فصل: 418- باب ما ذُكِرَ في قِراءة سورتَيْنِ في رَكْعَة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


418- باب ما ذُكِرَ في قِراءة سورتَيْنِ في رَكْعَة

598- حدثنا محمودُ بن غَيْلانَ حدثنا أبو دَاودَ قال أنبأنا شُعْبَةُ عن الأعْمَشِ قال‏:‏ ‏"‏سَمِعْتُ أبا وائلٍ قال‏:‏ سأَل رَجُلٌ عبدَ الله عن هذا الحَرْفِ ‏{‏غَيْرِ آسِنٍ‏}‏ أو يَاسِنٍ قال‏:‏ كُلّ القرآنِ قرأْتَ غَيْرَ هذا ‏(‏الحرف‏)‏‏؟‏ قال نعم، قال‏:‏ إنّ قَوْماً يَقْرَءُونَهُ يَنْثُرونَهُ نَثْرَ الدّقَلِ، لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، إنّي لأَعْرِفُ السّوَرَ النظَائِرَ التي كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقْرنُ بَيْنَهُنّ، قال فأَمَرْنَا عَلْقَمَةَ فَسَأَلَهُ فقال‏:‏ عشرونَ سورةً مِنَ المُفَصّلِ كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقرُنُ بَيْنَ كلّ سورَتَيْنِ في رَكْعَةٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله ‏(‏أخبرنا أبو داود‏)‏ هو الطيالسي‏.‏

قوله ‏(‏سأل رجل‏)‏ هو نهيك بفتح النون وكسر الهاء ابن سنان البجلي ‏(‏عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود ‏(‏عن هذا الحرف غير آسن أو ياسن‏)‏ يعني هذا اللفظ بهمزة أو بياء، وهذا اللفظ وقع في سورة محمد هكذا ‏(‏فيها أنهار من ماء غير آسن‏)‏ الاَية أي غير متغير ‏(‏قال كل القرآن قرأت غير هذا‏؟‏‏)‏ بتقدير همزة الاستفهام وبنصب كل على أنه مفعول قرأت بفتح التاء على الخطاب، أي قال عبد الله بن مسعود للرجل‏:‏ أكل القرآن قرأت غير هذا الحرف ‏(‏قال نعم‏)‏ أي قال الرجل نعم قرأت كل القرآن غير هذا وأحصيته، وفي رواية لمسلم‏:‏ كيف تقرأ هذا الحرف ألفاً تجده أو ياء‏؟‏ ‏(‏من ماء غير آسن‏)‏ أو ‏(‏من ماء غير ياسن‏)‏ قال فقال عبد الله‏:‏ وكل القرآن قد أحصيت غير هذا قال‏:‏ أني لأقرأ المفصل في ركعة، فقال عبد الله هزاً كهز الشعر، إن أقواماً يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع‏.‏ الحديث ‏(‏ينثرون نثر الدقل‏)‏ أي يرمون بكلماته من غير روية وتأمل كما يرمى الدقل بفتحتين وهو رَدِيئُ التمر فإنه لرداءته لا يحفظ ويلقي منثوراً وقال في النهاية‏:‏ أي كما يتساقط الرطب اليابس من العذق إذا هز ‏(‏لا يجاوز تراقيهم‏)‏ جمع ترقوة بالفتح وهي العظم بين النحر والعاتق، وهو كناية عن عدم القبول والصعود في موضع العرض‏.‏ وقال النووي معناه‏:‏ أن قوماً يقرأون وليس حظهم من القرآن إلا مروره على اللسان فلا يجاوز تراقيهم ليصل قلوبهم، وليس ذلك هو المطلوب بل المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب ‏(‏إني لأعرف السور النظائر‏)‏ أي السور المتماثلة في المعاني كالمواعظة أو الحكم أو القصص لا المتماثلة في عدد الاَي‏.‏ قال المحب الطبري‏:‏ كنت أظن أن المراد أنها متساوية في العدد حتى اعتبرتها فلم أجد فيها شيئاً متساوياً ‏(‏يقرن‏)‏ بضم الراء وكسرها ‏(‏قال‏)‏ أي أبو وائل ‏(‏فأمرنا علقمة‏)‏ بن قيس بن مالك النخعي أي قال أبو وائل فأمرنا علقمة أن يسأل ابن مسعود عن السور النظائر ‏(‏فسأله‏)‏ أي فسأل علقمة عبد الله بن مسعود ‏(‏فقال عشرون سورة من الفصل‏)‏ وهو من ق إلى آخر القرآن على الصحيح لكثرة الفصل بين سورة بالبسملة على الصحيح قاله الحافظ ‏(‏يقرن بين كل سورتين في كل ركعة‏)‏ أي يجمع بين سورتين منها في كل ركعة على تأليف ابن مسعود فإنه جمع القرآن على نسق غير ما جمعه زيد وهي الرحمَن والنجم في ركعة‏.‏ واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، وإذا وقعت والنون في الركعة، والمعارج والنازعات في ركعة، وويل للمظففين وعبس في ركعة، والمدثر والمزمل في ركعة، وهل أتى ولا أقسم في ركعة، وعم والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس في ركعة، كذا في مجمع البحار‏.‏ قلت‏:‏ كذلك وقع بيان جمع السورتين في كل ركعة في رواية أبي داود وقال في آخره تأليف ابن مسعود رحمه الله انتهى‏.‏

ويتبين بهذا أن في قوله عشرون سورة من المفصل في حديث الباب تجوز لأن الدخان ليست منه، قاله الحافظ‏.‏ وفي الحديث جواز الجمع بين سورتين في كل ركعة، وقد روى أبو داود وصححه ابن خزيمة من طريق عبد الله بن شقيق قال‏:‏ سألت عائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين السور‏؟‏ قالت‏:‏ نعم من المفصل‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ولا يخالف هذا ما ورد أنه جمع بين البقرة وغيرها من الطوال لأنه يحمل على النادر انتهى‏.‏

قوله ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وغيرهما‏.‏

419- باب ما ذُكِرَ في فَضْلِ المَشْي إلى المسْجدِ وما يُكْتَبُ لهُ مِنَ الأجْرِ في خُطَاه

599- حدثنا محمودُ بن غَيْلان حدثنا أبو داودَ قال أنبأنا شُعبةُ عن الأعمَشِ سَمِعَ ذكوَانَ عن أبي هريرةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذا تَوَضّأَ الرجُلُ فأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثم خَرجَ إلى الصّلاةِ لا يخُرِجُهُ أو ‏(‏قال‏)‏ لا يُنْقِزُهُ إلا إيّاهَا لم يَخْطُ خُطْوَةً إلاّ رَفَعَهُ الله بها دَرَجَةً أو حَطّ عنهُ بها خَطِيئَةً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله أخبرنا ‏(‏أبو داود‏)‏ هو الطيالسي ‏(‏سمع ذكران‏)‏ هو أبو صالح السمان الزيات المدني ثقة ثبت وكان يجلب الزيت إلى الكوفة من الثالثة مات سنة إحدى ومائة قاله الحافظ، وقال في الخلاصة‏:‏ روى عن سعد وأبي الدرداء وعائشة وأبي هريرة وخلق‏.‏ وعنه بنوه سهيل وعبد الله وصالح وعطاء بن أبي رباح، وسمع منه الأعمش ألف حديث، قال أحمد ثقة ثقة شهد الدار انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأحسن الوضوء‏)‏ بأن راعى فروضه وشروطه وآدابه ‏(‏أو قال لا ينهزه‏)‏ كلمة أو للشك من الراوي، أي لا يدفعه، قال في النهاية‏:‏ النهز الدفع يقال نهزت الرجل أنهزه إذا دفعته، ونهز رأسه إذا حركه ‏(‏إلا إياها‏)‏ أي إلا الصلاة، والمعنى خرج إلى المسجد ولم ينو بخروجه غير الصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه بألفاظ‏.‏

420- باب ما ذُكِرَ في الصّلاةِ بعدَ المغربِ أنه في البيتِ أفْضَل

600- حدثنا محمدُ بن بَشّارٍ حدثنا إبراهيمُ بن أبي الوَزِيرِ ‏(‏البصري ثقة‏)‏ حدثنا محمدُ بن موسى عن سعدِ بن إسحاقَ بن كَعْبِ بن عُجْرَةَ عن أبيهِ عن جَدّهِ قال‏:‏ ‏"‏صَلّى النبيّ صلى الله عليه وسلم في مَسْجِدِ بَني عبدِ الأشْهَلِ المغْرِبَ فَقَامَ نَاسٌ يَتَنَفّلُونَ، فقَال النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ عَلَيكُمْ بهَذِهِ الصّلاة في البُيُوتِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غَرِيبٌ ‏(‏من حديث كعب بن عجرة‏)‏ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الوجْهِ‏.‏ والصحيحُ ما رُوِيَ عن ابنِ عُمَرَ قال‏:‏ ‏"‏كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي الرّكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ في بَيْتِهِ‏"‏‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ وقد رُوِيَ عن حُذَيْفَةَ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صَلّى المَغْرِبَ فَمَا زَالَ يُصَلّي في المسْجِدِ حَتّى صَلّى العِشَاءَ الاَخِرَةَ‏"‏ فَفِي هذا الحَديِثِ دَلاَلَةٌ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صَلّى الرّكْعَتَيْنِ بعدَ المغرِبِ في المسْجدِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا ابراهيم ابن أبي الوزير‏)‏ هو إبراهيم بن عمر بن مطرف الهاشمي مولاهم أبو إسحاق بن أبي الوزير المكي نزيل البصرة صدوق من التاسعة قال الحافظ‏:‏ وقال في الخلاصة‏:‏ روى عن عبد الرحمَن بن الغسيل ونافع بن عمر ومالك، وعنه ابن المثنى وابن بشار‏.‏ قال أبو حاتم لا بأس به‏.‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن موسى‏)‏ بن أبي عبد الله الفطري بكسر الفاء وسكون الطاء المدني مولاهم، روى عن المقبري ويعقوب بن سلمة الليثي وعون بن محمد بن الحنفية وروى عنه عبد الرحمَن بن أبي الموال وابن مهدي وابن أبي فديك وأبو المطرف بن أبي الوزير وإبراهيم بن أبي عمر بن أبي الوزير وغيرهم‏.‏ قال أبو حاتم‏:‏ صدوق صالح الحديث كان يتشيع، وقال الترمذي ثقة، وقال أبو جعفر الطحاوي محمود في روايته، كذا في التقريب وتهذيب التهذيب ‏(‏عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة‏)‏ البلوي المدني حليف الأنصار ثقة من الخامسة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو إسحاق بن كعب بن عجرة، قال الذهبي في الميزان‏:‏ إن إسحاق بن كعب تابعي مستور تفرد بحديث سنة المغرب وهو غريب جداً انتهى‏.‏ وقال الحافظ في التقريب‏:‏ مجهول الحال قتل يوم الحرة ‏(‏عن جده‏)‏ هو كعب بن عجرة صحابي مشهور مات بعد الخمسين وله نيف وسبعون‏.‏

قوله ‏(‏في مسجد بني عبد الأشهل‏)‏ هم طائفة من الأنصار ‏(‏فقام ناس يتنفلون‏)‏ وفي رواية أبي داود فلما قضوا صلاتهم رآهم يسبحون بعدها ‏(‏عليكم بهذه الصلاة‏)‏ أي النوافل ‏(‏في البيوت‏)‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ هذه صلاة البيوت‏.‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ هذا إرشاد لما هو الأفضل، والظاهر أن هذا إنما هو لمن يريد الرجوع إلى بيته بخلاف المعتكف في المسجد فإنه يصليها فيه ولا كراهة بالاتفاق‏.‏

قوله ‏(‏هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه‏)‏ قد عرفت أن إسحاق بن كعب مستور وقد تفرد هو بهذا الحديث، وحديث كعب بن عجرة هذا أخرجه أيضاً أبو داود والنسائي‏.‏

قوله ‏(‏والصحيح ما روي عن ابن عمر قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين بعد المغرب في بيته‏)‏ أخرجه البخاري بلفظ‏:‏ قال حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات‏:‏ ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته الحديث، وفي لفظ له‏:‏ وأما المغرب والعشاء ففي بيته‏.‏ واستدل به على أن فعل النوافل الليلية في البيوت أفضل من المسجد بخلاف رواتب النهار، وحكى ذلك عن مالك والثوري‏:‏ وفي الاستدلال به على ذلك نظر، والظاهر أن ذلك لم يقع عن عمد وإنما كان صلى الله عليه وسلم يتشاغل بالناس في النهار غالباً وبالليل يكون في بيته غالباً‏.‏ وأغرب ابن أبي ليلى‏.‏ فقال لا تجزي سنة المغرب في المسجد، حكاه عبد الله بن أحمد عنه عقب روايته لحديث محمود بن لبيد رفعه‏:‏ أن الركعتين بعد المغرب من صلاة البيوت، وقال‏:‏ إنه حكى ذلك لأبيه عن ابن أبي ليلى فاستحسنه‏.‏ كذا في فتح الباري‏.‏

