏ مدار هذا الحديث على عبد الله بن نافع بن العمياء وهو مجهول على ما قال الحافظ‏.‏ وقال البخاري‏:‏ لم يصح حديثه وذكره ابن حبان في الثقات‏.‏

280- باب مَا جَاءَ في كَرَاهيَةِ التشبيك بينَ الأصابِعِ ‏(‏في الصّلاةِ‏)‏

‏(‏باب ما جاء في كراهية التشبيك بين الأصابع في الصلاة‏)‏ التشبيك إدخال الأصابع بعضها في بعض‏.‏

383- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا الليثُ بن سعدٍ عن ابنِ عجلانَ عن سعيدٍ المَقْبُريّ عن رجُلٍ عن كعبِ بنِ عجرةَ‏:‏ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذا توضّأ أحدُكم فأحسنَ وضوءَهُ ثم خرجَ عامداً إلى المسجد فلا يشبّكنّ ‏(‏بين‏)‏ أصابعِه فإنهُ في صلاةٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ كعبِ بنِ عُجرةَ رواه غيرُ واحدٍ عنْ ابنِ عجْلانَ مثلَ حدِيثِ الليثِ، ورَوَى شريكٌ عنِ محمدِ بنِ عجْلانَ عن أبيهِ عن أبي هريرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوَ هذا الحديثِ‏.‏ وحديثُ شُرَيكٍ غيرُ محفوظٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه‏)‏ بمراعاة السنن وحضور القلب وتصحيح النية ‏(‏ثم خرج‏)‏ أي من بيته ‏(‏عامداً إلى المسجد‏)‏ أي قاصداً إليه ‏(‏فلا يشبكن بين أصابعه‏)‏ أي لا يدخلن بعضها في بعض ‏(‏فإنه في صلاة‏)‏ أي حكماً‏.‏ والحديث فيه كراهة التشبيك من وقت الخروج إلى المسجد للصلاة، وفيه أنه يكتب الصلاة أجر المصلى من حين يخرج من بيته إلى أن يعود إليه‏.‏ قال صاحب المنتقى بعد أن ساق هذا الحديث‏:‏ وقد ثبت في خبر ذي اليدين أنه عليه الصلاة والسلام شك أصابعه في المسجد، وذلك يفيد عدم التحريم ولا يمنع الكراهة لكونه فعله نادر انتهى‏.‏ قال الشوكاني‏:‏ قد عارض حديث الباب يعني حديث كعب بن عجرة المذكور في هذا الباب مع ما فيه هذا الحديث الصحيح في تشبيكه صلى الله عليه وسلم بين أصابعه في المسجد وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين بلفظ‏:‏ ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان وشبك بين أصابعه‏.‏ وفيهما من حديث أبي موسى‏:‏ المؤمن للمؤمن كالبنيان وشبك بين أصابعه‏.‏ وهذه الأحاديث أصح من حديث الباب ويمكن الجمع بين هذه الأحاديث بأن تشبيكه صلى الله عليه وسلم في حديث السهو كان لاشتباه الحال عليه في السهو الذي وقع منه ولذلك وقف كأنه غضبان‏.‏ وتشبيكه في حديث أبي موسى وقع لقصد التشبيه لتعاضد المؤمنين بعضهم ببعض‏.‏ كما أن البيان المشبك بعضه بعض يشد بعضه بعضاً‏.‏ وأما حديث الباب فهو محمول على التشبيك للعبث وهو منهي عنه في الصلاة ومقدماتها ولواحقها من الجلوس في المسجد والمشي إليه أو يجمع بما ذكره المصنف يعني صاحب المنتقى من أن فعله صلى الله عليه وسلم نادراً يرفع التحريم ولا يرفع الكراهة ولكن يبعد أن يفعل صلى الله عليه وسلم ما كان مكروهاً‏.‏ والأولى أن يقال إن النهي عن التشبيك ورد بألفاظ خاصة بالأمة وفعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض قوله الخاص بهم كما تقرر في الأصول انتهى كلام الشوكاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث كعب بن عجرة رواه غير واحد عن ابن عجلان مثل حديث الليث‏)‏ والحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والدارمي كذا في المشكاة‏.‏ قال ميرك‏:‏ كلهم من حديث سعيد المقبري عن رجل غير مسمى عن كعب بن عجرة لم يذكر الرجل لكن له شاهداً عند أحمد من حديث أبي سعيد ذكره القاري في المرقاة، وقد ذكر قبل هذا حديث أبي سعيد فقال‏:‏ وقد أخرج أحمد بإسناد جيد من حديث أبي سعيد يرفعه‏:‏ إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان فإن أحدكم لا يزال في الصلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه انتهى‏.‏ وقال الشوكاني في النيل‏:‏ وحديث كعب بن عجرة أخرجه أيضاً ابن ماجه وفي إسناده عند الترمذي رجل مجهول وهو الراوي له عن كعب بن عجرة وقد كنى أبو داود هذا الرجل المجهول فرواه من طريق سعد بن إسحاق قال حدثني أبو ثمامة الخياط عن كعب، وذكره ابن حبان في الثقات وأخرج له في صحيحه هذا الحديث انتهى ‏(‏وحديث شريك غير محفوظ‏)‏ لأن شريكاً قد خالف الليث بن سعد وغير واحد في روايته عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة وكان قد تغير حفظه وكان كثير الخطأ‏.‏ وأما الليث بن سعد فقد كالن ثقة ثبتاً‏.‏

281- باب ما جَاءَ في طولِ القيامِ في الصّلاة

384- حدثنا ابنُ أبي عمرَ، حدثنا سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن أبي الزبير عن جابرٍ قال‏:‏ ‏"‏قيلَ للنبيّ صلى الله عليه وسلم أيّ الصلاةِ أفضلُ‏؟‏ قال طولُ القُنُوتِ‏"‏‏.‏

‏(‏قال‏)‏ وفي البابِ عنْ عبدِ الله بن حُبْشِيّ وأنسِ ‏(‏بنِ مالكٍ‏)‏ ‏(‏عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ جابر ‏(‏بن عبدالله‏)‏ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رُوِيَ من غيرِ وجهٍ عن جابرِ بنِ عَبْدِ الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل قال طول القنوت‏"‏ هو يطلق بازاء معان، والمراد هنا طول القيام، قال النووي باتفاق العلماء ويدل على ذلك تصريح أبي داود في حديث عبد الله بن حبشي‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل قال طول القيام‏.‏ والحديث يدل على أن القيام أفضل من السجود والركوع وغيرهما، وإلى ذلك ذهب جماعة منهم الشافعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن حبشي‏)‏ بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة وكسر الشين المعجمة وشدة الياء ‏(‏وأنس بن مالك‏)‏ أما حديث عبد الله بن حبشي فأخرجه أبو داود والنسائي بلفظ‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل‏:‏ أي الأعمال أفضل‏؟‏ قال‏:‏ إيمان لا شك فيه‏.‏ الحديث، وفيه‏:‏ فأي الصلاة أفضل‏؟‏ قال‏:‏ طول القنوت‏.‏ وأما حديث أنس وأخرجه أحمد وابن حبان والحاكم في المستدرك عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل قال فيه‏:‏ فأي الصلاة أفضل‏؟‏ قال‏:‏ طول القنوت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث جابر حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه‏.‏

282- باب ما جاءَ في كثرةِ الركُوعِ والسّجودِ ‏(‏وفضله‏)‏

385- حدثنا أبو عمارٍ ‏(‏حدثنا الوليد قال‏:‏ وحدثنا أبو محمد وجابر، قال‏)‏ حدثنا الوليدُ بنُ مسلمٍ عن الأوزاعيّ ‏(‏قال‏)‏‏:‏ حدثَني الوليدُ بنُ هشامٍ المُعَيْطِيّ قال‏:‏ حدثني مَعدانُ بنُ طلحةَ اليَعْمَرِي قال‏:‏ ‏"‏لقيتُ ثَوْبانَ مولَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ له‏:‏ دُلّني على عمل يَنْفَعُنِي الله به ويُدْخِلُنِي الجنّة‏؟‏ فسكتَ عَنّي مَلِيّا ثم التفتَ إليّ فقال‏:‏ عليكَ بالسجود فإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ‏:‏ ‏"‏ما مِنْ عبدٍ يسجد لله سجدةً إلا رفعهُ الله بها درجةً وحَطّ عنه بها خَطيئة‏"‏‏.‏

386- قال معدان ‏(‏بن طلحة‏)‏ فلقيتُ أبا الدّرْداءِ فسألته عما سألتُ عنه ثَوبانَ فقالَ‏:‏ عليكَ بالسّجودِ فإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ما من عبدٍ يسجدُ لله سجدةً إلا رفعهُ الله بها درجةً وحط عنهُ بها خطيئةً‏"‏‏.‏

‏(‏قال‏:‏ ومعدان بن طلحة اليَعْمَري ويقال ابن أبي طلحة‏)‏‏.‏

‏(‏قال‏)‏ وفي البابِ عن أبي هريرةَ ‏(‏وأبي أمامة‏)‏ وأبي فاطمةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ ثوبانَ وأبي الدرداءِ في كثرةِ الركوعِ والسّجودِ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏

وقد اختلفَ أهلُ العلمِ في هذا الباب، فقالَ بعضُهُم‏:‏ طولُ القيامِ في الصلاةِ أفضلُ مِنْ كثرةِ الركوعِ والسجودِ‏.‏ وقال بعضُهُم‏:‏ كثرةُ الركوعِ والسجودِ أفضلُ من طولِ القيامِ‏.‏

وقال أحمدُ بنُ حنبل‏:‏ قد رُويَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذا حَدِيثانِ، ولم يَقضِ فيهِ بِشَيءٍ‏.‏

وقال إسحاقُ‏:‏ أمّا في النّهار فكثرةُ الركوعِ والسجودِ، وأمّا بالليلِ فطولُ القيامِ، إلاّ أن يكونَ رجلٌ له جُزْءٌ بالليلِ يأتي عَليهِ، فكثرةُ الركوعِ والسجودِ في هذا أحبّ إليّ لأنه يأتي على جُزْئِه وقد ربِحَ كثرةَ الركوعِ والسّجودِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وإنما قالَ إسحاقُ هذا لأنّه كذا وُصِفَ صلاةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم بالليل، ووصفَ طولُ القيام‏.‏ وأمّا بالنهارِ فلم يُوصفْ منْ صلاتِهِ من طولِ القيامِ ما وصفَ بالليلِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو عمار‏)‏ أسمه الحسين بن حريث بن الحسن بن ثابت مولى عمران بن حصين الخزاعي المروزي عن الفضل بن موسى والنضر بن شميل وفضيل بن عياض والوليد بن مسلم وعنه خ م د ت س د بالإجازة وثقه النسائي مات راجعاً من الحج سنة أربع وأربعين ومائتين ‏(‏حدثني معدان بن طلحة اليعمري‏)‏ قال‏:‏ الحافظ في التقريب‏:‏ معدان بن أبي طلحة ويقال بن طلحة اليعمري بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة شامي ثقة من الثانية ‏(‏قال لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ قال الحافظ ثوبان الهاشمي مولى النبي صلى الله عليه وسلم صحبه ولازمه ونزل بعده الشام ومات بحمص سنة أربع وخمسين ‏(‏فسكت عني ملياً‏)‏ قال في النهاية‏:‏ الملي الطائفة من الزمان لا حد لها، يقال مضى ملى من النهار وملى من الدهر أي طائفة منه ثم التفت إلي ‏(‏وفي رواية مسلم‏)‏ قال‏:‏ لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ أخبرني بعمل أعمله يدخلني به الله الجنة أو قال بأحب الأعمال إلى الله فسكت ثم سألته، فسكت ثم سألته الثالثة فقال‏:‏ سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏(‏فقال عليك بالسجود فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ما من عبد إلخ‏)‏ وفي رواية أحمد ومسلم وأبي داود عن ثوبان قال‏:‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ عليك بكثرة السجود فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة إلخ‏:‏ قال الشوكاني في النيل‏:‏ وهو يدل على أن كثرة السجود مرغب فيها والمراد به السجود في الصلاة وسبب الحث عليه ما ورد في حديث أبي هريرة من أن أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد، وهو موافق لقوله تعالى واسجد واقترب، كذا قال النووي، وفيه دليل لمن يقول إن السجود أفضل من القيام وسائر أركان الصلاة‏:‏ وفي هذه المسألة مذاهب قد ذكرها المصنف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وأبي فاطمة‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي بلفظ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء‏.‏ وأما حديث أبي فاطمة فلينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث ثوبان وأبي الدرداء في كثرة الركوع والسجود حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد اختلف أهل العلم في هذا فقال بعضهم طول القيام في الصلاة أفضل من كثرة الركوع والسجود‏)‏ لحديث جابر المذكور في الباب المتقدم‏:‏ وإلى ذلك ذهب الشافعي وجماعة‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ وهو الحق‏:‏ قال‏:‏ ولا يعارض حديث جابر وما في معناه الأحاديث‏:‏ الواردة في فضل السجود لأن صيغة أفعل الدالة على التفضيل إنما وردت في فضل طول القيام، ولا يلزم من فضل الركوع والسجود أفضليتهما على طول القيام وأما حديث‏:‏ ما تقرب العبد إلى الله بأفضل من سجود خفي، فإنه لا يصح لإرساله كما قال العراقي، ولأن في إسناده أبا بكر بن أبي مريم وهو ضعيف‏:‏ وكذلك أيضاً لا يلزم من كون العبد أقرب إلى ربه حال سجوده أفضليته على القيام لأن ذلك إنما هو باعتبار إجابة الدعاء‏:‏ قال العراقي‏:‏ الظاهر أن أحاديث أفضلية طول القيام محمولة على صلاة النفل التي لا نشرع فيها الجماعة وعلى صلاة المنفرد فأما الإمام في الفرائض والنوافل فهو مأمور بالتخفيف المشروع إلا إذا علم من حال المأمومين المحصورين إيثار التطويل ولم يحدث ما يقتضي التخفيف من بكاء الصبي ونحوه فلا بأس بالتطويل وعليه يحمل صلاته في المغرب بالأعراف ‏(‏وقال بعضهم كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام وممن قال بذلك بن عمر‏.‏ وقال أحمد بن حنبل قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان ولم يقض فيه بشيء‏)‏ بل توقف فيه ‏(‏وقال إسحاق أما بالنهار فكثرة الركوع والسجود‏)‏ أي أفضل من طول القيام ‏(‏وأما الليل فطول القيام‏)‏ أي أفضل من كثرة الركوع والسجود إلا أن يكون رجل له جزء بالليل يأتي عليه أي جزء من القرآن يقوم به في الليل ‏(‏فكثرة الركوع والسجود في هذا أحب إلي لأنه يأتي على جزئه وقد ربح كثرة الركوع والسجود‏)‏ والمعنى أن من كان له جزء من القرآن يقوم به كل ليلة فتكثير الركوع والسجود أفضل له لأنه يقرأ جزأه ويربح كثرة الركوع والسجود ‏(‏قال أبو عيسى‏:‏ وإنما قال إسحاق هذا لأنه كذا وصف‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ووصف طول القيام إلخ‏)‏ وكذا وجه ابن عدي قول إسحاق ولفظه على ما نقل الشوكاني في النيل‏:‏ إنما قال إسحاق هذا لأنهم وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل بطول القيام ولم يوصف من تطويله بالنهار ما وصف من تطويله بالليل انتهى‏.‏