قلت‏:‏ في مسند الإمام أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل قال‏:‏ أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا المغرب في مسجدنا، فلما سلم منها قال اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم للسبحة بعد المغرب انتهى، والظاهر أن إسناده حسن‏.‏ ويعقوب هذا هو يعقوب بن ابراهيم بن سعد الزهري، وفيه في روايته الأخرى‏:‏ قال أبو عبد الرحمَن هو عبد الله بن الإمام أحمد‏:‏ قلت لأبي إن رجلاً قال من صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد لم تجزه إلا أن يصليهما في بيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه من صلوات البيوت‏.‏ قال‏:‏ من قال هذا‏؟‏ قلت‏:‏ محمد بن عبد الرحمَن، هو ابن أبي ليلى قال‏:‏ ما أحسن ما قال أو ما أحسن ما انتزع انتهى‏.‏ ففي قول الحافظ‏:‏ والظاهر أن ذلك لم يقع عن عمد الخ‏.‏ نظر ظاهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روي عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب فما زال يصلي في المسجد حتى صلى العشاء الاَخرة‏)‏ في مسند أحمد ص 404 جزء 5 حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا زيد بن الحباب أنبأنا إسرائيل أخبرني ميسرة بن حبيب عن المنهال عن زر بن حبيش عن حذيفة قال‏:‏ قالت لي أمي‏:‏ متى عهدك بالنبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه‏:‏ فجئته فصليت معه المغرب فلما قضى الصلاة قام يصلي فلم يزل يصلي حتى صلى العشاء ثم خرج انتهى‏.‏ وإسناده حسن ‏(‏ففي هذا الحديث دلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين بعد المغرب في المسجد‏)‏ وروى أبو داود في سننه عن ابن عباس قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد، ففي هذا الحديث أيضاً دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين بعد المغرب في المسجد، لكن في سنده يعقوب بن عبد الله القمي‏.‏ قال المنذري قال الدارقطني‏:‏ ليس بالقوى انتهى‏.‏ فطريق الجمع بين هذه الأحاديث أن يقال إنه يجوز فعل الركعتين بعد المغرب في المسجد، والأولى والأفضل أن تصليا في البيت والله تعالى أعلم‏.‏

421- باب ما ذكر في الاغْتِسَالِ عندَ ما يُسْلِمُ الرجُل

601- حدثنا محمد بن بشّار حدثنا عبدُ الرحمَنِ بنُ مَهْدِي حدثنا سُفْيَانُ عن الأغَرّ بن الصّبّاحِ عن خَلِيفَةَ بن حُصَيْنٍ عن قَيْسِ بن عَاصِمٍ ‏"‏أنّهُ أَسْلَمَ فَأَمرهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يَغْتَسِلَ بماءٍ وسِدْرٍ‏"‏‏.‏

‏(‏قال‏)‏‏:‏ وفي الباب عن أبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ لا نعرِفُهُ إلاّ مِن هذا الوجْهِ‏.‏ والعملُ عليهِ عندَ أهلِ العِلْمِ يَسْتَحِبّونَ للرّجُلِ إذا أَسْلَمَ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَغْسِلَ ثِيابَهُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا سفيان‏)‏ هو الثوري ‏(‏عن الأغر‏)‏ بفتح الغين المعجمة بعدها راء مشددة ‏(‏بن الصباح‏)‏ بالموحدة المشددة بعد الصاد التميمي المنقري مولاهم الكوفي روى عن أبي نضرة وغيره وعنه الثوري وغيره ثقة، وثقه يحيى بن معين والنسائي ‏(‏عن خليفة بن حصين‏)‏ بن قيس بن عاصم التميمي المنقري عن جده قيس بن عاصم وعلي بن أبي طالب، وعنه الأغر المنقري وثقه النسائي ‏(‏عن قيس بن عاصم‏)‏ بن سنان بن خالد المنقري صحابي مشهور بالحلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر‏)‏ فيه دليل على مشروعية الغسل لمن أسلم، فذهب بعض أهل العلم إلى وجوبه، وذهب الأكثرون إلى الاستحباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ أخرجه أحمد بلفظ‏:‏ أن ثمامة أسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل، وأخرجه أيضاً عبد الرزاق والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان وأصله في الصحيحين وليس فيهما الأمر بالاغتسال وإنما فيهما أنه اغتسل كذا في النيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وأحمد وابن حبان وابن خزيمة وصححه ابن السكن كذا في النيل، وسكت عنه أبو داود وذكر المنذري تحسين الترمذي وأقره‏.‏

قوله‏.‏ ‏(‏والعمل عليه عند أهل العلم يستحبون للرجل إذا أسلم أن يغتسل‏)‏ قال الخطابي‏:‏ هذا الغسل عند أكثر أهل العلم على الاستحباب لا على الإيجاب، وقال الشافعي‏:‏ إذا أسلم الكافر أحب له أن يغتسل فإن لم يفعل ولم يكن جنباً أجزأه أن يتوضأ ويصلي‏.‏ وكان أحمد بن حنبل وأبو ثور يوجبان الاغتسال إذا أسلم قولاً بظاهر الحديث، وقالوا لا يخلو المشرك في أيام كفره من جماع أو احتلام وهو لا يغتسل، ولو اغتسل لم يصح ذلك منه لأن الاغتسال من الجنابة فرض من فروض الدين وهو لا يجزيه إلا بعد الإيمان كالصلاة والزكاة ونحوها‏.‏ وكان مالك يرى أن يغتسل الكافر إذا أسلم انتهى كلام الخطابي‏.‏

قلت‏:‏ واستدل من قال بالاستحباب- إلا لمن أجنب- بأنه لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم كل من أسلم بالغسل، ولو كان واجباً لما خص بالأمر به بعضاً دون بعض، فيكون ذلك قرينة تصرف الأمر إلى الندب‏.‏ وأما وجوبه على المجنب فللأدلة القاضية بوجوبها لأنها لم تفرق بين كافر ومسلم‏.‏ واحتج القائل بالاستحباب مطلقاً لعدم وجوبه على المجنب بحديث‏:‏ الإسلام يجب ما قبله‏.‏ قال القاضي الشوكاني‏:‏ والظاهر الوجوب لأن أمر البعض قد وقع به التبليغ، ودعوى عدم الأمر لمن عداهم لا يصلح متمسكاً لأن غاية ما فيها عدم العلم بذلك وهو ليس علماً بالعدم انتهى ‏(‏ويغسل ثيابه‏)‏ وإن كان عليه شعر الكفر يحلق ويختتن‏.‏ لما رواه أبو داود عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد أسلمت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ألق عنك شعر الكفر، يقول احلق، قال وأخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الاَخر معه‏:‏ ألق عنك شعر الكفر واختتن انتهى، لكن الحديث ضعيف‏.‏ قال المنذري‏:‏ قال عبد الرحمَن بن أبي حاتم كليب والد عثيم بصري روى عن أبيه مرسل هذا آخر كلامه، وفيه أيضاً رواية مجهول انتهى كلام المنذري‏.‏ والمراد بشعر الكفر الشعر الذي هو للكفار علامة لكفرها، وهي مختلفة الهيئة في البلاد المختلفة‏.‏ فكفرة الهند ومصر لهم في موضع من الرأس شعور طويلة لا يتعرضون لها بشيء من الجز أو الحلق أبداً‏.‏ وإذا يريدون حلق الرأس يحلقون كله إلا ذلك المقدار‏.‏

422- باب مَا ذُكِرَ مِنَ التّسْمِيَةِ عند دُخُولِ الخَلاَء

602- حدثنا محمدُ بن حُمَيْدٍ الرّازِيّ حدثنا الحَكَمُ بن بَشِيرِ بنِ سَلْمَانَ حدثنا خَلاّدٌ الصّفّارُ عن الحَكَمِ بن عبدِ الله النَصْرِيّ عن أَبي إسْحَاقَ عن أبي جُحَيْفَةَ عن عليّ بن أَبي طَالِب ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏سَتْرُ مَا بَيْنَ أعْيُنِ الجِنّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إذَا دَخَلَ أَحَدُهُمِ الخَلاَءَ أنْ يَقُولَ‏:‏ بِسْمِ الله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذا الوجْهِ‏.‏ وإسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ ‏(‏القويّ‏)‏‏.‏

وقد رُوِيَ عن أَنَسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أشياء في هذَا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن حميد الرازي‏)‏ حافظ ضعيف وكان ابن معين حسن الرأي فيه ‏(‏أخبرنا الحكم بن بشير بن سلمان‏)‏ النهدي الكوفي صدوق له فرد حديث عندهما ‏(‏أخبرنا خلاد الصفار‏)‏ هو خلاد ابن عيسى أو ابن مسلم العبدي أبو مسلم الكوفي وثقه يحيى بن معين ‏(‏عن الحكم بن عبد الله النصري‏)‏ بالنون وثقه ابن حبان كذا في الخلاصة، وقال في التقريب مقبول ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي ‏(‏عن أبي جحيفه‏)‏ بتقديم الجيم على الحاء المهملة مصغراً اسمه وهب بن عبد الله السوائي مشهور بكنيته ويقال له وهب الخير صحابي معروف وصحب علياً رضي الله عنه وكان من صغار الصحابة، مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغ الحلم، وكان من كبار أصحاب علي وخواصه، كذا في التقريب والخلاصة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ستر ما بين أعين الجن‏)‏ بفتح السين مصدر، وقيل بالكسر وهو الحجاب ‏(‏وعورات بني آدم‏)‏ بسكون الواو ‏(‏إذا دخل أحدهم الخلاء‏)‏ أي وقت دخول أحد بني آدم الخلاء ‏(‏أن يقول بسم الله‏)‏ خبر لقوله ستر ما بين أعين الجن‏.‏ قال المناوي‏:‏ وذلك لأن اسم الله تعالى كالطابع على بني آدم فلا يستطيع الجن فكه، وقال‏:‏ قال بعض أئمتنا الشافعية‏:‏ ولا يزيد الرحمَن الرحيم، لأن المحل ليس محل ذكر، ووقوفاً مع ظاهر هذا الخبر انتهى‏.‏ وقال ابن حجر المكي‏:‏ يسن أن يقدم على كل من التعوذين بسم الله انتهى‏.‏ قال القاري بعد نقل كلام ابن حجر هذا ما لفظه‏:‏ ولا بعد أن يؤخر عنهما على وفق تقدم الاستعاذة على البسملة في التلاوة، ولو اكتفى بكل منهما لحصل أصل السنة والجمع أفضل انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ أخرجه أحمد في مسنده وابن ماجه‏.‏ قال المناوي بإسناد صحيح‏.‏

قلت‏:‏ إسناد الترمذي ليس بصحيح كما صرح به بقوله ‏(‏وإسناده ليس بذاك‏)‏ أي ليس بالقوى لأن محمد بن حميد الرازي شيخ الترمذي ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في هذا‏)‏ أخرجه الطبراني بلفظ‏:‏ ستر بين أعين الجن وبين عورات بني آدم إذا وضع أحدهم ثوبه أن يقول بسم الله‏.‏ كذا في الجامع الصغير‏.‏ قال المناوي في شرحه بإسناد حسن‏.‏ قال القاري في المرقاة بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه‏:‏ هذا الحديث يدل على أن ‏"‏ما‏"‏ زائدة في الحديث السابق يعني حديث على المذكور في هذا الباب وأن الحكم عام، ثم الظرف قيد واقعي غالي للتكشف المحتاج إلى الستر بالبسملة المتقدمة لا أنه احترازي فإنه ينبغي أن يبسمل إذا أراد كشف العورة عند خلع الثوب أو إرادة الغسل انتهى‏.‏

423- باب ما ذُكِرَ مِنْ سِيمَا هذه الأمّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ آثَارِ السّجُودِ والطّهُور

603- حدثنا أبو الوَلِيدِ ‏(‏أحمد بن بكار‏)‏ الدّمَشْقِيّ أخبرنا الوَلِيدُ بن مُسْلِمٍ قال‏:‏ قال صَفْوَانُ بن عَمْروٍ أخْبَرَنِي يَزِيدُ بنُ خُمَيْرٍ عن عبدِ الله بن بُسْرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أُمّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ غُرّ مِنَ السّجُودِ مُحَجّلُونَ مِنَ الوُضُوءِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِن هذا الوجْهِ مِن حَدِيثِ عبدِ الله بن بُسْرٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال صفوان بن عمرو‏)‏ السكسكي أبو عمرو الحمصي قال عمرو بن علي ثبت، وقال أبو حاتم ثقة له في مسلم فرد حديث ‏(‏أخبرني يزيد بن خمير‏)‏ بالخاء المعجمة مصغراً الهمداني الزيادي الحمصي روى عن أبي أمامة وعبد الله بن بسر وعنه صفوان بن عمر وشعبة ووثقه، ووثقه أيضاً ابن معين والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أمتي يوم القيامة غر‏)‏ بضم الغين المعجمة وشدة الراء جمع أغر وهو أبيض الوجه ‏(‏من السجود‏)‏ أي من أثر السجود في الصلاة ‏(‏محجلون من الوضوء‏)‏ المحجل من الدواب التي قوائمها بيض مأخوذ من الحجل وهو القيد كأنها مقيدة بالبياض‏.‏ والمعنى يأتون يوم القيامة بيض الوجوه من آثار السجود، وبيض مواضع الوضوء من اليدين والرجلين من آثار الوجوه، فالغرة من أثر أبي هريرة عند مسلم وغيره مرفوعاً قال‏:‏ وددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا‏:‏ أو لسنا إخوانك يا رسول الله‏؟‏ قال أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله‏؟‏ فقال‏:‏ أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى يا رسول الله، قال فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض، وفي رواية ابن ماجه‏:‏ تردون على غراً محجلين من الوضوء سيماء أمتي ليس لأحد غيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وفي الباب عن أبي هريرة وتقدم آنفاً لفظ حديثه‏.‏ وفي الباب أيضاً عن أبي الدرداء أخرج حديثه أحمد وفيه‏:‏ فقال رجل يا رسول الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك‏؟‏ قال‏:‏ هم غر محجلون من أثر الوضوء ليس أحد كذلك غيرهم الحديث‏.‏ وهذا نص صريح في أن الغرة والتحجيل من خصوصيات هذه الأمة‏.‏

فإن قلت‏:‏ جعل السجود في حديث عبد الله بن بسر المذكور في هذا الباب علة للغرة يعارضه جعل الوضوء علة للغرة والتحجيل في حديث أبي هريرة وحديث أبي الدرداء الذين ذكرنا لفظهما آنفاً‏.‏

قلت‏:‏ يمكن أن يقال إن للغرة علتين للسجود والوضوء، وأما التحجيل فعلته هو الوضوء وحده والله تعالى أعلم‏.‏

424- باب مَا يُسْتَحَبّ مِنَ التّيَمّنِ في الطّهُور

604- حدثنا هَنّادٌ حدثنا أَبو الأحْوَصِ عن أَشْعَثَ بن أَبي الشّعْثَاء عن أَبيِه عن مَسْرُوقٍ عن عَائِشَةَ قالت‏:‏ ‏"‏أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُحِبّ التّيَمّنَ في طُهُورِهِ إذا تَطَهّرَ، وفي تَرَجّلِهِ إذا تَرَجّلَ، وفي إنْتِعَالِهِ إذا انْتَعَلَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وأبو الشّعْثَاءِ اسْمُهُ سُلَيْمُ بنُ أَسْوَدَ المُحَارِبيّ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحب التيمن‏)‏ أي الابتداء في الأفعال والرجل اليمنى والجانب الأيمن ‏(‏في طهوره‏)‏ بالضم ويفتح والمراد به المصدر ‏(‏وفي ترجله‏)‏ أي امتشاطه الشعر من اللحية والرأس ‏(‏وانتعاله‏)‏ أي لبس نعلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وغيرهما‏.‏

425- باب قَدْرِ ما يُجْزِيءُ مِنَ الماءِ في الوضُوء

‏(‏باب ذكر قدر ما يجزئ من الماء في الوضوء‏)‏ قد عقد الترمذي في أبواب الطهارة باباً بلفظ‏:‏ باب الوضوء بالمد، وذكر هناك اختلاف أهل العلم في هذه المسألة، فالظاهر أنه لم يكن له حاجة إلى عقد هذا الباب ههنا فتفكر‏.‏

605- حدثنا هَنّادٌ حدثنا وَكِيعٌ عن شَرِيْكٍ عن عبدِ الله بن عيسى عن ابن جَبْرٍ عن أَنَسِ ‏(‏بن مَالِكٍ‏)‏ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏يُجْزِيءُ في الوُضُوءِ رَطْلاَنِ مِنْ مَاءٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ على هذا اللفْظِ‏.‏

ورَوَى شُعْبَةُ عن عبدِ الله بنِ عبدِ الله بن جَبْرٍ عن أنَسِ ‏(‏بنِ مالِكٍ‏)‏ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَتَوَضّأُ بالمَكّوكِ وَيغْتَسِلُ بِخَمْسَةِ مَكَاكِيّ‏"‏‏.‏

ورُوي عن سفيان ‏(‏الثوري‏)‏ عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن ‏(‏جبير‏)‏ عن أنسٍ‏:‏ ‏"‏أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمُدّ وَيَغْتَسِلُ بِالصّاعِ‏"‏‏.‏ وهذا أصَحّ من حديث شريك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن شريك‏)‏ هو ابن عبد الله الكوفي القاضي بواسط ثم الكوفة صدوق يخطئ كثيراً تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلاً فاضلاً شديداً على أهل البدع ‏(‏عن عبد الله بن عيسى‏)‏ هو ابن عبد الرحمَن بن أبي ليلى الأنصاري أبو محمد الكوفي ثقة فيه تشيع ‏(‏عن ابن جبر‏)‏ هو عبد الله بن عبد الله بن جبر كما صرح به الترمذي وهو ثقة ‏(‏يجزئ في الوضوء رطلان من ماء‏)‏ الرطل بالفتح ويكسر اثنتا عشرة أوقية والأوقية أربعون درهماً كذا في القاموس، وقوله يجزئ ظاهره أنه لا يجزئ في الوضوء دون رطلين من الماء، ويعارضه حديث عباد بن تميم عن أم عمارة بنت كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأتى بماء في إناء قدر ثلثي المد، رواه أبو داود والنسائي وصححه أبو زرعة‏.‏ وحديث الباب قد تفرد به شريك القاضي وقد عرفت أنه يخطئ كثيراً وتغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرج بنحوه أحمد وأبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان يتوضأ بالمكوك‏)‏ بفتح الميم وضم الكاف الأولى وتشديدها بوزن تنور‏:‏ قال النووي‏:‏ لعل المراد بالمكوك هنا المد انتهى‏.‏ وقال صاحب مجمع البحار‏:‏ أراد بالمكوك المد وقيل الصاع والأول أشبه انتهى‏.‏ ‏(‏ويغتسل بخمسة مكاكي‏)‏ جمع مكوك وأصله مكاكيك أبدلت الكاف الأخيرة بالياء وأدغمت الياء في الياء‏:‏ وقد جاء في قدر ماء الاغتسال وماء الوضوء روايات مختلفة، قال الشافعي وغيره‏:‏ الجمع بين هذه الروايات أنها كانت اغتسالات في أحوال انتهى، وكذلك كانت وضوآت في أحوال، قال الشوكاني‏:‏ القدر المجزئ من الغسل ما يحصل به تعميم البدن على الوجه المعتبر سواء كان صاعاً أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلاً أو إلى مقدار في الزيادة يدخل فاعله في حد الإسراف‏.‏ وهكذا الوضوء القدر المجزئ منه ما يحصل به غسل أعضاء الوضوء سواء كان مداً أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في الزيادة إلى حد الإسراف أو النقصان إلى حد لا يحصل به الواجب انتهى كلام الشوكاني‏.‏ قلت‏:‏ الأمر كما قال‏.‏

426- باب مَا ذُكِرَ في نَضْحِ بَوْلِ الغُلاَمِ الرّضِيع

606- حدثنا محمد بن بشار حدثنا مُعَاذُ بن هِشَامٍ قال‏:‏ حَدّثَنيِ أبي عَن قَتَادةَ عَنْ أبي حَرْبِ بنِ أَبي الأَسْوَدِ عن أبيهِ عن عليَ بن أَبي طالب ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بَوْل الغلاَم الرّضِيعِ‏:‏ ‏"‏يُنْضَحُ بَوْلُ الغُلاَمِ ويُغْسَلُ بَوْلُ الَجارِيَةِ‏"‏‏.‏ قَال قَتَادَةُ وهَذَا ما لم يَطْعَما‏.‏ فإِذا طَعِما غُسِلا جميعاً‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ ‏(‏صحيح‏)‏‏.‏

رفعَ هشَامٌ الدّسْتَوائِيّ هذا الحَديثَ عن قَتادةَ، وأَوقَفَهُ سعِيدُ بنُ أبي عَرُوبَةَ عن قَتادَةَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا معاذ بن هشام‏)‏ بن أبي عبد الله الدستوائي البصري وقد سكن اليمن صدوق ربما وهم مات سنة مائتين ‏(‏قال حدثني أبي‏)‏ هو هشام بن أبي عبد الله سنبر وزن جعفر أبو بكر البصري الدستوائي ثقة ثبت وقد رمى بالقدر من كبار السابعة ‏(‏عن أبي حرب بن أبي الأسود‏)‏ الديلي البصري ثقة قيل اسمه محجن وقيل عطاء من الثالثة مات سنة 108 ثمان ومائة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو أبو الأسود الديلي بكسر المهملة وسكون التحتانية ويقال الدؤلي بالضم بعدها همزة مفتوحة البصري، اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان، ويقال عمرو بن ظالم، ويقال غير ذلك ثقة فاضل مخضرم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال في بول الغلام الرضيع‏:‏ ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية‏)‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ نضح عليه الماء ونضحه به إذا رشه عليه انتهى‏.‏ وفي القاموس‏:‏ نضح البيت ينضحه رشه‏.‏ وقال فيه الرش نقض الماء والدم والدمع انتهى‏.‏ وهذا الحديث حجة صريحة في أنه يكفي النضح في بول الصبي ولا يكفي في بول الجارية بل لا بد من غسله وهو الحق‏.‏ واعلم أن الترمذي رحمه الله قد عقد في أبواب الطهارة باباً في هذه المسألة بلفظ‏:‏ باب ما جاء في نضج بول الغلام قبل أن يطعم وذكر فيه حديث أم قيس بنت محصن وأشار إلى أحاديث منها حديث علي المذكور ههنا ثم قال‏:‏ وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل أحمد وإسحاق، قالوا ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية وهذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلاً جميعاً انتهى كلامه، فلا أدري لم ذكر هذا الباب ههنا والظاهر أنه تكرار، وقد بسطنا الكلام في هذه المسألة هناك فتذكر‏.‏

تنبيه‏:‏

اعلم أن المصنف رحمه الله قد ذكر في آخر كتاب الصلاة أبواباً كان موضع ذكرها كتاب الطهارة فلا أدري لم فعل هكذا فتفكر‏.‏

427- باب مَا ‏(‏ذُكِرَ‏)‏ في الرّخْصَةِ لِلْجُنُبِ في الأكلِ والنّوْمِ إذا تَوَضّأ

607- حدثنا هَنّادٌ حدثنا قَبِيصَةُ عن حَمّادِ بن سَلَمَةَ عن عَطاءٍ الخُرَاسَانِي عن يَحْيى بن يَعْمَرَ عن عَمّار ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَخّصَ للجُنُبِ إذا أرادَ أَنْ يَأَكُلَ أو يَشْرَبَ أو يَنَامَ أَنْ يَتَوَضّأَ وُضُوءَه للصّلاةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ ‏(‏صحيحٌ‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا قبيصة‏)‏ بن عقبة بن محمد بن سفيان السوائي أبو عامر الكوفي صدوق ربما خالف روى عن الثوري وشعبة وحماد بن سلمة وغيرهم، وعنه البخاري والذهلي وهناد بن سري وغيرهم كذا في التقريب وتهذيب التهذيب ‏(‏عن يحيى بن يعمر‏)‏ بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة ساكنة البصري نزيل مرو وقاضيها ثقة فصيح وكان يرسل من الثالثة كذا في التقريب‏.‏ وقال صاحب مجمع البحار في كتابه المغنى بفتح الميم وضمها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة‏)‏ أي الوضوء الشرعي‏.‏ والحديث يدل على أفضلية الغسل للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام لأن العزيمة أفضل من الرخصة، وعلى أنه يجوز له أن يأكل أو يشرب أو ينام قبل الاغتسال، وهذا كله مجمع عليه قاله النووي‏:‏ وأما من أراد أن يأكل أو يشرب فقد اتفق الناس على عدم وجوب الوضوء عليه، وحكى ابن سيد الناس في شرح الترمذي عن ابن عمر واجب، وأما من أراد أن ينام وهو جنب فقال الظاهرية وابن حبيب من المالكية بوجوب الوضوء عليه وذهب الجمهور إلى استحبابه وعدم وجوبه‏.‏ وتمسك القائلون بالوجوب بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏توضأ واغسل ذكرك ثم نم‏"‏، رواه الشيخان‏.‏ وتمسك الجمهور بحديث ابن عباس مرفوعاً‏:‏ إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة، أخرجه أصحاب السنن، وبحديث عائشة‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماءاً، أخرجه أبو داود والترمذي، وهو حديث ضعيف لا يصلح للاستدلال‏.‏