283- باب ما جاءَ في قَتْل الحيّة والعقرب في الصلاة

باب ما جاء في قتل الأسودين في الصلاة المراد بالأسودين الحية والعقرب‏.‏

387- حدثنا عليّ بن حُجْرٍ، حدثنا إسماعيلُ بنُ علَيّةَ ‏(‏وهو ابن ابراهيم‏)‏ عن عليّ ابنِ المباركِ عن يحيَى بنِ أبي كَثيرٍ عن ضمضمِ بنِ جَوْسٍ عن أبي هُرَيرةَ قال‏:‏ ‏"‏أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقتلِ الأسْوَدَيْنِ في الصّلاةِ، الحَيّةِ والعقْربِ‏"‏‏.‏‏.‏

‏(‏قال‏)‏ وفي البابِ عن ابن عباسٍ وأبي رافع‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أبِي هرَيْرَةَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏

والعملُ عَلَى هذا عندَ بعضِ أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم وبه يقولُ أحمدُ وإسحاقُ‏.‏ وكرِهَ بعضُ أهلِ العلمِ قتلَ الحيّةِ والعَقربِ في الصّلاةِ ‏(‏و‏)‏ قالَ إبراهيمُ‏:‏ إنّ في الصلاةِ لشُغلاً‏.‏ والقولُ الأول أصحّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن علي بن المبارك‏)‏ الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون ممدوداً ثقة كان له عن يحيى بن أبي كثير كتابان أحدهما سماع والاَخر إرسال فحديث الكوفيين عنه شيء من كبار السابعة كذا في التقريب‏.‏ وقال النسائي‏:‏ ليس به بأس وقال ابن حبان‏:‏ كان متقناً ظابطاً كذا في التهذيب ‏(‏عن ضمضم بن جوس‏)‏ بفتح الجيم وسكون الواو ثم سين مهملة ويقال ابن الحارث بن جوس اليمامي ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الأسودين في الصلاة‏)‏ فيجوز قتلهما في الصلاة من غير كراهة ‏(‏الحية والعقرب‏)‏ بيان للأسودين وتسمية العقرب والحية بالأسودين من باب التغليب ولا يسمى بالأسود في الأصل إلا الحية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس وأبي رافع‏)‏ أما حديث ابن عباس فأخرجه الحاكم بإسناد ضعيف، وأما حديث أبي رافع فأخرجه ابن ماجه وفي إسناده مندل وهو ضعيف وكذلك شيخه محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، وفي الباب عن ابن عمر عن إحدى نساء النبي صلى الله عليه وسلم عنه البخاري ومسلم، وعن عائشة عند أبي يعلى الموصلي وفي إسناده معاوية بن يحيى الصد في ضعفه، وعن رجل من بني عدي بن كعب عند أبي داود بإسناد منقطع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ كذا في النسخ الموجودة عندنا، وذكر صاحب المنتقى هذا الحديث وقال رواه الخمسة وصححه الترمذي إنتهى، قال الشوكاني في النيل‏:‏ والذي في النسخ أنه قال‏:‏ حديث حسن ولم يرتفع إلى الصحة وأخرجه أيضاً ابن حبان والحاكم وصححه انتهى فظهر من كلام الشوكاني أن نسخ الترمذي مختلفة ففي بعضها حديث حسن وفي بعضها حديث حسن صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وبه يقول أحمد وإسحاق‏)‏ وقد ذهب إلى ذلك جمهور العلماء كما قال العراقي وقال وأما من قتلها في الصلاة أوهم بقتلها فعلي بن أبي طالب وابن عمر‏.‏ روى بن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح أنه رأى ريشة وهو يصلي فحسب أنها عقرب فضربها بنعله‏.‏ ورواه البيهقي أيضاً وقال فضربها برجله وقال حسبت أنها عقرب، ومن التابعين الحسن البصري وأبو العالية وعطاء ومورق العجلي وغيرهم إنتهى‏.‏ ‏(‏وكره بعض أهل العلم قتل الحية والعقرب في الصلاة قال إبراهيم‏)‏ هو النخعي ‏(‏إن في الصلاة لشغلا‏)‏ كذا روى ذلك عن إبراهيم بن أبي شيبة في المصنف‏:‏ وروى ابن أبي شيبة أيضاً عن قتادة أنه قال‏:‏ إذا لم تتعرض لك فلا تقتلها‏.‏ واستدل المانعون من ذلك إذا بلغ إلى حد الفعل الكثير كالهادويه والكارهون له كالنخعي بحديث‏:‏ إن في الصلاة لشغلاً‏.‏ وبحديث‏:‏ اسكنوا في الصلاة‏.‏ عند أبي داود، ويجاب عن ذلك بأن حديث الباب خاص فلا يعارضه ما ذكروه وهكذا يقال في كل فعل كثير ورد الإذن به كحديث‏:‏ حمله صلى الله عليه وسلم لأمامة‏.‏ وحديث‏:‏ خلعه للنعل، وحديث‏:‏ صلاته صلى الله عليه وسلم على المنبرو نزوله للسجود ورجوعه بعد ذلك، وحديث أمره صلى الله عليه وسلم بدرء المار وإن أفضى إلى المقاتلة، وحديث مشيه لفتح الباب، وكل ما كان كذلك ينبغي أن يكون مخصصاً لعموم أدلة المنع‏.‏

واعلم أن الأمر بقتل الحية والعقرب مطلق غير مقيد بضربة أو ضربتين، وقد أخرج البيهقي من حديث أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كفاك للحية ضربة أصبتها أم أخطأتها‏:‏ وهذا يوم التقييد بالضربة، قال البيهقي‏:‏ وهذا إن صح فإنما أراد والله أعلم وقوع الكفاية بها في الإتيان بالمأمور‏.‏ فقد أمر صلى الله عليه وسلم بقتلها وأراد والله أعلم إذا امتنعت بنفسها عند الخطأ ولم يرد به المنع من الزيادة على ضربة واحدة، ثم استدل البيهقي على ذلك بحديث أبي هريرة عند مسلم‏:‏ من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة أدنى من الأولى، ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة أدنى من الثانية، قال في شرح السنة‏:‏ وفي معنى الحية والعقرب كل ضرار مباح القتل كالزنانير ونحوها كذا في النيل‏.‏

284- باب ما جاء في سَجدَتي السّهْوِ قبل السلام

‏(‏باب ما جاء في سجدتي السهو قبل السلام‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ السهو الغفلة عن الشيء وذهاب القلب إلى غيره‏.‏ وفرق بعضهم بين السهو والنسيان وليس بشيء انتهى‏:‏ وقال العيني‏:‏ بينهما فرق دقيق وهو أن السهو‏:‏ أن ينعدم له شعور والنسيان له فيه شعور‏.‏

388- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا الليثُ عن ابنِ شِهابٍ عن الأعرجِ عن عبدِ الله بنِ بُحَيْنَةَ الأسْديّ حَلِيفِ بني عبدِ المطلبِ‏:‏ ‏"‏أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قامَ في صلاةِ الظهرِ وعليه جلوسٌ فلّما أتَمّ صلاتَه سجدَ سَجدَتَيْنِ يكبّرُ في كُلّ سَجْدَةٍ وهو جالسٌ قَبْلَ أنْ يسلّمَ، وسجدَهُما الناسُ معهُ مكانَ ما نَسِيَ من الجُلوسِ‏"‏‏.‏

‏(‏قال‏)‏ وفي الباب عن عبدِ الرحمَنِ بن عوفٍ‏.‏

حدثنا محمدُ بنُ بشارٍ أخبرنا عبدُ الأعْلَى و أبو داودَ قالا‏:‏ حدثنا هشامٌ عن يحيَى بن أبي كَثيرٍ عن محمد بنِ إبراهيمَ‏:‏ أنّ أبا هريرةَ ‏(‏وعبد الله بن‏)‏ السائبَ القارئ كانا يسجُدانِ سجدتَي السّهْوِ قبلَ التسليم‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ ابنِ بُحَيْنَةَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ، والعملُ على هذا عندَ بعضِ أهلِ العلمِ‏.‏ وهوَ قولُ الشافعيّ يرى سجدتي السَهوِ كُلّه قبلَ السلام ويقولُ‏:‏ هذا الناسخُ لغيرِهِ من الأحاديثِ، ويذْكُرُ أنّ آخِرَ فِعْلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ على هذا‏.‏

وقال أحمدُ وإسحاق‏:‏ إذا قام الرجلُ في الركْعَتَيْنِ فإنهُ يسجُدُ سجدَتَيْ السّهوِ قبلَ السّلامِ ‏(‏على حديث ابن بُحَينَةَ‏)‏‏.‏

وعبدُ الله بنُ بُحَيْنَةَ هوَ عبدُ الله بنُ مالكٍ ‏(‏وهو‏)‏ بنُ بحينَةَ، مالكٌ أبوه وبحينةُ أمّهُ‏.‏ هكذا أخبرني إسحاقُ بنُ منصورٍ عن عليّ بن عبد الله بنِ المدِينِيّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ واختلفَ أهلُ العلمِ في سَجْدَتَيِ السّهو متى يسجدُهُما الرجلُ قبلَ السلامِ أو بعدَه، فرأى بعضُهم أن يسجُدَهُما بعدَ السلامِ‏.‏ وهو قولُ سفيانَ الثوريّ وأهلِ الكوفةِ‏.‏ وقال بَعضُهُم‏:‏ يسجدُهُما قبلَ السلامِ، وهو قولُ أكثر الفقهاءِ من أهلِ المدينةِ، مثلِ يحيى بنِ سعيدٍ ورَبِيعةَ ‏(‏وغيرِهِما، وبهِ يقولُ‏)‏ الشافعيّ‏.‏

وقالَ بعضُهم‏:‏ إذا كانت زيادةً في الصّلاَةِ فَبعدَ السلامِ، وإذا كان نُقْصاناً فقْبلَ السلامِ، وهو قولُ مالِك بن أنَسٍ‏.‏