قال الشوكاني في النيل بعد ذكر ما تمسك به الفريقان ما لفظه‏:‏ فيجب الجمع بين الأدلة بحمل الأمر على الاستحباب، ويؤيد ذلك أنه أخرج ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من حديث ابن عمر أنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أينام أحدنا وهو جنب‏؟‏ قال‏:‏ نعم ويتوضأ إن شاء انتهى كلام الشوكاني‏.‏

قلت‏:‏ الأمر عندي كما قال الشوكاني والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏ وأخرج الشيخان عن عائشة مرفوعاً بلفظ‏:‏ كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة، وأخرج أحمد والنسائي عنها مرفوعاً بلفظ‏:‏ إذا أراد أن يأكل أو يشرب وهو جنب يغسل يديه ثم يأكل ويشرب، قال الشوكاني‏:‏ يجمع بين الروايات بأنه تارة يتوضأ وضوءه للصلاة، وتارة يقتصر على غسل اليدين، لكن هذا في الأكل والشرب خاصة، وأما في النوم والمعاودة فهو كوضوء الصلاة لعدم المعارض للأحاديث المصرحة فيهما بأنه كوضوء الصلاة انتهى‏.‏

428- باب مَا ‏(‏ذُكِرَ‏)‏ في فَضْلِ الصّلاة

608- حدثنا عبدُ الله بن أبي زِيَادٍ ‏(‏القطواني‏)‏ ‏(‏الكوفي‏)‏ حدثنا عُبَيْدُ الله بنُ موسى حدثنا غَالِبٌ أَبو بِشْرٍ عن أَيّوبَ بنِ عَائِذٍ الطّائِيّ عن قَيْس بن مُسْلِمٍ عن طَارِقِ بن شِهَابٍ عن كَعْبِ بن عُجْرَةَ قال‏:‏ قال لِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أُعِيذُكَ بالله يَا كَعْبُ بن عُجْرَةَ مِنْ أُمَرَاء يكُونونَ ‏(‏مِنْ‏)‏ بَعْدِي، فَمَنْ غَشِيَ أبْوَابَهُم فَصَدّقَهُمْ في كَذِبِهِمْ وأَعَانَهُم على ظُلْمِهمْ فَلَيْسَ مِنّي ولَسْتُ مِنهُ، ولاَ يَرِدُ عليّ الحْوضَ، وَمَنْ غَشيَ أَبْوابَهم أَوْ لَمْ يغْشَ فلمْ يُصَدّقْهُم في كَذبِهِم ولمْ يُعِنْهُم على ظُلْمِهِمِ فَهُو مِنّي وأَنَا مِنهُ، وَسَيَرِدّ عَليّ الحَوْضَ، يَا كَعْب بن عُجْرَةَ الصّلاةُ بُرْهَانٌ، والصّوْمُ جُنّةٌ حَصِينَةٌ، والصّدَقَةُ تُطْفِيء الخَطِيئَةَ كَما يُطْفِيءُ الماءُ النَارَ، يا كَعْبُ بنَ عُجْرَةَ، إنهُ لاَ يَرْبُو لَحمٌ نَبَتَ مِن سُحْتٍ إلاّ كاَنتِ النّارُ أَوْلَى بِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هذا الوجْهِ لا نعرفه إلا من حديث عُبيد الله بن موسى وأيوب بن عائذ ‏(‏الطائي‏)‏ يضعف ويقال‏:‏ كان يَرَى رأي الإرجاء‏.‏ وسَأَلْتُ محمداً عَن هَذا الحَديِثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ إلاّ مِن حديثِ عُبَيْدِ الله بنِ موسى واسْتَغْرَبَه جداً‏.‏

609- حدثنا ابنُ نُمَيْرٍ عن عُبَيْدِ الله بن موسى عن غالبٍ بهذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن أبي زياد‏)‏ هو عبد الله بن الحكم بن أبي زياد القطواني الكوفي الدهقان من شيوخ الترمذي، ‏(‏أخبرنا عبيد الله بن موسى‏)‏ العبسي الكوفي ثقه من رجال الستة ‏(‏أخبرنا غالب أبو بشر‏)‏ هو غالب بن نجيح الكوفي وثقه ابن حبان كذا في الخلاصة ‏(‏عن أيوب بن عائذ الطائي‏)‏ اليحتري ثقة ‏(‏عن قيس بن مسلم‏)‏ الجدلى الكوفي ثقة ‏(‏عن طارق بن شهاب‏)‏ الأحمصي كوفي مخضرم، قال أبو داود‏:‏ رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، وثقه ابن معين ‏(‏عن كعب بن عجرة‏)‏ بضم وسكون العين وسكون الجيم الأنصاري المدني صحابي مشهور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء‏)‏ أي من عملهم أو من الدخول عليهم أو اللحوق بهم ‏(‏يكونون من بعدي‏)‏ يعني سفهاء موصوفين بالكذب والظلم ‏(‏فمن غشى أبوابهم‏)‏ وفي رواية النسائي‏.‏ فمن دخل عليهم، وهو المراد من غشيان أبوابهم، قال في النهاية غشيه يغشاه غشياناً إذا جاء وغشاه تغشية إذا غطاه، وغشى الشيء إذا لابسه انتهى ‏(‏فصدقهم في كذبهم‏)‏ بفتح فكسر ويجوز بكسر فسكون والأول أصح وأفصح لعدم ورود غيره من القرآن، وقيل الكذب إذا أخذ في مقابلة الصدق كان بسكون الذال للازدواج، وإذا أخذ وحده كان بالكسر كذا في المرقاة ‏(‏وأعانهم على ظلمهم‏)‏ أي بالإفتاء ونحوه ‏(‏فليس مني ولست منه‏)‏ أي بين وبينه براءة ونقض ذمة قاله القاري، وقيل هو كناية عن قطع الوصلة بين ذلك الرجل وبينه صلى الله عليه وسلم، أي ليس بتابع لي وبعيد عني، وكان سفيان الثوري يكره تأويله ويحمله على ظاهره ليكون أبلغ في الزجر ‏(‏ولا يرد‏)‏ من الورود أي لا يمر ‏(‏علي‏)‏ بتشديد الياء بتضمين معنى العرض، أي لا يرد معروضاً على ‏(‏الحوض‏)‏ أي حوض الكوثر ‏(‏فهو مني وأنا منه‏)‏ كناية عن بقاء الوصلة بينه وبينه صلى الله عليه وسلم بشرط ألا يكون قاطع آخر ‏(‏الصلاة برهان‏)‏ أي حجة ودليل على إيمان صاحبها ‏(‏والصوم جنة‏)‏ بضم الجيم وتشديد النون هو الترس ‏(‏حصينة‏)‏ أي مانعة من المعاصي بكسر القوة والشهوة ‏(‏والصدقة تطفئ الخطيئة‏)‏ التي تجر إلى النار، يعني تذهبها وتمحو أثرها ‏(‏إنه‏)‏ ضمير الشأن ‏(‏لا يربو‏)‏ أي لا يرتفع ولا يزيد، ربا المال يربو إذا زاد ‏(‏لحم نبت‏)‏ أي نشأ ‏(‏من سحت‏)‏ بضم السين وسكون الحاء أي حرام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه النسائي‏.‏

429- باب مِنْه

‏(‏باب منه‏)‏ أي من الباب المتقدم، والمعنى هذا باب آخر في فضل الصلاة‏.‏

610- حدثنا مُوسَى بنُ عبدِ الرحمَنِ ‏(‏الكندي‏)‏ الكُوفيّ حدثنا زَيْدُ بن الحُبابِ أخبرنا مُعَاويةُ بنُ صَالحٍ حدّثَنيِ سُلَيْم بنُ عامرٍ قال‏:‏ سَمِعْتُ أبا أُمَامةَ يقولُ‏:‏ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ في حَجّةِ الوَدَاعِ فقال ‏"‏اتّقُوا الله ‏(‏رَبّكُمْ‏)‏، وصلّوا خَمْسَكُمْ، وصوُمُوا شهْركُمْ، وأَدّوا زكاةَ أمْوَالِكُمْ وأَطِيعُوا ذا أَمْرِكُمْ، تَدْخُلُوا جَنّةَ رَبّكُمْ‏"‏ قال‏:‏ فقلتُ لأبي أُمَامَةَ‏:‏ مُنْذُ كَمْ سَمِعْتَ ‏(‏من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ هذا الحديثَ‏؟‏ قال سَمِعْتُهُ وأَنا ابنُ ثلاثينَ سَنَةً‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا موسى بن عبد الرحمَن الكوفي‏)‏ هو موسى بن عبد الرحمَن بن سعيد بن مسروق الكندي المسروقي أبو عيسى الكوفي من شيوخ الترمذي، قال في التقريب‏:‏ ثقة من كبار الحادية عشر ‏(‏حدثني سليم بن عامر‏)‏ الكلاعي ويقال الخبايري الحمصي ثقة من الثالثة، غلط من قال إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة ثلاثين ومائة‏.‏

وله‏:‏ ‏(‏وصلوا خمسكم‏)‏ أضاف إليهم ليقابل العمل بالثواب في قوله جنة ربكم، ولينعقد البيع والشراء بين العبد والرب كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم‏}‏ الاَية‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ حكمة إضافة هذا وما بعده إليهم إعلامهم بأن ذوات هذه الأعمال بكيفيتها المخصوصة من خصوصياتهم التي امتازوا بها عن سائر الأمم‏.‏ وحثهم على المبادرة للامتثال بتذكيرهم بما خوطبوا به، وتذكيرهم بأن هذه الإضافة العملية يقابلها إضافة فضلية هي أعلى منها وأتم وهي الجنة المضافة إلى وصف الربوبية المشعر بمزيد تربيتهم وتربية نعيمهم بما فارقوا به سائر الأمم ‏(‏وصوموا شهركم‏)‏ المختص بكم وهو رمضان وأبهمه الدلالة على أنه صار من الظهور عندهم إلى حد لا يقبل الشك والتردد ‏(‏وأدوا زكاة أموالكم‏)‏ في الخلعيات وأدوا زكاتكم طيبة بها أنفسكم، وحجوا بيت ربكم، كذا في قوت المغتذي، والمراد بأموالكم أي التي هي ملك لكم ‏(‏وأطيعوا ذا أمركم‏)‏ قال القاري‏:‏ أي الخليفة والسلطان وغيرهما من الأمراء، أو المراد العلماء، أو أعم، أي كل من تولى أمراً من أموركم سواء كان السلطان ولو جائراً ومتغلباً وغيره ومن أمرائه وسائر نوابه، ألا أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولم يقل أميركم إذ هو خاص عرفاً ببعض من ذكر ولأنه أوفق لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم‏}‏ انتهى كلام القاري‏.‏

قلت‏:‏ المراد بقوله ‏(‏ذا أمركم‏)‏ هو الذي أريد بقوله ‏{‏أولى الأمر‏}‏ في هذه الاَية‏:‏ قال البخاري في صحيحه‏:‏ باب قوله ‏{‏أولى الأمر منكم‏}‏ ذوي الأمر، قال الحافظ‏:‏ وهو تفسير أبي عبيدة، قال ذلك في هذه الاَية وزاد‏.‏ والدليل على ذلك أن واحدها ذو أي واحد أولى لأنها لا واحد لها من لفظها، قال‏:‏ واختلف في المراد ‏{‏بأولى الأمر‏}‏ في هذه الاَية، فعن أبي هريرة هم الأمراء أخرجه الطبراني بإسناد صحيح، وأخرج عن ميمون بن مهران وغيره نحوه، وعن جابر بن عبد الله قال‏:‏ هم أهل العلم والخير، وعن مجاهد وعطاء وأبي الحسن وأبي العالية‏:‏ هم العلماء، ومن وجه آخر أصح منه عن مجاهد قال‏:‏ هم الصحابة وهذا أخص، وعن عكرمة‏:‏ أبو بكر وعمر، وهذا أخص من الذي قبله، ورجح الشافعي الأول واحتج له بأن قريشاً كانوا لا يعرفون الإمارة ولا ينقادون إلى أمير، فأمروا بالطاعة لمن ولي الأمر، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ من أطاع أميري فقد أطاعني‏.‏ متفق عليه، واختار الطبري حملها على العموم، وإن نزلت في سبب خاص، قاله الحافظ في الفتح‏:‏