وقال أحمدُ‏:‏ ما رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في سَجْدَتَيْ السّهوِ فيسْتَعْملُ كلّ على جهتِه، يرى إذا قامَ في الركْعَتَيْنِ على حديثِ ابن بُحَيْنَة فإنهُ يسجدُهُما قبلَ السلامِ، وإذا صلّى الظهرَ خمساً فإنّهُ يسجدُهُما بعدَ السلامِ وإذا سلّم في الركْعَتَيْنِ من الظهرِ والعصرِ فإنّهُ يسجدُهما بعدَ السلامِ، وكلّ يستعملُ على جهتِهِ وكُلّ سَهْوٍ ليسَ فيه عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكرٌ فإن سجدتَيْ السهوِ قبلَ السّلامِ‏.‏

وقال إسحاقُ نحوَ قولِ أحمدَ في هذا كله إلا أنه قال‏:‏ كُلّ سهوٍ ليس فيهِ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكرٌ فإن كانت زيادةً في الصّلاةِ يسجدُهُما بعدَ السّلامِ وإن كانَ نقصانا يسْجُدُهُما قبلَ السّلامِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن بحينة‏)‏ هو عبد الله بن مالك وأما بحينة فهي أمه فاسم أبيه مالك وإسم أمه بحينة ‏(‏الأسدي‏)‏ بسكون السين، والأسد والأزد واحد‏.‏ وبحينة بضم الباء الموحدة وفتح الحاء المهملة وبعدها ياء التصغير ونون وهي أمه، وأبوه مالك ابن القشب وليس له عند المنصف وأبي داود إلا هذا الحديث‏.‏ كذا في قوت المغتذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قام في صلاة الظهر وعليه جلوس أي والحال أن عليه أن يجلس،‏)‏ وفي رواية البخاري قام من اثنتين من الظهر ‏(‏فلما أتم صلاته‏)‏ قد استدل به لمن زعم أن السلام ليس من الصلاة حتى لو أحدث بعد أن جلس وقبل أن يسلم تمت صلاته وهو قول بعض الصحابة والتابعين وبه قال أبو حنيفة، وتعقب بأنه لما كان السلام لتحليل من الصلاة كان المصلى إذا انتهى إليه كمن فرغ من صلاته‏:‏ ويدل على ذلك قوله في رواية ابن ماجه من طريق جماعة من الثقات عن يحيى بن سعيد عن الأعرض‏:‏ حتى إذا فرغ من الصلاة إلا أن يسلم، فدل على أن بعض الرواة حذف الاستثناء لوضوحه والزيادة من الحافظ مقبولة كذا في فتح الباري ‏(‏سجد سجدتين يكبر في كل سجدة‏)‏ وفي رواية ابن ماجه فكبر ثم سجد ثن كبر فرفع رأسه ثم كبر فسجد ثم كبر فرفع رأسه ثم سلم ‏(‏وهو جالس‏)‏ جملة حالية متعلقة بقوله سجد أي أنشأ السجود جالساً ‏(‏قبل أن يسلم‏)‏ استدل به على أن سجود السهو قبل السلام ولا حجة فيه في كون جميعه كذلك‏:‏ نعم يرد على من زعم أن جميعه بعد السلام كالحنفية وسيأتي ذكر مستندهم ‏(‏وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس‏)‏ استدل به على أن السجود خاص بالسهو، فلو تعمد ترك شيء مما يخبر بسجود السهو، لا يسجد وهو قول الجمهور، ورجحه الغزالي وناس من الشافعية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف‏)‏ أخرجه أحمد وابن ماجه وأخرجه الترمذي أيضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الأعلى أبو داود وأبو داود هذا هو أبو داود الطيالسي واسمه سلمان بن داود‏)‏، وأما عبد الأعلى بن محمد البصري الشامي روي عن هشام الدستوائي وخلق وعنه بندار وغيره قال ابن معين وأبو زرعة ثقة وقال النسائي‏:‏ لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات وقال‏:‏ كان متقناً في الحديث قدرياً غير واعية إليه ‏(‏قال أخبرنا هشام‏)‏ هو هشام بن أبي عبد سنبر الدستوائي ثقة ثبت روى عنه أبو داود الطيالسي وقال‏:‏ كان أمير المؤمنين في الحديث ‏(‏عن محمد بن إبراهيم‏)‏ التيمي المدني ثقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أبا هريرة والسائب القاري كانا يسجدان سجدتي السهو قبل التسليم‏)‏ وذكر الحافظ العراقي أبا هريرة فيمن ذهب إلى أن سجود السهو كله بعد التسليم، قال وروى الترمذي عنه خلاف ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن بحينة حديث حسن‏)‏ بل هو صحيح أخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول الشافعي يرى سجود السهو كله قبل التسليم‏)‏ قال الحازمي في كتاب الاعتبار‏:‏ وممن رأى السجود كله قبل التسليم أبو هريرة ومكحول والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة بن أبي عبد الرحمن والأوزاعي وأهل الشام والليث بن سعد وهو مذهب الشافعي انتهى ‏(‏ويقول‏)‏ أي الشافعي ‏(‏هذا الناسخ لغيره من الأحاديث ويذكر أن آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم كان على هذا‏)‏ قال الشافعي أخبرنا مطرف بن مازن عن معمّر عن الزهري قال‏:‏ سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدتي السهو قبل السلام وبعده وآخر الأمرين قبل السلام، ثم أكده الشافعي برواية معاوية بن أبي سفيان‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سجدهما قبل السلام‏.‏ قال وصحبة معاوية متأخرة ذكره الحازمي في كتاب الاعتبار، ثم قال وطريق الإنصاف أن نقول‏:‏ أما حديث الزهري الذي فيه دلالة على النسخ ففيه انقطاع فلا يقع معارضاً للأحاديث الثابتة، وأما بقية الأحاديث في السجود قبل السلام وبعده قولاً وفعلاً فهي وإن كانت صحيحة ثابتة ففيها نوع تعارض غير أن تقديم بعضها على بعض غير معلوم برواية موصولة صحيحة، والأشبه حمل الأحاديث على التوسع وجواز الأمرين انتهى كلام الحازمي‏.‏ ورواية معاوية التي أشار إليها الحازمي أخرجها هو بلفظ‏:‏ إن معاوية بن أبي سفيان صلى بهم فنسى وقام وعليه جلوس فلم يجلس فلما كان آخر صلاته سجد سجدتين قبل التسليم ثم قال‏:‏ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ‏(‏وقال أحمد وإسحاق‏:‏ إذا قام الرجل في الركعتين فإنه سجد سجدتي السهو قبل السلام على حديث ابن بحينة‏)‏ يأتي تحرير مذهبهما في هذا الكتاب ‏(‏وعبد الله بن بحينة‏)‏ هو وعبد الله بن مالك بالتنوين ‏(‏ابن بحينة‏)‏ بالألف ‏(‏مالك أبوه وبحينة أمه‏)‏ فيجب أن يكتب ألف ابن وينون مالك ليندفع الوهم ويعرف أن ابن بحينة نعت لعبد الله لا لمالك‏:‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ بحينة اسم أمه أو أم أبيه، وعلى هذا فينبغي أن يكتب ابن بحينة بألف انتهى‏.‏

‏(‏فرأى بعضهم أن يسجدهما بعد السلام وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة‏)‏ قال الحازمي في كتاب الاعتبار‏:‏ طائفة رأت السجود كله بعد السلام، وممن روينا ذلك عنه من الصحابة علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، ومن التابعين الحسن وإبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأهل الكوفة انتهى‏.‏

واستدلوا بالأحاديث التي ذكر فيها السجود بعد السلام وأنت تعلم أنه لا حجة فيها في كون جميعه كذلك ‏(‏وقال بعضهم يسجدهما قبل السلام وهو قول أكثر الفقهاء إلخ‏)‏ قال الحازمي في كتاب الاعتبار‏:‏ وممن رأى السجود كله قبل السلام أبو هريرة ومكحول والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة بن أبي عبد الرحمن والأوزاعي وأهل الشام والليث بن سعد وهو مذهب الشافعي ‏(‏وقال بعضهم‏:‏ إذا كانت زيادة في الصلاة فبعد السلام وإذا كان نقصاناً فقبل السلام‏.‏ وهو قول مالك بن أنس‏)‏ وهو قول المزني وأبي ثور من الشافعية، وزعم ابن عبد البر أنه أولى من قول غيره للجمع بين الخبرين قال‏:‏ هو موافق للنظر لأنه في النقص جبر فينبغي أن يكون من أصل الصلاة وفي الزيادة ترغيم للشيطان فيكون خارجها‏.‏ وقال ابن دقيق العيد‏:‏ لا شك أن الجمع أولى من الترجيح وادعاء النسخ ويترجح الجمع المذكور بالمناسبة المذكورة، وإذا كانت المناسبة ظاهرة وكان الحكم على وقفها كانت علة فيعم الحكم جميع محالها فلا تخصص إلا بنص‏.‏

وتعقب بأن كون السجود في الزيادة ترغيماً للشيطان فقط ممنوع بل هو جبر أيضاً لما وقع من الخلل، فإنه وإن كان زيادة فهو نقص في المعنى، وإنما سمي النبي صلى الله عليه وسلم سجود السهو ترغيماً للشيطان في حالة الشك كما في حديث أبي سعيد عند مسلم، وقال الخطابي لم يرجح من فرق بين الزيادة والنقصان إلى فرق صحيح‏.‏ وأيضاً فقصة ذي اليدين وقع السجود فيها بعد السلام وهي عن نقصان كذا في فتح الباري ‏(‏وقال أحمد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيستعمل‏)‏ على البناء للمفعول ‏(‏كل‏)‏ أي كل ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏على جهته‏)‏ أي على جهة ما روى ‏(‏يرى إذا قام في الركعتين على حديث ابن بحينة فإنه يسجدها قبل السلام‏)‏ هذا تفصيل لقوله فيستعمل كل على جهته ويرى بمعنى يعتقد أن يرى الإمام أحمد أنه إذا قام الرجل في الرباعية أو الثلاثية في الركعتين سهواً ولم يجلس فإنه يسجد سجدتي السهو قبل السلام كما في حديث عبد الله بن بحينة ‏(‏وإذا صلى الظهر خمساً فإنه يسجدهما بعد السلام كما في حديث عبد الله بن مسعود الاَتي وإذا سلم في الركعتين من الظهر والعصر فإنه يسجدهما بعد السلام‏)‏ كما في حديث ذي اليدين والمواضع التي سجد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ خمسة أحدها قام من ثنتين على ما جاء في حديث ابن بحينة، والثاني سلم في ثنتين كما جاء في حديث ذي اليدين والثالث سلم من ثلاث كما جاء في حديث عمران بن حصين، والرابع أنه صلى خمساً كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود، والخامس السجود على الشك كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري، كذا ذكره العيني في شرح البخاري‏.‏

قلت‏:‏ هذا إذا كانت واقعة حديث ذي اليدين غير واقعة حديث عمران بن حصين، وأما إذا كانتا واحدة فالمواضع التي سجد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة ‏(‏وكل سهو ليس فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فإن سجدتي السهو فيه قبل السلام‏)‏ هذا آخر قول الإمام أحمد، وحاصل قوله أنه يستعمل كل حديث فيما ورد فيه وما لم يرد فيه شيء يسجد قبل السلام، وقال لولا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لرأيته كله قبل السلام لأنه من شأن الصلاة فيفعله قبل السلام كذا في فتح الباري ‏(‏وقال إسحاق نحو قول أحمد في هذا كله إلا أنه قال‏:‏ كل سهو ليس فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر إلخ‏)‏ حرر إسحاق مذهبه من قولي أحمد ومالك‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهو أعدل المذاهب فيما يظهر انتهى‏.‏ وقال الشوكاني في النيل بعد ذكر ثمانية أقوال في هذه المسألة ما لفظه‏:‏ وأحسن ما يقال في المقام أنه يعمل على ماتقتضيه أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم من السجود قبل السلام وبعده، فما كان من أسباب السجود مقيداً بقبل السلام سجد له قبله، وما كان مقيداً ببعد السلام سجد له بعده، وما لم يرده تقييده بأحدهما كان مخيراً بين السجود قبل السلام وبعده من غير فرق بين الزيادة والنقص، لما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إذا زاد أو نقص فليسجد سجدتين‏.‏ وجميع أسباب السجود لا تكون إلا زيادة أو نقصاً أو مجموعهما، قال‏:‏ وهذا ينبغي أن يعد مذهباً تاسعاً انتهى كلام الشوكاني قلت‏:‏ هذا هو أحسن الأقوال عندي والله تعالى أعلم‏.‏