قلت‏:‏ والراجح أن المراد بقوله ‏(‏ذا أمركم‏)‏ في الحديث وبقوله ‏{‏أولى الأمر‏}‏ في الاَية هم الأمراء، ويؤيده شأن نزولها، فروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس ‏{‏أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم‏}‏ قال‏:‏ نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية انتهى‏.‏ وعقد البخاري رحمه الله في ابتداء كتاب الأحكام من صحيحه باباً بلفظ‏:‏ باب قول الله ‏{‏أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم‏}‏، وأورد فيه حديثين الأول حديث أبي هريرة الذي فيه‏:‏ ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني، والثاني حديث ابن عمر‏:‏ ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ في هذا إشارة من المصنف إلى ترجيح القول الصائر إلى أن الاَية نزلت في طاعة الأمراء خلافاً لمن قال نزلت في العلماء، وقد رجح ذلك أيضاً الطبري، وقال ابن عيينة‏:‏ سألت زيد بن أسلم عنها ولم يكن بالمدينة أحد يفسر القرآن بعد محمد بن كعب مثله، فقال اقرأ ما قبلها تعرف، فقرأت ‏{‏إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل‏}‏ الاَية فقال هذه في الولاة انتهى‏.‏ وقال العيني في عمدة القاري ص 554ج8 قوله‏:‏ ‏{‏وأولى الأمر منكم‏}‏ في تفسيره أحد عشر قولاً الأول الأمراء قاله ابن عباس وأبو هريرة وابن زيد والسدي، الثاني أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، الثالث جميع الصحابة قاله مجاهد، الرابع الخلفاء الأربعة قاله أبو بكر الوراق فيما قاله الثعلبي، الخامس المهاجرون والأنصار قاله عطاء، السادس الصحابة والتابعون، السابع أرباب العقل الذين يسوسون أمر الناس قاله ابن كيسان، الثامن العلماء والفقهاء قاله جابر بن عبد الله والحسن وأبو العالية، التاسع أمراء السرايا قاله ميمون بن مهران ومقاتل والكلبي، والعاشر أهل العلم والقرآن قاله مجاهد واختاره مالك، الحادي عشر عام في كل من ولى أمر شيء وهو الصحيح، وإليه مال البخاري بقوله ذوي الأمر انتهى كلام العيني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم ولا يعرف له علة ولم يخرجاه، وقد احتج مسلم بأحاديث لسليم بن عامر وسائر رواته متفق عليهم، كذا في نصب الراية‏.‏ وفي الباب عن أبي الدرداء أخرجه الطبراني في كتاب مسند الشاميين مرفوعاً بلفظ‏:‏ أخلصوا عبادة ربكم وصلوا خمسكم وأدوا زكاة أموالكم وصوموا شهركم وحجوا بيت ربكم تدخلوا جنة ربكم، ذكره الزيلعي في نصب الراية‏.‏

7- كتاب الزكاة عن رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

430- باب ما جَاء عن رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في مَنْعِ الزّكَاة مِنَ التّشْديد

هي الركن الثالث من الأركان التي بني الإسلام عليها‏.‏ قال ابن العربي في عارضة الأحوذي‏:‏ تطلق الزكاة على الصدقة الواجبة والمندوبة والنفقة والحق والعفو، وتعريفها في الشرع‏:‏ إعطاء جزء من النصاب الحولي إلى فقير ونحوه غير هاشمي ولا مطلبي، ثم لها ركن وهو الإخلاص‏.‏ وشرط وهو السبب وهو ملك النصاب الحولي، وشرط من تجب عليه وهو العقل والبلوغ والحرية، ولها حكم وهو سقوط الواجب في الدنيا، وحصول الثواب في الأخرى، وحكمة وهي التطهير من الأدناس ورفع الدرجة واسترقاق الأحرار انتهى‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ هو جيد لكن في شرط من تجب عليه اختلاف انتهى‏.‏

611- حدثنا هَنّادُ بنُ السّرِيّ التميمي الكوفي حدثنا أبو مُعَاوِيَةَ عن الأعْمَشِ عن المَعْرُورِ بنِ سُوَيْدٍ عن أبِي ذَر قال‏:‏ ‏"‏جِئْتُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهُوَ جالِسٌ في ظِلّ الكَعْبَةِ، قال‏:‏ فَرَآنِي مُقْبِلاً فقال‏:‏ ‏"‏هُمُ الأخْسَرُونَ وَرَبّ الكَعْبَةِ يَوْمَ القيامَةِ‏"‏، قال‏:‏ فَقُلْتُ مَالِي لَعَلّهُ أُنْزِلَ فِيّ شَيْءٌ، قال‏:‏ قلت‏:‏ مَنْ هُمْ فِدَاكَ أَبِيْ وَأُمّي‏؟‏ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏هُمُ الأكثَرُونَ إلاّ مَنْ قالَ هكذَا وهكذَا، وهكذا فَحَثَا بَيْنَ يَدَيْهِ وعن يَمِيِنهِ وَعَن شِمَالِهِ، ثم قال‏:‏ والذّي نَفْسي بِيَدِهِ لا يَمُوتُ رَجُلٌ فَيَدَعُ إبلاً أو بَقَراً لَمْ يُؤَدّ زَكَاتَهَا إلاّ جَاءَتْهُ يَوْمَ القيامة أعظم ما كانَتْ وأَسْمَنَهُ تَطَؤُهُ بأَخْفَافِهَا وتَنْطحُهُ بقُرُونِها كُلّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ عليهِ أُولاَها حتّى يُقْضَى بَيْنَ النّاسِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أبي هُرَيْرَةَ مِثْلُه‏.‏ وعن عليّ بن أبي طَالِبٍ رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏لُعِنَ مَانِعُ الصّدَقَةِ‏"‏ وعن قَبِيصَةَ بنِ هُلْبٍ عن أبيهِ، وجابرِ بنِ عبدِ الله وعبدِ الله بن مسعودٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أبي ذَر حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

واسْمُ أبي ذَر جُنْدَبُ بنُ السّكَنِ‏.‏ ويُقَالُ ابنُ جُنَادَةَ‏.‏

612- حدثنا عبدُ الله بنُ مُنِيرٍ عن عُبَيْدِ الله بن موسَى عن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عن حَكِيمِ بنِ الدّيْلَمِ عن الضَحّاكِ بنِ مُزَاحِمٍ قال‏:‏ ‏"‏الأَكْثَرُونَ أَصْحَابُ عَشَرةِ آلافٍ‏"‏‏.‏

قال وعبد الله بن منير مروزي رجلٌ صالح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن معرور بن سويد‏)‏، الأسدي الكوفي يكنى بأبي أمية ثقة من الثانية عاش مائة وعشرين سنة ‏(‏عن أبي ذر‏)‏ هو أبو ذر الغفارى الصحابي المشهور رضي الله عنه اسمه جندب بن جنادة على الأصح وهو من أعلام الصحابة وزهادهم أسلم قديماً بمكة يقال كان خامساً في الإسلام، ثم انصرف إلى قومه فأقام عندهم إلى أن قدم المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الخندق، ثم سكن الربذة إلى أن مات سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه‏.‏ قال الذهبي‏:‏ كان يوازي ابن مسعود في العلم وكان رزقه أربعمائة دينار ولا يدخر مالاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هم الأخسرون‏)‏ هم ضمير عن غير مذكور لكن يأتي تفسيره وهو قوله هم الأكثرون الخ ‏(‏ورب الكعبة‏)‏ الواو للقسم ‏(‏قال فقلت‏)‏ أي في نفسي ‏(‏فداك أبي وأمي‏)‏ بفتح الفاء لأنه ماض خبر بمعنى الدعاء، ويحتمل كسر الفاء والقصر لكثرة الاستعمال، أي يفديك أبي وأمي وهما أعز الأشياء عندي، قاله القاري‏.‏ وقال العراقي‏:‏ الرواية المشهورة بفتح الفاء والقصر على أنها جملة فعلية، وروي بكسر الفاء والمسد على الجملة الإسمية انتهى ‏(‏هم الأكثرون‏)‏، وفي رواية الشيخين هم الأكثرون أموالاً أي الأخسرون مالاً، هم الأكثرون مالاً ‏(‏إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا‏)‏ أي إلا من أشار بيده من بين يديه وعن يمينه وعن شماله‏.‏ قال الطيبي‏:‏ يقال قال بيده أي أشار، وقال بيده أي أخذ، وقال برجله أي ضرب، وقال بالماء على يده أي صبه، وقال بثوبه أي رفعه ‏(‏فحثا بين يديه وعن يمينه وعن شماله‏)‏ أي أعطى في وجوه الخير، قال في القاموس‏:‏ الحثي كالرمي ما رفعت به يدك، وحثوت له أعطيته يسيراً ‏(‏فيدع‏)‏ أي يترك ‏(‏إبلاً وبقراً‏)‏ أو للتقسيم ‏(‏أعظم ما كانت‏)‏ بالنصب حال وما مصدرية ‏(‏وأسمنه‏)‏ أي أسمن ما كانت ‏(‏تطؤه بأخفافها‏)‏ أي تدوسه بأرجلها، وهذا راجع للإبل، لأن الخف مخصوص بها كما أن الظلف مخصوص بالبقر والغنم والظباء، والحافر يختص بالفرس والبغل والحمار، والقدم للاَدمي قاله السيوطي ‏(‏وتنطحه‏)‏ أي تضربه، والمشهور في الرواية بكسر الطاء قاله السيوطي ‏(‏بقرونها‏)‏ راجع للبقر ‏(‏كلما نقدت‏)‏ روى بكسر الفاء مع الدال المهملة من النفاد وبفتحها والذال المعجمة من النفوذ قاله السيوطي‏.‏ قوله ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة مثله‏)‏ أخرجه البخاري ومسلم ‏(‏وعن علي بن أبي طالب قال‏:‏ لعن مانع الزكاة‏)‏ أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي والخطيب في تاريخه وابن النجار، وفيه محمد بن سعيد البورقي كذاب يضع الحديث، كذا في شرح سراج أحمد السندي ‏(‏وقبيصة بن هلب عن أبيه‏)‏ أي هلب الطائي قيل إنه بضم الهاء وإسكان اللام وآخره باء موحدة، وقيل بفتح الهاء وكسر اللام وتشديد الباء، قال ابن الجوزي وهو الصواب كذا في قوت المغتذي ‏(‏وجابر بن عبد الله‏)‏ أخرجه مسلم ‏(‏وعبد الله بن مسعود‏)‏ أخرجه ابن ماجه والنسائي بإسناد صحيح وابن خزيمة في صحيحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي ذر حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم ‏(‏واسم أبي ذر جندب بن السكن ويقال ابن جنادة‏)‏ بضم الجيم وخفة النون وإهمال الدال، قال العراقي‏:‏ ما صدر به قول مرجوح وجعله ابن حبان وهما، والصحيح الذي صححه المتقدمون والمتأخرون الثاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن منير‏)‏ بنون آخره مهملة مصغراً المروزي أبو عبد الرحمَن الزاهد الحافظ الجوال، روى عن النضر بن شميل ووهب بن جرير وخلق‏:‏ وعنه البخاري وقال لم أر مثله والترمذي والنسائي ووثقه، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين كذا في الخلاصة، وقد ضبط الحافظ في التقريب لفظ منير بضم الميم وكسر النون وكذا ضبطه في الفتح في باب الغسل في المخضب ‏(‏عن حكيم بن الديلم‏)‏ المدائني صدوق ‏(‏عن الضحاك بن مزاحم‏)‏ الهلالي مولاهم الخراساني يكنى أبا القاسم عن أبي هريرة وابن عباس وغيرهما، قال سعيد بن جبير لم يلق ابن عباس، ووثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة، وقال ابن حبان‏:‏ في جميع ما روي نظر، إنما اشتهر بالتفسير مات سنة خمس ومائة كذا في الخلاصة، وقال في التقريب‏:‏ صدوق كثير الإرسال ‏(‏قال الأكثرون أصحاب عشرة آلاف‏)‏ قال القاضي أبو بكر بن العربي‏:‏ يعني درهماً، وإنما جعله حد الكثرة لأنه قيمة النفس المؤمنة وما دونه في حد القلة وهو فقه بالغ، وقد روي عن غيره وإني لأستحبه قولاً وأصوبه رأياً انتهى كلامه‏.‏ وفي حاشية النسخة الأحمدية هذا التفسير من الضحاك لحديث آخر هو قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من قرأ ألف آية كتب من المكثرين المقنطرين، وفسر المكثرين بأصحاب عشرة آلاف درهم، وأورد الترمذي هذا التفسير ههنا لمناسبة ضعيفة انتهى ما في الحاشية‏.‏

قلت‏:‏ لم أقف على من أخرج هذا الحديث بهذا اللفظ وبتفسير الضحاك هذا والله تعالى أعلم، وقد أخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله القناطير المقنطرة، يعني المال الكثير من الذهب والفضة، ذكره السيوطي في الدر المنثور‏.‏

431- باب ما جَاءَ إذَا أَدّيْتَ الزكاةَ فقد قَضَيْتَ ما عَلَيْك

613- حدثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ الشّيْبَانِيُ البصري حدثنا عبدُ الله بنُ وَهْب أخبرنا عَمْرُو بنُ الحَارِثِ عن دَرّاجٍ عن ابنِ حُجَيْرَةَ ‏(‏هو عبد الرحمن بن حجيزة البصري‏)‏ عن أبي هُرَيْرَةَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إِذا أَدّيْتَ زكاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وقد رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أنّهُ ذَكَرَ الزكاةَ، فقالَ رجلٌ‏:‏ ‏"‏يا رسولَ الله هَلْ عَلَيّ غَيْرُهَا‏؟‏ فقال لا إلا أنْ تَتَطَوّع‏"‏‏.‏