285- باب ما جَاءَ في سجْدتَيْ السّهْوِ بعْدَ السّلامِ والكَلام

389- حدثنا إسحاقُ بنُ منصورٍ أخبرنا عبْدُ الرحمنِ بنُ مهدي حدثنا شعبةُ عنَ الحَكَم عن إبراهيمَ عن علْقمَةَ عن عَبْدِ الله ‏(‏بنِ مسعودٍ‏)‏‏:‏ ‏"‏أن النبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى الظهر خمساً فقيلَ له‏:‏ أزيدَ في الصّلاةِ‏؟‏ فسجدَ سجدتَينِ بعدَ مَا سَلَم‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏

390- حدثنا هنادٌ ومحمودُ بنُ غَيْلاَنَ قالا‏:‏ حدثنا أبو معاوِيَة عن الأعمشِ عن إبراهيمَ عن علقمَةَ عن عَبْدِ الله‏:‏ ‏"‏أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سجَدَ سجْدتَي السهوِ بعدَ الكلامِ‏"‏‏.‏

‏(‏قال‏)‏ وفي الباب عن مُعاويةَ وعَبْدِ الله بنِ جعفرٍ وأبي هريرةَ‏.‏

391- حدثنا أحمدُ بن منيعٍ حدثنا هُشَيْمٌ عن هشامِ بنِ حسان عن محمدِ بنِ سيرينَ عن أبي هريرةَ ‏"‏أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سجَدَهُما بعدَ السلامِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رواه أيوب وغير واحدٍ عن بنِ سيرينَ‏.‏

وحديثُ ابنِ مسعودٍ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ والعملُ عَلَى هذا عندَ بعضِ أهلِ العلمِ قالوا‏:‏ إذا صلّى ‏(‏الرجلُ‏)‏ الظهرَ خمساً فصَلاتُه جائزةٌ وسجدَ سجْدتَيْ السهوِ، وإن لم يجلسْ في الرابعةِ، وهوَ قولُ الشافعيّ وأحمدَ وإسحاقَ‏.‏

وقال بعضُهم‏:‏ إذا صلّى الظهرَ خمساً ولم يقعدْ في الرابعةِ مقدارَ التشهّدِ فَسَدتْ صلاتُه وهو قولُ سفيانَ ‏(‏الثوريّ‏)‏ وبعضِ أهلِ الكوفةِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الحكم‏)‏ بفتحتين هو ابن عتيبة الفقيه الكوفي ‏(‏عن إبراهيم‏)‏ هو ابن يزيد النخعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صلى الظهر خمساً‏)‏ أي خمس ركعات ‏(‏أزيد في الصلاة‏)‏ بهمزة الاستفهام للاستخبار ‏(‏فسجد سجدتين بعد ما سلم‏)‏ أي فسجد سجدتين للسهو بعد السلام الصلاة، وفي رواية للبخاري فقيل له‏:‏ أزيد في الصلاة‏؟‏ فقال‏:‏ وما ذاك‏؟‏ قالوا‏:‏ صليت خمساً فسجد سجدتين بعد ما سلم‏.‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ فلما انفتل توشوش القوم فقال ما شأنكم‏؟‏ قالوا يا رسول الله هل زيد في الصلاة‏؟‏ قال‏:‏ لا، قالوا‏:‏ فإنك قد صليت خمساً، فانفتل فسجد سجدتين والحديث ظاهر فيما ترجم به الترمذي، واستدل به على أن من صلى خمساً ساهياً ولم يجلس في الرابعة أن صلاته لا تفسد خلافاً للكوفيين، وقولهم يحمل على أنه قعد في الرابعة يحتاج إلى دليل بل السياق يرشد إلى خلافه وعلى أن الزيادة في الصلاة على سبيل السهو لا تبطلها وعلى أن من لم يعلم بسهوه إلا بعد السلام للسهو، وعلى أن الكلام العمد فيها يصلح به الصلاة لا يفسد كذا في فتح الباري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو بعد الكلام‏)‏ كذا رواه الأعمش عن إبراهيم هذا الحديث مختصراً، وأخرجه مسلم وغيره أيضاً هكذا مختصراً من هذا الطريق ولفظ مسلم وغيره‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن معاوية وعبد الله بن جعفر وأبي هريرة‏)‏ أما حديث معاوية وهو ابن خديج فأخرجه أبو داود وابن خزيمة وغيرهما كذا في فتح الباري‏.‏ وأما حديث عبد الله بن جعفر فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وفي إسناده مصعب بن شيبة وهو مختلف فيه‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق‏)‏ ونسبه النووي إلى الجمهور حيث قال فيه أي في حديث عبد الله بن مسعود‏:‏ دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور من السلف والخلف أن من زاد في صلاته ركعة ناسياً لم تبطل صلاته بل إن علم بعد السلام فقد مضت صلاته صحيحة ويسجد للسهود إن ذكر بعد السلام بقريب، وإن طال فالأصح عندنا أنه لا يسجد‏.‏ قال‏:‏ وقال أبو حنيفة وأهل الكوفة رضي الله عنه‏:‏ إذا زاد ركعة ساهياً بطلت صلاته ولزمه إعادتها‏.‏ وقال أبو حنيفة رضي الله عنه إن كان تشهد في الرابعة ثم زاد خامسة، أضاف إليها سادسة شفعاً وكان نفلاً بناء على أصله في أن السلام ليس بواجب ويخرج من الصلاة بكل ما ينافيها، وأن الركعة المفردة لا تكون صلاة قال‏:‏ وإن لم يتشهد بطلت صلاته، لأن الجلوس بقدر التشهد واجب ولم يأت به حتى أتى بالخامسة وهذا الحديث أي حديث عبد الله بن مسعود يرد كل ما قالوه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع من الخامسة ولم يشفعها وإنما تذكر بعد السلام، ففيه رد عليهم وحجة الجمهور انتهى كلام النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة‏)‏ وهو قول أبي حنيفة رحمه الله وحديث الباب حجة عليهم‏.‏

286- باب ما جَاءَ في التشَهّدِ في سَجْدَتَيْ السهو

392- حدثنا محمدُ بنُ يحيى ‏(‏النيسابوري‏)‏، حدثنا محمدُ بنُ عبدِ الله الأنصارِيّ ‏(‏قال‏)‏ أخبرني أشْعثُ عن ابنِ سيرينَ عن خالدٍ الحذاءِ عن أبي قِلاَبةَ عن أبي المهلّبِ عن عِمْرَانَ بن حصينٍ ‏"‏أن النبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى بِهِم فَسَهَا فسجدَ سجْدَتَيْنِ ثم تشهدَ ثم سلمَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسَنٌ غريبٌ ‏(‏صحيح‏)‏‏.‏

ورَوَى ‏(‏محمد‏)‏ بنُ سيرينَ عن أبي المهلّبِ وهو عمّ أبي قِلاَبَةَ غَيْرَ هذا الحديث‏.‏

ورَوَى محمدٌ هذا الحديثَ عن خالد الحذاءِ عن أبي قِلاَبةَ عن أبي المَهلّبِ‏.‏ وأبو المَهلّبِ اسمُه عبدُ الرحمنِ بنُ عمروٍ ويقالُ ‏(‏أيضاً‏)‏ معاويةُ بنُ عمرٍو‏.‏

وقد رَوَى عبدُ الوهابِ الثّقفيّ وهُشْيمٌ وغيرُ واحدٍ هذا الحديثَ عن خالدٍ الحذّاءِ عن أبي قِلابةَ بطولِهِ، وهو حديثُ عِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ‏:‏ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سَلّمَ في ثلاثِ ركعاتٍ من العصرِ فقامَ رجلٌ يقالُ له الخرباق‏"‏‏.‏

واختَلفَ أهلُ العلمِ في التَشهّدِ في سَجدتَيْ السهوِ فقال بعضُهم‏:‏ يَتَشَهدُ فيهما ويُسلّمُ، وقال بعضُهم‏:‏ ليسَ فيهِما تشهّدٌ وتسليمٌ وإذا سجدَهُما قبلَ التّسليم لم يتَشهدْ‏.‏ وهو قولُ أحمدَ وإسحاقَ قالا‏:‏ إذا سجدَ سجدتَيْ السهوِ قبلَ السَلامِ لم يتشهدْ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني أشعث‏)‏ هو أشعث بن عبد الملك ثقة فقيه ‏(‏عن ابن سيرين‏)‏ هو محمد بن سيرين البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر كان لا يرى الرواية بالمعنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم‏)‏ فيه دليل لمن قال بالتشهد بعد سجدتي السهو وهم الحنفية وغيرهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ أخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم وسكت عنه أبو داود وذكر المنذري تحسين الترمذي وأقره‏:‏ قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث، وقول الترمذي حسن غريب ما لفظه‏:‏ وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما ووهموا أشعث لمخالفته غيره من الحفاظ عن ابن سيرين في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد‏:‏ وروى السراج من طريق سلمة بن علقمة أيضاً في هذه القصة‏:‏ قلت لابن سيرين فالتشهد‏؟‏ قال‏:‏ لم أسمع في التشهد شيئاً، وكذا المحفوظ عن خالد الحذاء بهذا الإسناد في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد كما أخرجه مسلم فصارت زيادة أشعث شاذة‏:‏ ولهذا قال ابن المنذر‏:‏ لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت، لكن قد ورد في التشهد في سجود السهو عن ابن مسعود عن أبي داود والنسائي وعن المغيرة عند البيهقي وفي إسنادهما ضعف، فقد يقال إن الأحاديث الثلاثة في التشهد باجتماعها يرتقى إلى درجة الحسن، قال العلائي‏:‏ وليس ذلك ببعيد، وقد صح ذلك عن ابن مسعود من قوله‏:‏ أخرجه ابن أبي شيبة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروى ابن سيرين عن أبي المهلب وهو عم أبي قلابة غير هذا الحديث‏)‏ يعني أن ابن سيرين روى غير هذا الحديث المذكور في الباب عن أبي المهلب من غير واسطة خالد الحذاء‏:‏ وأما حديث الباب فرواه بواسطة خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب ‏(‏وروى محمد‏)‏ أي ابن سيرين ‏(‏هذا الحديث‏)‏ أي المذكور ‏(‏عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب‏)‏ قال ابن حبان‏:‏ ما روى ابن سيرين عن خالد غير هذا الحديث، ذكره الحافظ في الفتح وقال‏:‏ هو من رواية الأكابر عن الأصاغر انتهى‏.‏

قلت‏:‏ محمد بن سيرين من الطبقة الثالثة وخالد الحذاء من الطبقة الخامسة ولذلك قال الحافظ هو من رواية الأصاغر ‏(‏وهو حديث عمران بن حصين‏)‏ أخرجه مسلم ولفظه‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر وسلم في ثلاث ركعات ثم دخل منزله فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يديه طول فقال يا رسول الله فذكر له صنيعه وخرج غضبان يجر رداءه حتى إنتهى إلى الناس فقال‏:‏ أصدق هذا‏؟‏ قالوا نعم، فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واختلف أهل العلم في التشهد في سجدتي السهو‏)‏ أي إذا سجدهما بعد السلام من الصلاة أما قبل السلام فالجمهور على أنه لا يعيد التشهد‏.‏ وحكى ابن عبد البر عن الليث أنه يعيده، وعن البويطي عن الشافعي مثله، وخطؤه في هذا النقل فإنه لا يعرف، وعن عطاء يتخير، واختلف فيه عند المالكية‏:‏ وأما من سجد بعد السلام فحكى الترمذي عن أحمد وإسحاق أنه يتشهد، وهو قول بعض المالكية والشافعية ونقله أبو حامد الاسفرائني عن القديم، لكن وقع في مختصر المزني سمعت الشافعي يقول‏:‏ إذا سجد بعد السلام تشهد أو قبل السلام أجزأه التشهد الأول، وتأول بعضهم هذا النص على أنه تفريع على القول القديم وفيه ما لا يخفي كذا في فتح الباري ‏(‏فقال بعضهم يتشهد فيهما ويسلم‏)‏ لحديث الباب ‏(‏وقال بعضهم ليس فيها تشهد وتسليم‏)‏ أما عدم التشهد فلعدم ذكره في الأحاديث الصحيحة وأما عدم التسليم فليس له وجه فقد ثبت في حديث عمران بن حصين عند مسلم وغيره التسليم في سجدتي السهو، ففيه‏:‏ فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم، قال الشوكاني‏:‏ فيه دليل على مشروعية التسليم في سجود السهو، وقد نقل بعض المتأخرين عن النووي أن الشافعية لا يثبتون التسليم، وهو خلاف المشهور عن الشافعية والمعروف في كتبهم وخلاف ما صرح به النووي في شرح مسلم فإنه قال‏:‏ والصحيح في مذهبنا أنه يسلم ولا يتشهد إنتهى‏.‏

287- باب ما جاء في الرجل يصلي فَيَشُكّ في الزيادةِ والنّقْصان

393- حدثنا أحمدُ بنُ مَنيعِ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا هِشامٌ الدّسَتَوَائِيّ عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ عن عِياض ‏(‏يعنى‏)‏ بن هِلالٍ قال‏:‏ قلتُ لأبي سعيدٍ‏:‏ أحدُنَا يصلّي فلا يدرِي كيفَ صلّى فقال‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذا صلّى أحدُكمُ فلم يَدرِ كيفَ صلّى فليسْجُدْ سجدَتَينِ وهو جَالسٌ‏"‏‏.‏

‏(‏قال‏)‏ وفي الباب عن عثمانَ وابنِ مسعودٍ وعائشةَ وأبي هريرةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أبي سعيدٍ ‏(‏حديثٌ‏)‏ حسَنٌ‏.‏

وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن أبي سعيدٍ من غير هذا الوجْهِ‏.‏

‏(‏وقد‏)‏ رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّهُ قال‏:‏ ‏"‏إذا شكّ أحدُكُم في الواحدةِ والثنتَيْنِ فليجْعَلْهما واحدةً وإذا شكّ في الثّنْتَيْنِ والثّلاَثِ فليجعلهما ثنتين يسجدْ في ذلك سجدَتَيْنِ قبل أنْ يسلّم‏"‏‏.‏

والعملُ عَلَى هذا عندَ أصحابِنا‏.‏

وقال بعضُ أهلِ العلمِ إذا شكّ في صلاتِهِ فلم يَدرِ كَم صلّى فليُعِدْ‏.‏

394- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا الليثُ عن ابنِ شهابٍ عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنّ الشيطانَ يأتي أحدَكُم في صلاتِه فَيَلْبسُ عليه حتى لا يدرِي كم صلى فإذا وجد ذلك أحدُكُم فليسجد سجدَتَينِ وهو جالسٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏

395- حدثنا محمدُ بن بشارٍ حدثنا محمدُ بنُ خالدٍ بنِ عَثْمَةَ حدثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ سعدٍ قال‏:‏ حدثني محمدُ بن إسحاقَ عن مكحولٍ عن كُرَيْبٍ عن ابن عباسٍ عن عبدِ الرحمَنِ بنِ عوفٍ قال‏:‏ سمعتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ‏:‏ ‏"‏إذا سها أحدُكم في صلاتِه فلم يدر واحدةً صلّى أو ثنتَيْنِ فليَبْنِ على واحدةٍ، فإنْ لم يدرِ ثِنْتَيْنِ صلّى أو ثلاثاً فليَبنِ على ثِنْتَيْنِ، فإن لم يدْر ثلاثاً صلى أو أربعاً فليبن على ثلاثٍ وليَسْجدُ سجْدَتَيْنِ قبلَ أنْ يسلّمَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسَنٌ ‏(‏غريب‏)‏ صحيحٌ‏.‏

وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن عبدِ الرحمَنِ بنِ عوفٍ مِن غيرِ هذا الوجهِ‏.‏ رواه الزهريّ عن عبيدِ الله بن عبدِ الله بن عتْبَةَ عن ابن عباسٍ عن عبدِ الرحمنِ بن عوفٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏(‏باب في من يشك بالزيادة والنقصان‏)‏ قوله‏:‏ ‏(‏إذا صلى أحدكم فلم يدر كم صلى فليسجد سجدتين‏)‏ أي فليطرح الشك فليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل التسليم كما في رواية مسلم غيره فأخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عثمان وابن مسعود وعائشة وأبي هريرة‏)‏ أما حديث عثمان فأخرجه أحمد وفيه من صلى فلم يرد أشفع أم أوتر فليسجد سجدتين فإنهما إتمام صلاته‏.‏ قال العراقي‏:‏ ورجاله ثقات، إلا أن يزيد بن أبي كبشة لم يسمع من عثمان وقد رواه أحمد أيضاً عن يزيد بن أبي كبشة عن مروان عن عثمان‏:‏ وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الجماعة إلا الترمذي عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود‏:‏ قال صلى الله عليه وسلم قال إبراهيم زاد أو نقص فلما سلم قيل له يا رسول الله الله حدث في الصلاة شيء الحديث‏.‏ وفيه وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ليسلّم ثم ليسجد سجدتين ‏(‏قبل أن يسلم‏)‏ وفي لفظه ابن ماجه ومسلم في رواية فلينظر أقرب ذلك إلى الصواب‏:‏ وأما حديث عائشة فأخرجه الطبراني في الأوسط‏.‏ كذا في النيل وأخرجه أبو يعلى في مسنده والبيهقي على ما قال الشيخ سراج أحمد السرهندي في شرحه‏:‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود وابن ماجه بلفظ‏:‏ إن الشيطان يدخل بين ابن آدم وبين نفسه فلا يدري كم صلى فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل أن يسلم وهو لبقية الجماعة إلا قوله قبل أن يسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي سعيد حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود‏:‏ قال ابن المنذر‏:‏ حديث أبي سعيد أصح حديث في الباب ‏(‏وقد روى هذا الحديث عن أبي سعيد من غير هذا الوجه‏)‏ رواه مسلم في صحيحه بإسناد غير إسناد الترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ إذا شك أحدكم في الواحدة والثنيتين فليجعلهما واحدة إلخ‏"‏ أخرجه أحمد وابن ماجه عن عبد الرحمن بن عوف وأخرجه المصنف أيضاً في هذا الباب وهو حديث معلول كما ستعرف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أصحابنا‏)‏ أي العمل عند أصحابنا على ما يدل عليه حديث‏:‏ إذا شك أحدكم في الواحدة والثنتين إلخ من البناء على الأقل‏:‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ ذهب الشافعي والجمهور إلى أنه إذا شك‏:‏ هل صلى ثلاثاً أم أربعاً مثلاً لزمه البناء على اليقين وهو الأقل فيأتي عمله بما بقي ويسجد للسهو‏.‏ واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد‏:‏ فليطرح الشك ليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم الخ‏:‏ وهذا صرح في وجوب البناء على اليقين، وحملوا التحري في حديث ابن مسعود على الأخذ باليقين، قالوا‏:‏ والتحري هو القصد ومنه قول الله تعالى، ‏(‏تحروا رشداً‏)‏ فمعنى الحديث فليقصد الصواب فليعمل به، وقصد الصواب هو ما بينه في حديث أبي سعيد وغيره إنتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال بعض أهل العلم إذا شك في صلاته فلم يدر كم صلى فليعد‏)‏ واستدلوا على ذلك بما أخرجه الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل سها في صلاته، فلم يدر كم صلى فقال‏:‏ ليعد صلاته وليسجد سجدتين قاعداً، وهو من رواية إسحاق بن يحيى بن عبادة بن الصامت‏:‏ قال العراقي لم يسمع إسحاق من جده عبادة إنتهى، فلا ينتهض لمعارضة الأحاديث الصحيحة المصرحة بوجوب البناء على الأقل‏.‏

واحتجوا أيضاً بما أخرجه الطبراني عن ميمونة بنت سعد أنها قالت‏:‏ أفتنا يا رسول الله في رجل سها في صلاته فلا يدري كم صلى، قال‏:‏ ينصرف ثم يقوم في صلاته حتى يعلم كم صلى فإنما ذلك الوسواس يعرض فيسهيه عن صلاته، وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي الجزري مختلف فيه، وهو كبقية في الشاميين يروى عن المجاهيل وفي إسناده أيضاً عبد الحميد بن يزيد وهو مجهول كما في العراقي كذا في النيل‏.‏

ومذهب الحنفية في هذا الباب أنه إن شك أول مرة أنه كم صلى استأنف وإن كثر تحرى وأخذ ما غلب على ظنه وإن لم يغلب أخذ الأقل‏.‏

ووجه الإختلاف في هذه المسألة أنه ورد في هذا الباب أحاديث مختلفة، فبعضها يدل على أن من شك ولم يدر أنه كم صلى فإنه يبني على ما استيقن، وفي بعضها يبني على الأقل، وبعضها يدل على أنه يتحرى الصواب، وبعضها يدل على أنه يعيد الصلاة‏.‏ فالحنفية حملوا ما يدل على الإعادة على من عرض له الشك أول مرة وما يدل على أنه يتحرى الصواب على ما إذا كثر الشك، وما يدل على أنه يبني على الأقل على ما لم يتبين له شيء بعد التحري، ومن قال بالإعادة أخذ بالأحاديث التي تدل على الإعادة، وقد عرفت أنها لا تصلح للاحتجاج لضعفها‏:‏ والجمهور أخذوا بالأحاديث التي تدل على البناء على ما استيقن وحملوا التحري في حديث ابن مسعود على الأخذ باليقين كما مر في كلام النووي، وأقوى المذاهب هو مذهب الجمهور، قال الشوكاني في النيل‏:‏ والذي يلوح لي أنه لا معارضة بين أحاديث البناء على الأقل والبناء على اليقين وتحري الصواب، وذلك لأن التحري في اللغة هو طلب ما هو أحرى إلى الصواب، وقد أمر به صلى الله عليه وسلم وأمر بالبناء على اليقين والبناء على الأقل عند عروض الشك، فإن أمكن الخروج بالتحري عن ثائرة الشك لغة ولا يكون إلا بالاستيقان بأنه قد فعل من الصلاة كذا ركعات فلا شك أنه مقدم على البناء على الأقل لأن الشارع قد شرط في جواز البناء على الأقل عدم الدارية كما في حديث عبد الرحمن بن عوف، وهذا التحري قد حصلت له الدارية وأمر الشاك بالبناء على ما استيقن كما في حديث أبي سعيد، ومن بلغ به تحريه إلى اليقين قد بنى على ما استيقن، وبهذا تعلم أنه لا معارضة بين هذه الأحاديث، وأن التحري المذكور مقدم على البناء على الأقل وقد أوقع الناس ظن التعارض بين هذه الأحاديث في مضائق ليس عليها أثارة من علم كالفرق بين المبتدأ والمبتلي والركن والركعة انتهى كلام الشوكاني‏.‏

قوله ‏(‏فيلبس عليه‏)‏ بفتح الياء المضارعة وكسر الموحدة أي يخلط عليه ويشوش خاطره قال في النهاية لبست الأمر بالفتح ألبسه إذا خلطت بعضه ببعض، ومنه قوله تعالى ‏(‏ولبسنا عليهم ما يلبسون‏)‏ وربما شدد للتكثير ‏(‏فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين‏)‏ زاد في رواية أبي داود وابن ماجه قبل أن يسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن خالد بن عثمة‏)‏ بفتح العين المهملة وسكون المثلثة يقال إنها أمه وهو بصري صدوق يخطئ من العاشرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين فليبن على واحدة إلخ‏"‏ قال أبو الطيب المدني في شرح الترمذي‏:‏ هذا الحديث مفصل للاجمال الوارد في الأحاديث السابقة فعليه التعويل ويجب إرجاع الإجمال إليه‏.‏ والحق أنه لا تفصيل في الشك من كونه أول ما سها وثانياً لأن الحديث مطلق وهو أرفق بالناس والنبي صلى الله عليه وسلم أرسل رحمه ورأفة لهم انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ الحديث معلول لأنه من رواية ابن إسحاق عن مكحول عن كريب عن ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف وقد رواه أحمد في المسند عن ابن علية عن ابن إسحاق عن مكحول مرسلاً، قال ابن إسحاق‏:‏ فلقيت حسين بن عبد الله فقال لي هل أسنده لك‏؟‏ قلت‏:‏ لا فقال لكنه حدثني أن كريباً حدثه به وحسين ضعيف جداً انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن عوف من غير هذا الوجه، رواه الزهري عن عبيد الله بن عتبة عن ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف إلخ‏)‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ ورواه إسحاق بن راهويه والهيثم بن كليب في مسنديهما من طريق الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس مختصراً‏:‏ إذا كان أحدكم في شك من النقصان في صلاته فليصل حتى يكون في شك من الزيادة، وفي إسنادهما إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف انتهى‏.‏

288- باب ما جاء في الرجُل يُسلّمُ في الركْعَتَينِ من الظهْرِ والعصْر

396- حدثنا الأنصاريّ حدثنا عن معنٌ حدثتا مالك عن أيوبَ بنِ أبي تَمِيمَةَ السختيانِيّ ‏(‏و هو أيوب‏)‏ عن محمدِ بنِ سيرينَ عن أبي هريرةَ ‏"‏أن النبيّ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ من اثْنَتَيْنِ فقال له ذو اليديْنِ‏:‏ أَقُصِرَتْ الصلاةُ أمْ نسيتَ يَا رَسولَ الله‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أصدَق ذو اليديْنِ‏؟‏ فقال الناسُ‏:‏ نعم، فقامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فصلّى اثْنَتَيْنِ أخرَيَيْنِ ثم سلّمَ ثم كبرَ فسجدَ مثلَ سجودهِ أو أطوَلَ ثم كبّر فرفعَ ثم سجد مثل سجودهِ أو أطولَ‏"‏‏.‏