614- حدثنا محمدُ بنُ إسماعيلَ، حدثنا عليّ بنُ عبدِ الحميد الكُوفِيّ حدثنا سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيرَةِ عن ثَابِتٍ عن أَنَسٍ قال‏:‏ ‏"‏كُنّا نَتَمَنّى أن يَأتي الأعْرَابِيّ العَاقِلُ فَيَسْأَلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ونَحْنُ عِنْدَهُ، فَبَيْنَا نَحْنُ كذَلِكَ إِذْ أَتَاهُ أَعْرَابِيّ فَجَثَا بَيْنَ يَدَيِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا محمدُ إنّ رَسُولَكَ أَتَانَا فَزَعَم لَنَا أَنّكَ تَزْعُم أَنّ الله أَرْسَلَكَ، فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ نَعَمْ، قالَ‏:‏ فَبِالّذِي رَفَع السّمَاءَ، وبَسَطَ الأرْضَ، ونَصَبَ الجِبَالَ آلله أَرْسَلَكَ‏؟‏ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ نَعَمْ، قال‏:‏ فإِنّ رَسُولَكَ زَعَمَ لَنَا أَنّكَ تَزْعُمُ أَنّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ في اليَوْمِ واللّيْلَةِ، فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ نَعَمْ، قالَ‏:‏ فَبِالّذِي أَرْسَلَكَ آلله أَمَرَكَ بِهَذَا‏؟‏ قال‏:‏ نعم فإنّ رَسُولَكَ زَعَمَ لَنَا أَنّكَ تَزْعُمُ أَنّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرٍ في السّنَةِ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ صَدَقَ، قالَ‏:‏ فَبِالّذِي أَرْسَلَكَ آلله أَمَرَكَ بِهَذَا‏؟‏ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ نَعَمْ، قالَ‏:‏ فإِنّ رَسُولَكَ زَعَمَ لَنَا أَنّكَ تَزْعُمُ أَنّ عَلَيْنَا في أَمْوَالِنَا الزكَاةَ فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ صَدَقَ، قالَ‏:‏ فَبِالّذِي أَرْسَلَكَ آلله أَمَرَكَ بِهَذَا‏؟‏ قالَ النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ نَعَمْ، قال‏:‏ فإنّ رَسُولَكَ زَعم لنا أنّكَ تزعم أنّ علينا الحج إلى البيتِ من استطاعَ إليه سبيلاً، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ نعم، قالَ‏:‏ فبِالّذِي أرْسَلَكَ آلله أمَرَكَ بِهَذَا‏؟‏ فقالَ‏:‏ النبي صلى الله عليه وسلم نعم، فقالَ‏:‏ والّذِي بَعَثَكَ بالحَقّ لاَ أَدَعُ مِنْهُنّ شَيْئاً وَلاَ أُجَاوِزُهُنّ، ثُمّ وَثَبَ، فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إِنْ صَدَقَ الأعْرَابِيّ دَخَل الجنّةَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هذا الوجْهِ‏.‏ وقد رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هذا الوجْهِ عن أَنَسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

سَمِعْتُ محمدَ بنَ إسماعيلَ يقولُ‏:‏ قالَ بَعْضُ أهلِ العلم‏:‏ فقهُ هذا الحديثِ أنّ القِرَاءةَ على العَالِمِ والعَرْضَ عليهِ جَائزٌ مِثْلُ السّمَاعِ‏.‏ واحْتَجّ بأَنّ الأعْرَابِيّ عَرَضَ على النبيّ صلى الله عليه وسلم فَأَقَرّ بهِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن دراج‏)‏ بتثقيل الراء وآخره جيم ابن سمعان أبي السمح، قيل اسمه عبد الرحمَن ودراج لقبه، وثقه ابن معين وضعفه الدارقطني، قال أبو داود‏:‏ حديثه مستقيم إلا عن أبي الهيثم ‏(‏عن ابن حجيرة‏)‏ بضم الحاء وفتح الجيم مصغراً اسمه عبد الرحمَن ثقة وهو ابن حجيرة الأكبر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أديت‏)‏ أي أعطيت ‏(‏زكاة مالك‏)‏ الذي وجبت عليك فيه زكاة ‏(‏فقد قضيت‏)‏ أي أديت ‏(‏ما عليك‏)‏ من الحق الواجب فيه ولا تطالب بإخراج شيء آخر منه‏.‏ قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي‏:‏ قوله ما عليك أي من حقوق المال، وهذا يقتضي أنه ليس عليه واجب مالي غير الزكاة، وباقي الصدقات كلها تطوع وهو يشكل بصدقة الفطر والنفقات الواجبة، إلا أن يقال الكلام في حقوق المال وليس بشيء من هذه الأشياء من حقوق المال بمعنى أنه يوجبه المال بل يوجبه أسباب أخر، كالفطر والقرابة والزوجية وغير ذلك انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجه والحاكم في الزكاة‏.‏ وقال الحاكم صحيح كذا في شرح الجامع الصغير للمناوى‏.‏ وقال الحافظ في الفتح بعد نقل تحسين الترمذي وصححه الحاكم وهو على شرط ابن حبان، وعن أم سلمة عند الحاكم وصححه ابن القطان أيضاً وأخرجه أبو داود، وقال ابن عبد البر في سنده مقال، وذكر شيخنا يعني الحافظ العراقي في شرح الترمذي‏:‏ إن سنده جيد، قال الحافظ وفي الباب عن جابر أخرجه الحاكم بلفظ‏:‏ إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره، ورجح أبو زرعة والبيهقي وغيرهما وقفه كما عند البزار انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن إسماعيل‏)‏ هو الإمام البخاري رحمه الله صرح به الحافظ كما ستقف ‏(‏حدثنا علي بن حميد الكوفي‏)‏ المعنى كوفي ثقة وكان ضريراً من العاشرة ‏(‏أخبرنا سليمان بن المغيرة‏)‏ القيسي مولاهم البصري أبو سعيد ثقة أخرج له البخاري مقروناً وتعليقاً من السابعة ‏(‏عن ثابت‏)‏ هو ابن أسلم البناني البصري ثقة عابد من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يبتدئ‏)‏ أي بالسؤال ‏(‏الأعرابي العاقل‏)‏ روى بالعين المهملة والقاف وهو المشهور وبالغين المعجمة والفاء والمراد به هنا الذي لم يبلغه النهي عن السؤال‏.‏ كذا في قوت المغتذي‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وقع في رواية موسى بن إسماعيل في أول هذا الحديث عن أنس قال‏:‏ نهينا في القرآن أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يعجبنا أن يَجِيِـئَ الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل، وكأن أنساً أشار إلى آية المائدة، قال‏:‏ وتمنوه عاقلاً ليكون عارفاً بما يسأل عنه ‏(‏فبينا نحن كذلك‏)‏ أي على هذه الحالة وهي حالة التمني ‏(‏إذ أتاه أعرابي‏)‏ اسمه ضمام بن ثعلبة ‏(‏فجثا‏)‏ أي جلس على ركبته ‏(‏فزعم لنا‏)‏ أي فقال لنا، والزعم كما يطلق على القول المحقق أيضاً كما نقله أبو عمرو الزاهدي في شرح فصيح شيخه ثعلب، وأكثر سيبويه من قوله زعم الخليل في مقام الاحتجاج قاله الحافظ، والمراد به ههنا هو الأخير ‏(‏إنك تزعم‏)‏ أي تقول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبالذي رفع السماء‏)‏ أي أقسمك بالذي رفع السماء ‏(‏الله‏)‏ بمد الهمزة للاستفهام كما في قوله تعالى ‏{‏آلله أذن لكم‏}‏ ‏(‏لا أدع‏)‏ أي لا أترك ‏(‏ولا أجاوزهن‏)‏ أي إلى غيرهن يعني لا أزيد عليهن باعتقاد الافتراض، وفي رواية مسلم‏:‏ والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص ‏(‏ثم وثب‏)‏ أي قام بسرعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ من هذا الوجه ذكر الإمام البخاري في صحيحه هذا الحديث معلقاً فقال بعد روايته حديث أنس بإسناده ما لفظه‏:‏ رواه موسى وعلي بن عبد الحميد عن سليمان عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا انتهى‏.‏ قال الحافظ في الفتح موسى هو ابن إسماعيل التبوذكي وحديثه موصول عند أبي عوانة في صحيحه وعند ابن مندة في الإيمان، وإنما علقه البخاري لأنه لم يحتج بشيخه سليمان بن المغيرة، قال‏:‏ وحديث علي بن عبد الحميد موصول عند الترمذي، أخرجه عن البخاري عنه، وكذا أخرجه الدارمي عن علي بن عبد الحميد وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروي من غير هذا الوجه عن أنس الخ‏)‏ رواه البخاري ومسلم وغيرهما ‏(‏قال بعض أهل الحديث فقه هذا الحديث‏)‏ أي الحكم المستنبط منه، والمراد ببعض أهل الحديث أبو سعيد الحداد أخرجه البيهقي من طريق ابن خزيمة قال سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول‏:‏ قال أبو سعيد الحداد‏:‏ عندي خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة على العالم، فقيل له فقام قصة ضمام بن ثعلبة قال آلله أمرك بهذا، قال‏:‏ نعم، كذا في فتح الباري ‏(‏أن القراءة على العالم والعرض عليه جائز مثل السماع‏)‏ أي القراءة على الشيخ جائز كما يجوز السماع من لفظ الشيخ، وكان يقول بعض المتشددين من أهل العراق‏:‏ إن القراءة على الشيخ لا تجوز ثم انقرض الخلاف فيه واستقر الأمر على جوازه، وأختلف في أن أيهما أرفع رتبة، والمشهور الذي عليه الجمهور أن السماع من لفظ الشيخ أرفع رتبة من القراءة عليه ما لم يعرض عارض يصير القراءة عليه أولى، ومن ثم كان السماع من لفظه في إملاء أرفع الدرجات لما يلزم منه من تحرز الشيخ والطالب كذا في الفتح‏.‏

432- باب ما جَاء في زكاةِ الذّهَبِ والوَرِق

‏(‏باب ما جاء في زكاة الذهب والورق‏)‏ أي الفضة، يقال ورق بفتح الواو وكسرها وبكسر الراء وسكونها‏.‏

615- حدثنا محمدُ بنُ عبدِ المَلِك بنِ أبي الشّواَربِ حدثنا أبو عَوَانَةَ عن أبي إسحاقَ عن عَاصِمِ بنِ ضَمْرَةَ عن علي قالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏قَدْ عَفَوْتُ عن صَدَقَةِ الخَيْلِ والرّقِيقِ فهَاتُوا صَدَقَةَ الرّقَةِ مِنْ كُلّ أرْبَعِينَ دِرْهَماً دِرْهَماً‏.‏ وَلَيْسَ في تِسْعِينَ ومائةٍ شيءٌ فإذا بَلَغَتْ مائتينِ فَفِيها خَمْسَةُ الدّرَاهِمَ‏"‏‏.‏

وفي البابَ عن أبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ وعَمِرْو بنِ حَزْمٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ روَى هذا الحديثَ الأعْمَشُ وأبو عَوَانَةَ وغَيْرُهُمَا عن أبي إسحاقَ عن عَاصِمِ بنِ ضَمْرَةَ عن علي‏.‏ وَرَوَى سُفيانُ الثّوْرِيّ وابنُ عُيَيْنَةَ وغَيْرُ واحِدٍ عن أَبِي إسحاقَ عن الحارِثِ عن علي‏.‏ قال‏:‏ وسألْتُ محمدَاً عن هذا الحَديثِ فقالَ كِلاَهُمَا عِنْدِي صحيحٌ عن أَبِي إسحاقَ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ روى عَنْهُما جَمِيعاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عاصم بن ضمرة‏)‏ السلولي الكوفي، قال في التقريب صدوق، وقال في الخلاصة وثقه ابن المديني وابن معين وتكلم فيه غيرهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق‏)‏ أي إذا لم يكونا للتجارة، وفي الخيل السائمة اختلاف وسيجيء بيانه وتحقيق الحق فيه في باب ما جاء ليس في الخيل والرقة صدقة‏.‏ قال الطيبي‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏عفوت‏)‏ مشعر بسبق ذنب عن إمساك المال عن الإنفاق أي تركت وجاوزت عن أخذ زكاتهما مشيراً إلى أن الأصل في كل مال أن تؤخذ منه الزكاة ‏(‏فهاتوا صدقة الرقة‏)‏ أي زكاة الفضة، والرقة بكسر الراء وتخفيف القاف أي الدارهم المضروبة أصلة ورق وهو الفضة، خذف منه الواو وعوض عنه التاء كما في عدة ودية، قاله القاري في المرقاة، وقال الحافظ في الفتح‏:‏ الرقة الفضة الخالصة سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة ‏(‏وليس لي في تسعين ومائة شيء‏)‏ إنما ذكر التسعين لأنه آخر عقد قبل المائة، والحساب إذا جاوز الاَحاد كان تركيبه بالعقود كالعشرات والمئتين والألوف، فذكر التسعين ليدل على أن لا صدقة فيما نقص عن المائتين، ويدل عليه قوله ‏(‏فإذا بلغت‏)‏ أي الرقة ‏(‏مائتين ففيها خمسة دراهم‏)‏ أي الواجب فيها خمسة دراهم بعد حولان الحول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي بكر الصديق وعمرو بن حزم‏)‏ أما حديث الصديق فأخرجه البخاري وأحمد، وأما حديث عمرو بن حزم فأخرجه الطبراني والحاكم والبيهقي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحتمل أن يكون‏)‏ أن هذا الحديث ‏(‏عنهما جميعاً‏)‏ أي عن عاصم بن ضمرة والحارث كليهما فروى أبو إسحاق عنهما، قال الحافظ في الفتح بعد ذكر حديث علي هذا‏.‏ أخرجه أبو داود وغيره وإسناده حسن انتهى‏.‏

433- باب ما جَاءَ في زكاةِ الإبِلِ والغَنَم

616- حدثنا زِيَادُ بنُ أَيُوبَ البَغْدَادِيّ و إبرَاهِيمُ بنُ عبدِ الله الهَرَوِيّ و محمدُ بنُ كَامِل المَرْوَزِيّ- ‏(‏المعْنَى وَاحِدٌ‏)‏- قالُوا‏:‏ حدثنا عَبّادُ ابنُ العَوّامِ عن سُفيانَ بنِ حُسَين عن الزُهْرِيّ عن سَالِمٍ عن أبيهِ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَتَبَ كِتَابَ الصّدَقَةِ فَلَمْ يُخْرِجْهُ إلى عُمّالِهِ حتى قُبِضَ فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ، فَلَمّا قُبِضَ عَمِلَ بِهِ أبو بَكْرٍ حتّى قُبِضَ، وعُمَرُ حتّى قُبِضَ، وكانَ فيهِ ‏"‏في خَمْسٍ مِنَ الإبِلِ شَاةٌ، وفي عَشْرٍ شَاتَانٍ، وفي خَمْسَ عَشْرَةَ ثلاثُ شِيَاهٍ، وفي عِشرينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وفي خَمْسٍ وَعِشْرينَ بِنْتُ مَخَاضٍ إلى خَمْسٍ وثلاثينَ، فإذا زَادَتْ فَفِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ إلى خَمْسٍ وأَرْبَعِينَ، فإذا زَادَتْ فَفِيهَا حِقّةٌ إلى سِتّينَ، فإذا زَادَت فَجَذَعَةٌ إلى خَمْس وسَبْعِينَ، فإذا زَادَتْ ففِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إلى تِسْعِينَ، فإذا زَادَتْ فَفِيهَا حِقّتَانِ إلى عشْرينَ ومائَةٍ، فإذا زَادَتْ على عِشْرِينَ ومائَةٍ فِفِي كُلّ خَمْسِينَ حِقّةٌ، وفي كُلّ أرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وفي الشّاءِ في كُلّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إلى عِشْرِينَ ومائَةٍ، فإذا زَادَتْ فَشَاتَانِ إلى مائَتَيْنِ، فإذا زَادَتْ فثلاَثُ شِيَاهٍ إلى ثلاثمائَةِ شَاةٍ فإذا زَادَتْ على ثلاثمائة شَاةٍ ففِي كُلّ مائَةِ شَاةٍ شَاةٌ، ثم لَيْسَ فيها شيءٌ حتى تَبْلُغَ أرْبَعَمائِةٍ ولا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرّقٍ ولا يُفَرّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ مَخَافَةَ الصّدَقَةِ‏.‏

ومَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فإنّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بالسّوِيّةِ، ولا يؤْخَذُ في الصّدَقَةِ هَرِمَةٌ ولا ذَاتُ عَيْبٍ‏"‏‏.‏

وقال الزّهْرِيّ‏:‏ إذَا جَاءَ المُصَدّقُ قَسّمَ الشّاءَ أثْلاثاً‏:‏ ثُلُثُ خِيَارٌ، وثُلُثٌ أوْسَاطٌ وثُلُثٌ شِرَارٌ‏.‏ وأَخَذَ المُصَدّقُ مِنَ الوسَطِ‏.‏ ولم يَذْكُرِ الزّهْرِيّ البَقَرَ‏.‏

وفي البابِ عن أبي بَكْرٍ الصّدّيقِ وبهز بنِ حَكِيمٍ عن أبيهِ عن جَدّهِ وأَبِي ذَر وأَنَسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ ابنِ عُمَرَ حديثٌ حسنٌ‏.‏ والعملُ على هذا الحديثِ عند عَامّةِ الفُقَهَاءِ‏.‏ وقد رَوَى يونسُ بنُ يَزيدَ وغيرُ واحِدٍ عن الزُهْرِيّ عن سَالِمٍ بهذا الحديثَ ولم يَرْفَعُوهُ، وإنّمَا رَفَعَهُ سُفْيَان بنُ حُسَيْنٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا زياد بن أيوب البغدادي‏)‏ الطوسي الأصل أبو هاشم يلقب دلويه وكان يغضب منها ولقبه أحمد شعبة الصغير ثقة حافظ، وروى عنه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي ‏(‏وابراهيم بن عبد الله الهروي‏)‏ أبو عبد الله نزيل بغداد، قال الدارقطني ثقة ثبت، وضعفه أبو داود وغيره لوقفه في القرآن ‏(‏ومحمد بن كامل المروزي‏)‏ ثقة من صغار العاشرة ‏(‏المعنى واحد‏)‏ أي ألفاظهم مختلفة والمعنى واحد ‏(‏أخبرنا عباد بن العوام‏)‏ بن عمر الكلابي مولاهم أبو سهل الواسطي ثقة من الثامنة ‏(‏عن سفيان بن حسين‏)‏ الواسطي ثقة في غير الزهري بإتفاقهم كذا في التقريب، وقال في الميزان‏:‏ قال عثمان بن سعيد‏:‏ سألت يحيى عنه فقال ثقة وهو ضعيف الحديث عن الزهري، وقال ابن عدي‏:‏ سمعت أبا يعلى يقول‏:‏ قيل لابن معين حدث سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه في الصدقات فقال لم يتابعه عليه أحد ليس يصح انتهى‏.‏ قلت‏:‏ بل تابعه عليه سليمان بن كثير كما ستقف عليه في كلام المنذري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقرنه بسيفه‏)‏ أي كتب كتاب الصدقة فقرنه بسيفه لارادة أن يخرجه إلى عماله فلم يخرجه حتى قبض، ففي العبارة تقديم وتأخير، قال أبو الطيب السندي‏:‏ وفيه إشارة إلى أن من منع ما في هذا يقاتل بالسيف، وقد وقع المنع والقتال في خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه وثباته على القتال مع مدافعة الصحابة أولاً يشير إلى أنه فهم الاشارة، قال هذا من فوائد بعض المشائخ انتهى ‏(‏وكان فيه‏)‏ أي في كتاب الصدقة ‏(‏ثلاث شياه‏)‏ جمع شاة ‏(‏وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين‏)‏ استبدل به على أنه لا يجب فيما بين العدد شيء غير بنت مخاض خلافاً لمن قال كالحنفية تستأنف الفريضة فيجب في كل خمس من الإبل شاة مضافة إلى بنت المخاض قاله الحافظ في الفتح‏.‏ قلت‏:‏ لعله أراد بالحنفية بعضهم، وإلا ففي الهداية وشرح الوقاية وغيرهما من كتب الفقه الحنفي المعتبرة مصرح بخلافه موافقاً لما في الحديث‏.‏ وبنت مخاض بفتح الميم والمعجمة الخفيفة وآخره معجمة، هي التي أتى عليها حول ودخلت في الثاني وحملت أمها، والماخض الحامل أي دخل وقتها وإن لم تحل ‏(‏ففيها بنت لبون‏)‏ بفتح اللام هي التي تمت لها سنتان ودخلت في الثالثة سميت بها لأن أمّها تكون لبوناً أي ذات لبن ترضع به أخرى غالباً ‏(‏ففيها حقة‏)‏ بكسر الحاء وتشديد القاف هي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة سميت بها لأنها استحقت أن تركب وتحمل ويطرقها الجمل ‏(‏ففيها جذعة‏)‏ بفتح الجيم والذال المعجمة هي التي أتت عليها أربع سنين ودخلت في الخامسة سميت بها لأنها تجذع أي تقلع أسنان اللبن ‏(‏فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون‏)‏ فواجب مائة وثلاثين بنتاً لبون وحقة، وواجب مائة وأربعين بنت لبون وحقتان وهكذا‏.‏ قال في المرقاة‏:‏ قال القاضي‏:‏ دل الحديث على استقراء الحساب بعد ما جاوز العدد المذكور يعني أنه إذا زاد الإبل على مائة وعشرين لم تستأنف الفريضة‏.‏ وهو مذهب أكثر أهل العلم، وقال النخعي والثوري وأبو حنيفة‏:‏ تستأنف فإذا زادت على المائة والعشرين خمس لزم حقتان وشاة، وهكذا إلى بنت مخاض وبنت لبون على الترتيب السابق انتهى ‏(‏وفي السماء في كل أربعين شاة شاة‏)‏ قال أبو الطيب السندي‏:‏ المراد عموم الحكم لكل أربعين شاة بالنظر إلى الأشخاص أي في أربعين شاة شاة كائنة لمن كان وأما بالنظر إلى شخص واحد ففي أربعين شاة ولا شيء بعد ذلك حتى تزيد على عشرين ومائة انتهى‏.‏ ‏(‏ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع مخافة الصدقة‏)‏ بالنصب على أنه مفعول لأجله والفعلان على بناء المفعول، وفي رواية البخاري خشية الصدقة‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ قال مالك في الموطأ‏:‏ معنى هذا الحديث أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيه الزكاة فيجمعونها حتى لا تجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة، أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاتان فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد إلا شاة واحدة‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ هو خطاب لرب المال من جهة، وللساعي من جهة، فأمر كل واحد منهم أن لا يحدث شيئاً من الجمع والتفريق خشية الصدقة، فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع أو يفرق لتقل، والساعي يخشى أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر، فمعنى قوله ‏(‏خشية الصدقة‏)‏ أي خشية أن تكثر الصدقة أو خشية أن تقل الصدقة، فلما كان محتملاً للأمرين، لم يكن الحمل على أحدهما بأولى من الاَخر، فحمل عليهما معاً، لكن الذي يظهر أن حمله على المالك أظهر‏.‏ والله أعلم انتهى‏.‏ ‏(‏وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية‏)‏ يريد أن المصدق إذا أخذ من أحد الخليطين ما وجب أو بعضه من مال أحدهما، فإنه يرجع المخالط الذي أخذ منه الواجب أو بعضه بقدر حصته الذي خالطه من مجموع المالين مثلاً في المثلى كالثمار أو الحبوب، وقيمته في المقوم كالإبل والبقر والغنم، فلو كان لكل منهما عشرون شاة رجع الخليط على خليطه بقيمة نصف شاه لا بنصف شاة لأنها غير مثلية، ولو كان لأحدهما مائة وللاَخر مائة، فأخذ الساعي الشاتين الواجبتين من صاحب المائة رجع بثلث قيمتها أو من صاحب الخمسين، رجع بثلثي قيمتها، أو من كل واحد شاة رجع صاحب المائة بثلث قيمة شاته، وصاحب الخمسين بثلثي قيمة شاته‏.‏ كذا في إرشاد الساري للقسطلاني ‏(‏ولا يؤخذ في الصدقة هرمة‏)‏ بفتح الهاء وكسر الراء، الكبيرة التي سقطت أسنانها ‏(‏ولا ذات عيب‏)‏ أي معيبة، واختلف في ضبطه، فالأكثر على أنه ما يثبت به الرد في البيع، وقيل ما يمنع الإجزاء في الأضحية، ويدخل في المعيب المريض والذكورة بالنسبة إلى الأنوثة، والصغير سناً بالنسبة إلى سن أكبر منه، قاله الحافظ ‏(‏إذا جاء المصدق‏)‏ بتخفيف الصاد وكسر الدال المشددة عامل الصدقة، أي إذا جاء العامل عند أرباب المال لأخذ الصدقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي هذا الباب عن أبي بكر الصديق‏)‏ أخرجه البخاري وأحمد بطوله ‏(‏وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده‏)‏ أخرجه أحمد في مسنده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإنما رفعه سفيان بن حسين‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وسفيان بن حسين ضعيف في الزهري وقد خالفه من هو أحفظ منه في الزهري فأرسله انتهى‏.‏ وقال المنذري وسفيان بن حسين أخرج له مسلم، واستشهد به البخاري‏.‏ إلا أن حديثه عن الزهري فيه مقال، وقد تابع سفيان بن حسين على رفعه سليمان بن كثير وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه‏.‏ وقال الترمذي في كتاب العلل‏:‏ سألت محمد بن اسماعيل عن هذا الحديث فقال أرجو أن يكون محفوظاً وسفيان بن حسين صدوق انتهى‏.‏