‏(‏قال‏)‏ ‏(‏أبو عيسى‏)‏ وفي الباب عن عمرانَ بنِ حُصَيْنٍ وابنِ عمر، و ذي اليَدَيْنِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وحديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏

واختلفَ أهلُ العلمِ في هذا الحديثِ‏.‏ فقالَ بعضُ أهلِ الكوفَة‏:‏ إذا تكلّمَ في الصّلاةِ ناسياً أو جاهلاً أو ما كانَ، فإنُه يُعِيدُ الصّلاَةَ والمثلّوا بأنّ هذا الحديث كان قبلَ تحريمِ الكلامِ في الصّلاةِ‏.‏

‏(‏وقال‏)‏ وأما الشافعيّ فَرأى هذا حديثاً صحيحاً فقال به، وقال‏:‏ هذا أصحّ من الحديثِ الذي رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الصّائِمِ إذا أكلَ ناسياً فإنه لا يقضِي وإنّما هو رزقٌ رزقهُ الله‏:‏ قال الشافعيّ وفرقُوا ‏(‏هؤلاء‏)‏ بين العمدِ والنسيانِ في أكلِ الصائمِ بحديثِ أبي هريرةَ‏.‏

وقال أحمدُ في حديثِ أبي هريرةَ‏:‏ إنْ تكلمَ الإمامُ في شيءٍ من صلاتِهِ وهو يَرى أنه قد أكملهَا ثمّ عَلِمَ أنه لم يكملْهَا يتمّ صلاتَه، ومن تكلَمَ خلف الإمام وهو يعلَمُ أن عليهِ بقيةً من الصلاةِ فعليهِ أن يستقبِلهَا‏.‏ واحتج بأن الفرائضَ كانتْ تُزادُ وتنقصُ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإنما تكلّمَ ذُو اليدينِ وهو على يقينٍ من صلاتِه أنها تمت، وليس هكذا اليومَ ليسَ لأحدٍ أن يتكلّم عَلَى معنَى ما تكلّم ذُو اليديْنِ لأن الفرائِضَ اليومَ لا يُزَادُ فيها ولا يُنقصُ‏.‏ قال ‏(‏أحمدُ‏)‏ نحواً من هذا الكلامِ وقال إسحقُ نحوَ قولِ أحمدَ، في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الأنصاري‏)‏ هو إسحاق بن موسى الأنصاري ‏(‏انصرف من اثنتين‏)‏ أي ركعتين اثنتين من الصلاة الرباعية وكان إحدى صلاتي العشى على ما جاء في لفظ البخاي‏:‏ صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، قال ابن سيرين سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا وفي رواية أيوب عن محمد‏:‏ أكبر ظني أنها الظهر، وكذا ذكره البخاري في الأدب، وفي الموطأ‏:‏ العصر قاله العيني، قلت‏:‏ قد وقع في شرحه المطبوع وكانت إحدى صلاتي العشاء وهو وهم، والصواب العشى لا العشاء ‏(‏فقال له ذو اليدين،‏)‏ قال الحافظ‏:‏ ذهب الأكثر إلى أن اسم ذي اليدين الخرباق بكسر المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة وآخره قاف اعتماداً على ما وقع في حديث عمران بن حصين عند مسلم ولفظه‏:‏ فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يديه طول، وهذا صنيع من يوجد حديث أبي هريرة بحديث عمران وهو الراجح في نظري وإن كان ابن خزيمة ومن تبعه جنحوا إلى التعدد، والحامل لهم على ذلك الإختلاف الواقع في السياقين، ففي حديث أبي هريرة أن السلام وقع من انثنتين وأنه صلى الله عليه وسلم قام إلى خشبة في المسجد‏.‏ وفي حديث عمران أنه سلم من ثلاث ركعات وأنه دخل منزله لما فرغ من الصلاة، فأما الأول فقد حكى العلائي أن بعض شيوخه حمله على أن المراد به أنه سلم في ابتداء الركعة الثالثة واستبعده ولكن طريق الجمع يكتفي فيها بأدنى مناسبة وليس بأبعد من دعوى تعدد القصة فإنه يلزم منه كون ذي اليدين في كل مرة استفهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك واستفهم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن صحة قوله‏.‏ وأما الثاني فلعل الراوي لما رآه تقدم من مكانه إلى جهلة الخشبة ظن دخل منزله لكون الخشبة كانت في جهة منزله فإن كان كذلك، وإلا فرواية أبي هريرة أرجح لموافقة ابن عمر له على سياقه كما أخرجه الشافعي وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة، ولموافقة ذي اليدين نفسه له على سياقه كما أخرجه أبو بكر الأثرم وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند وأبي بكر بن حثمة وغيرهم، وقد تقدم في باب تشبيك الأصابع ما يدل على أن محمد بن سيرين راوي الحديث عن أبي هريرة كان يرى التوحيد بينهما، وذلك أنه قال في آخر حديث أبي هريرة‏:‏ نبئت أن عمران بن حصين قال ثم سلم انتهى كلام الحافظ‏.‏

‏(‏أقصرت الصلاة‏)‏ بهمزة الاستفهام وقصرت بضم القاف وكسر المهملة على البناء للمفعول أي أن الله قصرها وبفتح ثم ضم على البناء للفاعل أي صارت قصيرة قال النووي هذا أكثر وأرجح ‏(‏أم نسيت يا رسول الله‏)‏ حصر في الأمرين لأن السبب إما من الله وهو القصر أو من النبي صلى الله عليه وسلم وهو النسيان ‏(‏فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق ذو اليدين‏)‏ الهمزة للاستفهام أي أصدق في النقص الذي هو سبب السؤال المأخوذ من مفهوم الاستفهام ‏(‏فقال الناس نعم‏)‏ أي صدق ‏(‏فصلى اثنتين‏)‏ أي ركعتين ‏(‏أخريين‏)‏ بضم الهمزة وسكون الخاء المعجمة ومثناة مفتوحة وأخرى ساكنة تحتيتين ‏(‏ثم كبر فسجد‏)‏ أي للسهو ‏(‏مثل سجوده‏)‏ السابق في صلاته ‏(‏أو أطول من سجوده السابق‏)‏ ‏(‏ثم كبر فرفع‏)‏ أي رأسه ‏(‏ثم سجد‏)‏ أي مرة ثانية ‏(‏مثل سجوده أو أطول‏)‏ فسجد للسهو سجدتين بعد السلام، وفي رواية للبخاري من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال‏:‏ صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين فقيل صليت ركعتين فصلى ركعتين ثم سلم ثم سجد سجدتين‏.‏ والحديث دليل لمن قال إن من يسلم في الركعتين من الظهر والعصر ناسياً يصلي ركعتين أخريين ثم يسلم ثم يسجد سجدتين للسهو ولا حاجة إلى إعادة الصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمران بن حصين وابن عمر وذي اليدين‏)‏ أما حديث عمران بن حصين فأخرجه الجماعة إلا البخاري والترمذي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فسلم في ثلاثة ركعات ثم دخل منزله، وفي لفظ فدخل الحجرة فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يده طول فقال يا رسول الله فذكر له صنيعه فخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس فقال أصدق هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم، فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم‏.‏ وأما حديث ابن عمر فأخرجه أبو داود عنه قال‏:‏ صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم في الركعتين فذكر نحو حديث ابن سيرين عن أبي هريرة قال‏:‏ ثم سلم سجدتي السهو سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه ابن ماجه بلفظ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سها فسلم في الركعتين فقال هل رجل يقال له ذو اليدين‏:‏ يا رسول الله أقصرت أم نسيت‏؟‏ قال‏:‏ ما قصرت ما نسيت، قال إذا فصليت ركعتين قال أكما يقول ذو اليدين‏؟‏ قالوا نعم، فتقدم فصلى ركعتين ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو وأما حديث ذي اليدين فأخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند ص والبيهقي وفي الباب أيضاً عن ابن عباس عند البزارفي مسنده والطبراني، وعن عبد الله بن مسعدة عند الطبراني في الأوسط، وعن معاوية بن خديج عند أبي داود والنسائي وعن أبي العريان عند الطبراني في الكبير، قال ابن عبد البر في التمهيد‏:‏ وقد قيل إن أبا العريان المذكور هو أبو هريرة‏:‏ وقال النووي في الخلاصة‏:‏ إن ذا اليدين يكنى بالعريان‏.‏ قال العراقي‏:‏ كلا القولين غير صحيح وأبو العريان صحابي آخر لا يعرف اسمه ذكره الطبراني فيهم في الكنى وكذلك أورده أبو موسى المديني في ذيله على ابن مندة في الصحابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وغيرهما قال في التلخيص‏:‏ لهذا الحديث طرق كثيرة وألفاظ وقد جمع جميع طرقه الحافظ صلاح الدين العلائي وتكلم عليه كلاماً شافياً انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واختلف أهل العلم في هذا الحديث فقال بعض أهل الكوفة‏:‏ إذا تكلم في الصلاة ناسياً أو جاهلاً أو ما كان فإنه يعيد الصلاة، واعتلوا بأن هذا الحديث كان قبل التحريم الكلام في الصلاة‏)‏ قال صاحب آثار السنن ما محصله‏:‏ إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان حاضراً في حادثة ذي اليدين فقد وقع في رواية الشيخين وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه إلخ، فحضوره في تلك الحادثة يدل على أنها كانت حين كان الكلام مباحاً في الصلاة لأن عمر بن الخطاب قد حدث به تلك الحادثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، وفعل فيها بخلاف ما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذي اليدين‏.‏ أخرج الطحاوي في معاني الآثار بإسناده عن عطاء قال‏:‏ صفلى عمر بن الخطاب بأصحابه فسلم في الركعتين ثم انصرف فقيل له في ذلك فقال‏:‏ إني جهزت عيرا من العراق بأحمالها وأقتابها حتى وردت المدينة فصلى بهم أربع ركعات قاله‏:‏ هذا مرسل جيد‏.‏

قلت‏:‏ ليس هذا مرسلاً جيداً بل هو من أضعف المراسيل‏.‏ قال الحافظ الذهبي في الميزان في ترجمة عطاء‏:‏ قال أحمد‏:‏ ليس في المرسل أضعف من مرسل الحسن والعطاء يأخذان عن كل أحد انتهى‏.‏ فمرسل عطاء هذا لا يصح للأستدلال على أن قصة ذي اليدين كانت حين كان الكلام مباحاً، على أنه يحتمل أن عمر رضي الله عنه كان إذ ذاك قد ذهل عن قصة ذي اليدين كما كان قد ذهل عن قصة التميم ولم يتذكر بتذكير عمار مع أنه حضر معه تلك القصة‏:‏ وأيضاً يحتمل أن عمر رضي الله عنه كان يرى أن من حدث به هذه الحادثة فله أن يستأنف الصلاة وله أن يبني ولم ير ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم واجباً فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال‏.‏ ثم الظاهر أن عمر، إنما أعاد الصلاة لأنه تكلم بعد الإنصراف من الركعتين بكلام لم يكن مثل كلام النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين حيث قال‏:‏ إني جهزت عيرا من العراق بأحمالها وأقتابها حتى وردت المدينة فتفكر‏.‏

قال النيموي‏:‏ أحاديث أبي هريرة من مراسيل الصحابة فإنه لم يحضر قصة ذي اليدين لأن ذا اليدين قتل ببدر وكان إسلام أبي هريرة بعده عام خيبر سنة سبع من الهجرة‏.‏ قلت‏:‏ القول بأن أبا هريرة لم يحضر قصته ذي اليدين باطل قطعاً فإنه قد ثبت حضوره قصة ذي اليدين بأحاديث صحيحة صريحة، ففي رواية الشيخين وغيرهما‏:‏ صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية لمسلم وغيره‏:‏ صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية لمسلم وأحمد وغيرهما‏:‏ بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأما الاستدلال على عدم حضور أبي هريرة قصة ذي اليدين بأن ذا اليدين قتل ببدر وكان إسلام أبي هريرة بعده ففاسد، فإن المقتول ببدر هو ذو الشمالين لا ذو اليدين‏:‏ قال الحافظ بن عبد البر في الاستذكار‏:‏ وهو ‏(‏أي ذو اليدين‏)‏ غير ذي الشماين المقتول ببدر بدليل ما في حديث أبي هريرة ومن ذكرها معه من حضورهم تلك الصلاة ممن كان إسلامه بعد بدر وقول أبي هريرة في حديث ذي اليدين‏:‏ صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بنا، وبينا نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، محفوظ من نقل الحافظ‏:‏ وأما قول ابن شهاب الزهري إنه ذو الشمالين فلم يتابع عليه أحد، وحمله الزهري على أنه المقتول يوم بدر وغلط فيه والغلط لا يسلم منه أحد إنتهى‏.‏

وقال صاحب التعليق الممجد‏:‏ قال بعضهم‏:‏ إن أبا هريرة لم يحضرها وإنما رواها مرسلاً بدليل أن ذا الشمالين قتل يوم بدر وهو صاحب القصة ورده بأن رواية مسلم وغيره صريحة في حضور أبي هريرة تلك القصة والمقتول ببدر هو ذو الشمالين وصاحب القصة هو ذو اليدين وهو غيره انتهى‏.‏

وقال الحافظ بن حجر في فتح الباري‏:‏ قوله صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر في أنا أبا هريرة حضر القصة وحمله الطحاوي على المجاز فقال إن المراد به صلى بالمسلمين، ويدفع المجاز الذي ارتكبه الطحاوي ما رواه أحمد ومسلم وغيرهما من طريق يحيى بن كثير عن أبي سلمة في هذا الحديث عن أبي هريرة بلفظ‏:‏ بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى‏.‏

وقال البيهقي في المعرفة بأن هذا ترك الظاهر على أنه رواه يحيى بن كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال‏:‏ بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجز في هذا القول معناه صلى بالمسلمين إنتهى‏.‏

قلت‏:‏ رواية مسلم وأحمد بلفظ‏:‏ بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نص صريح في حضور أبي هريرة قصة ذي اليدين، وليس عند من ادعى عدم حضوره عن هذه القصة الرواية الصحيحة الصريحة جواب شاف وقد اعترف به صاحب البحر من الحنفية وقد اعترف به صاحب العرف الشذي أيضاً حيث قال‏:‏ ولكن الطحاوي لم يجب عما في طريق في مسلم عن أبي هريرة بينا أنا أصلي إلخ‏.‏ وقال صاحب البحر‏:‏ لم أجد جواباً شافياً عن هذه‏:‏ وقال ابن عابدين ما قال وتعجب من عدم جواب البحر أقول إن ابن عابدين غفل عما في مسلم فإن الرواية ههنا أنا أصلي رواها مسلم ص 214 وأما أنا فلم أجد شافياً أيضاً إنتهى كلام صاحب العرف الشذي بلفظه‏.‏

تنبيه‏:‏

إعلم أن الحنفية لما عجزوا عن جواب رواية مسلم بلفظ‏:‏ بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اعترف بعضهم بعدم وجدان الجواب الشافي عنها وسعى بعضهم في إثبات الوهم فيها من الراوي، فقال صاحب العرف الشذي بعد قوله‏:‏ وأما أنا فلم أجد جواباً شافياً أيضاً ما لفظه‏:‏ إلا أن يحكم بأنه وهم الراوي، فإنه لما رأى بينا نحن نصلي زعم كون أبي هريرة في الواقعة، وأما وجه الوهم فلعله وهم من شيبان فإنه اختلط عليه حديثان فإنه روى حديث معاوية بن الحكم السلمي كما في مسلم ص 203 حديث العطاس وفيه‏:‏ بينا أنا أصلي إذ عطس رجل وأخذ هذا اللفظ من هذا الحديث ووضعه بسبب الإختلاط في حديث ذي اليدين عن أبي هريرة في مسلم ص 214 إنتهى كلامه‏.‏

قلت‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏فإنه روى حديث معاوية بن الحكم السلمي كما في مسلم‏)‏ حديث العطاس وهم صريح فإن شيبان لم يرو حديث معاوية بن الحكم السلمي حديث العطاس فإن سنده في مسلم ص 213 هكذا حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح وأبو بكر بن أبي شيبة وتقاربا في لفظ الحديث قالا أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمون عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال‏:‏ بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل الخ فقوله ‏(‏وأخذ هذا اللفظ من هذا الحديث إلخ‏)‏ بناء الباطل على الباطل‏.‏

والعجب من صاحب العرف الشذي كيف ارتكب الأمر القبيح لإثبات وهم الراوي في رواية مسلم الصحيحة‏.‏

تنبيه آخر‏:‏ قال النيموي‏:‏ قوله‏:‏ بينما أنا أصلي ليس بمحفوظ ولعل بعض رواة الحديث فهم من قول أبي هريرة صلى بنا أنه كان حاضرا فروى هذا الحديث بالمعنى على ما زعمه وقد أخرجه مسلم من خمس طرق فلفظه في طريقين‏:‏ صلى بنا، وفي طريق‏:‏ صلى لنا وفي طريق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، وفي طريق‏:‏ بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ تفرد به يحيى بن أبي كثير وخالفه غير واحد من أصحاب أبي سلمة وأبي هريرة، فكيف يقبل أن أبا هريرة قال في هذا الخبر‏:‏ بينما أنا أصلي إنتهى‏.‏

قلت‏:‏ يحيى بن أبي كثير ثقة ثبت متقن‏:‏ قال الحافظ في مقدمة الفتح‏:‏ أحد الأئمة الثقات الأثبات‏:‏ قال شعبة حديثه أحسن من حديث الزهري‏:‏ وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه يحيى من أثبت الناس إنما يعد مع الزهري ويحيى بن سعيد وإذا خالفه الزهري فالقول قول يحيى انتهى‏.‏ فكيف لا يقبل ما تفرد به مثل هذا الثقة الثبت الذي هو من أثبت الناس وإذا خالفه الزهري فالقول قوله، فقول النيموي قوله بينما أنا أصلي غير محفوظ مردود عليه‏.‏

والحاصل أن رواية مسلم وأحمد بلفظ‏:‏ بينما أنا أصلي صحيحة محفوظة وهي نص صريح في شهود أبي هريرة قصة ذي اليدين وليس لمن أنكر ذلك جواب شاف عن هذه الرواية‏.‏

واعلم أن الحنفية قد استدلوا على عدم شهود أبي هريرة قصة ذي اليدين بثلاثة وجوه ذكرها النيموي في آثار السنن وكلها مخدوشة واهية فلنا أن نذكرها ههنا مع بيان ما فيها من الخدشة‏.‏

فقال النيموي واستدل على ذلك بثلاثة وجوه‏:‏ أحدها‏:‏ أن ابن عمر نص بأن إسلام أبي هريرة كان بعد ما قتل ذو اليدين‏.‏ أخرجه الطحاوي في معاني الآثار فذكر بإسناده عن عبد الله العمري عن نافع عن ابن عمر أنه ذكر له حديث ذي اليدين فقال‏:‏ كان إسلام أبي هريرة بعد ما قتل ذو اليدين انتهى‏.‏

قلت‏:‏ هذه الرواية ضعيفة منكرة مخالفة لروايات الصحيحين وغيرهما تفرد بها عبد الله العمري وهو ضعيف قال الحافظ في التقريب‏:‏ ضعيف عابد، وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ قال الترمذي في العلل الكبير عن البخاري ذاهب لا أروي عنه شيئاً وقال البخاري في التاريخ‏:‏ كان يحيى بن سعيد يضعفه انتهى‏.‏ وقال الذهبي في الميزان‏:‏ صدوق في حفظه شيء‏.‏ وقال ابن المديني عبد الله ضعيف‏:‏ وقال ابن حبان‏:‏ كان ممن غلب عليه الصلاح والعبادة حتى غفل عن حفظ الأخبار وجودة الحفظ للاَثار، فلما فحش استحق الترك انتهى‏.‏ فالاستدلال بهذه الرواية الضعيفة المنكرة على عدم شهود أبي هريرة قصة ذي اليدين ليس بشيء‏.‏

قال النيموي في تصحيح هذه الرواية الضعيفة المنكرة ما لفظه‏:‏ رجاله كلهم ثقات إلا العمري فاختلف فيه‏.‏ قواه غير واحد من الأئمة وضعفه النسائي وابن حبان وغيرها من المتشددين، وتبعهم الحافظ في التقريب وقال ضعيف وأعرض عن أعدل ما وصف به خلافاً لما وعده في ديباجته وأحسن شيء ما قاله الذهبي في الميزان صدوق في حفظه شيء انتهى‏.‏

قلت‏:‏ لو سلم أن أحسن شيء هو ما قاله الذهبي فلا شك أن العمري في حفظه شيء وحديثه هذا مخالف لأحاديث الصحيحين التي تدل على شهود أبي هريرة قصة ذي اليدين فهو منكر غير مقبول‏.‏

وليعلم أن النيموي جعل ابن حبان ههنا من المتشددين فإنه ضعف العمري وجعله في بحث القراءة خلف الإمام من المتساهلين، فإنه وثق نافع بن محمود أحد رواة حديث القراءة خلف الإمام حيث قال‏:‏ وأما ابن حبان فهو من المتساهلين انتهى‏.‏

ثم ليعلم أن من عادة النيموي أنه إذا اختلف أقول أئمة الحديث في راو ويكون القول الذي ذكره الحافظ في التقريب مفيداً له يذكره ثم يقول هذا أعدل الأقوال فيه لما وعد الحافظ في ديباجة التقريب من أنه يحكم على كل راو بأعدل ما وصف به، وأما إذا لا يكون قوله مفيداً له فيذكره ثم يقول أعرض الحافظ عن أعدل ما وصف به خلافاً لما وعد في ديباجته، فاعتبروا يا أولي الأبصار ثم ذكر النيموي الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة فقال‏:‏ وثانيهما أن ذا اليدين هو ذو الشمالين، واستدل على ذلك بوجوه منها ما رواه الزهري في حديث أبي هريرة ذا الشمالين مكان ذا اليدين أخرجه النسائي وغيره‏.‏ ومنها ما رواه البزار والطبراني في الكبير عن ابن عباس قال‏:‏ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثم سلم فقال له ذو الشمالين‏:‏ أنقصت الصلاة يا رسول الله‏؟‏ قال كذلك يا ذا اليدين‏؟‏ قال نعم، فركع ركعة وسجد سجدتين‏.‏ ثم ذكر النيموي أقوال بعض أهل العلم كابن سعد وغيره ثم قال‏:‏ فثبت بهذه الأقوال أن ذا اليدين وذا الشمالين واحد‏:‏ وقد اتفق أهل الحديث والسير أن ذا الشمالين استشهد ببدر انتهى كلام النيموي‏.‏

قلت‏:‏ استشهاد ذي الشمالين ببدر مسلم، وأما أن ذا اليدين هو ذو اليدين هو ذو الشمالين الذي قتل ببدر فهو غير مسلم، بل الحق والصواب أن ذا اليدين غير ذي الشمالين‏.‏ قال الحافظ بن حجر في الفتح‏:‏ وقد اتفق معظم أهل الحديث من المصنفين وغيرهم على أن ذا الشمالين غير ذي اليدين، ونص على ذلك الشافعي في اختلاف الحديث انتهى‏.‏ وقال الحافظ بعد ورقة‏:‏ وقد تقدم أن الصواب التفرقة بين ذي اليدين وذي الشمالين انتهى وأما رواية الزهري بلفظ ذي الشمالين مكان ذي اليدين وكذا بعض الروايات الأخرى التي وقع فيها لفظ ذي الشمالين مكان ذي اليدين فهي مخالفة لعامة الروايات الصحيحة فلا اعتداد بها‏.‏

قال البيهقي في المعرفة‏:‏ وهم الزهري في قوله ذو الشمالين وإنما هو ذو اليدين، وذو الشمالين تقدم موته في من قتل ببدر، وذو اليدين بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقال انتهى‏.‏ وقال في موضع آخر‏:‏ وذو الشمالين استشهد يوم بدر هكذا ذكره عروة بن الزبير وسائر أهل العلم بالمغازي انتهى وقال إن أبا هريرة شهد قصة ذي اليدين في الصلاة وحضرها كما ورد في الصحيحين عنه قال‏:‏ صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشى‏.‏ قال‏:‏ وقد أجمعوا على أن إسلام أبي هريرة كان عام خيبر سنة سبع بعد بدر بخمس سنين انتهى‏.‏ وقال السهيلي في الروض الأنف روى الزهري حديث التسليم من الركعتين وقال فيه‏:‏ فقام ذو الشمالين رجل من بني زهرة لم يروه أحد هكذا، إلا الزهري وهو غلط عند أهل الحديث وإنما هو ذو اليدين السلمي واسمه خرباق، وذو الشمالين قتل ببدر والحديث شهده أبو هريرة وكان إسلامه بعد بدر بسنين ومات ذو اليدين السلمي في خلافة معاوية انتهى، كذا نقل الزيلعي، وقول البيهقي والسهيلي في نصب الراية ونقل عن خلاصة النووي ما لفظه‏:‏ وذو اليدين اسمه خرباق وكنيته أبو العريان، وعاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ذو الشمالين فهو عمير بن عمرو الخزاعي قتل يوم بدر شهيداً وهو غير المتكلم في حديث السهو، هذا قول جميع الحفاظ إلا الزهري، وقد اتفقوا على تغليط الزهري في ذلك انتهى‏.‏ وقد بسطنا الكلام في هذا الباب في كتابنا أبكار المنن فعليك أن تطالعه‏.‏