434- باب ما جَاءَ في زكاةِ البَقَر

617- حدثنا محمدُ بنُ عُبَيْد المُحَارِبيّ و أَبُو سَعِيدٍ الأشَجُ قالا‏:‏ حدثنا عبدُ السّلاَمِ بنُ حَرْبٍ عن خُصَيْفٍ عن أبي عُبَيْدَةَ عن عبدِ الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏في ثلاثينَ مِنَ البَقَرِ تَبِيْعٌ أو تَبِيعةٌ‏.‏ وفي كُلّ أرْبَعِينَ مُسِنّةٌ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن مُعَاذٍ بنِ جَبَلٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هكَذَا رَوَى عبدُ السّلاَمِ بنُ حَرْبٍ عن خصيْفٍ‏.‏ وعبدُ السّلاَمِ ثِقَةٌ حَافِظٌ‏.‏

وَرَوَى شَرِيكٌ هذا الحديثَ عن خصَيْفٍ عن أبي عُبَيدَةَ عن أبيهِ عن عبدِ الله‏.‏ وأبو عُبَيْدَةَ بنُ عبدِ الله لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ‏(‏أبيهِ‏)‏‏.‏

618- حدثنا محمودُ بن غَيْلانَ، حدثنا عبدُ الرّزاقِ أخبرنا سُفْيَانُ عن الأعْمَشِ عن أبي وَائِلٍ عن مَسْروقٍ عن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ قال‏:‏ ‏"‏بعَثَنِي النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليَمَنِ، فأَمَرَنِي أنْ آخُذَ مِنْ كُلّ ثلاثينَ بَقَرَة تَبِيعاً أو تَبِيعَة، ومِنْ كُلّ أَرْبَعِينَ مُسِنّةً، ومِنْ كُلّ حَالِمٍ دينَاراً أَو عدْلَهُ مَعافِرَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

وَرَوَى بعضُهُم هذا الحديثَ عن سُفْيَانَ عن الأعْمَشِ عن أبي وَائِلٍ عن مَسْرُوقٍ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذاً إلى اليَمَنِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ‏"‏ وهذا أصحّ‏.‏

619- حدثنا محمدُ بن بَشّارٍ حدثنا محمدُ بنُ جَعْفَرٍ حدثنا شُعْبَةُ عن عَمْرِو بنِ مُرّةَ قال‏:‏ سَأَلْتُ أبا عُبَيْدَةَ بن عبد الله هل يذْكُرُ عنْ عبدِ الله شيئاً‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن خصيف‏)‏ بالصاد المهملة مصغراً ابن عبد الرحمَن الجزري صدوق سيء الحفظ خلط بآخره من الخامسة ‏(‏عن أبي عبيدة‏)‏ هو ابن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته والأشهر أنه لا إسم له غيرها ويقال اسمه عامر كوفي في ثقة من كبار الثلاثة‏.‏ والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه كذا في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في كل ثلاثين من البقر تبيع‏)‏ أي ما كمل له سنة ودخل في الثانية، وسمي به لأنه يتبع أمه بعد والأنثى تبيعة ‏(‏وفي كل أربعين سنة‏)‏ أي ما كمل له سنتان، وطلع سنها ودخل في الثالثة‏.‏ وأخرج الطبراني عن ابن عباس مرفوعاً‏:‏ وفي كل أربعين مسنة أو مسن، والحديث دليل على وجوب الزكاة في البقر وأن نصابها ما ذكر‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ لا خلاف بين العلماء أن السنة في زكاة البقر على ما في حديث معاذ‏.‏

قوله ‏(‏وفي الباب عن معاذ بن جبل‏)‏ أخرجه الترمذي في هذا الباب وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

قوله ‏(‏وروي شريك هذا الحديث عن خصيف عن أبي عبيدة عن أبيه عن عبد الله‏)‏ فزاد شريك لفظ ‏(‏عن أبيه‏)‏ بين لفظ عن أبي عبيدة وبين لفظ عن عبد الله، وشريك هذا هو ابن عبد الله الكوفي القاضي يخطئ كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة فزيادته لفظ ‏(‏عن أبيه‏)‏ منكرة، ورواية عبد السلام بن حرب بحذف هذه الزيادة، هي محفوظة فإنه ثقة حافظ، وقيل عن عبد الله بدل من عن أبيه‏.‏

قوله ‏(‏أن أخذ من كل ثلاثين بقرة‏)‏ قال ابن الهمام‏:‏ البقر من بقر إذا شق سمي به لأنه يشق الأرض وهو اسم جنس، والتاء في بقرة للوحدة فيقع على الذكر والأنثى لا للتأنيث‏.‏

قوله ‏(‏من كل حالم ديناراً‏)‏ أراد بالحالم من بلغ الحلم وجرى عليه حكم الرجال سواء احتلم أم لا، والمراد به أخذ الحرية من لم يسلم ‏(‏أو عدله‏)‏ قال الخطابي‏:‏ عدله أي ما يعادل قيمته من الثياب‏.‏ قال الفراء‏:‏ هذا عدل الشيء بكسر العين أي مثله في الصورة، وهذا عدله بفتح العين إذا كان مثله في القيمة‏.‏ وفي النهاية العدل بالكسر وبالفتح وهما بمعنى المثل ‏(‏معافر‏)‏ على وزن مساجد حي من همدان لا ينصرف لما فيه من صيغة منتهى الجموع وإليهم تنسب الثياب المعافرية، والمراد هنا الثياب المعافرية كما فسره بذلك أبو داود‏.‏

قوله ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وزعم ابن بطال أن حديث معاذ هذا متصل صحيح قال الحافظ‏:‏ وفي الحكم بصحته نظر لأن مسروقاً لم يلق معاذاً وإنما حسنه الترمذي لشواهده، ففي الموطأ من طريق طاؤس عن معاذ نحوه، وطاؤس عن معاذ منقطع أيضاً، وفي الباب عن علي عند أبي داود‏.‏

قوله ‏(‏وروى بعضهم هذا الحديث عن سفيان الخ‏)‏ أي رواه بعضهم مرسلاً بغير ذكر معاذ، وهذا المرسل أخرجه ابن شيبة بسنده عن مسروق قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن فذكره كذا في نصب الراية‏.‏

435- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ أَخْذِ خِيَارِ المالِ في الصّدَقَة

620- حدثنا أبو كُرَيْبٍ، حدثنا وَكيعٌ، حدثنا زَكَرِيا بنُ إسْحَاقَ المَكّيّ، حدثنا يَحْيى بنُ عبدِ الله بن صَيْفِي عن أَبي مَعْبَدٍ عن ابنِ عباسٍ ‏"‏أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذاً إلى اليَمَنِ فقال له‏:‏ إنّكَ تَأْتِي قَوْماً أَهْلَ كِتَابٍ فادْعُهُمْ إلى شَهَادَةِ أَنْ لا إلهَ إلاّ الله وأَنّى رَسُولُ الله، فإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فأَعْلِمْهُم أن الله افترَضَ عَلَيْهِم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في اليَوْمِ واللّيْلَةِ، فإِن هُمْ أَطَاعُوا لِذلِكَ فأَعْلِمْهُمْ أنّ الله افْتَرَضَ عَلَيْهِم صَدَقَةً في أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وتُرَدّ على فُقَرائِهِمْ، فإنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فإيّاكَ وكَرَائِمَ أمْوَالِهِمْ‏.‏ واتّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ فإنّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وبَيْنَ الله حِجَابٌ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن الصّنَابِحِيّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ ابنِ عباسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وأبو مَعْبَدٍ مَوْلَى ابنِ عباسٍ اسْمُهُ نَافِذٌ‏.‏

قوله ‏(‏أخبرنا يحيى بن عبد الله بن صيفي‏)‏ هو يحيى بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن صيفي المكي ثقة من السادسة كذا في التقريب‏.‏

قوله ‏(‏بعث معاذاً إلى اليمن‏)‏ أي أرسله إليه أميراً أو قاضياً ‏(‏فإن هم أطاعوا لذلك‏)‏ أي إنقادوا للإسلام وهو من قبيل حذف عامله على شريطة التفسير كقوله تعالى ‏{‏وإن أحد من المشركين استجارك فأجره‏}‏ ‏(‏فأعلمهم‏)‏ من الإعلام ‏(‏تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم‏)‏ قال البخاري في صحيحه‏:‏ باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا، ثم ذكر هذا الحديث، قال الحافظ‏:‏ ظاهر الحديث أن الصدقة ترد على فقراء من أخذت من أغنيائهم، وقال ابن المنير‏:‏ اختار البخاري جواز نقل الزكاة من بلد المال لعموم قوله ‏(‏فترد في فقرائهم‏)‏ لأن الضمير يعود على المسلمين، فأي فقير منهم ردت فيه الصدقة في أية جهة كان، فقد وافق عموم الحديث انتهى‏.‏ والذي يتبادر إلى الذهن من هذا الحديث عدم النقل وأن الضمير يعود على المخاطبين فيختص بذلك فقراؤهم، لكن رجح ابن دقيق العيد الأول‏.‏ قال‏:‏ إنه وإن لم يكن الأظهر إلا أنه يقويه أن أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تعتبر في الزكاة كما لا تعتبر في الصلاة فلا يختص بهم الحكم وإن اختص بهم خطاب المواجهة انتهى‏.‏ وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فأجاز النقل الليث وأبو حنيفة وأصحابهما، ونقله ابن المنذر عن الشافعي واختاره، والأصح عند الشافعية والمالكية والجمهور وترك النقل، فلو خالف ونقل أجزأ عند المالكية على الأصح، ولم يجزئ عند الشافعية على الأصح إلا إذا فقد المستحقون لها، ولا يبعد أنه اختيار البخاري لأن قوله حيث كانوا يشعر بأنه لا ينقل عن بلد وفيه ممن هو متصف بصفة الاستحقاق انتهى كلام الحافظ‏.‏

قلت‏:‏ والظاهر عندي عدم النقل إلا إذا فقد المستحقون لها أو يكون في النقل مصلحة أنفع وأهم من عدمه والله تعالى أعلم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وفيه إيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون لعموم قوله ‏(‏من أغنيائهم‏)‏ قاله عياض وفيه بحث،، وأن الزكاة لا تدفع إلى الكافر لعود الضمير في فقرائهم إلى المسلمين سواء قلنا بخصوص البلد أو العموم انتهى ‏(‏فإياك وكرائم أموالهم‏)‏ جمع كريمة وهي خيار المال وأفضله، أي احترز من أخذ خيار أموالهم ‏(‏واتق دعوة المظلوم‏)‏ أي اتق الظلم خشية أن يدعو عليك المظلوم ‏(‏فإنها ليس بينها وبين الله حجاب‏)‏ مانع بل هي معروضة عليه تعالى‏.‏ قال السيوطي‏:‏ أي ليس لها ما يصرفها ولو كان المظلوم فيه ما يقتضي أنه لا يستجاب لمثله من كون مطعمه حراماً أو نحو ذلك، حتى ورد في بعض طرقه ‏(‏وإن كان كافراً‏)‏ رواه أحمد من حديث أنس قال ابن العربي‏:‏ ليس بين الله وبين شيء حجاب عن قدرته وسمعه وبصره ولا يخفى عليه شيء، وإذا أخبر عن شيء أن بينه وبينه حجاباً فإنما يريد منعه انتهى‏.‏

قوله ‏(‏وفي الباب عن الصنابحي‏)‏ هو صنابح بن الأعسر، قال الحافظ في التقريب‏:‏ الصنابح بضم أوله ثم نون وموحدة ومهملة ابن الأعسر الأحمصي صحابي سكن الكوفة ومن قال فيه الصنابحي فقد وهم انتهى‏.‏ قال سراج أحمد السرهندي في شرح الترمذي‏:‏ أخرج حديثه ابن أبي شيبة قال‏:‏ أبصر النبي صلى الله عليه وسلم ناقة حسنة في إبل الصدقة فقال ما هذه‏؟‏ قال صاحب الصدقة‏:‏ إني ارتجعتها ببعيرين من حواشي الإبل، قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فنعم إذاً‏"‏‏.‏ كذا في شرح سراج أحمد السرهندي‏.‏

قوله ‏(‏حديث ابن عباس حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما‏.‏

قوله ‏(‏اسمه نافذ‏)‏ بفاء ومعجمة ثقة من الرابعة مات سنة أربع ومائة‏.‏