289- باب ما جاءَ في الصّلاةِ في النّعال

‏(‏باب ما جاء في الصلاة في النعال‏)‏ بكسر النون جمع نعل وهي معروفة‏.‏

397- حدثنا علي بن حُجْر، حدثنا إسْمَاعِيلُ بن إِبْرَاهِيمَ عن سعيدِ بنِ يزيدَ أبي مسلمَة قال‏:‏ قلتُ لأنس بن مالكٍ ‏"‏أكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلّي في نعليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏"‏‏.‏

‏(‏قال‏)‏ وفي الباب عن عبدِ الله بن مسعودٍ وعَبْدِ الله بنِ أبي حَبيبَةَ وعَبْدِ الله بن عَمْرٍو وعَمْرو بن حريثٍ وشدّادِ ابن أوسٍ وأوسٍ الثّقَفِيّ وأبي هريرةَ، وعطاء رجلٍ من بَنِي شيبة‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أنسٍ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏

والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلمِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد بن يزيد أبي سلمة الأزدي ثم الطالحي البصري القصير ثقة روى عن أنس وأبي نضرة والحسن البصري وغيرهم وعنه شعبة وابن علية وغيرهما‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يصلي في نعليه‏)‏ قال ابن بطال هو محمول على ما إذا لم يكن فيهما نجاسة، ثم هي من الرخص كما قال ابن دقيق العيد لا من المستحبات لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة، وهو وإن كان من ملابس الزينة إلا أن ملامسته الأرض التي تكثر فيها النجاسات قد تقصر عن هذه الرتبة، وإذا تعارضت مراعاة مصلحة التحسين ومراعاة إزالة النجاسة قدمت الثانية لأنها من باب دفع المفاسد والأخرى من باب جلب المصالح، قال‏:‏ إلا أن يرد دليل بالحاقه بما يتجمل به فيرجع إليه ويترك هذا النظر انتهى‏.‏ قال الحافظ ابن حجر قد روى أبو داود والحاكم من حديث شداد ابن أوس مرفوعاً‏:‏ خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا في خفافهم، فيكون استحباب ذلك من جهة قصد المخالفة المذكورة‏.‏ قال وورد في كون الصلاة في النعال من الزينة المأمور بأخذها في الاَية حديث ضعيف جداً وردها ابن عدي في الكامل وابن مردويه في تفسيره والعقيلي من حديث أنس انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن أبي حبيبة وعبد الله بن عمرو وعمرو بن حريث وشداد بن أوس وأوس الثقفي وأبي هريرة وعطاء رجل من بني شيبة‏)‏ أما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه ابن ماجه وله حديث آخر عند الطبراني في إسناده علي بن عاصم تكلم فيه، وله حديث ثالث عند البزار وفي إسناده أبو حمزة الأعور وهو غير محتج به‏.‏ وأما حديث عبد الله بن أبي حبيبة فأخرجه أحمد والبزار والطبراني‏.‏ وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود وابن ماجه‏.‏ وأما حديث عمرو بن حريث فأخرجه المؤلف في الشمائل والنسائي‏.‏ وأما حديث شداد بن أوس فأخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه وتقدم لفظه قال الشوكاني‏:‏ لا مطعن في إسناده، وأما حديث أوس الثقفي فأخرجه ابن ماجه‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود وله حديث آخر عند أحمد والبيهقي‏.‏ وأما حديث عطاء فأخرجه ابن مندة في معرفة الصحابة والطبراني وابن نافع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أنس حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم والعمل على هذا عند أهل العلم يعني يجوزون الصلاة في النعال إذا كانت طاهرة سواء كانت النعال جديدة أولاً سواء كانت الصلاة في المسجد أو في غيره‏:‏ وقد استدل الطحاوي في شرح الآثار بجواز دخول المسجد بالنعال ويجوز الصلاة فيها على جواز المشي بها بين القبور حيث قال‏:‏ قد جاءت الآثار متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قد ذكرنا عنه من صلاته في نعليه ومن إباحته الناس في النعال ثم ذكر أحاديث الصلاة في النعال ثم قال‏:‏ فلما كان دخول المساجد بالنعال غير مكروه وكانت الصلاة بها أيضاً غير مكروهة كان المشي بها بين القبور أحرى أن لا يكون مكروهاً‏.‏ وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد انتهى مختصر‏.‏

290- باب مَا جَاءَ فِي الْقُنوتِ فِي صَلاَةِ الْفَجْر

‏(‏باب ما جاء في القنوت في صلاة الفجر‏)‏ قال الحازمي في كتاب الإعتبار‏:‏ اتفق أهل العلم على ترك القنوت من غير سبب في أربع صلوات وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء‏.‏ قال‏:‏ واختلف الناس في القنوت في صلاة الصبح فذهب أكثر الناس من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من علماء الأمصار على إثبات القنوت فيها، قال‏:‏ فممن روينا ذلك عنه من الصحابة الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ومن الصحابة عمار بن ياسر وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وعبد الله بن عباس وأبو هريرة والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو حليمة معاذ بن الحارث الأنصاري وخفاف بن إيماء بن رحضة وأهبان بن صيفي وسهل بن سعد الساعدي وعرفجة بن شريح الأشجعي ومعاوية بن أبي سفيان وعائشة الصديقة، ومن المخضرمين أبو رجاء العطاردي وسويد بن غفلة وأبو عثمان النهدي وأبو رافع الصائغ، ومن التابعين سعيد بن المسيب والحسن بن الحسن ومحمد بن سيرين وأبان بن عثمان وقتادة وطاووس وعبيد بن عمير والربيع بن خيثم وأيوب السختياني وعبيدة السلماني وعروة بن الزبير وزياد بن عثمان وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعمر بن عبد العزيز وحميد الطويل ومن الأئمة والفقهاء أبو إسحاق وأبو بكر بن محمد والحكم بن عتيبة وحماد ومالك بن أنس وأهل الحجاز والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعي وأصحابه، وعن الثوري روايتان وغير هؤلاء خلق كثير‏.‏

وخالفهم في ذلك نفر من أهل العلم ومنعوا من شرعية القنوت في الصبح، وزعم نفر منهم أنه كان مشروعاً ثم نسخ انتهى كلام الحازمي‏.‏

398- حدثنا قُتَيْبَةُ و محمد بن المثنّى قالا‏:‏ حدثنا ‏(‏غندر‏)‏ محمدُ بنُ جعفرٍ عن شعبةَ عنْ عمرِو بن مُرّةَ عنْ عبد الرحمن بن أبي لَيلَى عنْ البراءِ بنِ عازِبٍ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَقنُتُ في صَلاةِ الصبْحِ والمغربِ‏"‏‏.‏

‏(‏قال‏)‏‏:‏ وفي الباب عن علي وأنسٍ وأبي هُرَيْرةَ وابنِ عبّاس وخُفافِ بن أيْماء بنِ رَحَضَةَ الغفارِيّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ البراءِ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏

واخْتلفَ أهلُ العلمِ في القنوتِ في صلاةِ الفجرِ، فرأى بعضُ أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم القنوتَ في صلاةِ الفجرِ‏.‏

وهُوَ قوْلُ ‏(‏مالك و‏)‏ الشافعيّ، وقالَ أحمدُ، وإسحاقُ‏:‏ لا يَقْنُتُ في الفجرِ إلا عندَ نازِلةٍ تَنْزلُ بالمسلمينَ، فإذَا نزلَتْ نازلةٌ فللإمامِ أنْ يَدْعُوَ لجُيوشِ المسلمين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يقنت في صلاة الصبح والمغرب‏)‏ قال الحافظ ابن حجر وغيره‏:‏ أي في أول الأمر انتهى‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ واحتج بهذا الحديث من أثبت القنوت في الصبح، ويجاب بأنه لا نزاع في وقع القنوت في الصبح، ويجاب بأنه لا نزاع في وقوع القنوت منه صلى الله عليه وسلم إنما النزاع في استمرار مشروعيته‏:‏ فإن قالوا لفظ‏:‏ كان يفعل يدل على استمرار المشروعية، قلنا‏:‏ إن النووي قد حكى عن جمهور المحققين أنها لا تدل على ذلك سلمنا فغاية مجرد الاستمرار وهو لا ينافي الترك آخراً كما صرحت به الأدلة الأخرى على أن هذا الحديث فيه‏:‏ أنه كان يفعل ذلك في الفجر والمغرب‏:‏ فما هو جوابكم عن المغرب، فهو جوابنا عن الفجر وأيضاً في حديث أبي هريرة المتفق عليه‏:‏ أنه كان يقنت في الركعة الاَخرة من صلاة الظهر والعشاء الاَخرة وصلاة الصبح‏.‏ فما هو جوابكم عن مدلول لفظ كان ههنا فهو جوابنا، قالوا‏:‏ أخرج الدارقطني وعبد الرزاق وأبو نعيم وأحمد والبيهقي والحاكم وصححه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على قاتلي أصحابه ببئر معونة ثم ترك، فأما الصبح فلم يزل يقنت حتى فارقنا الدنيا‏.‏ وأول الحديث في الصحيحين، ولو صح هذا لكان قاطعاً للبراع ولكنه من طريق أبي جعفر الرازي قال فيه عبد الله بن أحمد‏:‏ ليس بالقوي‏:‏ وقال علي بن المديني‏:‏ يخلط، وقال أبو زرعة‏:‏ يهم كثيراً، وقال عمرو بن علي الفارسي‏:‏ صدوق سيء الحفظ، وقال ابن معين‏:‏ ثقة لكنه يخطيء، وقال الدوري‏:‏ ثقة لكنه يغلط وحكى الساجي أنه قال‏:‏ صدوق ليس بالمتقن، وقد وثقه غير واحد، ولحديثه هذا شاهد ولكن في إسناده عمرو بن عبيد وليس بحجة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويعكر على هذا مارواه الخطيب من طريق قيس بن الربيع عن عاصم بن سليمان‏:‏ قلنا لأنس إن قوماً يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت فيها الفجر، قال‏:‏ كذبوا إنما قنت شهراً واحداً يدعو على حي من أحياء المشركين، وقيس وإن كان ضعيفاً لكنه لم يتهم بكذب‏.‏ وروى ابن خزيمة في صحيحه من طريق سعيد عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم فاختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت فلا يقوم إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم فاختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت فلا يقوم لمثل هذا حجة انتهى‏.‏

إذا تقرر لك هذا علمت أن الحق ما ذهب إليه من قال إن القنوت مختص بالنوازل وأنه ينبغي عند نزول النازلة أن لا تخص به صلاة دون صلاة‏:‏ وقد ورد ما يدل على هذا الاختصاص من حديث أنس عند ابن خزيمة وقد تقدم، ومن حديث أبي هريرة عند ابن حبان بلفظ‏:‏ كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد، وأصله في البخاري انتهى كلام الشوكاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وأنس وأبي هريرة وابن عباس وخفاف‏)‏ بضم الخاء المعجمة وفاءين ‏(‏ابن إيماء‏)‏ بكسر الهمزة ومثناة من تحت ممدود مصروف وفيه أيضاً فتح الهمزة مع القصر ‏(‏بن رحضة‏)‏ بفتح الراء والحاء المهملة والضاد المعجمة له ولأبيه صحبة كذا في قوت الغتذي‏.‏ أماحديث علي فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه البخاري بلفظ قال‏:‏ كان القنوط في المغرب والفجر وله أحاديث أخرى في القنوت في الصحيحين وغيرهما‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان بلفظ‏:‏ لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الاَخرة من صلاة الظهر والعشاء الاَخرة وصلاة الصبح بعد ما يقول‏:‏ سمع الله لمن حمده فيدعو للمؤمنين يلعن الكفار‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو داود بلفظ‏:‏ قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كلا صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الاَخرة يدعو على حي من بني سليم على رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه‏.‏ وأما حديث خفاف فأخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم القنوت في صلاة الفجر وهو قول الشافعي‏)‏ وحكاه الحازمي عن أكثر الناس من الصحابة والتابعين كما تقدم‏:‏ وقال النووي في شرح المهذب‏:‏ القنوت في الصبح مذهبنا وبه قال أكثر السلف ومن بعدهم وقد عرفت متمسكاتهم وما فيها‏.‏